طريقان للحل :
بناء على هذا الدنيا طريقان ، أحدهما لنا والطريق الآخر بوصفه جواباً عن أسئلة الآخرين ، أي في المرحلة الأولى ، يجب أن يحل هذا الموضوع لنا ، حيث أن بعض الأسئلة مثل أنه لماذا لا يمكن ان تتصدى المرأة لكثير من الأمور التنفيذية ، ليست قابلة للطرح ـ توضيح هذا الموضوع يستلزم نكتتين :
أولاً : كثير من الأعمال التنفيذية جائزة للمرأة شرعاً ، من ذلك مرجعية المرأة للنساء وإمامة للنساء والتصدي للأعمال التنفيذية المتعلقة بالنساء ليس جائزاً فقط ، بل أولى والرجل غير مجاز بأن يشترك في بعض الأمور التنفيذية إلا أن تقتضي ضرورة .
ثانياً : إن الأمور التنفيذية ليس مقاماً ، لو كانت مقاماً وكان واجباً ان يتقبل الإنسان هذا العمل التنفيذي ـ بوصفه من الكمالات وليس لحفظ النظام ـ لم يكن علماؤنا الكبار يبتعدون عنه .
قيمة الفقاهة ومسؤولية المرجعية :
إذا كان القارىء يعرف بسيرة علماء الدين فسوف يعرف أن كثيراً من كبار الفقهاء كانوا يقبلون المرجعية بمشقة ، وكانوا يبذلون جهوداً ليل نهار في الفقهاء كانوا يقبلون المرجعية بمشقة ، وكانوا يبذلون جهوداً ليل نهار في الفقاهة ، وكانوا جادين في مسير الاجتهاد ، فمن ناحية كانوا يجاهدون حتى يصبحوا مجتهدين ، ومن ناحية أخرى كانوا مجاهدين أن لا يصبحوا مراجع ، وهذا يدل على ان الفضيلة هي شيء آخر والمقامات التنفيذية هي
مجرد وظيفة ، فإذا قام بها شخص يجب تأييده وإعانته والطلب من الله ان يؤيده في إنجاز هذا العمل التنفيذي . وهذه المسؤولية الثقيلة في خدمة دين الله . ولكن هذا المقام ليس معيار فضيلة حتى يسعى الناس الصالحون للحصول عليه . لذا كان العلماء العارفين بأسس الفضائل القرآنية جهادين : جهاد الاجتهاد والفقاهة وجهاد آخر من المرجعية .
بناء على هذا ، لو كان تقبل المسؤوليات التنفيذية واجباً عبادياً أو حتى مستحباً تعبدياً ، وكان لازماً أن يسعى الإنسان للحصول عليه لكان العلماء الكبار مثل الشيخ الأنصاري قد سعوا للوصول إلى هذا المقام . إن ما نراه من ان الفقيه إذا كان أزهد يسعى لأن لا يتقبل المرجعية ، أو أن الفقيه الأتقى يسعى لأن لا يتقبل المسائل المالية أو يتقبل قليلاً ، أو أن الأتقى قليلاً ما يذهب وراء هذه المسائل ـ إلا أن يصبح واجباً عينياً عليه ـ فان سر ذلك هو ان هذه الأمور هي وظيفة ، وليست مقاماً ، أما الاجتهاد والفقاهة ووراثة علوم الأنبياء وفهم الكتاب والسنة وأمثالها . فهي مقام . ان هذا الابتعاد والهرب من المال والتحرك باتجاه التفقه عملان وليس عملاً واحداً ، أحدهما تبري والآخر تولي . بناء على هذا يتضح أنها مسائل هي وظيفة العلماء وبعض العلماء إنما تقبلوا المرجعية لحفظ هذا النظام والحوزة والله يؤيدهم . ولكن ذلك ليس مقاماً فإذا أصبح شخص مرجعاً يكسب عشر درجات من الجنة مثلاً وإذا لم يصبح مرجعاً يحصل على ثمانية درجات .
