* محمد زاهر
تشكّل الحالة الاقتصادية للأسرة أساس نفقاتها ومقياس تقشفها أو بحبوحتها في الصرف وما يتعلق بذلك من شقاء أو سعادة لأفرادها ولا يغيب عن أحد ضرورة التكيّف مع الدخل الذي يرد للأسرة ومعرفة الفرد لوجوه إنفاقه وحاجته لذلك في جميع المجالات، وبناء على ذلك نرى أن التربية الأسرية تلعب دوراً مهماً في مسألة الإنفاق الأسري فنلاحظ زوجات قد تربين في مستوى معيشي مرتفع وتزوجن من أزواج دخلهم محدود ولكنهن أدركن ذلك فبدأن يتكيفن مع الوضع الجديد الذي دخلن إليه .
وهناك زوجات تربين في مستوى معيشي مرتفع وعندما ذهبن لبيت الزوجية وكان دخل أزواجهن محدوداً لم يستطعن التكيّف مع الوضع الجديد وعشن في نكد وضيق.
أن إسراف الزوجة أو ارتفاع مصروفها يظهر جليّاً عند الأسر الغنية المقتدرة مادياً أكثر من ظهوره عند الأسر الفقيرة والتي بالكاد تستطيع أنتجد ما يفي باحتياجاتها الضرورية، وتبدأ المشكلة عندما يتزوج الرجل ويجد عند زوجته سوء تدبير ولا ينبهها ولا يرشدها ففي بداية الزواج يستطيع الزوج تغيير عادات زوجته أما إذا سكت على تلك الأخطاء .
وعاش معها سنة أو سنتين ثم طلب منها تغيير شيء من عاداتها السيئة فإنها ستجد صعوبة كبيرة في التغيير والامتثال لأمره، ولن يلاحظ الرجل في أغلب الأحيان أي تحسن وقد تسرف الزوجة عندما تشعر أن زوجها بخيل يملك المال ولا ينفق عليها ما تريد أو يتعلل بعدم امتلاكه للمال وتراه طوال الوقت يشتكي ويبكي.
عندها تبدأ الزوجة برمي بعض الأغراض القديمة ليشتري لها أغراضاً جديدة أو ربما تعطي بعض الأغراض لأهلها أو لصديقاتها أو جيرانها أو أقاربها بنية أن يشتري لها زوجها الجديد أو بنية ان تجعله يخسر وهنا قد تقع المشاكل في حال علم الزوج بما تقوم به زوجته.
وبالتأكيد سيعلم لأن البخيل يحصي كل شيء ويعده ويعرف أين مكانه وأعتقد ان المسألة بالشكل العام هي سوء تدبير مع وضع الأمور الأخرى التي ذكرتها بعين الاعتبار وأحمد الله ان زوجتي تحسن تدبير هذه الامور لأنها تعمل وتتعب وهي المسئولية عن تنظيم المصروف وتدبير أمور المنزل مع الأولاد.
قد تتصرف الزوجة أحياناً بمصروف البيت أو حاجاته الاستهلاكية بشكل سيئ لأسباب كثيرة منها عدم إدراكها قيمة ذلك الشيء أو قيمة المال خاصة إذا كان زوجها ثرياً أو كانت هي ثرية أو كان زوجها من أصحاب الدخل المحدود ولكن كانت عند أهلها تعيش حياة مرفهة تفعل ما تريد دون متابعة من أمها أو أبيها أو إرشاد لصرف المال.
أو ادخاره أو لم تعلم أساليب الشراء أو الاعتناء بالحاجات المنزلية، وهذه مشكلة كثيراً ما يلاحظها الرجال المتزوجون حيث يلاحظ احدهم ان زوجته لا تملك أية فكرة عن أساليب الصرف والادخار هذا إذا تكلمنا عن مسألة التبذير عن طيب نية من طرف الزوجة أما إن أردنا الحديث عن صرف الزوجة أو تبديد مال زوجها عن قصد فهناك أسباب كذلك تدفعها لذلك .
