هل المجوس من أهل الكتاب أو لا؟
ظاهر الكتاب العزيز أنّهم منهم، قال سبحانه:(إِنَّ الّذينَ آمَنُوا وَ الّذينَ هادُوا وَ الصّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالَْمجُوسَ وَ الّذينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللّهَ عَلى كُلِّ شَيء شَهيد) .(979)
فقد جعل المجوس في مقابل :(والذين أشركوا) وهذا دليل على أنّهم ليسوا منهم، ومن المعلوم أنّ الكافر بين مشرك وكتابي ولا ثاني له إلاّ نادراً وهم الذين قالوا:(ما هِيَ إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَ نَحْيا وَ ما يُهْلِكُنا إِلاّ الدَّهْر)(980)، غير المعتقدين بشيء من العوالم الغيبية وكانوا بالنسبة إلى الطائفتين، قليلين جدّاً، ولأجل ذلك لم يعتدّ القرآن بهم.
وتؤيّده روايات وإن كانت غير نقية السند ولكنّها لكثرتها تصلح للتأييد، وقد جمعها الشيخ الحرّ العاملي في كتاب الجهاد،(981) نذكر بعضها:
1. مرسلة أبي يحيى الواسطي ، عن بعض أصحابنا قال: سئل أبو عبد اللّه (عليه السلام)عن المجوس أكان لهم نبي؟ فقال:« نعم، أما بلغك كتاب رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم)إلى أهل مكة: أسلموا وإلاّ نابذتكم بحرب، فكتبوا إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)أن خذ منّا الجزية ودعنا على عبادة الأوثان ،فكتب إليهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): إنّي لست آخذ الجزية إلاّ من أهل الكتاب، فكتبوا إليه يريدون بذلك تكذيبه: زعمت أنّك لاتأخذ الجزية إلاّ من أهل الكتاب ثمّ أخذت الجزية من مجوس هجر، فكتب إليهم رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم): أنّ المجوس كان لهم نبيّ فقتلوه وكتاب أحرقوه أتاهم نبيّهم بكتابهم في اثني عشر ألف جلد ثور».(982)
ومثله رواية أُخرى وفي ذيلها «كان يقال جاماست».(983)
2. روى الصدوق بسند غير نقي، عن الأصبغ بن نباتة، أنّ علياً (عليه السلام)قال على المنبر:«سلوني قبل أن تفقدوني» فقام إليه الأشعث فقال: يا أمير المؤمنين كيف تؤخذ الجزية من المجوس ولم ينزّل عليهم كتاب، ولم يبعث إليهم نبيّ؟فقال: «يا أشعث قد أنزل اللّه عليهم كتاباً وبعث إليهم نبيّاً».(984)
3. روى الفريقان عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)قال: «سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب».(985)
4. روي في المستدرك ، عن أمير المؤمنين (عليه السلام): المجوس أهل الكتاب إلاّ أنّه اندرس أمرهم ـ وذكر قصّتهم ـ فقال: «تؤخذ الجزية منهم».(986)
5. روى العياشي مرسلاً عن أبي عبد اللّه (عليه السلام)أنّه قال: «قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : «سنّوا إلى المجوس سنة أهل الكتاب في الجزية».(987)
والسابر في أبواب الأحاديث يجد روايات غير ما ذكرنا، دالّة على أنّهم أهل الكتاب، أو يعاملون معاملة أهل الكتاب وتؤخذ منهم الجزية، نعم ورد في مناظرة الإمام الصادق (عليه السلام)مع عمرو بن عبيد عندما دعاه عمرو إلى بيعة محمّد بن عبد اللّه بن الحسن المعروف بالنفس الزكية، أنّ الإمام قال له: «أكان عندكم وعند صاحبكم من العلم ماتسيرون فيه بسيرة رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم)في المشركين في حروبه؟» قال: نعم، قال: «فتصنع ماذا؟» قال: ندعوهم إلى الإسلام فإن أبوا دعوناهم إلى الجزية، قال: «إن كانوا مجوساً ليسوا بأهل الكتاب؟» قال: سواء.(988) ولكنّه محمول على أنّهم ليسوا مثل اليهود والنصارى المحافظين على كتابهم ولو بشكل محرّف، لما عرفت من حديث الافتقاد.
والآية وهذه الروايات كافية في إثبات الصغرى، إنّما الكلام في الكبرى الكلّية وأنّه يجوز تزويج الكتابية مطلقاً، من غير فرق بين اليهودية والنصرانية وغيرهما.
هل يجوز تزويج المجوسية؟
أقول: يمكن الاستدلال على الجواز بعمومية الكبرى، بقوله سبحانه: (وَالمُحْصَناتُ مِنَ الّذينَ أُوتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُم) ،(989) فإنّ الموضوع
هو: «من أُوتي الكتاب » قبل الإسلام وقد دلّت الروايات على أنّهم
منهم.
ولقائل أن يقول بانصراف الآية إلى اليهود والنصارى، لأنّهما القدر المتيقن في مقام التخاطب ولم تكن العرب تعرف المجوس بأنّهم ممّن أُوتي الكتاب.
وما دلّ من الروايات على أنّهم من أهل الكتاب ناظر إلى المعاملة معهم معاملة أهل الكتاب في الجزية و حسب ما يرويه المفيد في المقنعة عن أمير المؤمنين (عليه السلام)أنّه قال: «المجوس إنّما أُلحقوا باليهود والنصارى في الجزية والديّات، لأنّه قد كان لهم فيما مضى كتاب».(990)
وقد تعامل معهم النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)معاملة أهل الكتاب في أخذ الجزية كما يظهر من رواية الواسطي على ما مرّ وعلى ذلك لا يظهر ممّا مرّ جواز نكاح المجوسية، بل غاية الأمر المعاملة معهم معاملة أهل الكتاب في جواز ضرب الجزية عليهم.
ولكن للتأمّل في منع التزويج مجال، لأنّ جهل المخاطب بفردية شيء للعام لايضرّ، بعموم العام وإن كان يضرّ بإطلاق المطلق على ما يقولون ، على أنّ العبرة، بعمومية التعليل الوارد في رواية المقنعة حيث علّل ثبوت الجزية والديات بأنّه قد كان لهم فيما مضى كتاب.
أضف إليه: أنّ الموضوع فيما مضى من الروايات لجواز النكاح هو الذمية، لصحيح هشام بن سالم(991) وخبر منصور بن حازم(992) من أهل الذمة، وهم ـ لأجل ضرب الجزية عليهم ـ منهم.
