عناصر ديمومة التشريع
تمهيد.
يعتبر عنصر العمومية والشمول الذي تتميز به تعاليم الشريعة الاسلامية الخاتمة من ابرز العناصر والـمـقـومـات الـتـي تمنح هذه الشريعة المقدسة قابلية الديمومة والبقاومواكبة السلوك الانساني المتحرك والمتغير باستمرار.
فقد اريد لهذه الشريعة ان تمتد في افق الحياة الى حيث اللحظات الاخيرة , وتلبي جميع احتياجاتها , وتـستوعب مختلف ابعادها , بالرؤية الواضحة , والتكليف المشخص ,والموقف العملي المحدد , من خـلال الـمـفاهيم والاحكام المتنوعة التي عالجت جميع جوانب الوجود , ودخلت في كل تفاصيله , انطلاقا من كون الشريعة الاسلامية هي الشريعة الخاتمة , وهي الشريعة الشاملة , قال تعالى :
( اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا ) ((1)) .
وقال ايضا : ( وانزلنا اليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه ) ((2)) .
فيترشح على اساس ذلك جوهر الاهداف التي تكمن ورا بعثة النبي الاكرم (ص )برسالته الخاتمة , والـتـي تـتمثل بتنظيم حياة الانسان , وتقنين حركته , وبرمجة تصرفاته وتعاملاته المختلفة , مع نـفـسه ومع اسرته , ومع مجتمعه , ومع خالقه .. بما يضمن سيره في طريق الكمال , واتجاهه نحو السعادة الابدية , والخلود الدائم , والنعيم المقيم , الذي خلق الانسان من اجل بلوغه وادراكه , فهو الـكـائن الاجـتـمـاعـي الذي ياتلف مع باقي البشر من ابنا جنسه , وينصهر معهم في مختلف الرؤى والاهداف , فيشكل بذلك جزا فاعلا في المجتمع الذي ينتمي اليه , ويحقق من خلال السلوك المتزن , والهدي الاسلامي الرفيع امل الرسالة المعقود عليه , وهو الطاعة والعبادة للّه وحده , قال تعالى :
( وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون ) ((3)) .
ولـنا ان نقطع بان سر هذا الشمول والاستيعاب يكمن في انبثاق هذه التعاليم والقوانين التشريعية من عـالـم الغيب والكمال المطلق , واتصالها بالقدرة الالهية المهيمنة على هذا الكون , والمدركة لجميع مصالحه ومفاسده بكل تفصيل .
كـمـا ان الـيد الالهية هي التي تقف ورا حفظ هذه التعاليم والذب عنها الى آخرلحظة في الوجود , يقول اللّه عز شانه :
( انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون ) ((4)) .
اذن فهناك عنصران رئيسيان يقفان ورا ديمومة وبقا الشريعة الاسلامية المقدسة في حياة الانسان , وهـمـا : اسـتـيـعـاب مـساحة التطبيق , وغيبية النشؤ , وهذا الامرنجده مفقودا في كل القوانين والانظمة والنظريات الوضعية التي حاولت معالجة مشكلة الكون والانسان , وسعت الى رسم المسار الـصـحـيـح لـلـبشرية , وتشخيص الوضع الامثل لها , لانها تفتقد لكلا العنصرين المتقدمين , فهي محدودة ضمن اطار المكان الذي تتحرك عليه , والزمان الذي تطبق فيه من جانب , ومن جانب آخر نـرى انـها ناشئة من معطيات العقل البشري القاصر الذي ينحصر عطاؤه في حدود ظرف الامكان , ولا يتعدى ذلك الى حيث التمامية والكمال .
والتجربة الانسانية غنية بمثل هذه الطروحات الوضعية التي ما انفكت تتهاوى الواحدة تلو الاخرى امـام تـيار الزمن المتجدد , والتطلعات الانسانية الصاعدة ,فهي ما برحت تعاني من الانكفا والتخلف ومـواكبة الواقع المتغير , وتتعرض الى الاصلاح والترقيع والترميم على مدى الازمنة المتعاقبة , ولكن دون جدوى , قال تعالى :
( افلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير اللّه لوجدوا فيه اختلافاكثيرا ) ((5)) .
