عربي
Thursday 7th of November 2024
0
نفر 0

نصوص الوصية

نصوص الوصية

وقد تكررت الوصية من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعليّ بن أبي طالب (عليه السلام) بالخلافة والإمامة من بعده. منذ السنين الأولى من البعثة والأيام الأولى لإعلان الدعوة إلى الأيام الأخيرة من حياته (صلى الله عليه وآله وسلم).

والذي يتتبع هذه النصوص ويتابع ظروف صدورها يتأكد من أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) كان مكلفاً بنصب علي (عليه السلام) خليفة وإماماً من بعده، وكان يخطط لإعلان هذا العهد على المسلمين بالتدريج، وبصور وصيغ مختلفة، حتى لا يختلف المسلمون بعده في أمر إمامته وولايته من بعده.

وأوّل نص نجده في أمر الوصاية والولاية من بعده (صلى الله عليه وآله وسلم) نص يوم الدار.

وآخر محاولة لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذا الشأن كان على فراش الموت في الأيام الأخيرة من حياته المباركة.

1 ـ نص يوم الدار

وإليك نص يوم الدار في السنين الأولى من البعثة والأيام الأولى من إعلان الدعوة في مكة:

أخرج الطبري حديث الدار في تاريخه([1])، وفي تفسيره([2])، وفي تهذيب الآثار([3]) قال:

حدّثنا([4]) ابن حُميد، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثني محمد بن إسحاق، عن عبدالغفار بن القاسم، عن المنهال بن عمرو، عن عبدالله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، عن عبدالله بن عباس، عن عليّ بن أبي طالب، قال: «لما نزلتْ هذه الآية على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبينَ)، دعاني رسولالله(صلى الله عليه وسلم)فقال لي: يا عليّ، إنّ الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين، فضقتُ بذلك ذرعاً، وعرفت أنّي متى أباديهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره، فصمتّ عليه حتى جاءني جبرئيل فقال: يا محمد، إنك إلاّ تفعل ما تؤمر به يُعذّبك ربّك، فاصنع لنا صاعاً من طعام، واجعل عليه رجلَ شاة، واملأ لنا عُسّاً من لبن; ثم اجمع لي بني عبدالمطلب حتى أكلّمهم، وأبلغهم ما أمرت به، ففعلت ما أمرني به. ثم دعوتُهم له; وهم يومئذ أربعون رجلاً، يزيدون رجلاً أو ينقصونه; فيهم أعمامه: أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب; فلما اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذي صنعت لهم، فجئت به، فلما وضعتُه تناول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حِذيةً من اللحم، فشقّها بأسنانه، ثم ألقاها في نواحى الصّحفة. ثمّ قال: خذُوا بسم الله، فأكل القوم حتى ما لهم بشيء حاجة وما أرى إلاّ موضع أيديهم، وايم الله الذي نفس عليّ بيده; وإن كان الرجل الواحد منهم ليأكل ما قدمت لجميعهم. ثمّ قال: اسق القوم، فجئتهم بذلك العسّ، فشربوا منه حتى روُوا منه جميعاً، وايمُ الله إن كان الرجل الواحد منهم ليَشرب مثله، فلما أراد رسولُ الله(صلى الله عليه وآله وسلم)أن يكلمهم بدرَهُ أبو لهب إلى الكلام، فقال: لَهدَّ ما سحركم صاحبُكم ! فتفرّق القوم ولم يكلّمهم رسولُ الله (صلى الله عليه وسلم)، فقال: الغد يا عليّ; إنّ هذا الرجل سبقني إلى ما قد سمعت من القول، فتفرّق القوم قبل أن أكلّمهم، فعُدْ لنا من الطعام بمثل ما صنعت، ثمّ اجمعهم إليّ.

