عربي
Monday 25th of November 2024
0
نفر 0

المهدي المنتظر (عج)

المهدي المنتظر (عج)

المهديُ المُنتَظر

(عجّل الله تعالى فرجه الشريف)(*)

الشيخ : محمّد جواد مغنية ـ بتصرّف

الدين والعقل

أشاد الإسلام بالعقل وأحكامه ، ودعا إلى تحرره من التقاليد والأوهام ، ونعى على العرب وغير العرب الذين لا يفقهون ولا يعقلون ، ويؤمنون بالسخافات والخرافات .

وقد أنزل اللّه في ذلك عشرات الآيات ، وتواترت به عن الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) الأحاديث والروايات ، وأفرد له علماء المسلمين أبواباً خاصة في كتب الحديث والكلام والاُصول .

 

سؤال :

هل معنى إشادة الإسلام بالعقل أنه يدرك صحة كلِّ أصل من اُصول الإسلام ، وكلِّ حكم من أحكام الشريعة ، بحيث إذا حققنا ومحّصنا أية قضية دينيّة في ضوء العقل لصدّقها وآمن بها إيمانه بأن الاثنين أكثر من الواحد ؟

 

الجواب :

كلاّ , ولو أراد الإسلام هذا من تأييده للعقل لقضى على نفسه بنفسه ، ولكان وجوده كعدمه , ولوجب أن يؤخذ الدين من العلماء والفلاسفة لا من الأنبياء (عليهم السّلام) وكتب الوحي .

إنّ للعقل دائرة وللدين اُخرى ، وكلٌّ منهما يترك للآخر الحكم في دائرته واختصاصه ، والإنسان بحاجة إلى الاثنين ؛ حيث لا تتم له السعادة والنجاح إلاّ بهما معاً .

إنّ الغرض الأوّل الذي يهدف إليه الإسلام من الإشادة بالعقل هو أن يؤمن الإنسان بما يستقل به من أحكام ، ولا يصدّق شيئاً يكذّبه العقل ويأباه .

إنّ العقل لا يدرك كلّ شيء ، وإنما يدرك شيئاً ولا يدرك شيئاً . والذي يعلم كل شيء هو اللّه وحده ؛ فوجود اللّه وعلمه وحكمته ، وإعجاز القرآن الدال على صدق محمّد (صلّى الله عليه وآله) في دعوته ، وما إلى ذاك يدركه العقل مستقلاً ، ويقدّم عليه البرهان القاطع .

أمّا وجود الملائكة والجن ، والسير غداً على صراطٍ أدق من الشعرة وأحدّ من السيف ، وشهادة الأيدي والأرجل على أصحابها ، وتطاير الكتب ، وسؤال منكر ونكير ، ونحو ذلك ممّا لا يبلغه الإحصاء ، وثبت بضرورة الدين . أمّا هذه فلا تُفسّر بالعلم ، وليس فيه للعقل حكم بالنفي أو الإثبات .

إنّ الدين غير محصور ولا مقصور فيما يدركه العقل ، بل يتعدّاه إلى اُمور غيبيّة يؤمن بوجودها كلُّ مَن آمن باللّه والرسول واليوم الآخر , ولكن الدين في جميع أحكامه وتعاليمه لا يعلم الناس ما يراه العقل محالاً أو مضرّاً , وبالتالي فليس كلّ ما هو حق يجب أن يثبت بطريق العقل ، ولا كلّ ما لم يثبت بالعقل يكون باطلاً .

مثلاً : إنّ مسألة المهدي المنتظر (عجّل الله تعالى فرجه) لا يمكن إثباتها بالأدلّة العقلية ، لا لأنها غير صحيحة وباطلة من الأساس ، بل لأنها ليست من شؤون العقل واختصاصه . إنّ عجز العقل عن إدراك قضية من القضايا شيء ، وكونها حقاً أو باطلاً شيء آخر .

 

العادة والعقل :

إنّ هناك فرق بين ما هو ممتنع الوقوع في نفسه ، بحيث لا يمكن أن يقع بحال من الأحوال حتّى على أيدي الأنبياء والأولياء (عليهم السّلام) ؛ كاجتماع النقيضين ، وجعل الواحد أكثر من اثنين ، وبين ما هو ممكن الوقوع في نفسه ، ولكن العادة لم تجرِ بوقوعه كالأمثلة الآتية .