ويؤيّد ذلك، ما ورد في خبر حفص بن غياث، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام)قال: «سأل رجل أبي عن حروب أمير المؤمنين (عليه السلام)وكان السائل من محبّينا فقال له أبو جعفر (عليه السلام): «بعث اللّه محمّداً (صلى الله عليه وآله وسلم)بخمسة أسياف ـ إلى أن قال:ـ والسيف الثاني على أهل الذمة...وإذا قبلوا الجزية على أنفسهم حرم علينا سبيهم وحرمت أموالهم وحلّت لنا مناكحتهم».(993)
والمجوس ينطبق اليوم على الزرادشتية وكتابهم المقدس «أوستا» ولكن تاريخ نبيّهم المعروف بـ «زردشت» غير واضح، وقد افتقدوا الكتاب باستيلاء اسكندر على إيران ثمّ أُعيدت كتابته في زمن ملوك ساسان، والظاهر أنّهم يعتقدون بوحدانية اللّه سبحانه ويسمّونه «أهورا مزدا» ويسندون تدبير العالم إلى مبدأين مخلوقين للّه سبحانه وهما يزدان وأهريمن، أو النور والظلمة، ويقدّسون الملائكة ويعبدونها من دون أن يتّخذوا لهم أصناماً كالوثنية، ويقدّسون من العناصر البسيطة النار وكانت لهم بيوت نيران، بإيران والهند والصين.(994)
ولعلّ افتقادهم لكتابهم، وعبادتهم عباد اللّه (الملائكة) وتقديسهم النار، صار سبباً لابتعادهم عن أهل الكتاب الموحدين واقترابهم من الوثنية حتى سنَّ فيهم سنّة أهل الكتاب. هذا كلّه من حيث القواعد.
حجّة القائلين بمنع تزويج المجوسية ونقدها
وأمّا الروايات الخاصة: فهي على قسمين:
1. ما يدلّ على المنع مطلقاً:
1. صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام)قال: سألته عن الرجل المسلم يتزوّج المجوسية ؟ فقال: «لا ، ولكن إذا كانت له أمة مجوسية فلابأس أن يطأها ويعزل عنها ولايطلب ولدها».(995)
2. مضمرة إسماعيل بن سعد الأشعري، قال: سألته عن الرجل يتمتع من اليهودية والنصرانية؟ قال: «لا أرى بذلك بأساً» قال: قلت: فالمجوسية؟ قال:« أمّا المجوسية ، فلا».(996)
2. ما يدلّ على التفصيل بين النكاح دواماً ومتعة
فلا يجوز إلاّ في الثاني والكلّ ضعاف:
1ـ خبر محمّد بن سنان عن الرضا (عليه السلام)، قال: سألته عن نكاح
اليهودية والنصرانية؟ فقال:« لابأس» فقلت: فمجوسية؟فقال: «لابأس به»
يعني متعة.(997) والذيل من فهم الراوي.
2ـ خبر منصور الصيقل، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام)قال: «لابأس بالرجل أن يتمتع بالمجوسية».(998)
3ـ مرسل حمّاد بن عيسى، مثله.(999)
وربّما يجمع بينهما بتخصيص القسم الأوّل بالثاني، ولكنّه لايتمّ في مضمرة الأشعري، لورود التصريح فيها بالمنع عن المتعة.
والأولى حمل الناهية على الكراهة الشديدة في الدائمة وترتفع الشدّة في المتعة، وذلك لتقديم نصّ الكتاب في جواز نكاح المحصنات من أهل الكتاب، واللّه العالم.
2. جواز نكاح الصابئة
اختلفت كلمات الفقهاء في تفسير الصابئة وقد وردت في الذكر الحكيم في آيات ثلاث، أعني: قوله سبحانه:(إِنَّ الّذينَ آمَنُوا وَ الّذينَ هادُوا وَ النَّصارى والصّابِئينَ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الآخِر) .(1000) وقد نقل صاحب الجواهر أقوالهم وكان الأولى المراجعة إلى نفس الصابئين القاطنين في العراق والأهواز ولقد التقيت بعض مشايخهم فاعترف بأنّهم من أُمّة النبيّ يحيى الذي وصفه سبحانه بقوله:(يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّة وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً).(1001)
أضف إلى ذلك أنّ الآية تجعلهم في مقابل (الّذينَ أشْرَكُوا)وهو دليل على مغايرتهم مع المشركين، وبما أنّ الطوائف الواردة في القرآن لاتتجاوز المشرك والكتابي والدهري ، وبما أنّهم ليسوا مشركين ولا دهريين فمقتضى الحصر أنّهم من أهل الكتاب، وشهد القرآن على كون يحيى ذا كتاب، ولعلّ رميهم بالتنصّر فلأجل قرب عهد النبيين يحيى والمسيح(عليهما السلام) .
ثمّ إنّ انحصار أهل الكتاب في الأربعة: النصراني، واليهودي ، والمجوسي، والصابئي مع كثرة الكتب وتجاوزها عن مائة، لأجل كون كتب أصحاب الشرائع ، تشمل التشريع و الأحكام و الفرائض والمحرّمات، وأمّا كتب غير هؤلاء لم تكن كتب شريعة وحكم، وإنّما كانت كتب قصص وحكايات ومواعظ ونصائح.
3. ارتداد أحد الزوجين أو كليهما
إذا ارتدّ أحد الزوجين أو كلاهما فإمّا أن يكون المرتدّ هو الزوج أو الزوجة، أو كلاهما.
وعلى جميع التقادير فإمّا أن يكون ارتداد كلّ عن ملّة، أو عن فطرة. وعلى جميع الفروض إمّا أن يكون الارتداد قبل الدخول، أو بعده.
ويقع الكلام في موضعين:
أحدهما: بقاء علقة النكاح أو انفساخها.
ثانيهما: استحقاقها للمهر كلاًّ، أو بعضاً.
الموضع الأوّل: في بقاء علقة النكاح أو انفساخها
المشهور عند الفقهاء هو التفصيل الآتي:
1. إذا ارتدّ أحد الزوجين عن الإسلام قبل الدخول انفسخ العقد بينهما في الحال، سواء كان الارتداد عن ملّة أو فطرة ، وسواء كان المرتد هو الزوج أو الزوجة. وسيوافيك ما هو المختار من التفريق بين ارتداد الزوج أو الزوجة.
