الفصل الثاني
حديث سنة الخلفا الراشدين .
الحديث ذريعة لنفي الابتداع .
نظرة في الحديث .
1 ـ ضعف الحديث واحتمال الوضع فيه .
ا ـ ضعف سند الحديث .
ب ـ انتها اسانيد الحديث جميعا الى راو واحد.
ح ـ اشتراك مضمون الحديث م ع احاديث ا خرى مقطوعة الوضع .
2 ـ الخلفا الراشدون هم ائمة اهل البيت (ع ).
ادلة ومؤيدات :
ا ـ الامام علي (ع )يرفض المبايعة على سيرة الشيخين .
ب ـ الخلاف بين الخلفا الاربعة يناقض الامر باتباعهم جميعا.
ـ الخلاف بين علي (ع ) والخلفا الثلاثة .
ـ الخلاف بين الخلفا الثلاثة .
ح ـ ارادة الخلفا الاربعة تتنافى مع انكار النص .
د ـ حجم الحديث لا يتناسب مع موقع الخلافة في الاسلام .
ه ـ ائمة اهل البيت (ع ) خلفا الرسول (ص ) بنص منه .
حديث ( سنة الخلفا الراشدين ) الحديث ذريعة لنفي الابتداع :
ان الـكـثير من الدعوات التي يطلقها البعض لنفي ( الابتداع ) عن مثل ( التراويح ) و( الندا الثالث يـوم الـجـمعة ) , وغيرها من البدع المحدثة , تستند اساسا الى حديث ( سنة الخلفا الراشدين ) , وتصحح نسبة هذه الاعمال الى الشريعة الاسلامية من هذا المنطلق ,على الرغم من تلك المهاترات والتناقضات التي وقع فيها المدافعون عن هذه ( البدع ) ,وعلى الرغم مما جرته تلك ( المحدثات ) على عقائد المسلمين من دخائل وتقولات واباطيل .
بـل راينا ان بعضهم كان يناقش في امر تشريع تلك المحدثات , ويطرح الاراالفقهية المخالفة , على الـرغـم مـن بقا اصراره على هذا الحديث كما هو الامر في ( النداالثاني ) على ما تقدم , فلماذا لا يعض على هذه السنة المزعومة المدافعون عنها اولا لكي يامروا الناس باتباعها بعد ذلك ؟ ان حـديث ( سنة الخلفا الراشدين ) يستحق منها وقفة متانية , ننظر فيها الى سنده اولا , ومضمونه ثـانـيـا , لانـه اصبح يمثل الخط الخلفي العام في مواجهة المتعصبين مع اهل الحق والبصيرة , وصار الـذريـعة التي يتشبث بها كل من تعييه الحجج , وتسد في وجهه المنافذ , لتبرير دعوات الضلال , وبدع المبتدعين .
وقـبـل ان نـدخـل في صميم البحث عن هذا الحديث لا باس بان نطالع بعض الاقوال التي تستند في تـبـرير مثل هذه ( البدع ) الى حديث ( سنة الخلفا الراشدين ) , وتعتبره السند الاخير في توجيه الـقـول بمشروعية تلك ( المحدثات ) , من بعد ان تعجز من الاجابة على الاشكالات التي تثار حول تلك الاعمال وتوكد عدم ارتباطها المطلق بالدين .
يقول الشيخ ( الفوزان ) نافيا ان يكون ( الندا الثاني ) ( بدعة ) في احد فتاواه :
((والاذان الاول يـوم الـجمعة امر به امير المؤمنين عثمان بن عفان (رض ) ثالث الخلفا الراشدين , وقد قال (ص ) : (( عليكم بسنتي وسنة الخلفا الراشدين )) ((776)) .
ويقول الشيخ ( عبد العزيز عيسى ) بهذا الصدد :
(( الـحـكم الشرعي بهذا الامر يستشهد بقوله تعالى : ( يا ايها الذين آمنوا اذانودي للصلاة من يوم الـجـمعة فاسعوا الى ذكر اللّه وذروا البيع ذلكم خير لكم ان كنتم تعلم ون ) ((777)) , والمراد بـالـندا في هذه الاية الكريمة هذا الندا الثاني الذي كان يؤدى بين يدي النبي (ص ) اذا خرج فجلس عـلى المنبر , فانه كان يؤذن بين يديه قبل الشروع في الخطبة , واما الندا الاول الذي زاده الخليفة الـراشد عثمان بن عفان (رض ) ,فانما كان لكثرة الناس , وكان الغرض منه الاعلام بدخول الوقت , ليتاهب المسلمون بالتوجه الى المسجد لسماع الخطبة , وذلك بعد اتساع المدينة وكثرة اهلها , فاذا سـمـعـواالـنـدا اقـبـلوا حتى اذا جلس عثمان على المنبر اذن المؤذن , ثم يخطب عثمان , روى الـبـخـاري عن السائب بن يزيد(رض ) قال : ما كان لرسول اللّه (ص ) الا مؤذن واحد , اذا خرج ـ اي مـن حـجـرتـه ـ اذن , واذا نـزل ـ اي مـن فـوق المنبر ـ اقام , وابو بكر وعمر كذلك , فلما كان عثمان , وكثر الناس , زاد الندا الثالث على دار في السوق يقال لها الزورا , فاذا خرج اذن , واذا نـزل اقام , وانما سمي في الحديث ثالثا لانه اضافه الى الاقامة , ومن هذا يتضح لنامشروعية كل من الحالتين .
فـمـن اخ ذ بما كان متبعا في عهد رسول اللّه (ص ) وابي بكر وعمر فحسن , ومن اخذبما كان متبعا في عهد عثمان فلا باس ولا حرج عليه في ذلك )) ((778)) .
ويقول ( سعيد حوى ) في ( الاساس في السنة وفقهها ) :
(( الا تـرى ان اجـمـاع الصحابة على جمع عمر الناس في صلاة التراويح على امام واحد وجعلها عـشرين , وقول عمر ( نعمت البدعة هذه ) , وكل ذلك قد صح عن عمروعن الصحابة , الا ترى ان الـذين يضللون عمر بسبب ذلك قد دخلوا في دائرة الضلال ,فعمر من الخلفا الراشدين المهديين الذين امرنا بالاقتدا بهم , والاقتدا بهديهم )) ((779)) .
