عربي
Saturday 27th of July 2024
0
نفر 0

فكيف يحرص النبي على إنجاح مشروع الهجرة وهو يعرض نفسه للقتل هكذا أمام الكفار، ويمشي أمامهم في النهار في طريقه إلى خارج مكة؟!

فكيف يحرص النبي على إنجاح مشروع الهجرة وهو يعرض نفسه للقتل هكذا أمام الكفار، ويمشي أمامهم في النهار في طريقه إلى خارج مكة؟! وكيف يمكن ذلك وقد كان الكفار يطلبونه ويلاحقونه في أي مكان وقد كانوا ليلتها قد أحاطوا بداره متقلدين سيوفهم عزماً على قتله! إن هذا يعني الانتحار! وهذا يضع علامة استفهام كبيرة على مسألة توجه النبي إلى بيت أبي بكر وانطلاقه من هناك صباحاً.

لقد كان من حرص النبي (صلى الله عليه وآله) على إنجاح الهجرة والتستر عن أعين المجرمين، أن طلب من المسلمين القليلين المتبقين في مكة عدم الهجرة في تلك الليلة التي سيهاجر فيها، مخفياً عنهم سبب طلبه. وكان من حرصه أن اختار وقت الهجرة ليلاً وفي نهاية شهر صفر لئلا يكون في السماء ضوء القمر فينكشف في الطرقات.

فبالنظر إلى هذه الحيطة والسرية الكاملتين؛ هل من المعقول أن يخرج النبي (صلى الله عليه وآله) صباحاً وأمام أعين المشركين؟! بالطبع لا.. لذا فما دامت الرواية تقول أنه قد خرج صباحاً من بيت أبي بكر فإنها تسقط تلقائياً.

2 - إن الرواية تتقاطع مع روايات أخرى، قد تبدو مضحكة بعض الشيء، حيث يُذكر أن النبي (صلى الله عليه وآله) خرج من بيته متوجهاً مباشرة إلى غار ثور، وفي تلك الأثناء ذهب أبو بكر إلى بيته فلم يجده، فسأل علياً (عليه السلام) فأخبره الإمام بأن النبي في طريقه إلى خارج مكة، فانطلق أبو بكر ليلحق بالنبي وقد كان يحمل جرساً معه، فعندما أدركه ظن النبي أن أبا بكر من المشركين فأسرع في المشي حتى يبتعد عنه، ولكن الله جعل شسع نعله ينقطع فانطلق إبهام رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالحجر وسالت منه الدماء، الأمر الذي أدى إلى توقف الرسول عن المسير اضطراراً، وعندئذ وصل أبو بكر إليه فاجتمع معاً وسارا خارج مكة! [تاريخ الطبري: ج2 ص 102].

إن هذه الرواية توضح جانباً من الكذب والبهتان، فكيف يمكن أن يدخل أبو بكر بيت رسول الله والحال أن البيت محاصر من قبل المشركين في تلك الليلة العصيبة ولم يكن يسمح لأي أحد بالخروج أو الدخول؟! وكيف له أن يسأل علياً (عليه السلام) وهذا معناه كشف الخطة النبوية لأنه سيتبين لدى المشركين أن هذا النائم ليس محمدا بل علي؟!

ثم كيف استطاع أبو بكر أن يعرف الزقاق الذي مر فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟! وكيف تمكن من تشخيص ورؤية النبي في ذلك الليل الدامس؟!

أما قضية فلق الإبهام وانقطاع شسع النعل فربما نحن لسنا بحاجة إلى الرد عليها! فليس مجرد دم يسير خارج من إبهام رسول الله (صلى الله عليه وآله) بجاعل إياه يتوقف عن إكمال مسيرته تجاه المدينة وتهديد مشروع الإسلام كله للخطر كون أحد المشركين يتعقبه.. لقد أُدمي النبي من رأسه إلى أخمص قدميه في رحلته لدعوة أهل الطائف إلى الإسلام عندما رموه (لعنهم الله) بالأحجار، ولكنه لم يتوقف عن أداء مهمته تلك، فكيف يتخلى عن أداء أعظم المهمات بهذه السهولة؟!

إن هذه من الأراجيف الواضحة التي تحاول أن تصور أن لأبي بكر منزلة كبيرة عند السماء حتى يجبر الله نبيه على التوقف بإيذائه وإسالة الدم منه!

إن هذا التناقض يثير علامة استفهام أخرى، فهل ذهب النبي إلى بيت أبي بكر ومن هناك اصطحبه معه، أم توجه مباشرة إلى خارج مكة وفي الطريق أدركه أبو بكر؟! أيهما نأخذ؟!

.. إذا تعارضتا تساقطتا.

