عربي
Wednesday 1st of May 2024
0
نفر 0

الحجّ في سيرة أهل البيت(عليهم السلام)

الحجّ في سيرة أهل البيت(عليهم السلام)

 

حجّ الإمام عليّ(عليه السلام)

1 ـ روي عن عبدالله]بن أحمدبن حنبل[ قال: حدثني أبي، حدثنا يعقوب حدثنا عن ابن إسحاق حدثني يحيى بن عبّاد بن عبدالله بن الزبير عن أبيه عن عبدالله بن الزبير قال: والله إنّا لمعَ عثمان بن عفان بالجُحفة، ومعه رهط من أهل الشام، فيهم حبيب بن مسْلمة الفِهري، إذ قال عثمان، وذُكر له التمتع بالعمرة الى الحجّ: إنّ أتمّ الحجّ والعمرة أن لا يكونا في أشهر الحجّ، فلو أخّرتم هذه العمرة حتى تزوروا هذا البيت زورتين كان أفضل، فإنّ الله تعالى قد وسّع في الخير، وعليّ بن أبي طالب(رضي الله عنه)في بطن الوادي يعلفُ بعيراً له، قال: فبلغه الذي قال عثمان، فأقبل حتى وقف على عثمان(رضي الله عنه)، فقال: أَعَمدت الى سُنّة سنّها رسول الله(صلى الله عليه وآله)، ورخصة رخّص الله تعالى بها للعباد في كتابه، تُضيّق عليهم فيها وتنهى عنها؟ وقد كانت لذي الحاجة ولنائي الدار؟ ثم أهلّ بحجّة وعمرة معاً، فأقبل عثمان (رضي الله عنه)على الناس فقال: وهل نهيتُ عنها؟  إنّي
لم أنْه عنها، إنّما كان رأياً أشرت به، فمن شاء أخذ ومن شاء تركه.

2 ـ وعنه أيضاً، قال حدثني أبي، حدثنا يعقوب حدثنا أبي عن ابن إسحاق حدثني عبدالله بن أبي سَلمة عن مسعود بن الحكم الأنصاري ثم الزُّرقي عن أُمّه أنها حدثته قالت: لَكأني أنظر الى عليّ بن أبي طالب(رضي الله عنه)وهو على بغلة رسول الله(صلى الله عليه وآله) البيضاء، حين وقف على شِعب الأنصار في حجّة الوداع، وهو يقول: «أيّها الناس، إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول: «انّها ليست بأيام صيام، إنّما هي أيامُ أكل وشرب وذكر»([1]).

3  ـ وروى مسلم في صحيحه عن محمّد بن المثنّى وابن بشّار، قال ابن المُثنى: حدثنا محمّد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن قتادة، قال: قال عبدالله بن شقيق: كان عثمان يَنهى عن المتعة، وكان عليّ يأمر بها، فقال عثمان لعليّ كلمة، ثم قال عليّ: لقد علمت أنّا قد تمتّعنا مع رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فقال: أجل، ولكنّا كنّا خائفين.

4 ـ وحدّثنيه يحيى بن حبيب الحارثي، حدثنا خالد ـ يعني: ابن الحارث ـ ، أخبرنا شُعبة بهذا الإسناد، مثله([2]) .

5 ـ وعنه أيضاً، عن محمّد بن المثنى ومحمّد بن بشّار، قالا:
حدثنا محمّد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرّة، عن سعيد بن المُسيب، قال: اجتمع عليّ وعثمان رضي الله عنهما بعسفان، فكان عثمان يَنهى عن المتعة أو العمرة، فقال عليّ: «ما تريد الى أمر فعله رسول الله(صلى الله عليه وآله)، تنهى عنه؟» فقال: عثمان: دعنا منك، فقال: إنّي لا استطيع أن أدعك، فلمّا أن رأى عليّ ذلك، أهلَّ بهما جميعاً ـ ([3]) .


 

حجّ السبطين

الإمامين الحسن والحسين(عليهما السلام)

 

حجّ الإمام الحسن بن عليّ(عليهما السلام)

1 ـ كان الإمام الحسن السبط(عليه السلام) إذا أراد الوضوء تغيّر حاله، وداخله خوف عميق حتى يصفر لونه وترتعد فرائصه، وسئل عن سرّ ذلك فقال:

«حقّ على من وقف بين يدي ربّ العرش أن ترتعد فرائصه، ويصفرّ لونه...».

وإذا فرغ من الوضوء وأراد الدخول إلى المسجد رفع صوته قائلاً:

«إلهي: ضيفك ببابك، يا محسن قد أتاك المسيء، فتجاوز عن قبيح ماعندي بجميل ما عندك يا كريم»([4]) .

وإذا أقبل على صلاته بدا عليه الخضوع والخشوع، وظهر عليه الخوف حتى ترتعد جميع فرائصه وأعضائه([5]) وإذا فرغ من صلاة الفجر لا يتكلم إلاّ بذكر الله حتى تطلع الشمس([6]) .

ومن مظاهر عبادته وعظيم إخلاصه وطاعته لله تعالى أنّه حجّ بيت الله الحرام خمساً وعشرين حجّة ماشياً على قدميه وكانت النجائب([7])، تقاد بين يديه وسئل عن كثرة حجّه ماشياً فأجاب:

«إنّي أستحيي من ربّي أن لا أمضي إلى بيته ماشياً على قدمي»([8]) .

 


 

حجّ الإمام الحسين بن عليّ(عليهما السلام)

كان الإمام السبط الحسين بن عليّ(عليهما السلام) كثير الحجّ وقد حجّ خمساً وعشرين حجّة ماشياً على قدميه([9]) وكانت نجائبه تقاد بين يديه([10]) وكان يمسك الركن الأسود ويناجي الله ويدعو قائلاً:

«إلهي أنعمتني فلم تجدني شاكراً، وابتليتني فلم تجدني صابراً، فلا أنت سلبت النعمة بترك الشكر، ولا أدمت الشدّة بترك الصبر، إلهي ما يكون من الكريم إلاّ الكرم...»([11]) .

وخرج (عليه السلام) معتمراً لبيت الله فمرض في الطريق فبلغ ذلك أباه أميرالمؤمنين(عليه السلام) وكان في يثرب فخرج في طلبه فأدركه في (السقيا) وهو مريض فقال له:

«يا بني ما تشتكي؟».

«أشتكي رأسي»

فدعا أمير المؤمنين ببدنة فنحرها وحلق رأسه وردّه إلى المدينة، فلما أبل من مرضه قفل راجعاً إلى مكّة واعتمر([12]) .

 

دعاء الإمام الحسين(عليه السلام) يوم عرفة([13])

«اَلْحَمْدُ للهِ الَّذي لَيْسَ لِقَضآئِهِ دافِعٌ، وَلا لِعَطائِهِ مانِعٌ، وَلا كَصُنْعِهِ صُنْعُ صانِع، وَهُوَ الْجَوادُ الْواسِعُ، فَطَرَ أَجْناسَ الْبَدائِعِ، وأَتْقَنَ بِحِكْمَتِهِ الصَّنائِعَ، لا تَخْفى عَلَيْهِ الطَّلائِعُ، وَلا تَضيعُ عِنْدَهُ الْوَدائِعُ، جازي كُلِّ صانِع، وَرائِشُ كُلِّ قانع، وَراحِمُ كُلِّ ضارِع، وَمُنْزِلُ الْمَنافِعِ وَالْكِتابِ الْجامِعِ بِالنُّورِ السّاطِعِ، وَهُوَ لِلدَّعَواتِ سامِعٌ، وَلِلْكُرُباتِ دافِعٌ، وَلِلدَّرَجاتِ رافِعٌ، وَلِلْجَبابِرَةِ قامِعٌ، فَلا إِلهَ غَيْرُهُ، وَلا شَيءَ يَعْدِلُهُ، وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ، وَهُوَ السَّميعُ الْبَصيرُ، اللَّطيفُ الْخَبيرُ، وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيء قَديرٌ.

اَللّهُمَّ إِنّي أَرْغَبُ إِلَيْكَ، وَأَشْهَدُ بِالرُّبُوبِيَّةِ لَكَ، مُقِرّاً بِاَنَّكَ رَبّي، وإِلَيْكَ مَرَدّي، إِبْتَدَأتَني بِنِعْمَتِكَ قَبْلَ أَنْ أَكُونَ شَيْئاًمَذكوراً، وَخَلَقْتَني مِنَ التُّرابِ، ثُمَّ أَسْكَنْتَنِي الاَْصْلابَ، آمِناً لِرَيْبِ الْمَنُونِ، وَاخْتِلافِ الدُّهُورِ والسِّنينَ، فَلَمْ أَزَلْ ظاعِناً مِنْ صُلْب إِلى رَحِم، في تَقادُم مِنَ الاَْيّامِ الْماضِيَةِ، وَالْقُرُونِ الْخالِيَةِ، لَمْ تُخْرِجْني لِرَأفَتِكَ بي وَلُطْفِكَ لي وَإِحْسانِكَ إِلَيَّ في دَوْلَةِ أَئِمَّةِ الْكُفْرِ الَّذينَ نَقَضُوا عَهْدَكَ وَكَذَّبُوا رُسُلَكَ، لكِنَّكَ أَخْرَجْتَني للَّذي سَبَقَ لي مِنَ الْهُدى، الَّذي لَهُ يَسَّرْتَني، وَفيهِ أَنْشَأْتَني، وَمِنْ قَبْلِ ذلِكَ رَؤُفْتَ بي بِجَميلِ صُنْعِكَ، وَسَوابِغِ نِعَمِكَ، فابْتَدَعْتَ خَلْقي مِنْ مَنِىّ يُمْنى، وَأَسْكَنْتَني في ظُلُمات ثَلاث، بَيْنَ لَحْم وَدَم وَجِلْد، لَمْ تُشْهِدْني خَلْقي، وَلَمْ تَجْعَلْ إِلَيَّ شَيْئاً مِنْ أَمْري.

ثُمَّ أَخْرَجْتَني لِلَّذي سَبَقَ لي مِنَ الْهُدى إِلَى الدُّنْيا تامّاً سَوِيّاً، وَحَفِظْتَني فِي الْمَهْدِ طِفْلاً صَبِيّاً، وَرَزَقْتَني مِنَ الْغِذاءِ لَبَناً مَرِيّاً، وَعَطَفْتَ عَلَيَّ قُلُوبَ الْحَواضِنِ، وَكَفَّلْتَنِي الاُْمَّهاتِ الرَّواحِمَ، وَكَلأْتَني مِنْ طَوارِقِ الْجانِّ، وَسَلَّمْتَني مِنَ الزِّيادَةِ وَالنُّقْصانِ، فَتَعالَيْتَ يا رَحيمُ يا رَحْمنُ، حتّى اِذَا اسْتَهْلَلْتُ ناطِقاً بِالْكَلامِ، أَتْمَمْتَ عَلَيَّ سَوابِغَ الإنْعامِ، وَرَبَّيْتَني زائِداً في كُلِّ عام، حَتّى إذَا اكْتَمَلَتْ فِطْرَتي، وَاعْتَدَلَتْ مِرَّتي([14])، أَوْجَبْتَ عليَّ حُجَتَّكَ، بِأَنْ أَلْهَمْتَني مَعْرِفَتَكَ، وَرَوَّعْتَني بِعَجايِبِ حِكْمَتِكَ، وَأَيْقَظْتَني لِما ذَرَأتَ في سَمآئِكَ وَأَرْضِكَ مِنْ بَدائِعِ خَلْقِكَ، وَنَبَّهْتَني لِشُكْرِكَ، وَذِكْرِكَ، وَأَوجَبْتَ عليَّ طاعَتَكَ وَعِبادَتَكَ، وَفَهَّمْتَني ما جاءَتْ بِهِ رُسُلُكَ، وَيَسَّرْتَ لي تَقَبُّلَ مَرْضاتِكَ، وَمَنَنْتَ عليَّ في جَميعِ ذلِكَ بِعَونِكَ وَلُطْفِكَ.

ثُمَّ إِذْ خَلَقْتَني مِنْ خَيْرِ الثَّرى، لَمْ تَرْضَ لي ياإِلهي نِعْمَةً دُونَ أُخرى، وَرَزَقْتَني مِنْ أَنواعِ الْمَعاشِ، وَصُنُوفِ الرِّياشِ بِمَنِّكَ الْعَظيمِ الاَْعْظَمِ عليَّ، وَإِحْسانِكَ الْقَديمِ إِلَيَّ، حَتّى إِذا أَتْمَمْتَ عليَّ جَميعَ النِّعَمِ، وَصَرَفْتَ عَنّي كُلَّ النِّقَمِ، لَمْ يَمْنَعْكَ جَهْلي وَجُرْأَتي عَلَيْكَ أَنْ دَلَلْتَني إِلى ما يُقَرِّبُني إِلَيْكَ، وَوفَّقْتَني لِما يُزْلِفُني لَدَيْكَ، فَإِنْ دَعْوَتُكَ أَجَبْتَني، وَإِنْ سَأَلْتُكَ أَعْطَيْتَني، وَإِنْ أَطَعْتُكَ شَكَرْتَني، وَإِنْ شَكَرْتُكَ زِدْتَني، كُلُّ ذلِكَ إِكْمالٌ لاَِنْعُمِكَ عليَّ، وَإِحْسانِكَ إِلَيَّ، فَسُبْحانَكَ سُبْحانَكَ، مِنْ مُبْدِيء مُعيد، حَميد مجيد، تَقَدَّسَتْ أَسْماؤُكَ، وَعَظُمَتْ آلاؤُكَ، فَأَيُّ نِعَمِكَ ياإِلهي أُحْصي عَدَداً وَذِكْراً، أَمْ أَيُّ عَطاياكَ أَقُومُ بِها شُكْراً، وَهِيَ يا رَبِّ أَكْثرُ مِنْ أَنْ يُحْصِيَهَا الْعآدّوُنَ، أَوْ يَبْلُغَ عِلْماً بِهَا الْحافِظُونَ، ثُمَّ ما صَرَفْتَ وَدَرَأْتَ عَنّي أَللّهُمَّ مِنَ الضُرِّ وَالضَّرّآءِ، أَكْثَرَ مِمّا ظَهَرَ لي مِنَ الْعافِيَةِ وَالسَّرّآءِ.

وَأَنَا أَشْهَدُ ياإِلهي بِحَقيقَةِ إيماني، وَعَقْدِ عَزَماتِ يَقيني، وَخالِصِ صَريحِ تَوْحيدي، وَباطِنِ مَكْنُونِ ضَميري، وَعَلائِقِ مَجاري نُورِ بَصَري، وَأَساريرِ صَفْحَةِ جَبيني([15])، وَخُرْقِ مَسارِبِ نَفْسي([16])، وَخَذاريفِ([17]) مارِنِ([18]) عِرْنَيني، وَمَسارِبِ سِماخِ([19]) سَمْعي، وَما ضُمَّتْ وَأَطبَقَتْ عَلَيْهِ شَفَتايَ، وَحرِكاتِ لَفظِ لِساني، وَمَغْرَزِ([20]) حَنَكِ فَمي وَفَكّي، وَمَنابِتِ([21]) أَضْراسي، وَمَساغِ([22]) مَطْعَمي وَمَشْرَبي، وَحِمالَةِ أُمِّ رَأْسي([23])، وَبُلُوغِ فارِغِ حبائِلِ عُنُقي، وَمَا اشْتَمَلَ عَليْهِ تامُورُ([24])صَدري، وَحمائِلِ حَبْلِ وَتيني([25])، وَنِياطِ([26]) حِجابِ قَلْبي، وَأَفْلاذِ حَواشي كَبِدي، وَما حَوَتْهُ شَراسيفُ([27]) أَضْلاعي، وَحِقاقُ([28]) مَفاصِلي، وَقَبضُ عَوامِلي، وَأَطرافُ أَنامِلي وَلَحْمي وَدَمي، وَشَعْري وَبَشَري، وَعَصَبي وَقَصَبي، وَعِظامي وَمُخّي وَعُرُوقي، وَجَميعُ جَوارِحي، وَمَا انْتَسَجَ عَلى ذلِكَ أَيّامَ رَِضاعي، وَما أَقلَّتِ الاَْرْضُ مِنّي، وَنَوْمي وَيقَظَتي وَسُكُوني وَحرَكاتِ رُكُوعي وَسُجُودي، أَنْ لَوْ حاوَلْتُ وَاجْتَهَدْتُ مَدَى الاَْعصارِ وَالاَْحْقابِ لَوْ عُمِّرْتُها أَنْ أُؤَدِّيَ شُكْرَ واحِدَة مِنْ أَنْعُمِكَ مَا اسْتَطَعْتُ ذلِكَ إلاّ بِمَنِّكَ الْمُوجَبِ عليَّ بِهِ شُكْرَكَ أَبَداً جَديداً، وَثَنآءً طارِفاً عَتيداً.

أَجَلْ وَلوْ حَرَصْتُ أَنَا وَالْعادُّونَ مِنْ أَنامِكَ، أَنْ نُحْصِيَ مَدى إِنْعامِكَ، سالِفِهِ وَآنِفِهِ ما حَصَرْناهُ عَدَداً، وَلا أَحْصَيناهُ أَمَداً، هَيْهاتَ أنّى ذلِكَ وَأَنْتَ الُْمخْبِرُ في كِتابِكَ النّاطِقِ، وَالنَّبَأِ الصّادِقِ، وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ
اللهِ لا تُحْصُوها، صَدَقَ كِتابُكَ أَللّهُمَّ وَاِنْبآؤُكَ، وَبَلَّغَتْ أَنْبِيآؤُكَ وَرُسُلُكَ، ما أَنْزَلْتَ عَلَيْهِمْ مِنْ وَحْيِكَ، وَشَرَعْتَ لَهُمْ وَبِهِمْ مِنْ دينِكَ، غَيْرَ أَنّي ياإِلهي أَشْهَدُ بِجَُهْدي وَجِدّي، وَمَبْلَغِ طاعَتي وَوُسْعي، وَأَقُولُ مُؤْمِناً مُوقِناً، اَلْحَمْدُ للهِ الَّذي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً فَيَكُونَُ مَوْرُوثاً، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَريكٌ في مُلْكِهِ فَيُضادَُّهُ فيَما ابْتَدَعَ، وَلا وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ فَيُرْفِدَهُ فيما صَنَعَ، فَسُبْحانَهُ سُبْحانَهُ، لَوْ كانَ فيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتا وَتَفَطَّرَتا، سُبْحانَ اللهِ الْواحِدِ الاَْحَدِ الصَّمَدِ الَّذي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً اَحَدٌ، اَلْحَمْدُ للهِ حَمْداً يُعادِلُ حَمْدَ مَلائِكَتِهِ الْمُقَرَّبينَ، وَأَنْبِيآئِهِ الْمُرْسَلينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلى خِيَرَتِهِ مُحَمَّد خاتَمِ النَّبِيّينَ، وَآلِهِ الطَّيِبينَ الطّاهِرينَ المُخلَصينَ وَسَلَّمَ .

ثمّ اندفع في المسألة واجتهد في الدّعاء ، وقال  وعيناه سالتا دموعاً :

أَللّهُمَّ اجْعَلْني أَخْشاكَ كَأُنّي أَراكَ، وَأَسْعِدْني بِتَقواكَ، وَلا تُشْقِني بِمَعْصِيَتِكَ، وَخِرْ لي في قَضآئِكَ، وَبارِكْ لي في قَدَرِكَ، حَتّى لا أُحِبَّ تَعْجيلَ ما أَخَّرْتَ وَلا تَأخيرَ ما عَجَّلْتَ. اَللّهُمَّ اجْعَلْ غِنايَ في نَفْسي، وَالْيَقينَ في قَلْبي، وَالاِْخْلاصَ في عَمَلي، وَالنُّورَ في بَصَري، وَالْبَصيرَةَ في ديني، وَمَتِّعْني بِجَوارِحي، وَاجْعَلْ سَمْعي وَبَصَرىَ الْوارِثَيْنِ مِنّي، وَانْصُرْني عَلى مَنْ ظَلَمَني، وَأَرِني فيهِ ثَاْري وَمَآرِبي، وَأَقِرَّ بِذلِكَ عَيْني. اَللَّهُمَّ اكْشِفْ كُرْبَتي، وَاسْتُرْ عَوْرَتي، وَاغْفِرْ لي خَطيئَتي، وَاخْسَأْ شَيْطاني، وَفُكَّ رِهاني، وَاْجَعْلْ لي ياإِلهي الدَّرَجَةَ الْعُلْيا فِي الاْخِرَةِ وَالاُْوْلى.

أَللّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كَما خَلَقْتَني فَجَعَلْتَني سَميعاً بَصيراً، وَلَكَ الْحَمْدُ كَما خَلَقْتَني فَجَعَلْتَني خَلْقاً سَوِيّاً رَحْمَةً بي، وَقَدْ كُنْتَ عَنْ خَلْقي غَنِيّاً، رَبِّ بِما بَرَأْتَنْي فَعَدَّلْتَ فِطْرَتي، رَبِّ بِما أَنَشَأْتَني فَأَحْسَنْتَ صُورَتي، رَبِّ بِما أَحْسَنْتَ إِلَيَّ وَفي نَفْسي عافَيْتَني، رَبِّ بِما كَلاَتَني وَوَفَّقْتَني، رَبِّ بِما أَنَعْمَتَ عليَّ فَهَدَيْتَني، رَبِّ بِما أَوْلَيْتَني وَمِنْ كُلِّ خَيْر اَعْطَيْتَني، رَبِّ بِما أَطْعَمْتَني وَسَقَيْتَني، رَبِّ بِما أَغْنَيْتَني وَأَقْنَيْتَني، رَبِّ بِما أَعَنْتَني وَأَعْزَزْتَني، رَبِّ بِما أَلْبَسْتَني مِنْ سِتْرِكَ الصّافي، وَيَسَّرْتَ لي مِنْ صُنْعِكَ الْكافي، صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، وَأَعِنّي عَلى بَوائِقِ الدُّهُورِ، وَصُرُوفِ اللَّيالي وَالاَْيّامِ، وَنَجِّني مِنْ أَهْوالِ الدُّنْيا وَكُرُباتِ الاْخِرَةِ، وَاكْفِني شَرَّ ما يَعْمَلُ الظّالِمُونَ فِي الاَْرْضِ. اَللّهُمَّ ما أَخافُ فَاكْفِني، وَما أَحْذَرُ فَقِني، وَفي نَفْسي وَديني فَاحْرُسْني، وَفي سَفَري فَاحْفَظْني، وَفي أَهْلي وَمالي فَاخْلُفْني، وَفي ما رَزَقْتَني فَبارِكْ لي، وَفي نَفْسي فَذلِّلْني، وَفي أَعْيُنِ النّاسِ فَعَظِّمْني، وَمِنْ شَرِّ الْجِنِّ وَالاِْنْسِ فَسَلِّمْني، وَبِذُنُوبي فَلا تَفْضَحْني وَبِسَريرَتي فَلا تُخْزِني، وَبِعَمَلي فَلا تَبْتَلِني، وَنِعَمَكَ فَلا تَسْلُبْني، وَإِلى غَيْرِكَ فَلا تَكِلْني.

