عربي
Monday 25th of November 2024
0
نفر 0

بعد ما عرفت الإمام الحسين (عليه السلام) انتسبت إليه

إنّ الانتساب للحسين سبب موصل لجدّه ، ولمعرفة الله وطاعته ، قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : (( كلّ نسب وسبب منقطع يوم القيامة إلاّ سببي ونسبي ))(1) .

وهو حديث متواتر مذكور في أغلب المصادر العامّة والخاصّة ، وفي الحديث قسمين :

القسم الأول : كلّ سبب ونسب منقطع يوم القيامة

 وقد حكاه الله تعالى في قوله : ( فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَاءَلُونَ )(2) .

كما يصوّر لنا سبحانه هذا الانقطاع عن الأنساب والأقرباء في يوم القيامة في قوله تعالى : ( يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ )(3) .

 وهذا واضح في تعاليم الله ، حيث إذا كانت صلة الرحم التي أوصى بها الله تعالى في الدنيا حتى ورّثها وكرّمها وأمر بوصلها ، ولكن إذا لم تكن مؤمنة فهي في الآخرة لا أمان لها ولا حرمة ويفرّ منها ، وفي الدنيا الوصل المأمور به لعلها تنتفع وتؤمن ، فإذا كانت الرحم مقيمة في معصية الله ، أو على الشرك به تعالى ـ والعياذ بالله من معصيته والشرك به ـ ولم ينفع معها النصح والإرشاد لا تُطع ولا يُقتدى بها .

والبحث في صلة الرحم طويل ، ولكن خلاصته إنّه :

 هو أن أحترم الرحم المشرك من غير طاعة في معصية الله ، فهو نوع من الفرار منه في الدنيا ، وفي الآخرة عرفت حكاية الله .

وإذا كان هذا الكلام في النسب ، فكيف الحال في السبب المنقطع ، الذي لم يعتبره الله ، ولم يقم له وزناً ، ولم يحترمه ، ولم يذكر له كرامة إذا كان مشركاً وعاصياً ، بل مطلوب منه الفرار في الدنيا قبل الآخرة ، فهو لم يكن حبله متين بقدر الرحم في الدنيا ، فيكون بالآخرة منقطع ؛ لأنّه منقطع في الدنيا قبل الآخرة ، ويهوي بصاحبه في نار جهنم وعذاب الله الشديد ؟

وهذا المعنى بيّن في تعاليم الإسلام والإنسانية ، وعند كلّ العقلاء والعرف ، بأنّه لا شفاعة ولا وصل ، ولا سبب للئيم أو خسيس ، أو عاص للملك العظيم ، والربّ الرحيم ، وعلى عناده مقيم ، ولا نسبة ولا انتساب بينهم وبين أتباعهم ، إذ شيمتهم الخيانة والنكران للجميل ، والغدر والحيلة والمكر ، ولا حرمة له ولا كرامة .

القسم الثاني من الحديث : إلاّ سببي ونسبي

يعني إلاّ مَنْ اتّصل برسول الله تعالى بالنسب والسبب ؛ فهو لم ينقطع عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في الدنيا والآخر ، والدين والهدى ، وكلّ نعيم الله فضله وتشريفه لعباده المؤمنين .

ــــــــــــــــ
(1) أرجح المطالب / 262 ؛ أمالي ابن الشيخ / 217  .
(2) سورة المؤمنون / 101 .
(3) سورة عبس / 34 ـ 37 .


الصفحة (2)

وهذا له تفسير لا يمكن أن يحمل على ظاهره ؛ فإنّ أبو لهب ، وهو عمّ للنبي لكن لعنه الله وأدخله النار ، ولم يكن سبب ولا نسب له يغنيه وينجيه ؛ لأنّه لم يتمسّك به في الدنيا .

