عربي
Wednesday 6th of November 2024
0
نفر 0

عصر الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)

عصر الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)

عصر الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)


لقد أمضى الإمام الحسن العسكري الجزء الأكبر من عمره الشريف في العاصمة العباسية ـ سامراء ـ وواكب جميع الظروف والملابسات والمواقف التي واجهت أباه الإمام علياً الهادي (عليه السلام) ، ثم تسلّم مركز الإمامة وقيادة الاُمة الاسلامية سنة (254هـ) بعد وفاة أبيه (عليه السلام) وعمره الشريف آنذاك (22) عاماً .

 

وكانت مواقفه امتداداً لمواقف أبيه (عليه السلام) بوصفه المرجع الفكري والروحي لأصحابه وقواعده وراعياً لمصالحهم العقائدية والاجتماعية بالاضافة الى تخطيطه وتمهيده لغيبة ولده الإمام المهدي المنتظر(عليه السلام)[1].

وبالرغم من الضعف الذي كان قد أحاط بالدولة العباسية في عصر الإمام(عليه السلام) لكن السلطة القائمة كانت تضاعف اجراءاتها التعسفيّة في مواجهة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) والجماعة الصالحة المنقادة لتعاليمه وارشاداته(عليه السلام) . فلم تضعف في مراقبته ولم تترك الشدة في التعامل معه بسجنه أو محاولة تسفيره إلى الكوفة خشية منه ومن حركته الفاعلة في الاُمة وتأثيره الكبير فيها .

ثم إن المواجهة من الإمام كقيادة للحركة الرسالية لم تكن خاصة بالخلفاء العباسيين الذين عاصرهم الإمام (عليه السلام) إذ كان هناك أيضاً خطر النواصب وهم الذين نصبوا العداء لأهل البيت النبوي (عليهم السلام) ووقفوا ضد اطروحتهم الفكرية والسياسية المتميزة التي كانت تتناقض مع اطروحة الحكم القائم والطبقة المستأثرة بالحكم والمنحرفة عن الإسلام النبوي . [2]

والنواصب ـ الاُمويون منهم أو العباسيون ـ كانوا يعلمون جيّداً أن أهل البيت النبوي هم ورثة النبي الحقيقيون ، ولا يمكنهم أن يسيطروا على السلطة إلاّ بإبعاد أهل البيت (عليهم السلام) عن مصادر القدرة وذلك بتحديد الأئمة المعصومين وشيعتهم وشلّ حركتهم وعزلهم عن الاُمة والتضييق عليهم بمختلف السبل وبما يتاح لهم من وسائل قمعية .

وقد يكون لطبيعة هذه الظروف والملابسات التي عانى منها الإمام العسكري وشيعته الدور الأكبر في ما كان يتّخذه الإمام(عليه السلام) من مواقف سلبية أو إيجابية إزاء الأحداث والظواهر التي منيت بها الاُمة الاسلامية والتي ستعرفها فيما بعد .

لقد عاصر الإمام العسكري (عليه السلام) ثلاثة من خلفاء الدولة العباسية ، فقد عاش (عليه السلام) شطراً من خلافة المعتز والذي هلك على أيدي الأتراك ، ليخلفه المهتدي العباسي الذي حاول أن يتخذ من سيرة عمر بن عبد العزيز الاُموي مثلاً يحتذي به إغراء للعامّة ولينقل أنظارهم المتوجهة صوب الإمام العسكري(عليه السلام) لزهده وتقواه وورعه ، وما كان يعيشه من همومهم وآلامهم التي كانوا يعانونها من السلطة وتجاوزاتها في الميادين المختلفة .

ولم يفلح المهتدي بهذا السلوك لازدياد الاضطراب في دائرة البلاط العباسي نفسه مما أثار الأتراك عليه فقتلوه عام (256هـ) ، وقد اعتلى العرش العباسي من بعده المعتمد الذي استمر في الحكم حتى عام (270 هـ )[3].

1 ـ المعتز العباسي (252 ـ 255 هـ )
لقد ازداد نفوذ الأتراك بعد قتلهم المتوكل عام (247هـ) وتنصيب ابنه المنتصر بعده ، حتى أن الخليفة العباسي أصبح مسلوب السلطة ضعيف الإرادة ويتضح ذلك مما رواه ابن طباطبا حيث قال :

«.. لما جلس المعتز على سرير الخلافة فقد حضر خواصه وأحضروا المنجّمين وقالوا لهم : انظروا كم يعيش وكم يبقى في الخلافة ، وكان بالمجلس بعض الظرفاء ، فقال : أنا أعرف من هؤلاء بمقدار عمره وخلافته ، فقالوا : فكم تقول انه يعيش وكم يملك ؟ قال : مهما أراد الأتراك ، فلم

يبق أحد إلاّ ضحك»[4].

يعكس لنا هذا النص ما كان للأتراك من نفوذ ودور في إرادة الدولة وعزل الخلفاء والتحكّم في الاُمور العامة . فقد استولوا على المملكة واستضعفوا الخلفاء ، فكان الخليفة في أيديهم كالأسير إن شاءوا خلعوه وإن شاءوا قتلوه ، وكان المعتز يخاف الأتراك ويخشى بأسهم ولا يأمن جانبهم وكان بُغا الصغير ـ وهو أشدّ هؤلاء خطراً ـ أحد قوّاد الجيش الذي أسهم في قتل المعتز مع جماعة من الأتراك بعد أن أشهدوا عليه بأنه قد خلع نفسه .

