المشهد الاوّل، التسليم:
وهو أوّل مشاهد الولاء، ويكون ضمن ثلاث فقرات:
الاُولي: (السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله...
الثانية: (السلام عليك يابن محمّد المصطفي..
الثالثة: (السلام عليك يا ثار الله وابن ثاره).
والتسليم من عناصر الولاء، ويعني: ترك المشاكسة والمشاققةوالاختلاف واللجاج والعناد داخل النفس وعلي سطح السلوك.
وفي داخل النفس يعني: اءزالة عوامل البغضاء والكراهية والضغينةوالاختلاف في الرأي عن النفس، واءحلال المحبّة والمودّة والانسجامالنفسي محلّها، ويعني علي سطح السلوك: ترك المخالفة والمشاكسةواللجاج والعناد والشقاق، ومعني كلّ ذلك هو الطاعة والانقياد والتسليم.
اءلا انّ الطاعة هذه طاعة نابعة عن انسجام نفسي ومحبّة ومودّة،وليست طاعة نابعة عن الاءجبار والاءكراه.
وعلاقة الاُمّة بمحور الولاء علاقة التسليم، كما انّ علاقتها بأعداء هذاالمحور هي البراءة والحرب والبغضاء داخل النفس، وعلي سطح السلوكوهذه العلاقة - التسليم لمحور الولاية - تأتي في خاتمة الصلاة في السلام:(السلام عليك أيّها النبيّ ورحمة الله وبركاته) وأنّ حصيلة الصلاة للعبدوحصيلة هذا العروج الروحي اءلي الله تعالي، والذي يفتتحه العبد بالتكبير؛حصيلة هذا العروج اءلي الخالق الرحلة الروحية اءلي الله تعالي؛ وهي التسليموالطاعة والانقياد والمحبّة والمودّة لمحور الولاية.
و(السلام) لا يُشكّل فقط اساس العلاقة مع محور الولاية، واءنّمايشكّل ايضاً اساس العلاقة مع الاُمّة المسلمة الملتفة حول هذه الولاية.
وقد اعتبر الاءسلام (السلام) تحية بين المؤمنين، وجعل هذه التحيةالشاملة في خاتمة الصلاة (السلام علينا وعلي عباد الله الصالحين).
وهذا الاهتمام بنشر السلام بين أعضاء هذه الاُمّة جاء للتأكيد علينوع العلاقة القائمة بين افراد وأعضاء الاُمة المسلمة. وانّ هذه العلاقةقائمة علي اساس من ترك المشافعة والمخالفة والتصادم مع الاُمة المسلمةواءزالة البغضاء والضغائن والكراهية من النفوس، واءحلال المحبّة والمودّةفي النفوس، والانسجام والوفاق والتعاون والتناصر في السلوك.
المشهد الثاني، الشهادة:
والشهادة هي طرح الثقة والاءيمان بمحور الولاية، ولابدّ ان تنضمّهذه الثقة المطلقة اءلي جنب التسليم المطلق.
والشهادة تأتي ضمن ثلاث فقرات:
1 - الشهادة برسالة الحسين(ع) وقضيّته وعمله.
(أشهد أنك قد أقمت الصلاة وآتيت الزكاة، وأمرت بالمعروف،ونهيت عن المنكر، واطعت الله ورسوله حتّي أتاك اليقين).
و(اقمت الصلاة) هنا غير اداء الصلاة، فاءنّ اداء الصلاة تكليفشخصي وفريضة شخصية، واءقامة الصلاة رسالة وقضية في حياة الاءنسانالمؤمن.
اءنّ اءقامة الصلاة هي تثبيت الصلاة والارتباط بالله في حياة الناس،ودعوة البشرية لمقاطعة محاور الطاغوت، واءقامة الصلاة لله علي وجهالارض، واءقامة الصلاة اءعلان الصلاة واءعطاؤها دوراً فاعلاً ومؤثراً فيحياة الاءنسان، ثمّ (وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر) فلم يكنالحسين(ع) يبتغي في خروجه علي يزيد مُلكاً او سلطاناً او جاهاً، واءنّماكان يعمل لتثبيت دعائم المعروف وهدم اُسس المنكر، واءقامة محورالولاية لله، وهدم محور الطاغوت.
وقد خطب الحسين(ع) يوم عاشوراء فقال: «الا ترون اءلي الحق لا يُعملبه، واءلي الباطل لا يُتناهي عنه؟ ليرغب المؤمن في لقاء الله، واءنّي لا أري الموت اءلاّسعادة، والحياة مع الظالمين اءلاّ برما».
