عربي
Tuesday 26th of November 2024
0
نفر 0

أدلة وجود الإمام المهدي (عج)-2

وهنا أودّ أن ألفت النظر إلى شيء مهم، وهو: (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ) مثال ذلك. كله يدل على انتهاء العالم، فالملائكة عندها علامة وهي أن هذه النجوم ما دامت مستقرّة فالحياة مستقرة، أما إذا تناثرت النجوم وإذا ذهبت الشمس والقمر وسيّرت الجبال، كل ذلك علامة على انتهاء العالم وقيام الساعة.

كذلك بالنسبة إلى الأرض (وأهل بيتي أمان لأهل الأرض فإذا ذهب أهل بيتي أتى أهل الأرض ما يكرهون).

لذلك: فإنّ القائلين برجعة المعصومين _ طبعاً بالجملة ليس بالتفصيل، كيف يرجعون؟ من يرجع ومن لا يرجع؟ مهما كان على كل حال _ بعد ظهور الإمام الحجة المنتظر يستندون إلى هذا لأنه لابد أن يكون.. فإنّ بعض الروايات تقول: (ما منّا إلاّ مسموم أو مقتول)(24)، فحتى الإمام المهدي عجل الله فرجه تكتب له الشهادة. يمنحه الله تعالى الشهادة، مع أنه يقضي على الظالمين، لكن لو بقي ظالم واحد أيضاً يفجع الأمة بقتل الإمام.

لكن هل تنتهي الدنيا؟ لا، فلابدّ من وجود معصوم حجّة لله تعالى على الخلق يقوم مقام الإمام المهدي، حتى يحكم في العباد، إلاّ أن يشاء الله سبحانه وتعالى للأرض وما عليها أن تنتهي، فينتهي أهل البيت ويأتي أهل الأرض ما يكرهون.

فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم لما يتحدث عن انتفاع الناس بوجود الإمام يقول: (لو خليت الأرض من الحجة لساخت)، والأرض أو المنطقة التي عليها حجة سواء أكان رسولاً أو نبياً أو إماماً لا تعذّب. ولما أراد الله أن ينزل العذاب على قوم يونس، يونس انسحب من المنطقة. وإلاّ مع وجود يونس لا ينزل العذاب. قضية لوط (ع) كذلك. إبراهيم يقول (إِنَّ فِيها لُوطاً)(25) يقول للملائكة الذين أخبروه بأنهم جاءوا ليعذبوا قوم لوط، ليقضوا عليهم، قال: إن فيها لوطاً. يعني كيف ينزل العذاب ولوط نبي الله موجود. هناك حجة على الخلق. فأخبروه بأن يخرج بعائلته إلاّ امرأته، إذاً بالحجة استقرار الأرض والسماء بهذا المعنى.

ومن بركات وجوده صلوات الله وسلامه عليه: أنه واسطة الفيض الإلهي وبيمينه رزق الورى، أحاديث كثيرة تخبر وتؤكّد أنه في ليلة القدر (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ).(26) كيف ينزلون؟ بأمر ربهم. على من، على زيد على عمر ينزلون؟ على حجة الله في زمانه. وحجة الله في زماننا الإمام المهدي المنتظر عجل الله فرجه. ومشيئة الله هكذا أن الملائكة إذا قررت شيئاً تستشير الإمام، تأخذ نظره بالنسبة للأعمار، وبالنسبة للأرزاق وما شابه ذلك، لأن ليلة القدر تعني: الليلة التي يعرف بها قدر الإنسان هل يرتفع أو ينخفض أو يبقى على ما هو عليه. كما هو الحال في الموظفين كل سنة وسنتين لابد أن يحاسبوا وينظر في عملهم أنهم في هذه المدّة ماذا عملوا، أدّوا الواجب بصورة صحيحة سليمة؟ يعطون ترفيعاً وأما إذا ظهروا مقصرين فينزلون من قدرهم.

البعض يفسرون القدر بهذا المعنى يعرف قدر الإنسان.

فلابد أنّ الإمام سلام الله عليه يعطي رأيه في هذه الأمور التي يجريها الله تعالى على العباد بمشيئته، عن طريق الإمام. مثلما يقبض الأرواح بواسطة ملك الموت وملك الموت بيد الله تعالى. فكل شيء ينسب إلى الله، حتى إذا كان الأمر يقوم به بعض عباده (اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَْنْفُسَ حِينَ مَوْتِها)(27)، (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ)(28) فما دام الله تعالى عين ملك الموت ليقوم بهذا الأمر ففعله يرجع إلى الله سبحانه وتعالى.

والإمام من قبل الله معيّن ليعطي رأيه، فهو واسطة الفيض الإلهي، بيمنه رزق الورى، وبوجوده ثبتت السماء.

بالإضافة إلى هذا هو مرجع للأمة، مرجع للأحكام. لابدّ للعلماء أن يتوصّلوا إلى الإمام بالواسطة، أو بغير الواسطة عبر هذه السنوات العديدة التي مرّت على وجود الإمام صلوات الله وسلامه عليه.