طبعاً إذا أصبح شخص أعلم فدرجته أعلى ، الشخص الذي يصبح أقرب وأفقه وأتقى درجته أعلى .
درجات الجنة :
درجات الجنة مزينة بالأضواء بعدد آيات القرآن ، أي لو أريد تجسيم الجنة من أقل درجاتها حتى أعلى درجاتها بصورة كتاب تصبح قرآناً ولو أريد
تجسيم القرآن بصورة نظام عالمي يصبح جنة . ودرجات الجنة النازلة هي التي يقول القرآن بشأنها :
( جنات تجري من تحتها الأنهار ) (1) .
ودرجاتها الوسطى أشار إليها القرآن أيضاً بقوله :
( إن المتقين في جنات ونهر * في مقعد صدق عند مليك مقتدر ) (2) .
وفي آية أخرى في جاء صدد تعريف درجات الجنة العالية :
( فادخلي في عبادي * وادخلي جنتي ) (3) .
من أسفل الجنة وهي ( جنات تجري من تحتها الأنها ر) حتى صدر الجنة وهو ( في مقعد صدق عند مليك مقتدر ) وحتى رأس وذروة الجنة وهو ( فادخلي في عبادي * وادخلي جنتي ) ، هذا النظام الواسع لو أريد أن يجسم بصورة كتاب يصبح قرآناً ولو أريد أن يجسم القرآن يصبح ( جنات تجري من تحتها الانهار ) ، ويصبح ( في مقعد صدق عند مليك مقتدر ) ويصبح ( فادخلي في عبادي وادخلي جنتي ) ، عند ذلك يقال لكل شخص أكثر فهماً للقرآن ، وأفضل إدراكاً للقرآن وعملاً بالقرآن بصورة أفضل : إن لك سهماً هنا بدرجة فهمك واعتقادك وإيمانك . لذاوكما ذكر من أن درجات الجنة ، مقسمة من الظاهر والباطن بعدد آيات القرآن . ولكن لم يلاحظ في أية مسألة أن درجات الجنة مقسمة على أساس معايير تنفيذية حتى يقال في النتيجة : إن سهم المرأة قليل : بل إن التقسيم على أساس المعنويات وقواعد القيم ، بمعنى أن من هو أعلم ، له المقام الفلاني ، ومن هو أفقه ، أو أتقى له مثل
____________
(1) سورة البقرة ، الآية : 25 .
(2) سورة القمر ، الآيتين : 54 ـ 55 .
(3) سورة الفجر ، الآيتين : 29 ـ 30 .
هذا المقام أيضاً .
طريق إجابة الآخرين :
أما إذا أردنا أن نجيب الآخرين الذين لم يدخلوا في هذه المسائل العميقة فلا نستدل لهم بهذا الطريق المذكور ، لأنهم لم يعرفوا هذا المعيار ، بل يجب إجابتهم بالطريق العادي وهو :
أولاً إن كثيراً من الأعمال التنفيذية جائزة للمرأة ومسألة الولاية والحكومة هي شيء آخر : وإلا إذا كانت الإعمال التنفيذية الخاصة بالنساء بعهدة النساء فان هذا ليس فقط غير ممنوع بل هو أولى ، كما أن المرأة إذا وصلت إلى مقام الفقاهة ، فان الطريق مفتوح لها في المسائل الاستشارية سواء في مجلس صيانة الدستور أو في مجلس الشورى الإسلامي . وإذا قيل أحياناً ستة أشخاص فقهاء من الرجال فهو لأنهم يستطيعون تحمل مصاعب العمل ، وإلا إذا لم يكن حضور النساء وحشرهن مع الرجال لازماً ، ويكون الرأي كافياً فقط ، فليس بعيداً أن تعطي نساء فقيهات رأياً وفتوى ويستشرن .
