عربي
Sunday 26th of May 2024
0
نفر 0

تنزيه يونس عليه السلام عن الظلم

يونس عليه السلام

تنزيه يونس عليه السلام عن الظلم :

( مسألة ) : فإن قيل فما معنى قوله تعالى : ( وذا النون اذ ذهب مغاضبا فظن ان لن نقدر عليه فنادى في الظلمات ان لا إله إلا انت سبحانك اني كنت من الظالمين ) ( 1 ) ومامعنى غضبه وعلى من كان غضبه وكيف ظن أن الله تعالى لا يقدر عليه ؟ وذلك مما لايظنه مثله ؟ وكيف اعترف بأنه من الظالمين والظلم قبيح ؟ .
( الجواب ) : قلنا اما من يونس عليه السلام خرج مغاضبا لربه من حيث لم ينزل بقومه العذاب ، فقد خرج في الافتراء على الانبياء عليهم السلام وسوء الظن بهم عن الحد ، وليس يجوز ان يغاضب ربه إلا من كان معاديا له وجاهل بأن الحكمة في سائر افعاله ، وهذا لا يليق باتباع الانبياء ( ع ) من المؤمنين فضلا عمن عصمه الله تعالى ورفع درجته ، اقبح من ذلك ظن الجهال واضافتهم اليه عليه السلام انه ظن ان ربه لا يقدر عليه من جهة القدرة التي يصح بها الفعل . ويكاد يخرج عندنا من ظن بالانبياء عليهم السلام مثل ذلك عن باب التمييز والتكليف . وانما كان غضبه ( ع ) على قومه لبقائهم على تكذيبه واصرارهم على الكفر ويأسه من اقلاعهم وتوبتهم ، فخرج من بينهم خوفا من ان ينزل العذاب بهم وهو مقيم بينهم . واما قوله تعالى : ( فظن ان لن نقدر عليه ) ، فمعناه ان لا نضيق عليه المسلك ونشدد عليه المحنة والتكليف ، لان ذلك مما يجوز ان يظنه النبي ، ولا شبهة في ان قول القائل قدرت وقدرت بالتخفيف والتشديد معناه التضييق .
قال الله تعالى : ( ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما اتاه الله ) ( 2 ) . وقال تعالى : ( الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ) ( 3 ) . أي يوسع ويضيق .
وقال تعالى : ( واما اذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه ) ( 4 ) أي ضيق ، والتضييق الذي قدره الله عليه هو ما لحقه من الحصول في بطن الحوت وما ناله في ذلك من المشقة الشديدة إلى أن نجاه الله تعالى منها . وأما قوله تعالى : ( فنادى في الظلمات ان لا إله إلا انت سبحانك اني كنت من الظالمين ) ( 5 ) فهو على سبيل الانقطاع إلى الله تعالى والخشوع له والخضوع بين يديه ، لانه لما دعاه لكشف ما امتحنه به وسأله ان ينجيه من الظلمات التي هي ظلمة البحر وظلمة بطن الحوت وظلمة الليل ، فعل ما يفعله الخاضع الخاشع من الانقطاع والاعتراف بالتقصير ، وليس لاحد ان يقول كيف يعترف بأنه كان من الظالمين ولم يقع منه ظلم ، وهل هذا إلا الكذب بعينه ؟ وليس يجوز ان يكذب النبي ( ع ) في حال خضوع ولا غيره ، وذلك انه يمكن ان يريد بقوله اني كنت من الظالمين ، أي من الجنس الذي يقع منهم الظلم ، فيكون صدقا ، وان ورد على سبيل الخضوع والخشوع لان جنس البشر لا يمتنع منه وقوع الظلم .
فان قيل : فأي فايدة في ان يضيف نفسه إلى الجنس الذي يقع منهم الظلم اذا كان الظلم منتفيا عنه في نفسه ؟ .
