عربي
Friday 27th of September 2024
0
نفر 0

ا´خر مراحل‌ الردّة‌

ا´خر مراحل‌ الردّة‌:

لقد فات‌ الفرزدق‌ ان‌ يقول‌ ـ وكان‌ حرياً به‌ ان‌ لا يفوته‌ ذلك‌ ـ : اءن‌ّانسحاب‌ الاءنسان‌ يبتدي‌ اولاً وثانياً من‌ الموقف‌ اءلي‌ اللاموقف‌، ومن‌اللاموقف‌ اءلي‌ الموقف‌ المضاد المعاكس‌، هذه‌ هي‌المرحلة‌ الاُولي‌ والثانية‌من‌ الردّة‌، والمرحلة‌ الثالثة‌ ان‌ّ الموقف‌ المضاد يصادر الراي‌ والفكر،ويوجّه‌ الاءنسان‌ اءلي‌ الراي‌ الا´خر وينمّقه‌ له‌، ويوجّهه‌ حتّي‌ يصادر الراي‌الاوّل‌ تماماً، فينقلب‌ الراي‌ اءلي‌ راي‌ معاكس‌، وينقلب‌ (الحب‌) اءلي‌(بغض‌)، وينقلب‌ البغض‌ اءلي‌ الحب‌، وهذه‌ هي‌ المرحلة‌ الاخيرة‌ من‌ الردّة‌التي‌ نسيها الفرزدق‌، واءذا غابت‌ عن‌ الفرزدق‌ هذه‌ المرحلة‌ الاخيرة‌ من‌الردّة‌ فاءن‌ القرا´ن‌ يسجّلها بوضوح‌: (ثُم‌َّ كَان‌َ عَاقِبَة‌َ الَّذِين‌َ أَسَاءُوا السُّوءي‌' أَن‌كَذَّبُوا بِا´يَات‌ِ اللَّه‌ِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُون‌َ).

ومن‌ اءساءة‌ السوء ان‌ يحمل‌ الاءنسان‌ المؤمن‌ السيف‌ علي‌ الله ورسوله‌واولياء الله، ويقاتلهم‌ في‌ الدفاع‌ عن‌ الطاغوت‌؛ فاءذا فعل‌ ذلك‌ فاءن‌ّ الله تعالي‌يسلب‌ عنه‌ التصديق‌ والاءيمان‌ والوعي‌ والراي‌، فيكذّب‌ با´يات‌ الله، واءذاكذّب‌ با´يات‌ الله ورسوله‌ واولياءه‌ عاداهم‌ وابغضهم‌ وهذه‌ الردّة‌ الكاملة‌.

 

عودة‌ الانسجام‌ في‌ الطرف‌ المعاكس‌ والانقلاب‌ علي‌ الاعقاب‌:

وهكذا يعود الانسجام‌ بين‌ البؤر الثلاث‌ لشخصية‌ الاءنسان‌: (العقل‌،القلب‌، الاءرادة‌)، او (الراي‌، العاطفة‌، الموقف‌) بعد ان‌ انفلقت‌ الشخصية‌واختلّت‌ وظهر عليها الارتباك‌ والقلق‌، يعود الانسجام‌ مرة‌ اُخري‌ اءلي‌شخصية‌ الاءنسان‌، ولكن‌ هذه‌ المرة‌ في‌ خط‌ معاكس‌ تماماً، وفي‌ اتجاه‌سلبي‌ باتجاه‌ عداء الله ورسوله‌ واوليائه‌.

 

 

 

 

 

الاطوار الثلاثة‌ في‌ حياة‌ الاءنسان‌:

ومن‌ صور ذلك‌ نجد ان‌ّ هناك‌ ثلاثة‌ اطوار للاءنسان‌:

الطور الاوّل‌: الانسجام‌ بين‌ القلوب‌ والسيوف‌ في‌ اتجاه‌ الحق‌.

الطور الثاني‌: التخالف‌ بين‌ القلوب‌ والسيوف‌ بين‌ الحق‌ والباطل‌.

