اختلاف الشيعة عن السنة
في قضية القائد الموعود
يعتقد الشيعة : ان هذا القائد الموعود هو محمد بن الحسن العسكري الذي ولد سنة 256 هجرية وقد نص ابوه الحسن العسكري على امامته ، ثم غاب المهدي باذن الله تعالى غيبتين صغرى وكبرى نظير غيبتي عيسى الاولى وهي الغيبة الصغرى كانت حين انجاه الله تعالى من مكر السلطة العباسية فكان يعيش حالة الاختفاء منذ ولادته حيث اخفاه ابوه وبعد وفاة ابيه سنة 261 صار يوجه شيعة ابيه بواسطة وكلائه النواب الاربعة الذين استمرت نيابتهم تسعا وستين سنة تقريبا (261-329) ، الثانية وهي الغيبة الكبرى التي بدأت بعد موت النائب الرابع علي بن محمد السمري وقد اخبر الشيعة عند موته بعدم وجود نائب خاص بعده حتى يظهر الله تعالى وليه في آخر الزمان .
ويرى أهل السنة : ان المهدي لم يولد بعد بل يولد في اخر الزمان .
والقول الفصل فيما اختلف فيه الشيعة عن السنة بشأن القائد الموعود ، وهل ولد حقا وانه ابن الحسن العسكري او هو سوف يولد في المستقبل ؟ يكون من خلال التحقيق في مسالة وجود اوصياء معصومين للنبي وان شيعة هؤلاء الاوصياء مصدَّقون في النقل عن ائمتهم شانهم في ذلك شان اتباع المذاهب الاخرى حينما ينقلون عن ائمتهم مسائل الفقه ومسائل التاريخ الخاص بهم .
وقد اجمع جمهور الشيعة منذ اقدم عصورهم على ان ائمتهم قد نص النبي عليهم وبين عددهم وان الائمة قد نص السابق منهم على اللاحق وان الحسن العسكري اخبر انه له ولد وانه وصيه وانه المهدي المنتظر .
وقد استدل الشيعة على مسألة النص من النبي (ص) على الامامة الالهية لاهل بيته بحديث الثقلين وحديث السفينة واستدلوا على عددهم بحديث الاثني عشر واستدلوا على ان اول الائمة الالهيين هو علي ثم الحسين ثم الحسين بحديث الغدير وحديث المنزلة وحديث الكساء وحديث الحسن والحسين سبطان من الاسباط وكلها مروية في الحديث السنية المعتبرة .
اما امامة التسعة من ذرية الحسين فقد استدلوا عليها باحاديث الوصية في كتب الشيعة المعتبرة كقول الامام الباقر (ع) :
(يكون تسعة أئمة من ذرية الحسين بن علي تاسعهم قائمهم) رواه الكليني .
وقول الامام الصادق (ع) :
« أترون ان الموصي منا يوصي إلى من يريد لا والله ولكنه عهد معهود من رسول الله ((صلى الله عليه وآله)) إلى رجل فرجل حتى انتهى إلى نفسه » .
وفي لفظ آخر :
« إلى ان ينتهي إلى صاحب هذا الامر »(1) .
وبالواقع التاريخي الذي تميزت به سيرة هؤلاء التسعة من وراثة الجامعة والجفر التي كتبها علي عن النبي في لقاءاتهما الخاصة وما جرى على يدهم من الاخبار بالمغيبات والكرامات التي لا يجريها الله تعالى الى علي يد اصفيائه المؤيدين بتاييد خاص منه .
وقد حاول الاخوة من اهل السنة رد فكرة النص من النبي على الائمة وعلى اولهم علي بمنع دلالة او تضعيف اسانيد النصوص النبوية التي يستشهد بها الشيعة على دعواهم ، وقد قابلهم علماء الشيعة بمناقشة ردودهم وبيان خطئها .
وقد حاول البعض من فرق الشيعة وبخاصة الزيدية رد فكرة الاثني عشرية وقابلهم علماء الشيعة بالرد عليهم .
وحاول بعض المعاصرين من الكتاب رد فكرة ولادة المهدي بدعوى ان القائلين بذلك هم واحد من اثني عشرة فرقة انقسمت اليها شيعة الحسن العسكري استنادا الى كتابي فرق الشيعة للنوبختي والمقالات والفرق للاشعري الشيعي وقد اجبنا عن ذلك مفصلا في كتابنا حول امامة اهل البيت ووجود المهدي (ع) .
