عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: «لا إيمان لمن لا حياء له» (۱).
الحياء خُلقُ الأنبياء والأئمة (ع) وإرثهم لنا. ويتجلّى الحياء من الله تعالى والنّفس والنّاس في النّظر والسّتر والقول والفعل. ومن آثاره العفّة والفضيلة. وفي الابتعاد عنه وقاحة ورذيلة وانهماك في المعاصي. وفي زمن يكثر فيه الفساد على كافة المستويات أبيحت المحظورات في عيون بعض الناس، وأصبحوا يجاهرون بارتكاب المعاصي في مظاهر تنتشر في شوارعنا وأسواقنا وتخدش حياءنا وتخالف شرعنا وأعرافنا الاجتماعية وتهدد كيان بيئتنا الإسلامية. وفي الآتي بعض المشاهدات التي تحكي عن صور منافية للحياء، أضحت تتفشى كالوباء في مجتمعنا.
السفور
«أرى بعض الفتيات على الطرقات في لباس أخجل من أن أرتديه داخل المنزل». بهذه الكلمات بدأت سمر (۲۶ سنة، موظفة) حديثها عن انعدام العفة والحياء في لباس بعض السافرات، معبِّرةً أيضاً عن انزعاجها الشديد من بعض الفتيات اللواتي يتلفظن بعبارات بذيئةٍ ونابيةٍ وبصوتٍ مرتفعٍ في الشّارع، ويتصرّفن مثل بعض الشباب الفاسدين أخلاقياً. وتعيد سمر الأسباب التي تقف وراء هذه السلوكيات إلى غياب الرقابة المنزلية، مستغربةً كيف توافق بعض الأمهات على أن تخرج بناتهن إلى الشارع بلباسٍ غير مقبول أخلاقياً واجتماعياً!
التجمعات المزعجة على الطرقات
انتشار ظاهرة التجمعات غير الأخلاقية لبعض الشباب، كالجلوس أو الوقوف على الطرقات والإزعاج الذي يسببونه لمن حولهم، كذلك تحرشهم بالفتيات، أمورٌ يعتبرها إبراهيم (۳۲ سنة، مهنة حرة) بالغة الخطورة؛ لأن شاباً سيئاً واحداً قد يفسد الجميع. كما تؤدي هذه الظواهر، برأيه، إلى الانحراف وانتشار السرقات وحصول مشاكل خطيرة ومميتة.
من ناحيةٍ أخرى يشير إبراهيم إلى انتشار ظاهرة تَشَبُّه الرجال بالنساء في اللباس والسلوكيات وبالعكس، معتبراً ذلك أمراً منافياً للعفة. ويختم باعتباره أن الحل صعب، وخاصةً في ظلّ الانتشار الواسع لهذه المظاهر وعدم القدرة على احتوائها.
مظاهر آخر الدنيا
لم يخفِ الحاج سليم (۵۰ عاماً، أب لأربعة أولاد، مهنة حرة) امتعاضه الشديد من انتشار ظاهرة النارجيلة بعد ظاهرة التدخين الاعتيادية، والتي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياة وسلوك ووقت الكثير من الشباب والشابات، واصفاً تدخين المرأة النارجيلة في الأماكن العامة بالمصيبة، معتبراً أنه أمر غير لائق بأنوثتها وعفتها، وأنه يسيء إلى صورة بعض الفتيات، ويؤثر على مستقبل زواجهن.
ويختم معتبراً أن صورة الفتاة كانت محترمةً أكثر في الماضي ويقول: «هذه مظاهر آخر الدنيا والله يكون بعون المؤمن في هذا المجتمع».
أين عفة الحجاب؟
العفة في الستر والحجاب أمر ينعدم وجوده في لباس بعض الفتيات المحجبات برأي عباس (۲۷ سنة، صاحب محل تجاري) الذي ينتقد بشدة عدم الاحتشام في لباس بعض المحجبات، معتبراً أن تبرجهن الملفت وتصرفاتهن ومزاحهن وضحكهن بصوتٍ مرتفعٍ في الشارع أمرٌ يهين قدسية الحجاب، ويتنافى مع صورة الفتاة المسلمة، ويدعو العديد من الشباب للنظر إليهن بشكلٍ غير لائق، مؤكداً في ختام حديثه أنّ ما يعرضه بعض الفضائيّات من مسلسلاتٍ أجنبيةٍ يسهم إلى حدٍ كبيرٍ في انتشار تلك المظاهر، فضلاً عن ضعف الوازع الديني عند العديد من النّاس وانهماكهم في تتبع الموضة والشكليّات الاجتماعية.
انعدام الأخلاق
يعتبر الحاج محمد (۶۵ سنة، أب لأربعة أولاد، تاجر) ظاهرة اللعب البهلواني على الدراجات النارية في الأحياء السكنية والتي تسبب إزعاجاً وأذيةً للآخرين أمراً منافياً للأخلاق، ويروي: «مرة صدم شابٌّ امرأةً بدراجته النارية وبدل أن يعتذر لها صرخ في وجهها وأهانها».
