كان الإمام زين العابدين(عليه السلام) ملازماً للحجّ إلى بيت الله الحرام لأنّه كان يجد في مواقفه الكريمة انتعاشاً لنفسه التي أذابتها كوارث كربلاء، وكان(عليه السلام)يحثّ على الحجّ والعمرة وذلك لما يترتب عليهما من الفوائد فقد قال: «حجّوا واعتمروا تصح أجسادكم، وتتّسع أرزاقكم، ويصلح إيمانكم وتكفوا مؤونة الناس، ومؤونة عيالكم»([1]) .
وقال(عليه السلام) : «الحاج مغفور له، وموجوب له الجنّة، ومستأنف به العمل، ومحفوظ في أهله وماله»([2]) .
وقال(عليه السلام) : «الساعي بين الصفا والمروة تشفع له الملائكة»([3]) .
كما كان يدعو إلى تكريم الحجاج إذا قدموا من بيت الله الحرام وتبجيلهم، فقد قال: «يا معشر مَن لم يحجّ استبشروا بالحاج إذا قدموا وصافحوهم، وعظّموهم تشاركوهم في الأجر»([4]).
وقال أيضاً: «بادروا بالسلام إلى الحاج والمعتمرين ومصافحتهم من قبل أن تخالطهم الذنوب»([5]) ونعرض ـ بإيجاز ـ لبعض شؤونه في حجّه.
حجّه ماشياً
وحجّ الإمام(عليه السلام) غير مرّة ماشياً على قدميه كما حجّ أبوه، وعمّه الحسن(عليهما السلام)وقد استغرق الوقت في إحدى سفراته إلى البيت عشرين يوماً([6]) .
حجّه راكباً
وحجّ(عليه السلام) على ناقته عشرين حجّة، وكان يرفق بها كثيراً، ويقول المؤرخون: أنّه ما قرعها بسوط([7]) .
وقال إبراهيم بن عليّ: حججت مع عليّ بن الحسين فتلكأت ناقته فأشار إليها بالقضيب، ثمّ ردّ يده، وقال: «آه من القصاص»، وتلكأت عليه مرّة أُخرى بين جبال رضوى، فأراها القضيب، وقال: «لتنطلقنّ أو لأفعلنّ» ثمّ ركبها فانطلقت([8]) . لقد سمت نفسه إلى هذا المستوى من الرحمة والرأفة والرفق بالحيوان فلم يقرع ناقته بسوط ولم يفزعها، وكان يرى أنّ الاعتداء على الحيوان يتبعه قصاص ومسؤولية في دار الآخرة.
مرافقة القرّاء له
كان الإمام(عليه السلام) إذا أراد السفر إلى بيت الله الحرام احتفّ به القرّاء والعلماء لأنّهم كانوا يكتسبون منه العلوم، والمعارف، والحكم والآداب، يقول سعيد بن المسيّب: إن القرّاء كانوا لا يخرجون إلى مكّة حتى يخرج عليّ بن الحسين، فخرج وخرجنا معه ألف راكب([9])وكانوا يتعلّمون منه مسائل الحجّ، وأحكام الدين، وسائر شؤون الشريعة الإسلاميه، إذ لم يكن في عصره ـ بإجماع المؤرخين والرواة ـ من هو أعلم منه بأحكام الكتاب والسنّة.