فـالـقـوة الـغيبية المطلقة اذن هي صاحبة الدور الوحيد في صياغة الرؤية الاسلامية المحددة الى مـخـتـلـف الوقائع والاحداث التي تكتنف بها الحياة , وهي التي تحدد للسوك الانساني طبيعة سيره وحركته ضمن مفردات هذا الكون الواسع .
وقـد كـان الـقـرآن الـكريم هو المجسد الاول لهذه الغاية , والملبي الامثل لذلك الغرض المرتجى والـهـدف المرسوم , نظرا لما اشتمل عليه من انظمة وقوانين واحكام تملا جميع مساحات الواقع , وتـسـتجيب لمختلف متطلباته واحتياجاته , فلا تبقى واقعة في الحياة تخلو من حكم , ولا يمكن ان تعترض الانسان مشكلة في طريق سعادته وكماله الا وتجدلها الحل بين طيات الكتاب الكريم , قال تعالى :
( ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شي وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين ) ((6)) .
وقال تعالى : ( ما فرطنا في الكتاب من شي ) ((7)) .
وجـات الايات الكثيرة تامر المسلمين باتباع القرآن الكريم , واسترشاده ,والاستلهام منه , كما قال تعالى :
( وهذا كتاب انزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون ) ((8)) .
وقال تعالى : ( اتبعوا ما انزل اليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه اوليا قليلاما تذكرون ) ((9)) .
هـذا هـو الـخط التشريعي الاول المتصل بالسما , واما الخط الثاني الذي يكمل شوطهذه المهمة , ويتناول تفاصيلها باستيعاب , فهو عبارة عن سنة النبي الاكرم (ص ) واهل بيته الطاهرين (ع ) , قولا وفـعـلا وتـقـريـرا , حـيـث الـتـجـسيد العملي الامثل لتلك التعاليم القرآنية , والتوضيح المتمم للخصوصيات والتفاصيل الجزئية التي انطوت عليهاعموميات الكتاب الكريم , اذ ان من المفترض ان يتناول الكتاب الكريم اصول التشريع الاسلامي , وخطوطه العامة , دون الجزئيات والتفاصيل , فقد قال تعالى :
( وانزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم ولعلهم يتفكرون ) ((10)) .
وقـد قـرن اللّه تـعـالـى فـي كـتابه الكريم طاعة الرسول بطاعته , مقررا ان كل واحد من هذين المصدرين يكمل الاخر , ويوضح معالمه , كما قال تعالى :
( قل اطيعوا اللّه والرسول فان تولوا فان اللّه لا يحب الكافرين ) ((11)) .
وقال تعالى : ( واطيعوا اللّه والرسول لعلكم ترحمون ) ((12)) .
وقال تعالى : ( يا ايها الذين آمنوا اطيعوا اللّه ورسوله ولا تولوا عنه وانتم تسمعون ) ((13)) .
وقال تعالى : ( ومن يطع اللّه ورسوله ويخش اللّه ويتقه فاولئك هم الفائزون ) ((14)) .
وقال تعالى ( ومن يطع اللّه ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ) ((15)) .
وقـال تـعالى : ( يا ايها الذين آمنوا اطيعوا اللّه واطيعوا الرسول واولى الامرم نكم فان تنازعتم في شـي فـردوه الـى اللّه والـرسـول ان كـنـتم تؤمنون باللّه واليوم الاخرذلك خير واحسن تاويلا ) ((16)) .
وقـال تـعالى : ( قل اطيعوا اللّه واطيعوا الرسول فان تولوا فانماعليه ماحمل وعليكم ما حملتم وان تطيعوه تهتدوا وما على الرسول الا البلاغ الم بين ) ((17)) .
كـمـا تظافرت الايات على ضرورة احترام شخصية الرسول الاكرم (ص ) ,وتبجيله , وتوقيره , ونصرته , واتباع سيرته وسلوكه , كما في قوله تعالى :
( لقد كان لكم فى رسول اللّه اسوة حسنة ) ((18)) .
وقوله تعالى : ( الذين يتبعون الرسول النبي الامي الذي يجدونه مكتوباعندهم في التوراة والانجيل يـامـرهـم بـالـمـعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم اصرهم والاغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي انزل معه اولئك هم المفلحون # قل يا ايها الناس اني رسول اللّه اليكم جميعا الذي له ملك السموات والارض لا اله الا هو يحي ويميت فمنوا باللّه ورسوله النبي الامي الذي يؤمن باللّه وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون ) ((19)) .
