عربي
Tuesday 19th of March 2024
0
نفر 0

الخليفة عمر يمنع رواية سنة الرسول

الخليفة عمر يمنع رواية سنة الرسول

في أول اجتماع سياسي عام لأبي بكر الخليفة الأول أمر المسلمين " بأن لا يحدثوا شيئا عن رسول الله " (1) وكلام الخليفة الأول من الوضوح بحيث أنه لا يحتاج إلى تأويل فهو يمنع علنا رواية سنة الرسول، وفي الوقت نفسه الذي منع فيه الخليفة الأول رواية سنة الرسول منع ضمنا كتابة سنة الرسول حيث أحرق الأحاديث التي سمعها بنفسه من رسول الله وكتبها بخط يده (2) وتلك رسالة واضحة إلى المسلمين مفادها " لا ترووا سنة الرسول ولا تكتبوها!!! ".

لم تكن هذه سياسة الخليفة الأول فحسب بل كانت سياسة ولي عهده وشريكه في أمره عمر بن الخطاب، ومن يتتبع سيرة عمر، وما ذكرناه في الفصول السابقة، لا يشك إطلاقا بأن عم هو الذي زرع في ذهن الخليفة فكرتي، منع رواية السنة، وإحراق الأحاديث التي كتبها!! لأن عمر بن الخطاب هو أول مخترع لشعار " حسبنا كتاب الله "!!! وهو الشعار الذي برر به أبو بكر ما فعل!!!

____________

(1) تذكرة الحافظ للذهبي ج 1 ص 2 - 3، والأنوار الكاشفة ص 53، وتدوين السنة الشريفة للجلالي ص 423.

(2) تذكرة الحفاظ للذهبي ج 1 ص 5، وكنز العمال ج 10 ص 85، والاعتصام بحبل الله المتين ج 1 ص 30، وتدوين السنة الشريفة ص 264.

 

 


ولما آلت الأمور إلى عمر بن الخطاب، وتولى الخلافة خالف صاحبه شكلا واتفق معه بالمضمون!!! ووسع إطار المنع والإحراق، وجعلهما سياسة علنية عامة لدولته!!!

فأبو بكر منع رواية سنة الرسول أولا، ثم أحرق سنة الرسول المكتوبة عنده، أما عمر فقد جمع سنة الرسول المكتوبة عند الناس والكتب المحفوظة لديها فأحرقها أولا " (1).

ثم عمم على كافة الأمصار الخاضعة لحكمه " إن من كان عنده شئ من سنة الرسول فليمحه " (2) كما فصلنا ذلك من قبل!!

ولما تصور الخليفة عمر بن الخطاب أنه قد أحرق سنة الرسول المكتوبة عند المسلمين، والكتب المحفوظة لديهم، تفرغ لمنع رواية سنة الرسول وقد اتخذ هذا المنع أشكالا متعددة، وبالرغم من تعدد الأشكال فإنها تخدم غاية واحدة لا تخفى حتى على عامة الناس وجهلتهم وهي رغبة الخليفة بأن يجتث سنة الرسول من الوجود، وأن لا يبقى منها إلا تلك التي لا تتعارض مع توجيهات الدولة ووجودها وسياستها، أو التي تخدم مصالح الدولة كما سنرى!!

ولأن الخليفة هو الرئيس العام للمجتمع الإسلامي، وهو الخليفة الواقعي لرسول الله، كان لا بد له من ذريعة أو شعار مقنع للناس ليبرر هجومه الضاري على سنة الرسول وليبعد عن نفسه ظنون الناس وتقولاتهم، فأوجد شعار " حسبنا كتاب الله، ولا كتاب مع كتاب الله!! " وهو أول من أوجد هذا الشعار!! فعمر يريد القرآن، والقرآن وحده، ولا شئ سواه، ولا شئ معه، ولا يريد عمر أن يشغل المسلمين عن القرآن شاغل فالقرآن هو كتاب الله النافذ الأوحد، وقانون المجتمع فلا كتاب معه، ولا قانون سواه!!

____________

(1) الطبقات الكبرى لابن سعد ج 5 ص 140.

(2) كنز العمال ج 10 ص 291.

 

 


وسنرى أن تلك شعارات للتبرير ولكن لا يمكن تطبيقها، ولم يكن الخليفة جادا بتطبيقها!!

أشكال منع الخليفة عمر لرواية سنة الرسول

النهي عن رواية الحديث:

1 - روي عن قرظة بن كعب أنه قال: " لما سيرنا عمر إلى العراق مشى معنا إلى حرار، ثم قال: أتدرون لما شيعتكم؟ قلنا: أردت أن تشيعنا وتكرمنا فقال عمر: إن مع ذلك لحاجة، إنكم تأتون أهل قرية لهم دوي بالقرآن كدوي النحل، فلا تصدوهم بالأحاديث عن رسول الله وأنا شريككم، قال قرظة فما حدثت بعده حديثا عن رسول الله " (1).

