عربي
Thursday 25th of April 2024
0
نفر 0

القاسطون :

القاسطون :

ولم يكد يفرغ الامام ( ع ) من حرب الناكثين كما اسماهم رسول الله ( ص ) حتى جعل يتاهب لحرب القاسطين الذين اسماهم النبي ( ص ) بذلك ، وراى الامام ان يغادر البصرة الى الكوفة ليستعد لحرب عدو عنيف هو معاوية بن ابي سفيان الذي حارب رسول الله ( ص ) وابلى في حربه أشد


( 1 ) شيخ المضيرة ( ص 173 ) . ( * )

[52]

البلاء وأقواه ، ولم يكن معاوية باقل تنكرا للاسلام وبغضا لاهله من أبيه ، وكان المسلمون الاولون ينظرون إليهما نظرة ريبة وشك في اسلامهما ، وقد استطاع بمكره ودهائه أن يغزو قلب الخليفة الثاني ، ويحتل المكانة المرموقة في نفسه فجعله واليا على الشام ، وظل يبالغ في تسديده وتاييده ، وبعد وفاته أقره عثمان وزاد في رقعة سلطانه ، وظل معاوية في الشام يعمل عمل من يريد الملك والسلطان فاحاط نفسه بالقوة واشترى الضمائر ، وسخر اقتصاد بلاده في تدعيم سلطانه ، وبعد الاحداث التي ارتكبها عثمان علم معاوية أنه مقتول لا محالة ، فاستغاث به عثمان حينما حوصر فابطا في نصره ، وظل متربصا حتى قتل ليتخذ من قميصه ودمه وسيلة للتشبث بالملك ، وقد دفعه الى ذلك حرب الجمل التي كان شعارها المطالبة بدم عثمان ، فاتخذه خير وسيلة للتذرع لنيل الملك ويقول المؤرخون انه استعظم قتل عثمان وهول أمره ، وراح يبني ملكه على المطالبة بدمه.

وكان الامام ( ع ) محتاطا في دينه كاشد ما يكون الاحتياط فلم يصانع ، ولم يحاب ، وانما سار على الطريق الواضح ، فامتنع أن يستعمل معاوية على الشام لحظة واحدة لان في اقراره على منصبه تدعيهما للظلم وتركيزا للجور.

وعلى اي حال فان الامام بعد حرب الجمل قد غادر البصرة مع قواته المسلحة ، واتجه الى الكوفة ليتخذها عاصمة ومقرا له ، واتجه فور قدومه إليها يعمل على تهياة وسائل الحرب لمناهضة عدوه العنيف الذي يتمتع بقوى عسكرية هائلة اجمعت على حبه ونصرته ، وكان الشني يحرض الامام ويحفزه على حرب اهل الشام ، بعد ما أحرزه من النصر في وقعة الجمل وقد قال له :

قل لهذا الامام قد خبت الحر *** ب وتمت بذلك النعماء

وفرغنا من حرب من نكث *** العهد وبالشام حية صماء

[53]

تنفث السم ما لمن نهشته *** - فارمها قبل ان تعض - شفاء ( 1 )

ايفاد جرير :

وقبل أن يعلن الامام الحرب على غول الشام أوفد للقياه جرير بن عبد الله البجلي يدعوه الى الطاعة والدخول فيما دخل فيه المسلمون من مبايعته وقد زوده برسالة ( 2 ) دعاه فيها الى الحق من اقصر سبيله ، وباوضح اساليبه ، وفيها الحكمة الهادية لمن اراد الهداية ، وشرح الله صدره ، وفجر في فؤاده ينبوع النور ، وانتهى جرير الى معاوية فسلمه رسالة الامام ، والح عليه في الوعظ والنصيحة ، وكان معاوية يسمع منه ولا يقول له شيئا ، وانما اخذ يطاوله ويسرف في مطاولته ، لا يجد لنفسه مهربا سوى الامهال والتسويف.

