من بعدك ، فمد جبرئيل فأتاه بتربة بيضاء فقال : في هذه الارض يقتل ابنك هذا ، واسمها الطف ، فلما ذهب جبرئيل من عند رسول الله ( ص ) والتربة في يده وهو يبكي فقال:
من بعدك ، فمد جبرئيل فأتاه بتربة بيضاء فقال : في هذه الارض يقتل ابنك هذا ، واسمها الطف ، فلما ذهب جبرئيل من عند رسول الله ( ص ) والتربة في يده وهو يبكي فقال:
" يا عائشة إن جبرئيل أخبرني أن ابني حسينا مقتول في أرض الطف وان امتي ستفتن بعدي ".
ثم خرج إلى أصحابه وفيهم علي وأبوبكر ، وعمر ، وحذيفة ، وعمار وأبوذر ، وهو يبكى فبادروا اليه قائلين:
" ما يبكيك يا رسول الله ؟ ! ! ".
" أخبرني جبرئيل أن ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطف ، وجاءني بهذه التربة ، وأخبرني ان فيها مضجعه " ( 1 ).
5 - روت زينب بنت جحش زوج النبي ( ص ) قالت : كان النبي نائما عندي ، وحسين يحبو في البيت ، فغفلت عنه حتى أتى النبي فصعد على بطنه ، ثم قام النبي يصلي ، واحتضنه فكان اذا ركع وسجد وضعه واذا قام حمله ، فلما جلس جعل يدعو ، ويرفع يديه ويقول . . . فلما قضى الصلاة قلت له:
" يا رسول الله لقد رأيتك تصنع اليوم شيئا ما رأيتك تصنعه ؟ "
فقال : " إن جبرئيل أتاني فأخبرني أن ابني يقتل ، قلت : فارني إذا فأتاني بتربة حمراء " ( 2 ).
6 - روى ابن عباس قال : كان الحسين في حجر النبي ( ص )
( 1 ) مجمع الزوائد 9 / 187 ، وفي تهذيب الكمال ( ص 71 ) ان النبي ( ص ) أخذ التربة التي جاء بها جبرئيل فجعل يشمها ويقول:
" ويح كرب وبلاء ".
( 2 ) مجمع الزوائد 9 / 189 . ( * )
[100]
فقال جبرئيل : أتحبه ؟
فقال : كيف لا أحبه وهو ثمرة فؤادي ؟ ! !
فقال:
إن امتك ستقتله ، ألا اريك من موضع قبره ؟ فقبض قبضة فاذا تربة حمراء ( 1 ).
7 - روى ابوامامة قال : قال رسول الله ( ص ) لنسائه : لاتبكوا هذاالصبي - يعني حسينا - قال وكان يوم ام سلمة فنزل جبرئيل فدخل رسول الله ( ص ) الداخل ، وقال لام سلمة لا تدعي احدا يدخل علي فجاء الحسين فلما نظر إلى النبي في البيت اراد ان يدخل فأخذته ام سلمة فاحتضنته وجعلت تناغيه ، وتسكنه ، فلما اشتد في البكاء خلت عنه ، فدخل حتى جلس في حجر النبي ( ص ) ، فال جبرئيل للنبي:
- إن امتك ستقتل ابنك هذا.
- يقتلونه وهم مؤمنون بي ؟ ! !
- نعم يقتلونه.
وتناول جبرئيل تربة ، فقال له : بمكان كذا وكذا يقتل ، فخرج رسول الله ( ص ) قد احتضن حسينا وهو كاسف البال مغموم فظنت أم سلمة أنه غضب من دخول الصبي عليه ، فقالت:
" يا نبي الله جعلت لك الفداء أنك قد قلت لا تبكوا هذا الصبي ، وأمرتني أن لا أدع أحدا يدخل عليك فجاء فخليت عنه فلم يجبها النبي بشئ ، وخرج إلى أصحابه ، وهو غارق في الهم والاسى فقال لهم:
" إن أمتي يقتلون هذا - وأشار الحسين - ".
فانبرى اليه أبوبكر وعمر فقالا له:
" يا نبي الله وهم مؤمنون ؟ ! ! " ( 2 ).
( 1 ) مجمع الزوائد 9 / 191.
( 2 ) مؤمنون : أي مسلمين . ( * )
[101]
" نعم وهذه تربته . . . " ( 1 ).
8 - روى أنس بن الحارث عن النبي ( ص ) أنه قال : " إن ابني ( ص ) أنه قال : " إن ابني هذا - وأشار إلى الحسين - يقتل بأرض يقال لها كربلا ، فمن شهد ذلك منكم فلينصره . ولما خرج الحسين إلى كربلا خرج معه أنس ، وأستشهد بين يديه ( 2 ).