قال: ففعلتُ، ثمّ جمعتهم ثمّ دعاني بالطعام فقرّبته لهم، ففعل كما فعل بالأمس، فأكلوا حتى ما لهم بشيء حاجة. ثمّ قال: اسقهم، فجئتهم بذلك العُسّ، فشربوا حتى روُوا منه جميعاً، ثمّ تكلّم رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فقال: يا بني عبدالمطلب; إنّي والله ما أعلمُ شابّاً في العرب جاء قومَه بأفضل مما قد جئتكم به; إنّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه، فأيّكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيّي وخليفتي فيكم؟ قال: فأحجم القومُ عنها جميعاً، وقلت; وإني لأحدثُهم سنّاً، وأرمصهم عيناً، وأعظمهم بطناً، وأحمشهم ساقاً: أنا يا نبيّ الله، أكون وزيرَك عليه. فأخذ برقبتي، ثمّ قال: إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا. قال: فقام القوم يضحكون، ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع.

ورواه عن الطبري البغوي في تفسيره([5])، وأخرجه ابن عساكر في تاريخه([6])، قال:

أخبرنا([7]) أبو البركات عمر بن إبراهيم الزيدي العلوي بالكوفة، أنبأنا أبو الفرج محمد بن أحمد بن علاّن الشاهد، أنبأنا محمد بن جعفر بن محمد بن الحسين، أنبأنا أبوعبد الله محمد بن القاسم بن زكريا المحاربي أنبأنا عبّاد بن يعقوب، أنبأنا عبدالله ابن عبدالقدّوس، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن عبّاد بن عبدالله، عن علي بن أبي طالب قال:

لمّا نزلت (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبينَ)قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): ياعلي اصنع لي رجل شاة بصاع من طعام، وأعدّ قعباً من لبن ـوكان القعب قدر ريّ رجلـ قال: ففعلت فقال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا علي اجمع بني هاشم وهم يومئذ أربعون رجلاً ـأو أربعون غير رجلـ فدعا رسول الله(صلى الله عليه وسلم) بالطعام فوضعه بينهم فأكلوا حتى شبعوا وإنّ منهم لمن يأكل الجذعة بإدامها، ثم تناولوا القدح فشربوا حتى رووا وبقي فيه عامّته، فقال بعضهم: ما رأينا كاليوم في السحر !! ـيرون أنه أبو لهب ـ.

ثمّ قال: يا عليّ اصنع رجل شاة بصاع من طعام وأعدّ بقعب من لبن. قال: ففعلت، فجمعهم فأكلوا مثل ما أكلوا بالمرّة الأولى وشربوا مثل المرّة الأولى وفضل منه ما فضل في المرّة الأولى فقال بعضهم: ما رأينا كاليوم في السحر !!!

فقال في المرّة الثالثة : اصنع رجل شاة بصاع من طعام وأعدّ بقعب من لبن. ففعلت فقال: اجمع بني هاشم فجمعتهم فأكلوا وشربوا فبدرهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)بالكلام فقال: أيّكم يقضي ديني ويكون خليفتي ووصيّي من بعدي؟ قال: فسكت العباس مخافة أن يحيط ذلك بماله، فأعاد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)الكلام فسكت القوم وسكت العباس مخافة أن يحيط ذلك بماله، فأعاد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)الكلام الثالثة. قال: وإنّي يومئذ لأسوأهم هيئة، إنّي يومئذ أحمش الساقين أعمش العينين ضخم البطن، فقلت: أنا يا رسول الله.

قال: أنت يا علي أنت يا علي.

2 ـ نص الغدير

حج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في السنة العاشرة من الهجرة حجّة الوداع، وخرج معه خلق كثير من المدينة وممّن توافد على المدينة ليخرجوا مع رسول للحج في تلك السنة. ويتراوح تقدير أصحاب السير لمن خرج مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يومئذ للحج بين تسعين ألفاً ومائة وأربعة وعشرين ألفاً. عدا من حج مع رسول الله في تلك السنة من مكة المكرمة وممن التحق برسول الله في مكة من اليمن ومن العشائر الذين توافدوا إلى مكة للحج.