معاوية مع ابن العاص :

وراى معاوية انه لن يستطيع التغلب على الاحداث الا اذا انضم إليه داهية العرب عمرو بن العاص فيستعين به على تدبير الحيل ، ووضع المخططات التي تؤدي الى نجاحه في سياسته فراسله طالبا منه الحضور الى دمشق ، وكان ابن العاص فيما يقول المؤرخون : قد وجد على عثمان حينما عزله عن مصر ، فكان يؤلب الناس عليه ، ويحرضهم على الوقيعة به ، وهو ممن مهد للفتنة والثورة عليه ، ولما ايقن بحدوث الانقلاب عليه خرج الى ارض


( 1 ) الاخبار الطوال ( ص 145 ).

( 2 ) الرسالة في وقعة صفين ( ص 34 ) . ( * )

[54]

كان يملكها بفلسطين فاقام فيها ، وجعل يتطلع الاخبار عن قتله.

ولما انتهت رسالة معاوية الى ابن العاص تحير في أمره فاستشار ولديه عبد الله ومحمدا أما عبد الله فكان رجل صدق وصلاح فاشار عليه ان يعتزل الناس ولا يجيب معاوية الى شئ حتى تجتمع الكلمة ويدخل فيما دخل فيه المسلمون واما ابنه محمد فقد طمع فيما يطمع فيه فتيان قريش من السعة والتقدم ، وذيوع الاسم ، فقد اشار عليه بان يلحق بمعاوية لينال من دنياه . فقال عمرو لولده عبد الله ! أما انت فامرتني بما هو خير لي في ديني ، وقال لولده محمد : أما انت فامرتني بما هو خير لي في دنياي ، وانفق ليله ساهرا يفكر في الامر هل يلتحق بعلي فيكون رجلا كسائر المسلمين له مالهم وعليه ما عليهم من دون ان ينال شيئا من دنياه ، ولكنه يضمن امر آخرته او يكون مع معاوية فيظفر بتحقيق ما يصبو إليه في الدنيا من الثراء العريض ، وهو لم ينس ولاية مصر فكان يحن إليها حنينا متصلا ، وقد أثر عنه تلك الليلة من الشعر ما يدل على الصراع النفسي الذي خامره تلك الليلة.

ولم يسفر الصبح حتى آثر الدنيا على الاخرة فاستقر رايه على الالتحاق بمعاوية ، فارتحل الى دمشق ومعه ابناه فلما بلغها جعل يبكي امام اهل الشام كما تبكي المراة وهو يقول :

" وا عثماناه انعى الحياء والدين " ( 1 ).

قاتلك الله يا بن العاص أأنت تبكي على عثمان وانت الذي اوغرت عليه الصدور واثرت عليه الاحقاد ، وكنت تلفي الراعي فتحرضه عليه سفك دمه الصدور واثرت عليه الاحقاد ، وكنت تلفي الراعي فتحرضه عليه حتى سفك دمه لقد بلغ التهالك على السلطة في ذلك العصر مبلغا انسى الناس دينهم فاقترفوا في سبيل ذلك كل ما حرمه الله.

ولما التقى ابن العاص بمعاوية فتح معه الحديث في حربه مع الامام فقال ابن العاص :


( 1 ) تاريخ ابن الاثير 3 / 129 . ( * )

[55]

" أما علي فو الله لا تساوي العرب بينك وبينه في شئ من الاشياء وان له في الحرب لحظا ما هو لاحد من قريش إلا ان تظلمه ".

واندفع معاوية يبين دوافعه في حربه للامام قائلا :

" صدقت ولكنا نقاتله على ما في أيدينا ، ونلزمه قتلة عثمان ".

واندفع ابن العاص ساخرا منه قائلا :

- واسواتاه ان أحق الناس أن لا يذكر عثمان انت ! !

- ولم ويحك ؟ ! !

- أما أنت فخذلته ومعك أهل الشام حتى استغاث بيزيد بن أسد البجلي فسار اليه وأما أنا فتركته عيانا وهربت الى فلسطين . . . ( 1 ).