إِلهي إِلى مَنْ تَكِلُني؟ إِلى قَريب فَيَقطَعُني، أَمْ إِلى بَعيد فَيَتَجَهَّمُني، أَمْ إِلَى الْمُسْتَضْعِفينَ لي؟، وَأَنْتَ رَبّي وَمَليكُ أَمْري، أَشْكُو إِلَيْكَ غُرْبَتي وَبُعْدَ داري، وَهَواني عَلى مَنْ مَلَّكْتَهُ أَمْري، إِلهي فَلا تُحْلِلْ عليَّ غَضَبَكَ، فَإنْ لَمْ تَكُنْ غَضِبْتَ عليَّ فَلا أُبالي، سُبْحانَكَ غَيْرَ أَنَّ عافِيَتَكَ أَوْسَعُ لي، فَأَسْأَلُكَ يا رَبِّ بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذي أَشْرَقَتْ لَهُ الاَْرْضُ وَالسَّماواتُ، وَكُشِفَتْ بِهِ الظُّلُماتُ، وَصَلُحَ بِهِ أَمْرُ الاَْوَّلينَ وَالاْخِرِينَ، أَنْ لا تُميتَني عَلى غَضَبِكَ، وَلا تُنْزِلْ بي سَخَطَكَ، لَكَ الْعُتْبى لَكَ الْعُتْبى حَتّى تَرْضى قَبْلَ ذلِك، لا إِلهَ إلاّ أَنْتَ، رَبَّ الْبَلَدِ الْحَرامِ وَالْمَشْعَرِ الْحَرامِ، وَالْبَيْتِ الْعَتيقِ الَّذي أَحْلَلْتَهُ الْبَرَكَةَ، وَجَعَلْتَهُ لِلنّاسِ اَمْنَاً، يا مَنْ عَفا عَنْ عَظيمِ الذُّنُوبِ بِحِلْمِهِ، يا مَنْ أَسْبَغَ النَّعْمآءَ بِفَضْلِهِ، يا مَنْ أَعْطَى الْجَزيلَ بِكَرَمِهِ.

يا عُدَّتي في شِدَّتي، يا صاحِبي في وَحْدَتي، يا غِياثي في كُرْبَتي، يا وَلِيّي في نِعْمَتي، يا إِلهي وَإِلهَ آبائي إِبْراهيمَ وَإِسْماعيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ، وَرَبَّ جَبْرَئيلَ وَميكائيلَ وَإِسْرافيلَ، وَربَّ مُحَمَّد خاتَمِ النَّبِيّيينَ وَآلِهِ الْمُنْتَجَبينَ، مُنْزِلَ التَّوراةِ وَالاِْنْجيلَ، وَالزَّبُورِ وَالْفُرْقانِ، وَمُنَزِّلَ كهيعص، وَطه وَيس، وَالْقُرآنِ الْحَكيمِ، أَنْتَ كَهْفي حينَ تُعيينِي الْمَذاهِبُ في سَعَتِها، وَتَضيقُ بِيَ الاَْرْضُ بِرُحْبِها، وَلَوْلا رَحْمَتُكَ لَكُنْتُ مِنَ الْهالِكينَ، وَأَنْتَ مُقيلُ عَثْرَتي، وَلَوْلا سَتْرُكَ إِيّايَ لَكُنْتُ مِنَ الْمَفْضُوحِينَ، وَأَنْتَ مُؤَيِّدي بِالنَّصْرِ عَلى أَعْدآئي، وَلَوْلا نَصْرُكَ إِيّايَ لَكُنْتُ مِنَ الْمَغْلُوبينَ، يا مَنْ خَصَّ نَفْسَهُ بِالْسُّمُوِّ وَالرِّفْعَةِ، فَأَوْلِيآؤهُ بِعِزِّهِ يَعْتَزُّونَ، يا مَنْ جَعَلَتْ لَهُ الْمُلُوكُ نَيرَ الْمَذَلَّةِ عَلى أَعْناقِهِمْ فَهُمْ مِنْ سَطَواتِهِ خائِفُونَ، يَعْلَمُ خائِنَةَ الاَْعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ وَغَيْبَ ما تَأتِي بِهِ الاَْزْمِنَةُ وَالدُّهُورُ، يا مَنْ لا يَعْلَمُ كَيْفَ هُوَ إلاّ هُوَ، يا مَنْ لا يَعْلَمُ ما هُوَ إلاّ هُوَ، (يا مَنْ لا يَعْلَم ما يَعْلَمُهُ إلاّ هُوَ)([29])، يا مَنْ كَبَسَ الاَْرْضَ عَلَى الْماءِ، وَسَدَّ الْهَوآءَ بِالسَّماءِ، يا مَنْ لَهُ أَكْرَمُ الاَْسْماءِ، يا ذَا الْمَعْرُوفِ الَّذي لا يَنْقَطِعُ أَبَداً، يا مُقَيِّضَ الرَّكْبِ لِيُوسُفَ فِى الْبَلَدِ الْقَفْرِ، وَمُخْرِجَهُ مِنَ الْجُبِّ وَجاعِلَهُ بَعْدَ الْعُبودِيَّةِ مَلِكاً، يا رادَّهُ عَلى يَعْقُوبَ بَعْدَ أَنِ ابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظيمٌ، يا كاشِفَ الضُّرِّ وَالْبَلْوى عَنْ أَيُّوبَ، وَمُمْسِكَ يَدَيْ إِبْراهيمَ عَنْ ذَبْحِ ابْنِهِ بَعْدَ كِبَرِ سِنِّهِ، وَفَنآءِ عُمُرِهِ، يا مَنِ اسْتَجابَ لِزَكَرِيّا فَوَهَبَ لَهُ يَحْيى، وَلَمْ يَدَعْهُ فَرْداً وَحيداً، يا مَنْ أَخْرَجَ يُونُسَ مِنْ بَطْنِ الْحُوتِ، يا مَنْ فَلَقَ الْبَحْرَ لِبَني إِسْرآئيلَ فَأَنْجاهُمْ، وَجَعَلَ فِرْعَوْنَ وَجُنُودَهُ مِنَ الْمُغْرَقينَ، يا مَنْ أَرْسَلَ الرِّياحَ مُبَشِّرات بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ، يا مَنْ لَمْ يَعْجَلْ عَلى مَنْ عَصاهُ مِنْ خَلْقِهِ، يا مَنِ اسْتَنْقَذَ السَّحَرَةَ مِنْ بَعْدِ طُولِ الْجُحُودِ، وَقَدْ غَدَوْا في نِعْمَتِهِ يَأكُلُونَ رِزْقَهُ، وَيَعْبُدُونَ غَيْرَهُ، وَقَدْ حادُّوهُ وَنادُّوهُ وَكَذَّبُوا رُسُلَهُ.

يا اَللهُ يا اَللهُ، يا بَديُ يا بَديعُ، لا نِدَّلَكَ، يا دائِماً لا نَفَادَ لَكَ، يا حَيّاً حينَ لا حَيَّ، يا مُحْيِيَ الْمَوْتى، يا مَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْس بِما كَسَبَتْ، يا مَنْ قَلَّ لَهُ شُكْري فَلَمْ يَحْرِمْني، وَعَظُمَتْ خَطيئَتي فَلَمْ يَفْضَحْني، وَرَآني عَلَى الْمَعاصي فَلَمْ يَشْهَرْني، يا مَنْ حَفِظَني في صِغَري، يا مَنْ رَزَقَني في كِبَري، يا مَنْ أَياديهِ عِنْدي لا تُحْصى، وَنِعَمُهُ لا تُجازى، يا مَنْ عارَضَني بِالْخَيْرِ والاِْحْسانِ، وَعارَضْتُهُ بِالاِْساءَةِ وَالْعِصْيانِ، يا مَنْ هَداني لِلاْيمانِ مِنْ قَبْلِ أَنْ أَعْرِفَ شُكْرَ الاِْمْتِنانِ، يا مَنْ دَعَوْتُهُ مَريضاً فَشَفاني، وَعُرْياناً فَكَساني، وَجائِعاً فَأَشْبَعَني، وَعَطْشاناً فَأرْواني، وَذَليلاً فَأَعَزَّني، وَجاهِلاً فَعَرَّفَني، وَوَحيداً فَكَثَّرَني، وَغائِباً فَرَدَّني، وَمُقِلاًّ فَأَغْناني، وَمُنْتَصِراً فَنَصَرَني، وَغَنِيّاً فَلَمْ يَسْلُبْني، وَأَمْسَكْتُ عَنْ جَميعِ ذلِكَ فَابْتَدَاَني، فَلَكَ الْحَمْدُ وَالشُّكْرُ، يا مَنْ أَقالَ عَثْرَتي، وَنَفَّسَ كُرْبَتي، وَأَجابَ دَعْوَتي، وَسَتَرَ عَوْرَتي، وَغَفَرَ ذُنُوبي، وَبَلَّغَني طَلِبَتي، وَنَصَرَني عَلى عَدُوّي، وَإِنْ أَعُدَّ نِعَمَكَ وَمِنَنَكَ وَكَرائِمَ مِنَحِكَ لا أُحْصيها.

يا مَوْلايَ أَنْتَ الَّذي مَنْنْتَ، أَنْتَ الَّذي اَنْعَمْتَ، أَنْتَ الَّذي اَحْسَنْتَ، أَنْتَ الَّذي اَجْمَلْتَ، أَنْتَ الَّذي أَفْضَلْتَ، أَنْتَ الَّذي أَكْمَلْتَ، أَنْتَ الَّذي رَزَقْتَ، أَنْتَ الَّذي وَفَّقْتَ، أَنْتَ الَّذي أَعْطَيْتَ، أَنْتَ الَّذي اَغْنَيْتَ، أَنْتَ الَّذي اَقْنَيْتَ، أَنْتَ الَّذي آوَيْتَ، أَنْتَ الَّذي كَفَيْتَ، أَنْتَ الَّذي هَدَيْتَ، أَنْتَ الَّذي عَصَمْتَ، أَنْتَ الَّذي سَتَرْتَ، أَنْتَ الَّذي غَفَرْتَ، أَنْتَ الَّذي أَقَلْتَ، أَنْتَ الَّذي مَكَّنْتَ، أَنْتَ الَّذي اَعْزَزْتَ، أَنْتَ الَّذي اَعَنْتَ، أَنْتَ الَّذي عَضَدْتَ، أَنْتَ الَّذي أَيَّدْتَ، أَنْتَ الَّذي نَصَرْتَ، أَنْتَ الَّذي شَفَيْتَ، أَنْتَ الَّذي عافَيْتَ، أَنْتَ الَّذي أَكْرَمْتَ، تَبارَكْتَ وَتَعالَيْتَ، فَلَكَ الْحَمْدُ دآئِماً، وَلَكَ الشُّكْرُ واصِباً أَبَداً.

ثُمَّ أَنَا يا إِلهَي الْمُعَتَرِفُ بِذُنُوبي فَاغْفِرْها لي، أَنَا الَّذي أَسَأتُ، أَنَا الَّذي أَخْطَأتُ، أَنَا الَّذي هَمَمْتُ، أَنَا الَّذي جَهِلْتُ، أَنَا الَّذي غَفَلْتُ، أَنَا الَّذي سَهَوْتُ، أَنَا الَّذِي اعْتَمَدْتُ، أَنَا الَّذي تَعَمَّدْتُ، أَنَا الَّذي وَعَدْتُ، أَنَا الَّذي أَخْلَفْتُ، أَنَا الَّذي نَكَثْتُ، أَنَا الَّذي أَقْرَرْتُ، أَنَا الَّذِي اعْتَرَفْتُ بِنِعْمَتِكَ عليَّ وَعِنْدي، وَأَبُوءُ بِذُنُوبي فَاغْفِرْها لي، يا مَنْ لا تَضُرُّهُ ذُنُوبُ عِبادِهِ، وهُوَ الَغَنِيُّ عَنْ طاعَتِهِمْ، وَالْمُوَفِّقُ مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْهُمْ بِمَعُونَتِهِ وَرَحْمَتِه، فَلَكَ الْحَمْدُ إِلهي وَسيِّدي،إِلهي أَمَرْتَني فَعَصَيْتُكَ، وَنَهَيْتَني فَارْتَكَبْتُ نَهْيَكَ، فَأَصْبَحْتُ لا ذا بَرآءَة لي فَأَعْتَذِرُ، وَلاذا قُوَّة فَاَنْتَصِرَُ، فَبِأَيِّ شَيء أَسْتَقْبِلُكَ يا مَوْلايَ، أَبِسَمْعي أَمْ بِبَصَري، أَمْ بِلِساني، أَمْ بِيَدي بِرِجْلي، أَلَيْسَ كُلُّها نِعَمَكَ عِندي؟ وَبِكُلِّها عَصَيْتُكَ يا مَوْلايَ، فَلَكَ الْحُجَّةُ وَالسَّبيلُ عَليَّ.

يا مَنْ سَتَرَني مِنَ الاْباءِ وَالاُْمَّهاتِ أَنْ يَزجُرُوني، وَمِنَ الْعَشائِرِ وَالاِْخْوانِ أَنْ يُعَيِّرُوني، وَمِنَ السَّلاطينِ أَنْ يُعاقِبُوني، وَلَوِ اطَّلَعُوا يا مَوْلايَ عَلى مَا اطَّلَعْتَ عَلَيْهِ مِنّي اِذاً ما أَنْظَرُوني، وَلَرَفَضُوني وَقَطَعُوني، فَها أَنَا ذا ياإِلهي بَيْنَ يَدَيْكَ يا سَيِّدي خاضِعٌ ذَليلٌ حَصيرٌ حَقيرٌ، لا ذُو بَرآءَة فَاَعْتَذِرَ، وَلا ذُو قُوَّة فَأَنْتَصِرَُ، وَلا حُجَّة فَاَحْتَجُّ بِها، وَلا قائِلٌ لَمْ أَجْتَرِحْ، وَلَمْ أَعْمَلْ سُوءاً، وَما عَسَى الْجُحُودُ وَلَوْ جَحَدْتُ يا مَوْلايَ يَنْفَعُني، كَيْفَ وَأَنّى ذلِكَ وَجَوارِحي كُلُّها شاهِدَةٌ عليَّ بِما قَدْ عَمِلْتُ، وَعَلِمْتُ يَقيناً غَيْرَ ذي شَكٍّ أَنَّكَ سائِلي مِنْ عَظائِمِ الاُْمُورِ، وَأَنَّكَ الْحَكَمُ الْعَدْلُ الَّذي لا يَجُورُ، وَعَدْلُكَ مُهْلِكي، وَمِنْ كُلِّ عَدْلِكَ مَهْرَبي، فَإِنْ تُعَذِّبْني يا إِلهي فَبِذُنُوبي بَعْدَ حُجَّتِكَ عليَّ، وَإِنْ تَعْفُ عَنّي فَبِحِلْمِكَ وَجُودِكَ وَكَرَمِكَ.

لا إِلهَ إلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمينَ، لا إِلهَ إلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنّي كُنْتُ مِنَ الْمُسْتَغْفِرينَ، لا إِلهَ إلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنّي كُنْتُ مِنَ الْمُوَحِّدينَ، لا إِلهَ إلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنّي كُنْتُ مِنَ الْخائِفينَ، لا إِلهَ إلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنّي كُنْتُ مِنَ الْوَجِلينَ، لا إِلهَ إلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنّي كُنْتُ مِنَ الرَّاجينَ، لا إِلهَ إلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنّي كُنْتُ مِنَ الرّاغِبينَ، لا إِلهَ إلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنّي كُنْتُ مِنَ الْمُهَلِّلينَ، لا إِلهَ إلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنّي كُنْتُ مِنَ السّائِلينَ، لا إِلهَ إلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنّي كُنْتُ مِنَ الْمُسَبِّحينَ، لا إِلهَ إلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنّي كُنْتُ مِنَ الْمُكَبِّرينَ، لا إِلهَ إلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ رَبّي وَرَبُّ آبائِيَ الاَْوَّلينَ.

اَللّهُمَّ هذا ثَنائي عَلَيْكَ مُمَجِّداً، وَإِخْلاصي بِذِكْرِكَ مُوَحِّداً، وَإِقْراري بِآلائكَ مَعَدِّداً، وَإِنْ كُنْتُ مُقِرّاً أَنّي لَمْ اُحْصِها لِكَثْرَتِها وَسُبوغِها، وَتَظاهُرِها وَتَقادُمِها إِلى حادِث، ما لَمْ تَزَلْ تَتَعَهَّدُني بِهِ مَعَها مُنْذُ خَلَقْتَني وَبَرَأتَني مِنْ أَوَّلِ الْعُمْرِ، مِنَ الاِْغْناءِ مِنَ الْفَقْرِ، وَكَشْفِ الضُّرِّ، وَتَسْبِيبِ الْيُسْرِ، وَدَفْعِ الْعُسْرِ، وَتَفريجِ الْكَرْبِ، وَالْعافِيَةِ فِي الْبَدَنِ، وَالسَّلامَةِ فِي الدّينِ، وَلَوْ رَفَدَني عَلى قَدْرِ ذِكْرِ نِعْمَتِكَ جَميعُ الْعالَمينَ مِنَ الاَْوَّلينَ وَالاْخِرينَ،، ما قَدَرْتُ وَلاهُمْ عَلى ذلِكَ، تَقَدَّسْتَ وَتَعالَيْتَ مِنْ رَبٍّ كَريم عَظيم رَحيم، لا تُحْصى آلاؤُكَ، وَلا يُبْلَغُ ثَناؤُكَ، وَلا تُكافى نَعْماؤُكَ، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، وَأَتْمِمْ عَلَيْنا نِعَمَكَ، وَأَسْعِدْنا بِطاعَتِكَ، سُبْحانَكَ لا إِلهَ إلاّ أَنْتَ.

أَللَّهُمَّ إِنَّكَ تُجيبُ الْمُضْطَرَّ، وَتَكْشِفُ السُّوءَ، وَتُغيثُ الْمَكْرُوبَ، وَتَشْفِي السَّقيمَ، وَتُغْنِي الْفَقيرَ، وَتَجْبُرُ الْكَسيرَ، وَتَرْحَمُ الصَّغيرَ، وَتُعينُ الْكَبيرَ، وَلَيْسَ دُونَكَ ظَهيرٌ، وَلا فَوْقَكَ قَديرٌ، وَأَنْتَ الْعَلِيُّ الْكَبيرُ، يا مُطْلِقَ الْمُكَبِّلِ الاَْسيرِ، يا رازِقَ الطِّفْلِ الصَّغيرِ، يا عِصْمَةَ الْخائِفِ الْمُسْتَجيرِ، يا مَنْ لا شَريكَ لَهُ وَلا وَزيرَ، صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، وَأَعْطِني في هذِهِ الْعَشِيَّةِ، أَفْضَلَ ما أَعْطَيْتَ وَأَنَلْتَ أَحَداً مِنْ عِبادِكَ، مِنْ نِعْمَة تُوليها، وَآلاء تُجَدِّدُها، وَبَلِيَّة تَصْرِفُها، وَكُرْبَة تَكْشِفُها، وَدَعْوَة تَسْمَعُها، وَحَسَنَة تَتَقَبَّلُها، وَسَيِّئَة تَتَغَمَّدُها، إِنَّكَ لَطيفٌ بِما تَشاءُ خَبيرٌ، وَعَلى كُلِّ شَيء قَديرٌ. أَللَّهُمَّ إِنَّكَ أَقْرَبُ مَنْ دُعِيَ، وَأَسْرَعُ مَنْ أَجابَ، وَأَكْرَمُ مَنْ عَفى، وَأَوْسَعُ مَنْ أَعْطى، وَأَسْمَعُ مَنْ سُئِلَ، يا رَحمنَ الدُّنْيا والاْخِرَةِ وَرحيمَهُما، لَيْسَ كَمِثْلِكَ مَسْؤولٌ، وَلا سِواكَ مَأمُولٌ، دَعَوْتُكَ فَأَجَبْتَني، وَسَأَلْتُكَ فَأَعْطَيْتَني، وَرَغِبْتُ إِلَيْكَ فَرَحِمْتَني، وَوَثِقْتُ بِكَ فَنَجَّيْتَني، وَفَزِعْتُ إِلَيْكَ فَكَفَيْتَني. أَللَّهُمَّ فَصَلِّ عَلى مُحَمَّد عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ وَنَبِيِّكَ، وَعَلى آلِهِ الطَّيِّبينَ الطّاهِرينَ أَجْمَعينَ، وَتَمِّمْ لَنا نَعْماءَكَ، وَهَنِّئْنا عَطاءَكَ، وَاكْتُبْنا لَكَ شاكِرينَ، وَلاِلائِكَ ذاكِرينَ، آمينَ آمينَ رَبَّ الْعالَمينَ. اَللّهُمَّ يا مَنْ مَلَكَ فَقَدَرَ، وَقَدَرَ فَقَهَرَ، وَعُصِىَ فَسَتَرَ، وَاسْتُغْفِرَ فَغَفَرَ، يا غايَةَ الطّالِبينَ الرّاغِبينَ، وَمُنْتَهى أَمَلِ الرّاجينَ، يا مَنْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيء عِلْماً، وَوَسِعَ الْمُسْتَقيلينَ رَأفَةً وَحِلْماً.

أَللّهُمَّ إِنّا نَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ في هذِهِ الْعَشِيَّةِ الَّتي شَرَّفْتَها وَعَظَّمْتَها بِمُحَمَّد نَبِيِّكَ وَرَسُولِكَ، وَخِيَرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ، وَأَمينِكَ عَلى وَحْيِكَ، الْبَشيرِ النَّذيرِ، السِّراجِ الْمُنيرِ، الَّذي أَنْعَمْتَ بِهِ عَلَى الْمُسْلِمينَ، وَجَعَلْتَهُ رَحْمَةً لِلْعالَمينَ. أَللَّهُمَّ فَصَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، كَما مُحَمَّدٌ أَهْلٌ لِذلِكَ مِنْكَ يا عَظيمُ فَصَلِّ عَلَيْهِ وَعَلى آلِهِ، الْمُنْتَجَبينَ الطَّيِّبينَ الطّاهِرينَ أَجْمَعينَ، وَتَغَمَّدْنا بِعَفْوِكَ عَنّا، فَإِلَيْكَ عَجَّتِ الاَْصْواتُ بِصُنُوفِ اللُّغاتِ، فَاجْعَلْ لَنا أَللّهُمَّ في هذِهِ الْعَشِيَّةِ نَصيباً مِنْ كُلِّ خَيْر تَقْسِمُهُ بَيْنَ عِبادِكَ، وَنُور تَهْدي بِهِ، وَرَحْمَة تَنْشُرُها، وَبَرَكَة تُنْزِلُها، وَعافِيَة تُجَلِّلُها، وَرِزْق تَبْسُطُهُ، يا أَرْحَمَ الرّاحِمينَ.