لقد عاصر الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) أواخر خلافة المعتز الذي كان استشهاد الإمام الهادي (عليه السلام) على يده بدس السمّ إليه فكانت سياسة المعتز امتداداً لسياسة المتوكّل في محاربة الإمام الحسن العسكري ـ والشيعة ـ بل ربما ازدادت ظروف القهر في هذه الفترة حتى أنّ المعتز أمر بتسفير الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) الى الكوفة حين رأى خطر وجود الإمام(عليه السلام) واتّساع دائرة تأثيره وكثرة أصحابه .

قال محمّد بن بلبل: تقدّم المعتز الى سعيد الحاجب أن أخرج أبا محمد الى الكوفة ثم اضرب عنقه في الطريق[5].

وكتب إلى الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) أبو الهيثم ـ وهو أحد أصحاب الإمام (عليه السلام) ـ يستفسر عن أمر المعتز بإبعاده الى الكوفة قائلاً :

«جُعلت فداك بلغنا خبرٌ أقلقنا وبلغ منا» ، فكتب الإمام (عليه السلام) : «بعد ثلاث يأتيكم الفرج» فخلع المعتز بعد ثلاثة أيام وقتل[6].

فلم تكن العلاقة بين الإمام(عليه السلام) والمعتز إلاّ تعبيراً عن الصراع والعداء الذي ابتدأ منذ أن استلم بنو العبّاس الخلافة بعد سقوط الدولة الاُموية وامتدّ على طول عمر الدولة إلاّ في فترات قصيرة جدّاً ، فكان كيد السلطة ورصدها لتحرّك الإمام (عليه السلام) دائماً ومستمراً وذلك لما عرفه الخلفاء من المكانة السامية والدور الفاعل للأئمّة في الاُمة وما كانوا يخشونه منهم على سلطتهم وكيانهم الذي أقاموه بالسيف والدم على جماجم الأبرياء والأتقياء من أبناء الاُمة الإسلامية .

ويروي لنا محمد بن علي السمري توقّع الإمام الحسن العسكري هلاك المعتزّ قائلاً : «دخلت على أبي أحمد عبيد الله بن عبد الله وبين يديه رقعة أبي محمد ـ العسكري ـ (عليه السلام) ، فيها : إني نازلت الله في هذا الطاغي يعني الزبيري ـ لقب المعتز ـ وهو آخذه بعد ثلاث ، فلما كان في اليوم الثالث فعل به ما فعل»[7] فقد قتل شرّ قتلة .

ويصف ابن الأثير قتل المعتز الذي ورد في هذه العبارة قائلاً عنه :

«دخل إليه جماعة من الأتراك فجرّوه برجله إلى باب الحجرة وضربوه بالدبابيس وخرقوا قميصه ، وأقاموه في الشمس في الدار ، فكان يرفع رجلاً ويضع اُخرى لشدّة الحر ، وكان بعضهم يلطمه وهو يتّقي بيده وأدخلوه حجرة، وأحضروا ابن أبي الشوارب وجماعة أشهدوهم على خلعه ، وشهدوا على صالح بن وصيف أن للمعتز وأمه وولده وأخته الأمان ، وسلّموا المعتز إلى من يعذّبه ، فمنعه الطعام والشراب ثلاثة أيّام ، فطلب حسوة من ماء البئر فمَنَعَه ثم أدخلوه سرداباً وسدّوا بابه ، فمات»[8] .

وكان سبب خلعه أنه منع الأتراك أرزاقهم ولم يكن لديه من المال وقد تنازلوا له إلى خمسين ألف دينار ، فأرسل إلى أمه يسألها أن تعطيه مالاً فأرسلت إليه : «ما عندي شيء» ، فتآمروا عليه وقتلوه .

وهذه القصة خير مؤشّر على ضعف السلطة العباسية وخروج الأمر من يد الخليفة ، فالكتّاب المسؤولون على الأموال يتصرّفون بها كيف ما كانوا يشاءون ولا يطيعون الخليفة في شيء فكانت تلك النهاية المخزية للمعتز على أيدي أعوانه ، وحرّاسه من الأتراك .

2 ـ المهتدي العباسي (255ـ 256 هـ )
هو محمد بن الواثق بن المعتصم ، اُمّه اُم ولد تسمى وردة ، ولي الخلافة بعد مقتل أخيه المعتز سنة (255هـ) ، وما قبل أحد ببيعته حتى جيء بالمعتزّ واعترف أمام شهود أنه عاجز عن الخلافة ومدّ يده فبايع المهتدي فارتفع حينئذ الى صدر المجلس[9] ، وبويع بالخلافة .

ولقد تصنّع الزهد والتقشّف محتذياً سيرة عمر بن عبد العزيز إغراء للعامة ومحاولة لتغيير انطباعهم عن الخلفاء العباسيين الذين عُرفوا بالمجون والترف والإسراف في الملذّات والخمر ومجالس اللهو ، فقد نقل هاشم بن القاسم حينما سأل المهتدي عن ما هو عليه من التقشّف وبما هو فيه من النعمة فقال له : إنّ الأمر كما وصفت ، ولكنّي فكّرت في أنه كان في بني اُمية عمر ابن عبد العزيز ـ وكان من التقلّل والتقشّف ما بلغك ـ فغرتُ على بني هاشم فأخذت نفسي بما رأيت[10].

