بسم الله الرحمن الرحيم
(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً)(النور / 55) .
عندما هاجر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلى المدينة ومعه المسلمون رمتهم الأعداء بقوس واحدة ؛ القبائل من الخارج , والمنافقين من الداخل , فكانوا لا ينامون إلاّ والسّلاح معهم , ودائماً على حذر من المشركين وبعض اليهود , فقالوا : هل يأتي يوم نرتاح فيه , ونعبد الله ولا نخاف أحد ؟
فجاءت الآية بالبشرى لهم ولجميع المسلمين , بل لجميع البشر على هذة الكرة الأرضية (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ . . .) .
وجلس رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بين أصحابه في المسجد يحدّثهم ويبشّرهم بانتصار الدين الحق , قال لهم :(( سوف تظهر الجاهليّة , وينتشر الظلم في الأرض في آخر الزمان , وتُنسى السُّنة المحمّدية , وتغفل الناس عن الإسلام الأصيل , ولا يكون من الدين إلاّ اسمه , ومن القرآن إلاّ رسمه . ولا يمكن أن يعود الدين الإسلامي إلى قوّته وسيطرته على البشر عامّة إلاّ إذا ظهر على رأسه مصلح عظيم يجمع الكلمة , ويرد عن الدين تحريف المبطلين )) .
ثمّ قال النبي (صلّى الله عليه وآله) : (( طوبى لمن لاقيه ! طوبى لمن أحبّه ! طوبى لمن قال به ! )) .
وأشار النبي (صلّى الله عليه وآله) إلى الحسين (عليه السّلام) : (( أنت إمام ، ابن إمام ، أخو إمام ، أبٌ لتسعة أئمة آخرهم قائمهم )) .
إذاً البشارة بظهور الإمام المهدي (عليه السّلام) من ولد فاطمة (عليها السّلام) , ومن ولد الإمام الحسين (عليه السّلام) في آخر الزمان ثابتة عن النبي (صلّى الله عليه وآله) بالتواتر , وسجّلها المسلمون جميعاً .
ونحن نؤمن بأنّ الله تعالى أيّد دينه في كلِّ زمان بإمام ؛ إمّا ظاهر مشهور , أو خائف مستور ؛ لئلاّ تبطل حجج الله وبيّناته .
والإمام المهدي (عليه السّلام) كان في الغيبة الصغرى لسبعين عاماً يتّصل بوكلائه الخاصّين , ويرشدهم , وتخرج تواقيعه للناس , وثبت وجوده ونسبه .
وتمكّن الأئمة (عليهم السّلام) خلال قرنين ونصف من عرض الحقائق الإسلاميّة وبيانها , وحرصوا كلَّ الحرص على بيان حقيقة الإمام المنتظر (عليه السّلام) للمقرّبين منهم والخواص ؛ حيث حرص إمامنا العسكري (عليه السّلام) على أن لا ينشر خبر ولادة ابنه الإمام المهدي (عليه السّلام) إلاّ بين أفراد منتخبين من شيعته ومواليه .
إنّ مسألة الإمام المهدي (عليه السّلام) من المسائل الغيبيّة التي ربما لا يتيسر لكثير من الناس معرفتها على كنهها وحقيقتها ؛ فهو الخلف الصالح للأنبياء والأوصياء (عليهم السّلام) , وعنده جميع علومهم وصفاتهم , وفيه سنن منهم ؛ لذلك من أسمائه (عليه السّلام) الخلف الصالح .
نعم تكون له غيبة وحيرة تضل فيها الاُمم , يقبل كالشهاب الثاقب . قال إمامنا الرضا (عليه السّلام) , عن آبائه (عليهم السّلام) , عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : (( مثله كمثل الساعة لا تأتيكم إلاّ بغتة )) .
وأمّا مسألة الغيبة عن الناس , وطول عمر بعض الأنبياء والأوصياء والصالحين (عليهم السّلام) بشكل ربما يقال عنه : إنّه خارج عمّا هو معتاد ومألوف , فليست من الاُمور الغريبة أو الجديدة في الديانات والتشريعات السماويّة .
ألم يغب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عن المسلمين في الغار ثلاثة أيام أثناء هجرته من مكّة إلى المدينة ؟
ألم يغب موسى (عليه السّلام) عن قومه عندما ذهب لميقات ربه أربعين ليلة ؟
ألم يغب يونس (عليه السّلام) عن قومه في بطن الحوت إلى أن شاء الله له بالفرج , (فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) ؟
ألم يكن يوسف الصدّيق (عليه السّلام) نبيّاً بين الناس وهم لا يعرفونه ؟ نعم كانوا يرونه ولا يعرفونه إلى أن شاء الله لذلك .
ألم يختفِ أصحاب الكهف ثلاثمئة عام ثمّ أيقظهم الله تعالى بعد ذلك , وبعثهم من جديد إلى مسرح الحياة ؟
ألم يطل الله تعالى عمر نوح (عليه السّلام) في قومه , (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً …) ؟
ألم يطل الله تعالى عمر العبد الصالح الخضر (عليه السّلام) ؛ حيث إنّ عمره الآن أطول من عمر أمامنا المهدي (عليه السّلام) ؟
ألم نؤمن بأنّ الرسول (صلّى الله عليه وآله) قد اُسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى , ثمّ إلى السماء بفترة وجيزة أقصاها ليلة واحدة ؟ فالأمر الإلهي الذي أتاح للرسول (صلّى الله عليه وآله) التحرك السريع بين الأرض والسماوات قد أتاح لآخر خلفائه المعصومين (عليهم السّلام) العمر المديد , وقبل أن يتاح للعلم ذلك .
إنّ غيبة الإمام المهدي (عليه السّلام) قد أخبر بها النبي (صلّى الله عليه وآله) ومن بعده أئمة أهل البيت (عليهم السّلام) , أخبروا بها قبل وقوعها , وأنها امتحان للناس . روي عن إمامنا الجواد , عن آبائه (عليهم السّلام) , عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) أنه قال : (( للقائم منّا غيبة , أمدها طويل ... ألا فمن ثبت منهم على دينه , ولم يقسُ قلبه لطول غيبت إمامه فهو معي في درجتي يوم القيامة )) .
جعلنا الله من الثابتين على الحق والإيمان والتقوى , وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسّلام على محمّد وآله الطاهرين
(*) تجدر الإشارة إلى أنّ هذا المقال قد اُخذ من بعض المنتديات ـ بتصرّف كبير من موقع معهد الإمامين الحسنين (عليهما السّلام)
source : http://www.alhassanain.com/arabic/show_articles.php?articles_id=1102&link_articles=holy_prophet_and_ahlul_bayt_library/imam_al_mahdi/weladat_alimam_almahdi