وفي منزل (البيضة) خطب الحسين(ع) في أصحاب الحُرّ فقال:(ياايّها الناس اءنّ رسول الله قال: مَن رأي سلطاناً جائراً، مستحلاّ لحرام الله، ناكثاً لعهدهمخالفاً لسنّة رسول الله، يعمل في عباد الله بالاءثم والعدوان فلم يُغيّر عليه بفعلولاقول، كان حقاً علي الله ان يُدخله مدخله.
الا واءنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمان،واظهروا الفساد وعطّلوا الحدود، واستأثروا بالفي، واحلّوا حرام اللهوحرّموا حلاله)
فلم يكن الحسين(ع) يطلب سلطاناً او مالاً وهو يري انّه يستقبلالموت في سفره هذا، واءنّما كان يري حاكماً جائراً، يُفسد في الارضويهلك الحرث والنسل، ويحلّل حرام الله، ويتجاوز حدود الله.
فنهض الحسين(ع) بالعصبة المؤمنة التي احتفت به في كربلاءلفضح الطاغية وكسره والتشهير به، وتوعية الرأي العام الاءسلامي المضلَّلبحقيقته واءفساده في الارض، وتسقيطه امامه وانتزاع الاُمّة من محورالطاغوت واءعادتها اءلي محور الولاية الاءلهية.
2 - الشهادة بالطهر والنزاهة للحسين(ع)، النزاهة من كلّ اءثم وذنب،والعصمة من كلّ خطأ وزلل وعصيان، والشهادة بطهارة نفسهوسلوكه(ع)؛ تلك الطهارة التي اهّلتاهل هذا البيت الطاهر لاستلاممسؤولية الاءمامة والولاية من الله تعالي في عباده.
(اءنّما يُريد الله ليذهب عنكم الرجساهل البيت ويُطهّركم تطهيراً)
والشهادة بأنّ هذه النزاهة وهذا الطهر طهر موروث خلفاً عن سلف.وقد شاء الله تعالي ان يحتفظ بهذا الطهر في هذه السلالة الطيّبة عبر تأريخطويل من الحضارات الجاهلية التي سادت حياة الاءنسان، ورغم تلكالظلمات (الحضارات الجاهلية) فاءنّ الدور الاءلهي استمر في حياة الاءنسان،واستمر هذا الطهر رغم انجاس الجاهلية ودون ان يتلوث ويلبس شيئاً منمدلهمّات ثيابها.
وقد اصطفي الله تعالي هذه السلالة المباركة للاءمامة في حياة الاءنسانعبر العصور المختلفة.
(اءنّ الله اصطفي آدم ونوحاً وآل اءبراهيم وآل عمران علي العالمين ذُريّة بعضهامن بعض والله سميع عليم)
ولنقرأ هذه الفقرة من الشهادة في زيارة وارث:
«أشهد انّك كنت نوراً في الاصلاب الشامخة والارحام المطهرة، لم تنجّسكالجاهلية بأنجاسها، ولم تلبسك من مدلهمّات ثيابها».
ولا استطيع تجاوز هذه الفقرة دون ان أشير اءلي جمال التعبير في هذهالفقرة؛ فاءنّ الطهر في هذا البيت الطاهر حصيلة اللقاح بين اصلاب شامخةوارحام مطهرة. اصلاب شمخت وترفّعت عما يتساقط حوله الناس منمتاع الحياة الدنيا وزخرفها، وأرحام طهرت وسلمت من اوضار واوساخوأدناس الحضارات الجاهلية التي تناوبت علي حياة الاءنسان.
3 - الشهادة بموقع الحسين(ع) من حياة الاُمّة ومركزه القيادي الذيوضعه الله فيه، وما آتاه الله تعالي من الاءمامة والولاية علي المسلمينوالشهادة، وبموضعه في قيادة الاُمّة وهدايتها، وصلته بالله تعالي،وموضوع ذريته الطاهرة أيضاً في قيادة الاُمّة واءمامتها وهدايتها اءلي اللهتعالي.