فلم تكن الدوافع وراء هذه السيرة رضا الله سبحانه بل كانت هذه السيرة لإضفاء شيء من صبغة التديّن على نفسه من أجل أن تطيعه عامة الناس ومحاولة لإبعاد أنظارها عما تحلّى به بنو هاشم وفي مقدّمتهم الإمام الحسن العسكري(عليه السلام) الذي عُرف بتقواه وورعه ومواساته للاُمة في ظروفها القاسية، وكان الأولى بالخليفة الاتعاظ بسيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) لما عرف بزهده وتقواه بل هو الذي سنَّ نهج الزهد للمسلمين بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وإن عمر بن عبد العزيز نفسه حين سأله جلساءه عن أزهد الناس ، فقالوا له : أنتم ، قال : لا : إن أزهد الناس عليّ بن أبي طالب[11].

سياسة المهتدي تجاه معارضيه
أ ـ الخليفة وأمراء الجند : كانت سياسة المهتدي تجاه الأتراك تتمثل بالحذر والحيطة والخشية من انقلابهم عليه كما فعلوا بالمتوكل والمعتز ، لذا أمر بقتل موسى ومفلح من اُمراء جنده الأتراك الذين كانوا يتمتّعون بنفوذ كبير وتأثير فاعل في مجريات الأحداث ، غير أن (بكيال) الذي أمره المهتدي بقتلهما توقّف عن قتل موسى بن بغا ، لإدراكه أن للمهتدي خطة للحد من نفوذ الأتراك وتقليص الدور الذي كانوا يتمتعون به ، وقال بكيال : إنّي لست أفرح بهذا وإنما هذا يعمل علينا كلنا ، فأجمعوا على قتل المهتدي فكان بين الأتراك ومناصري الخليفة قتال شديد وقُتل في يوم واحد أربعة آلاف من الأتراك ودام القتال إلى أن هزم جيش الخليفة المؤلّف من المغاربة والفراغنة والأشروسنية ، ومن ثم اُمسك الخليفة فعصر على خصيتيه فمات في عام (256 هـ )[12].

ومن الأحداث المهمة في عصر المهتدي :

1 ـ انتفاضة أهل حمص بقيادة ابن عكار على محمد بن إسرائيل .

2 ـ اخراجه ام المعتز وأبا أحمد وإسماعيل ابني المتوكل وابن المعتزّ إلى مكّة ثم ردّهم إلى العراق .

3 ـ نفي وإبعاد بعض الشيعة من بلدانهم إلى بغداد كما فعل بجعفر ابن محمود .

4 ـ إعطاؤه الأمان لمعارضيه .

5 ـ الحرب بين عيسى بن شيخ الربعي وأماجور التركي عامل دمشق وهزيمة الأول[13].

ب ـ المهتدي وأصحاب الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) : لم تكن الظروف المحيطة بالإمام العسكري وأصحابه في عهد المهتدي أحسن مما كانت عليه من الشدة والنفي والتهجير والقتل إبّان عهود المعتز والمتوكل ومن سبقهما من خلفاء الدولة العباسية ، بل كانت سياسة المهتدي امتداداً للمنهج العباسي في التصديّ للإمام وشيعته وخاصته والنكاية بهم ، والتجسس عليهم ومصادرة أموالهم ومطاردتهم .

لقد قاسى الشيعة والإمام الحسن العسكري (عليه السلام) في عهد المهتدي الكثير من الظلم والتعسّف ، ويمكن أن نقف على ذلك من خلال ما رواه أحمد بن محمد حيث قال : كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) ـ حين أخذ المهتدي في قتل الموالي ـ ياسيدي الحمد لله الذي شغله عنك ، فقد بلغني أنّه يتهدّدك ويقول : «والله لأخلينّهم عن جديد الأرض» فوقّع أبو محمد (عليه السلام) بخطه : «ذاك أقصر لعمره ، وعد من يومك هذا خمسة أيّام ويقتل في اليوم السادس بعد هوان واستخفاف بموته» ، فكان كما قال (عليه السلام) ، وقد سبق أن أوضحنا ذلك[14].

ومن مظاهر اضطهاد الشيعة ومصادرة أملاكهم وأموالهم ما روي عن عمر بن أبي مسلم حيث قال : قدم علينا (بسرّ من رأى) رجل من أهل مصر يقال له سيف بن الليث يتظّلم الى المهتدي في ضيعة له قد غصبها إياه شفيع الخادم وأخرجه منها ، فأشرنا عليه أن يكتب إلى أبي محمد (عليه السلام) يسأله تسهيل أمرها ، فكتب إليه أبو محمد (عليه السلام) : «لا بأس عليك ضيعتك تردّ عليك فلا تتقدّم الى السلطان وألق الوكيل الذي في يده الضيعة وخوّفه بالسلطان الأعظم الله ربّ العالمين» ، فلقيه ، فقال له الوكيل الذي في يده الضيعة قد كُتب إليّ عند خروجك من مصر أن أطلبك وأردّ الضيعة عليك ، فَرَدَّها عليه بحكم القاضي ابن أبي الشوارب وشهادة الشهود ولم يحتج الى أن يتقدّم الى المهتدي[15].

ويمكن الاستدلال من خلال النص على اتساع القاعدة الشعبية للإمام(عليه السلام) وصلته بهم وعمق الأواصر التي كانت تصله بهم ، فهو يتفقّد ما يحتاجونه ، ويساهم بصورة مباشرة أو غير مباشرة في قضاء حوائجهم ، وإن لبعض أصحابه في الأمصار تأثيراً وعلائق بالولاة ومن يديرون الاُمور في الولايات ، فكانت أخبار شيعته تصله أوّلاً بأول ، ويحاول إبعادهم عن الوقوع في حبائل السلطان وشركه كما في قصة سيف بن الليث المصري .

