عربي
Thursday 7th of November 2024
0
نفر 0

مواصفات جسمية وعقلية :

    فمن الحقائق الموضوعية أنَّ سلامة جسم المرأة وعقلها له دور فعّال في تربية الأطفال وتقويم شخصيتهم ، ليكونوا أفراداً صالحين يسهمون في بناء المجتمع وتطويره.
    ولم يغفل الدين الإسلامي عن هذه الحقيقة ، لذا نبّه على ضرورة مراعاة عوامل السلامة من العيوب الجسمية والعقلية لكلا الزوجين ، وجعل منهما الخيار في فسخ العقد ، فيما إذا ما تبين أنّ أحدهما كان مصاباً بعيب جسماني أو خلل عقلي ، وحول هذه المسألة قال الإمام الصادق عليه السلام : « إنّما يرد النكاح من البرص والجذام والجنون والعفل » (3).
    وبالاضافة إلى وجوب التأكد من سلامة الزوجة من العيوب الجسدية
____________
1) وسائل الشيعة 14 : 23.
2) سورة النور : 24 | 32.
3) وسائل الشيعة 14 : 594 أبواب العيوب والتدليس.


( 29 )


الموجبة لفسخ العقد ، لابدّ من التركيز على سلامتها العقلية حتى لا تكون مجنونة أو حمقاء تسيء التصرف ولا تضع الشيء مواضعه ، ومن أجل ذلك قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم محذراً الشباب من العواقب الاجتماعية والتربوية الوخيمة : « إيّاكم وتزوّج الحمقاء، فإنَّ صحبتها ضياع، وولدها ضياع » (1).
    وينبغي الإشارة هنا إلى أن الإسلام ( يجوّز ـ للرجل ـ أن ينظر إلى وجه امرأة يريد نكاحها ، وإن لم يستأذنها ، ويختص الجواز بوجهها وكفيها. وله أن يكرر النظر إليها ، وأن ينظرها قائمة وماشية. وروي : جواز النظر إلى شعرها ومحاسنها وجسدها من فوق الثياب ) (2).
    ومن يستقرىَ النصوص الواردة في هذا الخصوص ، يجد أنها تزوّد الشاب برؤية كاملة عن المواصفات الجسمية المطلوبة ، ومن خلال قراءتنا الفاحصة يمكن تصنيفها إلى الفقرات التالية :
    أولاً ـ مواصفات جسمية عامة : تتناول اللّون والقامة والسِّن وغيرها منها ما ورد في قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : « لا تتزوجنَّ شهبرة ولا لهبرة ولا نهبرة ولا هيدرة ولا لفوتاً » (3).
    وعن أمير المؤمنين عليه السلام : « تزوّج عيناء سمراء عجزاء مربوعة ، فإن كرهتها
____________
1) نوادر الراوندي : 13 ، وبحار الأنوار 103 : 237.
2) شرائع الإسلام 2 : 495 كتاب النكاح ـ مسائل النظر إلى الاجنبية.
3) معاني الأخبار : 318 دار المعرفة ـ بيروت 1979 م ، والشهبرة : الزرقاء البذيّة ، واللهبرة : الطّويلة المهزولة ، والنّهبرة : القصيرة الذّميمة ، والهيدرة : العجوز المدبرة ، واللفوت : ذات الولد من غيرك.


( 30 )


