من يحدد النشاط السياسي المشروع للمرأة؟
سعيد کاظم
قبل الشروع في موضوع المرأة وحقها في التعاطي السياسي، لابد من التأکيد علي أن النشاط السياسي، في الکثير من الحالات، يلتقي مع النشاط الاجتماعي بحيث ينفصلان حيناً ويندمجان أحياناً أخري.
وإذا کانت قضية المرأة والعمل السياسي قد طرحت في الکتابات المختلفة بشکل جزئي يرکز علي هذا الجانب أو ذلک، وتعرض الموقف الإسلامي فيها للاتهام والتشويه، فإن بناء نظرة إسلامية لهذه القضية ينبغي أن ينطلق من مفاهيم الکلية المستقاة من الإطار الإسلامي الشامل والعميق.
وفي إطار المفهوم الإسلامي، نجد أن تناول العلاقة بين المرأة والممارسة السياسية يتم من خلال مفهومين أساسيين، هما دور المرأة وحقوقها السياسية.
أما مفهوم الدور فقد اعتمد عند استخدامه لدراسة الدور السياسي للمرأة علي نظرية الدور التي تبلورت بالأساس في علم الاجتماع.
وأما مفهوم الحق فيثير قدراً اکبر من الجدل، إذ تطرح العديد من الکتابات، مصطلح (الحقوق السياسية للمرأة) کإطار للتحليل، فيتم تارة تعريف (الحق) تعريفاً قانونياً والترکيز علي التنظيم القانوني لحقوق المرأة، کالترشيح والانتخاب والوظائف العامة وغير ذلک من الأمور، کم يتم تارة أخري ربط هذا الحق بالأصول الشرعية وهو ما يصبغ موضوع العمل السياسي للمرأة بصبغة فقهية، ويجعل الحقوق السياسية إحدي القضايا الفرعية في سياق الحقوق في المجالات العامة والخاصة.
وإذا کانت الکتابات الإسلامية تدور في إطار مفهوم الحق، قانونياً کان أم شرعياً، فإن أغلب الکتابات السياسية،خاصة الغربية، ترکز علي طرح الحقوق السياسية للمرأة في إطار مفهوم (حقوق الإنسان) وهو مفهوم واسع يشمل أبعاداً اجتماعية واقتصادية عديدة.
إن النظرة الإسلامية للمرأة تقوم علي صفتها الإيمانية باعتبارها فرداً من أفراد المجتمع تربطها ببقية افراده رابطة العقيدة، وهي الرابطة الي تصبغ حرکتها السياسية حيث تدور مع حرکة المجتمع وفعاليته بهدف تحقيق مقاصد الشرع الذي يکمل الجتمع بصورة عامة.
وإذا کان کثير من الکتابات قد تناولت حقوق المرأة في الإسلام، فإن مسؤوليتها السياسية علي مستوي المجتمع، لم تلق الاهتمام الکافي حيث ذهب البعض الي عدم اهليتها للعمل السياسي في حين قيد آخرون قدرتها السياسية.
وبرغم إقرار هذه الکتابات بأم المساواة بين النساء والرجال في الحقوق والواجبات هي الأصل في الرؤية الاسلامية، إلا أن الاتجاه السائد هو تفضيل عدم زج المرأة بنفسها في السياسة.
وذهب البعض الي القول بأن مشارکة المرأة في مجتمع الرسول (ص) في الانشطة الاجتماعية والسياسية مجرد حوادث فردية، مؤکدين علي أن من زعم ان هذا يدل علي اشتغال المرأة المسلمة بالسياسة فقد اخطأ کثيراً وشط عن جادة الصواب.
لذا فإن تناول مسألة الأهلية السياسية للمرأة يصبح في ظل هذا الواقع الفکري، مسألة ضرورية قبل التعرض لعمل المرأة السياسي في دائرة المجتمع، وهي الأهلية التي تکتسب فاعليتها عند استکما ل المرأة للوعي السياسي الذي حرص الاسلام علي تنميته لدي المرأة کي تستطيع القيام بمسؤولياتها السياسية والاجتماعية.
وإذا کان الفقهاء في بعض الدول الاسلامية، قد أقروا بأهلية المرأة أهلية کاملة في الولاية الذاتية والمتعدية علي الأموال، والولاية المتعدية علي الغير کالحضانة والوصاية، أي الأمور المدنية، مع خلاف بينهم في بعض الجزئيات، فإن معظمهم قد تحفظ علي اهليتها لممارسة العمل السياسي بمستوياته المختلفة، وکأنهم يرونها في هذا المجال قاصرة في العمل السياسي.
إن استيعاب مسألة المقدرة السياسية للمرأة لا يتم إلا بضبط المسألة من خلال أنواع الممارسات السياسية وفئات النساء وطبيعة التکاليف الشرعية من خلال دراسة کل فعالية سياسية علي مستوي المجتمع ومجال المرأة فيه.
واذا کانت المرأة تتمتع في المنظار الإسلامي بالقدرة السياسية في مستوياتها المختلفة، فإن هذا يقتضي منها أن تکون في ثقافتها واهتمامها بالشؤون العامة علي المستوي الذي تحسن به فهم تلک الشؤون ومتابعتها وتعرف ما فيها من خطأ وصواب، فشؤون المسلمين تضيق وتتسع في أذهان الناس حسب ثقافة کل منهم وسعة آفاقه العقلية واستعداده الخاص، والمرأة في ذلک کالرجل، والميدان الذي يمکن أن تؤدي فيه دورها في رعاية المجتمع والنهوض به واسع جدا.