وفي رواية أخرى، فلما قدم قرظة بن كعب قالوا: " حدثنا فقال قرظة: نهانا عمر " (2).

فقرظة قد فهم بأن عمر ينهى عن الحديث عن رسول الله بدليل قوله:

" فما حدثت بعده حديثا عن رسول الله ".

2 - قال عبد الرحمن بن عوف: " ما مات عمر بن الخطاب حتى بعث إلى أصحاب رسول الله فجمعهم من الآفاق، عبد الله بن حذيفة، وأبو الدرداء، وأبو ذر وعقبة بن عامر فقار: ما هذه الأحاديث التي أفشيتم عن رسول الله في الآفاق؟ فقالوا تنهانا!! قال: لا، أقيموا عندي، لا والله لا تفارقوني ما عشت، فنحن أعلم نأخذ منكم، ونرد عليكم " (3).

____________

(1) أخرجها ابن عبد البر بثلاثة أسانيد في جامع بيان العلم باب ذكر من ذم الإكثار من الحديث ج 2 ص 147، وتذكرة الحفاظ للذهبي ج 1 ص 4 - 5، والطبقات الكبرى لابن سعد ج 6 ص 7، وسنن الدارمي ج 1 ص 73، وسنن ابن ماجة ج 1 ص 73، والمستدرك على الصحيحين للحاكم ج 1 ص 110، ومعالم المدرستين ج 2 ص 45، وتدوين السنة الشريفة ص 431.

(2) المصدر السابق.

(3) الحديث رقم 4865 من الكنز الطبعة الأولى ج 5 ص 239 ومنتخبه ج 4 ص 61.

 

 


3 - ووصى عمر أبا موسى الأشعري عندما بعثه إلى العراق بمثل ما وصى به قرظة بن كعب (1).

4 - خطب عمر بن الخطاب فقال: "... من قام منكم فليقم بكتاب الله، وإلا فليجلس فإنكم قد حدثتم الناس، حتى قيل قال فلان وقال فلان، وترك كتاب الله " (2).

5 - قال الشعبي: " جالست ابن عمر سنة فما سمعته يحدث عن رسول الله شيئا " (3).

6 - قال سعيد بن المسيب: " كتب إلى أهل الكوفة مسائل ألقى فيها ابن عمر، فلقيته فسألته من الكتاب، ولو علم أن معي كتابا لكانت الفيصل بيني وبينه " وهذا يعني أن عبد الله بن عمر ملتزم التزاما تاما بنهي أبيه عن سنة رسول الله!! ويجدر بالذكر أيضا أن حفصة بنت عمر كانت تعارض التدوين، وكأن معارضة كتابة ورواية سنة رسول الله خلق في آل عمر!! (4).

التهديد والضرب:

1 - قال عمر بن الخطاب لأبي هريرة: " لتتركن الحديث عن رسول الله أو لألحقنك بأرض دوس " (5) وقال له أيضا: " لتتركن الحديث عن رسول الله أو لألحقنك بأرض الفيح يعني أرض قومه " (6).

____________

(1) المستدرك للحاكم ج 1 ص 125، والبداية والنهاية لابن كثير ج 8 ص 107، وتدوين السنة الشريفة ص 433.

(2) أخبار المدينة ج 3 ص 800.

(3) الحديث والمحدثون ص 68، وتدوين السنة الشريفة ص 471.

(4) تدوين السنة الشريفة ص 471.

(5) المحدث الفاضل ص 554 رقم 746، والبداية والنهاية لابن كثير ج 8 ص 160، وتدوين السنة الشريفة ص 431.

(6) أخبار المدينة المنورة لابن شيبة ج 3 ص 800.

 

 


2 - يبدو أن أبا موسى قد روى حديثا، فسمعه عمر بن الخطاب، أو سمع به عمر بن الخطاب فقال لأبي موسى: " والله لتقيمن عليه البينة "، وفي لفظ مسلم " أقم عليه البينة وإلا أو جعلتك " (1).

3 - ويبدو أيضا أن عمر بن الخطاب قد سمع بأن أبي بن كعب قد روى حديثا عن رسول الله فأخذ عمر بمجامع أبي بن كعب وقال له:

" لتخرجن مما قلت!!! أي يجب أن تتنصل من رواية هذا الحديث!! وقاد أبي إلى المسجد، فأوقفه على حلقة من أصحاب الرسول، منهم أبو ذر، فقال أبو ذر: أنا سمعته أيضا من رسول الله، فأرسله " (2) وفي رواية أنه قال لأبي: " لتأتيني على ما تقول ببينة " (3).

4 - ضرب عمر أبا هريرة بالدرة وقال له: " قد أكثرت من الرواية، وأحر بك أن تكون كاذبا على رسول الله " (4).

