باتَت علَيَّ مع العوادي
لوّامةٌ خُلْوُ الفؤادِ (1)
وغَدَات تُطيل ملامتي
يأمَيُّ كم هذا التمادي (2)
ظنَّت صلاحي في السُّلوّ
وكان لي عينَ الفسادِ (3)
ما للخواطرِ والسُّلوّ
وللنواظرِ والرُّقادِ (4)
جهلاً تُطالِب سلوةً
مِن ظاهر الأحزان باديِ
لفؤادِه جَحرُ الغَضى
ولجَنبهِ شوكُ القَتادِ (5)
ما بعدَ يومِ آبنِ النبيِّ
سِوى المدامعِ والسُّهادِ (6)
والثُّكلِ والويلِ الطَّويـ
ـلِ، ولبسِ أثواب السَّوادِ (7)
* * *
قُتِل أبنُ بنتِ محمّدٍ
لرِضى يزيدٍ عن زيادِ (8)
قَتلوه فرداً وهوَ يا
جَدّاهُ بينَهمُ يُنادي
وسَقَوه مِن وِردِ الفرا
تِ العَذْبِ أطرافَ الحِدادِ (9)
حتّى قضى والماءُ يَجْـ
ـري وهوَ ملهوفُ الفؤادِ!
* * *
قُلْ للنبيّ المصطفى:
يا خيرَ مبعوثٍ وهادي
هذا الحبيبُ مُعفَّرُ الْـ
ـخدَّينِ في عَفْرِ المِهادِ (10)
شِلْواً تُرَضُّ ضلوعُهُ
بحوافرِ الخيلِ الصِّلادِ (11)
قل للجيادِ عسى دَرَتْ:
لا أُمَّ للخيلِ الجيادِ
أشلاءُ مَن قد وُزِّعَتْ
بالركضِ في تلك الوِهادِ ؟! (12)
هَدَّت قُوى المجدِ الأثيـ
ـلِ، وغاربَ الشرفِ التِّلادِ (13)
واستأصَلَت ركنَ المعا
لي بعدَ تَشْييدِ العمادِ
كَبِدَ الهدى آصْمَت وفَوّ
قَ سهمُها قلبَ الرشادِ (14)
* * *
قُلْ للطفَّرةِ البتو
ل وأُمِّها ذاتِ السَّدادِ
تأتي الحسينَ بكربلا
مُلقىً تُكفِّنُه البوادي (15)
أشلاؤُه فوقَ الصَّعبـ
ـدِ ورأسُه فوقَ الصِّعاد (16)
تأتي مُشالَ الرأسِ فَو
قَ الرمحِ مقطوعَ الأيادي!
تأتي البدورَ التَّمَّ كَيْـ
ـفَ تَزايَلَت ظَمأى صوادي (17)
تأتي شريعةَ جَدِّه الْـ
ـبيضاءَ لابسةَ السَّوادِ
* * *
مَن بَعدَكم آلَ النبيّ
لحاضرٍ ينحو وبادي ؟! (18)
قد صَوَّح الوادي وأظـ
ـلَمَ ـ حين غِبتُم ـ كلُّ نادي
فَمَنِ المُرجّى بَعدَكُم
في الناسِ للكُرَبِ الشِّدادِ ؟!
ومَنِ المُؤمَّلُ للمَنا
قبِ والنوائبِ والأيادي ؟!
مَن للفضائلِ والفوا
ضلِ والنوازلِ والعوادي ؟! (19)
لكفالةِ الأيتامِ أَحْـ
ـوَطُ مِن أبٍ وأخٍ جَوادِ
للمِلّةِ الغَرّاءِ لا
تَنفَكُّ في سوقِ الكسادِ
* * *
يا آلَ طاسينٍ ويا
سينٍ، وحاميمٍ وصادِ (20)
أصفَيتُكم وُدّي وأُخْـ
ـلِصُ في الوِلا لكمُ اعتقادي
ثقتي بكم يومَ الجزا
وعلى نوالِكمُ اعتمادي
وإليكمُ وجّهتُ آ
مالي وأعطيتُ انقيادي
* * *
قَلَّدتُ آلُ محمّدٍ
وعلى مَقالِهمُ استنادي
قلّدتُهم أصلي وفَرْ
عي، وهوَ يومَ العَرضِ زادي
يا ربِّ هذا مَا اعتَقَد
تُ، وأنت رحمانُ العبادِ
صلّى المليكُ عليهمُ
ما رائحٌ سارٍ وغادي (21) (22)
الحاج هاشم الكعبي
**********************************
الهوامش:
1. العوادي: جمع عادية، وهي المظلمة.
2. التمادي: اللَّجاجة.
3. السُّلُوّ: البعاد والصدود. الفساد هنا: الأذى، أو انفصام العُلقة.
4. النواظر: العيون. الرقاد: النوم.
5. جَمْر الغضى: جمر الخشب المعروف بالاشتعال زمناً طويلاً. وشوك القتاد: شوك شجرة صلبة، يكون كالإبَر.
6. السُّهاد: السَّهَر.
7. الثُّكل: الفَقْد.
8. يزيد بن معاوية الذي أمر أزلامه بقتل سيّد الشهداء أبي عبدالله الحسين صلوات الله عليه. وزياد بن أبيه: يُراد به هنا ابنه عبيدالله بن زياد الذي نَفّذ إرادة يزيد، أو ناب عن أبيه زياد في إقامة ظليمة الطفّ بكربلاء.
9. أطراف الحِداد: أطراف الرماح، أو أشفار السيوف.
10. عَفْر المِهاد: تراب الأرض المنخفضة.
11. الحوافر الصِّلاد: الصلبة.
12. الوهاد: هُوّة الأرض.
13. الأثيل: الأصيل. التِّلاد: القديم المقيم. غارب الشرف: ظَهرُه وسنامه وأعلاه.
15. البوادي: جمع بادية، والمراد رمال الصحراء.
16. الصعيد: التراب، والصِّعاد: الرمح الشاهق.
17. الفُعْم: المفعمة الطافية. تزايَلَت: انسحبت نحو الجفاف. صوادي: عطشى.
18. الحاضر والبادي: أهل الحضر وأهل البادية. ينحو: يهدي.
19. النوازل: المصائب النازلة. العوادي هنا: النوائب والنكبات.
20. طاسين، ياسين، حم، ص: رموز قرآنيّة مباركة جاءت في أوائل بعض السور الشريفة، يريد الشاعر بهذا البيت أن يخاطب أهلَ القرآن، أو أهل الذكْر إذا فُسِّر الذكر بالقرآن الكريم، وهو أهلُ بيت النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم.
21. المليك: المالك، وهو الله جلّ وعلا، إشارة إلى قوله تعالى: «إنَّ اللهَ ومَلائكتَه يُصَلُّون علَى النبيّ، يا أَيُّها الذينَ آمَنُوا صَلُّوا عليهِ وسَلِّموا تسليماً» [سورة الأحزاب:56] وصلاة الله تعالى هي التزكية والتبرئة من كلّ نقصٍ وعيب.
22. الدرّ النضيد في مراثي السبط الشهيد، جمع: السيّد محسن الأمين:111 ـ 113.