وجا في كتاب ( البدعة ) للدكتور ( عزت علي عطية ) ما نصه :
(( قـرن الرسول (ص ) سنة الخلفا الراشدين بسنته ففي حديث العرباض بن سارية قال : قال رسول اللّه (ص ) : ( عليكم بسنتي وسنة الخلفا الراشدين عضوا عليهابالنواجذ ).
وانـمـا امر(ص ) باتباعهم , لانه علم انهم لا يخطئون فيما يستخرجونه بالاجتهاد ,ولانه علم ان بعض سنته لا يثبت الا في عصرهم .
وعـلى ذلك فالقول : ( بان كل اجتهاد وقياس من الخلفا الراشدين يخالف السنة الصحيحة لا ينبغي ان يتمسك به ) هو قول بغير علم اذ كيف يامر(ص ) باتباع ما يخالف سنته ؟ وكيف تحدث المخالفة بين ما امر النبي (ص ) باتباعه وبين سنته ؟ )) ((780)) .
(( وفي الصحيح قوله (ص ) : ( فعليكم بسنتي وسنة الخلفا الراشدين المهديين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ , واياكم ومحدثات الامور ) فاعطى الحديث ـ كماترى ـ ان ما سنه الخلفا الراشدون لاحق بسنة رسول اللّه (ص ) , لان ما سنوه لا يعدواحد امرين : اما ان يكون مقصودا بدليل شرعي , فـذلك سنة لا بدعة , واما بغير دليل ـومعاذ اللّه من ذلك ـ ولكن هذا الحديث دليل على اثباته سنة , اذ قد اثبته ذلك صاحب الشريعة (ص ) )) ((781)) .
فمن الملاحظ ان عمليات الاستدلال التي تم بموجبها نفي ( الابتداع ) عن ( النداالثاني يوم الجمعة ) وعن صلاة ( التراويح ) في النصوص المتقدمة قد استندت بشكل واضح على حديث ( سنة الخلفا الـراشـدين ) , واتخذته اساسا مفروغا عنه , وارسلت ذلك بشكل عابر من دون النظر الى خلفيات الامر الذي تم بشانه هذا الاستدلال .
ومـن الـطـبـيـعـي ان هذه الطريقة لا تكلف الباحث او المفتي عنا طويلا لكي يظفربنتائج الاحكام الـشـرعية , كما انها لا تجعله يقف عند الزوايا الحرجة التي تثار حول الكثير من الامور المنسوبة الى ابي بكر وعمر وعثمان مما هو خارج عن حياط الشرع المبين .
ومـن الـغـريـب حـقـا ان هؤلا القوم يسمحون لانفسهم بركوب هذا النمط من الاستدلال على نحو الاسـتئثار والاستقلال , في الوقت الذي لا يدعون فيه اية فرصة من هذا القبيل للطرف الاخر لكي يمارس منهجه الاستدلالي على ضؤ مبانيه ومرتكزاته الخاصة .
فمن الجائز لديهم الاخذ بسنة ( الخلفا الراشدين ) , بل وضرورة العض عليهابالنواجذ , في مختلف الرؤى والاحكام , اعتمادا على حديث مروي عن رسول اللّه (ص )فيه ما فيه , بينما ليس من الجائز في وجهة نظرهم ان ياخذ اتباع مدرسة اهل البيت (ع )بخط ائمتهم ونهجهم , على الرغم من تواتر الروايات الدالة على وجوب الرجوع اليهم واخذ معالم الدين عنهم (ع ).
كما ان من المفترض لديهم ان يؤمن الاخرون بكل ما ورد من طرقهم الخاصة ,ويعدون الخارج عن ذلـك خـارجـا عـن الدين وتعاليم شريعة سيد المرسلين (ص ) , بينما لايرون ان من الواجب عليهم الايمان والاذعان لما رواه الاخرون باي شكل كان ,وليس في ذلك خروج لهم عن الدين فالدين هو ما يريدونه وما يكتبونه بطريقتهم الخاصة , لا ما يعتقده ويكتبه الاخرون ان هـذا لـوحـده كـاف لان يـدعونا الى التوقف في منهجهم في التعامل مع احكام الشريعة الاسلامية الـمـقـدسـة , والـنظر في اصل الحديث الذي زعموا فيه الارجاع الى ( سنة الخلفاالراشدين ) , وشيدوا على اساسه اصول عقائدهم , واسس احكامهم في مختلف الجوانب والمجالات .
فـالـى حـيث حديث ( سنة الخلفا الراشدين ) ندعوك ـ ايها القارئ الكريم ـ ان تلقي معنا فيه نظرة بانصاف نظرة في الحديث :
جا في امهات الكتب الحديثية لدى ابنا العامة باسانيد مختلفة :
(( عـن عـرباض بن سارية قال : صلى لنا رسول اللّه (ص ) صلاة الفجر , ثم وعظناموعظة بليغة ذرفت منها العيون , ووجلت منها القلوب , فقال قائل : يا رسول اللّه كانهاموعظة مودع فاوصنا , فقال : اوصـيـكـم بتقوى اللّه والسمع والطاعة وان كان عبداحبشيا , فانه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا , فعليكم بسنتي وسنة الخلفاالراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ )) ((782)) .
فيدعى ان المراد من ( الخلفا الراشدين ) الوارد ذكرهم في هذا الحديث هم ( ابوبكر ) و ( عمر ) و ( عثمان ) والامام علي (ع ) , وان هذا الحديث قد نص على وجوب اتباعهم , والاخذ بسنتهم , وجعلوا ذلك من المسلمات المفروغ عنها , والتي لا ينبغي ان تخضع للنقاش والتحقيق .
ونـحـن نـعتقد بان هذا الحديث لا يمتلك اهلية الدلالة على المعنى المذكور , ولاينهض للوفا بذلك الامل الكبير الذي عقد عليه ولنا على اثبات صحة ما نذهب اليه طريقيان :
الـطـريـق الاول : انـنا نعتقد بان هذا الحديث من الاحاديث الضعيفة جدا , ولعله ايضا من الاحاديث الـمـوضوعة في عصر متاخر عن زمن النبي الاكرم (ص ) , والمنسوبة اليه بغير حق , على غرار المئات من الاحاديث الاخرى التي وضعها الواضعون بدوافع مختلفة , وسوف نبين القرائن التي توجه الحديث نحو هذا المسار.
الطريق الثاني : اننا على فرض التسليم لصحة الحديث , والتنازل عن القرائن التي اقمناها على ضعفه , فاننا سوف نثبت انه ليس المقصود من ( الخلفا الراشدين ) فيه ماقصده ابنا العامة , وانما المقصود منهم ائمة اهل البيت (ع ).