وفي عودته (صلى الله عليه وآله وسلم) من الحج في طريقه إلى المدينة نزل رسول الله بـ (غدير خم) في يوم صائف شديد الحر في الثامن عشر من ذي الحجة. فأذّن مؤذن رسول الله بردِّ من تقدّم من الناس وحبس من تأخر عنهم في ذلك المكان. فصلّى بالناس الظهر، وكان يوماً هاجراً، يضع الرجل بعض ردائه على رأسه، وبعضه تحت قدميه من شدة الرمضاء. وظلّل لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بثوب على شجرة سمرة من الشمس، فلما انصرف رسول الله من صلاته قام خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه. ثم أخذ بيد علي (عليه السلام)فرفعها حتى رؤي بياض آباطهما وعرفه القوم جميعاً، فقال: «أيّها الناس ألست أولى بكم من أنفسكم؟» قالوا: بلى.

فقال: «من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه» ـيقولها أربع مرات كما يروي أحمد ابن حنبلـ، ثم قال: «اللّهم ّوالِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدرِ الحق معه حيث دار. ألا فليبلّغ الشاهد الغائب».

فلما نزل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الأقتاب التي صفت له، أخذ الناس يهنئون علياً(عليه السلام) يومئذ بالولاية. وممّن هناه يومئذ بالولاية الشيخان أبوبكر وعمر. قالا له: بخ بخ لك يابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة.

هذا مجمل حديث الغدير.

ورغم الظروف السياسية القاسية التي جرت على المسلمين في الصدر الأول من الإسلام في عصر بني أميّة، واهتمام الحكام يومئذ بالتعتيم والتكتم على فضائل الإمام أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام)، فقد شاء الله تعالى أن ينشر حديث الغدير، ويتولّى الصحابة والتابعون لهم بإحسان وطبقات المحدّثين والعلماء بعدهم رواية هذا الحديث حتى استفاض نقله وشاع مما لا يدع مجالاً لإشكال أو تشكيك.

وقد جمع بعض العلماء طرق حديث الغدير. منهم أبو جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب التفسير والتاريخ، يقول ابن كثير في البداية والنهاية([8]): وقد اعتنى بأمر هذا الحديث أبو جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب التفسير والتاريخ فجمع فيه مجلّدين أورد فيهما طرقه وألفاظه.

ومن المتأخرين أفرد السيد حامد حسين اللكهنوي مجلّدين كبيرين لهذا الحديث، بحث في المجلد الأول منهما حديث الغدير من حيث السند، وفي الثاني منهما هذا الحديث من حيث الدلالة والمتن([9]).

وأفرد شيخنا الأميني(رحمه الله) الجزء الأوّل من موسوعته القيّمة الجليلة بأسانيد وطرق هذا الحديث الشريف ومناقشة المؤاخذات التي أوردها بعضهم على سند الحديث ودلالته. وهو من أجّل ما كتب في نصوص الولاية رحمه الله، وتغمده برحمته.

ولست أعرف في الإسلام حدثاً تواترت فيه الروايات وأخذ من اهتمام علماء المسلمين في كل العصور مثل هذا الحدث العظيم.

ولسنا نحتاج بعد هذا النقل المتواتر لحديث الغدير من عصر الصحابة إلى اليوم إلى دراسة سندية لهذا الحديث، ولكنّنا مع ذلك سوف نذكر بعض طرق هذا الحديث الشريف مع دراسة موجزة لرجال إسناده.

روى الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين (3/118 ح4576)، قال:

حدّثني([10]) أبو بكر محمد بن بالويه وأبو بكر أحمد بن جعفر البزار، قالا: حدثنا عبدالله بن أحمد بن حنبل حدّثني أبي، حدّثنا يحيى بن حماد، حدّثنا أبو عوانة، عن سليمان الأعمش، قال: حدّثنا حبيب بن أبي ثابت، عن أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم قال:

لما رجع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من حجة الوداع ونزل غدير خم أمر بدوحات فقُممن فقال: «كأني قد دعيت فأجبت، إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله تعالى وعترتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ثم قال: إن الله عزّ وجلّ مولاي وأنا مولى كل مؤمن. ثم أخذ بيد عليّ(رضي الله عنه) فقال:

«من كنت مولاه فهذا وليه اللّهم والِ من والاه وعادِ من عاداه».

قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

وروى الحاكم في المستدرك (3/631 ح6272) قال:

أخبرني([11]) محمد بن عليّ الشيباني بالكوفة، حدّثنا أحمد بن حازم الغفاري، حدّثنا أبو نعيم، حدّثنا كامل أبو العلاء قال: سمعت حبيب بن أبي ثابت يخبر عن يحيى بن جعدة عن زيد بن أرقم (رضي الله عنه) قال: خرجنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى انتهينا إلى غدير خم، فأمر بروح([12]) فكسح في يوم ما أتى علينا يوم أشد حراً منه، فحمد الله وأثنى عليه، وقال:

«يا أيها الناس، إنه لم يبعث نبيّ قط إلاّ ما عاش نصف ما عاش الذي كان قبله، وإني أوشك أن أدعى فأجيب، وإنّي تارك فيكم ما لن تضلوا بعده: كتاب الله عزّ وجلّ»، ثم قام فأخذ بيد علي (رضي الله عنه) فقال:

«يا أيها الناس من أولى بكم من أنفسكم؟».

قالوا: الله ورسوله أعلم. قال:

«ألست أولى بكم من أنفسكم؟».

قالوا بلى. قال:

«من كنت مولاه فعليّ مولاه».

قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقال الذهبي في التلخيص: صحيح.

وروى الترمذي في السنن في مناقب علي بن أبي طالب (5/591 ح3713)، قال:

حدّثنا([13]) محمد بن بشار، حدّثنا محمد بن جعفر، حدّثنا شعبة عن سلمة بن كهيل قال: سمعت أبا الطفيل يحدّث عن أبي سُريحة أو زيد بن أرقم ـالشك من شعبةـ عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال:

«من كنت مولاه فعليّ مولاه».

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.

وقد روى هذا الحديث عن ميمون أبي عبدالله عن زيد بن أرقم عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم).

وأبو سُريحة: هو حُذيفة بن أسيد الغِفاري صاحب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

وفي مسند أحمد بن حنبل (5/494 ح1793):

حدّثنا([14]) عبدالله، حدّثني أبي، حدّثنا ابن نمير، حدّثنا عبدالملك ـيعني ابن أبي سليمانـ عن عطية العوفي قال: سألت زيد بن أرقم فقلت له: إن ختناً لي حدّثني عنك بحديث في شأن علي (رضي الله عنه) يوم غدير خم فأنا أحب أن أسمعه منك. فقال: إنكم معشر أهل العراق فيكم ما فيكم، فقلت له: ليس عليك مني بأس، فقال: نعم، كنا بالجحفة فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلينا ظهراً وهو آخذ بعضد علي (رضي الله عنه) فقال:

«يا أيّها الناس ألستم تعلمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟».

قالوا: بلى، قال:

«فمن كنت مولاه فعليّ مولاه».

قال: قلت له: هل قال: «اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه»؟ قال: إنما أخبرك كما سمعت.

وفي مسند أحمد أيضاً (5/498 ح18815)، قال:

حدّثنا([15]) عبدالله، حدّثني أبي، حدّثنا حسين بن محمد وأبو نعيم قالا: حدّثنا فطر عن أبي الطفيل قال: جمع عليّ (رضي الله عنه) الناس في الرحبة ثم قال لهم: «أنشد الله كل أمرئ مسلم سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول يوم غدير خم ما سمع لـمّا قام». فقام ثلاثون من الناس.

وقال أبو نعيم: فقام ناس كثير فشهدوا حين أخذه بيده. فقال للناس:

«أتعلمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟» قالوا: نعم، يا رسول الله. قال:

«من كنت مولاه فهذا مولاه اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه» قال: فخرجت وكأن في نفسي شيئاً، فلقيت زيد بن أرقم فقلت له: إني سمعت علياً ـرضي الله تعالى عنهـ يقول كذا وكذا فما تذكر؟ قال قد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)يقول ذلك له.