وهناك قصص كثيرة، للسيد بحر العلوم رضوان الله عليه وغيره من العلماء والمراجع هي دليل على أن الإمام سلام الله عليه لا يتركهم أبداً.

ثم هو ملجأ العباد في المشاكل، في الصعوبات دائماً. العباد المؤمنون يلجؤون إليه. وهناك قصص متعدّدة حول تلقي الشيعة حلولاً لقضاياهم، في البحرين في العراق في أماكن متعددّة أخرى، على مستوى الفرد أو على مستوى الجماعة، وكيف أنّ الإمام الحجة المنتظر عجل الله فرجه أنقذهم مما كانوا فيه. كثير من القصص موجودة في الكتب ويذكرها الأعلام.

فالإمام لم يترك أمته، ولم يترك رعيّته، فإنّ في غيبته خير وبركة كما في حضوره. لكن طبعاً في حضوره تكون البركة أكبر، ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وآله: «إي والذي بعثني بالنبوة إنهم ينتفعون به ويستضيئون بنور ولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن تجلّلها السحاب»، بمعنى أنّ الشمس إذا تجللّها السحاب في النهار منع ظهورها، فهل معنى هذا أنّ النهار يصير ليلاً؟ لا، هل معنى هذا أنّ أشعة الشمس لا تنفع البشر؟ بل تنفع، حتماً تنفع فالفرق واضح بين الليل الذي لا توجد فيه شمس وبين النهار الذي توجد فيه شمس لكن الشمس محجوبة، فلا بد أن تعطي ضوءها ولا بد أن تعطي إشعاعاتها وحرارتها والناس ينتفعون.

ولذلك يقول الشاعر:

ولا يزال بعين اللّطف يرعانا
مثاله الشمس عند السحب تغشانا

 

يا غائباً لم تغب عنّا رعايته
بظله وهو محجوب منافعه

فيقول النبي الكريم: ويستضيئون بنور ولايته في غيبته، كانتفاع الناس بالشمس وإن تجلّلها السحاب، يا جابر هذا من مكنون سرّ الله، ومخزون علمه _ يعني هو علم عن المستقبل بهذا التفصيل _ فاكتمه إلاّ عن أهله.(29)

لأن هذا الشخص الذي لا يؤمن بقول النبي في حق وصيّه علي (ع) ويخرج عليه ويحاربه، أو يعتقد بأعداء الله أنهم خلفاء على الحق، كيف يتوقع منه أن يتعرّف على قضية الإمام المهدي وما سيجري له في مستقبل الزمان؟

هناك حديث يلفت النظر يا إخوان، وعلينا أن نأخذ به وأن نؤكّد هذا الحديث على أعمالنا، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن نكون مصداقاً أو مصاديق لهذا الحديث الشريف. الإمام زين العابدين (ع) يقول لأبي خالد الكابلي: (تمتد الغيبة لولي الله الثاني عشر من أوصياء رسول الله صلى الله عليه وآله والأئمة من بعده. يا أبا خالد إن أهل زمان غيبته _ أنا وأنت ومن سبقنا في أيام الغيبة ومن سيأتي بعدنا _ إن أهل زمان غيبته، القائلين بإمامته، المنتظرين لظهوره، أفضل أهل كل زمان لأنّ الله تبارك وتعالى أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة).(30)

إقرأ قلبك أيها المؤمن. ما هي عقيدتك في الإمام المهدي؟ هل تؤمن بوجوده وتستنجد به وتندبه وتبكي وتطلب منه أن يعجّل في ظهوره وتدعو له وتطلب منه أن يدعو لك؟ كل هذه حقائق تدل على الإيمان الذي في قلبك أيها المؤمن.

ثم ولاية الفقيه ما معناها! نحن ملزمون أن نطيع رسول الله صلى الله عليه وآله، وملزمون أن نطيع الأوصياء من بعده. ولما جاءتنا روايات عن الأئمة عليهم السلام تؤكد على لزوم طاعة واتباع العلماء مع الأوصاف الضرورية من علم وورع وتقوى ومخالفة للهوى..إلى آخره، و(الراد عليهم كالراد عليّ والراد عليّ كالراد على الله).(31)

فولاية الفقيه ما كانت إلى هذه الدرجة قبل عشرات السنين أصلاً. انظر أيها الأخ الإمام أمير المؤمنين (ع) يقول: (لو وجدت أربعين ذوي عزم لنهضت).(32)

الحسين (ع) على عظمته ابن رسول الله، قرّة عين النبي، قرّة عين الزهراء، صحابي، وفي نفس الوقت هو من أقرب الأقربين إلى رسول الله، مع هذا لما استنجد الناس واستنصرهم حصل على (72) ناصراً.

كذلك الأئمة الباقون كانوا في قلّة من الأنصار.

