الفصل السادس
اُسلوب التعامل مع المنافقين
الكشف والفضح
إنَّ آخر بحث يتم طرحه هنا هو اُسلوب التعامل مع المنافقين. وهذا الفصل بحث يشتمل على تعليق. وما نطرحه هنا هو کلام مجمل فقط، نتمنى في المستقبل أن نستطيع في توسيعه وتفصيله.
إنَّ ما يُبحث في اُسلوب التعامل مع المنافقين أكثر ما يُعنى باحباط نشاطاتهم السياسية والثقافية وأساليبهم الخائبة، وافشال مساعيهم الرامية الى تحقيق أهدافهم المشؤومة.
فأوّل نقطة في التعامل معهم، هو كشف ما يتعلق بقضية النفاق، وأهداف المنافقين وطرقهم. إنّ الكشف عن وجوه النفاق والتعريف بها وبأعمالها، يمكنه أن يمثل أيضاً عاملاً مؤثراً جداً في مكافحة النفاق والمنافقين.
ابتداءً يجب التذكير بهذه النقطة، فلقد اعتُبر الإسلام تقصّي العيب وإفشاء أسرار ومعاصي الآخرين عملاً مرفوضاً.
في بعض الروايات ذُکر أنّ ذنب إفشاء معصية الآخرين بمقدار نفس تلك المعصية، ووجهت توصية إلىٰ المؤمنين: إذا أحببتم أن يستر الله عيوبكم يوم القيامة، فاسدلوا الستار على عيوب الآخرين في الدنيا.
قال الرسول الأكرم’ في جواب شخص سأله: ماذا نفعل كي يستر الله عيوبنا يوم القيامة؟:
«اُسْتُرْ عُيُوبَ إخْوَانِكَ يَسْتُرُ اللهُ عَلَيْكَ عُيُوبَكَ»([1]).
يقول الإمام عليّ× في نهج البلاغة:
«وَإنَّما يَنْبَغِي لأهْلِ الْعِصْمَةِ وَالْمَصْنُوعِ إلَيْهِمْ فِي السَّلامَةِ أنْ يَرْحَمُوا أهْلَ الذُّنُوبِ وَالْمَعْصِيَةِ، وَيَكُونَ الشُّكْرُ هُوَ الْغَالِبُ عَلَيْهِمْ، وَالْحَاجِزُ لَهُمْ عَنْهُمْ، فَكَيْفَ بِالْعَائِبِ الَّذِي عَابَ أخاهُ وَعَيَّرَهُ بِبَلْوَاهُ؟!
أمَا ذَكَرَ مَوْضِعَ سَتْرِ اللهِ عَلَيْهِ مِنْ ذُنُوبِهِ مِمّا هُوَ أعْظَمُ مِنَ الذَّنْبِ الَّذِي عَابَهُ بِهِ؟! وَكَيْفَ يَذُمُّهُ بِذَنْبٍ قَدْ رَكِبَ مِثْلَهُ؟! فَإنْ لَمْ يَكُنْ رَكِبَ ذلِكَ الذَّنْبَ بِعَيْنِهِ فَقَدْ عَصَى اللهَ فِيما سِواهُ، مِمَّا هُوَ أعْظَمُ مِنْهُ.
وَأيْمُ اللهِ لَئِنْ لَمْ يَكُنْ عَصَاهُ فِي الْكَبِيرِ، وَعَصَاهُ فِي الصَّغِيرِ، لَجُرْأتُهُ عَلى عَيْبِ النَّاسِ أكْبَرُ!
يَا عَبْدَ اللهِ، لاَ تَعْجَلْ فِي عَيْبِ أحَدٍ (عبد) بِذَنْبِهِ، فَلَعَلَّهُ مَغْفُورٌ لَهُ، وَلاَ تَأْمَنْ عَلى نَفْسِكَ صَغِيرَ مَعْصِيَةٍ، فَلَعَلَّكَ مُعَذَّبٌ عَلَيْهِ. فَلْيَكْفُفْ مَنْ عَلِمَ مِنْكُمْ عَيْبَ غَيْرِهِ لِمَا يَعْلَمُ مِنْ عَيْبِ نَفْسِهِ، وَلْيَكُنِ الشُّكْرُ شَاغِلاً لَهُ عَلى مُعَافَاتِهِ مِمَّا ابْتُلِيَ بِهِ غَيْرُهُ»([2]).