الطور الثالث‌: الانسجام‌ بين‌ القلوب‌ والسيوف‌ في‌ اتجاه‌ الباطل‌.

 

ـ الحالة‌ الاُولي‌:

حالة‌ الانسجام‌ بين‌ القلوب‌ والسيوف‌ هي‌ حالة‌ فطرية‌ وسليمة‌وصحيحة‌، وفيها تجتمع‌ البؤر الثلاث‌: (العقل‌، القلب‌، الاءرادة‌) فتُرجم‌العمل‌ بالاءرادة‌.

هذه‌ الحالة‌ هي‌ حالة‌ الانسجام‌ والاستقامة‌ والقوة‌؛ لان‌ّ اجتماع‌ هذه‌البؤر الثلاث‌ يمنح‌ الاءنسان‌ القوة‌، وهي‌ حالة‌ طبيعية‌ وفطرية‌، وهذه‌ البؤرالثلاث‌ تتبادل‌ التاثير فيما بينها، وبعضها يؤثّر في‌ البعض‌ الا´خر.

ومن‌ ا´ثار هذه‌ الحالة‌: ان‌ّ الاءنسان‌ يعيش‌ مطمئنّاً لا يعاني‌ من‌ القلق‌؛لان‌ّ الراحة‌ النفسية‌ ليست‌ في‌ الامن‌ والرفاه‌، واءنما في‌ الاّنسجام‌ بين‌ البؤرالداخلية‌ لشخصية‌ الاءنسان‌ باتجاه‌ الفطرة‌، ويتكامل‌ الاءنسان‌ في‌ هذه‌ الحالة‌وينمو بصورة‌ سويّة‌.

 

 

ـ الحالة‌ الثانية‌:

هي‌ حالة‌ تخالف‌ القلوب‌ والسيوف‌ عندما تخضع‌ اءرادة‌ الاءنسان‌لعامل‌ الترغيب‌ والترهيب‌ من‌ ناحية‌ الطاغوت‌، والطاغوت‌ يعمل‌لاحتلال‌ البؤر الثلاث‌ جميعاً، واوّل‌ قلعة‌ تسقط‌ هي‌ قلعة‌ الاءرادة‌ تحت‌ضغط‌ الاءرهاب‌، وهذه‌ هي‌ بداية‌ السقوط‌ والمرحلة‌ الاُولي‌ من‌ الردّة‌،ويبقي‌ العقل‌ والقلب‌ مستقرّين‌، واءن‌ّ اول‌ انهيار يصيب‌ الاءنسان‌ في‌مواقفه‌ العملية‌ والرسمية‌ والبارزة‌ هو استسلامه‌ لضغط‌ الطاغوت‌.

والحالات‌ التي‌ ذكرناها سابقاً تنعكس‌، فيفقد الاءنسان‌ الراحة‌ وحالة‌الاطمئنان‌ والانجسام‌ النفسي‌، ويعاني‌ من‌ القلق‌ وعدم‌ الانسجام‌،ويضعف‌ ويفقد صبغة‌ الله في‌ شخصيته‌ ويفقد النمو، وهذه‌ المرحلة‌ هي‌مرحلة‌ (الضعف‌) في‌ شخصية‌ الاءنسان‌، ويعمل‌ الضمير في‌ استعادة‌التوازن‌ والتعادل‌ والانسجام‌، فاءذا نجح‌ فلابدّ ان‌ تعود الشخصية‌ اءلي‌ توازنهافي‌ انسجامها، واءلاّ فاءن‌ّ الاءنسان‌ يسقط‌ اءلي‌ المرحلة‌ الثالثة‌، ويدخل‌ الضميرفي‌ صراع‌ عنيف‌ في‌ المرحلة‌ الثانية‌، وينقسم‌ الناس‌ فيها اءلي‌ شطرين‌:شطر من‌ نموذج‌ شخصية‌ (الحرّ) يملك‌ ضميراً سليماً قوياً يعيده‌ اءلي‌ اللهمرة‌ اُخري‌، وشطر من‌ نموذج‌ (عمر بن‌ سعد) لا يملك‌ الضمير القوي‌فيسقط‌ اءلي‌ المرحلة‌ الثالثة‌ (المرحلة‌ الثانية‌ من‌ السقوط‌).