ويأتي رجل من تلامذة الأئمة يحمل شيئاً من علم الأئمة. يأتي رجل يمثّل المرجعية، فيأتي بولاية الفقيه والناس تطيعه وتقتل بين يديه، وتتعشّقه وتفدي نفسها لما يقول، معنى هذا أنّ هناك تطوّراً في العالم، وأنّ هناك تغيّراً في فكر الناس.

فإذن هذا هو الذي يقوله الإمام زين العابدين (ع): «إن أهل زمان غيبته القائلين بإمامته، المنتظرين لظهوره أفضل من أهل كل زمان لأن الله تعالى ذكره أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة».

فإذا كان نائب الإمام هكذا يطاع فإذا ظهر الإمام الحجة المنتظر كيف يطيعه الناس؟ وقد جعلتهم الرواية في ذلك الزمان، بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله بالسيف. «أولئك المخلصون حقّاً وشيعتنا صدقاً والدعاة إلى دين الله سرّاً وجهراً».. اللهم اجعلنا منهم.

نعم أيها الأخ الكريم قضية الإمام الحجة المنتظر قضية واقعيّة. وإنّ الإمام المنتظر حق كما أنّ الجنة حق والنار حق والموت حق. كل هذه الأشياء حق. كما أن الإسلام حق (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) .(33)

في فرائد السمطين يقول شيخ الإسلام الجويني عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (من أنكر خروج المهدي فقد كفر بما أنزل على محمد)(34). لماذا كفر؟ لأن من جملة الأشياء التي تثبت صحة قول الرسول، الروايات الصحيحة التي تصل إلينا. فإذا وصلتنا رواية أخبرنا بها ثقة، أو كتبها عالم ثقة عن علماء إلى النبي، نأخذ بقوله. إذا كان الحديث متواتراً، إذا الأخبار متواترة، أي أنّ عشرات من الصحابة، عشرات من العلماء، عشرات الكتب تذكر قضية الإمام المهدي عجل الله فرجه بالتفصيل: شكله، طوله، أسنانه، عيونه، شعر رأسه، حواجبه، حركاته، عمره، أيام حكومته، قبل ظهوره، ماذا يجري بعد ظهوره، في أيام ظهوره. معالم حكومته، حتى الراية والسيف وما شابه ذلك.. إذا كان أحد ينكر هذا فمعناه أنه منكر لنبوة رسول الله صلى الله عليه وآله، يعني يكذّب رسول الله والمكذّب لرسول الله فيما قال كافر.

إخواني: ما أكّد النبي على شيء كتأكيده على شيئين: قضية الحسين بالتفصيل، وقضية الإمام المهدي المنتظر. كل ذلك حتى تكون الحجة له علينا فلا نقول: لم نسمع، لم نعرف، هذا شيء مستبعد، غير ممكن. هذا كله تهرب من الواقع، لأن الله ألزمنا الحجة وعلينا أن نعترف مذعنين.

هناك بعض الأشياء يجب الاعتقاد بها بصورة إجمالية وليس من الضرورة التفصيل كإجمالية عذاب القبر، إجمالي المعراج، وغيره. هناك آيات وهناك أحاديث تؤكد وجود الإمام المهدي واستمرار وجوده كما في حديث النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم: (وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض)(35) من جملة الافتراق ماذا؟ افتراق الزمان، أي أنّه إذا كان في زمانٍ ما القرآن موجود، والحمد لله القرآن لم يهمل ولم يترك، لم يأتِ زمان لا وجود للقرآن فيه، من يوم بعثة النبي وإلى يومنا هذا وإلى يوم القيامة (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ)(36) والذكر هو القرآن. فإذاً القرآن موجود في كل زمان. فإذا قال القائل: ما ولد الإمام في زمن العسكري، ولا يوجد إمام إلى آخر الزمان، إذا شاء الله تعالى يولد الحجة ثم يظهر. معناه في هذه الفترة من الزمان الذي مضى وهو مئات السنين، لا وجود لعِدل القرآن، فكيف تفسّر كلام النبي الذي أكد بضرس قاطع أنهما لن يفترقا، ومن جملة الافتراق، الافتراق الزماني وقد وقع الافتراق حسب ادعاء القائل، وهو عين ما نفاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

وهذا يدل على أنهم عليهم السلام لا يفترقون عن القرآن الكريم. وما دام للقرآن وجود فلابدّ لله من حجة.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

النص على الأئمة الاثني عشر عليهم السلام يوضح ...
فرية السرداب
التمهيد للظهور (الآليات والنتائج)
کتابة رقعة الحاجة إلی مولانا صاحب العصر والزمان ...
الحرب العالمیة فی عصر الظهور
في رحاب بقية الله: المهدوية عقيدة النجاة
المعالم الاقتصادية والعمرانية في حكومة الامام ...
تكاليف عصر الغيبة الكبری
المهدي والحسين عليه السلام الدور والتجلي
سيرة الإمام المهدي المنتظر(عجل الله فرجه)

 
user comment