______________________
(1) الكافي ج 1 ص 277 الروايات 1-4 . وأيضا بصائر الدرجات للصفار ص470 الروايات 1-10 ، 12 .
الغيبة لا تعني تعطيل العمل
بالاحكام الاسلامية
لم تكن الغيبة لتعني تعطيل العمل باحكام الاسلام ، كيف يكون ذلك وأصل مسالة وجود اوصياء للنبي انما هي الحفاظ على الاسلام ليبقى سليما ميسرا لمن اراد العمل به ، وقد ادى الائمة (ع) وظيفتهم هذه على اتم وجه حيث ربوا حملة امناء لعلومهم ولم يكن تسلم الحكم في المجتمع الاسلامي ككل من قبلهم الا بعض شؤونهم ولم يتوفر الشرط الاساس لنهوض اغلبهم فيه وهو شرط وجود الناصر الكفوء وانقياده لهم كما اشار امير المؤمنين (اما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر لالقيت حبلها على غاربها ولسقيت اخرها بكاس اولها) ، ان الغيبة كانت مكرا الهيا في قبال مكر العباسيين ارادوا قتل الامام واراد الله تعالى حفظه وادخاره لليوم الموعود . ومن جانب اخر فان من ابرز حكم الغيبة واسرارها الواضحة على صعيد الامة الخاصة /شيعة اهل البيت /هي اتاحة الفرصة لحملة تراث الائمة ان يمارس مسؤولياتها الفكرية والعلمية والسياسية ككل على اساس فهمهم البشري غير المعصوم للقرآن والتراث الفكري الذي خلفته التجربة المعصومة للنبي والائمة ، وتأتي فكرة عودة المعصوم الغائب في آ خر الدنيا وظهوره مرة ثانية على المسرح الاجتماعي والسياسي لتقييم التجارب السابقة للمسيرة غير المعصومة والكشف عن مستوى تمثيلها وصدق تعبيرها وأمانتها من ناحية ، ومن ناحية اخرى لتحقيق الوعد الالهي الانف الذكر (انظر شبهات وردود للمؤلف الطبعة الثالثة ص 23-24) .
ان مفهوم انتظار الفرج يرتبط بالمهدي محمد بن الحسن العسكري الذي عاش مشردا مختفيا ولا زالت هذه ا لحالة ترافق وجوده الشريف (اللهم عجل فرج وليك الحجة بن الحسن (ع) ، وليس له ربط بالامة الا من ناحية كونه قائدها المعصوم المعد لاداء وظيفة الهية خاصة قدر الله لها ان تكون خاتمة المسيرة على الارض كلها وان يعينه فيها النبي عيسى (ع) . ويتضح من ذلك سر انحصار هذا المفهوم ضمن الدائرة الشيعية ، اذ ان الدائرة السنية لا تؤمن بمهدي مولود غائب مشرد خائف طريد .
علامات الظهور
الاخبار التي تتحدث عن علامات ظهور المهدي سواء في الكتب الشيعية او في الكتب السنية تستهدف غالبا تشخيص زمن الظهور ، ويوجد اتجاهان في دراستها :
الاول : يدرسها على انها تخبر بحوادث مستقلة عن بعضها البعض .
الثاني : يدرسها على انها تخبر عن وضع اجتماعي وسياسي وتكنولوجي يعيشه العالم قبيل الظهور . وبعبارة اخرى ترسم لنا حالة العالم السياسية والاجتماعية والتكنولوجية قبيل الظهور .
وفي ظل الاتجاه الثاني يتضح لاي باحث في علامات الظهور ان العالم اليوم اقرب من أي وقت مضى الى عهد الظهور .
فمن الناحية التكنولوجية تتحدث الاخبار عن عالم فيه طائرات تنقل المسافرين من بلد الى بلد وإذاعات بعدد شعوب العالم تستطيع بث الخبر الواحد في ان واحد للعالم اجمع وتلفون متلفز يسمع من في المشرق اخاه الذي في ا لمغرب ويرى صورته ، وكومبيوترات يدوية تحتوي على برامج متنوعة تغني حاملها عن اصطحاب الاف الكتب .