أَللَّهُمَّ أَقْلِبْنا في هذَا الْوَقْتِ مُنْجِحينَ مُفْلِحينَ مَبْرُورينَ غانِمينَ، وَلا تَجْعَلْنا مِنَ الْقانِطينَ، وَلا تُخْلِنا مِنْ رَحْمَتِكَ، وَلا تَحْرِمْنا ما نُؤَمِّلُهُ مِنْ فَضْلِكَ، وَلا تَجْعَلْنا مِنْ رَحْمَتِكَ مَحْرُومينَ، وَلا لِفَضْلِ ما نُؤَمِّلُهُ مِنْ عَطائِكَ قانِطينَ، وَلا تَرُدَّنا خائِبينَ وَلا مِنْ بابِكَ مَطْرُودينَ، يا أَجْوَدَ الأَجْوَدينَ، وَأَكْرَمَ الاَْكْرَمينَ، إِلَيْكَ أَقْبَلْنا مُوقِنينَ، وَلِبَيْتِكَ الْحَرامِ آمّينَ قاصِدينَ، فَأَعِنّا عَلى مَناسِكِنا، وَأَكْمِلْ لَنا حَجَّنا، وَاْعْفُ عَنّا وَعافِنا، فَقَدْ مَدَدْنا إِلَيْكَ أَيْديَنا فَهِيَ بِذِلَّةِ الاِْعْتِرافِ مَوْسُومَةٌ. اَللَّهُمَّ فَأَعْطِنا في هذِهِ الْعَشِيَّةِ ما سَأَلْناكَ، وَاكْفِنا مَا اسْتَكْفَيْناكَ، فَلا كافِيَ لَنا سِواكَ، وَلا رَبَّ لَنا غَيْرُكَ، نافِذٌ فينا حُكْمُكَ، مُحيطٌ بِنا عِلْمُكَ، عَدْلٌ فينا قَضآؤُكَ، إِقْضِ لَنَا الْخَيْرَ، وَاجْعَلْنا مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ. اَللَّهُمَّ أَوْجِبْ لَنا بِجُودِكَ عَظيمَ الاَْجْرِ، وَكَريمَ الذُّخْرِ، وَدَوامَ الْيُسْرِ، وَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا أَجْمَعينَ، وَلا تُهْلِكْنا مَعَ الْهالِكينَ، وَلا تَصْرِفْ عَنّا رَأفَتَكَ وَرَحْمَتَك، يا أَرْحَمَ الرّاحِمينَ.

أَللّهُمَّ اجْعَلْنا في هذَا الْوَقْتِ مِمَّنْ سَاَلَكَ فَأَعْطَيْتَهُ، وَشَكَرَكَ فَزِدْتَهُ، وَتابَ إِلَيْكَ فَقَبِلْتَهُ وَتَنَصَّلَ إِلَيْكَ مِنْ ذُنُوبِهِ كُلِّها فَغَفَرْتَها لَهُ يا ذَالْجَلالِ وَالاِْكْرامِ. أَللّهُمَّ وَنَقِّنا وَسَدِّدْنا واقْبَلْ تَضَرُّعَنا، يا خَيْرَ مَنْ سُئِلَ، وَيا أَرْحَمَ مَنِ اسْتُرْحِمَ، يا مَنْ لا يَخْفى عَلَيْهِ إِغْماضُ الْجُفُونِ، َولا لَحْظُ الْعُيُونِ، وَلا مَا اسْتَقَرَّ فِي الْمَكْنُونِ، وَلا مَا انْطَوَتْ عَلَيْهِ مُضْمَراتُ الْقُلُوبِ، أَلا  كُلُّ ذلِكَ قَدْ أَحْصاهُ عِلْمُكَ، وَوَسِعَهُ حِلْمُكَ، سُبْحانَكَ وَتَعالَيْتَ عَمّا يَقُولُ الظّالِمُونَ عُلُوّاً كَبيراً، تُسَبِّحُ لَكَ السَّماواتُ السَّبْعُ، وَالاَْرَضُونَ وَمَنْ فيهِنَّ، وَإِنْ مِنْ شَيء إلاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ، فَلَكَ الْحَمْدُ وَالَْمجْدُ، وَعُلُوُّ الْجَدِّ، يا ذَالْجَلالِ وَالاِْكْرامِ، وَالْفَضْلِ وَالاِْنْعامِ، وَالاَْيادِي الْجِسامِ، وَأَنْتَ الْجَوادُ الْكَريمُ، الرَّؤُوفُ الرَّحيمُ. أَللَّهُمَّ أَوْسِعْ عليَّ مِنْ رِزْقِكَ الْحَلالِ، وَعافِني في بَدَني وَديني، وَآمِنْ خَوْفي، وَاعْتِقْ رَقَبَتي مِنَ النّارِ. أَللّهُمَّ لا تَمْكُرْ بي، وَلا تَسْتَدْرِجْني، وَلا تَخْدَعْني، وَادْرَأ عَنّي شَرَّ فَسَقَةِ الْجِنِّ وَالاِْنْسِ.

ثمّ رفع رأسه وبصره إلى السّماء وعيناه ماطرتان كأنّهما مزادتان، وقال بصوت عال :

يا أَسْمَعَ السّامِعينَ، يا أَبْصَرَ النّاظِرينَ، وَيا أَسْرَعَ الْحاسِبينَ، وَيا أَرْحَمَ الرّاحِمينَ، صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد السّادَةِ الْمَيامينَ، وَأَسْأَلُكَ أَللَّهُمَّ حاجَتِي اَّلتي إِنْ أَعْطَيْتَنيها لَمْ يَضُرَّني ما مَنَعْتَني، وَإِنْ مَنَعْتَنيها لَمْ يَنْفَعْني ما أَعْطَيْتَني، أَسْأَلُكَ فَكاكَ رَقَبَتي مِنَ النّارِ، لا إِلهَ إلاّ أَنْتَ، وَحْدَكَ لا شَريكَ لَكَ، لَكَ الْمُلْكُ، وَلَكَ الْحَمْدُ، وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيء قَديرٌ، يا رَبَّ يا رَبِّ».

وكان يكرّر قوله يا رَبِّ وشغل من حضر ممّن كان حوله عن الدّعاء لأنفسهم واقبلوا على الاستماع له والتّأمين على دعائه، ثمّ علت أصواتهم بالبكاء معه وغربت الشّمس وأفاض النّاس معه .

 إلى هنا تمّ دعاء الحسين (عليه السلام) في يوم عرفة على ما أورده الكفعمي في كتاب البلد الأمين وقد تبعه المجلسي في كتاب زاد المعاد ولكن زاد السّيد ابن طاووس (رحمه الله) في الإقبال بعد: «يا رَبِّ يا رَبِّ يا رَبِّ» هذه الزّيادة([30]):

«إِلهي أَنَا الْفَقيرُ في غِنايَ فَكَيْفَ لا أَكُونُ فَقيراً في فَقْري. إِلهي أَنَا الْجاهِلُ في عِلْمي فَكَيْفَ لا أَكُونُ جَهُولاً في جَهْلي. إِلهي إِنَّ اخْتِلافَ تَدْبيرِكَ، وَسُرْعَةَ طَواءِ مَقاديرِكَ، مَنَعا عِبادَكَ الْعارِفينَ بِكَ عَنْ السُّكُونِ إِلى عَطاء، وَالْيأْسِ مِنْكَ في بَلاء. إِلهي مِنّي ما يَليقُ بِلُؤْمي وَمِنْكَ ما يَليقُ بِكَرَمِكَ. إِلهي وَصَفْتَ نَفْسَكَ بِاللُّطْفِ وَالرَّأْفَةِ لي قَبْلَ وُجُودِ ضَعْفي، أَفَتَمْنَعُني مِنْهُما بَعْدَ وُجُودِ ضَعْفي؟ إِلهي إِنْ ظَهَرَتِ الَْمحاسِنُ مِنّي فَبِفَضْلِكَ، وَلَكَ الْمِنَّةُ عليَّ، وَإِنْ ظَهَرْتِ الْمَساوىُ مِنّي فَبِعَدْلِكَ، وَلَكَ الْحُجَّةُ عليَّ.

إِلهي كَيْفَ تَكِلُني وَقَدْ تَكَفَّلْتَ لي، وَكَيْفَ أُضامُ وَأَنْتَ النّاصِرُ لي، أَمْ كَيْفَ أَخيبُ وَأَنْتَ الْحَفِيُّ بي؟ ها أَنَا أَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِفَقْري إِلَيْكَ، وَكَيْفَ أَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِما هُوَ مَحالٌ أَنْ يَصِلَ إِلَيْكَ، أَمْ كَيْفَ أَشْكُو إِلَيْكَ حالي وَهُوَ لا يَخْفى عَلَيْكَ، أَمْ كَيْفَ أُتَرْجِمُ بِمَقالي وَهُوَ مِنَكَ بَرَزٌ إِلَيْكَ،كَيْفَ تُخَيِّبُ آمالي وَهِيَ قَدْ وَفَدَتْ إِلَيْكَ، أَمْ كَيْفَ لا تُحْسِنُ أَحْوالي وَبِكَ قامَتْ؟ إِلهي ما أَلْطَفَكَ بي مَعَ عَظيمِ جَهْلي، وَما أَرْحَمَكَ بي مَعَ قَبيحِ فِعْلي! إِلهي ما أَقْرَبَكَ مِنّي وَأَبْعَدَني عَنْكَ، وَما أَرْاَفَكَ بي فَمَا الَّذي يَحْجُبُني عَنْكَ! إِلهي عَلِمْتُ بِاِخْتِلافِ الاْثارِ، وَتَنقُّلاتِ الاَْطْوارِ أَنَّ مُرادَكَ مِنّي أَنْ تَتَعَرَّفَ إِلَيَّ في كُلِّ شَيء، حَتّى لا أَجْهَلَكَ في شَيء. إِلهي كُلَّما أَخْرَسَني لُؤْمي أَنْطَقَني كَرَمُكَ، وَكُلَّما آيَسَتْني أَوْصافي أَطْمَعَتْني مِنَنُكَ.

إِلهي مَنْ كانَتْ مَحاسِنُهُ مَساوِيَ فَكَيْفَ لا تَكُونُ مُساويهِ مَساوِيَ، وَمَنْ كانَتْ حَقايِقُهُ دَعاوِيَ فَكَيْفَ لا تَكُونُ دَعاوِيَهِ دَعاوِىَ؟ إِلهي حُكْمُكَ النّافِذُ وَمَشِيَّتُكَ الْقاهِرَةُ لَمْ يَتْرُكا لِذي مَقال مَقالاً وَلا لِذي حال حالاً. إِلهي كَمْ مِنْ طاعَة بَنَيْتُها وَحالَة شَيَّدْتُها هَدَمَ إِعْتِمادي عَلَيْها عَدْلُكَ بَلْ أَقالَني مِنْها فَضْلُكَ. إِلهي إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنّي وَإِنْ لَمْ تَدُمِ الطّاعَةُ مِنّي فِعْلاً جَزْماً فَقَدْ دامَتْ مَحَبَّةً وَعَزْماً. إِلهي كَيْفَ أَعْزِمُ وَأَنْتَ الْقاهِرُ، وَكَيْفَ لا أَعْزِمُ وَأَنْتَ الاْمِرُ؟ إِلهي تَرَدُّدي فِي الاْثارِ يُوجِبُ بُعْدَ الْمَزارِ فَاجْمَعْني عَلَيْكَ بِخِدْمَة تُوصِلُني إِلَيْكَ، كَيْفَ يُسْتَدَلُّ عَلَيْكَ بِما هُوَ في وُجُودِهِ مُفْتَقِرٌ إِلَيْكَ، أَيَكُونُ لِغَيْرِكَ مِنَ الظُّهُورِ ما لَيْسَ لَكَ حَتّى يَكُونَ هُوَ الْمُظْهِرَ لَكَ؟ مَتى غِبْتَ حَتّى تَحْتاجَ إِلى دَليل يَدُلُّ عَليْكَ، وَمَتى بَعُدْتَ حَتّى تَكُونَ الاَْثارُ هِيَ الَّتي تُوصِلُ إِلَيْكَ؟ عَمِيَتْ عَيْنٌ لا تَراكَ عَلَيْها رَقيباً، وَخَسِرَتْ صَفْقَةُ عَبْد لَمْ تَجْعَلْ لَهُ مِنْ حُبِّكَ نَصيباً.

إِلهي أَمَرْتَ بِالرُّجُوعِ إِلَى الاْثارِ فَأَرْجِعْني إِلَيْكَ بِكِسْوَةِ الاَْنْوارِ وَهِدايَةِ الاِْسْتِبصارِ، حَتّى أَرْجَعَ إِلَيْكَ مِنْها كَما دَخَلْتُ إِلَيْكَ مِنْها مَصُونَ السِّرِّ عَنِ النَّظَرِ إِلَيْها، وَمَرْفُوعَ الْهِمَّةِ عَنِ الاِْعْتِمادِ عَلَيْها، إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيء قَديرٌ. إِلهي هذا ذُلّي ظاهِرٌ بَيْنَ يَدَيْكَ، وَهذا حالي لا يَخْفى عَلَيْكَ، مِنْكَ أَطْلُبُ الْوُصُولُ إِلَيْكَ، َوِبَكَ أَسْتَدِلُّ عَلَيْكَ، فَاهْدِني بِنُورِكَ إِلَيْكَ، وَأَقِمْني بِصِدْقِ الْعُبُودِيَّةِ بَيْنَ يَدَيْكَ. إِلهي عَلِّمْني مِنْ عِلْمِكَ الَْمخْزُونِ، وَصُنّي بِسِتْرِكَ الْمَصُونِ. إِلهي حَقِّقْني بِحَقائِقِ أَهْلِ الْقُرْبِ، وَأَسْلُكْ بي مَسْلَكَ أَهْلِ الْجَذْبِ. إِلهي أَغْنِني بِتَدْبيرِكَ لي عَنْ تَدْبيري، وَبِاخْتِيارِكَ عَنِ اخْتِياري، وَأَوْقِفْني عَلى مَراكِزِ اضْطِراري.

إِلهي أَخْرِجْني مِنْ ذُلِّ نَفْسي، وَطَهِّرْني مِنْ شَكّي وَشِرْكي قَبْلَ حُلُولِ رَمْسي، بِكَ أَنْتَصِرُ فَانْصُرْني، وَعَلَيْكَ أَتَوَكَّلُ فَلا تَكِلْني، وَاِيّاكَ أَسْأَلُ فَلا تُخَيِّبْني، وَفي فَضْلِكَ أَرْغَبُ فَلا تَحْرِمْني، وَبِجَنابِكَ أَنْتَسِبُ فَلا تُبْعِدْني، وَبِبابِكَ أَقِفُ فَلا تَطْرُدْني. إِلهي تَقَدَّسَ رِضاكَ أَنْ يَكُونَ لَهُ عِلَّةٌ مِنْكَ، فَكَيْفَ يَكُونُ لَهُ عِلَّةٌ مِنّي؟ إِلهي أَنْتَ الْغِنيُّ بِذاتِكَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْكَ النَّفْعُ مِنْكَ فَكَيْفَ لا تَكُونُ غَنِيّاً عَنّي؟ إِلهي إِنَّ الْقَضاءَ وَالْقَدَرَ يُمَنّيني، وَإِنَّ الْهَوى بِوَثائِقِ الشَّهْوَةِ أَسَرَني فَكُنْ أَنْتَ النَّصيرَ لي، حَتّى تَنْصُرَني وَتُبَصِّرَني، وَأَغْنِني بِفَضْلِكَ حَتّى أَسْتَغْنِيَ بِكَ عَنْ طَلَبي، أَنْتَ الَّذي أَشْرَقْتَ الاَْنْوارَ في قُلُوبِ أَوْلِيائِكَ حَتّى عَرَفُوكَ وَوَحَّدوكَ، وَأَنْتَ الَّذي أَزَلْتَ الاَْغْيارَ عَنْ قُلُوبِ أَحِبّائِكَ حَتّى لَمْ يُحِبُّوا سِواكَ وَلَمْ يَلْجَأوا إِلى غَيْرِكَ، أَنْتَ الْمُوْنِسُ لَهُمْ حَيْثُ أَوْحَشَتْهُمُ الْعَوالِمُ، وَأَنْتَ الَّذي هَدَيْتَهُمْ حَيْثُ اسْتَبانَتْ لَهُمُ الْمَعالِمُ.

ماذا وَجَدَ مَنْ فَقَدَكَ، وَمَا الَّذي فَقَدَ مَنْ وَجَدَكَ؟ لَقَدْ خابَ مَنْ رَضِيَ دُونَكَ بَدَلاً، وَلَقَدْ خَسِرَ مَنْ بَغى عَنْكَ مُتَحَوِّلاً، كَيْفَ يُرْجى سِواكَ وَأَنْتَ ما قَطَعْتَ الاِْحْسانَ، وَكَيْفَ يُطْلَبُ مِنْ غَيْرِكَ وَأَنْتَ ما بَدَّلْتَ عادَةَ الاِْمْتِنانِ؟ يا مَنْ أَذاقَ أَحِبّاءَهُ حَلاوَةَ الْمُؤانَسَةِ فَقامُوا بَيْنَ يَدَيْهِ مُتَمَلِّقينَ، وَيا مَنْ أَلْبَسَ أَوْلِياءَهُ مَلابِسَ هَيْبَتِهِ فَقامُوا بَيْنَ يَدَيْهِ مُسْتَغْفِرينَ، أَنْتَ الذّاكِرُ قَبْلَ الذّاكِرينَ، وَأَنْتَ الْبادي بِالاِْحْسانِ قَبْلَ تَوَجُّهِ الْعابِدينَ، وَأَنْتَ الْجَوادُ بِالْعَطاءِ قَبْلَ طَلَبِ الطّالِبينَ، وَأَنْتَ الْوَهّابُ ثُمَّ لِما وَهَبْتَ لَنا مِنَ الْمُسْتَقْرِضينَ. إِلهي أُطْلُبْني بِرَحْمَتِكَ حَتّى أَصِلَ إِلَيْكَ، وَاجْذِبْني بِمَنِّكَ حَتّى اُقْبِلَ عَلَيْكَ. إِلهي إِنَّ رَجائي لا يَنْقَطِعُ عَنْكَ وَإِنْ عَصَيْتُكَ، كَما أَنَّ خَوْفي لا يُزايِلُني وَإِنْ أَطَعْتُكَ، فَقَدْ دَفَعْتَنِي الْعَوالِمُ إِلَيْكَ، وَقَدْ أَوْقَعَني عِلْمي بِكَرَمِكَ عَلَيْكَ.

إِلهي كَيْفَ أَخيبُ وَأَنْتَ أَمَلي، أَمْ كَيْفَ أُهانُ وَعَلَيْكَ مُتَكَّلي؟ إِلهي كَيْفَ أَسْتَعِزُّ وَفِي الذِّلَّةِ أَرْكَزْتَني، أَمْ كَيْفَ لا أَسْتَعِزُّ وَإِلَيْكَ نَسَبْتَني. إِلهي كَيْفَ لا أَفْتَقِرُ وَأَنْتَ الَّذي فِي الْفُقَراءِ أَقَمْتَني، أَمْ كَيْفَ أَفْتَقِرُ وَأَنْتَ الَّذي بِجُودِكَ أَغْنَيْتَني، وَأَنْتَ الَّذي لا إِلهَ غَيْرُكَ تَعَرَّفْتَ لِكُلِّ شَيء فَما جَهِلَكَ شَيءٌ؟ وَأَنْتَ الَّذي تَعَرَّفْتَ إِلَيَّ في كُلِّ شَيء، فَرَاَيْتُكَ ظاهِراً في كُلِّ شَيء، وَأَنْتَ الظّاهِرُ لِكُلِّ شَيء، يا مَنِ اسْتَوى بِرَحْمانِيَّتِهِ فَصارَ الْعَرْشُ غَيْباً في ذاِتِهِ، مَحَقْتَ الاْ ثارَ بِالاْ ثارِ، وَمَحَوْتَ الاَْغْيارَ بِمُحيطاتِ أَفْلاكِ الاَْنْوارِ، يا مَنِ احْتَجَبَ في سُرادِقاتِ عَرْشِهِ عَنْ أَنْ تُدْرِكَهُ الاَْبْصارُ، يا مَنْ تَجَلّى بِكَمالِ بَهآئِهِ، فَتَحَقَّقتْ عَظَمَتُهُ مَنْ الاِْسْتِواءَ، كَيْفَ تَخْفى وَأَنْتَ الظّاهِرُ، أَمْ كَيْفَ تَغيبُ وَأَنْتَ الرَّقيبُ الْحاضِرُ؟ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيء قَدير، وَالْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ».


حجّ الإمام زين العابدين(عليه السلام)([31])

كان الإمام زين العابدين(عليه السلام) ملازماً للحجّ إلى بيت الله الحرام لأنّه كان يجد في مواقفه الكريمة انتعاشاً لنفسه التي أذابتها كوارث كربلاء، وكان(عليه السلام)يحثّ على الحجّ والعمرة وذلك لما يترتب عليهما من الفوائد فقد قال: «حجّوا واعتمروا تصح أجسادكم، وتتّسع أرزاقكم، ويصلح إيمانكم وتكفوا مؤونة الناس، ومؤونة عيالكم»([32]) .

وقال(عليه السلام) : «الحاج مغفور له، وموجوب له الجنّة، ومستأنف به العمل، ومحفوظ في أهله وماله»([33]) .

وقال(عليه السلام) : «الساعي بين الصفا والمروة تشفع له الملائكة»([34]) .

كما كان يدعو إلى تكريم الحجاج إذا قدموا من بيت الله الحرام وتبجيلهم، فقد قال: «يا معشر مَن لم يحجّ استبشروا بالحاج إذا قدموا وصافحوهم، وعظّموهم تشاركوهم في الأجر»([35]).

وقال أيضاً: «بادروا بالسلام إلى الحاج والمعتمرين ومصافحتهم من قبل أن تخالطهم الذنوب»([36]) ونعرض ـ بإيجاز ـ لبعض شؤونه في حجّه.

 

حجّه ماشياً

وحجّ الإمام(عليه السلام) غير مرّة ماشياً على قدميه كما حجّ أبوه، وعمّه الحسن(عليهما السلام)وقد استغرق الوقت في إحدى سفراته إلى البيت عشرين يوماً([37]) .

 

حجّه راكباً

وحجّ(عليه السلام) على ناقته عشرين حجّة، وكان يرفق بها كثيراً، ويقول المؤرخون: أنّه ما قرعها بسوط([38]) .

وقال إبراهيم بن عليّ: حججت مع عليّ بن الحسين فتلكأت ناقته فأشار إليها بالقضيب، ثمّ ردّ يده، وقال: «آه من القصاص»، وتلكأت عليه مرّة أُخرى بين جبال رضوى، فأراها القضيب، وقال: «لتنطلقنّ أو لأفعلنّ» ثمّ ركبها فانطلقت([39]) . لقد سمت نفسه إلى هذا المستوى من الرحمة والرأفة والرفق بالحيوان فلم يقرع ناقته بسوط ولم يفزعها، وكان يرى أنّ الاعتداء على الحيوان يتبعه قصاص ومسؤولية في دار الآخرة.