2. إذا ارتدّ أحد الزوجين بعد الدخول وكانت الزوجة هي المرتدّة، وقف انفساخ العقد على انقضاء العدّة وهي عندهم عدّة الطلاق، فإن انقضت العدّة ولم ترجع إلى الإسلام فقد بانت وإلاّ فهو أملك بزوجته من غير فرق بين كون ارتدادها عن فطرة أو ملّة. و سيوافيك أنّ الحقّ عدم الانفساخ.
3. إن كان الزوج هو المرتدّ بعد الدخول، فإن كان عن ملّة، يكون حكمه حكمَ الصورة الثانية، من توقف الفسخ على انقضاء العدّة مقدار عدّة الطلاق فإن عاد قبل انقضاء عدّتها فهو أملك بها وإلاّ فقد بانت منه.
4. وإن كان ارتداده عن فطرة فهي تبين منه في الحال وتعتدّ عدّة الوفاة لوجوب قتله وعدم قبول توبته بالنسبة إلى الأحكام الدنيوية من بينونة زوجته، وقسمة أمواله ووجوب قتله، وإن قبلت فيما بينه وبين اللّه.
والمهمّ هو الاستدلال على الأحكام الأربعة عن طريق السنّة، وإليك ما يدلّ منها عليها:
1. صحيحة محمّد بن مسلم، قال:سألت أبا جعفر (عليه السلام)عن المرتد؟ فقال: «من رغب عن الإسلام وكفر بما أُنزل على محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)بعد إسلامه فقد وجب قتله، وبانت منه امرأته، ويقسّم ما ترك على ولده».(1002)
وهي منصرفة إلى الصورة الرابعة.
2. موثق عمّار قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام)يقول: «كلّ مسلم بين مسلمين ارتدّ عن الإسلام وجحد محمّداً(صلى الله عليه وآله وسلم)نبوّته وكذّبه، فإنّ دمه مباح لمن سمع ذلك منه، وامرأته بائنة منه يوم ارتدّ، و يقسم ماله على ورثته ، وتعتد امرأته عدّة المتوفّى عنها زوجها، وعلى الإمام أن يقتله ولايستتيبه».(1003)
والحديث راجع إلى الصورة الرابعة بقرينة قوله (عليه السلام):«كلّ مسلم بين مسلمين» وقوله (عليه السلام): «على الإمام أن يقتله ولايستتيبه» والمراد من الورثة هو الأولاد حتى ولو أُريد منه الأعم، فالظاهر كون المرأة مدخول بها إذ ليست مسألة الدخول من الأُمور التي يغفل عنها الراوي عن ذكره في باب النكاح.
3. خبر مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد اللّه (عليه السلام)قال: «قال أمير المؤمنين (عليه السلام): المرتدّ عن الإسلام تعزل عنه امرأته ولاتؤكل ذبيحته ويستتاب ثلاثة أيّام، فإن تاب، وإلاّ قتل يوم الرابع».(1004)
والحديث وارد في المرتدّ الملّي، بقرينة قوله: «فإن تاب(لم يقتل)» فإن حمل على غير المدخولة، يكون دليلاً على حكم الصورة الأُولى، في مورد الرجل فقط حيث قال:«تعزل عنه امرأته» وإن أخذ بإطلاقه (دخل أو لا) أو حمل على المدخولة كما هو الظاهر، إذ لو كانت غير مدخولة لنبّه عليه الراوي، إذ ليست مسألة الدخول وعدمه من الخصوصيات المغفول عنها، يكون مخالفاً للحكم المذكور للصورة الثالثة من توقف الفسخ على انقضاء العدّة.
4. حسنة أبي بكر الحضرمي، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام)قال: «إذا ارتدّ الرجل المسلم عن الإسلام بانت منه امرأته كما تبين المطلّقة ثلاثة، وتعتدّ منه كما تعتدّ المطلّقة، فإن رجع إلى الإسلام وتاب قبل أن تتزوّج فهو خاطب ولا عدّة عليها منه وإنّما عليها العدّة لغيره، فإن قتل أو مات قبل انقضاء العدّة اعتدت منه عدّة المتوفّى عنها زوجها،وهي ترثه في العدّة ولايرثها إن ماتت وهو مرتدّ عن الإسلام».(1005)
والحديث راجع إلى الصورة الثالثة بقرينة قبول إسلامه، ومورده المدخول بها بقرينة أنّه حكم عليها بالعدّة لغير الزوج وإن لم يكن له العدّة عليها، والظاهر الانفساخ حين الارتداد ـ على خلاف ما نقل عن المشهور ـ ، ولايتوقف على انقضاء عدّة الطلاق، غاية الأمر لو أسلم يتزوّج في العدّة لعدم العدّة له عليها.
إلى هنا، تبيّن أنّ الحديث الأوّل والثاني راجعان إلى الصورة الرابعة، والثالث والرابع راجعان إلى الثالثة، غير أنّ الأخيرتين تخالفان حكم المشهور، من توقف الفسخ على انقضاء العدّة. بل ظاهرهما الانفساخ بالارتداد.
وأمّا الصورة الأُولى والثانية فلم يرد فيهما نصّ فلابدّ من الرجوع إلى القواعد، ففي الصورة الأُولى، لو ارتدت الزوجة فلا وجه لبطلان العقد، لأنّ إسلام الزوج لا يزيده إلاّ عزّاً، فلا وجه لانفساخ عقده معها بحجّة ارتداد زوجته، أعني: بقاء الزوج على الإسلام. نعم لو ارتدّ الزوج فالقول بالفسخ هو الأوفق بالقواعد.
وبهذا يظهر حكم الصورة الثانية ، أعني: ارتداد الزوجة المدخول بها ، فلاوجه للانفساخ، وإن كانت محكومة بالحبس والضرب.
4. في إسلام أحد الزوجين
وللمسألة شقوق ثلاثة:
1. إذا أسلم زوج الكتابية، فالمشهور أنّه على نكاحه، سواء كان قبل الدخول أو بعده.
2. لو أسلمت زوجته الكتابيّة قبل الدخول، فالمشهور أنّه ينفسخ العقد.
3. لو أسلمت بعد الدخول، فالمعروف أنّه وقف الفسخ على انقضاء العدّة.
وإليك البحث عن الصور:
أمّا الصورة الأُولى: وهي إذا أسلم زوج الكتابية، فالحكم ببقاء العلقة هو الموافق للقاعدة خصوصاً على القول بجواز نكاح الكتابية ابتداءً، فكيف الاستدامة، وأمّا على القول بعدم جوازه فينحصر عدم الجواز على الابتداء دون الإدامة، وقد حكي الاتّفاق على حكم المسألة.