ج ـ سجن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) : ولما رأى المهتدي أنّ وسائل النفي والإبعاد والمصادرة ، لم تكن لتحدّ من نشاط الإمام (عليه السلام) وشيعته ، واتّساع حركته ، لما كان لتعليمات الإمام (عليه السلام) ورقابته لشيعته من أثر في إفشال محاولات السلطة العباسيّة لم تجد السلطة بُدّاً من اعتقال الإمام (عليه السلام) والتضييق عليه في السجن ، وكان المتولي لِسجنه صالح بن وصيف الذي أمر المهتدي موسى بن بغا التركي بقتله ، وقد جاءه العباسيّون إبان اعتقال الإمام (عليه السلام) فقالوا له : ضيّق عليه ولا توسّع ، فقال صالح : «ما أصنع به قد وكّلت به رجلين ، شرّ من قدرت عليه فقد صارا من العبادة والصلاة والصيام إلى أمر عظيم» ، ثمّ أمر بإحضار الموكلين فقال لهما : ويحكما ما شأنكما في أمر هذا الرجل ؟ ـ يعني الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) ـ فقالا له : ما نقول في رجل يصوم النهار ويقوم الليل كله لا يتكلّم ولا يتشاغل بغير العبادة فإذا نظر إلينا ارعدت فرائصنا وداخلنا ما لا نملكه من أنفسنا فلمّا سمع العباسيّون ذلك انصرفوا خائبين[16].

لقد كان المهتدي يهدّد الإمام بالقتل وقد بلغ النبأ بعض أصحاب الإمام(عليه السلام) فكتب إليه: يا سيدي الحمدلله الذي شغله عنك فقد بلغني أنه يتهددك. وذلك حين انشغل المهتدي بفتنة الموالي، وعزم على استئصالهم. وهنا نجد الإجابة الدقيقة من الإمام(عليه السلام) حول مستقبل المهتدي حيث كتب الجواب مايلي: ذاك أقصر لعمره، عدّ من يومك هذا خمسة ويقتل في اليوم السادس بعد هوان واستخفاف يمرّ به[17]. وكان كما قال فقد انهزم جيشه ودخل سامراء وحده مستغيثاً بالعامة منادياً يامعشر المسلمين: أنا أميرالمؤمنين قاتلوا عن خليفتكم، فلم يجبه أحد[18].

وقال أبو هاشم الجعفري: كنت محبوساً مع الحسن العسكري في حبس المهتدي بن الواثق فقال لي: في هذه الليلة يبتر الله عمره، فلمّا أصبحنا شغب الأتراك وقُتل المهتدي وولّي المعتمد مكانه[19].

________________________________________________

[1] الأئمة الاثنا عشر : 235 ، دار الأضواء ، 1404هـ .

[2] الأئمة الاثنا عشر : 235 .

[3] الفخري في الآداب السلطانية ، ابن طباطبا : 221 .

[4] الفخري في الآداب السلطانية : 221 .

[5] كشف الغمة: 3/206 .

[6] الخرائج والجرائح: 1/451 ح 36 .

[7] كشف الغمة: 3/207 عن كتاب الدلائل .

[8] الكامل في التاريخ: 7/195، 196 .

[9] تاريخ الخلفاء ، السيوطي : 422 .

[10] تاريخ الخلفاء : 423 .

[11] تاريخ الطبري : 3 حوادث (91 ـ 101 هـ ) وهي خلافة عمر بن عبد العزيز .

[12] تاريخ الخلفاء ، السيوطي : 424 .

[13] تاريخ اليعقوبي : 2 / 505، 506 .

[14] اُصول الكافي: 1/510 ح 16 وعنه في الارشاد: 2/331 وفي اعلام الورى: 2/144، 145 وعن الارشاد في كشف الغمة: 3/204 .

[15] اُصول الكافي: 1/511 ح 18 .

[16] اُصول الكافي: 1/512 ح 23 وعنه في الارشاد: 2/334 وفي اِعلام الورى: 2/150 وعن الارشاد في كشف الغمة: 3/204.

[17] اعلام الورى: 356 .

[18] الكامل في التاريخ: 5/356 .

[19] المناقب: 2/462 .

 

القسم الثاني

3 ـ المعتمد ابن المتوكل العبّاسي (256 ـ 279 هـ )

وعاصر الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) بعد المعتزّ والمهتدي ، المعتمد العباسي ، الذي انهمك في اللهو واللّذات واشتغل عن الرعيّة فكرهه الناس وأحبّوا أخاه طلحة[1].

وكانت الفترة التي عاشها الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) في عهد المعتمد تقرب من خمس سنين ، وهي من بداية خلافة المعتمد سنة (256هـ) وحتى استشهاد الإمام (عليه السلام) سنة (260هـ) ، وكان الوضع العام مضطرباً لسيطرة الأتراك على السلطة أوّلاً ، ولما كان يحدث من حركات ضد السلطة في أقاليم الدولة ثانياً . فضلاً عن مطاردة السلطة للشيعة والمضايقة على الإمام (عليه السلام) وعليهم وتشديد المراقبة من جهة ثالثة .