3 - هناك شيء غريب في الرواية المزعومة، إذ تذكر أن أسماء بنت أبي بكر كانت موجودة في بيت أبيها عندما وصل النبي (صلى الله عليه وآله) إليه، وأنه استراح فيه قليلاً ثم أخذ أبا بكر معه، ومن بعد ذلك كانت أسماء تأخذ إليهما الطعام في الغار...

الغرابة هي في: كيف يمكن أن تكون أسماء في مكانين يبعد كل منهما عن الآخر آلاف آلاف الأميال في الوقت نفسه؟!

إن التاريخ يقول أن أسماء بنت أبي بكر كانت في تلك الفترة مع زوجها الزبير بن العوام في الحبشة!! [الثقات لابن حبان: ج 3 ص 23].

إن هذا يدلل على أن (صناعة حكومية) وراء قصة صحبة أبي بكر للنبي (صلى الله عليه وآله) في تلك الهجرة المباركة.

4 - هناك سؤال منطقي آخر هو: كيف يتوجه النبي (صلى الله عليه وآله) إلى بيت أبي بكر الذي كان يحوي المشركين؟! ألا يفترض به أن لا يتوجه إلى ذلك البيت بالذات حتى لا يكشفه أحد من هؤلاء المشركين؟!

إن بيت أبي بكر كان يضم كلاً من: ابنيه عبد العزى وعبد الله، وابنته عائشة، وأمهم أم رومان (نملة بنت عبد العزى) بالإضافة إلى أبيه أبي قحافة.

وتنص الروايات على أن عبد العزى بن أبي بكر كان: (كافراً عنيداً محارباً للإسلام)! [تاريخ ابن عساكر: ج 13 ص 280].

وكذلك تنص على أن أم رومان كانت كافرة، وقد طلقها أبو بكر بعد هجرته إلى المدينة عند نزول آية: (ولا تمسكوا بعصم الكوافر..)! وكذلك تنص على أن أبا قحافة - والد أبي بكر - كان كافراً أيضاً! [شرح النهج: ج 13 ص 268].

فهل يعقل أن يتوجه النبي إلى هذا البيت في هذه الليلة الخطيرة التي خططت فيها قريش لقتله ووأد حركة الهجرة؟! هل يعقل أن يلجأ النبي إلى الذين يحاربونه ويرصدونه؟! هل يعقل أن يتكلم في ذلك البيت عن الهجرة ويأخذ أبا بكر معه ولا يفترض أن أهله المشركين الموجودين في ذلك البيت سوف يكشفون الموضوع لرؤوس الكفر في قريش؟!

إن هذا يدلل على أن النبي لا يمكن أن يكون قد ذهب إلى بيت أبي بكر إطلاقاً. خاصة وأن عبد العزى بن أبي بكر كان من جملة الذين جندتهم قريش لملاحقة النبي (صلى الله عليه وآله).

5 - لقد أجمعت الروايات على أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد توجه من بيته إلى الغار وحيداً فريداً، وهذا أصل وجوهر الحادثة.[ مسند أحمد: ج 1 ص 331، المستدرك: ج 3 ص 133، فتح الباري: ج 7 ص 8، سنن النسائي: ج 5 ص 113، شواهد التنزيل: ج 1 ص 135].

والروايات الملفقة تقول بأن أبا بكر صحب النبي (صلى الله عليه وآله) في طريقه إلى الغار، ولكن ذلك يتناقض بشكل صارخ مع حقائق تاريخية ثابتة.

فعندما أخذ المشركون معهم دليلهم كرزبن علقمة الخزاعي لتتبع مسير رسول الله (صلى الله عليه وآله) والقبض عليه، رأى كرز آثار قدمي النبي فقال: (هذه قدم محمد المشابهة للقدم التي في المقام) ويقصد بها قدم إبراهيم الخليل (عليه السلام) في مقامه قرب الكعبة. [الإصابة: ج 5 ص 436، من له رواية في مسند أحمد لمحمد بن علي بن حمزة: ص 360، فتوح البلدان للبلاذري: ج 1 ص 64].

ومادام كرز لم يذكر مشاهدته لآثار قدمي أبي بكر، فإن الإشكال على صحبته للنبي في هجرته يتعاظم ويكبر.

والمثير أن عبد العزى بن أبي بكر كان من بين مجموعة المشركين الذين كانوا يلاحقون النبي (صلى الله عليه وآله) [طالع ترجمة عبد الرحمن عبد العزى بن أبي بكر في تاريخ ابن عساكر وأسد الغابة].

وذلك يعني أن عبد العزى الذي هو ابن أبي بكر نفسه، لم يتعرف على قدم أبيه، كما لم يتعرف عليها الدليل كرز الخزاعي. وهذا مما يزيد من الإشكال ويدلل على أن أبا بكر لم يصحب النبي أصلاً في تلك الرحلة.