 

ـ الحالة‌ الثالثة‌:

في‌ هذه‌ الحالة‌ يعود الانسجام‌ مرة‌ اُخري‌ بين‌ البؤر الثلاث‌، ولكن‌ في‌اتجاه‌ السقوط‌ والباطل‌، وكان‌ الاءنسان‌ في‌ داخله‌ يطلب‌ الانسجام‌، فاءذا لم‌يتمكن‌ في‌ اتجاه‌ الحق‌ وضعف‌ الضمير من‌ استعادة‌ الانسجام‌ في‌ طرف‌الحق‌ّ، فاءن‌ الانسجام‌ يعود في‌ طرف‌ الباطل‌، فيكون‌ قلب‌ الاءنسان‌ وعقله‌باتجاه‌ اءرادته‌ وعمله‌، وهذه‌ هي‌ مرحلة‌ الصفر من‌ سقوط‌ الاءنسان‌ يستفرغ‌فيها (الطاغوت‌) و(الهوي‌) الضمير، ويحتلاّن‌ (العقل‌) و(القلب‌)،وعندئذٍ يحتل‌ الطاغوت‌ المعاقل‌ الثلاثة‌ جميعاً لشخصية‌ الاءنسان‌، اءضافة‌اءلي‌ استفراغ‌ الضمير من‌ كل‌ ما اودع‌ الله تعالي‌ فيه‌ من‌ المقاومة‌، وهي‌ حالة‌الصفر في‌ شخصية‌ الاءنسان‌، وعندئذٍ تنقطع‌ الرحمة‌ الاءلهية‌ عن‌ الاءنسان‌؛لان‌ّ الرحمة‌ تنزل‌ علي‌ الضمير والقلب‌ والعقل‌ والاءرادة‌، فاءذا نفذت‌واستهلكت‌ جميعاً وصودرت‌ فلا يبقي‌  موقع‌ لنزول‌ رحمة‌ الله، وهذه‌حالة‌ (الكفر)، وهناك‌ حالة‌ اُخري‌ تحت‌ الكفر (تحت‌ الصفر)، وهي‌ حالة‌(النفاق‌)، وفي‌ هذه‌ الحالة‌ تعود السيوف‌ اءلي‌ جانب‌ الحق‌، ولكن‌ للمكربالحق‌ وليس‌ استجابة‌ له‌، تبقي‌ القلوب‌ متعلّقة‌ بالباطل‌، وهذه‌ الحالة‌ تحت‌الكفر؛ لان‌ّ القلوب‌ لا تزال‌ فاقدة‌ في‌ هذه‌ المرحلة‌ للاءيمان‌ والوعي‌والنور؛ ولذلك‌ يقول‌ الله تعالي‌: ( اءِن‌َّ الْمُنَافِقِين‌َ فِي‌ الدَّرْك‌ِ  الاَسْفَل‌ِ مِن‌َالنَّارِ...).

 

 

 

ا´ثار ونتائج‌ الجزع‌ من‌ الموت‌ في‌ المجتمع‌:

لظاهرة‌ الجزع‌ من‌ الموت‌ ا´ثار سلبية‌ واسعة‌ علي‌ حياة‌ الاءنسان‌ فهي‌تسلب‌ الناس‌ القدرة‌ علي‌ المقاومة‌، وتمكّن‌ منهم‌ الطاغية‌، وتستنفذ مااودع‌ الله تعالي‌ في‌ ضمائرهم‌ من‌ مقاومة‌ وفي‌ اءرادتهم‌ من‌ قوّة‌ وفي‌نفوسهم‌ من‌ وعي‌، ومن‌ ثم‌ّ تستفرغ‌ كل‌ ما اودع‌ الله تعالي‌ في‌ نفوس‌ الناس‌من‌ قيم‌ واخلاق‌ واءرادة‌ ومقاومة‌.