فليست مجرّد القرابة والوصلة للنبي الكريم لها حرمة ، بل فقط النسب والسبب والوصلة بالنبي التي شهد الله ورسوله لها بالإيمان وزكّاها وطهّرها فهي التي تكون موصولة ، وكلّ مَنْ وصلها وتبعها ، وجعلها له نسباً وسبباً ، وتمسك بها يكون معها ، ولم ينقطع عنها في الدنيا والآخرة ، وهذه من أوّل معارف الإسلام ومبادئه ؛

ولذا قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ )(1) ، وقال : ( رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ )(2) ، وهذا معناه إنّ الصادقون والأبرار ، والمنعم عليهم ، والهداة للصراط المستقيم ، وأئمّة الحقّ سبب ونسب موصل لله ورسوله .

وتوضيحه :

إنّه لا يمكن لأحد أن يدعو أو يذكر ، أو يعرف الله مباشرة من دون انتساب للنبي الكريم ، ومعرفة تعاليم الله منه ؛ فإنّ الله لا يُعرف حقّ المعرفة ، ولا يُطاع حقّ الطاعة إلاّ بتعاليمه التي أنزلها على نبينا الكريم محمد (صلّى الله عليه وآله) ، والنبي الكريم يكون سبب متصل بالله تعالى وبه ننتسب لدين الله الحقّ .

 وهكذا يحتاج الإنسان الغير معاصر للنبي لمَنْ يوصله بالنبي الكريم ، ويرشده لتعاليمه الحقيقية ، ولمعارفه الصادقة ، ويكون له سبب ونسب يلحقه بالنبي ؛ لكي لا ينقطع يوم القيامة .

ولذا وجب على كلّ البشر المحبين للإيمان الحقيقي معرفة الهدى الصادق لله تعالى والموجود عند أئمّة الحقّ ؛ فلذا يجب على كلّ عاقل البحث عنهم حقّ البحث حتى يحصل له اليقين بمعرفتهم ، وهذا سبيله أهل البيت (عليهم السلام) ، وآل النبي الكرام الذين شهد الله لهم بالصدق وعدم الكذب ، كما في قوله تعالى : ( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ )(3) ، فلو علم الله من أهل البيت كذب ، لما أمر النبي أن يأتي بأهل بيته ليباهل بهم نصارى نجران ، فهذه الآية الكريمة فيها معرفة قيّمة ، وشهادة صادقة تبيّن الحقّ وأهله ، وسبب النبي المجتمع مع النسب ، وهم النبي الكريم محمد وبعده علي الذي هو نفسه وزوج بضعته الزهراء ، وبعده أبناهم الحسن والحسين ومعهم فاطمة بنت النبي والتي مثّلت النساء المؤمنات .

فآل النبي الكريم الذين شهد الله لهم بالصدق والكرامة وبيان الشأن الشريف ، هم نسب النبي والسبب المتصل به ، وكلّ مَنْ اتصل بهم بسبب ، وانتسب لهم بالدين ، وحصلت له معرفة بهم ، واعتقد بشهادة الله بحقّهم وتصديقه لهم ، وتبعهم وأخذ تعاليم الله منهم ، فيكون بحقّ قد استمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها ،

ـــــــــــــــ
 (1) سورة التوبة / 119 .
(2) سورة آل عمران / 193 .
(3) سورة آل عمران / 61 .


الصفحة (3)

وبحبل الله المتين الذي لا ينقطع ، وكان من حزب الله الصادقين ، وحُشر مع الأبرار والصالحين ، والمنعم عليهم والصديقين ، وحصل على سبب النبي ونسبه ، ولم يقطعه الله عن نبيه وهو معه في الجنّة .

ونضيف بيان : هو إنّ الله تعالى في آية أخرى أمر بمحبّتهم وودّهم ، فقال تعالى : ( ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ )(1)

وقد عرفت في الباب السابق إنّ هذه الآية الكريمة تبيّن البشرى بمَنْ يقتدي بودّ ـ الذي هو المحبّة الشديدة ـ لأهل البيت (عليهم السلام) ، فيكون له حسنة مزادة ، والله يغفر ذنوبه ، ويشكر سعيه .

