عربي
Friday 17th of May 2024
0
نفر 0

النتائج الفكرية والاعتقادية

النتائج الفكرية والاعتقادية:

لقد باتت المسألة أكبر من مجرد النظر للإسلام وتفسيره من نافذة تاريخ الصدر الأول، إذ حملت هذه المرحلة معها تناقضات كثيرة، وبلغ التنافس والنـزاع والخلاف حدّاً أن وقف كبارها بعضهم بوجه الآخر وتلطّخت أيديهم بدماء بعضهم، فإذا مثّلت هذه الفترة أفضل الفترات وأقدسها التي تحقق فيها الإسلام الصحيح، وكان مسلموها من أفضل من التزم بالدين فكيف وقف بعضهم بوجه الآخر وخاضوا في دماء بعضهم؟ وكيف يمكن أن يكون كلا طرفي النـزاع على حق؟ إن مثل هذه القضايا لعبت عملياً دور أكبر في بلورة التكوين الكلامي والفقهي والنفسي الديني لأهل السنّة من مجرد الاقتناع بأنه يجب الانطلاق في فهم الإسلام وتفسيره من نافذة تاريخ الصدر الأول([1]).

لحلّ هذا الإشكال اضطر أهل السنّة للقول بأن كليهما على حق، وأن كلاً منهما رغم نزاعهما عمل بمسؤوليته ووفق اجتهاده، وعليه فهما مأجوران وسيدخلان الجنة!

لكنّ هذا تسويغ يمكن أن يُبرّر لحالة أو حالتين أو عدة حالات، ويقال: إنّه التباس ليس إلا، فكيف بهم وأن تاريخ صدر الإسلام مليء بمثل هذه الأحداث بحيث لا يمكن أن نضعها إلا في إطار هذا التنافس والتناحر، لاسيما بين من تنتفي حولهم شبهة الالتباس في المصداق؟! وهذه مشكلة أثّرت بشكل كبير في تصوير تاريخ تلك الأيام عند أهل السنّة، كما أنها أثّرت في كل ما يرتبط بالإسلام بصورة من الصور([2]).

من هذه النظرة أصبح تاريخ تلك المرحلة وبتبعها كل التاريخ الإسلامي لا هو بالأبيض الناصع ولا بالأسود الكالح وإنما تاريخاً رمادياً، وكأنما لا توجد حدود معينة لتمييز الحق عن الباطل. فهم كلّهم مع الحق المطلق أو النسبي دون أي تفاضل وترجيح بينهم، والأهم من ذلك هي حالة الحظر المضروبة على أي جهد يحاول التمييز بين الأفراد والتحكيم حول الأعمال والسلوك وانتقاد الأحداث. وأصبح من المسلّم به أن الجميع مؤمنون، وما اختلاف سلوكهم إلا ناجم عن اختلافهم في الاجتهاد، وليس عن إيمانهم وسائر خصائصهم الذاتية المرتبطة بالإيمان، وطالما كان الأمر كذلك فلا يجوز لنا أن نتساءل عن أفعالهم ونجعلها معياراً لتحديد الحق، بهذه الصورة تلاشت الأرضية الفكرية والنفسية المتضادة لفهم المسائل وتقويمها على الحق أو الباطل، وأثّرت بشدة على الاُسس الفقهية والكلامية للبحوث السياسية، سواء كانت حول الخلافة والإمامة أم حول المسائل السياسية الدينية الاُخرى([3]).

إن التكوين الفقهي والكلامي والتركيب النفسي الديني لأهل السنّة يعتمد على الفكرة القائلة بعدم وجود حقٍّ مطلق وباطل محض في الصراع بين مُسْلمَين، وهي فكرة متأثرة بالدرجة الاُولى في تقديس هذه المرحلة التاريخية المضطربة وأفرادها وشخصياتها، وقد خلق هذا التفكير وهذا الطراز النفسي لأهل السنّة مشكلة معاصرة لم يُسبقوا بها؛ ذلك أنهم لم يواجهوا مثل هذه المشكلة في الماضي، أو أنها لم تكن بالحدّة التي عليها الآن، فالحياة المعاصرة والمجتمع الجديد والتاريخ الحديث هو الذي فرض هذه المشكلة وبهذه الشدة والحدة([4]).

