عربي
Tuesday 23rd of July 2024
0
نفر 0

لمحات من مثل الامام الحسين عليه السلام

وتجسدت في شخصية أبي الاحرار جميع القيم الانسانية ، والمثل العليا والتقت به عناصر النبوة والامامة ، فكان بحكم مثله وتهذيبه فذا من أفذاذ التكامل الانساني ، ومثلا رائعا من أمثله الرسالة الاسلامية ، فهو - بحق - الاطروحة الخالدة للاسلام بجميع طاقاته ومقوماته.

إن أية صفة من صفات أبي الشهداء أو نزعة من نزعاته الكريمة لترفعه عاليا على جميع عظماء العالم ، وتدفع إلى القول - بلا مغالاة - أنه نسخة لا ثاني لها في تاريخ البشرية على الاطلاق ما عدا جده وأبيه ، ونعرض - بإيجاز - إلى بعض خصائصه وذاتياته.

امامته:

الامام الحسين أحد الكواكب المشرقة من أئمة أهل البيت ( ع ) الذين استكملت فيهم الصفات الانسانية ، وبلغوا ذروة الكمال المطلق ، وأقاموا منار هذا الدين ، ورفعوا شعار الحق والعدل في الارض ، وتبنوا القضايا المصيرية للاسلام ، وعانوا في سبيله جميع الوان الكوارث والخطوب ، ولاقوا كل جهد وضيق من جبابرة عصورهم الذين اتخذوا مال الله دولا وعباد الله خولا.

وقد نظر النبي ( ص ) - وهو يوحي اليه - من خلال الاحقاب المترامية إلى الائمة الطاهرين من أهل بيته فعرفهم باسمائهم وصفاتهم ، ودلل بنصوصه العامة والخاصة على أنهم خلفاؤه وأوصياؤه ، وانهم سفن النجاة وأمن العباد وقرنهم بكتاب الله العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وقد المعنا إلى الكثير من تلكم النصوص في البحوث

[112]

السابقة فلم تعد هنا ضرورة لذكرها ، كما أنا بحثنا بصورة موضوعية وشاملة عن الامامة وضرورتها ، وواجبات الامام وصفاته في كتابنا ( حياة الامام الحسن ) فلا حاجة لاعادة البحث هنا.

مظاهر شخصيته:

أما الظاهر الفذة التي اتصفت بها شخصية أبي الاحرار ، وكانت من عناصره ومقوماته فهي:

1 - قوة الارادة:

من النزعات الذاتية لابي الشهداء ( ع ) قوة الارادة ، وصلابة العزم والتصميم ، وقد ورث هذه الظاهرهة الكريمة من جده الرسول ( ص ) الذي غير التاريخ ، وقلب مفاهيم الحياة ، ووقف صامدا وحده أمام القوى الهائلة التي هبت لتمنعه من أن يقول كلمة الله ، فلم يعن بها وراح يقول لعمه أبي طالب مؤمن قريش:

" والله لو وضعوا الشمس بيميني والقمر بيساري على أن أترك هذا الامر ما تركته حتى أموت أو يظهره الله . . . ".

بهذا الارادة الجبارة قابل قوى الشرك ، واستطاع أن يتغلب على مجريات الاحداث ، وكذلك وقف سبطه العظيم في وجه الحكم الاموي فاعلن بلا تردد رفضه لبيعة يزيد ، وانطلق مع قلة الناصر إلى ساحات الجهاد ليرفع كلمة الحق ، ويدحض كلمة الباطل ، وقد حشدت عليه الدولة

[113]

الاموية جيوشها الهائلة ، فلم يحفل بها ، واعلن عن عزمه وتصميمه بكلمته الخالدة قائلا:

" لا أرى الموت إلا سعادة ، والحياة مع الظالمين إلا برما . . . ".

وانطلق مع الاسرة الكريمة من أهل بيته وأصحابه إلى ميدان الشرف والمجد ليرفع راية الاسلام ، ويحقق للامة الاسلامية اعظم الانتصارات والفتح حتى استشهد سلام الله عليه ، وهو من أقوى الناس ارادة ، وامضاهم عزيمة وتصميما . غير حافل بما عاناه من الكوارث التي تذهل العقول وتحير الالباب.