من الممكن ان تصل امرأة إلى مستوى المرحوم صاحب الجواهر والشيخ الأنصاري ، فلا تصبح مرجع تقليد ، ولكن تلاميذها يكونون مراجع تقليد ، فهذه ليس لديها أي نقص .
الفقاهة ملك والمرجعية أمانة :
لإجابة المجموعة الثانية أيضاً ، يجب القول أيضاً للذين يعتقدون بكلمات أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام : إن الإمام علياً عليه السلام يعتبر الأعمال التنفيذية وظيفة ، ويذكر ان هذه هي أمانة بأيدكم ، والأمين ليس مالكاً أبداً . الفرق بين المقام والمنصب هو أن المقامات المعنوية هي ملك الإنسان والمنصب هو أمانة ، والأمانة ليست عامل فخر بل الملك هو
عامل الفخر .
وبيان هذه المسالة هو انه يقال أحياناً لشخص : إن هذا البساط هو أمانة عندك . فهو موظف بأن يحافظ عليه وليس له حق الاستفادة منه . وإذا كان لهذا البساط قيمة فهي لصاحب البساط وليست للأمين . ولكن أحياناً يقال لشخص : أن هذا البساط لك . في هذه الحالة يكون له حق الاستفادة .
هذا من المسائل الظاهرية ، أما المسائل المعنوية والعلوم والمعارف فهي تتعلق بالإنسان ، أي تعطي الإنسان زينة ، لكن المنصب هو وظيفة وأمانة وليس مقاماً . لذا كتب أمير المؤمنين عليه السلام كتابالص إلى أحد عماله بهذا المضمون وهو : إن منصبك هذا هو أمانة في يدك والأمانة لا تدعو إلى الفخر .
فاتضح بشكل كامل أن الأعمال التنفيذية هي بمثابة أمانة ، المرجعية هي أمانة ولكن الفقاهة ملك ، الوزارة هي أمانة ، أما التقوى فهي ملك ، والمرأة والرجل متساويان في ما يتعلق بالنفس وكمال الروح . أما في حدود ما هي أمانة ووظيفة فالأعمال مقسمة .
لو كانت هناك جامعات خاصة بالمرأة ، فالأفضل ان تتولى المسؤولية التنفيذية في تلك الجامعات ، إلا أن لا يكون لدى المرأة صلاحية ، وهذه الشروط هي مشروط تحصيلية وليست حصولية ، أي يجب ان تكون هناك نساء يقمن بإدارة الأمور المتعلقة بالنساء والبنات حتى لا يكون لازماً ان يتصدى غير محرم لإدارة تلك الامور ، . واضح ان هذا الشكل من التدخل في الامور التنفيذية لا يتعلق بمسألة الولاية ، ولي أمر المسلمين يجب أن يكون رجلا طبعاً ؛ لان الولاية هي تتمة الأمامة ، ولأن الولي يأمر بالحرب والصلح ، ويلتقي مع الناس كثيراً ، ولديه عمل بدني صعب ، ويتطلب جهداً
اكثر .. ومن لوازم هذه الأمور الذكورة . بناء على هذا فإن كثيراً من المسائل في الاعمال التفيذية خاصة بالمرأة والرجل لا يحق له أن يتدخل ، ولكن الرجل يشترك لأن الضرورة تقتضي .
لعل شخصاً يقول : إذا كان القائد رجلاً يجب أن تكون المرأة بالنتيجة ، في تماس معه وهذه مشكلة من طرفين .
وجواب هذه المسألة واضح ، فعندما يكون الرجل قائداً له ارتباط بكل المجتمع ، والمرأة قد يكون لها ارتباط بالقائد أوالقاضي أو القائد العسكري ، وهم رجال ، وهذا الارتباط ليس عملها اليومي ، ولكن المراة إذا تولت إحدى المسؤوليات المهمة فإن عملها اليومي هو التعامل مع مئات الرجال ، في حالات شكوى ولقاء وأمثال ذلك وهناك هوة كبيرة بين هذين الموضعين . ولهذا قسمت الأعمال النتفيذية .