وهذه الآية صريحة بأنّها أجر رسالة النبي الكريم ، وتبيّن مناسبتها في أنّ الرسالة مستمرة في قربى نبي الرحمة وآله الطيبين الطاهرين (صلاة الله وسلامه عليهم أجمعين) ، وبهذا الودّ للحسين وآله آل النبي الكريم ننتسب للنبي ودينه ، ولله تعالى وهداه ، ونُخلص له الدين بتعاليمهم ومعارفهم التي علموها لنا بكلّ وجودهم حتى بأسمائهم الشريفة الكريمة وتذكّرها ومعرفتها ، والتحقّق بمعناها ، وما توحي إليه مضامينها ، فضلاً عن الانتساب له بالروح والهدى ، والاقتداء به ؛ للإخلاص لله بكلّ تعاليم الدين .

فالآية الكريمة فيها عناية من الله تعالى بأهل البيت النبوي ، حيث طهّرهم في آية التطهير ، ووفّقهم للإيمان الخالص ، والعمل الصالح الذي بشرنا الله بأنّ مَنْ يقبل الله منه سيجعل له وداً . قال الله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَانُ وُدّاً * فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْماً لُدّاً )(2) .

وهذا الودّ مع الإيمان والعمل الصالح ، وأجر الرسالة وقربى النبي في هذه الآية والآية السابقة ، معناه مَنْ وصل آل النبي وانتسب لهم في العلم الإلهي والمعارف الربانية ، قد حصل له سبب ونسب متّصل بالنبي ودين الله ، وجمع السبب والنسب والرسالة واستمرارها ، ومعرفة لله تعالى بودّ ومحبّة باتّباع أئمّة الحقّ من أهل البيت (عليهم السلام) .

وهذه الآية الكريمة أنذرتنا مَنْ كان قد لدّ لأهل البيت (عليهم السلام) وانقطع عنهم وبغضهم ، يكون سببه ونسبه منقطع في ذلك اليوم ، ويهوى في نار جهنم ، كأبي لهب مهمّا كان ، وبأيّ اسم تسمّى .

الإمام الحسين لخص وشرح السبب والنسب المتصل بالنبي

نعم ، السبب المتّصل برسول الله ، ومنتسب لدين الله قد لخّصه ، ثم شرحه الإمام الحسين (عليه السلام) بتضحيته وفدائه ، كما إنّ أعداءه كانوا هم السبب والنسب المنقطع ؛ لأنّهم قوم لدّوا النبي وهداه ، وهم أئمّة كفر ، أو أتباع لهم .

فكان الانتساب لجامعة الإمام الحسين (عليه السلام) هو السبب الموصل لكلّية معارف الله ودينه ، وبه يمكن أن

ــــــــــــــ
(1) سورة الشورى / 23 .
(2) سورة مريم / 96 ـ 97 .


الصفحة (4)

نصل للخير والكرامة ، والأخلاق الفاضلة والطاعة لله تعالى ، وبمعرفته نبتعد عن الانقطاع عن الله وعن تعاليمه ، وبتضحيته وسيرته بانَ واتّضح الانحراف عن دين الله وهداه عند أعداء آل محمد ، وأئمّة الكفر والنفاق على طول التأريخ بما لا مجال معه للشبهة والشك والحيرة في الضلال وعدمه .