ومن الناحية الاجتماعية تتحدث عن وضع اجتماعي للنساء تظهر فيه كاسيات عاريات وهو كناية عن التبرج والسفور ، وظهور انواع من المنكرات مما لا يتصوره الانسان قبل حدوثه .
ومن الناحية السياسية تتحدث عن كشف عن هيكل سليمان الذي يستلزم قيام دولة اسرائيل في قلب العالم العربي والاسلامي . ووجود حركات اسلامية في المجتمعات الاسلامية تسعى لاقامة الحكم الاسلامي يسجن الكثير من افرادها وقيام دولة توطئ للمهدي في المشرق ، واختلاف العاملين الشيعة في وعدم اجتماع كلمتهم وتجتمع كلمتهم بييعتهم للمهدي وظهور دعوات مهدوية كاذبة وغير ذلك وكل ذلك مما جاء ذكره في احاديث علامات الظهور .
الاساس الموضوعي
لتمييز الصادق من مدعي المهدوية
الاساس الموضوعي الوحيد الذي يمكننا ان نعتمد لتشخيص الصادق من الكاذب من مدعي المهدوية هو المؤيدات الالهية التي تجري على يد من يدعي المهدوية بعد تصديقه للنبوة الخاتمة وحركة ابائه اوصياء النبي الخاتم ، كما هو الحال مع أي مدعي للنبوة والرسالة وتختم هذه المؤيدات بظهور عيسى بن مريم الذي قص القرآن علينا خبره انه يحيي الموتى ويبرئ الا كمه والابرص (1) .
وبهذا الاساس يقطع الطريق على كل حالة كاذبة سواء تعمد صاحبها الكذب او وقع ضحية حالة كشف عرفاني خاطئ من قبيل ما وقع للمهدي السوداني حين خيل اليه انه هو المهدي الموعود بما تجسد في خياله ان النبي قد اخبره مباشرة بانه هو حيث قال في احدى رسائله (المؤرخة قبل 16شعبان 1299هجرية :
(اخبرني سيد ا لوجود (ص) باني المهدي المنتظر وخلفني عليه السلام بالجلوس على كرسيه مرارا بحضرة الخلفاء الاربعة والاقطاب والخضر (ع) وايدني بالملائكة المقربين والاولياء الاحياء والميتين من لدن ادم الى زماننا هذا وكذلك المؤمنين من الجن وفي ساعة الحرب يحضر معهم امام جيش سيد ال وجود (ص) بذاته الكريمة وكذلك الخلفاء الاربعة والاقطاب والخضر واعطاني سيف النصر من حضرته (ص) واعلمت انه لا ينصر علي معه احد ولو كان الثقلين الانس والجن ثم اخبرني سيد الوجود (ص) …بانه تخرج راية من نور وتكون معي في حالة الحرب يحملها عزرائيل (ع) فيبثبت بها اصحابي وينزل الرعب في قلوب اعدائي فلا يلقاني احد بعداوة الا خذله الله .
فمن له سعادة صدق صدِّق باني المهدي المنتظر ولكن الله جعل في قلوب الذين يحبون الجاه النفاق فلا يصدقون حرصا على جاههم …وامرني سيد الوجود (ص) بالهجرة الى ماسة بجبل قدير وامرني ان اكاتب بها جميع المكلفين امرا عاما فكاتبنا بذلك الامراء ومشايخ الدين فانكرالاشقياء وصدق ا لصديقون …وقد اخبرني سيد الوجود (ص) بانه من شك في مهديتك فقد كفر بالله ورسوله كررها ثلاث مرات ، وجميع ما اخبرتكم به من خلافتي على المهدية الخ فقد اخبرني به سيد الوجود (ع) يقظة في حال الصحة خاليا من الموانع الشرعية لا بنوم ولا جذب ولا سكر ولا جنون …) (2) .
وقال في رسالة اخرى (…فلولا اني على نور من الله وتاييد من رسول الله (ص) لما قدرت على شئ ولا ساغ لي ان احكي شيئا ، وما اخبرت عن النبي (ص) بما اخبرت الا بامر من رسول الله وقد اخبرني (ص) باخبار ليست عند الاولياء ولا عند العلماء وليكن معلوما عندكم اني لا افعل شيئا الا بامر النبي (ص) او ملك الالهام مأذونا من النبي (ص) وقد اخبرني (ص) ان الامة تهتدي بي بدون المشقة التي حصلت له (ص) ، واني مخلوق من نور عنان قلبه (ص) وبشرني (ص) ان اصحابي كاصحابه وان عوامهم لهم رتبة عند الله كرتبة الشيخ عبد القادر الجيلاني . ) (3) .