9 - روت أم سلمة قالت : كان الحسن والحسين يلعبان بين يدي النبي في بيتي فنزل جبرئيل فقال يا محمد : إن امتك تقتل ابنك هذا من بعدك - وأشار إلى الحسين - فبكى رسول الله ( ص ) وضمه إلى صدره وكان بيده تربة فجعل يشمها وهو يقول : " ويح كرب وبلاء " وناولها أم سلمة فقال لها:
" إذا تحولت هذه التربة دما ، فاعلمي ان ابني قد قتل ".
فجعلتها أم سلمة في قارورة ، وجعلت تتعاهدها كل يوم وهي تقول:
" إن يوما تتحولين دما ليوم عظيم . . . " ( 3 ).
10 - رأى النبي ( ص ) في منامه : كأن كلبا أبقع يلغ في دمه ، فأوله بان رجلا يقتل ولده الحسين ، فكان شمر بن ذي الجوشن الابرص هو الذي قتل الامام ( 4 ).
11 - روت أم سلمة قالت : قال رسول الله ( ص ) : " يقتل الحسين بن علي على رأس ستين من مهاجرتي " ( 5 ).
( 1 ) مجمع الزوائد 9 / 189.
( 2 ) تاريخ ابن الوردي 1 / 173 - 174.
( 3 ) المعجم الكبير للطبراني في ترجمة الامام الحسين.
( 4 ) تاريخ الخميس 2 / 334.
( 5 ) المعجم الكبير للطبراني . ( * )
[102]
12 - روى معاذ بن جبل قال : خرج علينا رسول الله ( ص ) فقال : " أنا محمد أوتيت فواتح الكلام وخواتمه ، فاطيعوني مادمت بين أظهركم فاذا ذهب بي فعليكم بكتاب الله عزوجل أحلوا حلاله ، وحرموا حرامه أتتكم الموتة . . . أتتكم فتن كقطع الليل المظلم ، كلما ذهب رسل جاءت رسل ، تناسخت النبوة ، فصارت ملكا ، رحم الله من أخذها بحقها وخرج منها كما دخلها ، امسك يا معاذ ، واحص ، قال معاذ : فأحصيت خمسة - يعني من الخلفاء - فقال النبي ( ص ):
" يزيد ، لا بارك الله في يزيد . . . ".
ثم ذرفت عيناه بالدموع ، فقال ( ص ):
" نعي إلي الحسين ، وأتيت بتربته ، وأخبرت بقاتله ، لا يقتل بين ظهراني قوم لا يمنعوه إلا خالف الله بين صدورهم وقلوبهم ، وسلط عليهم أشرارهم ، وألبسهم شيعا . . . ".
ثم قال ( ص ) : " وآها لفراخ آل محمد من خليفة مستخلف مترف يقتل خلفي وخلف الخلف.
امسك يا معاذ ، فلما بلغت عشرة - أي عشرة اشخاص من الذين يتولون الحكم من بعده - قال : الوليد ( 1 ) اسم فرعون هادم شرايع الاسلام يبوء بدمه رجل من أهل بيته يسل الله سيفه فلا غماد له ، واختلف الناس
( 1 ) الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان الملك الفاسق الذي انتهك جميع حرمات الله ، أراد الحج لشرب الخمر فوق ظهر الكعبة ، وهو أشد على هذههه الامة من فرعون على قومه ، كما في الحديث ، وهو الذي رشق المصحف بالسهام ، وقد نقم عليه المسلمون لما اظهره من الالحاد والبدع والاستهتار بالفسق ، وقد ثاروا عليه وقتلوه ، جاء ذلك في تاريخ الخلفاء ( ص 250 - 252 ) . ( * )
[103]
وكانوا هكذا وشبك بين أصابعه ، ثم قال : بعد العشرين ومائة موت سريع ، وقتل ذريع ، ففيه هلاكهم ، ويلي عليهم رجل من ولد العباس ( 1 ).
لقد استشف النبي ( ص ) من وراء الغيب ما تمنى به امته من بعده من الكوارث والفتن من جراء ما يحدث فيما بينها من الصراع الرهيب على الحكم ، حتى يؤل أمر المسلمين ، واذلالهم ، كماأخبر بما سيجري على سبطه من القتل والتنكيل من يزيد بن معاوية ، وأخبره ( ص ) عن زوال الحكم الاموي ، وانتقاله إلى بني العباس ، وعما تعانيه الامة في تلك الفترات العصبية من القتل والجور والظلم ، وقد تحقق جميع ذلك على مسرح الحياة كما أخبر الصادق الامين.
13 - روى ابن عباس قال : لما أتت على الحسين سنتان من مولده خرج النبي ( ص ) في سفر له ، فلما كان في بعض الطريق وقف فاسترجع ، ودمعت عيناه ، فسئل عن ذلك ؟ فقال : هذا يخبرني عن أرض بشاطئ الفرات يقال لها كربلا ، يقتل بها ولدي الحسين بن فاطمة ، فانبرى اليه نفر من أصحابه فقالوا له:
" من يقتله يا رسول الله ؟ ! ".