فإنّه مَنْ قتل الإمام الحسين ، وسبى حريم رسول الله وأتباعهم ، وكذلك كلّ مبغضي الحسين وآله الكرام ، وكلّ مَنْ حبّ أعداءهم ، وكلّ مَنْ حاربهم وقتلهم في العقيدة والدين ، وكلّ مَنْ رضي بفعل معاند لآل الحسين ، ويمنع من معرفتهم بكرامة الله ودينه ، وما فضلهم به وخصّهم من الشرف والمجد على طول الزمان ، لا يمكن أن يتصوّر عنده أدنى سبب ونسبة لدين الله ولرسوله ، وهكذا كلّ مَنْ حبّ أعداء الحسين وآله ، ومَنْ حاربهم وخالفهم ، ودعا الناس لرأيهم ومكرهم وخداعهم ، فهو كأئمّة الكفر المعادين لأئمّة الحقّ ، قد انقطع عن النبي الكريم ودين الله وكلّ معارفه وتعاليمه ، ولم يعبد الله بما يحبّ ويرضى ، فضلاً عن الإخلاص له .

وباليقين والقطع ، والإيمان الراسخ إنّه مَنْ نصر الإمام الحسين وتعلّم منه فاقتدى به ، وتأسى به ورفض أعداءه ومبغضيه يكون له أقوى سبب ونسب يتصل به وبالله ورسوله ، وكلّ تعاليمه ومعارف ودينه ، ويحقّ له ، بل يصدّقه الله ورسوله وكلّ المؤمنين والمنصفين إنّه تعبّد لله بدينه المرضي ، وله أعلى ثواب وأجمل نعيم وكرامة من الله تعالى .

ولذا الله أكرمنا بعقد مجالس نذكر بها الحسين وننتسب له ، ويكون لنا سبب يوصلنا بالنبي الكريم ورسالته ودينه ، فهو (عليه السلام) مدرسة الدين الحنيف الذي يكون مَنْ انتسب له حصل على السبب المتّصل بالنبي الكريم وتعاليمه ، ثمّ بالله وطاعته وعبوديته ، فهو (عليه السلام) جامعة الإسلام الكبرى التي فيها بيان للحقّ والهدى الذي لا انحراف فيه ولا ضلال .

فبذكر الإمام الحسين (عليه السلام) وحضور مجالسه ، والتعلّم من معارف هداه يكون لنا سبب متّصل بالله تعالى ومعارفه ، ونعرف نسبتنا وانتسابنا للحسين (عليه السلام) ولآل الحسين ، ولجدّ الحسين ، ومعرفة الله وطاعته وعبوديته .

فالانتساب له (عليه السلام) معرفة كبرى وتعليم كريم ، لمعنى حقيقي وواقعي عند الله ، وفي شرعه المتين والدين المبين ، ويدخلنا في كلّية معنى ناصر الحسين ، أو ذاكر الحسين ، أو الحاضر في مجالس الحسين ، وبه ننتسب ونتسبب للحضور في جامعة آل محمد (عليهم السلام) ، ونكون بحقّ قد انتسبنا للنبي الكريم الذي لا ينقطع نسبه وسببه عند الله تعالى ، وهو انتساب لله في الحقيقية بالطاعة ، وسبب كريم،  وشريف لعبوديته تعالى عن معرفة ويقين .

 قول النبي الكريم (( حسين منّي وأنا من حسين ))

بما مرّ من المعرفة القيّمة لمعنى الانتساب والنسبة في الدين ، ومعرفة هدى ربّ العالمين وطاعته ، عرفنا قول النبي الكريم (( حسين منّي وأنا من حسين )) .

فكلّ مَنْ كان مع الحسين ومن أنصار الحسين على طول الزمان وفي أي مكان ، يكون من النبي في الهدى والدين ؛ فالحسين بيّن بشكل لا مثيل له إخلاصه لله ربّ العالمين في العبودية والطاعة عن يقين ، وهكذا كلّ


الصفحة (5)

مَنْ ينتسب له في الدين ويقتدي به على الحقيقية يكون على يقين ، وبهذا يتجسّد ، بل يظهر بحقيقة روحه ومعناه في مجالس ذكر الإمام الحسين (عليه السلام) ، وبما يفعله المؤمنون في ذكر الحسين والاقتداء به ، وجعله أسوة لهم في سيرهم وسلوكهم ، وخلقهم الكريم وصفاتهم الفاضلة ، التي اكتسبوها من الحسين (عليه السلام) .