الطريق الاول ضعف الحديث واحتمال الوضع فيه
هـناك ثلاث قرائن اساسية تدل على كون حديث ( سنة الخلفا الراشدين ) حديثاضعيفا وساقطا عن الاعتبار هي :
ا ـ ضعف سند الحديث .
ب ـ انتها اسانيد الحديث جميعا الى راو واحد.
ج ـ اشتراك مضمون الحديث مع احاديث اخرى مقطوعة الوضع .
وسوف نقوم باستعراض هذه القرائن الثلاث على الترتيب بنحو من الايجاز :
ا ـ ضعف سند الحديث :
ورد حديث ( سنة الخلفا الراشدين ) في كتب ابنا العامة باسانيد محدودة , يمكن حصرها بالسلاسل الستة التالية ليس غير :
الـسـلسلة الاولى : عن ثور بن يزيد , عن خالد بن معدان , عن عبدالرحمن بن عمرو السلمي , عن العرباض بن سارية ((783)) .
وهـذه الـسـلـسلة تعد من اوثق واشهر السلاسل التي يعتمد عليها المتمسكون بحديث ( سنة الخلفا الـراشدين ) , وتناقلتها اغلب كتبهم الحديثية المعتبرة , وقد وقع في هذه السلسلة ( ثور بن يزيد ) الـذي نـقـل عـنـه ( ابـن حجر ) في ( تهذيب التهذيب ) انـه كان يبغض امير المؤمنين عليا(ع ) , ويصرح عن ذلك بالقول : (( لا احب رجلا قتل جدي )) , وذلك لان جده قد قتل في صفين الى صف معاوية بن ابي سفيان في حربه مع امير المؤمنين علي (ع ).
جا في ( تهذيب التهذيب ) ما نصه :
(( ويقال انه كان قدريا , وكان جده قتل يوم صفين مع معاوية , فكان ثور اذا ذكرعليا قال : لا احب رجلا قتل جدي )) ((784)) .
ونحن نظن ان هذا وحده كاف في وجهة نظر جميع الفرق والطوائف الاسلامية لاسقاط عدالة المر , ورد حـديـثـه , وعدم قبول روايته , فممن لا تقبل روايته بالاتفاق الناصب العدا لاهل بيت النبوة الطاهرين (ع ) الذين ورد الامر بوجوب محبتهم ومودتهم في صريح قوله تعالى :
( قل لا اسئلكم عليه اجرا الا المودة في القربى ) ((785)) .
وقد وردت الروايات الكثيرة المتظافرة في كتب الفريقين لتشير الى هذاالمعنى ايضا , وتؤكد على ان حـب اهـل الـبـيت (ع ) من الايمان , وبغضهم من الكفر والنفاق ,ونكتفي هنا بايراد بعض النماذج الواردة في كتب ابنا العامة من هذه الاحاديث .
جا في ( مستدرك الحاكم ) عن رسول اللّه (ص ) انه قال :
(( والذي نفسي بيده لا يبغضنا اهل البيت احد الا ادخله اللّه النار )) ((786)) .
وروى عنه (ص ) انه قال :
(( احبوا اللّه لما يغذوكم به من نعمه , واحبوني بحب اللّه , واحبوا اهل بيتي لحبي )) ((787)) .
وعنه (ص ) :
(( خيركم خيركم لاهلي من بعدي )) ((788)) .
وعنه (ص ) : انه قال لعلي وفاطمة والحسن والحسين (ع ) :
(( انا حرب لمن حاربتم , وسلم لمن سالمتم )) ((789)) .
وعنه (ص ) :
(( ينقطع يوم القيامة كل سبب ونسب الا سببي ونسبي )) ((790)) .
فـكـيـف يـمـكـن مع كل هذا ان تقبل رواية شخص يبغض عليا امير المؤمنين (ع )الذي قرر النبي الاكرم (ص ) انه (ع ) يدور مع الحق اينما دار ؟ واين يا ترى يكون موضع المبغض لاهل البيت (ع ) من خلال هذه الاحاديث وامثالها ؟.
هـذا كـله من جانب , ومن جانب آخر فقد اتفق المؤرخون والعلما على ان ( ثوربن يزيد ) الراوي لحديث ( سنة الخلفا الراشدين ) كان قدريا , وقد نصوا على ذلك بشكل صريح .
جا في ( تهذيب التهذيب ) :
(( وقـال عـبداللّه بن احمد عن ابيه : ثور بن يزيد الكلاعي كان يرى القدر , كان اهل حمص نفوه لاجل ذلك )) ((791)) .
وقال ابو مسهر عن عبداللّه بن سالم :
(( ادركـت اهـل حـمـص , وقـد اخـرجـوا ثـور بـن يـزيـد , واحرقوا داره لكلامه في القدر )) ((792)) .
(( وقال علي بن عياش , عن اسماعيل بن عياش , قال لنا عطا الخراساني : لاتجالسوا ثور بن يزيد )) ((793)) .
(( وقـال ابو توبة الحلبي : حدثنا اصحابنا ان ثورا لقي الاوزاعي , فمد يده اليه ,فابى الاوزاعي ان يمد يده اليه , وقال : يا ثور , لو كانت الدنيا لكانت المقاربة , ولكنه الدين )) ((794)) .
((795)). ورويت هذه المقولة عن سفيان الثوري وعن ابي رواد ايضا ((796)) .
(( وقـال ابو عمير بن النحاس : حدثنا ضمرة عن ابن ابي رواد , قال : كان الرجل اذا اتاه , قال له :
((797)). وقال عباد بن احمد العرزمي : سمعت عمي محمد بن عبدالرحمان , قال : ذهبت الى ثور لاسمع منه , فـابطات وكان يوما حارا , فلما رجعت قال لي ابي : اين كنت ؟ قال :كنت عند ثور , قال : فقال لي : يا ((798)). وفـي نـفـس الوقت نرى ان محدثي العامة قد رووا في كتبهم المعتبرة ان رسول اللّه (ص ) قد امر بـمقاطعة القدريين وهجرانهم , وحذر من مجالستهم والتعامل معهم باي شكل كان , وبين (ص ) انهم خارجون عن الاسلام , وليس لهم فيه ادنى نصيب , ووجه اليهم الذم العنيف , واعتبرهم مجوس هذه الامـة , مـن خـلال مـجـمـوعة كبيرة من الاحاديث ((799)) , فكيف يمكن لنا بعد ذلك الركون والاطمئان لما يرويه لنا ( ثور بن يزيد )من احاديث ؟ اضـف الـى ذلـك ان عـلـمـا الرجال من ابنا العامة قد ضعفوا هذا الرجل بانفسهم ,وجات النصوص الـمستفيضه للدلالة على عدم اهليته للرواية , وعدم الاحتجاج به ,وهذا ما يعزز لنا رفضه ايضا , ورفض حديث ( سنة الخلفا الراشدين ) معه واليك ايها القارئ الكريم بعض الاقوال المشهورة فيه :
(( وقال ابو مسهر وغيره : كان الاوزاعي يتكلم فيه ويهجوه )) ((800)) .
