روى الخوارزمي ، والقندوزي ، والإسفرايني ، والهيتمي ـ واللفظ للأوّل ـ قال : أخبرنا عين الأئمة بإسناده الذي مرَّ آنفاً , عن زيد بن علي ، و عن محمّد بن الحنفيّة ، عن علي بن الحسين زين العابدين (عليه السّلام) أنّه قال : (( لمَّا أتي برأس الحسين (عليه السّلام) إلى يزيد كان يتّخذ مجالس الشرب ، و يأتي برأس الحسين (عليه السّلام) فيضعه بين يديه ، و يشرب عليه ، فحضر ذات يوم أحد مجالسه رسولُ ملك الروم ، وكان من أشراف الروم و أعاظمها ، فقال : يا ملك العرب , رأس مَن هذا ؟
فقال له يزيد : ما لك ولهذا الرأس ؟
قال : إنّي إذا رجعت إلى مَلكنا يسألني عن كلِّ شيء رأيته ، فأحببتُ أن أخبره بقصّة هذا الرأس و صاحبه ؛ ليشاركك في الفرح والسرور .
فقال يزيد : هذا رأس الحسين بن علي بن أبي طالب .
فقال : و من اُمّه ؟
قال : فاطمة الزهراء .
قال : بنتُ مَن ؟
قال : بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) .
فقال الرسول : أُفٍّ لك ولدينك ! ما دين أخسّ من دينك ! اعلم أنِّي من أحفاد داود ، و بيني وبينه آباء كثيرة ، والنصارى يعظّمونني و يأخذون التراب من تحت قدمي تبركاً ؛ لأنّي من أحفاد داود ، و أنتم تقتلون ابن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) و ما بينه و بين رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلاّ اُمٌّ واحدة ! فأيُّ دين هذا ؟!
ثمّ قال : يا يزيد , هل سمعت بحديث كنيسة الحافر ؟
فقال يزيد : قُل حتّى نسمع .
فقال : إنّ بين عمان والصين بحراً مسيرته سنة , ليس فيه عمران إلاّ بلدة واحدة في وسط الماء طولها ثمانون فرسخاً و عرضها كذلك ، و ما على وجه الأرض بلدة أكبر منها ، و منها يحمل الكافور والياقوت والعنبر ، و أشجارها العود ، وهي في أيدي النصارى لا ملك لأحدٍ فيها من الملوك ، وفي تلك البلدة كنائس كثيرة ، أعظمها كنيسة الحافر ، في محرابها حقَّةٌ من الذهب معلّقة فيها حافر يقولون : إنّه حافر حمار كان يركبه عيسى ، وقد زيّنت حوالي الحقَّةِ بالذهب والجواهر , والديباج والإبريسم .
وفي كلِّ عام يقصدوها عالم من النصارى ؛ فيطوفون حول الحقَّةِ ، و يزورونها و يقبّلونها و يرفقون حوائجهم إلى الله ببركتها ، هذا شأنهم و دأبهم بحافر حمار يزعمون أنّه حافر حمار يركبه عيسى نبيّهم ، و أنتم تقتلون ابن بنت نبيِّكم ! لا بارك الله فيكم ولا في دينكم .
فقال يزيد لأصحابه : اقتلوا هذا النصراني , فإنّه يفضحنا إن رجع إلى بلاده ، و يشنّع علينا . فلمَّا أحسَّ النصراني بالقتل قال : يا يزيد , أتريد قتلي ؟
قال : نعم .
قال : فاعلم أنّي رأيتُ البارحة نبيَّكم في منامي و هو يقول لي : يا نصراني , أنت من أهل الجنة . فعجبتُ من كلامه حتّى نالني هذا ، فأنا أشهد أن لا إله إلاّ الله ، و أنّ محمداً (صلّى الله عليه وآله) عبده و رسوله . ثمّ أخذ الرأس وضمَّه إليه ، و جعل يبكي حتّى قُتل )) .
و روى مجد الأئمة السرخسكي ، عن أبي عبدالله الحداد : أنّ النصراني اخترط سيفاً و حمل على يزيد ليضربه ، فحال الخدم بينهما ، و قتلوه و هو يقول : الشهادة الشهادة (1) .
_________________________
(1) مقتل الحسين (عليه السّلام) للخوارزمي 2 / 80 ـ 81 .