ويمكن الاستدلال بقوله سبحانه: (وَالُمحْصَناتُ مِنَ الّذينَ أُوتُوا الكِتابَ مِنْ قَبْلِكُم) . وهو يعمّ الابتداء والإدامة، ولو سلّمنا باختصاصها بالزواج الابتدائي يثبت حكم الاستدامة بطريق أولى.
وأمّا ما ورد من الروايات، فالكلّ لا يخلو عن علّة:
1. خبر يونس، قال: الذي تكون عنده المرأة الذمية فتسلم امرأته، قال: «هي امرأته يكون عندها بالنهار ولايكون عندها بالليل، قال: فإن أسلم الرجل ولم تسلم المرأة يكون الرجل عندها بالليل والنهار».(1006)
والعبرة في الاستدلال بالذيل، وهو بإطلاقه يدلّ على بقاء العلقة مطلقاً سواء كان قبل الدخول أو بعده.
ولكن الصدر معرض عنه ولم يعمل به إلاّ الشيخ في كتبه الروائية لا الفتوائية، بل أفتى فيها بخلافه.
2. ما رواه إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن بعض أصحابه، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال:« إنّ أهل الكتاب وجميع من له الذمة إذا أسلم أحد الزوجين فهما على نكاحهما، وليس له أن يخرجها من دار الإسلام إلى غيرها ولا يبيت معها ولكنّه يأتيها بالنهار. وأمّا المشركون مثل مشركي العرب وغيرهم فهم على نكاحهم إلى انقضاء العدّة. فإن أسلمت المرأة ثمّ أسلم الرجل قبل انقضاء عدّتها فهي امرأته. وإن لم يسلم إلاّ بعد انقضاء العدّة فقد بانت منه ولا سبيل له عليها».(1007)
ومحل الاستدلال هو الفقرة الأُولى وهو إطلاق قوله:«إذا أسلم أحد الزوجين فهما على نكاحهما» وأمّا قوله:«وليس له أن يخرجها» فهو راجع إلى أحد الشقين وهو إسلام الزوجة دون الزوج، فلم يعمل به المشهور، أمّا قبل الدخول فحكموا بالفسخ ، وأمّا بعده فقالوا ببقاء العلقة إلى انقضاء العدّة، وأمّا الفقرة الثالثة، فالظاهر أنّها راجعة إلى المشرك ومن شقوق الفقرة الثانية، فلاحظ.
3. صحيح ابن سنان في حديث: سألته: عن رجل هاجر وترك امرأته مع المشركين ثمّ لحقت به بعد ذلك، أيمسكها بالنكاح الأوّل، أو تنقطع عصمتها؟ قال: «بل يمسكها وهي امرأته».(1008)
فالرواية واردة في المشرك، والاستدلال بها يتوقف على ادّعاء الولاية.
4. خبر منصور بن حازم، قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام)عن رجل مجوسي كانت تحته امرأة على دينه فأسلم أو أسلمت؟ قال: «ينتظر بذلك انقضاء عدّتها فإن هو أسلم أو أسلمت قبل أن تنقضي عدّتها فهما على نكاحهما الأوّل، وإن هي لم تسلم حتى تنقضي العدّة فقد بانت منه».(1009)
وهي على خلاف ما ذهب إليه المشهور، فانّه يعلّق بقاء العلقة فيما إذا أسلم الزوج على إسلام الزوجة قبل انقضاء العدّة.
ولأجل ذلك قلنا: إنّ الروايات لاتخلو عن علّة مع أنّ الأخيرة خبر غير مصحَّح لأنّ محمّد بن خالد الطيالسي لم يوثق.
والحقّ هو الاستدلال بالآية والاتّفاق.
وأمّا الصورة الثانية: أعني إسلام الزوجة قبل الدخول، فيحكم بانفساخ العقد، والدليل عليه ، مضافاً إلى نفي السبيل: صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي الحسن (عليه السلام)في نصراني تزوّج نصرانية فأسلمت قبل أن يدخل بها؟ قال: «قد انقطعت عصمتها منه ولا مهر لها ولا عدّة عليها منه».(1010)
ولعلّ عدم المهر لأجل كون الفسخ جاء من قبلها.
وموثقة السكوني، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام)قال: «قال أمير المؤمنين (عليه السلام)في مجوسية أسلمت قبل أن يدخل بها زوجها، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام)لزوجها: أسلم فأبى زوجها أن يسلم، فقضى لها عليه نصف الصداق وقال: لم يزدها الإسلام إلاّ عزّاً».(1011)
ولعلّ الحكم بالنصف قضية في واقعة من قضايا الإمام (عليه السلام)، لأنّ التنصيف في الطلاق لا الفسخ.
وأمّا الصورة الثالثة: أعني إذا أسلمت بعد الدخول، فالمشهور أنّه ينتظر إلى انقضاء العدّة فإن أسلم فيها فهي امرأته وإلاّ بانت منه بإسلامها.
واستدل عليه مضافاً إلى نفي السبيل، ببعض الروايات، بما يلي:
1. خبر منصور بن حازم قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام)عن مجوسيّ كانت تحته امرأة على دينه فأسلم أو أسلمت؟ قال: «ينتظر بذلك انقضاء عدّتها فإن هو أسلم أو أسلمت قبل أن تنقضي عدّتها فهما على نكاحهما الأوّل، وإن هي لم تسلم حتّى تنقضي العدّة فقد بانت منه»(1012) وصدر الحديث وإن كان يعرب عن شمول الحكم للرجل والمرأة، لكن الذيل يخصّه بالثانية وأنّ الرجل إذا لم يسلم قبل العدّة فقد بانت منه، بخلاف ما إذا أسلم الرجل ولم تسلم المرأة فالنكاح باق مطلقاً، دخل أم لم يدخل، أسلمت قبل العدّة(المفروضة) أو لا.
وفي سند الخبر محمّد بن خالد الطيالسي وهو بعد لم يوثق وبذلك يشكل الاحتجاج به.