الفرق بين المرأة والرجل في المسائل التنفيذية :
من الممكن ان يتوهم شخص ، انه إذا يكن هناك فرق بين المرأة والرجل في الكمالات المعنوية ، فلماذا نرى في قسم مهم من المسائل الفقهية أنه يذكر : ( يشترط في أمور ) ثم تذكر من ضمن المسائل مسألة الذكورة ؟ أو يقال : إن الوالي أو مرجع التقليد يجب أن يكون رجلاً ولماذا لا تستطيع المرأة ان تتصدى للمسؤوليات المهمة ؟ .
جواب الشبهة هو ان الإنسان لديه حساب مع نفسه ، يعود إلى الكمالات النفسية ، ولديه علاقة مع الله ، تعود إلى الكمالات العبودية ، ولديه ارتباط مع عالم الطبيعة بل من مطلق الكون ، بعد إلى الربط العلمي ، ولديه ارتباط بالمجتمع يعود إلى الكمالات الاجتماعية . في هذه الكمالات ليس هناك أي تمايز بين هذين الصنفين وكل شخص موظف لأن يكرم نفسه
ويكون مهذباً ومتواضعاً ويقوم بتزكية النفس ويتخلص من الكبر والحسد ويكون منيع الطبع وقانعاً و ...
في هذه الأقسام ليس هناك أي فرق بين المرأة والرجل . كل الناس مكلفون بان يقووا علاقتهم العبادية مع الله ، رغم ان العبادة : ( الصلاة قربان كل تقي ) وردت بشان الصلاة خاصة ـ من حيث ان الصلاة عمود الدين ـ ولكن جميع الأعمال العبادية والقريبة هي قربان ( الصوم قربان كل تقي ـ الجهاد قربان كل تقي ـ الزكاة قربان كل تقي ) في هذه الناحية العبادية ليس هناك أي فرق بين المرأة والرجل . وفي هذا التعزيز للارتباط بين العبد والخالق ، ليس هناك أي فرق بين المرأة والرجل ، ولكن الرجل له ارتباط بالرجل والمرأة لها ارتباط بالنساء ، كذلك في ( تعزيز الارتباط الاجتماعي ) بين الفرد والمجتمع ليس هناك فرق بين المرأة والرجل . ولكن الرجل له ارتباط بالرجال والمرأة لها ارتباط بالنساء كما قرر العلماء ، لأن ان يكون للرجال ارتباط بالمرأة لها والمرأة ارتباط بالرجل ، الأعمال المشتركة والاجتماعية لها حساب ، والأعمال الخاصة لها حساب آخر .
المرجعية منصب تنفيذي ، ولكن سند المرجعية ، جذر وقيمة المرجعية ، هي بالفقاهة والاجتهاد ، في الفقاهة والاجتهاد ، الذكورة والأنوثة ليست شرطاً ، سند المرجعية في الأساس هي الفقاهة والعدالة ، وهي تحسب من الكمالات وكمال الفقاهة لا هو مشروط بالذكورة ولا ممنوع عن الأنوثة . والعدالة هي أيضاً كذلك ، من الممكن ان تستطيع المرأة في ظل الفقاهة والعدالة ان تخرج تلاميذاً يصبحون مراجع تقليد ، ولكنها لا تتقبل عملاً تنفيذياً ، وليس معلوماً أن المرأة لا تستطيع ان تصبح مرجع تقليد للنساء ، كما أن المرأة تستطيع ان تكون إمام جماعة النساء ، فقط قيل : ان لا تتصدى للأعمال التنفيذية الموجودة بحضور غير المحرم . وإلا تستطيع ان تكتب
بمستوى صاحب الجواهر رضوان الله عليه .