فعليَّ الصداق » (1).
    وعنه عليه السلام قال : « من أراد الباءة فليتزوج بامرأة قريبة من الأرض ، بعيدة ما بين المنكبين ، سمراء اللّون ، فإن لم يحظ بها فعليَّ مهرها » (2).
    وهكذا نجد أنَّ هذه الأحاديث وغيرها كثيراً تلفت نظر الشاب وتوقفه على المواصفات الجمالية في المرأة حتى يتمكن من انتخاب الزوجة التي تتناسب مع ذوقه وتحقق رغبته وحتى تقر عينه ولا يتطلع إلى أعراض الآخرين ، زد على ذلك يُحيطه علماً بأنّ لبعض المواصفات الجسمية للمرأة مدخلية في الانجاب لذلك قال صلى الله عليه وآله وسلم موصياً : « تخيّروا لنطفكم ، وانتخبوا المناكح ، وعليكم بذات الأوراك ، فإنَّهنَّ أنجب » (3).
    ثانياً ـ الوجه الحسن : يفضل أن تكون المرأة حسناء ذات وجه صبوح ، تدخل السرور والبهجة على نفس زوجها عندما يقع نظره عليها ، قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم : « أفضل نساء أُمتي أصبحهن وجهاً ، وأقلهنَّ مهراً » (4).
    وفي الوقت الذي فضّل فيه أن تكون المرأة حسناء ، فقد حذّر ـ بشدّة ـ من اختيار المرأة الحسناء التي نشأت وترعرعت في بيئة فاسدة أو وسط اجتماعي منحرف ، وقد ( قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خطيباً فقال : « أيُّها الناس ، إياكم وخضراء الدمن ، قيل : يا رسول الله ، وما خضراء الدمن ؟ قال : المرأة الحسناء في
____________
1) مكارم الأخلاق : 199.
2) مكارم الأخلاق : 201.
3) كنز العمال 16 : 302 | 44594.
4) مكارم الأخلاق : 198.


( 31 )


منبت السوء » (1) ).
    كما حذّر صلى الله عليه وآله وسلم من اختيار الحسناء غير الولود قائلاً : « ذروا الحسناء العقيم، وعليكم بالسوداء الولود، فإني مكاثر بكم الاُمم حتى بالسقط » (2).
    وعليه يفضل اختيار الحسناء بشرط أن تكون خيّرةً ولوداً نشأت في تربة صالحة وبيئة ، قال الإمام الصادق عليه السلام : « الخيرات الحسان من نساء أهل الدنيا، هنَّ أجمل من الحور العين » (3).
    ثالثاً ـ جمال الشعر : قال علي بن الحسين عليه السلام : « إذا أراد أحدكم أن يتزوج فليسأل عن شعرها كما يسأل عن وجهها ، فإنَّ الشعر أحد الجمالين » (4).
    رابعاً ـ طيب الريح : فلاشكّ أنّ له مدخلية في المواصفات الجسمية المثالية ، فالمرأة الطيبة الريح تجذب قلب زوجها كما يجذب شذا الأزهار النحل ، قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : « تزوّجوا الابكار ، فانهنَّ أطيب شيء أفواهاً.. (5) ، وعن علي ابن الحسين عليه السلام قال : « خير نسائكم الطيبة الريح.. » (6). وهكذا نجد أنّ الرسول وأهل بيته عليهم السلام يقدمون للشباب المواصفات الجمالية الكاملة ليضعوها
____________
1) مكارم الأخلاق : 203.
وإنّما جعلها خضراء الدِّمن تشبيهاً بالشجرة الناضرة في دمنة البقرة ، وأصل الدِّمن ما تدمنه الإبل والغنم من أبعارها وأبوالها ، فربّما ينبت فيها النبات الحسن وأصله في دمنة ، يقول : فمنظرها حسن أنيق ، ومنبتها فاسد. معاني الأخبار : 316.
2) مكارم الأخلاق : 202.
3) مكارم الأخلاق : 200.
4) مكارم الأخلاق : 200.
5) روضة الواعظين : 375.
6) مكارم الأخلاق : 200.


( 32 )