2. موثقة السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) : «إنّ امرأة مجوسية أسلمت قبل زوجها فقال علي (عليه السلام): لايفرق بينهما، ثمّ قال: إن أسلمت قبل انقضاء عدّتها فهي امرأتك وإن انقضت عدّتها قبل أن تسلم ثمّ أسلمت فأنت خاطب من الخطّاب».(1013)
ومورد الرواية المجوسية وطبع الحال يقتضي أن يكون الزوج مجوسياً، وهل يمكن إلغاء الخصوصية (في المفارقة بعد العدة) فيما إذا كانا نصرانيين أو يهوديين وأسلمت زوجته دون زوجها؟ وجهان: أقواهما العدم، لأنّ ثبوت الحكم في الأقوى، لايكون دليلاً على ثبوته في الأضعف والشرك أقوى في المجوس من النصراني. أضف إلى ذلك: أنّ خبر محمّد بن مسلم، يخصّ الحكم، بالمشركة إذا أسلمت، دون الكتابية(1014) ولأجل ذلك، يشكل الإفتاء بالمفارقة بعد انقضاء العدّة وإن كان عليه الأكثر.
قول آخر في المسألة للشيخ
اختار الشيخ في النهاية قولاً آخر، وهو إذا أسلمت زوجة الذمي ولم يسلم الرجل وكان الرجل على شرائط الذمة فإنّه يملك عقدها إلاّ أنّه لا يُمكَّن من الدخول إليها ليلاً ولا في الخلوة بها ولا من إخراجها من دار الهجرة إلى دار الحرب.(1015)
ويدلّ على ذلك خبر محمّد بن مسلم الماضي، ومرسل جميل بن درّاج عن بعض أصحابنا عن أحدهما (عليهما السلام)أنّه قال في اليهودي والنصراني والمجوسي إذا أسلمت امرأته ولم يسلم، قال: «هما على نكاحهما ولايفرق بينهما ولا يترك أن يخرج بها من دار الإسلام إلى الهجرة».(1016)
وعلى كلّ تقدير، فقد رجع عنه الشيخ، والخبران غير حائزين لشرائط الحجّية خصوصاً مرسل جميل، ففيه وراء الإرسال ضعف آخر لأجل علي بن حديد في سنده وإن كان فتوى الأكثر لا تخلو عن إشكال أيضاً.
إذا كانت الزوجة أو الزوج غير كتابيين وأسلم أحدهما
قد عرفت أنّ إسلام الزوج الكتابي لايؤثّر شيئاً سواء كان قبل الدخول أم بعده، وإنّما المؤثّر إسلام الزوجة الكتابية فلو كان قبل الدخول ينفسخ، وإلاّ يستمهل إلى انقضاء العدّة، هذا في الكتابية.
وأمّا غيرها فقد نقل الاتّفاق على أمرين:
لو أسلم أحدهما قبل الدخول ينفسخ فوراً. ولو أسلم بعده، وقف على انقضاء العدّة، فلو أسلم الآخر يبقى النكاح بحاله وإلاّ ينفسخ.
فعندئذ يقع الكلام ما هو الفارق بين الكتابي وغيره من الكفّار ؟ فنقول: إنّ نكاح الكتابية جائز ابتداء واستدامة إلاّ إذا كان هناك مانع فلأجله لو أسلم الزوج يبقى العقد بحاله، بخلاف الزوجة فلو أسلمت قبل الدخول ينفسخ لأجل عدم لزوم السبيل، وأمّا بعده فيستمهل إلى انقضاء العدّة.
وأمّا المقام، فبما أنّه لا يجوز تزويج المسلم المشركة ولا العكس فتنحصر الصحّة بصورة كون الزوجين مشركين بحكم أنّ لكلّ قوم نكاحاً، وبعد الإسلام لايجوز الدوام عليه فينفسخ فوراً قبل الدخول، وأمّا بعده فيمهل إلى انقضاء العدّة عطفاً من الإسلام لئلا ينحلّ عقد الزواج الذي ربما أنجب أولاداً.
وهذا هو الفارق بين المسألتين حسب الأُصول الكلّية، وإليك دليل الصورتين:
1. إذا أسلم أحد الزوجين قبل الدخول ينفسخ العقد لعدم تجويز زواج غير الكتابيّ، لقوله سبحانه ابتداءً واستدامة:(وَ لاتُمسِكُوا بِعِصَمِ الكَوافِرِ)ويدلّ عليه بالأولوية حكم ما لو أسلمت الكتابية دون زوجها قبل الدخول فقد سبق أنّ النكاح ينفسخ، وهذه الصورة لا غبار عليها.
2. إذا أسلم بعد الدخول فيمكن الاستدلال عليه بما يلي من
الخبرين:
خبر منصور بن حازم قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل مجوسي كانت تحته امرأة على دينه فأسلم أو أسلمت؟ قال: «ينتظر بذلك انقضاء عدّتها فإن هو أسلم، أو أسلمت قبل أن تنقضي عدّتها فهما على نكاحهما الأوّل، وإن هي لم تسلم، حتّى تنقضي العدّة فقد بانت منه» وإذا ثبت الحكم في المجوسي يثبت الحكم في المشرك بطريق أولى، خصوصاً إذا اعتمدنا على نقل الكليني حيث رواه عن رجل مجوسي أو مشرك من أهل الكتاب....(1017)
ولأجل ذلك توقفنا في المسألة السابقة وقلنا: إنّ الحكم الثابت في حقّ المجوسى لايصح إسراؤه إلى أهل الكتاب وإن كان يصحّ الإسراء إلى المشرك.
ومثله: خبر محمّد بن مسلم...(1018) انّ صدره وإن كان غير معمول به لكن الذيل يوافق ما ذهب إليه المشهور.
5. انتقال زوجة الذمي إلى دين آخر
قال المحقّق: ولو انتقلت زوجة الذمي إلى غير دينها من ملل الكفر، وقع الفسخ في الحال ولو عادت إلى دينها، وهو بناء على أنّه لايقبل منها إلاّ الإسلام.
وظاهره الحكم بالانفساخ، سواء كان الدين المنتقل إليه ممّا يُقَرُّ عليه أهله كاليهودية والنصرانية والمجوسية على القول به فيها، أو لا كالوثنية والإلحاد.
وفصّل الشيخ بين الدين الذي لايقرّ عليه أهله ، فلايقبل منها إلاّ الإسلام، أو الدين الذي خرجت منه، والدين الذي يقرّ عليه أهله مثل إن انتقلت إلى يهودية أو نصرانية إن كانت مجوسية، أو كانت وثنية فانتقلت إلى اليهودية أو النصرانية، فيقبل منها ثمّ ذكر أقوال الشافعي في المسألتين.(1019)
واستُدِلَّ لقول المحقّق، بقوله سبحانه: (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه )و بقوله(صلى الله عليه وآله وسلم): «من بدل دينه فاقتلوه». (1020) فيقع الفسخ بينهما في الحال، لأنّها لا تقر على ذلك وإنّما الحكم فيها القتل، أو الدخول في الإسلام.
