عربي
Friday 17th of May 2024
0
نفر 0

الاجماع

الاجماع

يجد الباحث في مسألة الاجماع أمامه الحقائق التالية:

أن مسألة الاجماع محل خلاف بين الفقهاء..

أن الاجماع لم يتحقق في فترة من فترات التاريخ الإسلامي بل هناك استحالة لوقوعه..

أن هناك صورا من الاجماع تثير الشك..

أن الاجماع يبرز بشكل صارخ في المسائل المتعلقة بالسياسة وعقائد القوم إن معنى وقوع الاجماع بالصورة التي يحاول القوم إبرازها. معناه عدم وجود أية أطراف أو اتجاهات مخالفة لا تجاههم. والواقع لا يشهد بذلك..

فهناك من الصحابة والتابعين من التزم بنهج الإمام وشذ عن الخط السائد خط القوم وهناك الخوارج..

وهناك المعتزلة..

وهناك سائر الفرق الأخرى..

وكل فرقة من هذه الفرق كانت لها شعبيتها وسط المسلمين. وهي تتبنى أطروحة مخالفة لخط القوم.. فأي إجماع ذاك الذي يتحدثون عنه؟..

والإجابة هي إجماع أهل السنة أو الخط السائد من الحكام والفقهاء على عدة قضايا ومفاهيم تحقق الاستمرارية والسيادة لأطروحة القوم..

 

 


فهم أجمعوا على خلافة الأربعة: أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي..

وأجمعوا على عدالة جميع الصحابة بلا استثناء..

وأجمعوا على طاعة الحكام وعدم منابذتهم والخروج عليهم..

وأجمعوا على صحة كتابي: البخاري ومسلم..

وأجمعوا على صحة مصحف عثمان..

هذا هو الاجماع. وهذه هي حقيقته. إنه إجماع خاص بالقوم وليس بالأمة.

وهو إجماع مصيري بالنسبة لهم إذ الخروج عليه معناه هدم عقائدهم ومفاهيمهم.

ولولا هذا الاجماع ما استطاع القوم إقناع المسلمين والأجيال اللاحقة بتبني خطهم وأطروحتهم..

إن المتأمل في الأطروحة الإسلامية المعاصرة سوف يكتشف أنها تقوم على فكرة الاجماع وليس على النصوص مما يعد صورة من صور تغلب الرجال على النصوص..

والهدف من فكرة الاجماع هو نفس الهدف من فكرة العدالة كلاهما يدفع بالأمة إلى الاستسلام للخط السائد وإضفاء المشروعية عليه. وكما أن فكرة العدالة من اختراع السياسة فإن فكرة الاجماع أيضا من اختراع السياسة..

ولقد استخدمت فكرة الاجماع كسلاح يتم إشهاره في وجه المناوئين والرأي الآخر وعلى أساسه تم تصفية الاتجاهات المخالفة وعزلها. وما كان ذلك ليتم لولا دعم الحكام الذين وجدوا في هذه الفكرة عونا ومستندا لهم..

ومسألة الاجماع على خلافة الأربعة لا تخرج عن كونها لعبة سياسية الهدف من ورائها ضرب خط آل البيت. فكون الإمام علي يكون في المؤخرة ويقدم عليه عثمان رأس بني أمية في الحكم ومن قبل عثمان عمر ومن قبل عمر أبو بكر. فإن هذا يعني أن هؤلاء الثلاثة أفضل منه. وما داموا أفضل منه فهذا يعني أنه غير مميز وليس بصاحب مكانة خاصة. وإذا ما وصل المسلم لهذا الإعتقاد فسوف يستخف بآل البيت ولا يعبأ بهم. وهذا هو الهدف من وراء هذا المعتقد..

وما يثير الشك هو تشدد القوم في هذا الإعتقاد ورفعهم شعار الزجر والوعيد

وسوء العاقبة لمن يخالفه فمن ثم هم جعلوه من أصول الإعتقاد في كتبهم حيث تنص عقائدهم على ما يلي: ونثبت الخلافة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أولا لأبي بكر تفضيلا له وتقديما على جميع الأمة ثم لعمر بن الخطاب. ثم لعثمان بن عفان ثم لعلي بن أبي طالب. وهم الخلفاء الراشدون والأئمة المهديون (1)..

ويقول ابن تيمية: إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ويثلثون بعثمان ويربعون بعلي واستقر أمر أهل السنة على تقديم عثمان على علي. ومسألة تقديم عثمان على علي ليست من الأصول التي يضلل المخالف فيها عند جمهور أهل السنة لكن التي يضلل فيها مسألة الخلافة وذلك أنهم يؤمنون أن الخليفة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أبو بكر وعمر ثم عثمان وعلي ومن طعن في خلافة أحد من هؤلاء فهو أضل من حمار أهله (2)..