    نصب أعينهم عند اختيار شريكة العمر.
    2 ـ مواصفات الزّوج المثالي :
    لقد كفل الإسلام للمرأة حق اختيار شريك العمر وأرشدها إلى جملة من المواصفات التي يفضّل أن يتصف بها الشريك الصالح ، ونظرا لكون المرأة بطبعها عاطفية ورقيقة الحسّ ويغلب عليها الحياء ، فقد جعل الإسلام لأب الفتاة ولاية عليها ، وشرّك بينهما في عملية الاختيار التي تلعب دوراً مهماً في تحديد مصير البنت ومستقبلها.
    وأبرز المواصفات التي يجب توفرها في الزّوج المثالي هي :
    أ ـ أن يكون متديناً وذا خُلق حسن : وهما من أهم مرتكزات البناء الزوجي النموذجي ، فالرجل الذي لا يرتبط بدين ولا يتقيد بخُلق ، سوف يجعل حياة الزوجة جحيما لا يطاق ، وبالمقابل فإن الزوج المتدين الذي يتحسس المسؤولية في الحياة ، ويشعر برقابة الله الدائمة ، ويعلم بعاقبة أعماله في الآخرة سوف يوفّر لها سبل السعادة والنجاح في الحياة الزوجية.
    وقد نقل لنا القرآن الكريم سابقة في هذا السياق ، متمثلة في احدى بنات شعيب عليه السلام التي أدركت ببصيرتها الإيمانية وتجربتها القصيرة مع موسى عليه السلام أنّه تتجسد فيه المواصفات الجسمية والخُلقية معاً فقد كان قوياً وأميناً ( قَالَتْ إحْدَاهُمَا يَا أبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأََمِينُ * قَالَ إنِّي أُرِيدُ أنْ أُنكِحَكَ إحْدَى ابْنَتَيَّ... ) (1). ( يا أبتِ استأجره لرعي ماشيتنا ، ليكفينا مؤنة هذا العمل ، فهو قوي وأمين ، وكأنّ النبي قد فطن إلى المراد ، فأسرع إلى تحقيق رغبة
____________
1) سورة القصص : 28 | 26 ـ 27.


( 33 )


ابنته ، وطلب إلى موسى أن يخدمه فيرعى غنمه ثماني سنوات لقاء أن يزوجه بإحداهما.. فقبل موسى طلب شعيب عليه السلام ) (1).
    فهذه سابقة قرآنية تجعل من ابنة شعيب عليه السلام قدوة حسنة لكلِّ امرأة تبحث عن الزوج المثالي.
    وروي عن الحسين بن بشار قال : كتبت إلى أبي جعفر عليه السلام في رجل خطب إليَّ فكتب : « من خطب إليكم فرضيتم دينه وأمانته ، كائناً من كان فزوجوه ، ( إلاّ تفعلُوهُ تكُن فِتنةٌ في الأرضِ وَفسَادٌ كَبِيرٌ ) (2).
    وكان آلالبيت عليهم السلام يمارسون مع أولياء أمور النساء حواراً إقناعياً ، يستند إلى القرآن ، أو إلى المعطيات الواقعية ، ولا نكتفون بإسداء النصائح المجرّدة ، ومن الشواهد الدالة على هذا التوجه : ( جاء رجل إلى الإمام الحسن عليه السلام يستشيره في تزويج ابنته ، فقال : « زوّجها من رجل تقي ، فإنّه إن أحبّها أكرمها ، وإن أبغضها لم يظلمها » (9).
    ولاشكّ أن هذه النصائح إذا دُعمت بالمعطيات وعزّزت بالحقائق والشواهد ، فسوف ترسخ قناعة الآباء بها ، ويأخذونها على محمل الجد ويتصرفون في ضوئها.
    وفي موقف آخر أسدى الإمام الرّضا عليه السلام نصيحته المخلصة إلى ولي أمر إحدى الفتيات مدعمة بالدليل القرآني ، ليزيل غشاوة الشك من قلبه ، قال له : « إذا خطب إليك رجل رضيت دينه وخلقه فزوّجه ، ولا يمنعك فقره وفاقته ، قال
____________
1) مع الأنبياء في القرآن | عفيف عبدالفتاح طبّارة : 224 دار العلم للملايين ط16.
2) من لا يحضره الفقيه 3 : 248 كتاب النكاح ـ باب الاكفاء.
3) مكارم الأخلاق : 204.


( 34 )