يلاحظ عليه: أيّ صلة بين عدم قبول دين غير الإسلام وانفساخ نكاحه، فلماذا لايجري فيه ما ذكره الشيخ من التفصيل، فإن كان ممّا لايقرّ أهله عليه، فيفسخ سواء كان قبل الدخول أم بعده، وأمّا إذا كان ممّا يقرّ عليه أهله فيقبل ـ وقد تقدّم أنّ لكلّ قوم نكاحاً ـ وأمّا النبوي ففيه مضافاً إلى ضعف السند ضعف دلالة، إذ من المحتمل أن يكون ناظراً إلى المرتدّ عن دين الإسلام، وعلى فرض العموم فلا ملازمة بين وجوب القتل وفسخ النكاح كما في المرتدّ عن ملّة، وأمّا الانفساخ في المرتد الفطري، فهو لأجل الارتداد، لا لأجل وجوب القتل.
فالحقّ هو عدم البطلان إذا لم يكن الارتداد عن دينه موجباً للانفساخ عند الزوجين أخذاً بقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «لكلّ قوم نكاح».
6. إذا أسلم عن أُمّ وبنتها
قال المحقّق: إذا تزوّج في حال الشرك امرأة وبنتها ثمّ أسلم بعد الدخول بهما، ففيه صور:
الأُولى: أن يكون قد دخل بهما.
الثانية: أن يدخل بالأُمِّ خاصة.
الثالثة: أن يدخل بالبنتِ فقط.
الرابعة: أن لايدخل بواحدة منهما.
وأمّا الأقوال ، فقال الشيخ: له إمساك أيّتهما شاء ويفارق الأُخرى، وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه، وهو أقواهما عنده، والآخر يمسك البنت ويخلي الأُمّ وهو اختيار المزني.(1021)
والظاهر، التفصيل بين تحريمهما في الصورتين الأُوليين وتحريم خصوص الأُمّ في الثالثة، والرابعة.
استدل الشيخ ، بقياس المقام بما إذا جمع بين من لايجوز الجمع بينهما في النكاح، فإنّما يحكم بصحة نكاح من ينضم الاختيار إلى عقدها، كما إذا عقد على عشرة دفعة واحدة ، وأسلم واختار منهنّ أربعاً فإذا فعل حكمنا بأنّ نكاح الأربع وقع صحيحاً، ونكاح الباقيات وقع باطلاً، وعلى هذا فمتى اختار إحداهما حكمنا بأنّه هو الصحيح، والآخر باطل، وأيضاً إذا جمع بين من لا يجوز الجمع بينهما واختار في حال الإسلام، لكان اختياره بمنزلة ابتداء عقد، بدليل أنّه لا يجوز أن يختار إلاّ من يجوز أن يستأنف نكاحها حين الاختيار، فإذا كان الاختيار كابتداء العقد كان كأنّه الآن تزوّج بها وحدها، فوجب أن يكون له اختيار كلّ واحدة منهما.(1022)
يلاحظ عليه: أنّ قياس المقام بالعقد بأكثر من أربع، قياس مع الفارق لأنّ المقتضي لاختيار كلّ واحدة هناك موجود، وإنّما المانع الجمع، فيزول بالاختيار، وهذا بخلاف اختيار الأُمِّ على البنتِ مع العقد على البنت، فالمقتضي للاختيار ليس بموجود فيهما لأنّه بالعقد تصير أُمّ الزوجة فتكون محرّمة، وكيف يصحّ لمسلم أن يتزوّج مع أُمّ زوجته ابتداءً أو استدامة، وهذا مثل ما إذا عقد على خالته في زمان الكفر ثمّ أسلم.
وبذلك يظهر ضعف الدليل الثاني فإنّ الاختيار ـ لو صحّ كونه بمنزلة العقد الجديد ـ فإنّما يصحّ إذا كان الموردُ قابلاً للتزويج ، كما في العقد على أزيد من أربع، مرّة واحدة، لا ما إذا لم يكن كذلك، وكانت المزوّجة أُمّ الزوجة، أو بنت الأُخت.
وهذا مثل ما إذا أوقب غلاماً، ثمّ تزوّج أُخته ثمّ أسلم، فكون الاختيار بعد الإسلام بمنزلة العقد ابتداء، إنّما يصحّ إذا كان المورد قابلاً للعقد في الشرع المبين ، لا مالم يكن كذلك.
وعلى هذا، فتفصيل المحقّق أوفق بالقواعد، أمّا حرمتهما في الصورتين الأُوليين فلكون الأُمّ ، أُمّ الزوجة، ومع الدخول على الأُمّ لا يجوز نكاح البنت سواء دخل بالبنت كما في الصورة الأُولى، أو لا كما في الصورة الثانية.
وأمّا الثالثة: أعني: إذا دخل بالبنت دون الأُم، فتحرم الأُم دون البنت أمّا الأُم فلكونها أُمّ الزوجة، وأمّا البنت فلاتحرم لأنّ العقد على الأُم لا يحرم البنت بدون الدخول على الأُم.
وأمّا الرابعة: فمثل الثالثة فتحرم الأُم للعقد على البنت دون البنت لعدم الدخول على الأُم.
ولكن هنا نظراً أدقّ من هذا التفصيل، وهو أنّه لو كان العقد والدخول على الأُمّ سابقاً على العقد على البنت والدخول عليها ، لما تحرم الأُمّ، لأنّ الحرام لايحرِّم الحلال السابق، فالأولى الأخذ بما ذكره المحقّق مع ملاحظة هذه القاعدة، كما لا يخفى .
واختار صاحب الحدائق قول الشيخ، وقال: إنّ تفصيل المحقّق في هذه المسألة مبني على ما هو المشهور بينهم وكذا بين العامة، بل الظاهر اتّفاق الكلّ عليه حيث لم ينقلوا الخلاف فيه، إلاّ عن أبي حنيفة في أنّ الكافر مكلّف بالفروع والخطابات متوجهة إليه كما تتوجّه إلى المسلم، وإن كان قبول ذلك وصحّته منه مشروط بالإسلام، وحينئذ فما دلّ من الأخبار على تحريم الأُمّ بالعقد على البنت أو بالدخول بها، وكذا ما دلّ على تحريم البنت بالدخول على الأُمّ دون مجرّد العقد عليها، ونحو ذلك شامل للكافر كالمسلم فيؤخذ به بعد الإسلام ويحكم عليه بذلك.(1023)
ثمّ استظهر من بعض الروايات عدم عمومية الخطابات والأحكام للكفّار.