 

 

مرافقة القرّاء له

كان الإمام(عليه السلام) إذا أراد السفر إلى بيت الله الحرام احتفّ به القرّاء والعلماء لأنّهم كانوا يكتسبون منه العلوم، والمعارف، والحكم والآداب، يقول سعيد بن المسيّب: إن القرّاء كانوا لا يخرجون إلى مكّة حتى يخرج عليّ بن الحسين، فخرج وخرجنا معه ألف راكب([40])وكانوا يتعلّمون منه مسائل الحجّ، وأحكام الدين، وسائر شؤون الشريعة الإسلاميه، إذ لم يكن في عصره ـ بإجماع المؤرخين والرواة ـ من هو أعلم منه بأحكام الكتاب والسنّة.

 

زاده إلى الحجّ

وكان الإمام(عليه السلام) يستعد أحسن استعداد وأكمله في سفره إلى الحجّ أو العمرة فكان يتزوّد من أطيب الزاد وأثمره من اللوز والسكر، والسويق المحمّض، والمحلّى([41]) وقد صنعت له في إحدى سفراته أُخته السيّدة الزكيّة سكينة زاداً نفيساً انفقت عليه ألف درهم إلاّ أنّه لما كان بظهر الحرّة أمر بتوزيعه على الفقراء والمساكين فوزّع عليهم([42]) .

 

 

اضطرابه عند الإحرام

وكان الإمام إذا انتهى إلى إحدى المواقيت التي يحرم منها كمسجد الشجرة الذي هو ميقات المدنيّين ومن يجتاز عليه ـ يأخذ بعمل سنن الإحرام من الغسل وغيره، وكان إذا أراد التلبية عند عقد الإحرام اصفرّ لونه، واضطرب، ولم يستطع أن يلبّي فقيل له:

مالَكَ لا تلبّي؟

فيقول ـ وقد أخذته الرعدة والفزع من الله  ـ  :

«أخشى أن أقول: لبيك فيُقال لي: لا لبّيك...».

وكان إذا لبّى غشي عليه من كثرة خوفه من الله، ويسقط من راحلته، ولا يزال تعتريه هذه الحالة حتى يقضي حجّه([43]) .

وروى مالك أنّ زين العابدين لما أراد أن يقول: لبّيك أُغمي عليه حتى سقط من ناقته فهشم([44]) لقد عرف الله معرفة كاملة، فهام بحبّه، وفزع من عقابه، واتّجه نحوه بمشاعره وعواطفه، شأنه في ذلك شأن آبائه الذين هم سادة المتّقين والمنيبين إلى الله.

 

دعاؤه عند الحَجر

وإذا انتهى في طوافه عند الحجر رفع رأسه إلى السماء قائلاً: «اللهمّ أدخلني الجنّة برحمتك ـ وهو ينظر إلى الميزاب ـ وأجرني برحمتك من النار، وعافني من السقم وأوسع عليَّ  من الرزق الحلال، وأدرأ عنّي شرّ فسقة الجنّ والإنس وشرّ فسقة العرب والعجم»([45]) .

 

صلاته تحت الميزاب

وكان الإمام(عليه السلام) إذا أدى مناسكه في البيت الحرام من الطواف والسعي أقبل على الصلاة تحت ميزاب الرحمة، وقد رآه طاووس اليماني في ذلك المكان المقدّس قائماً وهو يدعو الله ويبكي من خشية الله، فلمّا فرغ من صلاته إنبرى إليه طاووس قائلاً:

رأيتك على حالة من الخشوع، ولك ثلاثة أُمور: أرجو أن تؤمنك من الخوف أحدها: إنّك ابن رسول الله(صلى الله عليه وآله)، الثاني: شفاعة جدّك، الثالث: رحمة الله...».

وأجابه الإمام بلطف قائلاً:

«يا طاووس أمّا أنّي ابن رسول الله(صلى الله عليه وآله) فلا يؤمنني وقد سمعت الله تعالى يقول: (فَلا أَنسَابَ بَينَهم يَومئذ وَلا يَتَساءَلُون)([46])، وأمّا شفاعة جدّي فلا تؤمنني لأنّ الله تعالى يقول: (ولا يشفعون إلاّ لمن ارتضى)([47])وأمّا رحمة الله فالله يقول: (إنّ رحمة الله قريب من المحسنين ولا أعلم أنّي محسن»([48]) .

 

مع هشام بن عبدالملك

حجّ هشام بن عبدالملك بيت الله الحرام، وقد صحبته الشرطة، واحتفّت به المرتزقة والوجوه والأعيان من أهل الشام، وقد جهد على استلام الحجر فلم يستطع لازدحام الحجّاج، وتدافعهم على تقبيل الحجر، ولم يعتن أحد بهشام ولم يفسحوا له، فقد انعدمت الفوارق في ذلك البيت العظيم، وقد نصب له منبر فجلس عليه، وجعل ينظر إلى عملية الطواف، وأقبل الإمام زين العابدين(عليه السلام)ليؤدّي طوافه، وبصر به بعض من يعرفه من الحجاج فنادى بأعلى صوته:

هذا بقية الله في أرضه...

هذا بقية النبوّة...

هذا إمام المتقين، وسيّد العابدين...

وغمرت الحجاج هيبة الإمام التي تعنو لها الوجوه والجباه، وهي تحكي هيبة جدّه رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وتعالت الأصوات من جميع جنبات المسجد بالتهليل والتكبير، وانفرج الناس له سماطين فكان السعيد من يقبّل يده، ويلمس إحرامه، وضجّ البيت بالتكبير وذهل أهل الشام، وبهروا من هذا المنظر الرهيب، فإنهم لا يرون أحداً جديراً بالتكريم والتعظيم، غير الأُسرة الأُموية، فهي وارثة النبيّ(صلى الله عليه وآله) والقريبة إليه حسب ما أكّده الإعلام الأُموي وبادر الشاميون إلى هشام قائلين:

مَن هذا الذي هابه الناس هذه المهابة؟!

وتميّز هشام من الغيظ، وانتفخت أوداجه، وبرزت عينه الحولاء([49]) .

فصاح بهم: لا أعرفه...

وإنّما أنكر معرفته للإمام مخافة أن يرغب فيه أهل الشام ويزهدوا في بني أُميّة، وكان الفرزدق شاعر العرب الكبير حاضراً، فاستيقظ ضميره، واستوعب الحقّ فكره، وقد أخذته الرعدة، فاندفع بحماس قائلاً لأهل الشام:

أنا أعرفه...

مَن هو يا أبا فراس؟

وذعر هشام، وفقد صوابه مخافة أن يعرّفه الفرزدق إلى أهل الشام، فصاح به:

أنا لا أعرفه...

وعلا صوت الفرزدق بالإنكار عليه قائلاً:

بلى تعرفه...

والتفت الفرزدق صوب أهل الشام قائلاً:

يا أهل الشام مَن أراد أن يعرف هذا الرجل فليأتِ...

وخفّ الشاميون وغيرهم نحو شاعر العرب الأكبر، وقد استحالوا إلى أُذن صاغية، وانبرى الفرزدق، وكلّه حماس لنصرة الحقّ، فارتجل هذه القصيدة العصماء التي مثّلت صدق القول، وجمال الأُسلوب، فقال:

هذا سليل حسين وابن فاطمة *** بنت الرسول الذي انجابت به الظلم

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته *** والبيت يعرفه والحلّ والحرم

هذا ابن خير عباد الله كلّهم *** هذا التّقي النّقي الطاهر العلم

إذا رأته قريش قال قائلها *** إلى مكارم هذا ينتهي الكرم

يرقى إلى ذروة العزّ الذي قصرت *** عن نيلها عرب الإسلام والعجم

يكاد يمسكه عرفان راحته *** ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم

يغضي حياءً ويغضى من مهابته *** فلا يكلّم إلاّ حين يبتسم

بكفّه خيزران ريحها عبق *** من كف أروع في عرنينه شمم

مَن جدّه دان فضل الأنبياء له *** وفضل أُمته دانت له الأُمم

ينشق نور الهدى عن نور غرّته *** كالشمس تنجاب عن إشراقهاالظلم

مشتقة من رسول الله نبعته *** طابت عناصرها والخيم والشيم

هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله *** بجده أنبياء الله قد ختموا

ما قال: لا، قطّ إلاّ في تشهّده *** لولا التشهدُ كانت لاءهُ نعم

الله شرّفه قدماً وفضّله *** جرى بذاك له في لوحه القلم

فليس قولك من هذا بضائره *** العرب تعرف مَن أنكرت والعجم

كلتا يديه غياث عمّ نفعهما *** يستوكفان ولا يعروهما عدم

حمّال أثقال أقوام إذا فدحوا *** حلو الشمائل تحلو عنده نعم

لا يخلف الوعد ميمون نقيبته *** رحب الفناء أريب حين يعتزم

من معشر حبّهم دين وبغضهم *** كفر وقربهم منجى ومعتصم

إن عدّ أهل التّقى كانوا أئمتهم *** أوقيل مَن خيرأهل الأرض قيل هُم

لا يستطيع جواد بُعد غايتهم *** ولا يدانيهم قوم وإن كرموا

هم الغيوث إذا ما أزمة أزمت *** والأُسدأُسدالشرىوالبأس محتدم

لا ينقص العسر بسطاً من أكفّهم *** سيان ذلك إن أثروا وإن عدموا

يستدفع السوء والبلوى بحبّهم *** ويستردّ به الإحسان والنعم

مُقدّم بعد ذكر الله ذكرهم *** في كلّ أمر ومختوم به الكلم

يأبى لهم أن يحل الذلّ ساحتهم *** خيم كريم وأيد بالندى هضم

أيّ الخلائق ليست في رقابهم *** لأوليّة هذا أوّله نعم

مَن يشكر الله يشكر أولية ذا *** فالدين من بيت هذا ناله الأُمم([50])

وتميّزت هذه القصيدة العصماء على بقية الشعر العربي بالخلود على امتداد التاريخ لأنّها كانت ثورة على الباطل، ونصرة للحقّ، فقد جاءت في وقت كمّت فيه الأفواه وأخرست الألسن عن ذكر مناقب أهل البيت(عليهم السلام)، فمن ذكر لهم مأثرة أو فضيلة سيق إلى الاعدام من قبل السلطة الأُموية العاتية التي سخّرت جميع أجهزتها لمحو أهل البيت(عليهم السلام) من خارطة الوجود.

لقد أشاد الفرزدق في قصيدته بالإمام العظيم أمام أهل الشام وغيرهم من سائر الحجاج ممّا يعتبر ضربة موجعة للسياسة الأُموية، وعلّق البستاني على هذه القصيدة بقوله: وقالوا: كفى بالفرزدق أن يكون قال هذه القصيدة حتّى يدخل الجنة([51]) .

ومضافاً لما فيها من روعة الصدق، ونصرة الحقّ إنسجام أبياتها بهذا اللون من الجمال، يقول السيد عليّ المدني: وأما إنسجامها فغاية لا تدرك، وعقيلة لا تملك، وقد جنّبها حواشي الكلام، وجاء فيها ببديع الإنسجام، ومَن رأى شعر الفرزدق، ورأى هذه القصيدة ملك نفسه العجب، فإنّه لا مناسبة بينها وبين سائر قوله: سبباً ومدحاً وهجاءاً على أنّه نظّمها بديهة وارتجالاً، ولا شك أنّ الله سبحانه أيّده في مقالها، وسدّده حال ارتجالها([52]) .

إنّ الفرزدق كان يميل مَيلاً  شديداً إلى آل البيت وإن لم يكثر من الشعر فيهم اتقاءً لأذى الأُمويين([53]) .

لقد كان الفرزدق علويّ الميول والاتجاه، وقد اندفع إلى مدح الإمام(عليه السلام)بوحي من عقيدته، يقول الشريف المرتضى: كان الفرزدق شيعياً مائلاً لبني هاشم، ونزع في آخر عمره عمّا كان عليه من الفسق والقذف، وراجع طريقة الدين على أنّه لم يكن في خلال ذلك سلخاً من الدين، ولا مهملاً أمره([54]) وعلى أي حال فإنّ نسبة هذا القصيدة العصماء إلى الفرزدق من الأُمور التي لا تقبل التشكيك، فقد تواتر النقل بنسبتها إليه.

 

اعتقال الفرزدق

وثار هشام بن عبدالملك، وخرج من أهابه حينما سمع بهذه القصيدة، وودّ أن الأرض قد ساخت به، فقد دلّلت على واقع الإمام العظيم، وعرّفته لأهل الشام الذين جهلوه وجهلوا آباءه، فقد أشاد الفرزدق بمنزلة الإمام، وجعل الولاء له جزءاً لا يتجزّأ من الإسلام، وأنّه أفضل إنسان تضمّه سماء الدنيا في ذلك العصر.

وأمر هشام باعتقال الفرزدق  فاعتقل، وأُودع في سجون عسفان وهو منزل يقع ما بين مكة والمدينة، وبلغ ذلك الإمام زين العابدين(عليه السلام)فبعث إليه باثني عشر ألف درهم فردّها الفرزدق، واعتذر من قبولها، وقال: إنّما قلت فيكم غضباً لله ورسوله، فردّها الإمام عليه فقبلها، وجعل الفرزدق يهجوا هشاماً، وممّا هجاه به:

أيحبسني بين المدينة والتي *** إليها قلوب الناس يهوي منيبها

يقلب رأسا لم يكن رأس سيّد *** وعين له حولاء باد عيوبها([55]) .

 

مناجاته في البيت الحرام

وأثرت عن الإمام زين العابدين(عليه السلام) أنواع من المناجاة في بيت الله الحرام كان يناجي بها ربّه في غلس الليل البهيم، ومن بينها ما يلي:

1 ـ روى محمّد بن أبي حمزة قال: رأيت عليّ بن الحسين(عليه السلام)، في فناء الكعبة وهو يصلّي، فأطال القيام حتى جعل مرّة يتوكّأ على رجله اليمنى، ومرّة على رجله اليسرى ثمّ سمعته بصوت عال كأنّه باك، وهو يناجي ربّه قائلاً:

«يا سيّدي تعذبني وحبّك في قلبي؟! أما وعزّتك لتجمعنّ بيني وبين قوم طالما عاديتهم فيك...»([56]) .

وفي هذه المناجاة القصيرة أعرب الإمام (عليه السلام) عن مدى انقطاعه وتضرّعه إلى الله طالباً منه أن يمنحه العفو والرضوان.

2 ـ روى الأصمعي قال: كنت أطوف حول الكعبة فإذا شاب متعلق بأستار الكعبة وهو يقول بنبرات حزينة تأخذ بمجامع القلوب:

«نامت العيون، وعلت النجوم، وأنت الملك الحيّ القيّوم، غلقت الملوك أبوابها وأقامت عليها حرّاسها، وبابك مفتوح للسائلين، جئتك لتنظر إليَّ برحمتك يا أرحم الراحمين...».

ثمّ أنشأ يقول:

يا من يجيب دعا المضطرّ في الظلم *** يا كاشف الضرّ والبلوى مع السقم

قد نام وفدك حول البيت قاطبة *** وأنت وحدك يا قيّوم لم تنم

ادعوك ربّ دعاءً قد أمرت به *** فارحم بكائي بحقّ البيت والحرم

إن كان عفوك لا يرجوه ذو سرف *** فمَن يجود على العاصين بالنعم

قال الأصمعي: فاقتفيت أثره فإذا هو زين العابدين([57]) فوقعت عليه وقلت له: أنت عليّ بن الحسين أبوك شهيد كربلاء، وجدّك عليّ المرتضى، وأُمّك فاطمة الزهراء، وجدّتك خديجة الكبرى، وجدّك الأعلى محمّد المصطفى وأنت تقول مثل هذا القول؟...

فأجابه الإمام برفق ولطف:

ألم تقرأ قوله تعالى: «(فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلاَ  أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ)([58])، ألم تسمع قول جدّي: «خلقت الجنّة للمطيع وإن كان حبشيّاً، وخلقت النار للعاصي وإن كان قرشياً...»([59]) .

لقد تعلّق هذا الإمام العظيم بالله تعالى، وانقطع إليه، وقد أطاعه وعَبَده عن معرفة وإيمان وإخلاص.

3 ـ روى طاووس اليماني قال: مررت بالحجر فإذا بشخص راكع وساجد تأملته فإذا هو عليّ بن الحسين، فقلت في نفسي: رجل صالح من أهل بيت النبوّة، والله لاغتنمنّ دعاءه فجعلت أرقبه حتى فرغ من صلاته، فرفع بطن كفّيه، وجعل يخاطب الله قائلاً:

«إلهي، سيّدي، سيّدي، هاتان يداي قد مددتهما إليك بالذنوب مملوءتين وعيناي بالرجاء ممدودتين، وحقّ من دعاك بالندم تذللاً أن تجيبه بالكرم تفضّلاً.

سيّدي، أمن أهل الشقاء خلقتني فأُطيل بكائي أم من أهل السعادة خلقتني فأُبشّر رجائي؟

سيّدي، ألِضرب المقامع خلقت أعضائي؟ أم لشرب الحميم خلقت أمعائي؟

سيّدي، لو أنّ عبداً استطاع الهرب من مولاه لكنت أوّل الهاربين من مولاه لكنّي أعلم أنّي لا أفوتك.

سيّدي: لو أنّ عذابي ممّا يزيد في ملكك لسألتك الصّبر عليه، غير أنّي أعلم أنّه لا يزيد في ملكك طاعة المطيعين، ولا ينقص منه معصية العاصين.

سيّدي: ما أنا وما خطري؟ هب لي بفضلك، وجلّلني بسترك، واعف عن توبيخي بكرم وجهك.

إلهي: وسيّدي، ارحمني مصروعاً على الفراش تقلّبني أيدي أحبّتي، وارحمني مصروعاً على المغتسل يغسّلني صالح جيرتي، وارحمني محمولاً قد تناول الأقرباء أطراف جنازتي، وارحم في ذلك البيت المظلم وحشتي وغربتي...».

ولما سمع طاووس المناجاة الحزينة التي تفزع منها النفوس، وتضطرب منها القلوب لم يملك نفسه أن بكى فالتفت إليه الإمام قائلاً:

«يا يمانيّ ما يبكيك؟ أوليس هذا مقام المذنبين؟...».

وانبرى طاووس بخضوع وإكبار للإمام قائلاً:

«حقّ على الله أن لا يدرك...»([60]) .

لقد سمت روح الإمام(عليه السلام) إلى الملأ الأعلى، وتعلّقت به، وانقطعت إليه.

4 ـ ونقل الرواة عن الحسن البصري أنّه رأى الإمام في الكعبة، وهو يتضرّع إلى الله، ويدعوه منيباً، فدنا فسمعه ينشد هذه الأبيات الرقيقة:

ألا أيّها المأمول في كلّ حاجة *** شكوت إليك الضرّ فارحم شكايتي

ألا يا رجائي أنت كاشف كربتي *** فهب لي ذنوبي كلّهاواقض حاجتي

وإنّ إليك القصد في كلّ مطلب *** وأنت غياث الطالبين وغايتي

أتيت بأفعال قباح رديّة *** فما في الورى خلق جنى كجنايتي

فزادي قليل لا أراه مبلّغي *** أللزّاد أبكي أم لبعد مسافتي

أتجمعني والظالمين مواقف *** فأين طوافي ثمّ أين زيارتي

أتحرقني بالنار يا غاية المنى *** فأين رجائي ثمّ أين مخافتي

فيا سيّدي فامنن عليّ بتوبة *** فإنّك ربّ عالم بمقالتي

وأثّر ذلك تأثيراً بالغاً في نفس الحسن البصري، فاندفع يُقبّل رجلي الإمام وهو يقول له:

يا سلالة النبوّة، ما هذه المناجاة والبكاء وأنت من أهل بيت النبوّة؟ قال الله تعالى: (لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) .

فانبرى الإمام يبيّن له واقع الإسلام الذي تبنّى الأعمال الصالحة ولا يقيم وزناً للأنساب قائلاً:

«دع هذا; خلقت الجنة لمَن أطاع الله، ولو كان عبداً حبشياً، وخلقت النار لمَن عصاه ولو كان حرّاً قرشياً، وقال(صلى الله عليه وآله): «إئتوني بأعمالكم لا بأنسابكم...»([61]) .

واستبعد بعض المؤلفين صحّة هذه الرواية، وذلك لاشتمالها على تلك الأبيات، وهي ركيكة بالإضافة إلى تقبيل الحسن البصري لرجلي الإمام، وهو لا يليق بمكانة البصري، ولا يرضى بذلك الإمام([62]) وهذه المناقشة واهية، وذلك لما يلي:

أوّلاً: إنّ الإمام(عليه السلام) أنشد هذه الأبيات، ولا يعلم أنّها من نظمه.

ثانياً: إنّا لا نعرف الوجه في ركاكة هذه الأبيات، وضعفها، فإنّها من الرقة والجودة بمكان.

ثالثاً: إنّ تقبيل الحسن البصري ليس إهانة له، وإنّما هو شرف وفخر له فإنّ الإمام بقية الله في أرضه، وسيّد العترة الطاهرة في عصره، وفلذة من كبد رسول الله(صلى الله عليه وآله)، والبصري أعرف بمكانته من هذا المؤلف.

5 ـ ومن مناجاته لله في البيت الحرام ما رواه طاووس الفقيه قال: رأيت عليّ بن الحسن يطوف من العشاء إلى السحر ويتعبّد، فإذا لم يرَ أحداً رمق السماء بطرفه وقال:

«إلهي غارت نجوم سماواتك، وهجعت عيون أنامك، وأبوابك مفتّحات للسائلين، جئتك لتغفر لي وترحمني، وتريني وجه جدّي محمّد(صلى الله عليه وآله)، في عرصات القيامة».

ثمّ بكى وخاطب الله قائلاً:

«أما وعزّتك وجلالك ما أردت بمعصيتي مخالفتك، وما عصيتك إذ عصيتك وأنا بك شاك، ولا بنكالك جاهل، ولا لعقوبتك متعرّض، ولكن سوّلت لي نفسي، وأعانني على ذلك سترك المرخى عليَّ، فأنا الآن من عذابك من يستنقذني، وبحبل من اعتصم إن قطعت حبلك عنّي، فواسوأتاه غداً من الوقوف بين يديك، إذا قيل للمخفّين جوزوا، وللمثقلين حطّوا، أمع المخفّين أجوز؟ أم مع المثقلين أحطّ؟ ويلي كلّما طال عمري كثرت خطاياي ولم أتب، أما آن لي أن استحي من ربّي...».

وانفجر بالبكاء وأنشا يقول:

أتحرقني بالنّار يا غاية المنى *** فأين رجائي ثمّ أين  محبّتي

أتيت بأعمال قباح ردّية *** وما في الورى خلق جنى كجنايتي

«سبحانك تعصى كأنّك لاترى، وتحلم كأنّك لم تعص، تتودّد إلى خلقك بحسن الصنيع كأنّ بك الحاجة إليهم، وأنت يا سيّدي الغني عنهم...» ثمّ خرّ إلى الأرض ساجداً فدنوت منه، ورفعت رأسه ووضعته في حجري فوقعت قطرات من دموعي على خدّه الشريف فاستوى جالساً، وقال بصوت خافت:

«مَن هذا الذي أشغلني عن ذكر ربّي؟...».