وقال ابو مسهر ايضا : حدثني سلمة بن العيار قال : كان الاوزاعي يسي القول في ثلاثة : في ثور بن يزيد , ومحمد بن اسحق , وزرعة بن ابراهيم )) ((801)) .
وجا عنه ايضا في ( تهذيب الكمال ) انه :
(( قدم المدينة فنهى مالك عن مجالسته , وليس لمالك عنه رواية لا في الموطا , ولافي الكتب الستة , ولا في غرائب مالك للدارقطني , فما ادري اين وقعت روايته عنه مع ذمه له )) ((802)) .
(( وقال ابو مسهر : حدثنا ابو مسلم الفزاري , قال : ما سمعت الاوزاعي يقول في احد من الناس الا في ثور بن يزيد , ومحمد بن اسحق , قال : وقلت له : يا ابا عمرو حدثناثور بن يزيد , قال : فغضب علي غضبة ما رايت مثلها , ثم قال : قال رسول اللّه (ص ) :( ستة لعنتهم , فلعنهم اللّه وكل نبي مجاب : الزائد في كتاب اللّه , والمكذب بقدر اللّه ) ,ثور بن يزيد احدهم تاخذ دينك عنه ؟ واما محمد بن اسـحق فكان يرى الاعتزال , قال :فجئت الى كتابي الذي سمعته من ثور ومحمد بن اسحق , فالقيته في التنور )) ((803)) .
(( وقال نعيم بن حماد , قال عبداللّه بن المبارك :
ايهـا الطالـب علمـا ـــــائت حمـاد بن زيـد.
فاطلبـن العلـم منـه ـــــثـم قيـده بقيـد.
لا كثـور وكجهـم ـــــوكعـمرو بن عبيـد)) ((804)) .
الـسـلـسلة الثانية : (( الوليد بن مسلم , عن العلا بن زبر , عن يحيى بن ابي المطاع ,قال : سمعت العرباض بن سارية )) ((805)) .
ففي هذه السلسلة ( الوليد بن مسلم ) , ولكي تطلع ـ ايها القارئ الكريم ـعلى حال ( الوليد ) ننقل لك بعض اقوال علما العامة ورواتهم فيه :
(( وقال ابو بكر المزوري : قلت لاحمد بن حنبل في الوليد , قال : هو كثيرالخطا )) ((806)) .
(( وقـال ابو بكر الاسماعيلي : سمعت من يحكي عن عبداللّه بن احمد بن حنبل , عن احمد , وسئل عن الوليد بن مسلم فقال : كان رفاعا )) ((807)) .
(( وقـال حـنبل بن اسحق : سمعت يحيى بن معين يقول : قال ابو مسهر : كان الوليدياخذ من ابن ابي السفر حديث الاوزاعي , وكان ابن ابي السفر كذابا , وهو يقول فيها :قال الاوزاعي )) ((808)) .
(( وقـال ابـو الـحسن الدارقطني ـ في كتاب ( الضعفا والمتروكون ) ـ : الوليد بن مسلم يرسل , يروي عن الاوزاعي احاديث عند الاوزاعي عن شيوخ ضغفا )) ((809)) .
(( وقال ابو مسهر : الوليد مدلس عن كذابين )) ((810)) .
(( وقال مؤمل بن اهاب عن ابي مسهر : كان الوليد بن مسلم يحدث باحاديث الاوزاعي عن الكذابين , ثم يدلسها عنهم )) ((811)) .
(( وقـال صـالح بن محمد الاسدي الحافظ : سمعت الهيثم بن خارجة يقول :قلت للوليد بن مسلم : قد افـسـدت حديث الاوزاعي , قال : كيف ؟ قلت تروي عن الاوزاعي عن نافع , وعن الاوزاعي عن الـزهري , وعن الاوزاعي عن يحيى بن سعيد ,وغيرك يدخل بين الاوزاعي وبين نافع عبداللّه بن عامر الاسلمي , وبينه وبين الزهري ابراهيم بن مرة وقرة وغيرهما , فما يحملك على هذا ؟.
قال : انبل الاوزاعي ان يروي عن مثل هؤلا , قلت : فاذا روى الاوزاعي عن هؤلا , وهؤلا ضعفا , احاديث مناكير , فاسقطتهم انت , وصيرتها من رواية الاوزاعي عن الثقات , ضعف الاوزاعي .
فلم يلتفت الى قولي )) ((812)) .
وفي هامش كتاب ( سير اعلام النبلا ) قال المحقق معلقا على هذا الحديث :
(( وهذا النوع من التدليس يسمى عند المتقدمين تجويدا , فيقولون : جودة فلان ,يريدون ذكر فيه مـن الاجـواد , وحـذف الادنيا , وسماه المتاخرون : تدليس التسوية ,وذلك ان المدلس الذي سمع الـحـديـث من شيخه الثقة عن ضعيف عن ثقة , يسقط الضعيف من السند , ويجعل الحديث عن شيخه الثقة , عن الثقة الثاني بلفظ محتمل , فيستوي الاسناد كله ثقات , وهو شر انواع التدليس وافحشها , لان الثقة الاول ربما لا يكون معروفا بالتدليس , فلا يحترز الواقف على السنة عن عنعنة وامثالها من الالفاظ المحتملة التي لا يقبل مثلها من المدلسين , ويكون هذا المدلس الذي يحترز من تدليسه قد اتى بلفظالسماع الصريح عن شيخه , فامن بذلك من تدليسه , وفي ذلك غرر شديد )) ((813)) .
(( وقال الاجري سمعت ابا داود يقول : روى الوليد عن مالك عشرة احاديث ليس لها اصل , منها عن نافع اربعة )) ((814)) .