6 - إن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) لم يؤثر عنه أي قول أو نص يثبت فيه وجود أبي بكر معه في الغار، ولو كان كذلك لحصل أبو بكر على منقبة عظيمة يستحق بها المديح والإطراء النبوي بينما لم نلحظ ذلك. أي لم نسمع بحديث يقول فيه النبي عن أبي بكر: (هو صاحبي في الغار) مثلاً بل على العكس من ذلك سمعنا النبي (صلى الله عليه وآله) يذمه في كثير من المواطن، فعندما تقدم أبو بكر للزواج من فاطمة (عليها السلام) رفضه، وعندما تقدم عمر رفضه أيضاً، ولكن عندما تقدم أمير المؤمنين (عليه السلام) وافق النبي (صلى الله عليه وآله) وقال له: (أنت لست بدجال) في تعريض واضح منه (صلى الله عليه وآله) بأبي بكر وعمر. [مجمع الزوائد: ج 9 ص 204، طبقات ابن سعد: ج 8 ص 12، الإصابة: ج 1 ص 374].

ولو كان أبو بكر حاضراً مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الغار، وقد نزلت فيه تلك الآية، لما عرض به النبي (صلى الله عليه وآله).

يضاف إلى ذلك أن معظم الروايات المنقولة عن صحبة أبي بكر للنبي في الغار، منقولة على لسان عائشة وأبي هريرة وأنس بن مالك وعبد الله بن عمر، وهؤلاء مشكوك في روايتهم لأنهم من المحسوبين على أبي بكر نفسه.

في المقابل لم نجد أحداً من معارضي أبي بكر، كسعد بن عبادة والزبير بن العوام والحباب بن المنذر ومالك بن نويرة وغيرهم من الصحابة، يقر بحضوره الغار، إذ لو كانوا يقرون بذلك لما عارضوا حكمه وتمردوا عليه ورفضوا مبايعته بدعوى أنه (أبو فصيل) أي الذي لا فضائل له أو لقومه.

7 - جاء في كتاب البداية والنهاية لابن كثير الأموي عن ابن جرير الطبري ما يؤيد هجرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى غار ثور وحده، فخاف ابن كثير من هذه الرواية الصحيحة الدالة على بطلان صحبة أبي بكر فارتجف قائلاً: (وهذا غريب جداً وخلاف المشهور من أنهما خرجا معاً)! [البداية والنهاية: ج3 ص 219، السيرة النبوية لابن كثير أيضاً: ج 2 ص 236].

8 - أجمعت الروايات على أن النبي (صلى الله عليه وآله) خرج وحيداً إلى الغار، وهناك سأل الله تعالى أن يبعث إليه من يدله على الطريق، فكان أن التقى النبي بالدليل عبد الله بن أريقط بن بكر حيث تذكر الروايات أن النبي قال له: (يا ابن أريقط.. أأتمنك على دمي؟ فقال ابن بكر: إذا والله أحرسك وأحفظك ولا أدل عليك. فأين تريد يا محمد؟ فقال (صلى الله عليه وآله): يثرب. قال ابن بكر: لأسلكن بك مسلكاً لا يهتدي فيها أحد). [المستدرك: ج 3 ص 133، فتح الباري: ج 7 ص 8، سنن النسائي: ج 5 ص 113، شواهد التنزيل: ج 1 ص 135].

فما دام هذا هو الثابت، أي أن النبي خرج مع ابن بكر - وليس أبا بكر - من الغار متوجهاً إلى يثرب (المدينة المنورة)، ومادامت جميع الروايات تذكر أن أهل المدينة وكذلك الذين يسكنون ما بين المدينة ومكة، لم يشاهدوا سوى شخصين اثنين فقط [الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 1 ص 230 ،سيرة ابن هاشم: ج 2 ص 100، عيون الأثر: ج 1 ص 248].

فإن ذلك يعني أن أبا بكر لم يكن مع النبي (صلى الله عليه وآله) في هجرته، لأن ذلك يتطلب أن يرى الناس ثلاثة أشخاص وليس شخصين فقط.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

دلالة آية المباهلة على إمامة عليّ (عليه السلام)
المهدي المنتظر في القرآن الكريم
محبة علي (عليه السَّلام) وآله
في التوحيد
مجالس تربية المجاهدين والشهداء
الریاضه فی الاسلام
إبراهيم ونصرة المختار
فطرة الله
مصري يخُط "أكبر نسخة من القرآن" بطول 700 متر
انقلاب الأمة على النبي صلى الله عليه وآله في ...

 
user comment