ففي الماضي لم تكن هناك ضرورة حتمية في البحث عن أجوبة مناسبة لحاجات الشبّان الثورية بهذه الصورة الجادّة والملحّة. فإمّا أن كانت الحاجة منتفية تماماً، أو أنها لم تكن بالأبعاد والقوة التي هي عليها اليوم،.. مثل هذه الحاجة قائمة اليوم وبقوة في كل بلدان العالم الثالث والدول الإسلامية، ولا يمكن للإسلام أن يمرّ عليها مرّ الكرام، خاصة وأنّ الشبان المسلمين وعلى الأقل خلال العقدين الأخيرين أخذوا يطلبون الجواب حثيثاً من الإسلام، ويبحثون عن علاج إسلامي شافي يرفع حاجاتهم المستجدّة، لأنهم يتوسمون فيه أنّه هو الأنسب والأكثر انسجاماً مع حاجاتهم أولاً، وأنّ التزامهم الديني يمنعهم من الالتجاء إلى كل ما هو غير إسلامي ثانياً.

إنّ من يواجه هذه المشكلة أكثر من غيره في العصر الحاضر هو الشابّ السنّي الثائر، إذ يبحث عن تحول عظيم في حياته الاجتماعية والثقافية ومستقبله السياسي؛ ذلك أن أهدافه تحثّه على اتخاذ الخطوات الثورية، لكنّه يفتّش في الوقت نفسه عن حلٍّ إسلامي ينسجم مع تطلعاته الثورية، وهنا يواجه المشكلة الكبرى في الحصول على الجواب المناسب الذي لن يجده إلا بعد إجراء تجديد نظر عام في الاُسس الفقهية والكلامية والفهم الديني والتاريخي، يغير الحالة النفسية لعامة الناس لتنسجم مع هذا التحول([5]).

لهذا السبب تحديداً أقدم بعض المفكرين الإسلاميين الثائرين السنّة على إجراء نوع من إعادة النظر في أفكاره التاريخية للحصول على ما يستجيب لحاجاته المبرمة ويتلاءم معها، وتحديد معايير أكثر صراحة وحسماً ووضوحاً في التقويم والتحليل، فيرى الباطل باطلاً حتى وإن تلبّس بلباس الإسلام، والحق حقاً حتى لو شوَّه التاريخ أو الآخرون صورته، ويقف أمام الباطل ويهرع لمساعدة الحق دون وجل. إن الإذعان للفكرة القائلة بأن التلبس بلباس الإسلام يمنع إبداء أي رأي صريح واتخاذ موقف حاسم يساوي في معناه الإذعان بعدم مشروعية أي إجراء ضد نظام حاكم لا يتورع عن ارتكاب كل جريمة وخيانة من خلال التمسك بالظواهر الإسلامية. فالمشكلة ستبقى قائمة ما لم تُزل هذه الفكرة المتأتّية من لزوم صيانة تاريخ الصدر الأول من المسّ والنقد. ولهذا السبب بالضبط اختلفت الكتب الفقهية والكلامية لأهل السنّة في تعريف وتحديد موضوعات: كالبيعة والإجماع والاجتهاد والتخطئة والتصويب وإجماع أهل الحلّ والعقد والخلافة وشأن الخلفاء وولاية الأمر ولزوم إطاعة اُولي الأمر وغيرها([6]).

وقد واجه الفشل عملياً اُولئك الثائرين والمفكرين الذين حاولوا تدوين معتقداتهم الجهادية مع الحفاظ على هذا المبدأ، فقد أرادوا التعويض عن النقص الناجم من الضعف الأيديولوجي من خلال الإيمان والاستقامة والتضحية الفردية، وهذا ما لا يمكن تحقيقه في زماننا هذا على الأقل. فإذا كان الشرط اللازم لبلوغ الأهداف السياسية والاجتماعية هو استقامة الثوار، فلا شك في أن شرطه المكمل هو العقيدة والاستراتيجية المنسجمة مع طبيعة الهدف وروح الزمان التي تمتلك قدرة الاستمرار والبقاء والاستجابة للمتطلبات([7]).