(( وقال ابو داود : كل منكر يجي عن الوليد بن مسلم , اذا حدث عن الغربايخطي )) ((815)) .
(( وقال : بقية احسن حالا من الوليد بن مسلم )) ((816)) .
وسـيـاتي الكلام عن ( بقية ) الذي هو احسن حالا من ( الوليد ) لاحقا ان شا اللّه تعالى , ويثبت انه ضعيف ايضا , فكيف بالذي اضعف منه .
وقـال الـذهـبـي في ( سير اعلام النبلا ) : (( قلت : البخاري ومسلم قد احتجابه ,لكنهما ينتقيان حديثه , ويتجنبان ما ينكر له )) ((817)) .
ومما تجدر الاشارة اليه ان كلا من ( مسلم ) و( البخاري ) لم يرويا حديث ( سنه الخلفا الراشدين ) على نحو الخصوص .
السلسلة الثالثة : (( يحيى بن ابي كثير , عن محمد بن ابراهيم بن الحارث , عن خالد بن معدان , عن العرباض بن سارية )) ((818)) .
وقـد وقـع في هذه السلسلة راويان ضعيفان : احدهما ( يحيى بن ابي كثير ) ,والاخر ( محمد بن ابراهيم بن الحارث ).
فاما ( يحيى بن ابي كثير ) فقد جا عنه :
قال ( الذهبي ) في ( سير اعلام النبلا ) : (( وقال العقيلي : كان يذكربالتدليس )) ((819)) .
وفيه ايضا : (( وقال يحيى بن قطان : مرسلات يحيى بن ابي كثير شبه الريح )) ((820)) .
وفيه ايضا : (( وقال يزيد بن هارون عن همام قال : ما رايت اصلب وجها من يحيى بن ابي كثير , كنا نحدثه بالغداة , فنروح بالعشي فيحدثناه )) ((821)) .
وقال في ( تهذيب التهذيب ) : (( قلت : تتمة : كلام ابن حبان : كان يدلس , فكلماروى عن انس فقد دلس عنه , لم يسمع من انس , ولا من صحابي )) ((822)) .
وقال ( الذهبي ) في ( ميزان الاعتدال ) : (( يروي عن انس ولم يسمع منه )) ((823)) .
وفـيـه ايضا : (( وقال نعيم بن حماد : حدثنا المبارك عن همام , قال : كنا نحدث يحيى بن ابي كثير بالغداة , فاذا كان بالعشي قلبه عنا )) ((824)) .
هذا حال ( يحيى بن ابي كثير ) , واما ( محمد بن ابراهيم بن الحارث ) فقد ضعفه ( احمد بن حنبل ) , حيث جا في (سير اعلام النبلا ) و ( تهذيب التهذيب ) و ( ميزان الاعتدال ) :
(( وقـال العقيلي : حدثنا عبداللّه بن احمد : قال : سمعت ابي ذكر محمد بن ابراهيم التيمي , فقال :
في حديثه شي , يروي احاديث مناكير او منكرة )) ((825)) .
الـسلسلة الرابعة : (( معاوية بن صالح , عن ضمرة بن حبيب , عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي :
انـه سمع العرباض بن سارية )) ((826)) .
اما هذه السلسلة ففيها ( معاوية بن صالح ) , وقد جا فيه :
فـي ( تـهـذيب التهذيب ) : (( وقال صالح بن احمد بن حنبل , عن علي بن المديني :سالت يحيى بن سعيد عنه , فقال : ما كنا ناخذ عنه ذلك الزمان ولا حرفا )) ((827)) .
(( وقـال ابـو صالح الفرا : حدثنا ابو اسحق يعني الفزاري يوما بحديث عن معاوية بن صالح , ثم قال ابو اسحق : ما كان باهل ان يروى عنه )) ((828)) .
(( وقـال ابـن ابـي خـثـيـمة والدوري في تاريخيهما عن ابن معين : كان يحيى بن سعيد لايرضاه )) ((829)) .
(( وعن عباس عن يحيى في موضع آخر : ليس برضي )) ((830)) .
(( وقـال الليث بن عبده : قال يحيى بن معين : كان ابن مهدي اذا تحدث بحديث معاوية بن صالح زبره يحيى بن سعيد , وقال : ايش هذه الاحاديث , وكان ابن مهدي لايبالي عن من روى )) ((831)) .
(( وقال يعقوب بن شيبة السدوسي : قد حمل الناس عنه , ومنهم من يرى انـه وسط ليس بالثبت ولا بالضعيف , ومنهم من يضعفه )) ((832)) .
(( وقال احمد بن سعد بن ابي مريم عن عمه سعيد بن ابي مريم : سمعت خالي موسى بن سلمة , قال :
اتـيت معاوية بن صالح لاكتب عنه , فرايت اراه قال : الملاهي ـفقلت : ما هذا ؟ قال : شي نهديه الى صاحب الاندلس ((833)) .
(( وقال ابو حاتم : يكتب حديثه , ولا يحتج به )) ((834)) .
(( وقـال محمد بن عبداللّه بن عمار الموصلي : الناس يروون عنه , وزعموا انه لم يكن يدري اي شي الحديث )) ((835)) .
وفـي ( مـيـزان الاعـتـدال ) : (( وقـال ابـو حـاتـم لا يـحتج به , وكذا لم يخرج له البخاري )) ((836)) .
السلسلة الخامسة : (( عمر بن ابي سلمة التينسي , انبانا عبداللّه بن العلا بن زيد , عن يحيى بن ابي المطاع , قال سمعت العرباض )) ((837)) .
ولـنـطـالـع شيئا مما يقوله علما ابنا العامة حول ( عمرو بن ابي سلمة التينسي )الذي وقع في هذه السلسلة :
قال عنه ( الذهبي ) في ( ميزان الاعتدال ) : (( وقال ابو حاتم لا يحتج به )) ((838)) .
وقال ( ابن حجر العسقلاني ) في ( تهذيب التهذيب ) :
(( وقال احمد : روى عن زهير احاديث بواطيل )) ((839)) .
وفيه ايضا : (( وقال الساجي : ضعيف )) ((840)) .
وفيه ايضا : (( وقال العقيلي في حديثه وهم )) ((841)) .
وفـي ( الـجـرح والتعديل ) : (( حدثنا عبد الرحمن , قال ذكره ابي , عن اسحق بن منصور , عن يحيى بن معين , انه قال : عمرو بن ابي سلمة ضعيف )) ((842)) .