2 - الاباء عن الضيم:

والصفة البارزة من نزعات الامام الحسين ( ع ) الاباء عن الضيم حتى لقب ( بأبي الضيم ) وهي من أعظم القابه ذيوعا وانتشارا بين الناس فقد كان المثل الاعلى لهذه الظاهرة فهو الذي رفع شعار الكرامة الانسانية ورسم طريق الشرف والعزة ، فلم يخنع ، ولم يخضع لقرود بني أمية ، وآثر الموت تحت ظلال الاسنة ، يقول عبد العزيز بن نباتة السعدي:

والحسين الذي رأى الموت في الع * - ز حياة والعيش في الذل قتلا ووصفه المؤرخ الشهير اليعقوبي بأنه شديد العزة ( 1 ) يقول ابن أبي الحديد:

" سيد أهل الاباء الذي علم الناس الحمية ، والموت تحت ظلال السيوف اختيارا على الدنية أبو عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب ( ع ) عرض عليه الامان هو وأصحابه فأنف من الذل ، وخاف ابن زياد أن يناله بنوع من الهوان مع أنه لا يقتله ، فاختار الموت على ذلك . وسمعت النقيب


( 1 ) تاريخ العقوبي 2 / 293 . ( * )

[114]

أبا زيد يحيى بن زيد العلوي يقول : كأن أبيان أبي تمام في محمد بن حميد الطائي ما قيلت إلا في الحسين:

وقد كان فوت الموت سهلا فرده * اليه الحفاظ المر والخلق الوعر ونفس تعاف الضيم حتى كأنه * هو الكفر يوم الروع أو دونه الكفر فأثبت في مستنقع الموت رجله * وقال لها : من دون أخصمك الحشر تردى ثياب الموت حمرا فما بدا * لها الليل إلا وهي من سندس خضر ( 1 ) لقد علم أبوالاحرار الناس نبل الاباء ونبل التضحية يقول فيه مصعب ابن الزبير : " واختار الميتة الكريمة على الحياة الذميمة " ( 2 ) ثم تمثل:

وإن الالى بالطف من آل هاشم * تآسوا فسنوا للكرام التآسيا وقدكات كلماته يوم الطف من أروع ما أثر من الكلام العربي في تصوير العزة والمنعة والاعتداد بالنفس يقول:

" ألا وان الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة ، وهيهات منا الذلة ، يأبى الله ذلك ورسوله والمؤمنون ، وحجور طابت وطهرت ، وأنوف حمية ، ونفوس أبية من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام . . . ".

ووقف يوم الطف كالجبل الاشم غير حافل بتلك الوحوش الكاسرة من جيوش الردة الاموية ، وقد ألقى عليهم وعلى الاجيال أروع الدروس عن الكرامة وعزة النفس وشرف الاباء قائلا:

" والله لا أعطيكم بيدي اعطاء الذليل ، ولا أفر فرار العبيد إني عذت بربي وربكم أن ترجمون . . . " وألقت هذه الكلمات المشرقة الاضواء على مدى ما يحمله الامام العظيم


( 1 ) شرح ابن أبي الحديد 1 / 302.

( 2 ) تاريخ الطبري 6 / 273 . ( * )

[115]

من الكرامة التي التي لا حد لابعادها ، والتي هي من أروع ما حفل به تاريخ الاسلام من صور البطولات الخالدة في جميع الآباد.

وتسابق شعراء أهل البيت ( ع ) إلى تصوير هذ الظاهرة الكريمة فكان ما نظموه في ذلك من أثمن ما دونته مصادر الادب العربي وقد عنى السيد حيدر الحلي إلى تصوير ذلك في كثير من روائعه الخالدة التي رثى بها جده الحسين يقول:

طمعت أن تسومه القوم ضيما *** وأبى الله والحسام الصنيع

كيف يلوي على الدنية جيدا *** لسوى الله ما لواه الخضوع

ولديه جأش أرد من الدرع *** لضمأى القنا وهن شروع

وبه يرجع الحفاظ لصدر *** ضاقت الارض وهي فيه تضيع

فأبى أن يعيش إلا عزيزا *** أو تجلى الكفاح وهو صريع ( 1 )

ولم تصور منعة النفس وإباؤها بمثل هذا التصوير الرائع ، فقد عرض حيدر إلى ما صممت عليه الدولة الاموية من ارغام الامام الحسين ( ع ) على الذل والهوان ، واخضاعه لجورهم واستبدادهم ، ولكن يأبى له الله ذلك وتأبى له نفسه العظيمة التي ورثت عز النبوة أن يقر على الضيم ، فانه سلام الله عليه لم يلو جيده خاضعا لاي أحد إلا لله ، فكيف يخضع لاقزام بني امية ؟ ! وكيف يلويه سلطانهم عن عزمه الجبار الذي هو أرد من الدرع للقنا الضامئة ، وما أروع قوله:

وبه يرجع الحفاظ لصدر *** ضاقت الارض وهي فيه تضيع

وهل هناك أبلغ أو أدق وصفا لاباء الامام الحسين وعزته من هذا الوصف ، فقد أرجع جميع طاقات الحفاظ والذمام لصدر الامام ( ع ) التى ضاقت الارض من صلابة عزمه وتصميمه ، بل أنها على سعتها تضيع فيه


( 1 ) ديوان سيد حيدر ( ص 87 ).