«أشهد انّك من دعائم الدين وأركان المؤمنين، وأشهد انّك الاءمام البرّ التقي،الرضي، الزكي، الهادي المهدي، واشهد انّ الائمة من ولدك كلمة التقوي، واعلامالهدي والعروة الوثقي والحجّة علياهل الدنيا»
المشهد الثالث، الموقف:
وهو مرحلة التعبير عن الولاء بعد (التسليم) و(الشهادة). والموقفهنا في (الاءيمان والرأي) وفي (العمل). فالموقف في (الاءيمان والرأي)يتجسّد بقول الزائر (اءنّي بكم مؤمن وباءيابكم موقن بشرائع ديني وخواتيمعملي وقلبي لقلبكم سلم)
والموقف في (العمل) هو قوله:
(وامري لامركم متّبع)
أي انّه يقول: انّي مؤمن بولايتكم واءمامتكم وقيادتكم.
وأصدق دليل علي الصدق في هذه الدعوة: اءنّني اُسلمكم شرائع دينيوخواتيم عملي؛ فليس بشيء أعزّ علي الاءنسان من شرائع دينه الذييدين به لله تعالي وخواتيم عمله الذي يختم به حياته، حيث لايمكن انيتلافي منه شيئاً، فاءنّ في الاءمكان تلافي ما أفرط الاءنسان من بداياتأعماله وأواسطها بالتوبة ومراجعة النفس وتصحيح العمل. اما خواتيمالعمل فهي التي تقود الاءنسان اءلي عاقبة، وهي التي تقرّر عاقبة الاءنسانومصيره.
وليس من شيء أدلّ علي الثقة بهم:، والصدق في الولاء لهم منأن يأخذ الاءنسان منهم: شرائع دينه وخواتيم عمله.
ثم هذا التسليم المطلق: هو اسمي معاني (السلم) لانّه تسليم لا يشوبهشقاق، ولا يعكّره ريب في اعماق النفوس: تسليم القلب للقلب (وقلبيلقلبكم سلم)، فهو انسجام القلوب وتلاقي القلوب وتفاهم القلوب، واماالموقف في (العمل) فيتجسّد في : «وامري لامركم متبع» ويمثّل ذلكالتبعيّة المطلقة والانقياد التام وهو يعود اءلي التسليم لامر الله تعالي.والموقف هنا اءيمان مطلق وتسليم مطلق وثقة مطلقة في النفس،ويستتبعه الالتزام الكامل والتبعيّة الكاملة في مقام العمل.
وورد أيضاً في زيارة الحسين(ع) الخاصّة في يوم عرفة:
«انا سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم وعدوّ لمن عاداكم، ووليّ لمنوالاكم اءلي يوم القيامة».
وفي زيارة الاربعين الخاصّة:
(اشهد انّي بكم مؤمن وباءيّابكم موقن بشرائع ديني وخواتيم عملي، وقلبيلقلبكم سلم وأمري لامركم متّبع، ونصرتي لكم معدّة، حتّي يأذن الله؛ فمعكم معكم لامع عدوّكم، صلوات الله عليكم وعلي ارواحكم واجسادكم وشاهدكم وغائبكم)
فالزائر يقول هذا بأنّ النصرة معدّة وجاهزة، انتظر فيها اءذن الله تعالي،ولست أبخل بنصرتي عنكم وعن نُصرة أوليائكم.
ثم بعد ذلك يأتي هذا النشيد الولائي الرائع وهذه النغمة الاءيمانيةالعذبة.
(فمعكم، معكم لا مع عدوّكم)
ليؤكّد الولاء من خلال تكرار المعيّة (فمعكم، معكم) ومن خلالالاءيجاب والسلب والولاء والبراءة (لا مع عدوّكم).
وفي زيارة أول رجب المخصوصة ترد هذه التلبية الولائية لداعيالله، الذي وقف يوم عاشوراء في كربلاء، يدعو البشرية اءلي العودة اءلي اللهوتحطيم الطاغوت وكسر كبريائه وجبروته، والعودة اءلي عبودية الله.
«لبيّك يا داعي الله، اءن كان لم يجبك بدني عند استغاثتك ولساني عنداستنصارك، فقد اجابك قلبي».
واءنّ أفضل التلبية هي تلبية القلب، فاءذا فاتتنا تلبية داعي الله بأبداننافي كربلاء، فاءن قلوبنا التي عمّرها الله تعالي بولائه وولاء اوليائه لا تنفكعن تلبيته، والاءستجابة لدعوته في مقارعة الظالمين وكسر شوكتهموسلطانهم، وتعبيد الناس لله، وتحكيم شريعة الله تعالي وحدوده في حياةالاءنسان، وانتزاع الاءنسان من محور الطاغوت اءلي محور الولاء لله تعالي.