إنّ الانتساب للحسين سبب موصل لجدّه ، ولمعرفة الله وطاعته ، قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : (( كلّ نسب وسبب منقطع يوم القيامة إلاّ سببي ونسبي ))(1) .
وهو حديث متواتر مذكور في أغلب المصادر العامّة والخاصّة ، وفي الحديث قسمين :
القسم الأول : كلّ سبب ونسب منقطع يوم القيامة
وقد حكاه الله تعالى في قوله : ( فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَاءَلُونَ )(2) .
كما يصوّر لنا سبحانه هذا الانقطاع عن الأنساب والأقرباء في يوم القيامة في قوله تعالى : ( يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ )(3) .
وهذا واضح في تعاليم الله ، حيث إذا كانت صلة الرحم التي أوصى بها الله تعالى في الدنيا حتى ورّثها وكرّمها وأمر بوصلها ، ولكن إذا لم تكن مؤمنة فهي في الآخرة لا أمان لها ولا حرمة ويفرّ منها ، وفي الدنيا الوصل المأمور به لعلها تنتفع وتؤمن ، فإذا كانت الرحم مقيمة في معصية الله ، أو على الشرك به تعالى ـ والعياذ بالله من معصيته والشرك به ـ ولم ينفع معها النصح والإرشاد لا تُطع ولا يُقتدى بها .
والبحث في صلة الرحم طويل ، ولكن خلاصته إنّه :
هو أن أحترم الرحم المشرك من غير طاعة في معصية الله ، فهو نوع من الفرار منه في الدنيا ، وفي الآخرة عرفت حكاية الله .
وإذا كان هذا الكلام في النسب ، فكيف الحال في السبب المنقطع ، الذي لم يعتبره الله ، ولم يقم له وزناً ، ولم يحترمه ، ولم يذكر له كرامة إذا كان مشركاً وعاصياً ، بل مطلوب منه الفرار في الدنيا قبل الآخرة ، فهو لم يكن حبله متين بقدر الرحم في الدنيا ، فيكون بالآخرة منقطع ؛ لأنّه منقطع في الدنيا قبل الآخرة ، ويهوي بصاحبه في نار جهنم وعذاب الله الشديد ؟
وهذا المعنى بيّن في تعاليم الإسلام والإنسانية ، وعند كلّ العقلاء والعرف ، بأنّه لا شفاعة ولا وصل ، ولا سبب للئيم أو خسيس ، أو عاص للملك العظيم ، والربّ الرحيم ، وعلى عناده مقيم ، ولا نسبة ولا انتساب بينهم وبين أتباعهم ، إذ شيمتهم الخيانة والنكران للجميل ، والغدر والحيلة والمكر ، ولا حرمة له ولا كرامة .
القسم الثاني من الحديث : إلاّ سببي ونسبي
يعني إلاّ مَنْ اتّصل برسول الله تعالى بالنسب والسبب ؛ فهو لم ينقطع عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في الدنيا والآخر ، والدين والهدى ، وكلّ نعيم الله فضله وتشريفه لعباده المؤمنين .
ــــــــــــــــ
(1) أرجح المطالب / 262 ؛ أمالي ابن الشيخ / 217 .
(2) سورة المؤمنون / 101 .
(3) سورة عبس / 34 ـ 37 .
الصفحة (2)
وهذا له تفسير لا يمكن أن يحمل على ظاهره ؛ فإنّ أبو لهب ، وهو عمّ للنبي لكن لعنه الله وأدخله النار ، ولم يكن سبب ولا نسب له يغنيه وينجيه ؛ لأنّه لم يتمسّك به في الدنيا .
فليست مجرّد القرابة والوصلة للنبي الكريم لها حرمة ، بل فقط النسب والسبب والوصلة بالنبي التي شهد الله ورسوله لها بالإيمان وزكّاها وطهّرها فهي التي تكون موصولة ، وكلّ مَنْ وصلها وتبعها ، وجعلها له نسباً وسبباً ، وتمسك بها يكون معها ، ولم ينقطع عنها في الدنيا والآخرة ، وهذه من أوّل معارف الإسلام ومبادئه ؛
ولذا قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ )(1) ، وقال : ( رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ )(2) ، وهذا معناه إنّ الصادقون والأبرار ، والمنعم عليهم ، والهداة للصراط المستقيم ، وأئمّة الحقّ سبب ونسب موصل لله ورسوله .