 فإنّك ترى كلّ المؤمنين الأحرار ، والطيبين الكرام ينتسبون للحسين (عليه السلام) ، ويحبّون هذه النسبة ؛ باعتباره أب لهم معنوي وديني وروحي ، باعث فيهم الحياة الشريفة الكريمة ، ومُعطي كرامة العزّ والمجد ، والأخلاق الحسنة والعلم الربّاني ، والدين الصادق والدليل الخالص على معارف الله وهداه .

فذكر الإمام الحسين والانتساب له (عليه السلام) لذّة طعمها معرفة الدين والإيمان بربّ العالمين ، ومجالس وَجد يتهافت لها قلب المحبين والطيبين للربّ الهادي الرحيم ، ومجالسه سبب لعشق الخير والكرامة والفضيلة ؛ إذ يُرى فيها إخلاص الحسين لله تعالى وإخلاص أتباعه وأنصاره ، وفيها يحصل لهم سبب عشق الانتساب والاقتداء بالحسين ، ومن ثمّ بآل الحسين (عليهم السلام) في معرفة الهدى والإخلاص لله تعالى .

وهذا شأن كلّ الأحرار والمؤمنين والخيرين الصالحين والمصلحين في حبّ الانتساب للحسين ، وجعله سبباً لمعرفة العلم اليقيني الصادق بهدى الله وصراطه المستقيم ، والموصل بسرعة وجدّ ، وطلب حثيث لطاعته من حيث أمر وأراد أن يُطاع ، وبتعاليمه التي عند أئمّة الحقّ والهدى .

 وهذا تفقده في كلّ مدارس وجامعات وكلّيات الدنيا ، ولم يوجد إلاّ في مدرسة الحسين وجامعته وكلّيته التي تُعطي أعلى شهادة فيها توقيع الله ورسوله وآل النبي الكريم ، والملائكة أجمعين والمؤمنين والطيبين ، وتبيّن صدق الانتساب لله ورسوله وآل النبي الطاهرين ، وإنّ المنتسب للحسين حصل على السبب الموصل لمعارف الله وتعاليمه الحقيقية وكلّ خير وفضيلة ، ومن غير ضلال ولا انحراف ولا غش ولا كذب ولا خداع .

وذلك لكون الحسين (عليه السلام) بحقّ مصباح هادي لنور الإيمان ، والدليل الصادق الموصل لليقين ، والبرهان الجلي على ضرورة التمسّك بالعروة الوثقى ، والصراط المستقيم لنبينا وآله الطيبين الطاهرين ، وسفينة نجاة وسائس منجي لكلّ الأحرار والثوار في سبيل التضحية والفداء من أجل إعلاء كلمة الله والصبر في جنبه .

فكلّ المؤمنون والطيبون والأحرار يستقون منه معالم الدين ، وبذكره العطر يسترفدون منهل حياتهم ، ويعذب وجودهم ، وتصفى نيّاتهم في طلب العبودية والطاعة لله تعالى ، والعمل بتعاليمه ونشرها وترويجها .

فأيّ نسبة أحلى وأجمل من الانتساب للحسين ولآل الحسين (عليهم السلام) ، والسير في سبيلهم وصراطهم المستقيم ؛ لكي نصل لنعيم وهدى ورضى ربّنا وهادينا ، وعزّه وكرامته وفضله ، وكلّ سعادة في الدنيا والآخرة .

الانتساب للحسين وآله واجب على كلّ مَنْ أراد الله وعبوديته

وقد قال الله تعالى : ( يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ


 الصفحة (6)

 فَتِيلاً * وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً )(1) .