وقـال تـعالى مخاطبا نبيه الكريم (ص ) : ( قل ان كنتم تحبون اللّه فاتبعوني يحببكم اللّه ويغفر لكم ذنوبكم واللّه غفور رحيم ) ((20)) .
كـمـا ورد التحذير في الكتاب الكريم عن مخالفة اوامر الرسول (ص ) والخروج عن جادة السعادة الـتي اختطها للبشرية بعنائه , وجهاده , وصبره على ادا الرسالة السماوية المقدسه , كما في قوله تعالى :
( لا تـجـعلوا دعا الرسول بينكم كدعا بعضكم بعضا قد يعلم اللّه الذين يتسللون منكم لواذا فليحذر الذين يخالفون عن امره ان تصيبهم فتنة اويصيبهم عذاب اليم ) ((21)) .
وجـات الاحـاديث عن النبي الاكرم (ص ) لتؤكد على نفس هذا المعنى , وتحث المسلمين على اتباع سنته وتحذر من مخالفته , فقد ورد عنه (ص ) انه قال :
(( من تمسك بسنتي في اختلاف امتي كان له اجر مائة شهيد )) ((22)) .
وعنه (ص ) انه قال :
(( كـل امـتي يدخلون الجنة الا من ابى الجنة , ومن عصاني فقد ابى )) ((23)) .
وعنه (ص ) انه قال :
(( سـتة لعنتهم لعنهم اللّه وكل نبي مجاب : المكذب بقدر اللّه , والزائد في كتاب اللّه ,والمتسلط بـالـجـبروت يذل من اعز اللّه ويعز من اذل اللّه , والمستحل لحرم اللّه , والمستحل من عترتي ما حرم اللّه , والتارك لسنتي )) ((24)) .
وعنه (ص ) انه قال :
(( ما امرتكم به فخذوه وما نهيتكم عنه فانتهوا )) ((25)) .
وقال (ص ) : (( لا قول الا بعمل , ولا قول ولا عمل الا بنية , ولا قول ولا عمل ولانية الا باصابة السنة )) ((26)) .
وعن ابي جعفر الباقر(ع ) انـه قال :
(( ان الـفـقـيـه حـق الـفقيه : الزاهد في الدنيا , الراغب في الاخرة , المتمسك بسنة النبي (ص ) )) ((27)) .
وجا في ( نهج البلاغة ) عن امير المؤمنين (ع ) انه قال :
(( اقتدوا بهدي نبيكم فانه افضل الهدي , واستنوا بسنته فانها اهدى السنن )) ((28)) .
وفـي الحقيقة ان قضية اتباع سنة الرسول الاكرم (ص ) تعد من القضايا البديهية التي يقوم عليها عود الاسـلام , وتـرتـكـز عـلـى اساسها مجمل تعاليمه واحكامه , حتى اصبح اصل اتباع سنة الرسول الاكـرم (ص ) مـوردا لاجـمـاع المسلمين على الاطلاق , وان كان هناك اختلاف بينهم في طريقة الاخذ بالسنة وشروط ذلك .
ومـن الـمقطوع به ان انكار هذا المعنى الشرعي بخصوص السنة النبوية يساوق انكار الاسلام من الاسـاس , وعدم الايمان باهم اولياته ومرتكزاته , لان هذا المصدريعتبر عصب الحياة بالنسبة الى الـشـريعة الاسلامية , ويشكل القاعدة الثانية للتشريع بعد القرآن الكريم , ولولا السنة النبوية لما امكننا ان نفهم احكام الشريعة ,ونعي مقاصدها الحقيقية بشكل مطلق .
وقـد ورد فـي الاحاديث ان المخالف لسنة النبي الاكرم (ص ), والمتحدي لها يعدخارجا عن دائرة الايـمـان بـاللّه , فضلا عن المنكر لها من الاساس , فقد ورد عن ابي عبداللّه الصادق (ع ) في امر التشديد على مخالفة السنة النبوية انه قال :
(( م ن خالف كتاب اللّه وسنة محمد(ص ) فقد كفر )) ((29)) .