بطبيعة الحال فإن القضية لا تتحدد فيما أشرنا إليه توّاً فقط، فإن تقديس فترة صدر الإسلام وعدم إمكانية انتقاد أحداثها تمنع التحول الفكري والعلمي الديني المطلوب والضروري الذي يحتاجه مسلمو العصر الراهن، ولا يمثل البعد الثوري والكفاحي إلا جزءاً من هذه الحاجة، وهو ما يتطلب أيضاً إجراء تحول في سلسلة الاعتقادات كما ذكرنا، والأهم من ذلك لابدّ من التفكير جدياً بمسألة الدراسة الانتقادية للموضوعات المختلفة، ومنها الدين وتاريخه الذي بات يمثل أهم حاجة عصرية. ولا يمكن الدفاع عن إيمان الأشخاص في مواجهة انتقادات العصر الجديد من خلال التأكيد على بعض المسلّمات التي ليست هي من أصل الدين وإنما من حاصل إجماع المسلمين في برهة من الزمن.

فلكلّ دين سلسلة من القيم والمسلّمات المطلقة التي لا تقبل النقد والتجريح تعود إلى طبيعة الدين نفسه دون أن يكون للزمن وتحولاته دور فيها، ولكن ليس من الصحيح ولا يمكن الدفاع وإلى الأبد عن تلك الاعتقادات التي لا ترتبط بأصل الدين بل بإجماع المؤمنين أمام الانتقادات العلمية والتاريخية؛ ذلك أن الوقوف بوجه هذا التيار النقدي لن يؤدي إلا إلى التنفّر من الدين أو التمرّد على حملته وإلى الفوضى الاعتقادية([8]).

فضلاً عن ذلك، فالاعتقاد بأن ما حصل في تلك الفترة لم يكن سوى تحقق الإسلام الحقيقي واعتباره من المسلّمات التي لا نقاش فيها، يفرض علينا الاستلهام من مصاديق الإسلام وآرائه في تلك المرحلة، ولكن قد نواجه هنا عدة معالجات لمسألة واحدة دون أن تتغير الظروف، فأي حالة سنأخذ بها من بين هذه المعالجات العديدة؟

على سبيل المثال أمامنا أمثلة مختلفة في طريقة انتخاب الخليفة، فأبو بكر أوصى لعمر، وأوصى عمر لشورى من ستّة أشخاص ينتخب الخليفة من بينهم، وأن خلافة أبي بكر انعقدت ببيعة عدد قليل من الناس. وثمة أمثلة كثيرة اُخرى مشابهة لا سيما في المسائل الفقهية والكلامية حيث توجد أجوبة مختلفة ومتناقضة أحياناً لمسألة واحدة، الأمر الذي سبّب للفقهاء والمتكلمين من أهل السنّة فيما بعد مشاكل عديدة في تحديد المعيار الصحيح بسبب الأخذ بتاريخ صدر الإسلام على علاّته([9]).



(1) ذكرنا سابقاً أنه لم ينظر إلى تاريخ الصدر الأول من الزاوية الانتقادية إلا الشيعة والمعتزلة. [فجر الإسلام:266287]. ووقف في الجهة المقابلة أصحاب الحديث والحنابلة؛ حيث لم يفكروا إلا بقداسة تلك المرحلة التاريخية ورجالها: «وقد لاحظ بعض المستشرقين أن مسند أحمد تتجلى فيه الشجاعة وعدم الخوف من العباسيين، بذكره أحاديث في مناقب بني اُمية لما كان منتشراً بين الشاميين». ضحى الإسلام: 2/122.

     لم يسلك ابن حنبل هذا المسلك رغم ظروف زمانه إلا جرّاء اعتقاده الجازم بشرعية تلك المرحلة التاريخية ورجالها. راجع في هذا المجال كتاب: الأئمة الأربعة: 4/117. وسوى هاتين الطائفتين كان لعلماء السنّة موقفاً معتدلاً إزاء هذه المسألة. الاقتصاد في الاعتقاد: 203205, قارن مع آراء غِيب.

(2) اتخذ هذا الاجتهاد والتأوّل وسيلة لتبرئة كل من ارتكب أي خطأ. راجع مقدمة السيد محمد تقي الحكيم على كتاب النص والاجتهاد، والكتاب نفسه لمعرفة معنى الاجتهاد، والحالات التي يمكن الاجتهاد فيها. انظر أيضاً الغدير: 9/341349.

     ومن المناسب هنا أن نذكر مثالاً على ذلك: فحينما قتل خالد بن الوليد مالك بن نويرة طمعاً في الحصول على زوجته طلب عمر من أبي بكر أن يقتصّ منه، لكنّ أبا بكر قال: «ما كنت أقتله، فإنّه تأوّل فأخطأ». الإسلام واُصول الحكم: 179.