وتوضيحه :
إنّه لا يمكن لأحد أن يدعو أو يذكر ، أو يعرف الله مباشرة من دون انتساب للنبي الكريم ، ومعرفة تعاليم الله منه ؛ فإنّ الله لا يُعرف حقّ المعرفة ، ولا يُطاع حقّ الطاعة إلاّ بتعاليمه التي أنزلها على نبينا الكريم محمد (صلّى الله عليه وآله) ، والنبي الكريم يكون سبب متصل بالله تعالى وبه ننتسب لدين الله الحقّ .
وهكذا يحتاج الإنسان الغير معاصر للنبي لمَنْ يوصله بالنبي الكريم ، ويرشده لتعاليمه الحقيقية ، ولمعارفه الصادقة ، ويكون له سبب ونسب يلحقه بالنبي ؛ لكي لا ينقطع يوم القيامة .
ولذا وجب على كلّ البشر المحبين للإيمان الحقيقي معرفة الهدى الصادق لله تعالى والموجود عند أئمّة الحقّ ؛ فلذا يجب على كلّ عاقل البحث عنهم حقّ البحث حتى يحصل له اليقين بمعرفتهم ، وهذا سبيله أهل البيت (عليهم السلام) ، وآل النبي الكرام الذين شهد الله لهم بالصدق وعدم الكذب ، كما في قوله تعالى : ( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ )(3) ، فلو علم الله من أهل البيت كذب ، لما أمر النبي أن يأتي بأهل بيته ليباهل بهم نصارى نجران ، فهذه الآية الكريمة فيها معرفة قيّمة ، وشهادة صادقة تبيّن الحقّ وأهله ، وسبب النبي المجتمع مع النسب ، وهم النبي الكريم محمد وبعده علي الذي هو نفسه وزوج بضعته الزهراء ، وبعده أبناهم الحسن والحسين ومعهم فاطمة بنت النبي والتي مثّلت النساء المؤمنات .
فآل النبي الكريم الذين شهد الله لهم بالصدق والكرامة وبيان الشأن الشريف ، هم نسب النبي والسبب المتصل به ، وكلّ مَنْ اتصل بهم بسبب ، وانتسب لهم بالدين ، وحصلت له معرفة بهم ، واعتقد بشهادة الله بحقّهم وتصديقه لهم ، وتبعهم وأخذ تعاليم الله منهم ، فيكون بحقّ قد استمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها ،
ـــــــــــــــ
(1) سورة التوبة / 119 .
(2) سورة آل عمران / 193 .
(3) سورة آل عمران / 61 .
الصفحة (3)
وبحبل الله المتين الذي لا ينقطع ، وكان من حزب الله الصادقين ، وحُشر مع الأبرار والصالحين ، والمنعم عليهم والصديقين ، وحصل على سبب النبي ونسبه ، ولم يقطعه الله عن نبيه وهو معه في الجنّة .
ونضيف بيان : هو إنّ الله تعالى في آية أخرى أمر بمحبّتهم وودّهم ، فقال تعالى : ( ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ )(1) .
وقد عرفت في الباب السابق إنّ هذه الآية الكريمة تبيّن البشرى بمَنْ يقتدي بودّ ـ الذي هو المحبّة الشديدة ـ لأهل البيت (عليهم السلام) ، فيكون له حسنة مزادة ، والله يغفر ذنوبه ، ويشكر سعيه .
وهذه الآية صريحة بأنّها أجر رسالة النبي الكريم ، وتبيّن مناسبتها في أنّ الرسالة مستمرة في قربى نبي الرحمة وآله الطيبين الطاهرين (صلاة الله وسلامه عليهم أجمعين) ، وبهذا الودّ للحسين وآله آل النبي الكريم ننتسب للنبي ودينه ، ولله تعالى وهداه ، ونُخلص له الدين بتعاليمهم ومعارفهم التي علموها لنا بكلّ وجودهم حتى بأسمائهم الشريفة الكريمة وتذكّرها ومعرفتها ، والتحقّق بمعناها ، وما توحي إليه مضامينها ، فضلاً عن الانتساب له بالروح والهدى ، والاقتداء به ؛ للإخلاص لله بكلّ تعاليم الدين .
فالآية الكريمة فيها عناية من الله تعالى بأهل البيت النبوي ، حيث طهّرهم في آية التطهير ، ووفّقهم للإيمان الخالص ، والعمل الصالح الذي بشرنا الله بأنّ مَنْ يقبل الله منه سيجعل له وداً . قال الله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَانُ وُدّاً * فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْماً لُدّاً )(2) .