وورد عنه (ع ) ايضا انه قال :
(( لـو ان قـومـا عـبدوا اللّه وحده لا شريك له , واقاموا الصلاة , وآتوا الزكاة ,وحجوا البيت , وصـاموا شهر رمضان , ثم قالوا لشي صنعه اللّه تعالى : الا صنع خلاف الذي صنع , او وجدوا ذلك فـي قلوبهم , لكانوا بذلك مشركين , ثم تلا قوله تعالى : ( فلاوربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شـجـر بـيـنـهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مماقضيت ويسلموا تسليما ) ((30)) , ثم قال ابو عبداللّه (ع ) وعليكم بالتسليم )) ((31)) .
وهكذا الامر بالنسبة الى سنة اهل البيت (ع ) الذين اذهب اللّه عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا , فهي الامـتـداد الـشرعي لسنة النبي الاكرم (ص ) , والسبيل المتمم للشوط الذي بدا به (ص ) , وقد دل عليها الكتاب الكريم , ودلت عليها السنة النبوية الشريفة .
وفي الحقيقة ان منصب الامامة الذي يتقلده اهل البيت (ع ) منصب يتاهل له المعصوم عن طريق النص , لـيكمل مسيرة النبوة , وشوط الرسالة , ويتحمل اعباهابامانة واخلاص , ولا يصح بحكم العقل ان يـتـرك الـنـبـي (ص ) امـته من دون ولي وقيم عليها, وقد ورد النص بتعيين الولي من بعد رسول اللّه (ص ) فـي الـقـرآن الـكريم في عدة مواضع اتفق على شان نزولها الفريقان وذكروها بالطرق الصحيحة المعتبرة في كتب الحديث ,منها قوله تعالى :
( انـمـا ولـيـكـم اللّه ورسـولـه والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة و هم راكعون ) ((32)) .
وقوله تعالى : ( اطيعوا اللّه واطيعوا الرسول واولي الامر منكم ) ((33)) .
وقوله تعالى : ( انما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا ) ((34)) .
وامـا الـسـنة , فقط طفحت الكتب الحديثية منها بالروايات المتواترة والمستفيضة على لسان رسول اللّه (ص ) فـي مـقـام تـعـيـيـن الولي من بعده , والوصية الصريحة له بالخلافة ,وبيان منزلة اهل البيت (ع ) , وانهم اولى الناس بالرسالة , واجدرهم بحملها , والحث الاكيد على اتباعهم , والتمسك بـسـيرتهم , والسير على هداهم , وبينت ان هذا الامر من تمام النعمة وكمال الدين , فقرنهم رسول اللّه (ص ) بالكتاب العزيز الذي لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه , وخلفهم شهدا على الامة , وادلا عـلى الطريق , من خلال جملة كبيرة من الاحاديث التي جات بها كتب الفريقين , ونحن نذكر من بين هذه الاحاديث الكثيرة التي دلت على تعيين الولي من بعد الرسول (ص ) ثلاثة احاديث فقطعلى سبيل المثال , ونشير الى بعض مصادرها في كتب العامة :
1 ـ حديث الدار : روى ابن الاثير والطبري وغيرهما من المؤرخين عن علي (ع ) ما مفاده : انه لما نـزل قوله تعالى : ( وانذر عشيرتك الاقربين ) ((35)) امر رسول اللّه (ص )عليا(ع ) ان يصنع صاعا من الطعام , ويجعل عليه رجل شاة , ويملا عسا من لبن , ويجمع بني عبد المطلب , وهم يومئذ اربعون رجلا , يزيدون رجلا او ينقصونه , فيهم اعمامه ابوطالب وحمزة والعباس وابو لهب .
فـاجتمعوا واكلوا وشربوا , وبعد ان انتهوا اراد رسول اللّه (ص ) ان يكلمهم الا ان ابا لهب قاطعه , وتفرق القوم .
فدعاهم رسول اللّه (ص ) مرة اخرى , وصنع لهم ما صنع في المرة الاولى , ثم تكلم وقال :
يا بني عبد المطلب اني واللّه ما اعلم شابا في العرب جا قومه بافضل مما جئتكم به , قد جئتكم بخير الـدنـيـا والاخـرة , وقد امرني اللّه تعالى ان ادعوكم اليه , فايكم يؤازرني على هذا الامر على ان يكون اخي ووصي وخليفتي فيكم ؟.
فـاحـجم القوم عنها جميعا , ـ يقول علي (ع ) ـ قلت واني لاحدثهم سنا , وارمصهم عينا , واعظمهم بطنا , واحمشهم ساقا:
انا يا نبي اللّه اكون وزيرك عليه .