فأجابه طاووس بخضوع وإجلال:

أنا طاووس، يا ابن رسول الله ما هذا الجزع والفزع؟ ونحن يلزمنا أن نفعل مثل هذا؟ ونحن عاصون جانون، أبوك الحسين بن عليّ، وأُمّك فاطمة الزهراء، وجدّك رسول الله...

ولم يحفل الإمام بالنسب الوضاح الذي حظي به، فانبرى قائلاً:

«هيهات، هيهات، ياطاووس دع عنك حديث أبي وأُمي وجدّي، خلق الله الجنّة لمَن أطاعه وأحسن ولو كان عبداً حبشياً، وخلق النار لمَن عصاه ولو كان سيّداً قرشياً، أما سمعت قوله تعالى: (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلاَ  أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ)، والله لا ينفعك غداً إلاّ تقدمة تقدمها من عمل صالح...»([63]) .

6 ـ ومن مناجاته(عليه السلام) في بيت الله الحرام ما رواه طاووس قال: دخلت الحِجر ـ يعني حجر إسماعيل ـ في الليل فإذا عليّ بن الحسين قد دخل فقام يصلّي ما شاء الله، ثمّ سجد سجدة فأطالها، فقلت: رجل صالح من بيت النبوّة لأصغينّ إليه سمعته يقول:

«عبيدك بفنائك، مسكينك بفنائك، سائلك بفنائك، فقيرك بفنائك...» وحفظ طاووس هذه المناجاة القصيرة التي عبّرت عن نكران الذات، والاعتراف بالعبودية المطلقة لله، فكان يدعو بها عند الحاجة، وأنّ الله يكشف ما ألمّ به كما حدث بذلك([64]) .

هذه نماذج من مناجاة الإمام في بيت الله الحرام، وهي تكشف عن عظيم إنابته واتّصاله بالله .

وسمع الإمام(عليه السلام) رجلاً في أثناء طوافه بالكعبة، وهو يسأل الله الصبر فالتفت الإمام إليه قائلاً:

«سألت البلاء، ولكن قل: «اللهمّ إنّي أسألك العافية، والشكر على العافية»([65]) .

لقد أرشده الإمام إلى الدعاء الذي ينبغي أن يدعو به، وهو طلب العافية والشكر عليها، وحذّره من الدعاء بطلب الصبر لأنّه يكون فيما إذا نزل به بلاء أو فاقة.

 


 

إنكاره على سائلين في عرفة

ونظر الإمام(عليه السلام) إلى قوم يسألون الناس، ويطلبون رفدهم في يوم عرفة فأنكر عليهم ذلك وقال:

«وَيْحَكُم أغير الله تسألون في مثل هذا اليوم!! إنّه ليرجى في هذا اليوم لما في بطون الحبالى أن يكون سعيداً...»([66]) .

 

تحريره للعبيد في عرفات

كان(عليه السلام) يشتري العبيد، وما به إليهم من حاجة فيأتي بهم إلى عرفات فيسدّ بهم الفرج والخلال فإذا أفاض من عرفات أمر بعتق رقابهم، وجوائز لهم من المال([67]) .

 

دعاؤه في عرفات

وكان الإمام في عرفات يقوم بالصلاة والدعاء وتلاوة القرآن الكريم وكان يدعو بهذا الدعاء الشريف وهو من غرر أدعية أئمة أهل البيت(عليهم السلام) فقد حفل بأُمور بالغة الأهمية وفيما يلي مقاطع من نصّه:

«اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمينَ، اللّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ بَديـعَ السَّمـاواتِ وَالاَْرْضِ، ذَا الْجَـلالِ وَالاِْكْرامِ، رَبَّ الاَْرْبابِ، وَإِلهَ كُلِّ مَأْ لُوه، وَخالِقَ كُلِّ مَخْلُوق، وَوارِثَ كُلِّ شَىْء (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)([68]) وَلا يَعْزُبُ([69])عَنْهُ عِلْمُ شَىْء، وَهُوَ بِكُلِّ شَىْء مُحيطٌ، وَهُوَ عَلى كُلِّ شَىْء رَقيبٌ...

وَأَنْتَ اللّهُ لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ الْعَلِىُّ الْمُتَعالِ، الشَّديدُ الْمِحالِ([70])

وَأَنْتَ اللّهُ لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ الرَّحْمنُ الرَّحيمُ، الْعَليمُ الْحَكيمُ، وَأَنْتَ اللّهُ لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ السَّميعُ الْبَصيرُ، الْقَديمُ الْخَبيرُ، وَأَنْتَ اللّهُ لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ الْكَريمُ الاَْكْرَمُ، الدّائِمُ الاَْدْوَمُ، وَأَنْتَ اللّهُ لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ الدّاني في عُلُوِّهِ، وَالْعالي في دُنُوِّهِ، وَأَنْتَ اللّهُ لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ ذُو الْبَهاءِ وَالْمَجْدِ، وَالْكِبْرِياءِ وَالْحَمْدِ، وَأَنْتَ اللّهُ لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ الَّذي أَنْشَأْتَ الأَشْياءَ مِنْ غيْرِ سِنْخ([71])، وَصَوَّرْتَ ماصَوَّرْتَ مِنْ غَيْرِ مِثال، وَابْتَدَعْتَ الْمُبْتَدَعاتِ بِلاَ احْتِذاء([72])، وأَنْتَ الَّذي قَدَّرْتَ كُلَّ شَىْء تَقْديراً، وَيَسَّرْتَ كُلَّ شَىْء تَيْسيراً، وَدَبَّرْتَ ما دُونَكَ تَدْبيراً، وأَنْتَ الَّذي لَمْ يُعِنْكَ عَلى خَلْقِكَ شَريكٌ، وَلَمْ يُوازِرْكَ في أَمْرِكَ وَزيرٌ، وَلَمْ يَكُنْ لَكَ مُشاهِدٌ وَلا نَظيرٌ، أَنْتَ الَّذي أَرَدْتَ فَكانَ حَتْماً ما أَرَدْتَ، وَقَضَيْتَ فَكانَ عَدْلاً ما قَضَيْتَ، وَحَكَمْتَ فَكانَ نِصْفاً ما حَكَمْتَ، أَنْتَ الَّذي لا يَحْويكَ مَكانٌ، وَلَمْ يَقُمْ لِسُلْطانِكَ سُلْطانٌ، وَلَمْ يُعْيِكَ بُرْهانٌ وَلا بَيانٌ...» .

وحفلت هذه الكلمات المشرقة بتعظيم الله، وتمجيده والثناء عليه، وبيان معظم صفاته تعالى الإيجابية، والتي منها أنّه تعالى أنشأ الأشياء، وأوجدها، وابتدعها بقدرته، وإرادته التي أحكمت كلّ شيء صنعاً، فجميع ما في الكون مما يُرى، ومما لا يُرى قد أحكمه تعالى، وقدّره تقديراً، ودبّره تدبيراً بحكمة بالغة، وبأسرار عجيبة تذهل الأفكار، وتحيّر الألباب، وكيف يستطيع الإنسان المحدود في علمه، وقدرته وإرادته أن يصل إلى معرفة الخالق العظيم، الذي هو فوق التصور، وفوق الإدارك، وهذا ما يؤكّده الإمام(عليه السلام) في المقطع التالي من هذا الدعاء الشريف:

«أَنْتَ الَّذي أَحْصَيْتَ كُلَّ شَىْء عَدَداً، وَجَعَلْتَ لِكُلِّ شَىْء أَمَداً، وَ قَدَّرْتَ كُلَّ شَىْء تَقْديراً، أَنْتَ الَّذي قَصُرَتِ الاَْوْهامُ عَنْ ذاتِيـَّتِكَ، وَعَجَزَتِ الاَْفْهامُ عَنْ كَيْفِيَّتِكَ، وَلَمْ تُدْرِكِ الاَْبْصارُ مَوْضِعَ أَيْنِيَّتِكَ([73])، أَنْتَ الَّذي لا تُحَّدُّ فَتَكُونَ مَحْدُوداً، ولَمْ تُمَثَّلْ([74]) فَتَكُونَ مَوْجُوداً، وَلَمْ تَلِدْ فَتَكُونَ مَوْلُوداً، أَنْتَ الَّذي لا ضِدَّ مَعَكَ فَيُعانِدَكَ([75])، وَلا عِدْلَ([76]) لَكَ فَيُكاثِرَكَ، وَلا نِدَّ لَكَ فَيُعارِضَكَ، أَنْتَ الَّذِي ابْتَدَأَ وَاخْتَرَعَ، وَاسْتَحْدَثَ وَابْتَدَعَ، وَأَحْسَنَ صُنْعَ ما صَنَعَ. سُبْحانَكَ ما أَجَلَّ شَأْنَكَ! وَأَسْنى([77]) فِي الاَْماكِنِ مَكانَكَ! وَأَصْدَعَ بِالْحَقِّ فُرْقانَكَ!»([78]) .

وعرض إمام الموحدين في هذه الفقرات إلى علم الله تعالى الذي لا يحدّ، والذي كان فيه أنّه أحصى جميع ما في الكون عدّاً، ولم يعزب عنه مثقال ذرة في السموات والأرض، فقد أحاط بكلّ شيء علماً، كما عرض الإمام(عليه السلام) إلى عجز الأفهام عن الوصول إلى إدراك حقيقته تعالى، واستحالة ذلك عليها إذ كيف يدرك الممكن حقيقة واجب الوجود الذي ليس له نوع ولا جنس ولا فصل حتى يتوصّل إلى معرفته بها وكيف يستطيع هذا الإنسان العاجز عن إدراك حقيقة ذاته ونفسه وما فيه من أجهزة مذهلة وعجيبة حتى يعرف حقيقة الخالق العظيم الذي خلق الزمان والمكان، وخلق الكواكب والمجرّات التي لا يحصي ما فيها من الكواكب إلاّ الله.

وقد ألمّت هذه الفقرات ببحوث فلسفية مهمة كنفي الحدّ، والمماثل والضدّ وغيرها عنه تعالى وقد عرضت لها بالتفصيل الكتب الفلسفية والكلامية... ولنستمع إلى فقرات أُخرى من هذا الدعاء الشريف:

«سُبْحانَكَ مِنْ لَطيف ما أَلْطَفَكَ!([79]) وَرَؤُوف ما أَرْأَفَكَ!([80]) وَحَكيم ما أَعْرَفَكَ!([81]) سُبْحانَكَ مِنْ مَليك ما أَمْنَعَكَ! وَجَواد ما أَوْسَعَكَ!([82])وَرَفيع ما أَرْفَعَكَ! ذُو الْبَهاءِ وَالْمَجْدِ، وَالْكِبْرِياءِ وَالْحَمْدِ، سُبْحانَكَ بَسَطْتَ بِالْخَيْراتِ يَدَكَ، وَعُرِفَتِ الْهِدايَةُ مِنْ عِنْدِكَ، فَمَنِ الْتَمَسَكَ([83])لِدين أَوْ دُنْياً وَجَدَكَ، سُبْحانَكَ خَضَعَ لَكَ مَنْ جَرى([84]) في عِلْمِكَ([85])، وَخَشَعَ لِعَظَمَتِكَ ما دُونَ عَرْشِكَ، وَانْقادَ لِلتَّسْليمِ لَكَ كُلُّ
خَلْقِكَ، سُبْحانَكَ لا تُحَسُّ([86])، وَلا تُجَسُّ([87])، وَلا تُمَسُّ([88])،
وَلا تُكادُ([89])، وَلا تُماطُ([90])، وَلا تُنازَعُ، وَلا تُجارى، وَلا
تُمارى([91])، وَلا تُخادَعُ، وَلا تُماكَرُ([92])، سُبْحانَكَ سَبيلُكَ
جَدَدٌ([93])، وَأَمْرُكَ رَشَدٌ، وَأَنْتَ حَىٌّ صَمَدٌ([94])، سُبْحانَكَ قَوْلُكَ حُكْمٌ، وَقَضاؤُكَ حَتْمٌ، وَإِرادَتُك عَزْمٌ، سُبْحانَكَ لا رادَّ لِمَشِيَّتِكَ، وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِكَ، سُبْحانَكَ باهِرَ الاْياتِ، فاطِرَ السَّمواتِ([95])، بارِئَ النَّسَماتِ...».

وحفلت هذه اللوحة بأروع ما يسبّح به الأولياء والمتّقون، وبأزكى ما يمجّدون به ربّهم، فما أعظم الله وأجلّه وأعلاه عند الإمام(عليه السلام) فهو تعالى اللطيف الرؤوف بعباده، والملك المقتدر، فمن إلتجأ إليه فقد التجأ إلى حصن وثيق، وكهف حريز وعرض الإمام(عليه السلام)إلى عظمة الله تعالى فقد خضع له كلّ ما في الكون، وخشع له جميع مَن في الوجود، وانقاد له بالتسليم جميع خلقه، كما أنّ من عظمته تعالى تنزيهه عن الجسم حتى لا يدرك بالحواس الخمس، وإنّما هو نور السموات والأرض، ومن عظمته أنّه ليس بمقدور أي أحد أن يكيده أو يمكر به أو يجادله أو ينازعه، وإنّما الجميع تحت قبضته وسلطانه وأمره، فقوله حكم، وقضاؤه حتم، وإرادته عزم، ولنصغ بعد هذا إلى قطع أُخرى من هذا الدعاء الشريف:

«لَكَ الْحَمْدُ حَمْداً يَدُومُ بِدَوامِكَ، وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْداً خالِداً بِنِعْمَتِكَ، وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْداً يُوازي صُنْعَكَ([96])، وَلَك الْحَمْدُ حَمْداً يَزيدُ عَلى رِضاكَ، وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْداً مَعَ حَمْدِ كُلِّ حامِد، وَشُكْراً يَقْصُرُ عنْهُ شُكْرُ كُلِّ شاكِر، حَمْداً لا يَنْبَغي إِلاّ لَكَ، وَلا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلاّ إِلَيْكَ، حَمْداً يُسْتَدامُ بِهِ الاَْوَّلُ، وَيُسْتَدْعى بِهِ دَوامُ الاْخِرِ، حَمْداً يَتَضاعَفُ عَلى كُرُورِ الاَْزْمِنَةِ، وَيَتَزايَدُ أَضْعافاً مُتَرادِفَةً، حَمْداً يَعْجِزُ عَنْ إِحْصائِهِ الْحَفَظَةُ([97])، وَيَزيدُ عَلى ما أَحْصَتْهُ في كِتابِكَ الْكَتَبَةُ([98])، حَمْداً يوازِنُ عَرْشَكَ الْمَجيدَ، وَيُعادِلُ كُرْسِيَّكَ الرَّفيعَ، حَمْداً يَكْمُلُ لَدَيْكَ ثَوابُهُ، وَيَسْتَغْرِقُ كُلَّ جَزاء جَزاؤُهُ، حَمْداً ظاهِرُهُ وَفْقٌ لِباطِنِهِ، وَباطِنُهُ وَفْقٌ لِصِدْقِ النِّيَّةِ فيهِ، حَمْداً لَمْ يَحْمَدْكَ خَلْقٌ مِثْلَهُ، وَلا يَعْرِفُ أَحَدٌ سِواكَ فَضْلَهُ، حَمْداً يُعانُ مَنِ اجْتَهَدَ في تَعْديدِهِ، وَيُؤَيَّدُ مَنْ أَغْرَقَ نَزْعاً في تَوْفِيَـتِهِ([99])، حَمْداً يَجْمَعُ ما خَلَقْتَ مِنَ الْحَمْدِ، وَيَنْتَظِمُ ما أَنْتَ خالِقُهُ مِنْ بَعْدُ، حَمْداً لا حَمْدَ أَقْرَبُ إِلى قَوْلِكَ مِنْهُ، وَلا أَحْمَدَ مِمَّنْ يَحْمَدُكَ بِهِ، حَمْداً يوجِبُ بِكَرَمِكَ الْمَزيدَ بِوُفُورِهِ، تَصِلُهُ بِمَزيد بَعْدَ مَزيد طَوْلاً([100]) مِنْكَ، حَمْداً يَجِبُ لِكَرَمِ وَجْهِكَ، وَيُقابِلُ عِزَّ جَلالِكَ...» .

ولم تبق كلمة في قاموس الحمد والثناء إلاّ قدّمها الإمام لمحبوبه الأكبر الخالق العظيم، لقد  قدّم له الحمد اللاّمتناهي على عظيم
نعمه، وألطافه عليه، ولنستمع بعد هذا إلى لوحة أُخرى من هذا
الدعاء الشريف:

«رَبِّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد الْمُنْتَجَبِ([101]) الْمُصْطَفى، الْمُكَرَّمِ الْمُقَرَّبِ، أَفْضَلَ صَلَواتِكَ، وَبارِكْ عَلَيْهِ أَتَمَّ بَرَكاتِكَ، وَتَرَحَّمْ عَلَيْهِ أَمْتَعَ رَحَماتِكَ. رَبِّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ، صَلاةً زاكِيَةً، لا تَكُونُ صَلاةٌ أَزْكى مِنْها، وَصَلِّ عَلَيْهِ صَلاةً نامِيَةً، لا تَكُونُ صَلاةٌ أَنْمى مِنْها، وَصَلِّ عَلَيْهِ صَلاةً راضِيَةً([102]) لا تَكُونُ صَلاةٌ فَوْقَها، رَبِّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ، صَلاةً تُرْضيهُ وَتَزيدُ عَلى رِضاهُ، وَصَلِّ عَلَيْهِ صَلاةً تُرْضيكَ وَتَزيدُ عَلى رِضاكَ لَهُ، وَصَلِّ عَلَيْهِ صَلاةً لا تَرْضى لَهُ إِلاّ بِها، وَلا تَرى غَيْرَهُ لَها أَهْلاً.

رَبِّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ، صَلاةً تُجاوِزُ رِضْوانَكَ([103])، وَيَتَّصِلُ اتِّصالُها بِبَقائِكَ، وَلا يَنْفَدُ كَما لا تَنْفَدُ كَلِماتُكَ، رَبِّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ، صَلاةً تَنْتَظِمُ([104]) صَلَواتِ مَلائِكَتِكَ، وَأَنْبِيائِكَ، وَرُسُلِكَ، وَأَهْلِ طاعَتِكَ، وَتَشْتَمِلُ عَلى صَلَواتِ عِبادِكَ، مِنْ جِنِّكَ، وَإِنْسِكَ، وَأَهْلِ إِجابَتِكَ، وَتَجْتَمِعُ عَلى صَلاةِ كُلِّ مَنْ ذَرَأْتَ([105]) وَبَرَأْتَ([106]) مِنْ أَصْنافِ خَلْقِكَ، رَبِّ صَلِّ عَلَيْهِ وَآلِهِ، صَلاةً تُحيطُ بِكُلِّ صَلاة سالِفَة وَمُسْتَأْنَفَة، وَصَلِّ عَلَيْهِ وَعَلى آلِهِ، صَلاةً مَرْضِيَّةً لَكَ وَلِمَنْ دُونَكَ، وَتُنْشِيُ مَعَ ذلِكَ صَلَوات تُضاعِفُ مَعَها تِلْكَ الصَّلَواتِ عِنْدَها، وَتَزيدُها عَلى كُرُورِ الاَْيّامِ زِيادَةً في تَضاعيفَ لايَعُدُّها غَيْرُكَ...».

وأشاد الإمام(عليه السلام) بهذه الكلمات بجدّه الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله)وطلب من الله تعالى أن يترحّم ويصلّي عليه صلاة زاكية نامية مرضية تبقى على كرور الليالي والأيام، وتتصل ببقاء الله الذي لا نهاية له، ولا تنفذ كما لا تنفذ كلمات الله، ولنستمع بعد هذا إلى قطعة أُخرى من هذا الدعاء:

«رَبِّ صَلِّ عَلى أَطائِبِ أَهْلِ بَيْتِهِ الَّذينَ اخْتَرْتَهُمْ لاَِمْرِكَ، وَجَعَلْتَهُمْ خَزَنَةَ عِلْمِكَ، وَحَفَظَةَ دينِكَ، وَ خُلَفاءَكَ في أَرْضِكَ، وَحُجَجَكَ عَلى عِبادِكَ، وَطَهَّرْتَهُمْ مِنَ الرِّجْسِ([107]) وَالدَّنَسِ تَطْهِيراً بِإِرادَتِكَ، وَجَعَلْـتَهُمُ الْوَسيلَةَ إِلَيْكَ، وَالْمَسْلَكَ إِلى جَنَّتِكَ، رَبِّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ، صَلاةً تُجْزِلُ لَهُمْ بِها مِنْ نِحَلِكَ([108]) وَكَرامَتِكَ، وَتُكْمِلُ لَهُمُ الاَْشْياءَ مِنْ عَطاياكَ وَنَوافِلِكَ([109])، وَتُوَفِّرُ عَلَيْهِمُ الْحَظَّ مِنْ عَوائِدِكَ وَفَوائِدِكَ، رَبِّ صَلِّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ، صَلاةً لا أَمَدَ في أَوَّلِها، وَلا غايَةَ لاَِمَدِها([110]) وَلا نِهايَةَ لاِخِرِها، رَبِّ صَلِّ عَلَيْهِمْ زِنَةَ عَرْشِكَ وَما دُونَهُ، وَمِلْءَ سَماواتِكَ وَما فَوْقَهُنَّ، وَعَدَدَ أَرَضيكَ وَما تَحْتَهُنَّ  وَما بَيْنَهُنَّ، صَلاةً تُقَرِّبُهُمْ مِنْكَ زُلْفى، وَتَكُونُ لَكَ وَلَهُمْ رِضاً، وَمُتَّصِلَةً بِنَظائِرهِنَّ أَبَداً...».

وأعرب الإمام(عليه السلام) في هذه الكلمات عن سموّ منزلة أهل البيت(عليهم السلام) وما منحهم الله من الفضائل، والتي منها:

أ ـ إنّ الله تعالى اختارهم لنشر دينه، وأداء رسالته إلى عباده.

ب ـ إنّ الله جعلهم خزنة لعلمه، ومراكز لحكمته.

ج ـ إنّهم حفظة دين الله من الزيادة والنقصان.

د ـ إنّهم خلفاء الله في أرضه، وحججه على عباده.

هـ ـ إنّ الله طهّرهم من الرجس والدنس، كما نطقت بذلك الآية الكريمة: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) .

و ـ إنّ الله تعالى جعلهم الوسيلة إليه، والمسلك إلى جنّته، فمَن أتاهم فقد نجا، ومن تخلّف عنهم فقد غرق وهوى.