الله تعالى : ( وَإن يَتفرَّقا يُغنِ الله كُلاًّ من سَعَتهِ ) وقال : ( إن يكُونُوا فقَراءَ يُغنِهِم اللهُ مِن فَضلِهِ ).. » (1).
    وينبغي الإشارة في نهاية هذه الفقرة إلى أن الشرف لا ينحصر مصداقه في الحسب والنسب فحسب ، كما كان الحال في عهد الجاهلية ، يل يتجسد مصداقه الأعلى في الانتساب إلى الإسلام واعتناق مبادئه السامية ، والتحلّي بفضائله العالية ، هذا هو معيار التفاضل الكامل بين الناس ، ويجب أن يكون مقياساً أساسياً لانتخاب الزوج المثالي ، بدليل قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : « انكحت زيد بن حارثة زينب بنت جحش ، وانكحت المقدادضباعة بنت الزبير بن عبدالمطلب ، ليعلموا أن أشرف الشرف الإسلام » (2).
ب ـ أن لا يكون شارباً للخمر : لو صرفنا النظر عن الآثار الضارة التي يتركها الخمر على الوراثة ، فإن له آثاراً اجتماعية مأساوية على الزوجة ، فانشغال الزوج المدمن على الخمر بشؤونه الخاصة وحرصه الدائم على إرواء غليله من الشراب ، يجعله لا يهتم بزوجته وأطفاله ، وقد يمتنع عن دفع المصاريف اللازمة لاعالتهم ، الأمر الذي يؤدي إلى جملة مساوىَ اجتماعية أقلّها انفصام عُرى العلاقة الزوجية وتفكك الروابط الاُسرية ناهيك عن انحراف الاطفال وتسيبهم.
    قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم : « من شرب الخمر بعدما حرَّمها الله ، فليس بأهل
____________
1) فقه الرضا : 31 ، وبحار الأنوار 103 : 372 ، والآيات من سورة النساء : 4 | 130 وسورة النور : 24 | 32.
2) مكارم الأخلاق : 238 ، وكنز العمال 1 : 78 | 313.


( 35 )


أن يتزوّج إذا خطب » (1).
    وقال الإمام الصادق عليه السلام محذراً : « من زوّج كريمته من شارب خمر ، فقد قطع رحمها » (2).
    جـ ـ أن لا يكون معروفاً بالزنا : فكما حذّر آلالبيت عليهم السلام من الاقتران بالمرأة التي تخلع ثوب العفاف والفضيلة ، كذلك حذّروا من الرّجل الذي يخلع ثوب الحياء ويجاهر بالزنا ، وليس أدلُّ على ذلك ممّا ورد عن الحلبي قال : قال الإمام الصادق عليه السلام : « لا تتزوجوا المرأة المستعلنة بالزنا ، ولا تزوّجوا الرجل المستعلن بالزنا ، إلاّ أن تعرفوا منهما التوبة » (5).
    ومن جميع ما تقدم نجد أنّ الإسلام يُرشد الفتاة وأولياء أمرها إلى جملة من المواصفات المثالية التي يجب أخذها بنظر الاعتبار عند اختيار شريك العمر ، كما حذر الإسلام من القرار الارتجالي غير المدروس أو المرتكز على أسس مصلحية ، فانه يضع الفتاة رهينة بيد الرجل الذي له حق القيمومة عليها وملك زمام أمرها.
    دور العاطفة في الاختيار :
    وينبغي التطرق هنا إلى نقطة جوهرية تتعلق بالزوجين معاً ، أن لايكون اختيار أحدهما للآخر قائماً ـ من حيث الأساس ـ على العواطف فحسب ، لأنّ هذا الاختيار قد يسقط من الحساب سائر المواصفات الكمالية المطلوبة ، يقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم : « .. حبّك للشيء يعمي
____________
1) مكارم الاخلاق : 204.
2) مكارم الأخلاق : 238.
3) مكارم الأخلاق : 204.


( 36 )


ويصمُّ.. » (1).. وصاحب الهوى ـ على الأغلب ـ ينساق لعاطفته المتأججة ، فيغض الطرف عن عيوب المحبوب ، ويسد منافذ سمعه عن نصائح الآخرين ولو كانت صادقة ومخلصة ، يقول أمير المؤمنين عليه السلام : « عين المحبّ عمية عن معايب المحبوب ، وأذنه صمّاء عن قبح مساويه » (2).
    صحيح أنّ العاطفة والود أو الانسجام النفسي من العوامل المساعدة على إدامة واستمرار الرابطة الزوجية ، وأن الإسلام قد أعطى الشاب الحق في انتخاب المرأة التي يميل إليها ، فعن ابن أبي يعفور ، عن الصادق عليه السلام ، قال : قلتُ إني أردت أن أتزوج امرأة وإن أبويّ أرادا غيرها ، قال : « تزوج ( التي ) هويت ، ودع التي هوى أبواك » (3).
    ولكن الصحيح أيضاً أنّ تجاهل المواصفات والنصائح التي عرضها الشرع أو التي أسسها العقل سوف يؤدي إلى نتائج لا تحمد عقباها في المستقبل وخصوصاً بعد أن تنقشع غشاوة العواطف العمياء عن القلوب أو تبرد حرارتها عندها تظهر العيوب بادية للعيان ، وعليه فيجب أن لا تكون عاصفة الهوى هي محور الاختيار دون النظر والتعقّل في توفّر المواصفات المطلوبة في المحبوب.
    الأمر الآخر الذي يجب التنويه به هو ضرورة تمسك الزوجين بمبادىَ الإسلام وقيمه الأخلاقية قبل الاقتران ، فتدين الرجل أو المرأة يجنبهما الخوض في مغامرات عاطفية قد تعصف بعشّ الزوجية ، ويتاكد هذا الأمر في المرأة ذات الطبيعة العاطفية التي قد تتعرض لعوامل الاغراء فتقع في الشباك التي ينصبها لها الفسّاق.
____________
1) بحار الأنوار 77 : 165.
2) غرر الحكم ح 6314.
3) مكارم الأخلاق : 237.