وهذه‌ الحالة‌ من‌ الاستفراغ‌ والاستنفاذ هي‌ حالة‌ الاستخفاف‌ التي‌يذكرها الله تعالي‌ في‌ منهج‌ تعامل‌ الطغاة‌ مع‌ الناس‌: (فَاسْتَخَف‌َّ
قَوْمَه‌ُ فَاَطَاعُوه‌...
)، اءن‌ّ فرعون‌ لم‌ يكن‌ يقدر علي‌ تطويع‌ الناس‌
لاءرادته‌ وسلطانه‌، لولا اءنه‌ استنفذ ما اودع‌ الله تعالي‌ في‌ نفوسهم‌
من‌ قيم‌ واخلاق‌ ومقاومة‌ واءرادة‌ وضمير، وعندئذٍ يكون‌ وزن‌
الاءنسان‌ خفيفاً، وينقلب‌ اءلي‌ حالة‌ عائمة‌ من‌ التبعية‌ الكاملة‌
للطاغية‌، واساس‌ هذه‌ الحالة‌ الاءرهاب‌ وهي‌ الاداة‌ المفضّلة‌
لدي‌ المستكبرين‌، و(الجزع‌ من‌ الموت‌) و(الخوف‌) هو التربة‌ الصالحة‌لزرع‌ الاءرهاب‌ في‌ المجتمع‌.

 

 

 

المناهج‌ التربوية‌ لمكافحة‌ هذه‌ الحالة‌:

واهم‌ّ هذه‌ المناهج‌ منهجان‌:

1 ـ تقصير الامل‌ في‌ الحياة‌ الدنيا.

2 ـ تركيز الشوق‌ اءلي‌ لقاء الله تعالي‌:

وهما من‌ افضل‌ المناهج‌ التربوية‌ لمكافحة‌ حالة‌ الجزع‌ والرهبة‌ من‌الموت‌، وهناك‌ مناهج‌ حركية‌ لايسعنا المجال‌ استعراضها والحديث‌ عنها.

والمنهج‌ الاوّل‌ هو تقصير الامل‌ في‌ الدنيا، وترقيق‌ العلاقة‌ بالدنيا.فاءن‌ّ شدّة‌ التعلّق‌ بالدنيا وطول‌ الامل‌ فيها من‌ اكبر الاُصر والاغلال‌ التي‌تعيق‌ حركة‌ الاءنسان‌ اءلي‌ الله، فاءذا تحرّر الاءنسان‌ منها خف‌ّ للقاء الله تعالي‌،ولم‌ يرهبه‌ الموت‌ ولم‌ يعبا به‌، وقع‌ الموت‌ عليه‌ ام‌ وقع‌ هو علي‌ الموت‌كما قال‌ علي‌ الاكبر(ع) لابيه‌ عندما قارب‌ كربلاء: «روي‌ ابومخنف‌ عن‌عقبة‌ ابن‌ سمعان‌ قال‌: لما كان‌ السحر من‌ الليلة‌ التي‌ بات‌ الحسين‌(ع) عندقصر بني‌ مقاتل‌ امرنا الحسين‌ بالاستسقاء من‌ الماء، ثم‌ّ امرنا بالرحيل‌ففعلنا، فلما ارتحلنا عن‌ قصر بني‌مقاتل‌ خفق‌ براسه‌ خفقة‌ ثم‌ّ انتبه‌ وهويقول‌: اءنّا لله وانّا اءليه‌ راجعون‌، والحمدلله رب‌ّ العالمين‌، ثم‌ّ كرّرها مرتين‌ او ثلاثاً،فاقبل‌ اءليه‌ ابنه‌ علي‌ بن‌ الحسين‌(ع) وكان‌ علي‌ فرس‌ له‌ فقال‌: اءنّا لله واءنّا اءليه‌راجعون‌، والحمدلله رب‌ّ العالمين‌، يا ابت‌، جُعلت‌ فداك‌ مِم‌َّ استرجعت‌ وحمدت‌ الله؟فقال‌ الحسين‌(ع): يا بني‌ّ، اءني‌ خفقت‌ راسي‌ خفقة‌ فعن‌ّ لي‌ فارس‌ علي‌ فرس‌ فقال‌:القوم‌ يسيرون‌ والمنايا تسري‌ اءليهم‌؛ فعلمت‌ انّها انفسنا نُعيت‌ اءلينا. فقال‌ له‌: يا ابت‌،لااراك‌ الله سوءاً السنا علي‌ الحق‌؟ قال‌: بلي‌ والذي‌ اءليه‌ مرجع‌ العباد. قال‌: ياابت‌،اءذن‌ْ لا نبالي‌ نموت‌ محقّين‌. فقال‌ له‌: جزاك‌ الله خير ماجزي‌ ولداً عن‌ والده‌».