أقول: الظاهر أنّ الخلاف في عمومية الأحكام التكليفية وعدمها، وأمّا الوضعية كأحكام الغرامات والضمانات والقصاص والدية، فالظاهر العمومية والمقام منها، فلاحظ.
7. اختلاف الدين فسخ لا طلاق
إذا كان الاختلاف في الدين ـ بعد النكاح ـ فسخاً لا تجري عليه أحكام الطلاق، بل يرجع إلى القواعد العامة في الانفساخ، أو النص الخاص.
أمّا مهر المطلّقة المفروض لها المهر، فهو في الطلاق النصف قبل الدخول والكلّ بعده، أخذاً بقوله سبحانه:(وإِنْ طَلَّقتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أنْ تَمَسُّوهُنَّ وَ قَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ) .(1024) وبمفهومه يدلّ على دفع الفريضة، عند المس.
وأمّا إذا لم يفرض لها مهر وعقبه الطلاق فالتمتيع عند عدم المس، لقوله سبحانه:(لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُوهُنَّ أَوْ تفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَ مَتِّعُوهُنَّ عَلى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَ عَلَى المُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ)(1025).
نعم مجرّد العقد لا يوجب المتعة وإنّما تجب المتعة بالطلاق كما يجب مهر المثل بالدخول.
هذا حكم المطلّقة، وأمّا المقام، فالمعوّل هو النص الخاص، أو القواعد العامة للانفساخ.
إذا كان الفسخ قبل الدخول، فإن كان من جانب المرأة فالظاهر سقوط المهر لاقتضاء الفسخ رجوع العوضين إلى مالكهما، هذا مضافاً إلى ما ورد في صحيح ابن الحجّاج، عن أبي الحسن (عليه السلام)في نصراني تزوّج نصرانية فأسلمت قبل أن يدخل بها؟ قال: «قد انقطعت عصمتها منه ولا مهر لها ولا عدّة عليها منه».(1026)
وإن كان من جانب الزوج فكذلك أخذاً بمقتضى الانفساخ لرجوع كلّ عوض إلى مالكه، واحتمال النصف قياساً بالطلاق، كما ترى.
ولو قيل بوجوب الدفع، فاحتمال وجوب الكلّ ليس بأقلّ من احتمال النصف لو لم يكن أولى، قياساً على الموت أوّلاً، والمهر يجب بالعقد ثانياً، ولذلك يجوز لها عدم التمكين إلاّ بأخذ المهر كلّه.
والاستدلال على وجوب النصف بما ورد في المرتدِّ من أنّها تبين كما تبين المطلّقة،(1027) كما ترى، لأنّ الاستدلال مبنيّ على كون وجه الشبهة انتصاف المهر قبل الدخول وعدمه بعده.
وامّا إذا كان الفسخ بعد الدخول منه أو منها، فالمهر ثابت لايسقط لعارض، لاستقراره بالانتفاع بالبضع، ففي صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام)في رجل دخل بامرأة؟ قال: «إذا التقى الختانان وجب المهر والعدّة».(1028)
فروع حول المسألة:
1. لو أسلما دفعة واحدة فلا فسخ.
2. لو لم يعلم الحال واحتمل الاقتران فكذلك، استصحاباً لعلقة الزوجية.
3. وإن علم عدم الاقتران فلو كان بعد الدخول فلاثمرة للتقدّم والتأخّر، وأمّا إذا كان قبله فعلى القول بسقوط المهر أخذاً بالانفساخ لا ثمرة للعلم بالتقدّم أو التأخّر، وأمّا على القول بوجوب النصف أو الجميع فأصالة بقاء اشتغال الزوج، مثبت بالنسبة إلى الجميع فلامحيص عن التصالح والإرضاء.
8 . لو أسلم الرجل وكان المهر فاسداً
إنّ فساد المهر تارة يستند إلى اختلال شرط من شروط صحّته، ككونه مجهولاً، وأُخرى إلى كونه حراماً في شرع الإسلام، كما إذا كان خمراً أو خنزيراً.
أمّا الأوّل: فإن كان الإسلام بعد الدخول، وجب به مهر المثل أخذاً بالضابطة، فيما إذا كان المسمّى فاسداً لأجل الجهالة أو غيرها، وإن كان قبله فلو كان من المرأة فلا شيء لكون الفسخ من جانبها، وإن كان من قبل الرجل بنى على الاختلاف السابق، فيما إذا كان المهر صحيحاً، فعلى المختار لاشيء، وعلى القول بالنصف أو الكلّ في المسألة السابقة وجب هنا نصف مهر المثل أو كلّه.
وأمّا إذا لم يدخل و لم يسم، فهل لها التمتع، قياساً على صورة الطلاق(1029) أو لا ؟ الظاهر هو الثاني لعدم الدليل.
وأمّا الثاني: أعني ما إذا كان الفساد لعدم صحّة التملّك وقد دخل بها، فإن أقبضها سقط قطعاً لوجود التراضي عليه وإن لم يقبض ، ففيه وجوه:
1. سقوط المهر كلّه.
2. مهر المثل.
3. قيمته عند مستحلّيه.
واستقرب صاحب الجواهر الوجه الأوّل، لأجل البراءة ، وقاعدة الجب.
يلاحظ عليه : أنّ مقتضى قاعدة الإقدام هو الاشتغال، لأنّ المرأة لم تقدم على التمكين بلا عوض وبلا شيء، فكيف تكون البراءة حاكمة، فمقتضى القاعدة الرجوع إلى مهر المثل كما هو المحكَّم في كلّ مورد لم يصحّ تملّك الثمن عملاً بالقاعدة المعروفة:«ما يضمن بصحيحه، يضمن بفاسده» وهذا متعيّن ، لولا وجود المعتبرتين، وهما:
1. معتبرة طلحة بن زيد، عن أبي عبد اللّه (عليه السلام)قال: سألته عن رجلين من أهل الذمة أو من أهل الحرب تزوّج كلّ واحد منهما امرأة ومَهرَها خمراً وخنازير ثمّ أسلما؟ قال: «ذلك النكاح جائز حلال لايحرم من قبل الخمر والخنازير» وقال: «إذا أسلما حرم عليهما أن يدفعا إليهما شيئاً من ذلك ويعطياهما صداقهما».(1030)
وضمير التثنية في «يدفعا» يرجع إلى الرجلين وفي «إليهما» إلى الزوجتين، والظاهر من صداقهما القيمة ويحتمل أن يكون المراد هو مهر المثل. وطلحة بن زيد وإن كان زيدياً بتريّاً، لكن قال الشيخ: إنّ له كتاباً، ولعلّ عبد اللّه بن المغيرة أخذه من كتابه، ومورد الرواية إسلام كليهما.