هذه بعض فضائلهم ومآثرهم التي تحدث عنها الإمام(عليه السلام)، وطلب من الله أن يفيض صلواته ومغفرته عليهم وأن يجزل لهم المزيد من رحماته، ولنصغ إلى قطعة أُخرى من هذا الدعاء:

«اللّهُمَّ إِنَّكَ أَيَّدْتَ دينَكَ في كُلِّ أَوان بِإِمام أَقَمْتَهُ عَلَماً لِعِبادِكَ، وَمَناراً([111]) في بِلادِكَ، بَعْدَ أَنْ وَصَلْتَ حَبْلَهُ بِحَبْلِكَ، وَجَعَلْتَهُ الذَّريعَةَ إِلى رِضْوانِكَ، وَافْتَرَضْتَ طاعَتَهُ، وَحَذَّرْتَ مَعْصِيَتَهُ، وَأَمَرْتَ بِامْتِثالِ أَوامِرِهِ، وَالاِْنْتِهاءِ عِنْدَ نَهْيِهِ، وَأَن لا يَتَقَدَّمَهُ مُتَقَدِّمٌ، وَلا يَتَأَخَّرَ عَنْهُ مُتَأَخِّرٌ، فَهُوَ عِصْمَةُ اللاّئِذينَ، وَكَهْفُ الْمُؤْمِنينَ، وَعُرْوَةُ الْمُتَمَسِّكينَ، وَبَهاءُ الْعالَمينَ.

اللّهُمَّ فَأَوْزِعْ لِوَلِيّكَ  شُكْرَ ما أَنْعَمْتَ بِهِ عَلَيْهِ، وَأَوْزِعْنا مِثْلَهُ فيهِ، وَ آتِهِ مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصيراً، وَافْتَحْ لَهُ فَتْحاً يَسيراً، وَأَعِنْهُ بِرُكْنِكَ الاَْعَزِّ، وَاشْدُدْ أَزْرَهُ، وَقَوِّ عَضُدَهُ، وَراعِهِ بِعَيْنِكَ، وَاحْمِهِ بِحِفْظِكَ، وَانْصْرْهُ بِمَلائِكَتِكَ، وَامْدُدْهُ بِجُنْدِكَ الاَْغْلَبِ، وَأَقِمْ بِهِ كِتابَكَ، وَحُدُودَكَ، وَشَرائِعَكَ، وَسُنَنَ رَسُولِكَ، صَلَواتُكَ اللّهُمَّ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَأَحْيِ بِهِ ما أَماتَهُ الظّالِمُونَ مِنْ مَعالِمِ دينِكَ، وَاجْلُ بِهِ صَداءَ الْجَوْرِ عَنْ طَريقَتِكَ، وَأَبِنْ بِهِ الضَّرّاءَ مِنْ سَبيلِكَ، وَ أَزِلْ بِهِ النّاكِبينَ عَنْ صِراطِكَ، وَامْحَقْ بِهِ بُغاةَ قَصْدِكَ عِوَجاً، وَأَلِنْ جانِبَهُ لأَِوْلِيائِكَ، وَابْسُطْ يَدَهُ عَلى أَعْدائِكَ، وَهَبْ لَنا رَأْفَتَهُ وَرَحْمَتَهُ وَتَعَطُّفَهُ وَتَحَنُّنَهُ، وَاجْعَلْنا لَهُ سامِعينَ مُطيعينَ، وَفي رِضاهُ ساعينَ، وَإِلى نُصْرَتِهِ وَالْمُدافَعَةِ عَنْهُ مُكْنِفينَ، وَإِلَيْكَ وَإِلى رَسْولِكَ صَلَواتُكَ اللّهُمَّ عَلَيْهِ وَآلِهِ بِذلِكَ مُتَقَرِّبينَ...» .

وتحدّث(عليه السلام) عن سموّ منزلة الإمام القائم وأهميته البالغة في دنيا الإسلام، فهو الحافظ لدين الله، والهادي إلى سبيل الحقّ والرشاد، والذريعة إلى رضوان الله والواجب يدعو إلى لزوم طاعته، وحرمة مخالفته لأنّه عصمة اللائذين، وكهف المؤمنين، وعروة المستمسكين، وبهاء العالمين، وقد دعا له بالنصر والفتح المبين ليقيم سنة الإسلام، ويحيي ما أماته الظالمون من معالم الشريعة وأحكام الدين، ولنستمع إلى قطعة أُخرى من هذا الدعاء العظيم:

«اللّهُمَّ وَصَلِّ عَلى أَوْلِيائِهِمُ الْمُعْتَرِفينَ بِمَقامِهِمُ، الْمُتَّبِعينَ مَنْهَجَهُمُ، الْمُقْتَفينَ آثارَهُمُ، الْمُسْتَمْسِكينَ بِعُرْوَتِهِمُ، الْمُتَمَسِّكينَ بِوِلايَتِهِمُ، الْمُؤْتَمِّينَ بِإِمامَتِهِمُ، الْمُسَلِّمينَ لأَِمْرِهِمُ، الْمُجْتَهِدينَ في طاعَتِهِمُ، الْمُنْتَظِرينَ أَيّامَهُمُ، الْمادّينَ إِلَيْهِمْ أَعْيُنَهُمُ، الصَّلَواتِ الْمُبارَكاتِ الزّاكِياتِ النّامِياتِ الْغادِياتِ الرّائِحاتِ، وَسَلِّمْ عَلَيْهِمْ وَعَلى أَرْواحِهِمْ. وَاجْمَعْ عَلى التَّقْوى أَمْرَهُمْ، وَأَصْلِحْ لَهُمْ شُؤُونَهُمْ، وَتُبْ عَلَيْهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوّابُ الرَّحيمُ، وَخَيْرُ الْغافِرينَ، وَاجْعَلْنا مَعَهُمْ في دارِالسَّلامِ، بِرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرّاحِمينَ...».

وطلب الإمام(عليه السلام) من الله تعالى أن يصلي ويترحّم على شيعة أهل البيت(عليهم السلام) الذين يمثّلون الوعي الفكري في الإسلام، ويتّبعون منهج الأئمة الطاهرين، ويقتفون آثارهم ،ويتمسّكون بولايتهم، ويأتمون بإمامتهم ويجتهدون في طاعتهم، وينتظرون أيامهم، وهؤلاء هم الملتزمون بصدق تام بالإسلام وشايعوا النبيّ(صلى الله عليه وآله) في أقواله وأفعاله، والتي منها اتّباع أئمة أهل البيت(عليهم السلام) والتمسّك بهم، والأخذ بما أثر عنهم في عالم التشريع، وقد دعا لهم الإمام(عليه السلام) بأن يجمع الله أمرهم على التقوى، ويصلح شؤونهم، ويتوب عليهم، ويجعله معهم في دار الحقّ والسلام، ولنستمع إلى لوحة أُخرى من هذا الدعاء:

«اللّهُمَّ هذا يَوْمُ عَرَفَةَ، يَوْمٌ شَرَّفْتَهُ وَكَرَّمْتَهُ وَعَظَّمْتَهُ، نَشَرْتَ فيهِ رَحْمَتَكَ، وَمَنَنْتَ فيهِ بِعَفْوِكَ، وَأَجْزَلْتَ فيهِ عَطِيَّتَكَ، وَتَفَضَّلْتَ بِهِ عَلى عِبادِكَ، اللّهُمَّ وَأَنَا عَبْدُكَ الَّذي أَنْعَمْتَ عَلَيْهِ قَبْلَ خَلْقِكَ لَهُ، وَبَعْدَ خَلْقِكَ إِيّاهُ، فَجَعَلْتَهُ مِمَّنْ هَدَيْـتَهُ لِدينِكَ، وَوَفَّقْتَهُ لِحَقِّكَ، وَعَصَمْتَهُ بِحَبْلِكَ، وَأَدْخَلْـتَهُ في حِزْبِكَ، وَأَرْشَدْتَهُ لِمُوالاةِ أَوْلِيائِكَ، وَمُعاداةِ أَعْدائِكَ. ثُمَّ أَمَرْتَهُ فَلَمْ يَأْتَمِرْ، وَزَجَرْتَهُ فَلَمْ يَنْزَجِرْ، وَنَهَيْتَهُ عَنْ مَعْصِيَتِكَ فَخالَفَ أَمْرَكَ إِلى نَهْيِكَ، لا مُعانَدَةً لَكَ، وَلاَ اسْتِكْباراً عَلَيْكَ، بَلْ دَعاهُ هَواهُ إِلى ما زَيَّلْـتَهُ([112]) وَإِلى ما حَذَّرْتَهُ، وَأَعانَهُ عَلى ذلِكَ عَدُوُّكَ وَعَدُوُّهُ([113])، فَأَقْدَمَ عَلَيْهِ([114]) عارِفاً بِوَعيدِكَ، راجِياً لِعَفْوِكَ، واثِقاً بِتَجاوُزِكَ، وَكانَ أَحَقَّ عِبادِكَ مَعَ ما مَنَنْتَ عَلَيْهِ أَلاّ يَفْعَلَ، وَها أَنَا ذا بَيْنَ يَدَيْكَ صاغِراً ذَليلاً، خاضِعاً خاشِعاً، خائِفاً مُعْتَرِفاً بِعَظيم مِنَ الذُنُوبِ تَحَمَّلْتُهُ، وَجَليل مِنَ الْخَطايَا اجْتَرَمْتُهُ([115])، مُسْتَجيراً بِصَفْحِكَ، لائِذاً بِرَحْمَتِكَ، مُوقِناً أَ نَّهُ لايُجيرُني مِنْكَ مُجيرٌ، وَلا يَمْنَعُني مِنْكَ مانِعٌ، فَعُدْ عَلَىَّ بِما تَعُودُ بِهِ عَلى مَنِ اقْتَرَفَ مِنْ تَغَمُّدِكَ، وَجُدْ عَلَىَّ بِما تَجُودُ بِهِ عَلى مَنْ أَلْقى بِيَدِهِ إِلَيْكَ مِنْ عَفْوِكَ، وَامْنُنْ عَلَىَّ بِما لا يَتَعاظَمُكَ أَنْ تَمُنَّ بِهِ عَلى مَنْ أَمَّلَكَ مِنْ غُفْرانِكَ([116])، وَاجْعَلْ لي في هذَا الْيَوْمِ نَصيباً أَنالُ بِهِ حَظّاً مِنْ رِضْوانِكَ، وَلا تَرُدَّني صِفْراً([117]) مِمّا يَنْقَلِبُ بِهِ الْمُتَعَبِّدُونَ َلكَ مِنْ عِبادِكَ، وَإِنّي وَإِنْ لَمْ أُقَدِّمْ ما قَدَّمُوهُ مِنَ الصّالِحاتِ، فَقَدْ قَدَّمْتُ تَوْحيدَكَ، وَنَفْىَ الاَْضْدادِ وَالاَْنْدادِ وَالاَْشْباهِ عَنْكَ، وَأَتَيْتُكَ مِنَ الاَْبْوابِ الَّتي أَمَرْتَ أَنْ تُؤْتى مِنْها([118])، وَتَقَرَّبْتُ إِلَيْكَ بِما لا يَقْرُبُ بِهِ أَحَدٌ مِنْكَ إِلاّ بِالتَّقَرُّبِ بِهِ([119])، ثُمَّ أَتْبَعْتُ ذلِكَ بِالاِْنابَةِ إِلَيْكَ، وَالتَّذَلُّلِ وَالاِْسْتِكانَةِ([120])لَكَ، وَحُسْنِ الظَّنِّ بِكَ، وَالثِّقَةِ بِما عِنْدَكَ، وَشَفَعْتُهُ بِرَجائِكَ الَّذي قَلَّ ما يَخيبُ عَلَيْهِ راجيكَ، وَ سَأَلْتُكَ مَسْأَلَةَ الْحَقيرِ الذَّليلِ، الْبائِس الْفَقيرِ، الْخائِفِ الْمُسْتَجيرِ، وَمَعَ ذلِكَ خيفةً وَتَضَرُّعاً، وَتَعَوُّذاً([121]) وَتَلَوُّذاً، لا مُسْتَطيلاً بِتَكَبُّرِ الْمُتَكَبِّرينَ، وَلا مُتعالِياً بِدالَّةِ الْمُطيعينَ، وَلا مُسْتَطيلاً بِشَفاعَةِ الشّافِعينَ، وَأَنَا بَعْدُ أَقَلُّ الاَْقَلّينَ، وَأَذَلُّ الاَْذَلّينَ، وَمِثْلُ الذَّرَّةِ أَوْ دُونَها...».

وأعرب الإمام(عليه السلام) في هذا المقطع من دعائه عن تعظيمه وتقديسه ليوم عرفة الذي هو من أجلّ أيام الله، فقد نشر فيه تعالى رحمته، وتفضّل على حجّاج بيته الحرام بالعفو والغفران، كما أبدى(عليه السلام) تذلله وعبوديته المطلقة لله معترفاً بتقصيره، واثقاً بلطفه، راجياً منه العفو، مقدماً له الاعتراف بتوحيده ونفي الأضداد، والأنداد عنه، سالكاً من الأبواب التي أمر تعالى أن يُؤتى منها وهي أبواب الأئمة الطاهرين، وفي هذا درس للمقصّرين، والمبتعدين عن الله تعالى أن ينهجوا هذا المنهج لينقذوا أنفسهم، من عذاب الله في الدار الآخرة، ولنعد إلى الاستماع إلى قطعة أُخرى من هذا الدعاء الشريف:

«فَيا مَنْ لَمُ يُعاجِلِ  الْمُسيئينَ، وَلايَنْدَهُ([122]) الْمُتْرَفينَ، وَيا مَنْ يَمُنُّ بِإِقالَةِ الْعاثِرينَ، وَيَتَفَضَّلُ بِإِنْظارِ الْخاطِئينَ، أَنَا الْمُسيءُ الْمُعْتَرِفُ، الْخاطِيُ الْعاثِرُ، أَنَا الَّذي أَقْدَمَ عَلَيْكَ مُجْتَرِئاً، أَنَا الَّذي عَصاكَ مُتَعَمِّداً، أَنَا الَّذِي اسْتَخْفى مِنْ عِبادِكَ وَبارَزَكَ، أَنَا الَّذي هابَ عِبادَكَ وَأَمِنَكَ، أَنَا الَّذي لَمْ يَرْهَبْ سَطْوَتَكَ، وَلَمْ يَخَفْ بَأْسَكَ، أَنا الْجاني عَلى نَفْسِهِ، أَنا الْمُرْتَهَنُ بِبَلِيَّتِهِ، أَنا الْقَليلُ الْحَياءِ، أَنا الطَّويلُ الْعَناءِ.

بِحَقِّ مَنِ انْتَجَبْتَ مِنْ خَلْقِكَ، وَبِمَنِ اصْطَفَيْتَهُ لِنَفْسِكَ، بِحَقِّ مَنِ اخْتَرْتَ مِنْ بَرِيَّتِكَ، وَمَنِ اجْتَبَيْتَ لِشَأْنِكَ([123])، بِحَقِّ مَنْ وَصَلْتَ طاعَتَهُ بِطاعَتِكَ، وَمَنْ جَعَلْتَ مَعْصِيَتَهُ كَمَعْصِيَتِكَ، بِحَقِّ مَنْ قَرَنْتَ مُوالاتَهُ بِمُوالاتِكَ، وَمَنْ نُطْتَ([124]) مُعاداتَهُ بِمُعاداتِكَ، تَغَمَّدْني في يَوْمي هذا بِما تَتَغَمَّدُ بِهِ مَنْ جَأَرَ إِلَيْكَ مُتَنَصِّلاً([125])، وَعاذَ بِاسْتِغْفارِكَ تائِباً، وَتَوَلَّني بِما تَتَوَلّى بِهِ أَهْلَ طاعَتِكَ، وَالزُّلْفى لَدَيْكَ، وَالْمَكانَةِ مِنْكَ، وَتَوَحَّدْني بِما تَتَوَحَّدُ بِهِ مَنْ وَفى بِعَهْدِكَ، وَأَتْعَبَ نَفْسَهُ في ذاتِكَ، وَأَجْهَدَها في مَرْضاتِكَ، وَلا تُؤاخِذْني بِتَفْريطي في جَنْبِكَ، وَتَعَدّي طَوْري في حُدُودِكَ، وَمُجاوَزَةِ أَحْكامِكَ، وَلا تَسْتَدْرِجْني بِإِمْلائِكَ لِي اسْتِدْراجَ مَنْ مَنَعَني خَيْرَ ما عِنْدَهُ، وَلَمْ يَشْرَكْكَ في حُلُولِ  نِعْمَتِهِ بي، وَنَبِّهْني مِنْ رَقْدَةِ الْغافِلينَ، وَسِنَةِ الْمُسْرِفينَ، وَنَعْسَةِ الْمَخْذُولينَ([126])، وَخُذْ بِقَلْبي إِلى مَا اسْتَعْمَلْتَ بِهِ الْقانِتينَ([127])، وَاسْتَعْبَدْتَ بِهِ الْمُتَعَبِّدينَ، وَاسْتَنْقَذْتَ بِهِ الْمُتَهاوِنينَ، وَأَعِذْني مِمّا يُباعِدُني عَنْكَ، وَيَحُولُ بَيْني وَبَيْنَ حَظّي مِنْكَ، وَيَصُدُّني عَمّا أُحاوِلُ لَدَيْكَ، وَسَهِّلْ لي مَسْلَكَ الْخَيْراتِ إِلَيْكَ، وَالْمسابَقَةَ إِلَيْها مِنْ حَيْثُ أَمَرْتَ، وَالْمُشاحَّةَ فيها عَلى ما أَرَدْتَ، وَلا تَمْحَقْني في مَنْ تَمْحَقُ مِنَ الْمُسْتَخِفّينَ بِما أَوْعَدْتَ، وَلا تُهْلِكْني مَعَ مَنْ تُهْلِكُ مِنَ الْمُتَعَرِّضينَ لِمَقْتِكَ، وَلا تُتَبِّرْني([128]) في مَنْ تُتَبِّرُ مِنَ الْمُنْحَرِفينَ عَنْ سُبُلِكَ، وَنَجِّني مِنْ غَمَراتِ الْفِتْنَةِ([129])، وَخَلِّصْني مِنْ لَهَواتِ الْبَلْوى، وَأَجِرْني مِنْ أَخْذِ الاِْمْلاءِ([130])...» .

وتحدّث الإمام(عليه السلام) في هذه الفقرات عن ألطاف الله تعالى على عباده، والتي منها أنّه لا يعجّل بالعقوبة والانتقام من المسيئين والعُصاة، وإنّما يمهلهم لعلّهم يتوبون، ويرجعون إلى طريق الحقّ والصواب، كما أعرب(عليه السلام)عن تذلّله وتصاغره ونكران ذاته أمام الخالق العظيم طالباً منه، ومتوسلاً إليه أن يمنحه العفو والرضوان، وينبّهه من رقدة الغافلين، وسنة المسرفين ويسلك به مسلك الأخيار والصالحين، ولنستمع إلى قطعة أُخرى من هذا الدعاء الشريف:

«وَحُلْ بَيْني وَبَيْنَ عَدُوٍّ يُضِلُّني، وَهَوىً يُوبِقُني([131])، وَمَنْقَصَة تَرْهَقُني، وَلا تُعْرِضْ عَنّي إِعْراضَ مَنْ لا تَرْضى عَنْهُ بَعْدَ غَضَبِكَ، وَلا تُؤْيِسْني مِنَ الاَْمَلِ فيكَ، فَيَغْلِبَ عَلَىَّ الْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَتِكَ، وَلا تَمْتَحِنّي بِما لا طاقَةَ لي بِهِ، فَتَبْهَظَني مِمّا تُحَمِّلُنيهِ مِنْ فَضْلِ مَحَبَّتِكَ، وَلا تُرْسِلْني مِنْ يَدِكَ إِرْسالَ مَنْ لا خَيْرَ فيهِ، وَلا حاجَةَ بِكَ إِلَيْهِ، وَلا إِنابَةَ لَهُ، وَلا تَرْمِ بي رَمْىَ مَنْ سَقَطَ مِنْ عَيْنِ رِعايَتِكَ، وَمَنِ اشْتَمَلَ عَليْهِ الْخِزْىُ مِنْ عِنْدِكَ، بَلْ خُذْ بِيَدي مِنْ سَقْطَةِ الْمُتَرَدّينَ، وَوَهْلَةِ الْمُتَعَسِّفينَ، وَزَلَّةِ الْمَغْرُورينَ، وَوَرْطَةِ الْهالِكينَ، وَعافِني مِمَّا ابْتَلَيْتَ بِهِ طَبَقاتِ عَبيدِكَ وَإِمائِكَ، وَبَلِّغْني مَبالِغَ مَنْ عُنيتَ بِهِ، وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ، وَرَضيتَ عَنْهُ، فَأَعَشْتَهُ حَميداً، وَتَوَفَّيْتَهُ سَعيداً، وَطَوِّقْني طَوْقَ الاِْقْلاعِ عَمّا يُحْبِطُ الْحَسناتِ، وَيَذْهَبُ بِالْبَرَكاتِ، وَأَشْعِرْ قَلْبِىَ الاِْزْدِجارَ عَنْ قَبائِحِ السَّيِّئاتِ، وَفَواضِحِ الْحَوْباتِ([132])، وَلا تَشْغَلْني بِما لا أُدْرِكُهُ إِلاّ بِكَ عَمّا لا يُرْضيكَ عَنّي غَيْرُهُ، وَأَنْزِعْ مِنْ قَلْبي حُبَّ دُنْياً دَنِيَّة تَنْهى عَمّا عِنْدَكَ، وَتَصُدُّ عَنِ ابْتِغاءِ الْوَسيلَةِ إِلَيْكَ، وَتُذْهِلُ عَنِ التَّقَرُّبِ مِنْكَ، وَزَيِّنْ لِىَ التَّفَرُّدَ بِمُناجاتِكَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ، وَهَبْ لي عِصْمَةً تُدْنيني مِنْ خَشْيَتِكَ، وَتَقْطَعُني عَنْ رُكُوبِ مَحارِمِكَ، وَتَفُكُّني مِنْ أَسْرِ الْعَظائِمِ([133])، وَهَبْ لِىَ التَّطْهيرَ مِنْ دَنَسِ الْعِصْيانِ، وَأَذْهِبْ عَنّي دَرَنَ([134]) الخَطايا، وَسَرْبِلْني بِسِرْبالِ عافِيَتِكَ([135])، وَرَدِّني رِداءَ مُعافاتِكَ، وَجَلِّلْني سَوابِغَ نَعْمائِكَ، وَظاهِرْ([136]) لَدَىَّ فَضْلَكَ وَطَوْلَكَ([137])، وَأَيِّدْني بِتَوْفيقِكَ وَتَسْديدِكَ، وَأَعِنّي عَلى صالِحِ النِّيَّةِ، وَمَرْضِىِّ الْقَوْلِ، وَمُسْتَحْسَنِ الْعَمَلِ، وَلا تَكِلْني إِلى حَوْلي وَقُوَّتي دُونَ حَوْلِكَ وَقُوَّتِكَ، وَلا تُخْزِني يَوْمَ تَبْعَثُني لِلِقائِكَ، وَلا تَفْضَحْني بَيْنَ يَدَيْ أَوْلِيائِكَ، وَلا تُنْسِني ذِكْرَكَ، وَلا تُذْهِبْ عَنّي شُكْرَكَ، بَلْ أَلْزِمْنيهِ في أَحْوالِ السَّهْوِ عِنْدَ غَفَلاتِ الْجاهِلينَ لاِلائِكَ([138])، وَأَوْزِعْني أَنْ أُثْنِىَ بِما أَوْلَيْتَنيهِ، وَأَعْتَرِفَ بِما أَسْدَيْتَهُ إِلَىَّ، وَاجْعَلْ رَغْبَتي إِلَيْكَ، فَوْقَ رَغْبَةِ الرّاغِبينَ، وَحَمْدي إِيّاكَ فَوْقَ حَمْدِ الْحامِدينَ، وَلا تَخْذُلْني عِنْدَ فاقَتي إِلَيْكَ، وَلا تُهْلِكْني بِما أَسْدَيْتُهُ إِلَيْكَ...».