وهذا الودّ مع الإيمان والعمل الصالح ، وأجر الرسالة وقربى النبي في هذه الآية والآية السابقة ، معناه مَنْ وصل آل النبي وانتسب لهم في العلم الإلهي والمعارف الربانية ، قد حصل له سبب ونسب متّصل بالنبي ودين الله ، وجمع السبب والنسب والرسالة واستمرارها ، ومعرفة لله تعالى بودّ ومحبّة باتّباع أئمّة الحقّ من أهل البيت (عليهم السلام) .
وهذه الآية الكريمة أنذرتنا مَنْ كان قد لدّ لأهل البيت (عليهم السلام) وانقطع عنهم وبغضهم ، يكون سببه ونسبه منقطع في ذلك اليوم ، ويهوى في نار جهنم ، كأبي لهب مهمّا كان ، وبأيّ اسم تسمّى .
الإمام الحسين لخص وشرح السبب والنسب المتصل بالنبي
نعم ، السبب المتّصل برسول الله ، ومنتسب لدين الله قد لخّصه ، ثم شرحه الإمام الحسين (عليه السلام) بتضحيته وفدائه ، كما إنّ أعداءه كانوا هم السبب والنسب المنقطع ؛ لأنّهم قوم لدّوا النبي وهداه ، وهم أئمّة كفر ، أو أتباع لهم .
فكان الانتساب لجامعة الإمام الحسين (عليه السلام) هو السبب الموصل لكلّية معارف الله ودينه ، وبه يمكن أن
ــــــــــــــ
(1) سورة الشورى / 23 .
(2) سورة مريم / 96 ـ 97 .
الصفحة (4)
نصل للخير والكرامة ، والأخلاق الفاضلة والطاعة لله تعالى ، وبمعرفته نبتعد عن الانقطاع عن الله وعن تعاليمه ، وبتضحيته وسيرته بانَ واتّضح الانحراف عن دين الله وهداه عند أعداء آل محمد ، وأئمّة الكفر والنفاق على طول التأريخ بما لا مجال معه للشبهة والشك والحيرة في الضلال وعدمه .
فإنّه مَنْ قتل الإمام الحسين ، وسبى حريم رسول الله وأتباعهم ، وكذلك كلّ مبغضي الحسين وآله الكرام ، وكلّ مَنْ حبّ أعداءهم ، وكلّ مَنْ حاربهم وقتلهم في العقيدة والدين ، وكلّ مَنْ رضي بفعل معاند لآل الحسين ، ويمنع من معرفتهم بكرامة الله ودينه ، وما فضلهم به وخصّهم من الشرف والمجد على طول الزمان ، لا يمكن أن يتصوّر عنده أدنى سبب ونسبة لدين الله ولرسوله ، وهكذا كلّ مَنْ حبّ أعداء الحسين وآله ، ومَنْ حاربهم وخالفهم ، ودعا الناس لرأيهم ومكرهم وخداعهم ، فهو كأئمّة الكفر المعادين لأئمّة الحقّ ، قد انقطع عن النبي الكريم ودين الله وكلّ معارفه وتعاليمه ، ولم يعبد الله بما يحبّ ويرضى ، فضلاً عن الإخلاص له .
وباليقين والقطع ، والإيمان الراسخ إنّه مَنْ نصر الإمام الحسين وتعلّم منه فاقتدى به ، وتأسى به ورفض أعداءه ومبغضيه يكون له أقوى سبب ونسب يتصل به وبالله ورسوله ، وكلّ تعاليمه ومعارف ودينه ، ويحقّ له ، بل يصدّقه الله ورسوله وكلّ المؤمنين والمنصفين إنّه تعبّد لله بدينه المرضي ، وله أعلى ثواب وأجمل نعيم وكرامة من الله تعالى .
ولذا الله أكرمنا بعقد مجالس نذكر بها الحسين وننتسب له ، ويكون لنا سبب يوصلنا بالنبي الكريم ورسالته ودينه ، فهو (عليه السلام) مدرسة الدين الحنيف الذي يكون مَنْ انتسب له حصل على السبب المتّصل بالنبي الكريم وتعاليمه ، ثمّ بالله وطاعته وعبوديته ، فهو (عليه السلام) جامعة الإسلام الكبرى التي فيها بيان للحقّ والهدى الذي لا انحراف فيه ولا ضلال .