وأهم هذه الأحداث في عصر المعتمد :

أ ـ ثورة الزنج :

كانت ثورة الزنج حدثاً مهماً لما نتج عنها من آثار سيئة ، فقد صحب حركة الزنج هذه ، قتل ، ونهب ، وسلب ، وإحراق مما أدّى الى اضطراب الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في عدّة من الأمصار التي سيطر عليها صاحب الزنج ، فبدأت ثورتهم في البصرة وامتدّت إلى عبّادان والأهواز وغيرهما .

والقضاء على هذه الحركة قد كلف الدولة كثيراً من الأموال والجند الذين هزمهم صاحب الزنج في أكثر من واقعة ، وأخيراً تمكّنت الدولة من القضاء عليهم[3].

وقد ادّعى صاحب الزنج علي بن محمد أنه ينتسب الى الإمام علي(عليه السلام)، ولكنّ الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) كذب هذا الادعاء ، فعن محمد بن صالح الخثعمي قال : كتبت إلى أبي محمد ـ الحسن العسكري (عليه السلام) ـ أسأله . . وكنت اُريد أن أسأله عن صاحب الزنج الذي خرج بالبصرة.. فوقّع (عليه السلام) : «صاحب الزنج ليس مِنّا أهل البيت»[4].

وفي نصّ الإمام (عليه السلام) هذا دلالة على عدم شرعيّة ثورة صاحب الزنج وعدم ارتباطها بخط أهل البيت (عليهم السلام) وأنّها بعيدة عن الالتزام بمبادئ الإسلام.

ب ـ حركة ابن الصوفي العلوي :

وقد ظهر في صعيد مصر وهو ابراهيم بن محمد وكان يعرف بإبن الصوفي وملك مدينة أشنا [5] . وكانت معارك بينه وبين جيش الدولة بقيادة ابن طولون اقتتلوا فيها قتالاً شديداً فقتل من رجال ابن الصوفي الكثير ، وانهزم ثمّ كانت وقعة اُخرى مع جنده عام (259هـ) وانهزم ابن الصوفي أيضاً إلى المدينة وألقي القبض عليه واُرسل إلى ابن طولون في مصر . [6]

ج ـ ثورة علي بن زيد في الكوفة :

كانت حركته في الكوفة سنة (256هـ) واستولى عليها ، وأزال عنها نائب الخليفة ، واستقرّ بها ، وسَيَّر إليه المعتمد الشاه بن مكيال في جيش كثيف فالتقوا واقتتلوا وانهزم الشاه وقتل جماعة كثيرة من أصحابه ونجا الشاه ، ثمّ وجّه المعتمد كيجور التركي لمحاربته ، وقد أرسل كيجور إلى علي بن زيد يدعوه إلى الطّاعة وبذل له الأمان ، وطلب علي بن زيد اُموراً لم يجبه كيجور إليها ، فخرج علي بن زيد من الكوفة وعسكر في القادسية فبلغ خبره كيجور فواقعه فانهزم عليّ بن زيد وقُتل جماعة من أصحابه[7].

وحصلت حوادث اُخرى في عهد المعتمد فقد استولى الحسن بن زيد العلوي على جرجان وقتل كثيراً من العساكر وغنم هو وأصحابه ما عندهم .

وخرج مساور الخارجي وطوق من بني زهير وهو من الخوارج أيضاً وقاتلهم الحسن بن أيوب بن أحمد العدوي وهزمهم وقطع رأس مساور وأنفذه إلى سامراء[8].

وقد استوعبت هذه الحركات التي كانت ضد الدولة العباسية مساحة زمنية واسعة لعدم شرعيّة الدولة ولابتعاد الخلفاء وولاتهم عن مبادئ الإسلام الحنيف واستمرت حتى بعد عصر الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) وحتى سقوط بغداد على يد التتار عام (656هـ) .

د ـ المعتمد والإمام العسكري (عليه السلام)

سعى المعتمد جاهداً في التخلص من الإمام العسكري (عليه السلام) أي انّه سارَ على ذات المنهج الذي اتّبعه أسلافه من الخلفاء الأمويين والعباسيين مع الأئمة المعصومين (عليهم السلام) غير أنّ موقفه هذا سرعان ما تغيّر ظاهراً ، وقدّم الاعتذار للإمام(عليه السلام) بعد محاولة لتصفيته برميه مع السباع كما عمل مثل ذلك المتوكّل مع أبيه علي الهادي(عليه السلام) وذلك حين سلّم الإمام العسكري(عليه السلام) إلى يحيى بن قتيبة الذي كان يضيّق على الإمام (عليه السلام) حيث رمى به إلى مجموعة من السباع ظنّاً منه أنها سوف تقتل الإمام (عليه السلام) ، مع العلم بأن امرأة يحيى كانت قد حذّرته من أن يمس الإمام بسوء بقولها له : «اتقّـِ الله فإني أخاف عليك منه».

وروي أن يحيى بن قتيبة قد أتاه بعد ثلاث مع الاستاذ فوجده يصلّي ، والاُسود حوله ، فدخل الاُستاذ الغيل ـ أي موضع الأسد ـ فمزّقته الاُسود وأكلته وانصرف يحيى إلى المعتمد وأخبره بذلك، فدخل المعتمد على العسكري (عليه السلام) وتضرّع إليه...[9]

واستمر المعتمد في التضييق على الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) فيما بعد حتى ألقى به في سجن علي بن جرين وكان يسأله عن أخباره فيجيبه : إنّه يصوم النهار ويقوم الليل . [10]

وقال ابن الصباغ المالكي: حدث أبوهاشم داود بن القاسم الجعفري قال: كنت في الحبس الذي بالجوشق أنا والحسن بن محمد العتيقي ومحمد بن ابراهيم العمري وفلان وفلان خمسة ستة من الشيعة، إذ دخل علينا أبو محمد الحسن بن علي العسكري(عليهما السلام) وأخوه جعفر فخففنا بأبي محمد، وكان المتولي لحبسه صالح بن الوصيف الحاجب، وكان معنا في الحبس رجل جمحي.