فاخذ برقبتي ثم قال :
ان هذا اخي ووصيي وخليفتي فيكم , فاسمعوا له واطيعوا.
فقام القوم يضحكون ويقولون لابي طالب : قد امرك ان تسمع لابنك وتطيع )) ((36)) .
2 ـ حديث الثقلين : قال رسول اللّه (ص ):
(( انـي تـارك فـيـكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدي , احدهما اعظم من الاخر :كتاب اللّه حبل مـمـدود من السما الى الارض , وعتري اهل بيتي , ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض , فانظروا كيف تخلفوني فيهما )) ((37)) .
3 ـ حديث الغدير : روي عن رسول اللّه (ص ) عند نزول قوله تعالى : ( يا ايهاالرسول بلغ ما انزل الـيـك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته واللّه يعصمك من الناس ..) ((38)) انه (ص ) اخذ بيد عـلـي (ع ) عـنـد غـديـر خم , بعد العودة من حجة الوداع قائلا امام حشود المسلمين الذين كانوا يرافقونه المسير:
ايها الناس الست اولى منكم بانفسكم ؟.
قالوا : بلى يا رسول اللّه , قال :
م ن كنت مولاه فهذا علي مولاه , اللهم وال من والاه , وعاد من عاداه , وانصرمن نصره , واخذل من خذله , وادر الحق معه كيفما دار ..)) ((39)) .
والاحـاديـث فـي هـذا الـمـجـال متواترة وكثيرة , وقد ذكرتها الكتب المختصة بهذا الشان , واما الاحـاديـث التي حددت هوية اهل لبيت (ع ) , وذكرت عددهم , وشخصتهم من بين المسلمين , فهي مذكورة في مضانها ايضا , وسناتي على قسم منها في لاحق دراستنا هذه ان شا اللّه تعالى .
وبهذا تتظافر نظرة الاسلام الى جميع جوانب الوجود وابعاده , ويبقى التشريع الالهي ملازما لحياة الانـسـان , ضـمـن دائرة الغيب , وفي اطار الاستلهام المباشر وغيرالمباشر من السما , فالطريق الـمـباشر يتمثل بسنة النبي الاكرم (ص ) , الذي اختصه اللّه تعالى بالوحي , وتميز بذلك دون اهل الـبـيـت (ع ) , فـقـد قـال تـعالى بشان نبيه الكريم : ( وماينطق عن الهوى # ان هو الا وحي يوحى ) ((40)) .
وقال تعالى على لسان نبيه (ص ) : ( ان اتبع الا ما يوحى الى وما انا الا نذيرمبين ) ((41)) .
والطريق غير المباشر هو سنة اهل البيت (ع ) فقد جا عن ابي عبداللّه الصادق (ع )انه قال :
(( حـديـثي حديث ابي , وحديث ابي حديث جدي , وحديث جدي حديث الحسين ,وحديث الحسين حـديـث الـحـسـن , وحـديـث الحسن حديث امير المؤمنين , وحديث اميرالمؤمنين حديث رسول اللّه (ص ) , وحديث رسول اللّه (ص ) قول اللّه عزوجل )) ((42)) .
وورد عن سماعة انه قال : قلت لابي الحسن موسى (ع ) : اكل شي في كتاب اللّه وسنة نبيه (ص ) او تقولون فيه ؟ قال (ع ):
(( بل كل شي في كتاب اللّه وسنة نبيه (ص ) )) ((43)) .
وعـن قـتيبة انه قال : سال رجل ابا عبداللّه (ع ) عن مسالة فاجابه فيها , فقال الرجل : ارايت ان كان كذا وكذا ما يكون القول فيها ؟ فقال (ع ) له :
(( مه , ما اجبتك فيه من شي فهو عن رسول اللّه (ص ) , لسنا من : ( ارايت ) في شي )) ((44)) .
وروي عن محمد بن حكيم انه قال للامام الصادق (ع ) : جعلت فداك اتى رسول اللّه (ص ) بما يكتفون به ؟ فقال (ع ):
(( اتى رسول اللّه بما استغنوا به في عهده , وبما يكتفون به من بعده الى يوم القيامة ,قال : قلت :
ضاع منه شي .
فقال (ع ):
لا هو عند اهله )) ((45)) .