ولا يمکن فهم السلوک السياسي للمرأة بمعزل عن التنظيم الاجتماعي للمجتمع، والحرکة السياسية للمرأة في المنظور الإسلامي لا تنفصل عن الحرکة الاجتماعية، وقد يعد فهم هذه الاخيرة کأحد أهم مداخل فهم النشاط السياسي للمرأة في الجتمع الإسلامي.
فالوعي أبرز ضوابط المشارکة السياسية حيث يزيد من فعالية المرأة، وقد أدي ربط النساء بالمسجد، محور المجتمع الإسلامي، الي رفع وعيهن وزيادة درجة مشارکتهن، وهو ما أثمر في عهد الرسول (ص) ظهور العديد من النماذج السياسية البارزة من الصحابيات.
ولا شک أن الضعف الذي أصاب الممارسات الاسلامية بعد المرحلة الأولي قد انعکس سلباً علي أوضاع المرأة، فسرعان ما عادت التقاليد تحکم نظرة المجتمع لها ولحرکتها الاجتماعية، واستغل النص الشرعي بشکل جزئي ليتجاهل الرؤية الکلية والمقاصد الشرعية، وکانت البداية هي منع المرأة من ارتياد المساجد، مما أدي الي تراجع وعيها وتحجيم مشارکتها الاجتماعية والسياسية ثم ساد جو سياسي استبدادي انعکس جذوره علي مختلف الفئات الاجتماعية ومن بينها النساء.
وإذا کانت الدولة الاسلامية في مراحلها المختلفة قد خصصت مؤسسات لأداء الوظائف العديدة، والدينية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، التي کان يؤديها المسجد علي عهد الرسول (ص) ومن بعده، فإن الأصل أن تشارک المرأة في هذه الفعاليات، ويصبح واجباً علي الدولة توفير الظروف الملائمة لها لتحصيل الوعي في المؤسسات التعليمية والإعلامية والاجتماعية والسياسية، وعليها هي السعي في ذلک تبعاً لطاقتها وبقدر تخصص هذه المؤسسات.
إن ما يجب علينا فعله هو تحليل دور المرأة ونشاطها في التجربة الاسلامية بمراحلها المختلفة وعوامل نهوضها وأسباب ضعف مشارکتها،وأثر ارتباطها بالمسجد علي وعيها وحرکتها وهو لا ينفصل عن دراسة وتحليل دور المسجد ذاته والتحرک لاستعادته لمحوريته في المجتمع الإسلامي.
کما ترتبط مشارکة المرأة في الفعاليات السياسية، والتي تتحدد بأهليتها ودرجة وعيها، بالسياق الإجتماعي الذي توجد فيه، إذ تحکم حرکتها في أغلب المجتمعات، تقاليد وأعراف قد تشجع نشاطها السياسي أو تعوقه.
إن عوامل التغيير الاجتماعي في أوضاع المرأة کانت بالأساس تعتمد علي القوة النبوية في التعامل مع أهل البيت (ع) وکذلک في تعامله مع الصحابيات بشکل عام وإقراره لمشارکتهن في نواحي الحياة المختلفة من عبادات ومعاملات وطلب علم وجهاد وغيره.
ولا شک أن حرص النسوة في العهد الإسلامي الأول علي المشارکة الايجابية في أنشطة المجتمع المختلفة وتقديمهن النموذج والمثال قد کرّس عملية التغيير ودفعها، مع ملاحظة إن المرأة المسلمة في عصر النبوة کانت تغشي الميادين المختلفة علي هدي من آداب الإسلام وکانت تأخذ مکانها في صف متماسک ومجتمع يقوم علي مبادئ واضحة، وهو ما يستلزم في الواقع المعاصر تحرکاً فقهياً لضبط نشاط المرأة من منطلقات اسلامية بحتة.
وآخراً وليس أخيراً، لو ألقينا نظرة خاطفة علي دور المرأة السياسي اليوم في ايران ودول اسلامية أخري، مثل قطر وعمان وباکستان ومصر، لرأينا واقعاً جديداً تتبوأ فيه المرأة مکانة سياسية حساسة لم تکن تحلم بها في السابق، کالترشيح للانتخابات النيابية والمشارکة في الأداء بالرأي في الانتخابات الرئاسية، وتشکيل المجامع السياسية والمنتديات المهمة التي تتابع النشاط السياسي يوماً بيوم، والتصدي لمواقع وزارية مهمة ومسؤوليات حکومية رفيعة، وکل هذه التطورات جاءت بفضل الثورة الاسلامية في ايران التي منحت المرأة حقوقاً سياسية واجتماعية لائقة.
المصادر
. 1 مشکلة الحقوق السياسية للمرأة، عبد الحميد الشواري.
. 2 حقوق المرأة في القانون الدولي العام والشريعة الاسلامية، عبد الغني عبود.
. 3 الحقوق السياسية للمرأة في الإسلام والفکر والتشريع المعاصر، محمد أنس قاسم جعفر.
. 4 نظام حقوق المرأة في الإسلام، العلامة مرتضي المطهري.
. 5 حقوق المرأة في الوطن العربي، نهار سالم.
. 6 مصادر الحق في الفقه الإسلامي، عبد الرزاق احمد السنهوري.
. 7 المرأة بين الفقه والقانون، مصطفي السباعي.
(من موقع: تبيان)