     وقد استُخدم هذا المفهوم فيما بعد بشكل واسع لتبرئة المجرمين وتراثهم التاريخي، ولترتيب الفهم التاريخي والكلامي والفقهي لأهل السنّة، كمثال انظر في باب فضائل خالد بن الوليد في كتاب كنـز العمال: 13/366380.

     لاشكّ في أنّ توسيع دائرة الاجتهاد وتبرير الخلافات التي كانت بين شخصين موثوقَيْن هو من ضرورات هذا الترتيب، فحول أسباب خلاف عمر وخالد بن الوليد مثلاً يقول الشعبي وهو من كبار فقهاء أواخر القرن الأول، وممن كان له دور مؤثّر في ترتيب الفكر الكلامي والفقهي لأهل السنّة: «اصطرع عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد وهما غلامان وكان خالد ابن خال عمر فكسر خالد ساق عمر فعرجت وجبرت، فكان ذلك سبب العداوة بينهما». كنـز العمال: 13/369. راجع أيضاً: عمر بن الخطاب: 424440، لعبد الكريم الخطيب. وعن معركتي الجمل وصفين اللتين وقعتا بين أبرز الأشخاص حينذاك، وتبريرهما دون أن تُمسّ أية شخصية من شخصيات المعركتين بسوء، راجع: مناقب الخلفاء الأربعة في مؤلفات الشيعة، لعبد الستار التونسوي: 6470 والبدعة تحديدها وموقف الإسلام منها: 2561، لعزّت علي عطية، والعواصم من القواصم لاسيما هوامش محب الدين الخطيب عليه، وهو كتاب يعد بحق من أكبر كتب التسويغ الديني والتاريخي إذ يحلل ويبرر حتى المسلّمات التاريخية والدينية بما يخالف حقائقها، فعلى سبيل المثال انظر تبرير قتل معاوية لحجر بن عدي: 211213، وهامش الخطيب في الصفحة 212. وكذلك دفاع الخطيب عن يزيد في الصفحة 214. وراجع: 244 251 وفيها: أن ابن عربي رفض جميع المؤرخين سوى الطبري؛ لأنهم نقلوا فسق الخلفاء وفجورهم.

     وانظر أيضاً: I.Goldziher, The Zahiris, pp. 3-13.                                            

     وراجع آراء ابن حزم في الرأي والقياس والتعليل .

(1) كمثال انظر آراء ابن حنبل عن مسلمي صدر الإسلام. [الأئمة الأربعة: 4/117] وقارنها مع أفكاره وعقائده السياسية على الصفحتين 119 و120. وانظر شرح كتاب السنّة ، البربهاري كبير الحنابلة في القرن الرابع في: طبقات الحنابلة: 1845.

     ولاحظ أيضاً: الإبانة عن اُصول الديانة لأبي الحسن الأشعري: 141 145.

(1) لا يُؤخذ بالاعتبار في الحكم على الأفراد سوابقهم وسلوكهم والقضية المختلف عليها وموقف الطرفين منها، بل أصبح من المسلّمات أن كليهما على حق وصدق، وعليه ينبغي تبرير ما حصل. كمثال راجع رسالة أيها الولد للغزالي.

(2) يمكن معرفة مستوى الميل إلى الثورة وحمل السلاح بين صفوف الشبان المسلمين المعاصرين بمطالعة كتاب: الفريضة الغائبة لمنظّر حركة الجهاد الإسلامي عبد السلام فرج الذي اُعدم قبل مدة، فبعد أن يرفض جميع الحلول المجربة والموصّى بها لأسلمة المجتمع كتأسيس الأحزاب الإسلامية وتربية جيل من المثقفين المسلمين للأخذ بزمام الاُمور وإرشاد الناس وتبليغ الدين، والهجرة إلى مناطق اُخرى لإعداد الأرضية اللازمة للعودة الفاتحة وأمثال ذلك يؤكد على وجوب الجهاد ضد الحكام والأنظمة الكافرة وإقامة الحكم الإسلامي لتطبيق التعاليم الإلهية. راجع: بيامبر وفرعون: 244 247.

(2) يصف سعد الدين إبراهيم أهم خصوصية للمجاهدين في مصر في عقدي السبعينات

والثمانينات بأنه عنف عملي لطائفة انتفضت ضد الحكومة والآخرين الذين يعملون باسم الإسلام، انظر: Asif Husayn, Islamic Movements, p.29.                                