وقد عرفت إنّ الإمام الحسين في كلّ مكان وزمان إمام حقّ ودليل صدق ؛ لتعريف آله الكرام وأئمّة الحقّ والهدى الإلهي لكلّ الدنيا ، وقد قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : (( سلمان منّا أهل البيت ))(2) ، وذلك لكون سلمان (رحمه الله) كان تابع لأهل البيت ، ومخلص في ودّهم وحبّهم ، ومعرفة علوم الله وهداه عن صراطهم المستقيم بعد رسول الله ، وهذا السبيل يكون لكلّ مَنْ أنتسب وتبع أئمّة الحقّ من آل محمد (عليهم السلام) ، واهتدى بصراطهم وكان من شيعتهم ، ويؤيّد هذا آيّة المودّة ، وكل الآيات والروايات الموجبة لحبّهم وسلوك سبيلهم والانتساب لهم .

ولذا قال أبان بن تغلب : قال الإمام الشهيد ـ أبو عبد الله الحسين ـ (عليه السلام) : (( مَنْ أحبّنا كان منّا أهل البيت )) ، فقال قلت : منكم أهل البيت ؟! فقال : (( منّا أهل البيت )) حتى قالها ـ ثلاثاً ـ ، ثمّ قال (عليه السلام) : (( أما سمعت قول العبد الصالح : فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ))(3)(4) .

وما هذه المعارف الراقية في النسبة والانتساب ، وملاكه في تعريف الله ورسوله والحسين ، إلاّ لكون حبّ الإمام الحسين (عليه السلام) والاقتداء به يكون أفضل وأسرع سبيل موصل لحقيقة معرفة الإمامة ، والإخلاص في السير في سبيل أئمّة الحقّ ؛ وذلك لأنّه يعرّفهم بالدين والهدى وكلّ فضيلة ومجد ، وبه المؤمن والطيب يعرفهم ويحبّ أن ينتسب لهم ، وحبّ أخذ كلّ تعاليم الله ومعرفته منهم وحدهم ، من غير شك وشبهة ، فلا يبقي الانتساب للحسين (عليه السلام) وآله لأحد مجال الحيرة والضلالة حتى يخلطهم بغيرهم من أئمّة الكفر وأتباعهم ، وبضلالهم وظلامهم على طول الزمان .

وهذا معنى الإخلاص في الانتساب للإمام الحسين وآله ، والتسبب بهم لرضوان الله ورسوله ، والكون معهم ومنهم ، مع التبري المطلق من أئمّة الكفر وأتباعهم وكلّ ضلالهم .

فالحمد لله الذي جعلنا ممّن ينتسب للإمام الحسين وآله ، ومن الذين يحضون برضاه ورضى أهل بيته ؛ لأنّ رضاهم من رضى الله تعالى ، مخلصين لهم في المودّة والطاعة حتى يجعلنا معهم في أعلى محلّ الكرامة والمجد ، إنّه أرحم الراحمين .

أسأل الله تعالى لي ولمَنْ قال آمين يا ربّ العالمين ذلك .

اللّهمّ بالحسين وجدّه وأبيه ، وأمّه وأخيه ، والمعصومين من بنيه اجعلني مع الحسين وآله الطاهرين وأصحابه الطيبين ، يا ربّ العالمين .

ــــــــــــــــــ
(1) سورة الإسراء / 71 ـ 72 .
(2) بحار الأنوار 22 / 329 ، ب10، ح38 .
(3 سورة إبراهيم / 36 .
(4 نزهة الناظر وتنبيه الخاطر / 85 ، ح19 .
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الامويون والحسين عليه السلام
حاجة نظام الخلق إلى خليفة الله‏
لا يضحي الإمام بالعدالة للمصلحة
ملامح عقيلة الهاشميّين السيّدة زينب الكبرى *
يوم الخروج وكيفيته
الجزع على الإمام الحسين (عليه السّلام)
الدفاعٌ عن النبیّ صلى الله علیه وآله وسلم
أهل البيت النور المطلق
حديث الغدير ودلالته على ولاية أمير المؤمنين (ع)
عوامل نشوء اليقين بولادة الامام المهدي (عليه ...

 
user comment