والمنهج‌ الا´خر تركيز الشوق‌ اءلي‌ لقاء الله من‌ خلال‌ الموت‌، فاءن‌ّالموت‌ للمؤمن‌ نافذة‌ اءلي‌ لقاء الله، ولقاء الله للمؤمنين‌ لذّة‌ لا تفوقها لذّة‌،والحياة‌ الدنيا تحجبه‌ عن‌ لقاء الله، فاءذا حل‌ّ به‌ الموت‌ زال‌ من‌ بصره‌ هذاالحجاب‌ (... فَكَشَفنا عَنْك‌َ غِطَاءَك‌ فَبَصَرُك‌َ اليَوْم‌َ حَديدٌ)، وعندئذٍ ينظرالمؤمن‌ اءلي‌ اسماء الله وصفاته‌ الحسني‌ وجلاله‌ وجماله‌ وجبروته‌وكبريائه‌ تعالي‌ من‌ غير حجاب‌، وهو اعظم‌ اللّذات‌ عند المؤمنين‌، اين‌منها الجنة‌ ونعيمها وحورها وما خلق‌ الله فيها من‌ نعيم‌؟

وفي‌ مكارم‌ الاخلاق‌ عن‌ رسول‌ الله(ص): «يابن‌ مسعود، قصّر املك‌ فاءذااصبحت‌ فقل‌: اءني‌ لا اُمسي‌ واءذا امسيت‌ فقل‌ اءني‌ لا اُصبح‌، واعزم‌ علي‌ مفارقة‌ الدنيا،واحب‌ لقاء الله ولا تكره‌ لقاءه‌؛ فاءن‌ّ الله يحب‌ّ لقاء مَن‌ يحب‌ّ لقاءه‌ ويكره‌ لقاء من‌يكره‌ لقاءه‌»

وعن‌ رسول‌ الله(ص): «ان‌ّ النور اءذا دخل‌ الصدر انفسح‌، قيل‌: هل‌ لذلك‌ من‌ علم‌يعرف‌ به‌؟ قال‌: نعم‌ التجافي‌ عن‌ دار الغرور، والاءنابة‌ اءلي‌ دار الخلود، والاستعدادللموت‌ قبل‌ نزوله‌».

وعن‌ علي‌(ع): «شوّقوا انفسكم‌ اءلي‌ نعيم‌ الجنة‌ تحبّوا الموت‌ وتمقتواالحياة‌».

 

مشهد من‌ مشاهد الاستماتة‌ في‌ الطف‌:

وفيما يلي‌ استعرض‌ مشهداً واحداً من‌ مشاهد الاستماتة‌ والاستهانة‌بالموت‌ والتشوق‌ اءلي‌ لقاء الله في‌ الطف‌، وهو من‌ اروع‌ ما يعرفه‌ التاريخ‌برواية‌ السيد المقرّم‌ في‌ (المقتل‌).