ويقول خليل هراس: وأما مسألة الخلافة فيجب الإعتقاد بأن خلافة عثمان كانت صحيحة لأنها كانت بمشورة من الستة الذين عينهم عمر ليختاروا الخليفة من بعده. فمن زعم أن خلافة عثمان كانت باطلة وأن عليا كان أحق بالخلافة منه فهو مبتدع ضال يغلب عليه التشيع مع ما في قوله من إزراء بالمهاجرين والأنصار (3)..

وقد تحصن القوم بحديث منسوب للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ (4)..

ولقد بحثت كثيرا في هذه المسألة وتتبعت جذورها حتى توصلت إلى النتائج التالية:

أن هذا الترتيب الرباعي من اختراع السياسة وليس له ما يدعمه من النصوص...

أن وضع الإمام علي وراء الثلاثة كان بهدف التستر به حتى لا يشك في هذا الاعتقاد..

أن الخلفاء الثلاثة ليسوا أصحاب سنة واحدة وإنما كل منهم له سنته المختلفة عن الآخر..

 

 


أن سنة الإمام علي تختلف عن سنة الثلاثة..

أن القوم اقتدوا بالثلاثة دون الإمام علي..

أن الخلفاء الثلاثة قد مهدوا لبني أمية..

أن المحافظة على هذا الترتيب الرباعي هو محافظة على خط بني أمية..

ومن هنا يتبين لنا أن محاولة هدم هذا الإعتقاد سوف يؤدي إلى ضرب شرعية بني أمية حيث أن ضرب أبي بكر سوف يؤدي إلى ضرب عمر. وضرب الثاني سوف يؤدي إلى ضرب الثالث عثمان. وضرب عثمان سوف يؤدي إلى ضرب معاوية. فكل منهم يستمد شرعيته من الآخر. فأبو بكر عين عمر وعمر عين معاوية ومهد لعثمان وعثمان دعم معاوية وقواه أن ضرب هؤلاء الثلاثة سوف يؤدي إلى نصرة آل البيت فهم بديل هؤلاء لأنه سوف يؤدي إلى نقض فكرة العدالة وفكرة الاجماع وبالتالي سقوط أطروحة القوم بأكملها ومن ورائها يتساقط الحكام الذين ارتبطت مصائرهم بها..

وعلى فرض صحة حديث " عليكم بسنتي " وهو ما يتحصن به القوم في تبرير هذا الإعتقاد. فإننا نوجه إلى القوم السؤال التالي: أين سنة علي؟..

إن سنة علي لا وجود لها في أطروحة القوم وهذا وحده كاف للشك في هذه الرواية وسبب آخر من أسباب الشك هو أن هذه الرواية لم يروها البخاري أو مسلم وهما الكتابان محل إجماع القوم. واعتمادهم على هذه الرواية يعد نقضا لإجماعهم هذا. كما نقضوا إجماعهم من قبل بالاعتماد على حديث الفرقة الناجية الذي طبقوه على أنفسهم فهو لم يرو من البخاري أو من مسلم..

إن رفع مكانة هؤلاء الثلاثة إنما كانت على حساب الإمام علي. ومحاولة رفع الإمام على إنما سوف تكون على حساب الثلاثة..

ومن هنا كانت المفاصلة فالذين ساروا على نهج الثلاثة تحالفوا مع بني أمية..

والذين ساروا على نهج الإمام نبذوا بني أمية..

وهناك رواية في البخاري تدعم رؤيتنا هذه في مسألة الخلفاء الثلاثة تقول الرواية: كنا نخير بين الناس في زمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فنخير أبا

 

 


بكر ثم عمر ثم عثمان (5) ولا ذكر لعلي فيها..

وفي رواية أخرى: كنا لا نعدل بأبي بكر أحدا ثم عمر ثم عثمان ثم نزل أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلا نفاضل بينهم (6)..

وهذه الرواية الأخيرة لا تحتاج إلى تعليق..

ويبدو أن القوم تبين لهم أن الاجماع غير كاف لإقناع المسلمين بهذا المعتقد فقرروا استنطاق الإمام علي نفسه والحصول على إقرار شخصي منه بصحة هذا الإعتقاد..

يروي البخاري عن محمد بن الحنفية قال: قلت لأبي: أي الناس خير بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: أبو بكر. قلت: ثم من؟ قال:

عمر. وخشيت أن يقول عثمان. قلت ثم أنت؟ قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين (7)..

وبالطبع لا بد للقوم أن يضيفوا لمعتقداتهم الإعتقاد بصحة روايات البخاري ومسلم من دون بقية كتب السنن والإجماع على ذلك حتى يتم تبرير هذا الموقف.