[116]

ومن الحق انه قد حلق في وصفه لاباء الامام ، ويضاف لذلك جمال اللفظ فليس في هذا الشعر كلمة غريبة أو حرف ينبو على السمع.

وانظر إلى هذه الابيات من رائعته الاخرى التي يصف بها اباء الحسين يقول:

لقد مات لكن ميتة هاشمية *** لهم عرفت تحت القنا المتقصد

كريم أبى شم الدنية أنفه *** فأشممه شوك الوشيج المسدد

وقال : قفي يا نفس وقفه وارد *** حياض الردى لا وقفة المتردد

رأى أن ظهر الذل أخشن مركبا *** من الموت حيث الموت منه بمرصد

فآثر أن يسعى على جمرة الوغى *** برجل ولا يعطى المقادة عن يد ( 1 )

لا أكاد أعرف شعرا أدق ، ولا أعذب من هذا الشعر فهو يمثل أصدق تمثيل منعة الامام العظيم وعزة نفسه التي آثرت الموت تحت ظلال الاسنة على العيش الرغيد بذل وخنوع ، ناهجا بذلك منهج الشهداء من أسرته الذين تسابقوا إلى ساحات النضال ، واندفعوا بشوق إلى ميادين التضحية والفداء لينعموا بالكرامة والعزة.

ومضى حيدر في تصويره لاباء الامام الشهيد فوصفه بأنه أبى شم الدنية والضيم ، وعمد إلى شم الرماح والسيوف لان بها طعام الاباء وطعم الشرف والمجد . . . وعلى هذا الغرار من الوصف الرائع يمضي حيدر في تصويره لمنعة الامام ، تلك المنعة التي ملكت مشاعره وعواطفه كما ملكت عواطف غيره ، ومن المقطوع به أنه لم يكن متكلفا بذلك ، ولا منتحلا وانما وصف الواقع وصفا صادقا لا تكلف فيه.

ويقول حيدر : في رائعة أخرى يصف بها اباء الامام وسمو ذاته ،


( 1 ) ديوان السيد حيدر ( ص 71 ) . ( * )

[117]

ولعلها من أجمل ما رثى به الامام ( ع ) يقول:

وسامته يركب احدى اثنتين *** وقد صرت الحرب أسنانها

فإما يرى مذعنا أو تموت *** نفس أبى العز اذعانها

فقا لهم : اعتصمي بالاباء *** فنفس الابي وما زانها

اذا لم تجد غير لبس الهوان *** فبالموت تنزع جثمانها

رأى القتل صبرا شعار الكرام *** وفخرا يزين لها شأنها

فشمر للحرب في معرك *** به عرك الموت فرسانها ( 1 )

إن مرائي حيدر للامام تعد - بحق - طغراء مشرقا في تراث الامة العربية ، فقد فكر فيها تفكيرا جادا ورتب أجزاءها ترتيبا دقيقا حتى جاءت بهذه الروعة ، وكان - فيما يقول معاصروه - ينظم في كل حول قصيدة خاصة في الامام ( ع ) ويعكف طيلة عامه على اصلاحها ، ويمعن امعانا دقيقا في كل كلمة من كلماتها حتى جاءت بمنتهى الروعة والابداع . ( 1 )

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الكمالات المحمدية تصنيف مبتكر في الإعجاز الخلقي
صور التقية في كتب العامة
غزوة بدر تكسر شوكة الكفر والشرك
ما المقصود بليلة الهرير؟
يوم عاشوراء في اللغة والتاريخ والحديث
الشيعة في ألبانيا
خطبة الإمام الحسين ( عليه السلام ) الأولى يوم ...
محاولة اغتيال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في ...
هل صحّ حديث (لعن الله من تخلّف عن جيش أسامة) من طرق ...
انتشار التشيّع في الريّ(2)

 
user comment