عربي
Wednesday 22nd of May 2024
0
نفر 0

في الإخلاص‏

في الإخلاص‏

في الإخلاص‌


و هو تجريد النية من الشوائب و المفاسد. قال اللّه تعالى:«و ما أمروا الا ليعبدوا اللّه مخلصين له الدين» 98: 5و قال تعالى:«ألا لله الدين الخالص» 39: 3و قال:«الا الذين تابوا و اصلحوا و اعتصموا باللّه و أخلصوا دينهم للّه» 4: 146.
و في الكافي عن الرضا (ع): ان أمير المؤمنين عليه السلام كان يقول:طوبى لمن أخلص للّه العبادة و الدعاء، و لم يشغل قلبه بما ترى عيناه، و لم ينس ذكر اللّه بما تسمع أذناه، و لم يحرك صدره بما أعطى غيره.
و عن الصادق عليه السلام‌في قوله تعالى:«ليبلوكم ايكم أحسن عملا» 11: 7قال: ليس يعني أكثرهم عملا و انما الإصابة خشية اللّه و النية الصادقة
الأخلاق ص : 18
و الخشية. ثم قال: الابقاء على العمل حتى يخلص أشد من العمل، و العمل الخالص الذي لا تريد أن يحمدك عليه أحد الا اللّه عز و جل، و النية أفضل من العمل، ألا و ان النية هي العمل، ثم تلا قوله تعالى:«قل كل يعمل على شاكلته» 17: 84يعني على نيته.
و عن السدي عن الباقر (ع) قال:ما أخلص عبد الايمان باللّه أربعين يوما - أو قال: ما أجمل عبد ذكر اللّه أربعين يوما - الا زهده اللّه في الدنيا، و بصره داءها و دواءها، و أثبت الحكمة في قلبه، و أنطق بها لسانه.
و اعلم ان الإخلاص له مراتب متفاوتة:
(أولها) مرتبة الشاكرين، و هم الذين يعبدون اللّه تعالى شكرا على نعمائه الغير المتناهية، كما قال تعالى:«و إن تعدوا نعمة اللّه لا تحصوها» 16: 18.
و قال أمير المؤمنين عليه السلام في النهج:ان قوما عبدوا اللّه رغبة فتلك عبادة التجار، و ان قوما عبدوا اللّه رهبة فتلك عبادة العبيد، و ان قوما عبدوا اللّه شكرا فتلك عبادة الأحرار.
(ثانيها) عبادة المقربين، و هم الذين يعبدون اللّه تقربا إليه، و المراد بالقرب إما بحسب المنزلة و الرتبة و الكمال، حيث إن واجب الوجود كامل من جميع الجهات و الممكن ناقص من جميع الجهات، فإذا سعى العبد في إزالة النقائص و الرذائل عنه قرب قربا معنويا، كما وردفي الحديث«تخلقوا بأخلاق اللّه».
و أما القرب من حيث المحبة و المصاحبة كما إذا كان شخص بالمشرق و آخر بالمغرب و بينهما كمال المحبة و الارتباط و لا يغفل أحدهما عن ذكر صاحبه و نشر مدائحه و كمالاته يقال: بينهما كمال القرب. و إذا كانا متقاربين في المكان و بينهما ضد ذلك يقال: بينهما كمال البعد. و يراد بالقرب و البعد المعنويان.
(ثالثها) عبادة المستحين، و هم قوم يبعثهم على الأعمال و الطاعات الحياء
الأخلاق ص : 19
من اللّه تعالى، حيث علموا بأنه مطلع على ضمائرهم و عالم بما في خواطرهم و محيط بدقائق أمورهم، فاستحوا من أن يبارزوه بالمعاصي و بادروا إلى الطاعات و العبادات،كما ورد«اعبد اللّه كانك تراه فإن لم تكن تراه فانه يراك».
و في وصية لقمان لولده: يا بني إذا أردت أن تعصي ربك فاعمد الى مكان لا يراك اللّه فيه.
(رابعها) عبادة المتلذذين، و هم الذين يلتذون بعبادة ربهم بأعظم مما يلتذ به أهل الدنيا من نعيم الدنيا.ففي الكافي عن الصادق (ع) قال:قال اللّه تبارك و تعالى: يا عبادي الصديقين تنعموا بعبادتي في الدنيا فانكم تتنعمون بها في الآخرة.
