إن أفضل علاج لدفع المفاسد الأخلاقيّة الّتي تصيب الإنسان، وبحسب ما ذكر علماء الأخلاق وأهل السلوك، هو تحديد هذه الملكات القبيحة الّتي يراها في نفسه، ثم يأخذ كلّ واحدة منها ويعالجها بعزم من خلال مخالفة النفس مدّة من الزمن فيعمل عكس ما تتطلبه منه تلك الملكة الرذيلة.
ولا بُدّ من طلب التوفيق من الله تعالى في كل حال لإعانته في هذا الجهاد. ولا شك في أن هذا الخلق القبيح سيزول بعد فترة وجيزة، ويفرّ الشيطان وجنوده من هذا الخندق، وتحلّ محلهم الجنود الرحمانية.
المجاهدة والتلقين
من الأخلاق الذميمة التي تسبب هلاك الإنسان، وتوجب ضغطة القبر، وتعذّب الإنسان في كلا الدارين، سوء الخلق مع أهل الدار أو الجيران أو الزملاء في العمل. وهذا وليد الغضب والشهوة. فعندما تتوهّج نار الغضب تحرق الباطن، وتدعو الإنسان إلى الفحش والسيئ من القول فيعمل بخلاف النفس. أمّا عندما يتذكر سوء عاقبة هذا الخلق ونتيجته القبيحة، ويلعن الشيطان في الباطن، ويستعيذ بالله منه، فإني أتعهّد بأن تكرار هذا السلوك عدّة مرّات سيغيّر الخلق السيئ كليّاً، وسيحل الخلق الحسن في باطن مملكة النفس. ونعوذ بالله تعالى من الغضب الذي يهلك الإنسان في آن واحد في كلا الدارين. فقد يؤدي ذلك الغضب – لا سمح الله- إلى قتل نفس. ومن الممكن أن يتجرأ الإنسان في حالة الغضب على النواميس الإلهية، كما أن بعض الناس يصبحون من جراء الغضب مرتدّين. وقد قال الحكماء «إن السفينة التي تتعرض لأمواج البحر العاتية وهي بدون قبطان، لهي أقرب إلى النجاة من الإنسان وهو في حالة الغضب».
التفكر شرط لمجاهدة النفس
إعلم أن أول شروط مجاهدة النفس والسير باتجاه الله تعالى هو «التفكر». والتفكر في هذا المقام هو أن يفكر الإنسان بعض الوقت كل يوم وليلة ولو قليلاً في مولاه الذي خلقه في هذه الدنيا، والّذي هيّأ له كل أسباب الدّعة والرّاحة، ووهبه جسماً سليماً وقوى سالمة، لكل واحدة منها منافع تحيِّر ألباب الجميع، ورعاه وهيّأ له كل ما يعيّشه من السعة وأسباب النعمة والرحمة. ومن جهة أخرى، أرسل الأنبياء، وأنزل الكتب، وأرشد ودعا إلى الهدى… فما هو واجبنا تجاه هذا المولى مالك الملوك؟! هل إن وجود جميع هذه النعم هو فقط لأجل هذه الحياة الحيوانية وإشباع الشهوات التي نشترك فيها مع جميع الحيوانات؟ أم أن هناك هدفاً وغاية أخرى؟
هل أن للأنبياء الكرام، والأولياء العظام، والحكماء الكبار، وعلماء كل أمة – الذين يدعون الناس إلى حكم العقل واشرع، ويحذّرونهم من الشهوات الحيوانية ومن هذه الدنيا البالية – عداءً ضد الناس، أم أنهم كانوا مثلنا لا يعلمون طريق صلاحنا نحن المساكين المنغمسين في الشهوات؟!
تأمَّل كي تترقَّى
إن الإنسان العاقل إذا فكَّر للحظة واحدة، عرف أن الهدف من هذه النعم هو شيء آخر، وأن الغاية من هذه الخلقة عالم أسمى وأعظم، وأن هذه الحياة الحيوانية ليست هي المقصودة بالذات، وأن على الإنسان العاقل أن يفكر بنفسه، وأن يترحم على حاله ونفسه المسكينة؛ ويخاطبها: أيتها النفس الشقية التي قضيت سنوات الطويلة من عمرك في الشهوات، ولم يكن نصيبك سوى الحسرة، ارحمي حالك قليلاً، واستحي من مالك الملوك، وسيري قليلاً في طريق الهدف الأساسي المؤدي إلى حياة الخلد والسعادة السرمدية، ولا تبيعي تلك السعادة الدائمة بشهوات أيام قليلة فانية. فكّر قليلاً في أحوال أهل الدنيا، من السابقين وحتى الآن، وتأمل متاعبهم وآلامهم كم هي أكبر وأكثر بالنسبة إلى هنائهم، في نفس الوقت الذي لا يوجد فيه هناء وراحة لكل شخص.
ذلك الذي هو في صورة الإنسان، ولكنه من جنود الشيطان ومبعوثيه، والذي يدعوك إلى الشهوات، ويقول: يجب ضمان الحياة المادية، تأمل قليلاً في حال نفس ذلك الإنسان واستنطقه، وانظر هل هو راض عن وضعه، أم أنه هو بنفسه مبتلىً، ويريد أن يبلي مسكيناً آخر؟! وفي كل حال ادع ربك بعجز وتضرع أن يعرّفك إلى وظائفك التي ينبغي أن تكون فيما بينك وبينه تعالى، والأمل أن يفتح لك هذا التفكير – والذي هو بقصد مجاهدة الشيطان والنفس الأمارة – طريقاً آخر، وتوفّق للترقي إلى منزل آخر من منازل المجاهدة.