5 - قال أبو هريرة: " ما كنا نستطيع أن نقول قال رسول الله حتى قبض عمر " (5) وكان أبو هريرة يقول: " لو كان عمر حيا لما سمح له برواية حديث رسول الله ولضربه بالدرة " (6).

6 - قال أبو هريرة: " لقد حدثتكم بأحاديث لو حدثت بها زمن عمر لضربني بالدرة " (7).

7 - قال أبو سلمة: " سألت أبا هريرة أكنت تحدث في زمن عمر

____________

(1) صحيح مسلم ج 3 ص 1694، وموطأ مالك ج 2 ص 964 بلفظ آخر والرسالة للشافعي ص 43.

(2) الطبقات الكبرى لابن سعد ج 4 ف 1 ص 13 - 14.

(3) تذكرة الحفاظ ج 1 ص 8.

(4) شرح النهج لابن أبي الحديد ج 4 ص 67، 68.

(5) البداية والنهاية لابن كثير ج 8 ص 107.

(6) تذكرة الحفاظ ج 1 ص 7، وجامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر ج 2 ص 121.

(7) جامع بيان العلم لابن عبد البر ج 2 ص 121.

 

 


هكذا؟ قال أبو هريرة لو كنت أحدث في زمان عمر مثل ما أحدثكم لضربني بمحففته " (1).

8 - وقال: " ما كنا نستطيع أن نقول قال رسول الله حتى قبض عمر " (2).

9 - قال الأحنف بن قيس: " أتيت الشام، فجمعت فإذا رجل لا ينتهي إلى سارية إلا فر أهلها منه، يصلي ويخفف صلاته، قال فجلست إليه، فقلت يا عبد الله من أنت؟ قال: أنا أبو ذر، فقال لي: من أنت، قال: قلت الأحنف بن قيس، قال: قم لا أعدك بشر، فقلت له: كيف تعدني بشر، قال: إن هذا - يعني معاوية - نادى مناديه ألا يجالسني أحد " (3) هذا أبو ذر الذي وصفه الرسول بأنه أصدق الناس لهجة، وخير من أقلت الغبراء وأظلت السماء!! وهذا ما يتعرض له من والي عمر على بلاد الشام بسبب إصراره على رواية سنة الرسول!!!

10 قال ابن الأثير: " كان الحجاج بن يوسف الثقفي قد ختم في يد جابر وفي عنق سهل بن سعد الساعدي وأنس بن مالك يريد إذ لا لهم، وأن يتجنبهم ولا يسمعوا منهم " (4).

الحبس:

1 - بعث عمر بن الخطاب إلى عبد الله بن مسعود وإلى أبي الدرداء وإلى أبي مسعود الأنصاري فقال: " ما هذا الحديث الذي تكثرون عن رسول الله، فحبسهم بالمدينة حتى استشهد " (5).

____________

(1) تذكرة الحفاظ ج 1 ص 7.

(2) البداية والنهاية لابن كثير ج 8 ص 107، وتدوين السنة الشريفة ص 486 - 487.

(3) الطبقات الكبرى لابن سعد ج 4 ص 168.

(4) أسد الغابة لابن الأثير ج 2 ص 472 الطبعة الحديثة ترجمة سهل، وتدوين السنة ص 478.

(5) الكامل لابن عدي ج 1 ص 18.

 

 


2 - إن عمر قال لابن مسعود ولأبي الدرداء ولأبي ذر: " ما هذا الحديث عن رسول الله، وأحسبه حبسهم بالمدينة حتى أصيب " (1).

3 - قال الذهبي: إن عمر حبس ثلاثة: ابن مسعود وأبا الدرداء وأبا مسعود الأنصاري فقال: " لقد أكثرتم الحديث عن رسول الله " (2).

4 - قال ابن عساكر: " ما خرج ابن مسعود إلى الكوفة ببيعة عثمان إلا من حبس عمر في هذا السبب " (3).

____________

(1) المستدرك للحاكم ج 1 ص 110 وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي في ذيل المستدرك، ومجمع الزوائد ج 1 ص 149.

(2) تذكرة الحفاظ للذهبي ج 1 ص 7.

(3) مختصر تاريخ دمشق ج 17 ص 101، وتدوين السنة الشريفة ص 437.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الإمام المهدي (عج) في روايات أهل السنّة
آثار الغيبة على الفرد والمجتمع وإفرازاتها
في شكر الله تعالى
تفضيل الصحابة كثيرة
أهمية التربية في الإسلام
تعدد المذاهب والفرق سمة وحالة لازمة ثابتة في ...
مراتب صلة الرحم
الصراع على السلطة بين الأصهب والأبقع
العلم و المال
ظروف ولادة الإمام المهدي (ع)

 
user comment