وما كان من النوع الأوّل يسمى بالمحال العقلي ، وما كان من النوع الثاني يسمى بالمحال العادي . وكثير من الناس يخلطون بين النوعين ، ويتعذّر عليهم التمييز بينهما ؛ فيظنّون أنّ كلَّ ما هو محال عادة هو محال عقلاً .

وإليك الأمثلة : لقد اعتدنا أن لا نرى عودة الأموات إلى هذه الدنيا ، وأن يولد الصبي ولا يكلّم الناس ساعة ولادته ، وإذا جاع أحدنا لا تنزل عليه مائدة من السماء ، وإذا أصابه العمى والبرص لا يشفى بدون علاج ، وإذا سبّح اللّه وحمده لا تُردد الجبال والطير معه التسبيح والتحميد ، وإذا أخذ الحديد بيده لا يلين له كالشمع ، وإذا سمع منطق الطير لا يفهم منه شيئاً .

كما يخفى عليه حديث النمل ، ويعجز عن تسخير الجنِّ في عمل المحاريب والتماثيل , ولم يشاهد إنساناً حيّاً منذ قرون ، ولا انقلاب العصا إلى ثعبان ، ولا وقوف مياه البحر كالجبال ، ولا جلوس الإنسان في النار دون أن يناله أي أذى .

فكلُّ هذه وما إليها لم تجرِ العادة بوقوعها ، ولم يألف الناس مشاهدتها ؛ لذا ظنَّ مَن ظنَّ أنها مستحيلة في حكم العقل ، مع أنها ممكنة عقلاً ، بعيدة عادة .

بل وقعت بالفعل ؛ فلقد أخبر القرآن الكريم بصراحة لا تقبل التأويل أنّ السيد المسيح (عليه السّلام) كلّم الناس وهو في المهد ، وأحيا الموتى ، وأبرأ الأكمه والأبرص ، وأنزل مائدة من السماء , وأنّه ما زال حيّاً ، وسيبقى حيّاً إلى يوم يبعثون .

وأنّ النار كانت برداً وسلاماً على إبراهيم (عليه السّلام) ، وأنّ عصا موسى (عليه السّلام) صارت ثعباناً ، وأنّ الحديد لانَ لداود (عليه السّلام) ، وسبّح معه الطير والجبال ، وأنّ سليمان (عليه السّلام) استخدم الجان ، وعرف لغة الطيور والنمل .

إنّ هذه الخوارق محال بحسب العادة ، جائزة في نظر العقل ، ولو كانت محالاً في نفسها لامتنع وقوعها للأنبياء (عليهم السّلام) وغيرهم .

فكذلك بقاء الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه) حيّاً ألف سنة , أو اُلوف السنين , واختفاؤه عن الأنظار ـ كما يقول الإماميّة ـ بعيد عادة ، جائز عقلاً ، واقع ديناً بشهادة الأحاديث الثابتة عن رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله) .

فمن أنكر إمكان وجود الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه) , محتجّاً بأنه محال في نظر العقل , يلزمه أن ينكر هذه الخوارق التي ذكرها القرآن وآمن بها كلُّ مسلم , ومن اعترف بها يلزمه الاعتراف بإمكان وجود الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه) .

والتفكيكُ تحكُّم وعناد ؛ إذ لا فرق في نظر العقل بين بقاء الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه) حيّاً اُلوف السنين ، وهذه الخوارق من حيث الإمكان وجواز الوقوع ما دام الجميع من سنخ واحد .

 

(*) تجدر الإشارة إلى أنّ هذا المقال هو في الأصل بحث علمي في الإمام المهدي المنتظر (عجّل الله تعالى فرجه) , وهو مقتطف من كتاب الشيعة في الميزان للكاتب نفسه (رحمه الله) .

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

تكاليف عصر الغيبة الكبری
المهدي والحسين عليه السلام الدور والتجلي
سيرة الإمام المهدي المنتظر(عجل الله فرجه)
أتحسب انك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر
كيف يكون الإنتظار للإمام المهدي عليه السلام
المدخل إلى عقيدة الشيعه الإمامية في ولادة الإمام ...
لإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه) في الإنجيل
انقطاع النیابة فی الغیبة الکبرى
الانتظار بين السلب والايجاب
عالمية الاعتقاد بالمهدي

 
user comment