وفـيـه ايضا : (( حدثنا عبدالرحمن قال : سالت ابي عن عمرو بن ابي سلمة , فقال :يكتب حديثه , ولا يحتج به )) ((843)) .
الـسـلـسلة السادسة : (( بقية بن الوليد بن بجير بن سعد , عن خالد بن معدان , عن عبدالرحمن بن عمرو السلمي , عن العرباض بن سارية )) ((844)) .
روي الحديث في هذه السلسلة عن ( بقية بن الوليد ) , وهو ليس باحسن حالامن الرواة الذين سبقوه , واليك ـ ايها القارئ الكريم ـ بعض اقوال علما العامة فيه :
(( قـال ابـن عـيـيـنـة : لا تسمعوا من بقية ما كان في سنة , واسمعوا منه ما كان في ثواب وغيره )) ((845)) .
(( وقـال عبداللّه بن احمد بن حنبل , سئل ابي عن بقية واسماعيل بن عياش , فقال :بقية احب الي , واذا حدث عن قوم ليسوا بمعروفين , فلا تقبلوه )) ((846)) .
(( وقـال ابـن ابـي خـثـيمة سئل يحيى عن بقية , فقال : اذا حدث عن الثقات مثل صفوان بن عمرو وغيره فاقبلوه , واذا ما حدث عن اولئك المجهولين فلا , واذا كنى الرجل ولم يسمه فليس يساوي شيئا )) ((847)) .
(( وقال يحيى : ولقد قال لي نعيم يعني ابن حماد : كان بقية يضن بحديثه عن الثقات , قال : طلبت منه كـتـاب صفوان , فقال : كتاب صفوان ؟ اي كانه قال : ـ يحيى بن معين ـ كان يحدث عن الضعفا بمائة حديث قبل ان يحدث عن الثقات )) ((848)) .
(( وقال يعقوب : ويحدث عن قوم متروكي الحديث , وعن الضعفا , ويحيد عن اسمائهم الى كناهم , وعن كناهم الى اسمائهم , ويحدث عمن هو اصغر منه )) ((849)) .
وقال ابو زرعة : فاما في المجهولين فيحدث عن قوم لا يعرفون ولايضبطون )) ((850)) .
(( وقال ابو حاتم : يكتب حديثه ولا يحتج به )) ((851)) .
(( وقال ابن عدي : يخالف في بعض رواياته عن الثقات )) ((852)) .
(( وقال ابو داود : سمعت احمد يقول : روى بقية عن عبداللّه بن عمر مناكير )) ((853)) .
(( وقال الجوزقاني في كتاب ( الموضوعات ) تاليفه : ضعيف الحديث لا يحتج به )) ((854)) .
(( وقال الجوجزاني : رحم اللّه بقية ما كان يبالي اذا وجد خرافة عمن ياخذ )) ((855)) .
(( وقال ابن خزيمة : لا احتج ببقية , حدثني احمد بن الحسن الترمذي : سمعت احمدبن حنبل يقول : تـوهـمـت ان بقية لا يحدث المناكير الا عن المجاهيل , فاذا هو يحدث المناكير عن المشاهير , فعلمت من اين اتى ؟ قلت : من التدليس )) ((856)) .
(( وقال البيهقي في الخلافيات : اجمعوا على ان بقية ليس بحجة )) ((857)) .
(( وقال عبدالحق في الاحكام في غير ما حديث : بقية لا يحتج به )) ((858)) .
وجا في ( ميزان الاعتدال ) وغيره :
(( وقـال ابـن الـقـطـان : بـقـيـة يـدلـس عن الضعفا , ويستبيح ذلك , وهذا ان صح مفسد لعدالته )) ((859)) .
فقال ( الذهبي ) معلقا على هذا القول :
(( قلت : نعم , واللّه صح هذا عنه , انه يفعله , وصح عن الوليد بن مسلم , بل وعن جماعة كبار فعله , وهذه بلية منهم )) ((860)) .
وقال ( الخطيب ) في ( تاريخ بغداد ) :
(( وقدم بقية بغداد , وفي حديثه مناكير الا ان اكثرها عن المجاهيل )) ((861)) .
(( وقال غير واحد انه كان مدلسا , فاذا قال عن , فليس بحجة )) ((862)) .
(( وقال ابو ايوب القيرواني : يروي عن كثير من الضعفا والمجهولين )) ((863)) .
وفي ( سير اعلام النبلا ) : (( وقال امام الائمة ابن خزيمة : لا احتج ببقية )) ((864)) .
وفيه ايضا : (( وحاصل الامر ان لبقية عن الثقات ايضا ما ينكر وما لا يتابع عليه )) ((865)) .
(( وقال ابو مسهر : بقية ليست احاديثه نقية , فكن منها على تقية )) ((866)) .
وبـهـذا فـان حـديث ( سنة الخلفا الراشدين ) حديث ساقط عن الاعتبار سنديا ,واقرب الظن انـه حديث مختلق , وليس له اصل مطلقا , وقد نسب الى رسول اللّه (ص )كذبا وزورا , وقد راينا ضعف جميع اسانيده المذكورة في اكثر الكتب اعتبارا لدى ابناالعامة , وبهذا فهو لا يمتلك اية قيمة علمية للتعويل عليه .
ب ـ انتها اسانيد الحديث جميعا الى راو واحد :
ان حـديـث ( سـنـة الخلفا الراشدين ) ينتهي بجميع اسانيده المتقدمة الى رجل واحد وهو وهو ( الـعرباض بن سارية ) , فيكون من اخبار الاحاد التي يمكن ان تكون معتمدة بشكل اساسي في مجمل القضايا الشرعية , وخصوصا القضايا العقائدية الحساسة .
ج ـ اشتراك مضمون الحديث مع احاديث اخرى مقطوعة الوضع :
اضـافـة الـى ما تقدم من ضعف سند حديث ( سنة الخلفا الراشدين ) , وكونه من اخبار الاحاد , فان هـناك ملاحظات واشكالات في داخل الحديث توجب الريبة في الحديث وعدم الاطمئنان والركون اليه , وانه قد تعرض الى شرائط مطلقة لا يمكن قبولهاعلى ما هي عليه , الا اذا ضممنا اليها الادلة المخصصة الاخرى , ونحن نحتمل نتيجة لهذه الملاحظات ان بعض فصول الحديث على اقل تقدير قد وضعت من قبل الساسة الحاكمين في العصور المتاخرة عن صدر الاسلام , وفي بداية امر تدوين الـحديث , من اجل تبريرتلاعب امرا الجور , وولاة السؤ بشؤون المجتمع , ومقدرات الشعوب , وبقائهم على كرسي الحكم وسدة السلطان هذا من جانب .