فبذكر الإمام الحسين (عليه السلام) وحضور مجالسه ، والتعلّم من معارف هداه يكون لنا سبب متّصل بالله تعالى ومعارفه ، ونعرف نسبتنا وانتسابنا للحسين (عليه السلام) ولآل الحسين ، ولجدّ الحسين ، ومعرفة الله وطاعته وعبوديته .
فالانتساب له (عليه السلام) معرفة كبرى وتعليم كريم ، لمعنى حقيقي وواقعي عند الله ، وفي شرعه المتين والدين المبين ، ويدخلنا في كلّية معنى ناصر الحسين ، أو ذاكر الحسين ، أو الحاضر في مجالس الحسين ، وبه ننتسب ونتسبب للحضور في جامعة آل محمد (عليهم السلام) ، ونكون بحقّ قد انتسبنا للنبي الكريم الذي لا ينقطع نسبه وسببه عند الله تعالى ، وهو انتساب لله في الحقيقية بالطاعة ، وسبب كريم، وشريف لعبوديته تعالى عن معرفة ويقين .
قول النبي الكريم (( حسين منّي وأنا من حسين ))
بما مرّ من المعرفة القيّمة لمعنى الانتساب والنسبة في الدين ، ومعرفة هدى ربّ العالمين وطاعته ، عرفنا قول النبي الكريم (( حسين منّي وأنا من حسين )) .
فكلّ مَنْ كان مع الحسين ومن أنصار الحسين على طول الزمان وفي أي مكان ، يكون من النبي في الهدى والدين ؛ فالحسين بيّن بشكل لا مثيل له إخلاصه لله ربّ العالمين في العبودية والطاعة عن يقين ، وهكذا كلّ
الصفحة (5)
مَنْ ينتسب له في الدين ويقتدي به على الحقيقية يكون على يقين ، وبهذا يتجسّد ، بل يظهر بحقيقة روحه ومعناه في مجالس ذكر الإمام الحسين (عليه السلام) ، وبما يفعله المؤمنون في ذكر الحسين والاقتداء به ، وجعله أسوة لهم في سيرهم وسلوكهم ، وخلقهم الكريم وصفاتهم الفاضلة ، التي اكتسبوها من الحسين (عليه السلام) .
فإنّك ترى كلّ المؤمنين الأحرار ، والطيبين الكرام ينتسبون للحسين (عليه السلام) ، ويحبّون هذه النسبة ؛ باعتباره أب لهم معنوي وديني وروحي ، باعث فيهم الحياة الشريفة الكريمة ، ومُعطي كرامة العزّ والمجد ، والأخلاق الحسنة والعلم الربّاني ، والدين الصادق والدليل الخالص على معارف الله وهداه .
فذكر الإمام الحسين والانتساب له (عليه السلام) لذّة طعمها معرفة الدين والإيمان بربّ العالمين ، ومجالس وَجد يتهافت لها قلب المحبين والطيبين للربّ الهادي الرحيم ، ومجالسه سبب لعشق الخير والكرامة والفضيلة ؛ إذ يُرى فيها إخلاص الحسين لله تعالى وإخلاص أتباعه وأنصاره ، وفيها يحصل لهم سبب عشق الانتساب والاقتداء بالحسين ، ومن ثمّ بآل الحسين (عليهم السلام) في معرفة الهدى والإخلاص لله تعالى .
وهذا شأن كلّ الأحرار والمؤمنين والخيرين الصالحين والمصلحين في حبّ الانتساب للحسين ، وجعله سبباً لمعرفة العلم اليقيني الصادق بهدى الله وصراطه المستقيم ، والموصل بسرعة وجدّ ، وطلب حثيث لطاعته من حيث أمر وأراد أن يُطاع ، وبتعاليمه التي عند أئمّة الحقّ والهدى .
وهذا تفقده في كلّ مدارس وجامعات وكلّيات الدنيا ، ولم يوجد إلاّ في مدرسة الحسين وجامعته وكلّيته التي تُعطي أعلى شهادة فيها توقيع الله ورسوله وآل النبي الكريم ، والملائكة أجمعين والمؤمنين والطيبين ، وتبيّن صدق الانتساب لله ورسوله وآل النبي الطاهرين ، وإنّ المنتسب للحسين حصل على السبب الموصل لمعارف الله وتعاليمه الحقيقية وكلّ خير وفضيلة ، ومن غير ضلال ولا انحراف ولا غش ولا كذب ولا خداع .