وروى النسائي في السنن الكبرى (5/45 ح8148)، قال:

أخبرنا([16]) محمد بن المثنى قال: حدّثنا يحيى بن حماد، قال: حدّثنا أبو عوانة عن سليمان قال: حدّثنا حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم قال: لما رجع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن حجة الوداع ونزل غدير خم، أمر بدوحات فقممن ثم قال: «كأنّي قد دُعِيتُ فأجيب، إنّي قد تركت فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، ثم قال: إن الله مولاي وأنا ولي كل مؤمن، ثم أخذ بيد عليّ فقال:

من كنت وليه، فهذا وليه اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه».

وذكره ابن كثير في البداية والنهاية (5/288 حوادث سنة10 هـ)، وقال: قال شيخنا الذهبي وهذا حديث صحيح.

وروى الحافظ أبو عبد الرحمن النسائي في كتاب خصائص أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ص88 ح80)، قال:

أخبرنا([17]) زكريا بن يحيى، قال: حدّثنا نصر بن علي، قال: حدّثنا عبدالله بن داود، عن عبدالواحد بن أيمن عن أبيه أنّ سعداً قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

«من كنت مولاه فعلي مولاه».

وروى ابن ماجة في السنن (1/43 ح116) قال:

حدّثنا علي بن محمد، حدّثنا أبو الحسين، أخبرني حماد بن سلمة عن علي ابن زيد بن جدعان عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب قال: أقبلنا مع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) في حجته التي حجّ. فنزل في بعض الطريق فأمر بالصلاة جامعة فأخذ بيد علي، فقال:

«ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟» قالوا: بلى. فقال:

«ألست أولى بكل مؤمن من نفسه؟» قالوا: بلى. قال:

«فهذا وليّ من أنا مولاه، اللهم والِ من والاه، اللهم عادِ من عاداه».

قال ابن ماجة في الزوائد: إسناده ضعيف لضعف علي بن زيد بن جدعان.

أقول : إنّ ضعف علي بن زيد بن جدعان هو أحد الرأيين في الرجل، والرأي الآخر وهو الأرجح عندنا توثيق الرجل وتصديقه.

قال العجلي: كان يتشيع ولا بأس به. وقال يعقوب بن شيبة: ثقه صالح الحديث. وقال الترمذي: صدوق إلاّ أنه ربما رفع الشيء الذي يوقفه غيره. وقال ابن عدي لم أرَ أحداً من البصريين وغيرهم امتنع من الرواية عنه. وقال الساجي: كان من أهل الصدق([18]).

وروى النسائي في الخصائص (ص86 ح79)، قال:

أخبرنا([19]) أبو داود، قال: حدّثنا أبو نعيم، قال: حدّثنا عبدالملك بن أبي غنيّة، قال: أخبرنا الحكم، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن بريدة، قال: خرجت مع عليّ (رضي الله عنه) إلى اليمن، فرأيت منه جفوة، فقدمت على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فذكرت علياً فتنقصته، فجعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يتغير وجهه، فقال:

«يا بريدة ألستُ أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟» قلت: بلى يا رسول الله، قال:

«من كنت مولاه فعلي مولاه».

ورواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين (3/119 ح4578) بنفس الإسناد وقال:

حدّثنا([20]) محمد بن صالح بن هانئ، حدّثنا أحمد بن نصر، أخبرنا محمد بن علي الشيباني بالكوفة، حدّثنا أحمد بن حازم الغفاري. أنبأنا محمد بن عبدالله العمري، حدّثنا محمد بن إسحاق، حدّثنا محمد بن يحيى وأحمد بن يوسف، قالوا: حدّثنا أبو نعيم، وساق إسناد الحديث والمتن كما في خصائص النسائي.

ورواه ابن كثير في البداية والنهاية (5/228 حوادث سنة 10هـ) عن أحمد بن حنبل قال: قال الإمام أحمد حدّثنا الفضل بن دكين حدّثنا ابن أبي غنيّة عن الحكم عن سعيد بن جبير، وساق السند والمتن كما عند النسائي.