فاندفع يجيبهم بنبرات متقطعة حزينة قائلا:
" رجل يقال له يزيد لا بارك الله في نفسه ، وكأني أنظر إلى مصرعه ومدفنه بها ، وقد أهدى برأسه ، والله ما ينظر أحد إلى رأس ولدي الحسين فيفرح إلا خالف الله بين قلبه ولسانه . . . ".
ولما قفل النبي من سفره كان مغموما ، فصعد المنبر ووعظ المسلمين وقد حمل حفيديه وريحانتيه ، فرفع رأسه صوب السماء وقال:
( 1 ) المعجم الكبير للطبراني في ترجمة الامام الحسين ، مجمع الزوائد 9 / 190 . ( * )
[104]
" اللهم إني محمد عبدك ونبيك ، وهذا أطايب عترتي ، وخيار ذريتي ، وأرومتي ، ومن أخلفهم في أمتي . . اللهم وقد أخبرني جبريل بأن ولدي هذا - وأشار إلى الحسين - مقتول مخذول ، اللهم فبارك له في قتله ، واجعله من سادات الشهداء ، انك على كل شئ قدير ، اللهم ولا تبارك في قاتله وخاذله . . . ".
وانقلبت ساحة الجامع إلى صرخة مدوية من البكاء والعويل ، فقال لهم النبي:
قال ابن عباس : وبقي النبي متغير اللون محمر الوجه ، فصعد المنبر مرة أخرى وخطب الناس خطبة بليغة موجزة ، وعيناه تهملان دموعا ، ثم قال:
" أيها الناس : إني قد خلفت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي وأرومتي ومراح مماتي ( 1 ) وثمرتي ، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، ألا وأني لا أسألكم في ذلك إلا ما أمرني ربي أن أسألكم المودة في القربى ، فانظروا أن لا تلقوني غدا على الحوض ، وقد ابغضتم عترتي.
ألا وأنه سيرد علي في القيامة ثلاث رايات من هذه الامة راية سوداء مظلمة قد فزعت لها الملائكة فتقف علي ، فأقول : من انتم ؟ فينسون ذكري ، ويقولون : نحن من أهل التوحيد من العرب ، فأقول : أنا أحمد نبي العرب والعجم ، فيقولون نحن من أمتك يا أحمد : فأقول لهم كيف خلفتموني من بعدي في أهلي وعترتي وكتاب ربي ؟ فيقولون : أما الكتاب فضيعنا ومزقنا ، وأما عترتك فحرصنا على أن يندهم ( 2 ) من جديد الارض
( 1 ) هكذا في الاصل والصحيح ( ومزاج مائي ).
( 2 ) هكذا في الاصل والصحيح على أن نبيدهم . ( * )
[105]
فاولي عنهم وجهي فيصدرون ظماء عطاشا مسودة وجوههم .
ثم ترد علي راية أخرى أشد سوادا من الاولى ، فأقول لهم : من أنتم ؟
فيقولون كما تقول الاولى : إنهم من أهل التوحيد نحن من امتك ، فأقول لهم : كيف خلفتموني في الثقلين الاصغر والاكبر في كتاب الله وفي عترتي ؟
فيقولون : أما الاكبر فخالفنا ، وأما الاصغر فخذلنا ، ومزقناهم كل ممزق .
ثم ترد علي راية أخرى تلمع نورا فأقول لهم : من أنتم ؟ فيقولون : نحن كلمة التوحيد ، نحن أمة محمد ، ونحن بقية أهل الحق الذي حملنا كتاب ربنا فأحللنا حلاله ، وحرمنا حرامه ، وأحببنا ذرية نبينا محمد ( ص ) فنصرناهم بما نصرنا أنفسنا ، وقاتلنا معهم ، وقاتلنا من ناواهم فأقول لهم : ابشروا فأنا نبيكم محمد ، ولقد كنتم في دار الدنيا كما وصفتم ، ثم أسقيهم من حوضي فيصدرون مرويين ، إلا وان جبرئيل قد اخبرني بان امتي تقتل ولدي الحسين بأرض كرب وبلاء الا فلعنة الله على قاتله وخاذله إلى آخر الدهر . . . ".
ثم نزل عن المنبر ولم يبق أحد من المهاجرين والانصار الا واستيقن ان الحسين مقتول ( 1 ).
هذه بعض الاخبار التي أعلن بها النبي ( ص ) عن مقتل سبطه وريحانته ويلمس فيها ذوب روحه أسى وحزنا عليه ، وقد تأكد المسلمون من هذه الاخبار . بقتل الامام ولم يخالجهم فيه أدنى شك ، كما آمن بها الحسين ( ع ) وأعلن ذلك في كثير من المواقف التي سنعرض لها في غضون هذا الكتاب.