واستيقن معاوية ان ابن العاص لا يخلص له ، وراى ان من الحكمة أن يستخلصه ويعطيه جزاءه من الدنيا ، فصارحه قائلا :

- أتحبني يا عمرو ؟

- لماذا ؟ للاخرة فوالله ما معك آخرة ، أم للدنيا . فوالله لا كان حتى أكون شريكك فيها.

- أنت شريكي فيها ؟

- اكتب لي مصر وكورها.

- لك ما تريد.

فسجل له ولاية مصر ، وجعلها ثمنا لانضمامه إليه ( 2 ) في مناهضته لوصي رسول الله ( ص ) وقد ظفر بداهية من دواهي العرب وبشبخ من شيوخ قريش قد درس أحوال الناس ، وعرف كيف يتغلب على الاحداث.


( 1 ) تاريخ اليعقوبي 2 / 162.

( 2 ) العقد الفريد 3 / 113 . ( * )

[56]

رد جرير :

ولما اجتمع لمعاوية أمره واحكم وضعه رد جرير ، وأرسل معه الى الامام رسالة حمله فيها المسؤولية في اراقة دم عثمان ، وعرفه باجماع أهل الشام على حربه إن لم يدفع له قتلة عثمان ، ويجعل الامر شورى بين المسلمين.

وارتحل جرير الى الكوفة فانبا عليا بامتناع معاوية عليه ، وعظم له أمر أهل الشام ، وراى الامام ان يقيم عليه الحجة مرة أخرى فبعث له سفراء آخرين يدعونه الى الطاعة والدخول فيما دخل فيه المسلمون إلا أن ذلك لم يجد شيئا فقد أصر معاوية على غيه وعناده حينما أيقن ان له القدرة على مناجزة الامام ومناهضته.

قميص عثمان :

وألهب معاوية بمكره وخداعه قلوب السذج والبسطاء من أهل الشام حزنا واسى على عثمان فكان ينشر قيمصه الملطخ بدمائه على المنبر فيضجون بالبكاء والعويل ، واستخدم الوعاظ فجعلوا يهولون أمره ، ويدعون الناس الى الاخذ بثاره ، وكان كلما فتر حزنهم عليه يقول له ابن العاص بسخرية واستهزاء : " حرك لها حوارها تحن . . ".

فيخرج إليهم قميص عثمان فيعود لهم حزنهم ، وقد أقسموا أن لا يمسهم الماء إلا من الاحتلام ، ولا ياتون النساء ، ولا ينامون على الفراش

[57]

حتى يقتلوا قتلة عثمان ( 1 ) وكانت قلوبهم تتحرق شوقا الى الحرب للاخذ بثاره ، وقد شحن معاوية أذهانهم بان عليا هو المسؤول عن اراقة دمه ، وانه قد آوى قتلته ، وكانوا يستنهضون معاوية للحرب ، ويستعجلونه أكثر منه.

زحف معاوية لصفين :

وعلم معاوية أنه لابد من الحرب لان الامام لا يحاب ولا يداهن في دينه ، فلا يقره على ولاية الشام ، ولا يسند له أي منصب من مناصب الدولة ، وانما يقصيه عن جميع أجهزة الحكم لما يعرفه عنه من الالتواء في دينه وسار معاوية في جموع أهل الشام ، وقدم بين يديه الطلائع ، وقد أنزل أصحابه أحسن منزل ، وأقربه إلى شريعة الفرات ، وقد احتل الفرات وعد هذا أول الفتح لانه حبس الماء على عدوه ، وبقيت جيوشه رابضة هناك تصلح أمرها ، وتنضم قواها استعدادا للحرب.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

ابتکار نظرية الصحابة
غزوة بدر الكبرى أسبابها وأهميتها
مناظرة أمير المؤمنين(ع) مع رجل من أهل الشام في ...
احتجاج الإمام علي(ع) بحديث الغدير
الاسرة والحقوق الزوجية
الملهوف على قَتلى الطفوف
نساء يأكلن من خبز النفايات لإشباع بطونهن ، في ...
بعث الإسلام مجدداً وتعميم نوره على العالم:
خروج الحسين: سؤال الحرية؟
اليهود ودورهم في عصر الظهور:

 
user comment