أرأيتم هذا الاتجاه إلى الله تعالى، والإخلاص في طاعته؟ أرأيتم كيف يسأل الإمام(عليه السلام) ربّه بتذلّل وخضوع وتملّق؟ فقد سأل منه أن يكفيه شرّ الشيطان الرجيم العدوّ الأوّل للإنسان، وطلب منه أن يصرفه عن كلّ هوى يميل به إلى غير الحقّ، وأن يشمله برعايته وعنايته، وأن يأخذ بيده من سقطة المتردين، ووهلة المتعسفين وزلة المغرورين، وأن يجعل له الصوارف النفسية عن كلّ ذنب وخطيئة وعن حبّ الدنيا التي هي رأس كلّ خطيئة، وأن يزين له طاعته وعبادته حتى يحظى بطاعته وعبادته، والتقرّب إليه... هذه بعض المطالب التي سألها الإمام من ربّه، ولنستمع إلى مقطع آخر من هذا الدعاء الشريف:

«وَلا تَجْبَهْني بِما جَبَهْتَ بِهِ الْمُعانِدينَ لَكَ. فَإِنّي لَكَ مُسَلِّمٌ، أَعْلَمُ أَنَّ الْحُجَّةَ لَكَ، وَأَنَّكَ أَوْلى بِالْفَضْلِ، وَأَعْوَدُ بِالاِْحْسانِ، وَأَهْلُ التَّقْوى([139])، وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ، وَأَ نَّكَ بِأَنْ تَعْفُوَ أَوْلى مِنْكَ بِأَنْ تُعاقِبَ، وَأَ نَّكَ بِأَنْ تَسْتُرَ أَقْرَبُ مِنْكَ إِلى أَنْ تَشْهَرَ، فَأَحْيِني حَياةً طَيِّبَةً تَنْتَظِمُ بِما أُريدُ، وَتَبْلُغُ ما أُحِبُّ مِنْ حَيْثُ لا آتي ما تَكْرَهُ، وَلا أَرْتَكِبُ ما نَهَيْتَ عَنْهُ، وَأَمِتْني ميتَةَ مَنْ يَسْعى نُورُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَعَنْ يَمينِهِ، وَذَلِّلْني بَيْنَ يَدَيْكَ، وَأَعِزَّني عِنْدَ خَلْقِكَ، وَضَعْني إِذا خَلَوْتُ بِكَ([140])، وَارْفَعْني بَيْنَ عِبادِكَ، وَأَغْنِني عَمَّنْ هُوَغَنِىٌّ عَنّي، وَزِدْني إِلَيْكَ فاقَةً([141]) وَفَقْراً، وَأَعِذْني مِنْ شَماتَةِ الاَْعْداءِ، وَمِنْ حُلولِ الْبَلاءِ، وَمِنَ الذُّلِّ وَالْعَناءِ، تَغَمَّدْني في مَا اطَّلَعْتَ عَلَيْهِ مِنّي بِما يَتَغَمَّدُ بِهِ الْقادِرُ عَلى الْبَطْشِ لَولا حِلْمُهُ، وَالآخِذُ عَلى الْجَريرَةِ لَوْلا أَناتُهُ، وَإِذا أَرَدْتَ بِقَوْم فِتْنَةً أَوْ سُوءً فَنَجِّني مِنْها لِواذاً([142]) بِكَ، وَإِذْ لَمْ تُقِمْني مَقامَ فَضيحة في دُنْياكَ، فَلا تُقِمْني مِثْلَهُ في آخِرَتِكَ، وَاشْفَعْ لي أَوائِلَ مِنَنِكَ بِأَواخِرِها([143])، وَقَديمَ فَوائِدِكَ بِحَوادِثِها، وَلا تَمْدُدْ لي مَدّاً يَقْسُو مَعَهُ قَلْبي([144])، وَلا تَقْرَعْني قارِعَةً([145]) يَذْهَبُ لَها بَهائي، وَلا تَسُمْني خَسيسَةً يَصْغُرُ لَها قَدْري، وَلا نَقيصَةً يُجْهَلُ مِنْ أَجْلِها مَكاني، وَلا تَرُعْني رَوْعَةً أُبْلِسُ([146]) بِها، وَلا خيفَةً أُوجِسُ دُونَها .

إِجْعَلْ هَيْبَتي في وَعيدِكَ، وَحَذَري([147]) مِنْ إِعْذارِكَ وَإِنْذارِكَ، وَرَهْبَتي عِنْدَ تِلاوَةِ آياتِكَ، وَاعْمُرْ لَيْلي بِإِيقاظي فيهِ لِعِبادَتِكَ، وَتَفَرُّدي بِالتَّهَجُّدِ لَكَ، وَتَجَرُّدي بِسُكُوني إِلَيْكَ وَإِنْزالِ حَوائِجي بِكَ، وَمُنازَلَتي إِيَّاكَ في فَكاكِ رَقَبَتي مِنْ نارِكَ، وَإِجارَتي مِمّا فيهِ أَهْلُها مِنْ عَذابِكَ، وَلا تَذَرْني في طُغْياني عامِهاً([148])، وَلا في غَمْرَتي سَاهِياً حَتّى حين([149])، وَلا تَجْعَلْني عِظَةً لِمَنِ اتَّعَظَ، وَلا نَكالاً لِمَنِ اعْتَبَرَ، وَلا فِتْنَةً لِمَنْ نَظَرَ، وَلا تَمْكُرْ بي في مَنْ تَمْكُرُ بِهِ، وَلا تَسْتَبْدِلْ بي غَيْري، وَلا تُغَيِّرْ لِي اسْماً([150])، وَلا تُبَدِّلْ لي جِسْماً([151])، وَلا تَتَّخِذْني هُزُواً لِخَلْقِكَ، وَلا سُخْرِيّاً لَكَ([152])، وَلا تَبَعاً إِلاّ لِمَرْضاتِكَ، وَلا مُمْتَهَناً إِلاّ بِالاِْنْتِقامِ لَكَ...».

وعرض الإمام(عليه السلام) مهامّه ومطالبه أمام الخالق العظيم طالباً منه إنجازها، وأن لا يجبهه بردّها، فقد سأله أن يحييه حياة طيّبة كريمة، يتحقّق فيها ما يأمله ويريده وأن لا يرتكب معصية أو يقترب إثماً، وأن يميته ميتة الصالحين الذين يسعى نورهم بين أيديهم وبإيمانهم، كما سأله أنّه إذا وقف في مناجاته وعبادته أن يكون ذليلاً، لا يجد لنفسه أمامه أيّ كيان، وطلب منه أن يعزّه عند خلقه، ويرفع شأنه بين عباده، وأن يغنيه عنهم، وأن يعيذه من شماتة الأعداء التي هي من أعظم النكبات على الإنسان، وأن ينجيه من حلول البلاء والذل والعناء، وأن لا ينزل به فتنة أو سوءاً أو عذاباً إذا أراد أن يصبه على العصاة من عباده، إلى غير ذلك من مهام الأُمور التي طالبها الإمام من الله تعالى، ولنستمع إلى الفصل الأخير من هذا الدعاء الجليل:

«وَأَوْجِدْني بَرْدَ عَفْوِكَ، وحَلاوَةَ رَحْمَتِكَ، وَرَوْحِكَ([153]) وَرَيْحانِكَ، وَجَنَّةِ نَعيمِكَ، وَأَذِقْني طَعْمَ الْفَراغِ([154]) لِما تُحِبُّ بِسَعَة مِنْ سَعَتِكَ، وَالاِْجْتِهادِ فيما يُزْلِفُ لَدَيْكَ وَعِنْدَكَ، وَأَتْحِفْني بِتُحْفَة مِنْ تُحَفاتِكَ، وَاجْعَلْ تِجارَتي([155]) رابِحَةً، وَكَرَّتي غَيْرَ خاسِرَة، وَأَخِفْني مَقامَكَ، وَشَوِّقْني لِقاءَكَ، وَتُبْ عَلَىَّ تَوْبَةً نَصُوحاً، لا تُبْقِ مَعَها ذُ نُوباً صَغيرَةً وَلا كَبيرَةً، وَلا تَذَرْ([156]) مَعَها عَلانِيَةً وَلا سَريرَةً، وَانْزَعِ الْغِلَّ([157]) مِنْ صَدْري لِلْمُؤْمِنينَ، وَأَعْطِفْ بِقَلْبي عَلى الْخاشِعينَ، وَكُنْ لي كَما تَكُونُ لِلصّالِحينَ، وَحَلِّني حِلْيَةَ الْمُتَّقينَ، وَاجْعَلْ لي لِسانَ صِدْق فِي الْغابِرينَ([158])، وَذِكْراً نامِياً فِي الاْخِرينَ، وَوافِ بي عَرْصَةَ([159]) الاَْوَّلينَ، وَتَمِّمْ سُبُوغَ نِعْمَتِكَ عَلَىَّ، وَظاهِرْ كَراماتِها لَدَىَّ. إِمْلاَْ مِنْ فَوائِدِكَ يَدَىَّ، وَسُقْ كَرائِمَ مَواهِبِكَ إِلَىَّ، وَجاوِرْ بِىَ الاَْطْيَبينَ مِنْ أَوْلِيائِكَ فِي الْجِنانِ الَّتي زَيَّنْتَها لاَِصْفِيائِكَ، وَجَلِّلْني شَرائِفَ نِحَلِكَ([160]) فِي الْمَقاماتِ الْمُعَدَّةِ لأَحِبّائِكَ، وَاجْعَلْ لي عِنْدَكَ مَقيلاً آوي إِلَيْهِ مُطْمَئِنّاً، وَمَثابَةً أَتَبَوَّأُها([161])وَأَقَرُّ عَيْناً، وَلا تُقايِسْني([162]) بِعَظيماتِ الْجَرائِرِ([163])، وَلا تُهْلِكْني يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ([164])، وَأَزِلْ عَنّي كُلَّ شَكٍّ وَشُبْهَة، وَاجْعَلْ لي فِي الْحَقِّ طَريقاً مِنْ كُلِّ رَحْمَة، وَأَجْزِلْ لي قِسَمَ الْمَواهِبِ([165]) مِنْ نَوالِكَ([166])، وَوَفِّرْ عَلَىَّ حُظُوظَ الاِْحْسانِ مِنْ إِفْضالِكَ.

وَاجْعَلْ قَلْبيَ واثِقاً بِما عِنْدَكَ، وَهَمّيَ مُسْتَفْرَغاً([167]) لِما هُوَ لَكَ، وَاسْتَعْمِلْني بِما تَسْتَعْمِلُ بِهِ خالِصَتَكَ، وَأَشْرِبْ قَلْبيَ عِنْدَ ذُهُولِ الْعُقولِ([168]) طاعَتَكَ ، وَاجْمَـعْ لِىَ الْغِنى وَالْعَفافَ، وَالـدَّعَةَ([169]) وَالْمُعافاةَ، وَالصِّحَّةَ وَالسَّعَةَ، وَالطُّمَأْنينَةَ وَالْعافِيَةَ، وَلا تُحْبِطْ حَسَناتي بِما يَشوبُها مِنْ مَعْصِيَتِكَ، وَلا خَلَواتي بِما يَعْرِضُ لي مِنْ نَزَغاتِ فِتْنَتِكَ، وَصُنْ وَجْهي عَنِ الطَّلَبِ إِلى أَحَد مِنَ الْعالَمينَ، وَذُبَّني([170]) عَنِ اِلْتِماسِ ما عِنْدَ الْفاسِقينَ، وَلا تَجْعَلْني لِلظّالِمينَ ظَهيراً، وَلا لَهُمْ عَلى مَحْوِ كِتابِكَ يَداً وَنَصيراً، وَحُطْني([171]) مِنْ حَيْثُ لا أَعْلَمُ حِياطَةً تَقيني بِها.

وَافْتَحْ لي أَبْوابَ تَوْبَتِكَ، وَرَحْمَتِكَ، وَرَأْفَتِكَ، وَرِزْقِكَ الْواسِعِ، إِنّي إِلَيْكَ مِنَ الرّاغِبينَ، وَأَتْمِمْ لي إِنْعامَكَ إِنَّكَ خَيْرُ الْمُنْعِمينَ، وَاجْعَلْ باقِيَ عُمْري فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ابْتِغاءَ وَجْهِكَ يا رَبَّ الْعالَمينَ، وَصَلَّى اللّهُ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ الطَّيِّبينَ الطّاهِرينَ، وَالسَّلامُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ أَبَدَ الاْبِدينَ...»([172]) .

وبهذا ينتهي هذا الدعاء الشريف، الذي هو من غرر أدعية أئمة أهل البيت(عليهم السلام)، وقد حفل بأسمى دروس الحكمة والعرفان والإنابة إلى الله، بالإضافة إلى أنّه في منتهى الروعة من حيث البلاغة والفصاحة وجمال الأُسلوب.

 

دعاؤه في عيد الأضحى

كان الإمام زين العابدين(عليه السلام) يستقبل يوم عيد الأضحى بالإبتهال إلى الله تعالى والتضرع إليه طالباً منه أن يتفضّل عليه بقبول مناسكه، وسائر طاعاته وعباداته، وأن يمنحه المغفرة والرضوان، وكان يدعو الله تعالى بهذا الدعاء الجليل وهذا نصه:

«اللّهُمَّ هذا يَوْمٌ مُبارَكٌ مَيْمُونٌ، وَالْمُسْلِمُونَ فيهِ مُجْتَمِعُونَ في أَقْطارِ أَرْضِكَ، يَشْهَدُ السّائِلُ مِنْهُمْ، وَالطّالِبُ وَالرّاغِبُ وَالرّاهِبُ([173])، وَأَنْتَ النّاظِرُ في حَوائِجِهِمْ، فَأَسْأَ لُكَ بِجُودِكَ وَكَرَمِكَ، وَهَوانِ ما سَأَلْتُكَ عَلَيْكَ أَنْ تُصَلِّىَ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ.

وَأَسْأَ لُكَ اللّهُمَّ رَبَّنا بِأَنَّ لَكَ الْمُلْكَ وَلَكَ الْحَمْدَ، لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ الْحَليمُ الْكَريمُ، الْحَنّانُ الْمَنّانُ، ذُو الْجَلالِ وَالاِْكْرامِ، بَديعُ السّماواتِ وَالاَْرْضِ، مَهْما قَسَمْتَ بَيْنَ عِبادِكَ الْمُؤْمِنينَ مِنْ خَيْر أَوْ عافِيَة، أَوْ بَرَكَة، أَوْ هُدىً، أَوْ عَمَل بِطاعَتِكَ، أَوْ خَيْر تَمُنُّ بِهِ عَلَيْهِمْ، تَهْديهِمْ بِهِ إِلَيْكَ، أَوْ تَرْفَعُ لَهُمْ عِنْدكَ دَرَجَةً، أَوْ تُعْطيهِمْ بِهِ خَيْراً مِنْ خَيْرِ الدُّنْيا وَالاْخِرَةِ، أَنْ تُوَفِّرَ حَظّي وَنَصيبي مِنْهُ.

وَأَسْأَ لُكَ اللّهُمَّ رَبَّنا بِأَنَّ لَكَ الْمُلْكَ وَلَكَ الْحَمْدَ، لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ، أَنْ تُصَلِّىَ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ، وَحَبيبِكَ وَصَفْوَتِكَ، وَخِيَرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ، وَعَلى آلِ مُحَمَّد الاَْبْرارِ الطّاهِرينَ الاَْخْيارِ، صَلاةً لايَقْوى عَلى إِحْصائِها إِلاّ أَنْتَ، وَأَنْ تُشْرِكَنا في صالِحِ مَنْ دَعاكَ في هذَا الْيَوْمِ مِنْ عِبادِكَ الْمُؤْمِنينَ، يا رَبَّ الْعالَمينَ، وَأَنْ تَغْفِرَ لَنا وَلَهُمْ، إِنَّك عَلى كُلِّ شَىْء قَديرٌ.

اللّهُمَّ إِلَيْكَ تَعَمَّدْتُ بِحاجَتي، وَبِكَ أَنْزَلْتُ الْيَوْمَ فَقْري وَفاقَتي وَمَسْكَنَتي([174])، وَإِنّي بِمَغْفِرَتِكَ وَرَحْمَتِكَ أَوْثَقُ مِنّي بِعَمَلي، وَلَمَغْفِرَتُكَ وَرَحْمَتُكَ أَوْسَعُ مِنْ ذُنُوبي، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، وَتَوَلَّ قَضاءَ كُلِّ حاجَة هِىَ لي، بِقُدْرَتِكَ عَلَيْها، وَتَيْسيرِ ذلِكَ عَلَيْكَ، وَبِفَقْري إِلَيْكَ، وَغِناكَ عَنّي، فَإِنّي لَمْ أُصِبْ خَيْراً قطُّ إِلاّ مِنْكَ، وَلَمْ يَصْرِفْ عَنّي سُوءً قَطُّ أَحَدٌ غَيْرُكَ، وَلا أَرْجُو لاَِمْرِ آخِرَتي وَدُنْياىَ سِواكَ.

اللّهُمَّ مَنْ تَهَيَّأَ وَتَعَبَّأَ وَأَعَدَّ وَاسْتَعَدَّ لِوَفادَة إِلى مَخْلوق، رَجاءَ رِفْدِهِ وَنَوافِلِهِ، وَطَلَبَ نَيْلِهِ وَجائِزَتِهِ، فَإِلَيْكَ يا مَوْلاىَ كانَتِ الْيَوْمَ تَهْيِئَتي وَتَعْبِئَتي، وَإِعْدادي وَاسْتِعْدادي، رَجاءَ عَفْوِكَ وَرِفْدِكَ، وَطَلَبَ نَيْلِكَ وَجائِزَتِكَ. اللّهُمَّ فَصَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، وَلا تُخَيِّبِ الْيَوْمَ ذلِكَ مِنْ رَجائي، يا مَنْ لا يُحْفيهِ([175]) سائِلٌ، وَلا يَنْقُصُهُ نائِلٌ([176])، فَإِنّي لَمْ آتِكَ ثِقَةً مِنّي بَعَمل صالِح قَدَّمْتُهُ، وَلا شَفاعَةِ مَخْلُوق رَجَوْتُهُ، إِلاّ شَفاعَةَ مُحَمَّد وَأَهْلِ بَيْتِهِ، عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ سَلامُكَ، أَتَيْتُكَ مُقِرّاً بِالْجُرْمِ وَالاِْساءَةِ إِلى نَفْسي، أَتَيْتُكَ أَرْجُو عَظيمَ عَفْوِكَ الَّذي عَفَوْتَ بِهِ عَنِ الْخاطِئينَ، ثُمَّ لَمْ يَمْنَعْكَ طُولُ عُكُوِفهِمْ عَلى عَظيمِ الْجُرْمِ أَنْ عُدْتَ عَلَيْهِمْ بِالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ. فَيا مَنْ رَحْمَتُهُ واسِعَةٌ، وَعَفْوُهُ عَظيمٌ، يا عَظيمُ يا عَظيمُ، يا كَريمُ ياكَريمُ، صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، وَعُدْ عَلَىَّ بِرَحْمَتِكَ، وَتَعَطَّفْ عَلَىَّ بِفَضْلِكَ، وَتَوَسَّعْ عَلَىَّ بِمَغْفِرَتِكَ...».

أشاد الإمام(عليه السلام) في مطلع دعائه بعيد الأضحى، لماله من الأهمية البالغة عند المسلمين، فهم في أقطار الأرض سواء من حضر موسم الحجّ أو لم يحضر قد رفعوا إلى الله تعالى حوائجهم ومهامّهم طالبين منه قضاءها، وقد سأل الإمام من الله أن يكتب له ما قسمه لعباده في هذا اليوم المبارك من خير أو عافية أو هداية، وأخذ الإمام بعد ذلك بالتضرع والتذلل أمام الله الذي بيده العطاء والحرمان أن يتفضّل عليه بالمغفرة والرحمة والرضوان، ولنستمع بعد هذا إلى مقطع آخر من هذا الدعاء:

«اللّهُمَّ إِنَّ هذَا الْمَقامَ([177]) لِخُلْفائِكَ، وَأَصْفِيائِكَ وَمَواضِعَ اُمَنائِكَ، فِي الدَّرَجَةِ الرَّفيعَةِ الَّتي اخْتَصَصْتَهُمْ بِها، قَدِ ابْتَزُّوها وَأَنْتَ الْمُقَدِّرُ لِذلِكَ، لايُغالَبُ أَمْرُكَ، وَلا يُجاوَزُ الْمَحْتومُ مِنْ تَدْبيرِكَ كَيْفَ شِئْتَ، وَأَنّى شِئْتَ، وَلِما أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ، غَيْرُ مُتَّهَم([178]) عَلى خَلْقِكَ، وَلا لإِرادَتِكَ، حَتّى عادَ صَفْوَتُكَ وَخُلَفاؤُكَ مَغْلُوبينَ مَقْهُورينَ مُبْتَزِّينَ، يَرَوْنَ حُكْمَكَ مُبَدَّلاً، وَكِتابَكَ مَنْبُوذاً، وَفَرائِضَكَ مُحَرَّفَةً عَنْ جِهاتِ أَشْراعِكَ، وَسُنَنَ نَبِيِّكَ مَتْرُوكَةً، اللّهُمَّ الْعَنْ أَعْداءَهُمْ مِنَ الاَْوَّلينَ وَالاْخِرينَ، وَمَنْ رَضِىَ بِفِعالِهِمْ، وَأَشْياعَهُمْ وَأَتْباعَهُمْ، اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، إِنَّكَ حَميدٌ مَجيدٌ، كَصَلَواتِكَ وَبَرَكاتِكَ وَتَحِيّاتِكَ عَلى أَصْفِيائِكَ إِبْراهيمَ وَآلِ إِبْراهيمَ، وَعَجِّلِ الْفَرجَ وَالرَّوْحَ وَالنُّصْرَةَ وَالتَّمْكينَ وَالتَّأْييدَ لَهُمْ...».

وخاض الإمام(عليه السلام) في هذا المقطع من دعائه الشؤون السياسية الحسّاسة في عصره، فقد أدلى بما يلي:

1 ـ إنّ مقام صلاة العيد، وغيرها من الشؤون العامّة إنّما هي لأئمة الهدى الذين هم خلفاء النبيّ(صلى الله عليه وآله) وأوصياؤه، وهم الذين يسيرون بين الناس بسياسة قوامها العدل الخالص، والحقّ المحض.

2 ـ إنّ المراكز الحسّاسة في الدولة قد ابتزها أئمة الجور والضلال من ملوك بنيّ أُميّة، الذين لم يألوا جهداً في محاربة الوعي الإسلامي، وإقصاء العقيدة الإسلامية عن واقع الحياة.