ومـن جانب آخر نرى ان الغاية من وضع هذه الاحاديث كان تهدف الى ضرب مدرسة اهل البيت (ع ) الـتـي كـانـت تعلن رفضها بكل قوة وصراحة لالوان الجوروالاضطهاد , وتشجب حكومات الجهل والضلال , وتدعو الى العودة الى رسالة الدين الحنيف , وقيم الاسلام وتعاليمه , واعتماد كتاب اللّه تعالى , وسنة رسوله الكريم (ص )منهجا للحكم وادارة شؤون الحياة .
فالملاحظ ان صدر الحديث يامر المسلمين بالسمع والطاعة على نحو الاطلاق ,ولاي متصد كان , مـن دون ان يـفـترض فيه اية صفة او خصوصية او كفاة تذكر , ومن دون ان تبين الضابطة التي تم بموجبها تقدم هذا المتصدي الى مركز الحكم والقرار ,وتفويض امور العباد اليه .
بـل والذي يظهر من التامل في سياق حديث ( سنة الخلفا الراشدين ) , ومن خلال النظر في احاديث اخرى تشترك معه في لحن الخطاب , وطريقة التعبير , ان المقصودمن الاطاعة المذكورة في هذا الحديث تعني الاطاعة والانقياد الى اي حاكم او وال , تمكن ان يصل الى مركز الحكم , واستطاع ان يـتـلبس بهذا العنوان , حتى وان كان ذلك الحاكم فاسقا فاجرا جائرا , فقد جا في صدر الحديث : (( اوصيكم بتقوى اللّه والسمع والطاعة وان كان عبدا حبشيا )).
وقـد تـكـررت نفس هذه اللهجة في احاديث اخرى مقطوعة الوضع , مما يدل على ان حديث ( سنة الخلفا الراشدين ) يشترك معها في ذات الاهداف , وعين الغايات المقصودة .
ولـيـس غريبا ان نجد مثل هذا الحديث في كتب ابنا العامة ومصادرهم الحديثية ,لانا نرى بان اوثق الـمـصـادر الـمعتمدة لديهم طافحة بمثل تلك الاحاديث , وقد ضمت بين دفتيها عشرات الاحاديث الموضوعة التي تشير الى نفس المعنى الذي نتحدث عنه .
والـيك ـ ايها القارئ الكريم ـ بعض الاحاديث التي وردت في المصادر الموثوقة والمعتبرة لدى ابنا الـعـامـة , والتي تامر المسلمين بطاعة الولاة والحكام بشكل مطلق , اواطاعتهم وان كانوا فاسقين فاجرين جائرين , والسكوت عن مساوئهم وجرائمهم بحق الناس والدين :
1 ـ روي عن رسول اللّه (ص ) في ( صحيح مسلم ) : (( ان خليلي اوصاني ان اسمع واطيع وان كان عبدا حبشيا مجدع الاطراف )) ((867)) .
2 ـ وروي عـنـه (ص ) فـي ( مـسـنـد احـمـد ) : (( اسمع واطع ولو لحبشي كان راسه زبيبة )) ((868)) .
3 ـ وروي عـنه (ص ) في ( صحيح البخاري ) : (( من راى من اميره شيئا يكرهه فليصبر , فانه ليس احد يفارق الجماعة شبرا فيموت , الا مات ميتة جاهلية )) ((869)) .
4 ـ وروي عـن ابن سلام عن حذيفة بن اليمان في ( صحيح مسلم ) قال : (( قلت : يارسول اللّه انا كـنا بشر , فجا اللّه بخير فنحن فيه , فهل من ورا هذا الخير شر ؟ قال : نعم ,قلت : هل ورا ذلك الـشـر خير ؟ , قال : نعم , قلت : فهل ورا ذلك الخير شر ؟ , قال نعم ,قلت : كيف ؟ , قال : يكون بعدي ائمة لا يهتدون بهداي , ولا يستنون بسنتي ,وسيقوم فيهم رجال , قلوبهم قلوب الشياطين في جـثـمـان انـس , قلت : كيف اصنع يارسول اللّه ان ادركت ذلك ؟ قال : تسمع وتطيع للامير , وان ضرب ظهرك , واخذ مالك ,فاسمع واطع )) ((870)) .
5 ـ وروى عنه (ص ) في ( صحيح مسلم ) ايضا انه قال : (( من كره من اميره شيئافليصبر عليه , فانه ليس احد من الناس خرج من السلطان شبرا فمات عليه , الا مات ميتة جاهلية )) ((871)) .
6 ـ وروي عـنـه (ص ) : (( فان من طاعة اللّه ان تطيعوني , ومن طاعتي ان تطيعواامراكم , وان ((872)). 7 ـ وروي عنه (ص ) : (( اعبدوا اللّه ولا تشركوا به شيئا , واطيعوا من ولاه اللّه امركم , ولا ت نازعوا الامر اهله , وان كان عبدا اسود )) ((873)) .
8 ـ وروي عنه (ص ) : (( يا ابا هريرة هم )) ((874)) .
9 ـ وروي عـنــه (ص ) : (( اسـمـعــوا واطـيـعـوا فـانـما عليهم ما حملوا وعليكم ماحملتم )) ((875)) .
10 ـ وروي عـنـه (ص ) : (( اطـع كـل امـير , وصل خلف كل امام , ولا تسبن احدا من اصحابي )) ((876)) .
11 ـ وروي عنه (ص ) : (( صلوا خلف كل بر وفاجر , وصلوا على كل بر وفاجر ,وجاهدوا مع كل بر وفاجر )) ((877)) .
((878)). وقـد جـا في بعض الفاظ حديث ( سنة الخلفا الراشدين ) ما نصه : (( فانما المؤمن كالجمل الانف , حيثما انقيد انقاد )) ((879)) .