فأي محاولة للمساس بالبخاري ومسلم سوف تهدم معتقدات القوم التي هي من الأساسي مستمدة من هذين الكتابين.. ومن هنا تبرز لنا سر الحرب الضروس التي شنت على من يحاول التشكيك في البخاري أو مسلم في الماضي والتي لا تزال تشن حتى اليوم (8)..

ومن أبرز عوامل الشك في فكرة الاجماع. إجماع القوم على طاعة الحكام وعدم منابذتهم والخروج عليهم على الرغم من مفاسدهم وانحرافاتهم وكفرهم في أحيان كثيرة. فهذا الاجماع تفوح منه رائحة السياسة بشكل فاضح. وهو يدفع إلى الإعتقاد بأن جميع صور الاجماع الأخرى هي من صنع السياسة أيضا. كذلك الروايات التي تدور حول هذه المسألة..

ولقد حذر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الكذب عليه واختلاق الأحاديث على لسانه وهذا التحذير إن دل على شئ فإنما يدل على أن هذا الأمر سوف يحدث في واقع الأمة..

يروي مسلم عن علي قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا

 

 


تكذبوا علي فإنه من يكذب علي يلج النار. وفي رواية أخرى يقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): إن كذبا علي ليس ككذب على أحد. فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار (9)..

وهذا الحديث الذي بلغ درجة التواتر عند القوم كم يدفع بهم إلى إعادة النظر وتمحيص هذا الكم من الروايات المنسوبة للرسول. فهم يعتقدون سبرا مع مبدأ الاجماع بعدالة جميع الصحابة فمن ثم فإن مسألة الكذب لا تطولهم وأنما تطول من بعدهم من الرواة من التابعين أو تابعي التابعين. هؤلاء فقط الذين من الممكن أن ينطبق عليهم الكذب على الرسول.. ومثل هذا المبدأ قد شكل حاجزا يحول دون نقد الأحاديث حتى عن طريق السند. فما دامت قاعدة الجرح والتعديل لا تطول الصحابي فمن ثم يمكن وقف كثير من الأحاديث عليهم وتبني كل ما ينسبونه للرسول من قول أو فعل أو تقرير دون حرج. ومن جهة أخرى سوف ينعكس هذا المبدأ على الرواة بصورة إيجابية إذ سوف يجعل التعديل مقدما على الجرح. إذ أن الصحابة على الرغم مما فعلوه من فتن وما وقعوا فيه من خلاف وصدامات وانحرافات هم عدول. فكيف يكون حال الرواة إذن على ضوء هذا التصور؟..

لا شك أنه سوف يكون هناك تساهل في تمحيصهم..

ومن هنا يتبين لنا سر عدم تركيز القوم على السلوك السياسي كالتعامل مع الحكام وقتل المسلمين والسلوك الاجتماعي كالبخل والخلق المعوج وسرعة الغضب في حياة الراوي وحصر دائرة التركيز في محيط الصدق والأمانة وحدها. وذلك لكون التركيز على السلوك السياسي والاجتماعي سوف يتناقض مع عدم التركيز على هذا السلوك في حياة الصحابة..

لقد ألقت السياسة بظلالها على علم الحديث عند القوم. وأصبحت الأمة تتلقى أحاديث الرسول من الخوارج والفساق وقتلة أبناء الرسول..

 

 


____________

(1) - العقيدة الطحاوية.

(2) - العقيدة الواسطية.

(3) - شرح العقيدة الواسطية.

(4) - رواه الحاكم.

(5) - البخاري كتاب فضائل الصحابة. باب فضل أبي بكر.

(6) - المرجع السابق.

(7) - المرجع السابق.

(8) - أنظر كتاب السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي للسباعي. وكتاب أبو هريرة راوية الإسلام لعجاج. وكتاب: أبو هريرة وأقلام الحاقدين وغيره. وهي كتب كتبت للرد على من تعرض للأحاديث النبوية.

(9) - مسلم (ج 1).

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

هدم قبور البقيع اکبر جريمة في تاريخ الوهابية
العاشر من ربيع الثاني..ذكرى وفاة السيدة فاطمة ...
المرأة في الإسلام ومن خلال نهج البلاغة – الثاني
أنواع التجلي الاِلَهي
العلامات التي تسبق مباشرة ظهور الإمام المهدي
يا ليتَنا كنّا مَعكم
في فضل ليلة الجمعة ونهارها وأعمالها
لها روضة في أرض قم مزارها يشعشع نوراً صاعداً ...
الإمامة من خلال حديث الإمام الصادق(عليه السلام)
الإمام الباقر في رحاب العلم والعلماء

 
user comment