2. معتبرة عبيد بن زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): النصرانيّ يتزوّج النصرانية على ثلاثين دِنّاً خمراًوثلاثين خنزيراً ثمّ أسلما بعد ذلك ولم يكن دخل بها؟ قال: «ينظر كم قيمة الخنازير وكم قيمة الخمر ويرسل به إليها ثمّ يدخل عليها وهما على نكاحهما الأوّل».(1031)
وتوصيفه بالخبر لأجل وقوع القاسم بن محمّد الجوهري في سنده وروى عنه الثقاة مثل ابن أبي عمير، وصفوان وهو آية الوثاقة ، إذ أكثرا الرواية عنه، واستند المحقّق الخوئي في توثيقه لوقوعه في أسناد روايات «كامل الزيارات» وهو غير تام ـ كما أوضحناه ـ في كتابنا :«كلّيات في علم الرجال».(1032)
والظاهر هو القيمة ولأنّ مهر المثل ربّما يزيد القيمة وربّما ينقص.
979 . الحج: 17.
980 . الجاثية: 24.
981 . الوسائل: ج 11، الباب 49 من أبواب جهاد العدو.
982 . الوسائل: ج 11، الباب 49 من أبواب جهاد العدو، الحديث 1 .
983 . الوسائل: ج 11، الباب 49 من أبواب جهاد العدو، الحديث 3 .
984 . الوسائل: ج 11، الباب 49 من أبواب جهاد العدو، الحديث 7.
985 . الوسائل: ج 11، الباب 49 من أبواب جهاد العدو، الحديث 5، 9.
986 . مستدرك الوسائل: ج2، الباب 42، من أبواب جهاد العدو، الحديث 2 .
987 . مستدرك الوسائل: ج2، الباب 42، من أبواب جهاد العدو، الحديث 3.
988 . الوسائل: ج 11، الباب 9 من أبواب جهاد العدو، الحديث 2، والحديث طويل.
989 . المائدة: 5.
990 . الوسائل: ج 11، الباب 49 من أبواب جهاد العدو، الحديث 8.
991 . الوسائل: ج 14، الباب 7 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 4.
992 . الوسائل: ج 18، الباب 49 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 1.
993 . الوسائل: ج 11 ، الباب 5 من أبواب جهاد العدو، الحديث 2. وقد ورد في هذا الحديث التُرك والديلم والخزر من مشركي العجم. فلاحظ.
994 . الميزان:14/392ـ 393.
995 . الوسائل: ج 14، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 1.
996 . الوسائل: ج 14، الباب 13 من أبواب المتعة، الحديث 1.
997 . الوسائل: ج 14، الباب 13 من أبواب المتعة، الحديث 4 .
998 . الوسائل: ج 14، الباب 13 من أبواب المتعة، الحديث 5 .
999 . الوسائل: ج 14، الباب 13 من أبواب المتعة، الحديث 5 .
1000 . البقرة: 62 . ولاحظ أيضاً سورة المائدة: الآية69، والحج: الآية 17.
1001 . مريم: 12. لاحظ فهرست ابن النديم ص459، و قد ذكر تلاقي المأمون مع علمائهم في أرض «حرّان» عند مسيره إلى غزو الروم.
1002 . الوسائل: ج 18، الباب 1 من أبواب حدّ المرتدّ، الحديث 2.
1003 . الوسائل: ج 18، الباب 1 من أبواب حدّ المرتدّ، الحديث 3.
1004 . الوسائل: ج 18، الباب 3 من أبواب حدّ المرتدّ، الحديث 5.
1005 . الوسائل: ج 17، أبواب موانع الإرث،الباب 6 في ذيل الحديث 5،وأبوبكر الحضرمي ثقة على الأقوى.
1006 . الوسائل: ج 14، الباب 9 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 8.
1007 . الوسائل: ج 14، الباب 9 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 5.
1008 . المصدر نفسه، الحديث 6.
1009 . الوسائل: ج 14، الباب 9 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 3.
1010 . الوسائل: ج 14، الباب 9 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 6.
1011 . الوسائل: ج 14، الباب 9 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 7.
1012 . الوسائل: ج 14، الباب 9 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث3 . رواه الكليني والشيخ إلاّ أنّ في نسخة الكافي (عن مجوس) «أو مشرك من غير أهل الكتاب».
1013 . الوسائل: ج 14، الباب 9 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 2.
1014 . الوسائل: ج 14، الباب 9 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 5.
1015 . النهاية: 457.
1016 . الوسائل: ج 14، الباب 9 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 1.
1017 . الوسائل: ج 14، الباب 9 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 3.
1018 . الوسائل: ج 14، الباب 9 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 5.
1019 . الخلاف: 2 / 324، كتاب النكاح، المسألة 103، 104.
1020 . الجامع الصغير: 2/ 101.
1021 . الخلاف:2/390، المسألة 108.
1022 . الخلاف:2/390، المسألة 108.
1023 . الحدائق:24/ 48.
1024 . البقرة: 237.
1025 . البقرة: 236.
1026 . الوسائل: ج 14، الباب 9 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 6.
1027 . الوسائل: ج 17، الباب 6 من أبواب موانع الإرث، الحديث 4.
1028 . الوسائل: ج 15، الباب 54 من أبواب المهور، الحديث 3.
1029 . قال سبحانه: (لاجناح عليكم إن طلّقتم النّساء مالم تمسّوهنّ أو تفرضوا لهنّ فريضة ومتعوهنّ على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعاً بالمعروف حقّاً على المحسنين) .(البقرة/236)
1030 . الوسائل: ج 15، الباب 3 من أبواب المهور، الحديث 1.
1031 . الوسائل: ج 15، الباب 3 من أبواب المهور، الحديث 2.
1032 . كلّيات في علم الرجال: 299، طبع بيروت.
source : موقع موسسة الامام الصادق