 

 


ثانياً : الكفاءة بين الزوجين :
    لقد أشار القرآن الكريم إلى هذه المسألة بصورة صريحة ، قال عزّ من قائل : ( الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيّبات للطيّبين والطيّبون للطيّبات.. ) (1). وهذه الرؤية القرآنية نجد تأكيداً عليها في السيرة النبوية المطهّرة ، خصوصاً وأنّ المساواة بين غير المتكافئين ظلم واجحاف لايقرّه الشرع ولا ينسجم مع منطق العقل.
    قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم : « وانكحوا الأكفاء ، وانكحوا فيهم ، واختاروا لنطفكم » (2).
    وفي هذا السياق يُحدد الإمام الصادق عليه السلام الخطوط العامّة للكفاءة الزوجية بقوله : « الكفوء أن يكون عفيفاً وعنده يسار » (3) وعند التمعن في هذا الحديث نجد أنّ الإمام عليه السلام يركّز على أهمية توفّر شرطين أساسيين في الكفاءة يتوقف عليهما نجاح الحياة الزوجية وضمان استمرارها ، وهما الشرط الأخلاقي المتمثل بالعفة ، والشرط الاقتصادي المتمثل باليسار.
    وبتعبير آخر أنّه يرى أنّ الكفاءة التامة تتحقق بتوفر البعدين المعنوي والمادي معاً ، فميزان الكفاءة الحقّة ـ إذن ـ يجب أن يقوم في إحدى كفتيه على الأخلاق والفضيلة ، وعلى التمكن من الانفاق في الكفة الاُخرى ، هذه هي النظرة الواقعية للكفاءة ، فالإسلام لا يريد من الرجل أن يكون راهباً يقبع في أحد
____________
1) سورة النور : 24 | 26.
2) وسائل الشيعة 14 : 29 باب استحباب اختيار الزوجة.
3) من لا يحضره الفقيه 3 : 249 باب الاكفاء.


( 38 )


زوايا الدار أو المسجد للعبادة والنسك ويترك زوجته وأطفالها عرضة لعوامل الفقر والفاقة ، كما لا يرتضي أن يكون غنياً في غاية الثراء ولكن لا رصيد له من الفضيلة والعفة.
    كان أمير المؤمنين علي عليه السلام لما خطب فاطمة عليها السلام فقيراً حتى إنّ نساء قريش قد عيّرنها بفقره ، فقال لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم : « أما ترضين يا فاطمة أن زوجتك أقدمهم سلماً ، وأكثرهم علماً ، إن الله تعالى أطلع إلى أهل الأرض اطلاعة فاختار منهم أباك فجعله نبياً ، وأطلع إليهم ثانية فاختار منهم بعلك فجعله وصياً، وأوحى الله إليَّ أن أنكحك إياه.. » فضحكت فاطمة عليها السلام واستبشرت..(1).
    هذا الموقف الذي سجّله التاريخ بسطور من نور ، يُعطي الشباب درساً في الاختيار السليم لكي يضعوا نصب أعينهم الكفاءة المعنوية ويمنحوها الأولوية.
    وما تقدم شاهد عملي من السُنّة على أهمية مراعاة الكفاءة بين الزوجين وليست الكفاءة منوطة بزخرف الحياة المادية بقدر ما تتحقق بالتماثل والتشابه من السجايا والطباع ، وقد ( أعربت عن ذلك زوجة معاوية ، وقد سئمت في كنفه مظاهر الترف والبذخ والسلطان والثراء ، وحنّت إلى فتى أحلامها كان خلواً من كلِّ ذلك ـ فقد كانت مطلّقة وتزوّجت من معاوية ، فلم تذق معه طعم السعادة ولم ترضَ عن أخلاقه ـ فأنشدت :