وعلى أساس أقوال الإمام عليّ×، فإنّه يجب على الناس أن يمتنعوا إفشاء أسرار إخوانهم في الدين والإنسانية ومن هتك مكانتهم وليس هذا فحسب، بل إنّ وصية الإمام هي أنَّ علىٰ الحكومة أن تتستّر على الكثير مِن الذي تعلمه من أسرار الناس، وأن تقوم بغض الطرف عن أخطاء الأفراد إلىٰ الحد الممكن.
يقول الإمام عليّ في رسالته إلىٰ مالك الأشتر:
«وَلْيَكُنْ أبْعَدَ رَعِيَّتِكَ مِنْكَ وَأشْنَأهُمْ عِنْدَكَ أطْلَبَهُمْ لِمَعَائِبِ النَّاسِ، فَإنَّ فِي النَاسِ عُيُوباً الْوَالِيّ أحَقُّ مَنْ سَتَرَهَا، فَلاَ تَكْشِفَنَّ عَمّا غَابَ عَنْكَ مِنْها فَإنَّما عَلَيْكَ تَطْهِيرُ مَا ظَهَرَ لَكَ وَاللهُ يَحْكُمُ عَلى مَا غَابَ عَنْكَ، فَاسْتُرِ الْعَوْرَةَ مَا اسْتَطَعْتَ يَسْتُرُ اللهُ مِنْكَ مَا تُحِبُّ سَتْرَهُ مِنْ رَعِيَّتِكَ!»([3])
وبالطبع ان الامر بستر الذنوب وعدم إفشاء العيوب، فيما اذا كانت معاصي الفرد شخصية، ولا تضرَّ بمصالح المجتمع الهامّة والنظام أيضاً. أمّا إذا ما أقدم الشخص على ابتزاز واختلاس الأموال العامة، وتضييع حقوق الناس، أو بادر الى ممارسةٍ ضد النظام، يجب الإبلاغ عن نشاطاته، كما يجب ملاحقته ومراقبته بسبب ابتزازه واختلاسه للأموال، أو بسبب عدائه للنظام الإسلامي.
كان الإمام عليّ× يبعث دوماً مفتّشين إلىٰ نقاط مختلفة، لأجل تفقّد إدارة أعمال اُمرائه وولاته. وفي أي وقت كان يصل إبلاغ عن تجاوز المسؤولين وعصيانهم للأوامر، كان يستدعيهم ويوبّخهم بشدة، ويحاكمهم.
إنّ مواجهات الإمام القاطعة مع المبتزِّين والمختلسين لبيت المال طيلة مدة حكمة مشهودة تماماً.
وفي مجال ذنوب وعيوب المنافقين، ينسحب عليهما دقيقاً كلا القسمين أعلاه أيضاً. فإذا كانت أعمالهم وذنوبهم فسقاً وفجوراً فردياً يجب التعامل معهم بالمداراة والتستّر. أمّا عندما يقومون بنشاطات تستهدف الإطاحة بالنظام فيجب إفشاء طرقهم والكشف عن أفرادهم، كي لا يتمكنوا ومن خلال الاستقرار في نطاقٍ من الأمن أن يمارسوا التخريب.
كما أشرنا ومن قبل فلقد زاول القرآن الكشف وفي أكثر من ثلاثمائة آية عن المنافقين وفعالياتهم التخريبية، فقام بتعريفهم وبشكل دقيق من خلال إحصائه لأوصافهم.
إنَّ إفشاء قضية النفاق والكشف عن حزب المنافقين يتضمن فوائد أساسية:
أحدها، هي تلك التي تبعث على يقظة المخدوعين بقضية النفاق، وعودتهم إلىٰ دائرة الحقّ. والفائدة الاُخرىٰ: هي أن يحذر الأفراد من قضية النفاق، فيأخذون حذرهم من المنافقين الذين ينزوون مع مماثليهم. وفي النهاية وعبر الكشف، ستتعرض حرمة مكانة المنافقين وأرواحهم إلىٰ الخطر، فيتناقص مستوى نطاق نشاطاتهم التخريبية.
مواجهة طعنات النفاق
و من النقاط المهمة التي تتعلق بالتعامل مع المنافقين: هي التعرف على طعنات النفاق. في البداية يجب التعرف على أدوات وأهداف النشاطات التخريبية للمنافقين، ومن ثمَّ العمل علىٰ مواجهتها.