من ناحية أخرى يشير الحاج محمد إلى دور الهاتف المحمول في فساد أخلاق المراهقين، مستغرباً تحدُّث بعض تلاميذ المدارس عبره حديثاً عن الحب والغرام دون حياءٍ في الشارع، ويقول: «لم أرَ في حياتي مثل المناظر التي أراها في هذا الجيل، فقد كان هناك أخلاق واحترام في جيلنا، أمّا الآن فقد انعدمت كل هذه الأمور»، مؤكِّداً في الختام أنّ الحلّ هو بيد الأهل أولاً وأخيراً، ومشدِّداً على ضرورة وجود توعية شاملة لهم ولدورهم في التربية.
الاختلاط جزء من المشكلة
أما زهرة (۳۵ سنة، ممرضة) فتحدثت عن انتشار ما تسميه غياب العفة والحياء في اللسان عند بعض الشباب، معتبرةً أن ذلك لا يتناسب مع المجتمع الإسلامي الذي نعيش فيه، وأن ما يصدر عن بعض الشباب من ألفاظٍ نابيةٍ وبذيئةٍ في الشارع هو قلةُ احترام واستخفاف كبير بالأخلاق والقيم الإسلامية والسبب يعود برأيها إلى هشاشة إيمانهم، مؤكِّدةً أنّهم لو اتخذوا من أهل البيت (ع) قدوةً لهم لما تصرّفوا بهذا الشكل.
كما أشارت زهرة أيضاً إلى أن المبالغة في المزاح وتبادل الطرائف بين بعض الشباب والفتيات أمرٌ يتجاوز الحياء والأخلاق، معتبرةً أن الاختلاط دون ضوابط شرعية يشكل جزءاً من المشكلة، ويزيد من انتشار تلك المظاهر في مجتمعنا.
التقليعات الشبابية
التعفف وحسن المظهر وستر العورات بات أمراً مفقوداً في لباس بعض الشباب هذه الأيام، وأصبح انعدام الحشمة في لباسهم وانتشار الثقافة الغربية في قصات وموديلات وألوان شعرهم عرفاً طبيعياً عندهم، وهو أمر تنتقده عليا (۴۲ سنة، موظفة، أم لثلاثة أولاد) بشدة وتضيف: «ما يستفزني أيضاً هو الوشم الذي يضعه الشباب على أيديهم وأجسادهم، والذي يتضمن رسوماً مغايرةً لثقافتنا الإسلامية ولصورة الشباب المسلم». مشددةً في الختام على أن سبب الغرق في التعلق بهذه المظاهر والسلوكيات هو ما تعرضه بعض الفضائيّات من عادات غريبة بعيدة عن مجتمعنا الإسلامي والعربي.
عدم الحياء ليس حريةً شخصية
تبدي سلمى (۳۵ سنة، موظفة) استياءها من سلوكيات جارها المنافية للعفة والحياء بقولها: «جارنا يخرج إلى شرفة منزله بألبسة غير محتشمة، وإنّ سلوكياته التي تمس بالأخلاق والآداب العامة لا تقتصر على لباسه فقط، بل هو أيضاً لا يراعي في شهر رمضان حرمة الشهر الفضيل، متعمداً الإفطار أمام الناس، ومتجاهراً بمعصية الله تعالى».
في هذا الإطار تعتبر سلمى أن تصرفات جارها ليست حريةً شخصيةً، فهو ليس داخل منزله، بل على شرفةٍ ظاهرةٍ للعيان. كما أن ذلك يقيد حريتها وحرية الآخرين لجهة تجنب الخروج إلى شرفة المنزل بسببه. وتختم قائلةً: «الغريب أنّه إذا حاول أحدٌ لفت نظره إلى تصرفاته، فإنه يغضب مدَّعياً أنه حرٌّ في سلوكياته لأنه على شرفة منزله».
الخاتمة
العفّة والعفاف، الفضيلة والحياء، قيمٌ جميلةٌ بدأنا نفقدها ونفتقدها في عصر العولمة والانفتاح. من هنا لا بد لنا أن نمتلك عيناً ناقدةً قادرةً على تقييم كل ما يُصدَّر إلينا من الخارج، وخاصةً في ظل الانتشار الواسع لوسائل الإغراء، من مواقع وبرامج مخلة بالعفة والحياء يسهل الحصول عليها. ولا بُدّ لنا في هذا المجال أن نعيد إحياء تلك القيم الجميلة في أنفسنا بالإيمان وعدم الانجرار وراء تلك المظاهر والعادات الفاسدة، ليكون انفتاحنا على الثقافات والمجتمعات الأخرى سليماً ومثمراً، وعلينا أن لا ننسى قول أمير المؤمنين (ع): «من كساه الحياء ثوبه لم يرَ الناس عيبه» (۲).
_______________________
(۱) الكافي، الشيخ الكليني، ج ۲، ص ۱۰۶، ح ۵٫
(۲) نهج البلاغة، الشريف الرضي، الحكمة ۲۲۳، ج ۴، ص ۵۰٫