و عنه عليه السلام قال: قال رسول اللّه (ص):أفضل الناس من عشق العبادة فعانقها و أحبها بقلبه و باشرها بجسده و تفرغ لها، فهو لا يبالي على ما أصبح من الدنيا على عسر أم على يسر.
و قال (ص):جعلت قرة عيني في الصلاة.
(و خامسها) عبادة المحبين، و هم الذين وصلوا بطاعتهم و عبادتهم إلى اعلا درجات الكمال من حب اللّه تعالى، كما قال تعالى:«يحبهم و يحبونه» 5: 54.
و قال أمير المؤمنين عليه السلام:فهبني يا الهي صبرت على عذابك فكيف أصبر على فراقك.
و قال سيد الشهداء في دعاء عرفة:أنت الذي أزلت الأغيار عن قلوب أحبائك حتى لم يحبوا سواك و لم يلجئوا إلى غيرك.
و قال (ع):يا من أذاق أحباءه حلاوة المؤانسة فقاموا بين يديه متملقين.
و قال ولده السجاد (ع) في المناجاة الانجيلية:و عزتك لقد أحببتك محبة استقرت في قلبي حلاوتها و أنست نفسي ببشارتها.
و قال في المناجاة الأخرى:الهي فاجعلنا من الذين ترسخت أشجار الشوق إليك في حدائق صدورهم، و أخذت لوعة محبتك بمجامع قلوبهم.
و في الحديث القدسي:يا بن عمران كذب من زعم انه يحبني فإذا جنه الليل نام عني، أ ليس كل محب يحب خلوة حبيبه.
الأخلاق ص : 20
(و سادسها) عبادة العارفين، و هم الذين بعثهم على العبادة كمال معبودهم و انه أهل للعبادة فعبدوه،كما قال سيد العارفين و أمير المؤمنين (ع):إلهي ما عبدتك خوفا من نارك و لا طمعا في جنتك و لكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك.
(و سابعها) عبادة اللّه لنيل ثوابه أو الخلاص من عقابه، و هذه العبادة قد اختلف فيها: فذهب جماعة من أصحابنا إلى بطلانها، و هو المحكي عن السيد ابن طاووس و الفاضل المقداد و ابن جمهور اللحسائي و الشهيد الأول فى ظاهر الدروس و القواعد، لأن هذا القصد مناف للاخلاص الذي هو إرادة وجه اللّه سبحانه وحده، و ان من قصد ذلك فانما قصد جلب النفع إلى نفسه و دفع الضرر عنها لا وجه اللّه سبحانه، و الأصلح الصحة للآيات القرآنية و الأحاديث المعصومية كقوله تعالى:«لمثل هذا فليعمل العاملون» 37: 61و قوله تعالى:«و ادعوه خوفا و طمعا» 7: 56و قوله:«و يدعوننا رغبا و رهبا» 21: 90و قوله:
«يا أيها الذين آمنوا اركعوا و اسجدوا و افعلوا الخير لعلكم تفلحون» 22: 77أي راجين الفلاح و هو الفوز بالثواب، و قوله تعالى:«رجال لا تلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر اللّه و إقام الصلاة و إيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب و الأبصار ليجزيهم اللّه أحسن ما عملوا» 24: 37 - 38.
و ما ورد في الأخبار المتظافرة بطرق عديدة من أن من بلغه ثواب على عمل فعمله ابتغاء ذلك الثواب أوتيه و ان لم يكن الأمر كما بلغه.و قال الصادق عليه السلام:العباد ثلاثة: قوما عبدوا اللّه عز و جل خوفا فتلك عبادة العبيد، و قوم عبدوا اللّه طلبا للثواب فتلك عبادة الأجراء و قوم عبدوا اللّه عز و جل حبا له فتلك عبادة الأحرار، و هي أفضل العبادة.
و الأفضلية تستلزم وجود الفضيلة. و نحو ذلك الأخبار الواردة في الأعمال المأمور بها لقضاء الحوائج و تحصيل الولد أو المال و التزويج أو الشفاء أو طلب الخيرة