أحد المسائل الأكثر ضرورة لمعرفة النفاق، هي معرفة طرقه وأساليب نشاطاته الثقافية والسياسية. هذه المعرفة هي المقدمة الأصلية والركن الأساسي لمقارعة العدوّ، لأنّه طالما لا يمكن التعرف علیٰ العدوّ ولا معدّاته في الغزو، فإنَّ ساحة قتاله ما كانت ستتمخض عن جدوى.
نشير هنا إلىٰ عدد من الطرق الأساسية للتصدي لطعنات المنافقين. بالطبع فإنَّ أي نوع من أساليب التخريب ومعدات العدو الهجومية لابد أن تتضمن وسيلة خاصة للمواجهة والتي لا يتسع المجال لذكرها هاهنا جميعاً.
أ ــ الإعلام الصحيح
لقد أشرنا ومن قبل إلىٰ أنَّ واحدة من طعنات المنافقين هي بث الإشاعة. فأحسنُ وأسلمُ طريق لمكافحة هذه القضية هي الإعلام الصحيح وفي الوقت المناسب. يستفيد صنّاع الإشاعة من الفراغ الإعلامي، فيشتغلون بنشر الإشاعات. فإذا ما كانت قضية نقل المعلومات والأخبار إلىٰ الناس تجري في توقيت دقيق وصحيح، فإنَّ مما لا شك فيه أنَّ الإشاعات سوف تفقد أثرها.
وفي نهج البلاغة يعتقد الإمام عليّ× أنَّ واحدةً من حقوق الناس على حكّام المجتمع هي إطلاع الناس على ما يجري في البلاد، ويقول: «ألاَ وَإنَّ لَكُمْ عِنْدِي أنْ لاَ أحْتَجِزَ دُونَكُمْ سِرّاً إلاَّ فِي حَرْبٍ»([4]).
وعلى الظاهر فإنَّ قضية الحرب والأسرار العسكرية ما كان لها خصوصية في الحديث أعلاه، وهي مجرّد لذكر نموذج فقط. ويمكننا أن نفهم أنَّ معيار الإمام في عدم إفشاء بعض الأسرار والمعلومات الحالية للجهاز هي مراعاة مصلحة الحكومة والناس.
وبالتوجه إلىٰ هذا الأصل، ومن أجل مواجهة اسلوب اثارة الاشاعات من قبل الجهاز الاُموي، كتب الإمام عليّ× ـ بعد انتهاء حرب صفّين ـ رسالة إلىٰ المدن المختلفة، بيّن للناس في هذه الرسالة تفصيل قضية صفّين، وأوضح علّة مقاتلة معاوية ومَن حوله، وكذلك المفاوضات بين كلا المجموعتين([5]).
فواحدة من الدلائل الرئيسية لكتابة الإمام لتلك الرسالة هي: أنَّ الإمام كان يتنبأ أنَّ معاوية وأشياعه وأعوانه يحرِّضون الناس على مناوءة الزعامة العلويّة، وذلك عبر بثّ الإشاعة والإعلام الکاذب المضلّل بين المسلمين وتخريب الأفكار العامة. فاستبق الإمام الأحداث، ومن خلال عرض إعلامي سريع وصحيح عمل على تنوير أفكار الناس وإيضاح مبهمات القضية.
وما خلا المورد أعلاه توجد موارد اُخرىٰ كثيرة في نهج البلاغة، أوصل من خلالها الإمام في مناسبات مختلفة تقارير الأوضاع إلىٰ الناس، فحدّ من اثارة الاشاعات واتّساع نطاقها.
ب ــ الرد على الشبهات وزيادة الوعي الديني والسياسي
إنَّ إثارة الشبهات هي الاُسلوب الآخر الذي يستخدمه المنافقون. فيجب ـ وعبر الإجابة المنطقية على شبهات المنافقين وفي الوقت المحدّد ـ تجريدهم من هذا السلاح والحيلولة دون تأثيرهم.
إنَّ الإجابة على الشبهات بمعيّة المنطق والاستدلال هو من أهمّ علائم الاقتدار للدين. ولله الحمد فإنَّ نظام الحياة في الإسلام يتمتع بمساندة العقل والفطرة القوية. ولغرض التصدي لطعنات أهل النفاق فإنَّه من اللازم وفي ضمن الإحاطة الدقيقة بالدين القيام باحتواء شبهات المنافقين، ومنعهم من الوصول إلىٰ أهدافهم المشؤومة وذلك عبر تفنيد شبهاتهم.