فالتفت إلينا أبو محمد وقال لنا سرّاً: لولا انّ هذا الرجل فيكم لأخبرتكم متى يفرج عنكم وترى هذا الرجل فيكم قد كتب فيكم قصته الى الخليفة يخبره فيها بما تقولون فيه وهي مدسوسة معه في ثيابه يريد أن يوسع الحيلة في ايصالها الى الخليفة من حيث لا تعلمون، فاحذروا شرّه.

قال أبو هاشم: فما تمالكنا أن تحاملنا جميعاً على الرجل، ففتشناه فوجدنا القصة مدسوسة معه بين ثيابه وهو يذكرنا فيها بكل سوء فأخذناها منه وحذرناه، وكان الحسن يصوم في السجن، فإذا أفطر أكلنا معه ومن طعامه وكان يحمله إليه غلامه في جونة مختومة.

قال أبو هاشم: فكنت أصوم معه فلمّا كان ذات يوم ضعفت من الصوم، فأمرت غلامي فجاءني بكعك فذهبت الى مكان خال في الحبس، فأكلت وشربت، ثم عدت الى مجلسي مع الجماعة ولم يشعر بي أحد، فلمّا رآني تبسّم وقال: افطرت، فخجلت، فقال: لا عليك يا أبا هاشم، إذا رأيت انّك قد ضعفت واردت القوّة فكل اللحم، فإنّ الكعك لا قوّة فيه، وقال: عزمت عليك أن تفطر ثلاثاً فإنّ البنية إذا انهكها الصوم لا تقوى إلاّ بعد ثلاث.

قال أبو هاشم: ثم لم تطل مدّة أبي محمد الحسن في الحبس إلاّ أن قحط الناس بسرّ من رأى قحطاً شديداً، فأمر الخليفة المعتمد على الله ابن المتوكّل بخروج الناس الى الاستسقاء فخرجوا ثلاثة أيام يستسقون ويدعون فلم يسقوا، فخرج الجاثليق في اليوم الرابع الى الصحراء وخرج معه النصارى والرهبان وكان فيهم راهب كلّما مدّ يده الى السماء ورفعها هطلت بالمطر.

ثم خرجوا في اليوم الثاني وفعلوا كفعلهم أول يوم فهطلت السماء بالمطر وسقوا سقياً شديداً، حتى استعفوا، فعجب الناس من ذلك وداخلهم الشك وصفا بعضهم الى دين النصرانية فشقّ ذلك على الخليفة، فانفذ الى صالح بن وصيف ان اخرج أبا محمد الحسن بن علي من السجن وائتني به.

فلمّا حضر أبومحمد الحسن عند الخليفة قال له: ادرك اُمة محمد فيما لحق في هذه النازلة، فقال أبو محمد: دعهم يخرجون غداً اليوم الثالث، قال: قد استعفى الناس من المطر واستكفوا فما فايدة خروجهم؟ قال: لأزيل الشك عن الناس وما وقعوا فيه من هذه الورطة التي أفسدوا فيها عقولاً ضعيفة.

فأمر الخليفة الجاثليق والرهبان أن يخرجوا أيضاً في اليوم الثالث على جاري عادتهم وان يخرجوا الناس، فخرج النصارى وخرج لهم أبومحمد الحسن ومعه خلق كثير، فوقف النصارى على جاري عادتهم يستسقون إلاّ ذلك الراهب مدّ يديه رافعاً لهما الى السماء، ورفعت النصارى والرهبان ايديهم على جاري عادتهم، فغيمت السماء في الوقت ونزل المطر.

فأمر أبو محمد الحسن القبض على يد الراهب وأخذ ما فيها، فإذا بين أصابعها عظم آدمي، فأخذه أبو محمد الحسن ولفه في خرقة وقال: استسقِ فانكشف السحاب وانقشع الغيم وطلعت الشمس فعجب الناس من ذلك، وقال الخليفة: ماهذا يا أبا محمد؟! فقال: عظم نبي من أنبياء الله عزّ وجل ظفر به هؤلاء من بعض فنون الأنبياء وما كشف نبي عن عظم تحت السماء إلاّ هطلت بالمطر، واستحسنوا ذلك فامتحنوه فوجدوه كما قال.

فرجع أبو محمد الحسن الى داره بسرّ من رأى وقد أزال عن الناس هذه الشبهة وقد سرّ الخليفة والمسلمون ذلك وكلّم أبومحمد الحسن الخليفة في اخراج أصحابه الذين كانوا معه في السجن، فاخرجهم وأطلقهم له، وأقام أبومحمد الحسن بسر من رأى بمنزله بها معظماً مكرّماً مبجلاً وصارت صلات الخليفة وانعامه تصل اليه في منزله الى أن قضى تغمّده الله برحمته[11].