لبيت تخفق الأرواح فيه * أحبُّ إليَّ من قصـر منيف
ولبس عباءة وتقر عيني * أحبُّ إليَّ من لبس الشفوف

____________
1) الارشاد | الشيخ المفيد : 24.


( 39 )

 

وخرق من بني عمـي نجيب * أحبُّ إليَّ من علج عنيف (1)


    إذن من الأهمية بمكان أن توجد حالة من التكافؤ بين الزوجين ، وعلى الخصوص في الجانب الإيماني والاخلاقي والعلمي ، وقد أشار الفقهاء إلى هذه المسألة المهمة ، يقول المحقق الحلي قدس سره : ( الكفاءة شرط في النكاح ، وهي التساوي في الإسلام ، وهل يشترط التساوي في الإيمان؟ فيه روايتان ، أظهرهما الاكتفاء بالإسلام ، وإن تأكّد استحباب الإيمان ، وهو في طرف الزوجة أتمّ ؛ لأنّ المرأة تأخذ من دين بعلها.. ) (2).

ثالثاً : نظافة القصد وسلامة النيّة :
    الإسلام يريد للعلاقة الزوجية أن تبتني على أسس معنوية سليمة ، فهو يريد لها نظافة القصد وطهارة الغاية وسلامة النية ، كونها علاقة تترتب عليها أهداف سامية تتمثل بإدامة التناسل وتنشئة الأجيال ، ومن هنا ورد عن الإمام علي بن الحسين عليه السلام أنّه قال : « من تزوّج لله عزَّ وجل ولصلة الرحم توّجه الله تاج الملوك » (3) وعليه فالقصد السليم يؤدي إلى التكريم من قبل الله تعالى ، فهو العالم بدخائل النفوس وخوالج القلوب ، وقد هددّ الذين يتخذون من رابطة الزواج المقدسة مادة للتفاخر والرياء ووسيلة لايقاع الأذى أو الحصول على المنافع والمطامع غير المشروعة ، قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم : « من نكح امرأة حلالاً بمال حلال غير أنّه أراد بها فخراً ورياء لم يزده الله عزَّوجلَّ بذلك إلاّ
____________
1) أخلاق أهل البيت عليهم السلام | السيد مهدي الصدر : 453 ـ 454 دار الكتاب الاسلامي.
2) شرائع الإسلام | المحقق الحلي 2 : 525 كتاب النكاح.
3) مكارم الأخلاق : 198.


( 40 )


ذلاًّ وهواناً وأقامه الله بقدر ما استمتع منها على شفير جهنم ثمَّ يهوي فيها سبعين خريفاً » (1).
    وعن الإمام الصادق عليه السلام قال : « إذا تزوّج الرجل المرأة لمالها أو جمالها لم يرزق ذلك فإن تزوّجها لدينها رزقه الله عزَّوجلَّ مالها وجمالها » (2).
    وهكذا يظهر لنا جلياً أنّ الإسلام يريد من الزواج الذي هو أحب بناء إلى الله تعالى أن يبتني على هدف نبيل وقصد سليم ، وعليه فهو يُكرم أصحاب القلوب السليمة ، ويُنذر ذوي النوايا السيئة بسوء العذاب.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الجالية الاسلامية والعربية في استراليا تحيي ...
الزواج والأسرة في الإسلام
ما هي أفضل أوقات قياس ضغط الدم؟
كيف تكونين امرأة ناجحة في العمل والبيت؟
الثورة الإسلامية ومواجهة الانحرافات الفكرية
هل من الصعب إيجاد صديق مخلص؟
هل يمكن أن نكون سعداء في حياتنا؟
من وحي (النهج) في علم الفلسفة
مواصفات جسمية وعقلية :
الرؤية الكونية (معرفة الله والإنسان) عند الإمام ...

 
user comment