المتقي من الرجال لا ينهمك الاّ على كسب الحلال لسد مصاريف عائلته ، فهو ملتزم بمراعاة حقوق جميع الذين يتعامل معهم في الكسب والاتجار ، وبعبارة اخرى فهو لا يتسبب في الحاق الي ضرر بالعباد خارج البيت ، ونتيجة لتزوده بالتقوى فهو لا يقترب من الحرام ولا يفرط بما يمتلكه من كنز القناعة والعفاف .
وحينما في من العمل ويعود إلى بيته يُلقي بجميع همومه واتعابه عند الباب ويدخل الدار . مفعماً بالنشاط والحيوية يعلوه الانشراح والسرور ويقابل زوجته بثغر باسم ويبادرها بالسلام والتقدير لما بذلته من جهود على مدار اليوم بتنظيف البيت ومداراة الاطفال ويوليها احترامه ويتعامل معها ومع الاطفال بلطف ومحبة ويبذل لها ولهم من الاحترام ما يتناسب وشأنهم .
ويعلِّم اهله بين الحين والآخر اصول الحلال والحرام والامر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحاسن الاعمال ومساوئها ولا يدعهم يغطون في غفلة عن اُمور دينهم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الكافي : 2/340 ، المحجة البيضاء : 5/140 .
ولا يستهلك وقته وحياته خارج البيت ، ولا يجعل ابتسامته وحيويته حكراً على اصدقائه ولا يفرط في ارتياد المساجد والمجالس الدينية ، فهو يدرك ببان الاسلام يحث على التزام الاعتدال في جميع الاُمور حتى في العبادات ونهى عن التقصير بحق العيال بذريعة التزاور مع الاصدقاء أو حضور المجالس .
وهنا يجدر بي ان اوصي اخوتي القائمين على المساجد والهيئات ان يختصروا اوقات المجالس فيها والاكتفاء بصلاة الجماعة وبعض الوقت لبيان الاحكام الشرعية والمعارف الاسلامية ودقائق لدكر اهل البيت ((عليهم السلام)) وهذا ما جرت عليه سيرة الرسول الاكرم ((صلى الله عليه وآله)) والأئمة الاطهار ((عليهم السلام)) فهم قد ربّوا العظماء من الرجال والنساء بقليل من الوقت وايجاز في البيان .
ان الاسفاف في التعبد لا سيما في المستحبات واطالة المجالس يقضي على نشاط المستمع ويؤدي تدريجياً إلى تنامي حالة التذمر في نفسه من الاُمور الدينية وهذا لا يخلّف سوى الخسارة بالنسبة للمساجد والهيئات وكذلك للناس لا سيما ذوي القابليات المحدودة .
على اية حال ، المتقي الآداب في جميع مرافق الحياة وبهذا فهو يساعد في ترسيخ بناء الاُسرة وكسب محبة الزوجة والاطفال .
اما الزوجة المتقية ، فهي تحافظ على عفتها وطهارتها وتبادر إلى انجاز الاعمال المنزلية بكل شغف و شوق ، وتمهد الارضية لازاحة ما يُثقل كاهل زوجها من متاعب اثناء عمله خارج المنزل ، وتداري أطفالها بأفضل نحو ، وتتعامل مع زوجها واطفالها وفقاً للاخلاق الاسلامية ولا تعقل عن عبادتها وتجعل من البيت روضة عامرة بالمحبة والصفاء والرأفة والحنان والحيوية والنشاط .
وهي تطيع زوجها مستندة في ذلك الى القواعد والاصول الالهية وتلبي رغباته المشروعة وتتجنب العصبية والغضب والتكبر وتتعامل مع أقارب زوجها برأفة وعطف واخلاق اسلامية ، وإذا ما عاد زوجها من العمل فهي تهب لاستقباله عند الباب ، وتودعه إذا غادر إلى محل عمله ، وتدعوه ان لا يُدخل شيئاً إلى بيته الاّ من حلال مؤكدة قناعتهم بما يهبهم الله من الحلال وان قلَّ ، وعدم لجوئهم إلى الحرام وان لا يتجاوز الزوج حدود ما انزل الله متذرعاً بالزوجة والاطفال وتكاليف الحياة فيلوث حياتهم بالحرام .
والمرأة التي تتحلّى بالتقوى تتجنب التقليد الاعمى ولا تدع زوجها يئن تحت وطأة الضيق والاحراج من اجل مماشاة اقاربه أو اقاربها في طريقة الحياة .
مثل هذا الزوج وهذه الزوجة هما ممن يرضى الله تعالى عنهم ، ويمثلون مصدر الخير ومثالاً بارزاً للانسان الرباني ، وفي ظلهما يُشيد البيت الذي يرتضيه الباري تعالى ، وفي رحابه يتربى مَنْ يرتضيه الحق جلّت قدرته من الذريّة .
على اية حال ، ينبغي على الزوجين الانسجام فيما بينهما وفقاً لما تقرره المعارف الالهية والسنن الاسلامية والاحكام الفقهية ، كما هو حال أولياء الله .
الكاسب المثالي
حدثني جدّي قائلاً : عندما كان السفر يتم بواسطة الحيوانات سافرت مع اصدقائي من خوانسار ـ وهي من ضواحي اصفهان ـ قاصداً زيارة الامام الرضا ((عليه السلام)) في مشهد ، وكنت مكلفاً بشراء ما نحتاجه من سلع ، وفي صباح أحد الايام ذهبت إلى أحد الحوانيت في مدينة دامغان للتبضع ، فدعاني صاحبه إلى الداخل واخذ يرحب بي لكوني زائراً ، وفي هذه الاثناء جاءه رجل ينوي الشراء وبكميات كبيرة فطلب منه صاحب المحل التوجه إلى المحل المقابل لشراء هذه المواد ، فذهب المشتري ، فسألت صاحب المحل عن سبب امتناعه عن البيع فلديه ما يفوق الحاجة ، فاجابني : رأيت صاحب ذلك المحل مغموماً اول الصبح فسألته عن السبب فاجابني انني مدينٌ واليوم موعد اداء الدين الاّ انني لم أبع شيئاً منذ الأمس ما يكفي لأداء الدين .
ولا قدرة لي ان أرى ما يكابده لذلك وجهت المشتري نحوه كي يتخلص من وطأة الدين إذ لابدّ للمؤمن ان يشعر بما يعانيه اخوه المؤمن .
نعم يجب أن نشعر فيما بيننا بما يعاني بعضنا البعض ، لا سيما الزوجين ، إذ ينبغي أن تشعر المرأة بما يعاني الرجل ويشعر الرجل بما تعاني المرأة كي يعمر المنزل بالآداب الالهية والانسانية وتخرج منه ذرية توشحها الكرامة والرشاد .
فيا ايها الاخوة الاعزاء ! عطّروا منازلكم بقراءة القرآن لا سيما اثناء وقت صلاة الصبح ، فاصواتكم الملكوتية عند قراءة القرآن تداعب افئدة اطفالكم واسماعهم وتحثهم نحو العبادة وتلاوة القرآن وتصنع منهم منبعاً للخير والتقوى والكرامة .
( يُرِيدُ اللهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النساء / 28