جمع‌ الاءمام‌ اصحابه‌ واهل‌ بيته‌ ليلة‌ العاشر من‌ المحرّم‌، وطلب‌ منهم‌ان‌ ينطلقوا في‌ رحاب‌ الارض‌ ويتركوه‌ وحده‌، وقد اراد ان‌ يكونوا علي‌هدي‌ وبيّنة‌ من‌ امرهم‌، فقال‌ لهم‌:

«اُثني‌ علي‌ الله احسن‌ الثناء، واحمده‌ علي‌ السرّاء والضرّاء، اللّهم‌ اءنّي‌ احمدك‌علي‌ ان‌ اكرمتنا بالنبوّة‌، وجعلت‌ لنا اسماعاً وابصاراً وافئدة‌ وعلّمتنا القرا´ن‌، وفقّهتنا في‌الدّين‌ فاجعلنا لك‌ من‌ الشاكرين‌. امّا بعد فاءنّي‌ لا اعلم‌ اصحاباً اوفي‌ ولا خيراً من‌اصحابي‌، ولا اهل‌ بيت‌ ابرّ ولا اوصل‌ من‌ اهل‌ بيتي‌، فجزاكم‌ الله جميعاً عني‌ خيراً، الاواءنّي‌ لاظن‌ يومنا من‌ هؤلاء الاعداء غداً، واءنّي‌ قد اذنت‌ لكم‌ جميعاً فانطلقوا في‌ حل‌ِّليس‌ عليكم‌ منّي‌ ذمام‌، هذا الليل‌ قد غشيكم‌ فاتخذوه‌ جملاً، ولياخذ كل‌ رجل‌ منكم‌بيد رجل‌ من‌ اهل‌ بيتي‌ فجزاكم‌ الله جميعاً، ثم‌ تفرّقوا في‌ البلاد في‌ سوادكم‌ ومدائنكم‌حتّي‌ يفرّج‌ الله فاءن‌ القوم‌ اءنّما يطلبونني‌، ولو اصابوني‌ لهواً عن‌ طلب‌ غيري‌».

 

ـ جواب‌ اهل‌ بيته‌:

ولم‌ يكد يفرغ‌ الاءمام‌ من‌ كلماته‌ حتّي‌ هبّت‌ الصفوة‌ الطيّبة‌ من‌ اهل‌بيته‌، وهم‌ يعلنون‌ اختيار الطريق‌ الذي‌ يسلكه‌، ويتّبعونه‌ في‌ مسيرته‌ ولايختارون‌ غير منهجه‌، فانبروا جميعاً وعيونهم‌ تفيض‌ دموعاً قائلين‌:

«لِم‌َ نفعل‌ هذا؟ لنبقي‌ بعدك‌؟ لا ارانا الله ذلك‌ ابداً».

بداهم‌ بهذا القول‌ اخوه‌ ابو الفضل‌ العبّاس‌، وتابعته‌ الفتّية‌ الطيّبة‌ من‌ابناء الاُسرة‌ النبويّة‌، والتفت‌ الاءمام‌ اءلي‌ ابناء عمّه‌ من‌ بني‌ عقيل‌ فقال‌ لهم‌:

«حسبكم‌ من‌ القتل‌ بمسلم‌ اذهبوا فقد اذنت‌ لكم‌».

وهبّت‌ فتية‌ ا´ل‌ عقيل‌ تتعالي‌ اصواتهم‌ قائلين‌ بلسان‌ واحد:

«وما نقول‌ للناس‌؟ نقول‌: تركنا شيخنا وسيّدنا وبني‌ عمومتنا خيرالاعمام‌، ولم‌ نرم‌ معهم‌ بسهم‌، ولم‌ نطعن‌ معهم‌ برمح‌، ولم‌ نضرب‌ بسيف‌،ولا ندري‌ ما صنعوا؟ لا والله لا نفعل‌، ولكننا نفديك‌ بانفسنا واموالناواهلينا، ونقاتل‌ معك‌ حتّي‌ نرد موردك‌ فقبّح‌ الله العيش‌ بعدك‌».

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

أهل البيت أساتذة القرآن الكريم‏ (للعلامة ...
كيف تعامل الإسلام مع الجسد؟
حوار معاصر مع عبد الله الرضيع عليه السلام
ماهية الصلاة البتراء والأحاديث الناهية عنها عند ...
علماء الشيعة والتشبيه
محطات قدسيّة .. في عالم النور
زيارة أم البنين عليها السلام
دعاء الليلة العاشرة من شهر رمضان المبارک
يوم المباهلة
شفاء النفوس من خلال الهدى القرآني

 
user comment