ولكن هذه الاسباب لا تبرر لها هذا العمل لأنه حرام ولا يجوز ومهما كات تقاسي من زوجها من صعوبات وأرادت ان تعاقبه مثلاً فلا يجوز لها شرعاً استخدام هذه الطريقة في العقاب لأنه أمر مخالف للشرع ولأن الإسراف هو استهانة بالنعم التي أنعمها الله علينا وهذه الاستهانة نحن مسئولون عنها.
وقد يحرم الله عنا نعمه بسبب عدم الحفاظ عليها والأفضل للزوجة ان تواجه زوجها بأسلوب حسن ليّن بما تلاحظه من تجاهل لها يتقصده ليزعجها خير من ان تسرف أو تبذر فتسيء لنفسها ولبيتها وزجها.
عدم نضوج الشخصية
جاسم المطوع ـ اجتماعي تربوي ـ يقول: إن الاسراف ظاهرة خطيرة وللأسف الشديد متفشية داخل مجتمعنا ويمارسها معظم الأفراد وبشكل عام يقع جانب كبير من المسئولية على الزوجة التي تدير المنزل لأسباب كثيرة منها نقص التربية والتنشئة السليمة أو انعدام الوازع الديني لدى الزوجة ما يدعوها للإسراف والتبذير من دون سبب متناسية بذلك قوله تعالى:
«كلوا واشربوا ولا تسرفوا» ويعني الاسراف في علم الاجتماع عدم نضوج الشخصية وقد يكون السبب فيه الجري وراء المظاهر الاجتماعية التي تؤدي الى الترف والبذخ دون قيد أو حساب أو بسبب عدم كفاءة المسئولية ما يجعل الزوجة تتصرف بالمال تصرفاً غير سليم فتقدم المهم قبل الأهم وبذلك يكون عدم نضج الشخصية سبباً من أسباب الفشل الزوجي .
ولأن ظاهرة الإسراف في الأموال تجسيد لعدم اكتمال في الشخصية فيترتب عليها العيش في أدوار متضاربة للحياة الزوجية تؤثر على حقوق كل من الزوجين وواجباته.
ويضيف المطوع: وقد يكون السبب في ذلك هو الغيرة والشك من جانب الزوجة حيث تعمد الى تبذير وصرف أموال زوجها لأقصى ما تستطيع صرفه مخافة ان يتزوج غيرها أو أن يطلقها وبهذا تكون قد جنت على نفسها وزوجها بسبب الظن لا أكثر ولا أقل.
وقد يكون السبب مقروناً في بدايته بسوء الاختيار حيث يكون اختيار احد الطرفين مرتبطاً بطمعه في أمواله فيستيقظ شعوره بعد فترة من الزواج ويعلم أن ما فعله كان يجب ألا يفعله حيث إن كثيراً من الفتيات يرتبطن برجال أكبر منهن سناً وذلك لمركزهم أو لثرائهم لتكتشف إحداهن بعد الزواج أن المال.
وحده لا يكفي لأن يجلب السعادة لها فتحاول جاهدة أن تنفي خسارتها وتبرر فشلها بالإسراف في زينتها والترفيه عن نفسها وبيتها لتشعر أن هناك نجاحاً وهمياً قد حققته وما ينطبق على هذه الفتاة ينطبق على غيرها من الشباب الذين يجرون وراء المال بالزواج من مسنات فتكون نهاية زواجهم الفشل والاحباط والحسرة والندم.
ويؤكد: ما زلنا نقول إن حسن الانتهاء من حسن الابتداء ولكن ما يجب علينا أن نعرفه هو أن علماء النفس العائلي وعلماء الإسلام لم يغفلوا دور المال كسبب من أسباب الاختيار.
والقصد ألا يكون الهدف والغاية من الزواج المقصد المالي لأن من ابتغى بزواجه غير ما يُقصد منه من تكوين للأسرة ورعاية شئونها وتحقيق التكامل الانساني بين الرجل والمرأة لعمارة الأرض وإيجاد أجيال تحقق هذه الرسالة فإنه يعامل بعكس مقصوده.