ورجال السند عند النسائي كلهم ثقات وكذا سند الحاكم. وصحّحه الحاكم وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ورواه الذهبي في التلخيص ولم يعلق عليه بنقد أو جرح في إسناده مما يشعر بتصحيحه له. ورجال السند في رواية ابن كثير وأحمد بن حنبل كلهم ثقات، وصحّحه ابن كثير وقال: إسناد جيد قوي رجاله كلهم ثقات.

ورواه أحمد في المسند (6/476 ح22436) بنفس الإسناد والمتن وقال: حدّثنا الفضل بن دكين، حدّثنا ابن عيينة عن الحسن عن سعيد بن جبير، وساق الحديث بنفس الإسناد والمتن، إلاّ أنّ رواية أحمد عن الحسن وليس الحكم وكذلك ابن عيينة والصواب ابن أبي غنيّة بالغين المعجمة. وقد راجعنا الروايه عند ابن كثير فوجدناه يروى عن أحمد عن الحكم كما في إسنادي النسائي والحاكم، وأغلب الظن أنّ الحسن مصحّف والصحيح الحكم بقرينة رواية ابن كثير عن أحمد.

وذكره ابن حجر في الصواعق المحرقة (ص43)، وقال: هذا الحديث صحيح ولفظه عند الطبراني وغيره بسند صحيح.

والحلبي في سيرته (3/274) وقال: هذا حديث صحيح ورد بأسانيد صحاح وحسان ولا التفات لمن قدح في صحته كأبي داود وأبي حاتم الرازي.

والحكيم الترمذي في نوادر الأصول (1/163 الأصل الخمسون).

والحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد (9/164) وقال: رواه الطبراني وفيه زيد ابن الحسن الأنماطي، قال أبو حاتم: منكر الحديث، ووثّقه ابن حبّان، وبقية رجال أحد الإسنادين ثقات.

وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير (3/180 ح3052) وقال:

حدّثنا([21]) محمد بن عبدالله الحضرمي وزكريا بن يحيى الساجي، قالا: حدّثنا نصر بن عبدالرحمن الوشاء، وحدّثنا أحمد بن القاسم بن مساور الجوهري حدّثنا سعيد بن سليمان الواسطي، قالا: حدّثنا زيد بن الحسن الأنماطي، حدّثنا معروف ابن خربوذ عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال:

لما صدر رسولالله (صلى الله عليه وآله وسلم) من حجة الوداع، نهىأصحابه عن شجرات بالبطحاء متقاربات أن ينزلوا تحتهن، ثم بعث إليهن فقمّ ما تحتهن من الشوك وعمد إليهن فصلى تحتهن، ثمّ قام فقال:

«يا أيّها الناس إني قد نبأني اللطيف الخبير أنّه لم يْعَمَّر نبيّ إلاّ نصف عمر الذي يليه من قبله، وإني لأظن أنّي يُوشك أن أدعى فأجيب، وإنّي مسؤول وإنّكم مسؤولون فماذا أنتم قائلون؟».

قالوا: نشهد أنك قد بلغت وجاهدت ونصحت، فجزاك الله خيراً.

فقال: «أليس تشهدون أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمداً عبدُه ورسوله، وأنّ جنته حق وناره حق، وأنّ الموت حق، وأنّ البعث بعد الموت حق، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها، وأنّ الله يبعث من في القبور؟».

قالوا: بلى نشهد بذلك.

قال: «اللهم اشهد ـثم قالـ: أيها الناس إنّ الله مولاي وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فهذا مولاه ـيعني عليّاًـ اللهم والِ من والاه وعادِ من عاده ـثم قالـ:

يا أيها الناس إنّي فَرطكم، وإنّكم واردون عليّ الحوض، حوض أعرض مما بين بصرى وصنعاء، فيه عدد النجوم قدحان من فضة، وإنّي سائلكم حين تردون عليّ عن الثقلين، فانظروا كيف تخلفوني فيهما الثقل الأكبر كتاب الله عزّ وجلّ سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم، فاستمسكوا به لا تضلوا ولا تبدلوا، وعترتي أهل بيتي فإنه نبأني اللطيف الخبير أنهما لن ينقضيا حتىيردا عليّ الحوض».