3 ـ إنّ أئمة الهدى والحقّ قد عادوا في ضلّ الحكم الأُموي الأسود مقهورين، مغلوبين، قد ابتزّت حقوقهم.

4 ـ إنّ السياسة الأُموية قد عمدت إلى تبديل أحكام الله، ونبذ الكتاب، وتحريف الفرائض، وترك سنّة الرسول(صلى الله عليه وآله) ...

ولنعد بعد هذا إلى لوحة أُخرى من هذا الدعاء الشريف:

«اللّهُمَّ وَاجْعَلْني مِنْ أَهْلِ التَّوْحيدِ وَالاِْيمانِ بِكَ، وَالتَّصْديقِ بِرَسُولِكَ وَالاَْئِمَّةِ الَّذينَ حَتَمْتَ طاعَتَهُمْ، مِمَّنْ يَجْري([179]) ذلِكَ بِهِ وَعَلى يَدَيْهِ، آمينَ رَبَّ الْعالَمينَ.

اللّهُمَّ لَيْسَ يَرُدُّ غَضَبَكَ إِلاّ حِلْمُكَ، وَلا يَرُدُّ سَخَطَكَ إِلاّ عَفْوُكَ، وَلا يُجيرُ مِنْ عِقابِكَ إِلاّ رَحْمَتُكَ، وَلا يُنْجيني مِنْكَ إِلاّ التَّضَرُّعُ إِلَيْكَ، وَبَيْنَ يَدَيْكَ، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، وَهَبْ لَنا يا إِلهي مِنْ لَدُنْكَ فَرَجاً، بِالْقُدْرَةِ الَّتي بِها تُحْيي أَمْواتَ الْعِبادِ، وَبِها تَنْشُرُ مَيْتَ الْبِلادِ.

وَلا تُهْلِكْني يا إِلهي غَمّاً حَتّى تَسْتَجيبَ لي، وَتُعَرِّفَني الاِْجابَةَ في دُعائي، وَأَذِقْني طَعْمَ الْعافِيَةِ إِلى مُنْتَهى أَجَلي، وَلا تُشْمِتْ بي عَدُوّي، وَلا تُمَكِّنْهُ مِنْ عُنُقي، وَلا تُسَلِّطْهُ عَلَىَّ.

إِلهي إِنْ رَفَعْتَني فَمَنْ ذَا الَّذي يَضَعُني؟ وإِنْ وَضَعْتَني فَمَنْ ذَا الَّذَي يَرْفَعُني؟ وَإِنْ أَكْرَمْتَني فَمَنْ ذَا الَّذي يُهينُني ؟ وَإِنْ أَهَنْتَني فَمَنْ ذَا الَّذي يُكْرِمُني؟ وَإِنْ عَذَّبْتَني فَمَنْ ذَا الَّذي يَرْحَمُني؟ وَإِنْ أَهْلَكْتَني فَمَنْ ذَا الَّذي يَعْرِضُ لَكَ([180]) في عَبْدِكَ، أَوْ يَسْأَ لُكَ عَنْ أَمْرِهِ؟ وَقَدْ عَلِمْتُ أَ نَّهُ لَيْسَ في حُكْمِكَ ظُلْمٌ، وَلا في نَقِمَتِكَ عَجَلَةٌ، وَإِنَّما يَعْجَلُ مَنْ يَخافُ الْفَوْتَ، وَإِنَّما يَحْتاجُ إِلى الظُّلْمِ الضَّعيفُ، وَقَدْ تَعالَيْتَ يا إِلهي عَنْ ذلِكَ عُلُوّاً كَبيراً.

اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، وَلا تَجْعَلْني لِلْبَلاءِ غَرَضاً، وَلا لِنَقِمَتِكَ نَصَباً، وَمَهِّلْني([181])، وَنَفِّسْني([182]) وَأَقِلْني عَثْرَتي، وَلا تَبْتَلِيَنّي بِبَلاء عَلى أَثَرِ بَلاء([183])، فَقَدْ تَرى ضَعْفي، وَقِلَّةَ حيلَتي، وَ تَضَرُّعي إِلَيْكَ، أَعُوذُ بِكَ اللّهُمَّ الْيَوْمَ مِنْ غَضَبِكَ، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّد وآلِهِ وَأَعِذْني، وَأَسْتَجيرُ بِكَ الْيَوْمَ مِنْ سَخَطِكَ، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّد وآلِهِ وَأَجِرْني، وَأَسْأَ لُكَ أَمْناً مِنْ عَذابِكَ، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ وَآمِنّي، وَأَسْتَهْديكَ فَصَلّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ وَاهْدِني، وَأَسْتَنْصِرُكَ فَصَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآله وَانْصُرْني، وَأَسْتَرْحِمُكَ فَصَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ وَارْحَمْني، وَأَسْتَكْفيكَ فَصَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ وَاكْفِني، وَأَسْتَرْزِقُكَ فَصَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ وَارْزُقْني، وَأَسْتَعينُكَ فَصَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ وَأَعِنّي، وَأَستَغْفِرُكَ لِما سَلَفَ مِنْ ذُنُوبي، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ وَاغْفِرْ لي، وَأَسْتَعْصِمُكَ فَصَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ وَاعْصِمْني، فَإِنّي لَنْ أَعُودَ لِشَىْء كَرِهْتَهُ مِنّي إِنْ شِئْتَ ذلِكَ، يا رَبِّ يا رَبِّ، يا حَنّانُ يا مَنّانُ، يا ذَا الْجَلالِ وَالاِْكْرامِ، صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَاسْتَجِبْ لي جَميعَ ما سَأَلْتُكَ وَطَلَبْتُ إِلَيْكَ، وَرَغِبْتُ فيهِ إِلَيْكَ، وَأَرِدْهُ([184]) وَقَدِّرْهُ، وَاقْضِهِ وَامْضِهِ، وَخِرْ لي فيما تَقْضي مِنْهُ، وَبارِكْ لي في ذلِكَ، وَتَفَضَّلْ عَلَىَّ بِهِ، وَأَسْعِدْني بِما تُعْطيني مِنْهُ، وَزِدْني مِنْ فَضْلِكَ وَسَعَةِ ما عِنْدَكَ، فَإِنَّكَ واسِعٌ كَريمٌ، وَصِلْ ذلِكَ بِخَيْرِ الاْخِرَةِ وَنَعيمِها، يا أَرْحَمَ الرّاحِمينَ...»([185]).

وكان يدعو بعد هذا الدعاء الجليل بما أهمّه، ثمّ يصلّي على النبيّ العظيم(صلى الله عليه وآله) وآله ألف مرّة.

وبالصلوات على النبي وآله الأطهار ينتهي هذا الدعاء الشريف الحافل بالخضوع والتذلل أمام الخالق العظيم، والطلب منه بخير الدنيا والآخرة، فقد سأل منه الإيمان به، والتصديق برسوله وبالأئمة العظام أوصياء النبيّ(صلى الله عليه وآله)وخلفائه على أُمته، ومما لا شبهة فيه أنّ الإمام(عليه السلام)كان في أعلى مراتب الإيمان بالله تعالى، والتصديق برسوله(صلى الله عليه وآله)ومعرفة أوصيائه فهو أحدهم، وإنّما كان يدعو بذلك لإرشاد الأُمّة لكي تتّبع المنهج السليم في حياتها.

 



([1]) المسند لأحمد بن حنبل: 1/198 ـ 199 ح 707 وح708، دار الفكر بيروت (1420 هـ / 2000م) .

([2]) صحيح مسلم: 4/46، كتاب الحجّ، باب جواز المتعه. دار الفكر بيروت، وتحفة الأشراف ح10192.

([3]) صحيح مسلم: 4/46، وللمزيد راجع شرح صحيح مسلم بشرح النووي: 8/428 ح 2954، د دار المعرفة بيروت (1423 هـ  / 2003م). وأخرجه البخاري في كتاب: الحجّ، باب: التمتع والقران والإفراد بالحجّ وفسخ الحجّ لمن لم يكن معه هدي (الحديث 1569) بمعناه مختصراً، وأخرجه النسائي في كتاب: مناسك الحجّ، باب: التمتع (الحديث 2732) بنحوه تحفة الأشراف (10114).

([4]) بحار الأنوار: 10/93، أمالي الصدوق: 108 .

([5]) أمالي الصدوق: 108.

([6]) بحار الأنوار: 10/93.

([7]) النجائب: جمع، والمفردة نجيبة وهي الفاضل من الحيوانات وفي بعض المصادر وأنّ الجنائب لتقاد بين يديه، والجنائب: جمع جنيبة وهي الدابة التي تقاد.

([8]) أعيان الشيعة: 4/11.

([9]) تاريخ ابن عساكر: 13/254، سير أعلام النبلاء: 3/193، مجمع الزوائد: 9/201، تهذيب الأسماء: 1/163، مناقب ابن المغازلي رقم الحديث 64، مختصر صفة الصفوة: 62.

([10]) صفة الصفوة: 1/321، طبقات الشعراني: 1/23، تاريخ ابن عساكر: 13/54.

([11]) الكواكب الدرّية: 1/58.

([12]) حياة الإمام الحسين للقرشي: 1/134، نقلاً عن دعائم الإسلام: 1/395.

([13]) بحار الأنوار: 95/214، نقله عن حاشية البلد الأمين للكفعمي وهو نقله من مصباح الزائر للسيّد رضي الدين عليّ بن طاووس قدّس الله أسرارهم.

([14]) المِرّة: بكسر الميم: قوة الخلق وشدته، أصالة العقل.

([15]) أسارير صفحة جبيني: خطوط الجبهة.

([16]) مسارب النفس: مجاريها من العروق والأعضاء، وخرقها: منافذها.

([17]) خذاريف: جمع خذروف: القطعة.

([18]) المارن: مالانَ من الأنف.

([19]) مسارب السماخ: ملتوياتها وقنواتها التي تصل منها الهواء إلى السامعة.

([20]) مغرز: موضع الغرز، ومغرز الفكين: محل اتصالها بالجسم.

([21]) المنابت: جمع منبت محل النبت والأضراس جمع ضرس (بالكسر) الأسنان الخمسة أو الأربعة من كلّ جانب من جوانب الفك.

([22]) مساغ: مصدر ميمي: الذي سهل ولان وهنأ.

([23]) الحمالة: علاّقة السيف لأنّها تحمله، وحمّالة أم الرأس الجمجمة.

([24]) التامور: الوعاء.

([25]) الوتين: عرق من القلب يجري منه الدم إلى كافة العروق وحمائله مواضع اتّصاله بالجسم.

([26]) نياط القلب عرقه الغليظ الذي إذا قطع مات الشخص.

([27]) شراسيف: جمع شرسوف بالضم: طرف الضلع المشرف على البطن وهو القلب والرئتان.

([28]) الحقاق: بالكسر جمع حُق بالضم، النقر التي تكون في أقفال الأعضاء للقبض والبسط.

([29]) في نسخة مفاتيح الجنان: «يامَن لا يعلُمهُ إلاّ هوَ».

([30]) إقبال الأعمال: 2/78 .

([31]) هذا البحث مستل من كتاب حياة الإمام زين العابدين(عليه السلام) للأُستاذ باقر شريف القرشي.

([32]) وسائل الشيعة: 8/5.

([33]) المصدر السابق.

([34]) من لا يحضره الفقيه: 2/208، ح2168 .

([35]) من لا يحضره الفقيه:: 2/228، ح2264.

([36]) المصدر السابق: ح2265.

([37]) بحار الأنوار: 46/76، وجاء في العقد الفريد: 3/103 أنّه حجّ خمساً وعشرين حجّةً راجلاً.

([38]) حلية الأولياء: 3/133.

([39]) الفصول المهمة: 189.

([40]) حياة الإمام الباقر(عليه السلام) : 1/138.

([41]) بحار الأنوار: 46/71.

([42]) صفة الصفوة: 2/54.

([43]) نهاية الإرب: 21/326، خلاصة تهذيب الكمال: 131، تهذيب التهذيب: 7/306.

([44]) تهذيب التهذيب: 7/306.

([45]) فروع الكافي: 4/407.

([46]) المؤمنون: 101.

([47]) الأنبياء: 28.

([48]) بحار الأنوار: 46/101.

([49]) ذكر الجاحظ في رسالته (ص 89) أنّ هشام بن عبدالملك كان يقول له: الأحول السراق، وقد أنشده أبوالنجم العجلي أرجوزته التي يقول فيها:

     «الحمدلله الوهوب المجزل».

     فأخذ يصفق بيديه استحساناً لها حتى صار إلى ذكر الشمس قال: «والشمس في الأرض كعين الأحوال» فأمر بوجأ عنقه وإخراجه، وعلّق الجاحظ على ذلك بقوله وهذا ضعف شديد، وجهل عظيم.

([50]) نهاية الإرب: 21/327 ـ 331، وقد ذكرت هذه القصيدة كلاً وبعضاً في كثير من مصادر الأدب والتاريخ والتراجم نشير إلى بعضها، وهي: زهر الآداب: 1/103، سرح العيون لابن نباتة: 390، الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي: 193، الاتحاف بحب الأشراف: 51، أخبار الدول للقرماني: 110، تاريخ دمشق: 36/161، روضة الواعظين: 1/239، دائرة المعارف للبستاني: 9/356، أنوار الربيع: 4/35 مع اختلاف في ترتيب الأبيات.

([51]) دائرة المعارف للبستاني: 9/356.

([52]) أنوار الربيع: 4/35.

([53]) الإمام زيد: 28 ـ 29.

([54]) سرح العيون: 390.

([55]) نهاية الإرب: 21/331.

([56]) الكافي: 2/579.

([57]) بحار الأنوار: 46/70، كشف الغمّة: 4/150 ـ 151.

([58]) المؤمنون: 101.

([59]) روضات الجنات: 5/161.

([60]) روضة الواعظين: 1/237.

([61]) روضات الجنات: 3/29.

([62]) الصلة بين التصوف والتشيّع: 1/161.

([63]) كشف الغمّة: 4/151، بحار الأنوار: 46/81، مجالس ثعلب: 2/462.

([64]) انظر نور الأبصار: 127، شرح نهج البلاغة: 6/192.

([65]) دعوات قطب الراوندي: 43 مخطوط.

([66]) بحار الأنوار: 46/105.

([67]) بحار الأنوار: 46/62.

([68]) الشورى: 11.

([69]) لا يعزب: لا يغيب.

([70]) الشديد المحال: أي القوي الحول.

([71]) من غير سنخ: أي من غير أصل.

([72]) بلا احتذاء: أي بلا اقتداء.

([73]) اينيتك: أي محلك، وأين أنت.

([74]) ولم تمثّل: أي ليس لك مثل.

([75]) فيعاندك: أي يضادك.

([76]) ولا عدل: أي معادل ومماثل.

([77]) أسنى: أي أرفع .

([78]) فرقانك: أي القرآن الكريم.

([79]) ما ألطفك: أي ما أكثر ألطافك وفضلك على خلقك.

([80]) ما أرأفك: أي ما أكثر رحمتك على عبادك.

([81]) وحكيم ما أعرفك: أي ما أكثر علمك بمواضع الأشياء.

([82]) وجواد ما أوسعك: أي ما أوسع عطاءك وجودك.

([83]) فمّن التمسّك: أي مَن طلبك.

([84]) جرى: وقع.

([85]) خضع لك مَن جرى في علمك: أي جميع المخلوقات خاضعة ومنقادة لله.

([86]) لا تحس: أي لا تدرك بالحواس.

([87]) لا تجس: أي لا يعلم أخبارك أحد.

([88]) لا تمس: لأنه تعالى ليس بجسم حتى يمس.

([89]) لا تكاد: أي لا يصل إليه أحد بكيد أو مكر.

([90]) تماط: أي لا تزال.

([91]) لا تمارى: أي لا يجادله أحد.

([92]) لا تماكر: أي لا أحد يقدر على مماكرة الله تعالى.

([93]) جدد: أي واضح.

([94]) الصمد: السيّد الشريف.

([95]) فاطر السموات: أي خالق السموات.

([96]) يوازي صنعك: أي يعادل صنعك في الكثرة.

([97]) الحفظة: وهم الملائكة الكرام الذين يحفظون أعمال العباد.

([98]) الكتبة: وهم الملائكة العظام الذي يكتبون أعمال الناس.

([99]) من أغرق نزعاً في توفيته: الإغراق، الإكثار، والتوفية: الوفاء.

([100]) طولاً: أي إحساناً.

([101]) المنتجب: المختار.

([102]) راضية: أي مرضية.

([103]) تجاوز رضوانك: أي تجاوز القدر الذي ترضى به.

([104]) تنظم صلاة ملائكتك: أي تكون مع صلاة الملائكة.

([105]) ذرأت: أي خلقت.

([106]) برأت: أي أنشأت.

([107]) الرجس: المعاصي.

([108]) نحلك: جمع نحلة وهي العطية.

([109]) نوافلك: جمع نافلة، وهي العطية الفاضلة.

([110]) ولا غاية لأمدها: أي لا نهاية لمدتها.

([111]) المنار: الموضع الذي يجعل عليه النور ليلاً ليراه المار فيعرف به الطريق.

([112]) زَيَّلْـتَهُ: أبعدته.

([113]) العدو: المراد به إبليس الذي هو عدوّ الله وعدوّ الإنسان.

([114]) الضمير يرجع إلى المنهي عنه والمعصية.

([115]) اجترمته: أي اقترفته.

([116]) غفرانك: أي من مغفرتك، وليست هي عظيمة عند الله.

([117]) صفراً: أي خالياً.

([118]) الأبواب التي أمر تعالى أن يؤتى هي أبواب الأئمة الطاهرين.

([119]) المراد أن الله تعالى لا يقبل التقرّب إليه إلاّ من طريق الأئمة(عليهم السلام) .

([120]) الاستكانة: التضرّع.

([121]) التعوذ: الاستجارة.

([122]) ينده: أي يمنع.

([123]) لشأنك: أي لدينك.

([124]) نطت: أي علقت.

([125]) متنصلاً: أي متبرئاً.

([126]) المخذولين: وهم الذين تركهم الله تعالى وشأنهم ليفعلوا ما يشاؤون ليحاسبهم على ما اقترفوا في الدار الآخر.

([127]) القانتين: وهم الخاضعون لأوامره تعالى.

([128]) تتبرني: أي تهلكني.

([129]) غمرات الفتنة: وهي شدّة الفتن التي تحيط بالإنسان.

([130]) أخذ الإملاء: وهي كتابة المعاصي والموبقات التي يقترفها الإنسان والتي يحاسب عليها بعد إنتهاء أجله.

([131]) يوبقني: أي يهلكني.

([132]) الحوبات: جمع حوبة وهي المعصية.

([133]) العظائم: وهي الذنوب التي يكون الإنسان أسيراً أمامها عند الله تعالى.

([134]) الدرن: القذارة، فإنّ الخطايا التي يقترفنها الإنسان توجب قذارة النفس.

([135]) السربال: القميص، وقد شبّه به العافية فإنّها تحيط ببدن الإنسان كلّه كالقميص.

([136]) وظاهر: أي تابع عليّ.

([137]) الطول: النعمة.

([138]) الآلاء: وهي النعم.

([139]) أهل التقوى: يعني أنت أهل لأن يتّقى ويخاف منك.

([140]) وضعني إذا خلوت بك: أي اجعلني وضيعاً ذليلاً إذا خلوت بين يديك.

([141]) الفاقة: شدّة الفقر والحاجة.

([142]) لِواذاً بك: أي ملتجئاً إليك.

([143]) واشفع لي أوائل مننك بأواخرها: أي اجعل نعمك متصلة بعضها ببعض عليَّ.

([144]) ولا تمد لي مداً يقسو معه قلبي: أي لا تمدّني بالنعم التي تؤدي إلى قساوة القلب.

([145]) القارعة: هي المصيبة الشديدة.

([146]) أبلس: أي أيأس.

([147]) حذري: أي خوفي.

([148]) العمه: أشد العمى.

([149]) حتى حين: أي حتى حلول المنية.

([150]) ولا تغير لي اسماً: أي لا تمح اسمي من ديوان السعداء.

([151]) ولا تبدل لي جسماً: أي لا تحل عليّ عقوبتك حتى يتغير جسمي ويكون كريهاً.

([152]) ولا سخرياً لك: أي لا تعاملني معاملة من تسخر به.

([153]) روحك: الروح الهواء الطيّب.

([154]) طعم الفراغ: أي أكون فارغاً لأعمل ما تحبّه وتريده.

([155]) تجارتي: المراد بها التجاره لدار الآخرة التي لا تبور.

([156]) لا تذر: أي لا تبق.

([157]) الغل: الحقد.

([158]) الغابرين: أي الباقين من بعدي.

([159]) عرصة الأولين: أي ساحتهم وهو كناية عن الالتحاق بهم.

([160]) نحلك: أي عطاياك.

([161]) أتبوأها: أي اتخذها محلاً ومقراً.

([162]) لا تقايسني: أي لا تؤاخذني.

([163]) الجرائر: هي الجرائم.

([164]) تبلى السرائر: أي تظهر في السرائر، وهي ما أسره الإنسان من الحسنات والسيئات.

([165]) قسم المواهب: أي الهبات التي تقسمها من عطائك.

([166]) نوالك: أي هباتك.

([167]) وهمي مستفرغاً: أي فارغاً.

([168]) عند ذهول العقول: أي عند غفلتها.

([169]) الدعة: السعة في العيش.

([170]) ذبني: من الذب بمعنى الدفع.

([171]) حطني: من حاطه إذا حفظه.

([172]) الصحيفة السجادية الدعاء السابع والأربعون طبع المجمع العالمي لأهل البيت(عليهم السلام).

([173]) الراهب: الخائف.

([174]) المسكنة: شدّة الفقر.

([175]) يا من لا يحفيه: أي لا يبلغ آخر ما عنده.

([176]) نائل: أي عطاء.

([177]) إنّ هذا المقام: أي مقام صلاة العيد.

([178]) غير متهم: أي لا تتهم بأنّك قد عملت على خلاف الحكمة.

([179]) يجري ذلك: المشار إليه النصر.

([180]) يعرض لك: أي يعترض عليك.

([181]) ومهلني: أي أعطني المهلة.

([182]) ونفسني: أي أزل همّي وكربتي.

([183]) ولا تبتلني ببلاء على أثر بلاء: فإن تتابع البلاء ممّا يوجب إنهيار الإنسان وشقاءه.

([184]) وأرده: أي أعطني طلبي ورغبتي.

([185]) الصحيفة السجادية: الدعاء الثامن والأربعون طبع المجمع العالمي لأهل البيت(عليهم السلام) .

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

النارفي کلام أمير المؤمنين
كربلاء نهاية الظالمين
أرض عرفات
الاسلام في مسيرة التنمية
المجازر في عصر الأمويين .
ولادة الإمام الحسين (عليه السلام)
ما هو الدليل على أحقية الامام علي(علیه السلام) ...
في الإخلاص‏
فلسفة الحجّ
زيارة وزوار الامام الحسين (عليه السلام) في ...

 
user comment