وذلك لكون الحسين (عليه السلام) بحقّ مصباح هادي لنور الإيمان ، والدليل الصادق الموصل لليقين ، والبرهان الجلي على ضرورة التمسّك بالعروة الوثقى ، والصراط المستقيم لنبينا وآله الطيبين الطاهرين ، وسفينة نجاة وسائس منجي لكلّ الأحرار والثوار في سبيل التضحية والفداء من أجل إعلاء كلمة الله والصبر في جنبه .
فكلّ المؤمنون والطيبون والأحرار يستقون منه معالم الدين ، وبذكره العطر يسترفدون منهل حياتهم ، ويعذب وجودهم ، وتصفى نيّاتهم في طلب العبودية والطاعة لله تعالى ، والعمل بتعاليمه ونشرها وترويجها .
فأيّ نسبة أحلى وأجمل من الانتساب للحسين ولآل الحسين (عليهم السلام) ، والسير في سبيلهم وصراطهم المستقيم ؛ لكي نصل لنعيم وهدى ورضى ربّنا وهادينا ، وعزّه وكرامته وفضله ، وكلّ سعادة في الدنيا والآخرة .
الانتساب للحسين وآله واجب على كلّ مَنْ أراد الله وعبوديته
وقد قال الله تعالى : ( يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ
الصفحة (6)
فَتِيلاً * وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً )(1) .
وقد عرفت إنّ الإمام الحسين في كلّ مكان وزمان إمام حقّ ودليل صدق ؛ لتعريف آله الكرام وأئمّة الحقّ والهدى الإلهي لكلّ الدنيا ، وقد قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : (( سلمان منّا أهل البيت ))(2) ، وذلك لكون سلمان (رحمه الله) كان تابع لأهل البيت ، ومخلص في ودّهم وحبّهم ، ومعرفة علوم الله وهداه عن صراطهم المستقيم بعد رسول الله ، وهذا السبيل يكون لكلّ مَنْ أنتسب وتبع أئمّة الحقّ من آل محمد (عليهم السلام) ، واهتدى بصراطهم وكان من شيعتهم ، ويؤيّد هذا آيّة المودّة ، وكل الآيات والروايات الموجبة لحبّهم وسلوك سبيلهم والانتساب لهم .
ولذا قال أبان بن تغلب : قال الإمام الشهيد ـ أبو عبد الله الحسين ـ (عليه السلام) : (( مَنْ أحبّنا كان منّا أهل البيت )) ، فقال قلت : منكم أهل البيت ؟! فقال : (( منّا أهل البيت )) حتى قالها ـ ثلاثاً ـ ، ثمّ قال (عليه السلام) : (( أما سمعت قول العبد الصالح : فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ))(3)(4) .
وما هذه المعارف الراقية في النسبة والانتساب ، وملاكه في تعريف الله ورسوله والحسين ، إلاّ لكون حبّ الإمام الحسين (عليه السلام) والاقتداء به يكون أفضل وأسرع سبيل موصل لحقيقة معرفة الإمامة ، والإخلاص في السير في سبيل أئمّة الحقّ ؛ وذلك لأنّه يعرّفهم بالدين والهدى وكلّ فضيلة ومجد ، وبه المؤمن والطيب يعرفهم ويحبّ أن ينتسب لهم ، وحبّ أخذ كلّ تعاليم الله ومعرفته منهم وحدهم ، من غير شك وشبهة ، فلا يبقي الانتساب للحسين (عليه السلام) وآله لأحد مجال الحيرة والضلالة حتى يخلطهم بغيرهم من أئمّة الكفر وأتباعهم ، وبضلالهم وظلامهم على طول الزمان .
وهذا معنى الإخلاص في الانتساب للإمام الحسين وآله ، والتسبب بهم لرضوان الله ورسوله ، والكون معهم ومنهم ، مع التبري المطلق من أئمّة الكفر وأتباعهم وكلّ ضلالهم .
فالحمد لله الذي جعلنا ممّن ينتسب للإمام الحسين وآله ، ومن الذين يحضون برضاه ورضى أهل بيته ؛ لأنّ رضاهم من رضى الله تعالى ، مخلصين لهم في المودّة والطاعة حتى يجعلنا معهم في أعلى محلّ الكرامة والمجد ، إنّه أرحم الراحمين .
أسأل الله تعالى لي ولمَنْ قال آمين يا ربّ العالمين ذلك .
اللّهمّ بالحسين وجدّه وأبيه ، وأمّه وأخيه ، والمعصومين من بنيه اجعلني مع الحسين وآله الطاهرين وأصحابه الطيبين ، يا ربّ العالمين .