هـ ـ المعتمد وموقفه من الشيعة

لم تتغير الاجراءات القمعية التي كانت تمارسها السلطة العباسية تجاه الشيعة في عصر المعتمد بل كانت امتداداً للسياسة المعهودة والتي أصبحت تقليداً يتوارثه الخلفاء العباسيون إزاء الأئمة الأطهار وشيعتهم وذلك لما كان يخشاه الخلفاء من تطور الوضع لصالحهم واتّساع نشاطهم السياسي مما قد ينجم عنه تغيّر الوضع ضد السلطة القائمة ، والتفاف الناس بشكل أكبر حول الإمام (عليه السلام) وبالتالي قد يتّخذ الإمام موقفاً جهاديّاً تجاه الخليفة وسلطته .

وكانت أساليب السلطة تجاه الحركة الشيعية لا تتجاوز الأساليب التي عهدتها في عصور سابقة وهي :

1 ـ المراقبة ورصد تحرّكات أصحاب الإمام وشيعته .

2 ـ السجن وكانت تعمد إليه السلطة من أجل الحدّ من نشاط أصحاب الإمام (عليه السلام) .

3 ـ القتل : وكانت ترتكبه السلطة حين لا ترى جدوى في أساليبها الاُخرى تجاه الشيعة ، أو تشعر بتنامي نشاطهم فتلجأ الى قتل الشخصيّات البارزة والمقرَّبين من الإمام (عليه السلام) .

استشهاد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)

وبعد أن أدّى الإمام العسكري (عليه السلام) مسؤليته بشكل كامل تجاه دينه وأمّة جده (صلى الله عليه وآله) وولده (عليه السلام) نعى نفسه قبل سنة ستين ومئتين ، وأخذ يهدّئ روع والدته قائلاً لها : لا بد من وقوع أمر الله لا تجزعي . . ، ونزلت الكارثة كما قال ، والتحق بالرفيق الأعلى بعد أن اعتلّ (عليه السلام) في أوّل يوم من شهر ربيع الأول من ذلك العام[12]. ولم تزل العلة تزيد فيه والمرض يثقل عليه حتى استشهد في الثامن من ذلك الشهر ، وروي أيضاً أنه قد سُم واغتيل من قبل السلطة حيث دس السم له المعتمد العباسي الذي كان قد أزعجه تعظيم الأمة للإمام العسكري وتقديمهم له على جميع الهاشميين من علويين وعباسيين فأجمع رأيه على الفتك به[13].

ولم يخلف غير ولده أبي القاسم محمد (الحجة) وكان عمره عند وفاة أبيه خمس سنين وقد آتاه الله الحكمة وفصل الخطاب[14].

ودفن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) إلى جانب أبيه الإمام الهادي(عليه السلام)[15] في سامراء ، وقد ذكر أغلب المؤرخين أنّ سنة وفاته كانت (260هـ) وأشاروا إلى مكان دفنه . دون إيضاح لسبب وفاته[16].

وروى ابن الصباغ عن أحمد بن عبيدالله بن خاقان انه قال : لما اعتل (ابن الرضا) (عليه السلام) ، بعث (جعفر بن علي) الى أبي : أن ابن الرضا (عليه السلام) قد اعتل فركب أبي من ساعته مبادراً الى دار الخلافة : ثم رجع مستعجلاً ومعه خمسة نفر من خدم الخليفة كلهم من ثقاته ورجال دولته وفيهم نحرير ، وأمرهم بلزوم دار الحسن بن علي وتعرّف خبره وحاله ، وبعث الى نفر من المتطببين وأمرهم بالاختلاف إليه وتعاهده في الصباح والمساء ، فلما كان بعدها بيومين جاءه من أخبره أنّه قد ضعف فركب حتى بكّر إليه ثم أمر المتطببين بلزومه وبعث الى قاضي القضاة فأحضره مجلسه وأمره أن يختار من أصحابه عشرة ممن يوثق به في دينه وأمانته وورعه فأحضرهم وبعث بهم الى دار الحسن(عليه السلام) وأمرهم بلزوم داره ليلاً ونهاراً فلم يزالوا هناك حتى توفي لأيّام مضت من شهر ربيع الأول من سنة ستين ومائين[17].

يتضح لنا من خلال متابعة تاريخ الإمام العسكري (عليه السلام) وموقف السلطة العباسية منه أنّ محاولة للتخلّص من الإمام قد دبّرت من قبل الخليفة المعتمد خصوصاً إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار سلسلة الاجراءات التي اتخذتها السلطة إزاء الإمام علي الهادي (عليه السلام) أوّلاً ، ثم ما اتخذته من إجراءات ضد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) ، فقد قامت بسجنه عدّة مرات فضلاً عن المراقبة المشددة على بيته ، كما حاولت نفيه إلى الكوفة ، وغيرها من الاجراءات التعسّفيّة ضدّه وضد شيعته وضد العلويين ، ووفقاً لذلك وبضم رواية أحمد بن عبيدالله بن خاقان والذي كان أبوه أحد أبرز رجالات الدولة ، يتأكّد لنا أنّ استشهاد الإمام العسكري (عليه السلام) كانت وراءه أيدي السلطة الآثمة دون أدنى شك .

الصلاة على الإمام العسكري (عليه السلام)

وكان لاستشهاد الإمام العسكري (عليه السلام) صدى كبير في سامراء حيث عطّلت الدكاكين وسارع العامة والخاصة مهرعين إلى بيت الإمام ، ويروي أحمد بن عبيدالله واصفاً ذلك اليوم العظيم قائلاً : ولما رفع خبر وفاته ، ارتجّت سرّ من رأى وقامت ضجة واحدة : مات ابن الرضا [18] ، وعطّلت الأسواق ، وغلّقت أبواب الدكاكين وركب بنو هاشم والكتّاب والقوّاد والقضاة والمعدّلون وساير الناس الى أن حضروا جنازته فكانت سرّ من رأى شبيهاً بالقيامة[19] .