دلالة نص الغدير :

ولسنا نحتاج أن نقف كثيراً عند دلالة (نص الغدير) ومعنى المولى ولو أنّ الإنسان تجرد عن الخلفيات التاريخية لمسألة الخلاف على الإمامة والخلافة من بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) لم يتوقف كثيراً في دلالة الحديث.

ولو أنّ بعض هذا الإعلان والإشهار كان صادراً من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في غير هذا الأمر الذي اختلف فيه المسلمون أشد الاختلاف، ودخل فيه العامل السياسي فعمّق الخلاف...

أقول: لو كان بعض هذا الإعلان والإشهار صادراً عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) في غير هذا الأمر لما اختلف فيه أحد من المسلمين.

فليس من المعقول ولا من المألوف أن ينزل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بجماهير المسلمين الذين يربو عددهم على مائة ألف في ذلك الهجير الصائف من طريق عودة الحجيج إلى بلادهم، ويأخذ بيد عليّ (عليه السلام) أمام هذا الحشد الكبير حتى يتبين آباطهما، ويشهر ولايته (عليه السلام) عليهم كولايته (صلى الله عليه وآله وسلم) عليهم، إعلاناً، وإشهاراً، ويأمرهم أن يبلّغ الشاهد الغائب... ثمّ يتزاحم المسلمون على عليّ (عليه السلام) ليهنئوه بالولاية... ثم لا يكون لذلك دلالة على (الوصيّة)، ولا يزيد هذا الأمر كله على التذكير بفضائل عليّ (عليه السلام)، وردّ الاعتبار إلى الإمام عليّ (عليه السلام) عن شكوى أسرّ به بعض الأصحاب إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)في جفوة كانت بينه وبين عليّ (عليه السلام) في طريق عودتهم من اليمن... كما يقول الحافظ أبو الفداء بن كثير في البداية والنهاية (5/227 حوادث سنة 10هـ).

يقول أبو الفداء:

فصل في إيراد الحديث الدال على أنّه (عليه السلام) خطب بمكان بين مكة والمدينة مرجعه من حجّة الوداع قريب من الجحفة ـيقال له غدير خمـ فبيّن فيها فضل عليّ ابن أبي طالب وبراءة عرضه مما كان تكلم فيه بعض من كان معه بأرض اليمن.

ولا أعتقد أنّ الحافظ أبا الفداء بن كثير كان يرتضي لنفسه مثل هذا التسطيح والتبسيط للتاريخ بهذه الصورة لو كان هذا الإعلان والإشهار في غير هذا الأمر من أمور المسلمين، ولم يكن محملاً بهذه التبعة التأريخية الثقيلة من الحساسيات السياسية التي تراكمت حول قضية الخلافة السياسية بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

والتشكيك في دلالة (المولى) في النص كالتشكيك في دلالة الحديث والموقف والحشد الكبير الذي أشهر فيهم رسول الله ولاية الإمام عليّ(عليه السلام) يومئذ على المسلمين.

ففي كثير من الطرق الصحيحة لهذا النص يسأل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أولاً: «ألست أولى بكم من أنفسكم؟ وبعد أن يقرّوا له بذلك الإيجاب. يقول (صلى الله عليه وسلم):

«من كنت مولاه فهذا علي مولاه».

وهو نص في إرادة الإمامة من الولاية، أو كالنص، لا يكاد يرتاب فيه أحد إذا تجرد عن الرواسب التاريخية لهذا الخلاف.

ولست أعرف بعد هذه المقدمة والاستفهام من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والإقرار من الناس بولاية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وجهاً للتأمل والتوقف في معنى (المولى) في حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «من كنت مولاه فهذا علي مولاه».