فالملاحظ على فقرات الرسالتين هو انحصار الادلة على صدق مدعي المهدية الذاتية وليس الموضوعية مضافا الى عدم تحقق ما اخبر به من النصر المؤزر لحركته .
ان المهدي على التصور الشيعي انسان مشخص وهو ابن الحسن العسكري ولد سنة 255 هجرية وعايش اهل الارض من القرن الثالث الهجري والى القرن الخامس عشر الهجري والى ماشاء الله فلا بد له ان يثبت ذلك بطريقة موضوعية وهي اما جريان المعجزات على يده وقد جرت المعجزات على يد اصف بن برخيا وزير سليمان ولم يكن اصف نبيا وذلك حين احضر عرش ملكة سبأ باقل من لمح البصر :
(قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قَالَ عِفْريتٌ مِنْ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ … (39) قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40)) النمل/38-40 .
والطريقة الاخرى هي ان يستخدم طرقا اعتيادية تكشف عن عمر صاحبها وهويته من قبيل ان يخبر اهل لندن انه مر من بلادهم في القرن العاشر الميلادي ووضع رسالة بخط يده على رق غزال في المنطقة الفلانية وكانت في ذلك الوقت مكتبة المدينة ولكنها اندثرت بفعل عوامل مختلفة ثم يخاطب الانكليز بامكانكم الحفر عدة امتار لتعثروا على مكتبتكم المندثرة وفيها وثائق تعتزون بها وبامكانهم ان تفتحوا اللفاقة الفلانية لتجدوا رسالتي اليكم وهذه نسخة ثانية منها ، وبنفس الاسلوب يخاطب الروس او الايرانيين او العرب او الصينيين وغيرهم ممن تعمر به الارض عند ظهوره ، ولا بد انه يطرح هذا الطلب بما يكشف عن درايته وعلمه بالحلقات المفقودة العزيزة في كل بلد من اجل ان يحرك اهل كل بلاد نحو التنقيب لكشف الحقيقة ولا بد ان يطرحها من موقع قوي من قبيل بعد ان يحقق النجاج في دولة ظهوره فيكون ادعائه و طلبه من موقع رئيس دولة ادعى واقوى واكثر اثارة وغرابه حيث لو ظهر سنة 1455هجرية –2034 ميلادية سيدعي انه محمد بن الحسن العسكري وان عمره مثلا 1200 سنة وهو بمنظر ابن الثلاثين وبالتاكيد سوف يتبادر الى اذهان السياسيين انذاك ان هذا الرئيس قد جن او اصيب بالخرف ولكنهم حين يسمعون منه دعواه وطلبه وتحمله نفقات التنقيب ونتائج اثارية يقدرها علماء اثار كل بلد يتحول الموفق لصالحه ويتحرك الاخرون لاختبار الدعوى .
ولا مانع من اجتماع الطريقتين .
______________________
(1) كثرت الامراض المستعصية على العلاج زمن المسيح وكانت من معجزاته ا نه عالج تلك الامراض بالمسح عليها ، وسيتكرر هذه الامر بظهور المسيح الثاني حيث سيكون العالم قبيل ظهوره قد شاعت فيه ظاهرة المشوهين خلقيا بسبب اشعة الراديوم المستخدمة في الحروب وولعلنا نعيش ارهاصات هذه المرحلة وبخاصة بعد ان جربت الاسلحة الجديدة في حرب الخليج وينتظر الخبراء ظهور حالات التشوه الخلقي بسبب تلك الاشعاعات .
(2) انظر الاثار الكاملة للامام المهدي (السوداني)في سبع مجلدات ، المجلد الاول ص 139-143 وايضا سعادة المهتدي بسيرة الامام المهدي ص 01تاليف اسماعيل عبد القادر الكردفاني تحقيق د . محمد ابراهيم ابو سليم ط1سنة 1972 بيروت .
(3) الاثار الكاملة المجلد الخامس ص 94 نسخة معدلة من الرسالة 40 .