الأخلاق ص : 21
أو نحو ذلك، و لو كان مثل هذه النيات مفسدا للعبادات لكان الترغيب و الترهيب و الوعد عبثا بل مخلا بالمقصود.
و كيف يمكن للعبد الضعيف الذليل الذي لا يملك لنفسه نفعا و لا ضرا و لا موتا و لا حياة و لا نشورا أن يستغني عن جلب النفع من مولاه لنفسه أو دفع الضرر عنها، و العبادة المقصود بها الثواب أو الخلاص من العقاب انما وقعت بأمره تعالى، فطالبها طالب لرضاه و أمره.
و تكليف سائر الناس بتلك المراتب العلية و الدرجات السنية لعله تكليف بالمحال، فإن أكثر الناس لا يسعهم تلك القصود، و تلك المراتب مختصة بهم عليهم السلام و من يقرب من مرتبتهم كسلمان و أبي ذر و المقداد، و من ادعى تلك المراتب فانما يصدق في دعواه إذا علم من نفسه انه لو أيقن أن اللّه تعالى يدخله بطاعته و عبادته النار و بمعصيته الجنة يختار الطاعة و يترك المعصية، و أين عامة الخلق من هذه الدرجة؟ نعم ربما يتجه ذلك بناء على زعم من زعم ان النية هي الاخطار بالبال و ان لم يكن له داع و باعث على القرب، و قد عرفت خلافه، فإن الداعي و الباعث على القرب إذا لم يكن حاصلا قبل فلا يمكن الإتيان به بتصوير بالجنان أو نطق باللسان.
و ان كنت في ريب من ذلك فانظر إلى نفسك حين يغلب عليها حب التدريس لإظهار الفضيلة و الصيت و حب العبادة لاستمالة القلوب و مع ذلك اخطرت ببالك حين ايقاعهما انك تدرس هذا الدرس و تعبد هذه العبادة قربة إلى اللّه تعالى كنت بمعزل عن الإخلاص، و كان اخطارك ذلك من الخناس الذي يوسوس في صدور الناس، و لم ينفعك ذلك الاخطار، و لم يخلصك عن استحقاق النار، و كان ذلك كاخطار الشبعان اشتهى هذا الطعام قاصدا حصول الاشتهاء.
و اعلم ان الطريق إلى الإخلاص كسر حظوظ النفس، و قطع الطمع عن
الأخلاق ص : 22
الدنيا، و التجرد للآخرة بحيث يغلب ذلك على القلب، و كم من أعمال يتعب الإنسان فيها و يظن انها خالصة لوجه اللّه تعالى و يكون فيها مغرورا لأنه لا يدري وجه الآفة فيها، كما حكي عن بعضهم انه قال: قضيت صلاة ثلاثين سنة كنت صليتها في المسجد جماعة في الصف الأول لأني تأخرت يوما لعذر، و صليت في الصف الثاني فاعترتني خجلة من الناس حيث رأوني في الصف الثاني، فعرفت ان نظر الناس الي في الصف الأول كان يسرني، و كان سبب استراحة قلبي من ذلك من حيث لا أشعر.
و هذا باب دقيق غامض قلما تسلم الأعمال عن مثل ذلك، و قل من يتنبه له.
و الغافلون عنه يرون حسناتهم في الآخرة كلها سيئات، و بدا لهم من اللّه ما لم يكونوا يحتسبون، و بدا لهم سيئات ما عملوا،الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا و هم يحسبون أنهم يحسنون صنعا،أ فمن زين له سوء عمله فرآه حسنا.


source : للمرحوم السید عبدالله شبر
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

اُم البنین سلام الله علیها
المنهج اللغوي
السلوك والعزلة
عيد الفطر السعيد
جسم الانسان‏
تأثير الصلاة على الفرد والمجتمع
مقدّمات الأدلّة الخطابية بين ما يقوله المناطقة , ...
حياة البرزخ
الخمس في عصر الحضور والغيبة
أصحاب الخمس هم أصحاب الفيء

 
user comment