(1) ربما كان سيد قطب أول من سعى من بين المفكّرين والكتّاب الإسلاميين المعاصرين إلى تمزيق ستار النفاق لدى الحكام المتظاهرين بالإسلام المعادين له في الباطن، لاسيما في أهمّ كتبه وآخرها: معالم في الطريق، وقد تعرض هذا الكتاب فيما بعد لانتقادات كثيرة، ولم يأخذ بما جاء به كلية إلا الشبان الذين تعتمل في صدورهم الميول الثورية، بل إنّ زعيم الأخوان المسلمين في مصر حسن الهضيبي انتقد الكتاب صراحة بعد إعدام سيد قطب في كتابه: دعاة لا قضاة، كما انتقد بعض أفكاره أشهر علماء الإخوان المعاصرين يوسف العظم في كتاب: رائد الفكر الإسلامي المعاصر.

     لكن ظروف عقدي السبعينات والثمانينات وفّرت أرضية مناسبة لنفوذ أفكاره وانتشارها، فجميع الحركات الإسلامية في العالم السني ولا سيما العالم العربي متأثرة عملياً بأفكار سيد قطب، سواء وافقتها كلها أم جزءاً منها، غير أن هذا لا يعني أنهم استطاعوا التنظير لعقيدة جهادية إسلامية؛ لأنهم بدؤوا من دائرة مغلقة، ولهذا لم ولن يستطيعوا أن يحققوا شيئاً على هذا الصعيد؛ ذلك أنهم لا يستطيعون ولا ينبغي لهم أن يتجاهلوا معتقداتهم، ويشيدوا أفكارهم على اُسس غيرها، فهم يستطيعون أن يقدموا تفسيراً آخر لهذه المبادئ الاعتقادية، لكن لا يتسنى لهم تركها جانباً، وطالما كان الأمر كذلك فإنهم سيتعرضون للانتقاد دون أن يمتلكوا الردّ المناسب المقنع، كما أن أفكارهم لن يكتب لها التقدم والاستمرار.

     الخطأ الآخر الذي وقعوا فيه أنهم حاولوا تحقيق أهدافهم بالاعتماد على إيمان الثوار وثباتهم وتضحياتهم، وهذا التصور باطل من الأساس؛ ذلك أنهم اعتبروا الجزء كل العلّة وسعوا للخروج من الدائرة المغلقة بالتأكيد والاعتماد عليه. والعجيب أنهم في خطئهم هذا يماثلون الفئات الثورية غير الإسلامية، كمثال على ذلك: الخطأ والتوهّم الذي أصاب مجموعة "فدائيان خلق" في العقد الذي سبق انتصار الثورة الإسلامية في إيران، فقد انتقدوا حزب "تودة" على عهد مصدَّق بسبب عدم ثباته، واعتبروا أن الاستقامة والتضحية هي رمز النصر، انظر: كتب جزني وأحمد زادة وصفائي فراهاني، وخاصة أولهم، ولاحظ أيضاً: إيدئولوجي وانقلاب: 214220. وعن أهمية كتاب معالم في الطريق والآراء المختلفة حوله راجع كتاب: سيد قطب لعبد الله عوض: 325 329.

(1) حول جهود الجيل الجديد للتخلص من الجزم الديني انظر كتاب: السنّة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث، لاسيما صفحاته من 712 لمحمد الغزالي، وهو أحد كبار العلماء المعاصرين، وانظر أيضاً كتاب: من العقيدة إلى الثورة في خمسة مجلدات لحسن حنفي الذي يُعدّ أحد المثقفين المطلعين المعاصرين، وخصوصاً الصفحات 747 من الجزء الأول.

(1) كمثال راجع: الأحكام السلطانية للماوردي: 521 ، والأحكام السلطانية لأبي يعلى: 1928.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

متى وهب النبي الاكرم (س) مزرعة فدك للزهراء (س) في ...
الأنظمة التمثيلية فى علم البرمجة اللغوية العصبية
من خصائص التعبير الفنّي والادبيّ في القرآن ...
مفاتيح الجنان(1_200)
هدم قبور البقيع اکبر جريمة في تاريخ الوهابية
العاشر من ربيع الثاني..ذكرى وفاة السيدة فاطمة ...
المرأة في الإسلام ومن خلال نهج البلاغة – الثاني
أنواع التجلي الاِلَهي
العلامات التي تسبق مباشرة ظهور الإمام المهدي
يا ليتَنا كنّا مَعكم

 
user comment