الناس مجبولون على فطرة الانصياع للحقّ، فإذا کان بوسعنا عرض الاُمور الحقّة إليهم بصورة شفّافة فإنّهم سوف يذعنون للحقّ، وعلىٰ الأخصّ الشباب الذين لاتُعيقهم موانع المعرفة، وتبدو لديهم الرغبة بالتعرف إلىٰ الحقيقة على أشدها وأسرعها، حيث سيتمّ تعرّفهم علیٰ الحق. وفي المقابل فإنَّهم سيذعنون له. ولقد جاء في الأحاديث والروايات الإعراب في الروايات عن هذه الروحية العالية المتوفرة في فترة الشباب، فضلاً عن الشواهد التاريخية التي أكّدت ذلك أيضاً.
فما آمن بالنبيِّ موسىٰ× إلّا الشباب فقط([6])، ولقد استقطب رسول الإسلام’ أكثر ما استقطب هم الشباب، وذلك في بداية البعثة، وفي ظل ظروف مكة الصعبة.
أمّا الطريق والأساسي الآخر للحدّ من تبلور الشبهات، والذي يعد مفيداً هو زيادة الوعي الديني والسياسي لأفراد المجتمع. فإذا تعرّف أبناء الاُمة علیٰ دينهم بصورة جيدة، فتتكون عندهم القدرة على تحليل الشبهات ونقدها، فإنَّ المنافقين ما كانوا يتمكّنون عبر إثارة الشبهة من القاء المسلمين في الشك، ولسوف تتم الإطاحة بمؤامرتهم في غضون الخطوة الاُولى.
إذا ما كان جميع أفراد المجتمع يتمتّعون بوعيٍ سياسي وقدرة في النقد والتحليل للحوادث السياسية الجارية في زمانهم، فإنَّ المنافقين ومن خلال التآمر وإثارة الفتنة والتظاهر سوف لا يتوفّقون لخداع المسلمين والمؤمنين.
لو كان لأصحاب الإمام عليّ× وعي، ما كان لهم أن يقعوا أسيري الشك إزاء حيلة معاوية وعمرو بن العاص في قضية رفع المصاحف فوق الرماح في معرکة صفّين، وما كان لهم أن يكفّوا عن قتال جيش النفاق، جيش معاوية.
إنَّ رقيّ الوعي السياسي والديني لدى أفراد المجتمع من أكثر الطرق الأساسية لمكافحة النفاق وطعناته المتفاوتة. فوجود الوعي الكافي لدى أفراد المجتمع له أن يبطل مفعول أنواع الحيل والمكر التي يتّبعها المنافقون.
المحافظة على الوحدة
إنَّ إثارة التفرقة وإيجاد الاختلاف بين المسلمين هي من طعنات حزب النفاق المحورية. فالطريق لمواجهة هذه القضية هو حراسة حُرمة وحدة المجتمع الإسلامي. فإذا ما تحرك المسلمون نحو التمحور حول الله والاعتصام بحبله المتين، ونبذوا التمحوّر حول النفس، فإنَّه من المتيقّن به أنَّ طعنة المنافقين ستفقد أثرها.
أمر الإسلام بـ (الاعتصام بحبل الله) والنهي عن التفرق. فإنّ الالتحام بالحاكمية الدينية والأحكام الإسلامية، والتخلّق بالأدب الإسلامي، والانصراف عن اتّباع الأهواء النفسية، سوف يبعث على تكوين مجتمع متحد، ومع الاتحاد فإنَّ الأعداء، ومن جملتهم المنافقين سوف لا يصلون إلىٰ أهدافهم أبداً.
إنَّ السعي لحفظ الوحدة واستئصال الخلافات حركة سامية يجب على كل شخص وفي أي منصب أن يسعى لأجله، بما يتناسب مع موقعه.
كان الرسول الأكرم’ يتدخّل شخصياً لإنهاء الخلافات والأحقاد فيما بين الأفراد والقبائل. ولقد كان يعمل على تشويقهم لأجل مراعاة القيم الإسلامية والصداقة والمساواة والاتحاد.
التعامل الصارم مع المنافقين
الاُسلوب الآخر للتعامل مع المنافقين هو الصرامة في مواجهتهم. وطالما تظل قضية النفاق في مرحلة الكلام، فإنَّ النظام الإسلامي يعمد إلىٰ مواجهته ثقافياً وبوضوح. أمّا عندما يقومون بالتخريب فإنَّه سوف يتم التعامل معهم بشدة.