قلنا : الفايدة في ذلك التطامن لله تعالى والتخاضع ونفي التكبر والتجبر ، لان من كان مجتهدا في رغبة إلى مالك قدير ، فلابد من ان يتطأطأ ، ويجتهد في الخضوع بين يديه ، ومن اكبر الخضوع أن يضيف نفسه إلى القبيل الذي يخطئون ويصيبون كما يقول الانسان ، اذا أراد ان يكسر نفسه وينفي عنها دواعي الكبر والخيلاء : انما انا من البشر ولست من الملائكة ، وأنا ممن يخطئ ويصيب . وهو لا يريد اضافة الخطأ إلى نفسه في الحال ، بل يكون الفايدة ما ذكرناها .
ووجه آخر : وهو انا قد بينا في قصة آدم عليه السلام لما تأولنا قوله تعالى : ( ربنا ظلمنا انفسنا ) ان المراد بذلك انا نقصناها الثواب وبخسناها حظها منه ، لان الظلم في اصل اللغة هو النقص والثلم ، ومن ترك المندوب اليه . وهو لو فعله لاستحق الثواب ، يجوز ان يقال انه ظلم نفسه من حيث نقصها ذلك الثواب ، وليس يمتنع ان يكون يونس عليه السلام أراد هذا المعنى لانه لا محالة قد ترك كثيرا من المندوب ، فان استيفاء جميع الندب يتعذر ، وهذا اولى مما ذكره من جوز الصغائر على الانبياء عليهم السلام ، لانهم يدعون ان خروجه كان بغير اذن من الله تعالى له . فكان قبيحا صغيرا ، وليس ذلك بواجب على ما ظنوه ، لان ظاهر القرآن لا يقتضيه . وانما اوقعهم في هذه الشبهة قوله ( اني كنت من الظالمين ) . وقد بينا وجه ذلك وانه ليس بواجب ان يكون خبرا عن المعصية ، وليس لهم ان يقولوا كيف يسمى من ترك النفل بأنه ظالم ؟ وذلك انا قد بينا وجه هذه التسمية في اللغة وان كان اطلاق اللفظة في العرف لا يقتضيه . وعلى من سأل عن ذلك مثله اذا قيل له كيف يسمي كل من قبل معصية بأنه ظالم ؟ وإنما الظلم المعروف هو الضرر المحض الموصل إلى الغير ؟
فاذا قالوا ان في المعصية معنى الظلم وان لم يكن ضررا يوصل إلى الغير من حيث نقصت ثواب فاعلها .
قلنا : وهذا المعنى يصح في الندب ، على ان يجري ما يستحق من الثواب مجرى المستحق ، وبعد فإن أبا علي الجبائي وكل من وافقه في الامتناع من القول بالموازنة في الاحباط لا يمكنه ان يجيب بهذا الجواب ، فعلى أي وجه يا ليت شعري يجعل معصية يونس ( ع ) ظلما . وليس فيها من معنى الظلم شئ .
وأما قوله تعالى : ( فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت ) ( 6 ) فليس على ما ظنه الجهال من انه ( ع ) ثقل عليه اعباء النبوة لضيق خلقه . فقذفها ، وانما الصحيح أن يونس لم يقو على الصبر على تلك المحنة التي ابتلاه الله تعالى بها وعرضه لنزولها به لغاية الثواب فشكى إلى الله تعالى منها وسأله الفرج والخلاص ، ولو صبر لكان أفضل . فأراد الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله افضل المنازل وأعلاها .


( 1 ) الانبياء 87
( 2 ) الطلاق 7
( 3 ) الرعد 26
( 4 ) الفجر 16
( 5 ) الانبياء 87
( 6 ) القلم 48 .

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

أبو طالب عمّ الرسول المُصطفى‏ صلى الله عليه ...
نوح عليه السلام والدعوة إلى الله
ما معنى الحديث القائل "الحسود لا يسود"؟ هل هو ...
برهان حساب الاحتمالات في نشأة الحياة
رفع السموات بلا أعمدة أو بأعمدة غير مرئية
سماحة الدكتور السيد عصام
مفهوم العبادة
احذر الغلو
نظَراتٌ.. في التَقيّة
معنى قوله (ع): (يا ممتحنة امتحنك الله...)

 
user comment