وقد وردت هذه القرينة والسؤال والإقرار في صحاح الروايات كما ذكرنا من قبل.

ثم يعقّب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هذا الإعلان والإشهار لولاية الإمام علي (عليه السلام)بالدعاء لمن يواليه:

«اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله».

وهو دعاء خاص يتضمن معنى إعلان إمامة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)على المسلمين.

وقد ورد الدعاء في طائفة واسعة من ألفاظ روايات الغدير.

وإجمالاً إنّ قراءة مجردةً لنص الغدير بكل ظروفه والقرائن التي تحفُّ به، مجردةً عن مخلّفات الماضي ورواسبه وحسّاسياته كافية لإثبات الوصية والولاية للإمام عليّ(عليه السلام)من بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

3 ـ نص الوصاية

روى ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق في ترجمة الإمام علي بن أبي طالب (3/5 ح1031) قال: أخبرنا([22]) أبوالقاسم ابن السمرقندي أنبأنا أبو الحسين بن النقور، أنبأنا أبو القاسم عيسى بن علي، أنبأنا أبو القاسم البغوي، أنبأنا محمد بن حميد الرازي أنبأنا علي بن مجاهد، أنبأنا محمد بن إسحاق عن شريك بن عبدالله، عن أبي ربيعة الأيادي، عن ابن بريدة عن أبيه قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «لكل نبيّ وصيّ ووارث وإنّ عليّاً وصيي ووارثي».

ورواه أيضاً الهيثمي في مجمع الزوائد (9/114)، وأحمد بن حنبل في المناقب (ص118 ح174)، والطبراني في المعجم الكبير (6/221 ح6063)، وابن المغازلي فيالمناقب(ص200 ح238)، والسيوطي في اللآلئ المصنوعة(1/358)، والخوارزمي في المناقب (ص112 ح121)، وسبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص (ص43) عن أحمد فيالفضائل، وقال: فإن قيل: فقد ضعفوا حديث الوصية، فالجواب: إنّ الحديث الذي ضعّفوه في إسناده إسماعيل بن زيادة تكلّم فيه الدارقطني، والحديث الذي ذكرناه رواه أحمد في الفضائل وليس في إسناده ابن زيادة.


[1]  تاريخ الأُمم والملوك : 2/319.

[2]  جامع البيان: مج11/ج19/121.

[3] تهذيب الآثارـ مسند عليّ: ص62/ح127.

[4] راجع توثيق السند في الملحق رقم1.

[5] المعروف بمعالم التنزيل المطبوع بهامش تفسير الخازن: مج3/ج5/127.

[6] ترجمة الإمام عليّ (عليه السلام) من تاريخ مدينة دمشق: 1/99 ح137.

[7] راجع توثيق السند في الملحق رقم2.

[8] البداية والنهاية : 5/227 حوادث سنة 10 هـ.

[9] وقد أعيد طبعه أخيراً في عشر مجلدات في مدينة قم.

[10] راجع توثيق السند في الملحق رقم3.

[11] راجع توثيق السند في الملحق رقم4.

[12] كذا في المصدر والصحيح بـ (دوح).

[13] راجع توثيق السند في الملحق رقم5.

[14] راجع توثيق السند في الملحق رقم6.

[15] راجع توثيق السند في الملحق رقم7.

[16] راجع توثيق السند في الملحق رقم8.

[17] راجع توثيق السند في الملحق رقم9.

[18] تهذيب التهذيب : 7/283 رقم545.

[19] راجع توثيق السند في الملحق رقم10.

[20] راجع توثيق السند في الملحق رقم11.

[21] راجع توثيق السند في الملحق رقم12.

[22] راجع توثيق السند في الملحق رقم13.

 

 

 

 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

ما هو صبر أيوب ؟
محكمة الآخرة
تشريع صلاة التراويح
الرؤية العقلية
التقية في الاسلام
نصوص الوصية
الجبر والاختيار
في علمه تعالى
موقف الخلافة من المصحف العلوي ومصيره بعد ذلك
عصمة الإمام في القرآن

 
user comment