و ضمن إعلان الله تعالیٰ عن أنَّه سيتعامل بصرامة مع المنافقين في الآخرة، فإنّه يُعلّم المؤمنين اُسلوب التعامل مع المنافق:
{إنَّ المنافقينَ في الدركِ الأَسفلِ من النّارِ}([7]).
وعلى هذا الأساس ففي القرآن الکريم خطاب موجَّه إلىٰ الرسول يقول: {يَا أيُّها النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ}([8]).
إنّ صيغة الجهاد ضدّ الكفّار واضحة، وهو جهاد يشمل كل المناحي خاصة الجهاد المسلح. ولكنَّ البحث يدور حول صيغة الجهاد ضد المنافقين. لأنَّ من المُسلّم به أنَّ الرسول’ ما جاهد المنافقين جهاداً مسلحاً.
يقول الإمام الصادق×: «إنَّ رَسُولَ اللهِ’ لَمْ يُقَاتِلْ مُنَافِقاً»([9]).
ودليل هذا العمل واضح أيضاً ؛ لأنّ المنافق شخص تظاهر بالإسلام، وكان قد توفّر على كلّ مزايا الإسلام، مهما کان يضمر في الباطن، وبإظهار الإسلام، فلا يحقّ لأحدٍ أن يتصرّف مع المنافق تصرّفاً شبيهاً بالتصرّف مع غير المسلم.
ما رفع في زمان الرّسول’ أي منافقٍ راية العداء مع الإسلام علانية، وما كان الرسول قد جاهدهم جهاداً مسلحاً.
لذا فيجب أن يكون المقصود من أمر جهاد المنافقين هي أساليب اُخریٰ للمواجهة غير القتال المسلّح. من قبيل: ذمّهم وتوبيخهم وتهديدهم وفضحهم. ومن المحتمل أن يكون المقصود من قوله تعالیٰ {واغلظ عليهم} هو من هذا القبيل من التعاملات.
بالطبع، يوجد هناک احتمال أيضاً، وهو أنّ المنافقين وطالما لم تنکشف أسرارهم الداخلية بعد، ولم تتّضح نشاطاتهم التخريبية، فإنَّهم يتمتّعون بأحكام الإسلام. أمّا عندما يتكشف باطنهم، وتتضح مقاصدهم التخريبية، يجب القضاء عليهم حتى ولو بالتعامل المسلّح.
وعلى كلّ حالٍ فإنَّ اُسلوب الإمام عليّ× في التعامل مع حزب النفاق الاُموي وزعيمهم معاوية هو أحد مصاديق آية جهاد الکفّار والمنافقين المتقدمة، فالإمام عليّ× وإلىٰ اللحظة التي كانت فيها قضية النفاق في مرحلة الكلام، فإنّ تعامله ما كان سياسياً ولا عسكرياً، بل كان تعامله ثقافياً وبوضوح. ولكن حينما تجاوزت قضية النفاق مرحلة الكلام، ووصلت إلىٰ مرحلة الحرب والصدام المسلح، يجب تعامل معهم بصرامة وقهر. فالإمام عليّ قد فضح المنافقين وبصورة جادّة عبر كلامه، كذلك حاربهم عملياً.
* * *
وفي الختام: ما قدّمناه إليکم أيّها القرّاء الأعزاء هو نظرة سريعة في مباحث النفاق في القرآن. وإن شاءَ الله في المستقبل نأمل أن تُتاح لنا الفرصة کي نعمد فيها إلىٰ تفصيل هذه المباحث، وطرح مباحث اُخرىٰ لم تُذکر هنا حول موضوع النفاق في القرآن.
والحمد لله أولاً وآخراً، وصلّیٰ الله علیٰ محمّدٍ وآله الطيّبين الطاهرين.
[1]. ميزان الحكمة: ج7 ص145.
[2]. نهج البلاغة، الخطبة 140.
[3]. نهج البلاغة: الرسالة 53
[4]. نهج البلاغة: الرسالة 50.
[5]. نهج البلاغة: الرسالة 58.
[6]. يونس: الآية 83 و قوله تعالیٰ {فما آمن لموسى إلّا ذرّيةٍ من قومه}. ورد في التفاسير الروائية على أنَّ الذرّية هم الشباب.
[7]. النساء: الآية 145.
[8]. التوبة: الآية 73، والتحريم: 9.
[9]. مجمع البيان: ج10 ص319.