وبعدما جُهّـِز الإمام العسكري (عليه السلام) خرج عقيد خادمه ، فنادى جعفر بن علي فقال : ياسيدي قد كُفّن أخوك ، فقم وصَلِّ عليه ، فدخل جعفر بن علي والشيعة من حوله يتقدّمهم عثمان بن سعيد العمري وهو أحد وكلائه (ووكيل الإمام الحجة (عليه السلام) فيما بعد) ، ولما دخلوا الدار فاذا بالحسن بن علي صلوات الله عليه على نعشه مكفّناً ، فتقدّم جعفر بن علي ليصلي عليه ، فلما همّ بالتكبير خرج صبيّ بوجهه سمرة بشعره قطط ، وبأسنانه تفليج فجذب رداء جعفر وقال : ياعمّ ، أنا أحقّ بالصّلاة على أبي ، فتأخر جعفر وقد اربدّ وجهه واصفرّ ، فتقدّم الصبي فصلّى عليه(عليه السلام)[20].

ولما اُخرج نعش الإمام العسكري (عليه السلام) صلّى عليه أبو عيسى بن المتوكل[21] بأمر الخليفة المعتمد العباسي ، تمويهاً على الرأي العام حول استشهاد الإمام (عليه السلام) ، وكأنّ السلطة ليس لها في ذلك يد بل على العكس ، فإنّها قد أظهرت اهتماماً كبيراً أيام مرض الإمام (عليه السلام) وخرج كبار رجالات البلاط العباسي مشيعين... ، ولكن مثل هذه الاُمور لا يمكن أن تنطلي على شيعة الإمام ومواليه ، وهكذا غالبية المسلمين الذين عاصروا ما جرى للإمام (عليه السلام) من قبل السلطة من سجن وتضييق .

أولاد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)

إن المشهور بين الشيعة الإمامية ، أن الإمام العسكري (عليه السلام) لم يكن له من الولد سوى الإمام محمد المهدي المنتظر (عليه السلام) ، ويدل عليه ما أشار إليه الشيخ المفيد(رضي الله عنه)[22] حيث قال : اما الحسن بن علي العسكري (عليه السلام) فلم يكن له ولد سوى صاحب الزمان عليه الصلاة والسلام ولم يخلّف ولداً غيره ظاهراً أو باطناً[23].

كما ذهب إلى ذلك ابن شهرآشوب حيث قال : وولده القائم لا غيره[24].

وأصحاب المصادر التاريخية ، كالطبري[25] والمسعودي[26] وغيرهما لم يشيروا إلى غير الإمام المنتظر (عليه السلام) ، وهو الذيولد في النصف من شعبان عام (255 هـ ) .

___________________________________________

[1] تاريخ الخلفاء ، السيوطي : 425 .

[2] سبائك الذهب : 87 .

[3] راجع الكامل في التاريخ : 4 / 430 ـ 445 .

[4] كشف الغمة : 3 / 214 عن كتاب الدلائل.

[5] الكامل في التأريخ : 4 / 432 .

[6] الكامل في التأريخ : 4 / 432 ـ 433 .

[7] الكامل في التأريخ : 4 / 447 .

[8] الكامل في التأريخ : 4 / 439 .

[9] مناقب آل أبي طالب: 4/430 .

[10] مهج الدعوات : 275 .

[11] الفصول المهمة: 286 .

[12] الارشاد: 2/ 336 ومهج الدعوات : 274 .

[13] الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيثمي : 314 عن وفياة الأعيان لابن خلكان .

[14] الارشاد: 2/339.

[15] الارشاد: 2/336 والمنتظم ، عبد الرحمن بن علي الجوزي : 7 / 126 .

[16] الطبري : 7 حوادث سنة (260 هـ ) وعنه في الكامل لابن الأثير.

[17] الفصول المهمة : 271 ، اُصول الكافي: 1/503 ح 1، كمال الدين : 1 / 42.

[18] كمال الدين : 1 / 43 .

[19] الفصول المهمة : 271 .

[20] كمال الدين : 2 / 475 .

[21] كمال الدين: 1/43 وعنه في بحار الأنوار : 50 / 328 .

[22] الارشاد : 339 .

[23] تاج المواليد : 135 .

[24] مناقب ابن شهرآشوب : 4 / 455 .

[25] تاريخ الطبري : 7 / 519 .

[26] تاريخ المسعودي : 4 / 112 نقلاً عن جمهور الشيعة .

 

 


source : www.sibtayn.com
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

مسلم بن عَوسَجة
المعرفة العلمية والفكرية لها عليها السلام
سُنّة‌ التعميم‌ في‌ القرا´ن‌ وتطبيقاتها في‌ ...
عصر الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)
قاعدة : الضرورات تقدّر بقدرها
الإمام الصادق عليه السلام والتفسير العرفاني
روى الإمام الطبري في تفسيره، عن سعيد بن جبير عن ...
سيرة الإمام زين العابدين عليه السّلام
الولاية التكوينية إنما يكون باذن الله تعالى
رسول الله (ص) حزينٌ على أمته وغير راضٍ عن رعيته

 
user comment