ويضيف المطوع: لذا أقول إنه يجب توفر الدين أولاً لأنه المرشد للعقل والضمير ثم تأتي الصفات الأخرى التي يرغب بها الإنسان بطبعه وبغريزته ويميل إليها في نفسه حتى ينجح في حياته ويكوّن أسرة تؤسس في بنائها على المودة والتعاطف والاختيار الصحيح لكي يصلا في زواجهما إلى الأمن النفسي وعليه فإن الأسرة يجب أن تكون واعية في تصرفاتها بأموالها محافظة بذلك على كيان الأسرة فلا إفراط ولا تفريط عند الإنفاق على البيت والزوجة وكذلك عندما تكون الزوجة المسئول عن المصروف.
ويؤكد المطوع دور المجتمع في تخفيف هذه الظاهرة وتحجيمها بقوله: إن دور المجتمع يتحقق بنشر التوعية المناسبة عن طريق وسائل الإعلام لبيان آثار المشكلة السيئة على بناء الأسرة وانعدام الأمن النفسي والوقوع في أزمات مالية خانقة، وتعميم التربية الأسرية في كافة المراحل التعليمية وكذلك إعطاء الأزواج حديثي العهد مقررات في التربية الأسرية.
والتدبير المنزلي وخاصة للزوجة وتوفير عيادات الاستشارات الزوجية وتعميم وكالات الخدمة الأسرية لمعالجة المشكلات الأسرية وذلك من أجل حل هذه المشكلة على أساس كونها وحدة تخص هذه المشكلة لتحقيق الانسجام والتوازن في العلاقات الأسرية.
سيد الموقف
الشيخ أيمن السعدي ـ إمام وخطيب ـ يقول:
الإسراف معناه ما أنفق من غير طاعة وهو مجاوزة حد الاعتدال في الطعام والشراب واللباس والسكنى ونحو ذلك من الغرائز الكامنة في النفس البشرية، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم:
«ما عال من اقتصد» ومعناه ما افتقر من اقتصد في عيشه وحياته ولم يسرف، فالله لا يحب المسرفين وفي الوقت نفسه الإسلام لا يحض على الفقر وترك زينة الحياة الدنيا، قال تعالى: «قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق» ولكنه في الوقت ذاته لا يريد منهم أناساً متخمين ممتلئة بطونهم بكل ما لذّ وطاب ويركنون إلى الدنيا ولذاتها، وقال تعالي:
«يا أيها الذين آمنوا كلوا واشربوا ولا تسرفوا» فأمر الله المذكور في الآية بعدم الإسراف يجب أن ينفذ ولا مجال للمساومة على قوانين الله مهما كان السبب الذي دفع المسرف رجلاً كان أم امرأة إلى ذلك.
ويضيف الشيخ أيمن قائلاً: أما أسباب الإسراف فهي متعددة متنوعة وقد تكون بدافع وبدون دافع ومن أهم هذه الأسباب:
ـ النشأة الأولى: فقد ينشأ المسلم في أسرة حالها الإسراف والبذخ فما يكون منه سوى الاقتداء والتأسي.
ـ السعة بعد الضيق: ذلك أن كثيراً من الناس قد يعيشون بضيق أو حرمان وقد يحدث أن تتبدل الأحوال فتكون السعة بعد الضيق، وحينئذ يصعب على هذا الصنف من الناس التوسط أو الاعتدال.
ـ صُحبة المسرفين: فالإنسان غالباً ما يتخلق بأخلاق صاحبه لا سيما إذا طالت هذه الصحبة خاصة إذا كان هذا الصاحب قوي الشخصية شديد التأثير.
ـ الغفلة عن طبيعة الحياة وما ينبغي أن تكون، فالدنيا لا تثبت ولا تستقر على حال واحدة بل هي متغيرة متقلبة تكون لك اليوم ولغيرك غداً.
ـ التهاون مع النفس في عدم جمح كباحها إذا ما قامت بالإسراف أو عدم التنبيه على الأهل في ذلك وكل هذه النقاط تنطبق على الرجل كما تنطبق على المرأة وأعتقد أن الرجل هو سيد الموقف في ذلك ويجب أن تكون له كلمة مسموعة لا تهاون فيها في هذا الأمر لأنه بتهاونه يساعد على هدم بيته من حيث لا يدري حيث إنه قد يُصاب بالفقر نتيجة لإسرافه وعقوبة من الله له ما يجعل حياته تنقلب إلى جحيم والعياذ بالله.