فالرواية تجعل المؤمن الذي يراد له ان يكون مستخلفا على هذه الارض ووارثالها كالجمل الذلول , الذي لا يملك من امره شيئا , ولا يجد من الانصياع والانقياد بدا وفي اعتقادنا ان هذا مؤشر آخر يؤيد ما ذكرناه من احتمال الوضع في بعض فصول الحديث على اقل تـقـديـر , اذ ان مـن الاستحالة بمكان ان يتفوه رسول اللّه (ص ) بهذا اللون من الاحاديث , التي تامر بالسمع والطاعة لكل حاكم وامير , لان في ذلك هدما واضحالدعائم الدين , وخلافا صريحا لجميع اسـسه ومبادئه , وتقويضا من راس لمرتكزاته واركانه , فكيف يمكن ان توضع مقاليد الحكم طوعا بيد المتجبرين الذين كافحت الاديان والرسالات السماوية في سبيل استئصالهم , وقلع وجودهم من الـجـذور ؟ ومـامـعـنى اقامة العدل والحكم به , الذي امرت الشريعة به بشكل صريح , وحذرت مـن مخالفته ؟ وما هي فائدة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟ وما معنى كلمة الحق عندسلطان جائر ؟ وما المغزى من حرمة معونة الظالمين ولو بشق كلمة ؟.
جا في ( الجامع الصحيح ) عن رسول اللّه (ص ) انه قال :
(( مـن راى مـنـكم منكرا فليغيره بيده , فان لم يستطع فبلسانه , فان لم يستطع فبقلبه وذلك اضعف الايمان )) ((880)) .
وجا في ( التاج الجامع للاصول ) :
(( عـن طارق بن شهاب (رض ) , ان رجلا سال النبي (ص ) , وقد وضع رجله في الغرز : اي الجهاد افضل ؟ قال : كلمة حق عند سلطان جائر )) ((881)) .
وجا في ( كنز العمال ) :
(( افضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر )) ((882)) .
ومـمـا يثير فيك العجب ان نفس هؤلا الذين يروون احاديث السمع والطاعة للبروالفاجر , يروون ايضا عن رسول اللّه (ص ) ما يناقض هذا الامر تماما , ويعقب شراح الحديث بعد ذلك بقولهم ( واللّه تعالى اعلم ) , ولا يكلفون انفسهم برفع هذا التهافت ,الذي اصبح مثارا للجدال , وبلا على الاجيال فـلننظر الى مجموعة من هذه الاحاديث , لنرى انها رويت في نفس المصادروالكتب السابقة , ونقف على التناقض الفاضح الذي وقعت فيه هذه الروايات :
1 ـ جا في ( التاج الجامع للاصول ) عن صحيحي ( النسائي ) و ( الترمذي ) :
(( وعـن كعب بن عجزة (رض ) قال : خرج علينا رسول اللّه (ص ) ونحن تسعة ,فقال : انه سيكون بـعـدي امـرا مـن صدقهم بكذبهم , واعانهم على ظلمهم , فليس مني ولست منه , وليس بوارد علي الـحـوض , ومـن لم يصدقهم , ولم يعنهم على ظلمهم فهومني وانا منه , وهو وارد علي الحوض , رواهما النسائي والترمذي واللّه تعالى اعلى واعلم )) ((883)) .
2 ـ وجا في كل من ( صحيح البخاري ) و ( صحيح مسلم ) و ( سنن ابن ماجة ) و( سنن الترمذي ) عن رسول اللّه (ص ) انه قال : (( على المر المسلم السمع والطاعة فيمااحب وكره , الا ان يؤمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة )) ((884)) .
3 ـ وفي ( سنن ابن ماجة ) : (( وعن عبداللّه بن مسعود عن النبي (ص ) قال : سيلي اموركم بعدي رجال يطفئون السنة , ويعملون بالبدعة , ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها , فقلت : يا رسول اللّه ادركتهم كيف افعل ؟ قال : تسالني يا بن ام عبدكيف تفعل ؟ لا طاعة لمن عصى اللّه )) ((885)) .
4 ـ وفـي ( كـنـز العمال ) عنه (ص ) انه قال : (( لا ينبغي لنفس مؤمنة ترى من يعصي اللّه , فلا تنكر عليه )) ((886)) .
5 ـ وفيه عن رسول اللّه (ص ) : (( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق )) ((887)) .
6 ـ وفيه ايضا عن رسول اللّه (ص ) : (( سيصيب ا متي في آخر الزمان بلا شديدمن سلطانهم , لا ينجو فيهم الا رجل عرف دين اللّه بلسانه ويده وقلبه , فذلك الذي سبقت له السوابق )) ((888)) .
7 ـ وفـيـه ايضا عن رسول اللّه (ص ) : (( يا ابا هريرة : لا تدخلن على امير وان غلبت على ذلك , فلا تجاوز سنتي , ولا تخافن سيفه وسوطه , ان تامره بتقوى اللّه وطاعته , يا ابا هريرة وزيـر امـيـر , او مشير امير , او داخلا على امير , فلاتخالفن سنتي ولا سيرتي , فان من خالف سنتي وسيرتي , جي به يوم القيامة , تاخذه النار من كل مكان , ثم يصير الى النار )) ((889)) .
8 ـ وفـيـه ايـضـا عـن رسول اللّه (ص ) : (( احذروا على دينكم ثلاثة : رجل آتاه اللّه القرآن , ورجـل آتاه اللّه سلطانا , فقال من اطاعني فقد اطاع اللّه , ومن عصاني فقدعصى اللّه , وقد كذب , لا يكون لمخلوق خشيه دون الخالق )) ((890)) .
9 ـ وفي ( الدر المنثور ) عن رسول اللّه (ص ) انه قال : (( ان رحى الاسلام ستدور ,فحيثما دار القرآن فدوروا به , يوشك السلطان والقرآن ان يقتتلا ويتفرقا , انه سيكون عليكم ملوك , يحكمون لـكم بحكم , ولهم بغيره , فان اطعتموهم اضلوكم , وان عصيتموهم قتلوكم , قالوا : يا رسول اللّه فـكـيـف بـنـا ان ادركنا ذلك ؟ قال : تكونواكاصحاب عيسى (ع ) نشروا بالمناشير , ورفعوا على الخشب , موت في طاعة خير من حياة في معصية )) ((891)) .
الطريق الثاني الخلفا الراشدون هم ائمة اهل البيت :
.
لـو سـلـمنا جدلا صدق حديث ( سنة الخلفا الراشدين ) وصحته , ولم نتمسك بمااقمناه من قرائن سـابقة على ضعفه , وكونه حديثا موضوعا , فانا نرفض ان يكون المقصودمن ( الخلفا الراشدين ) الوارد ذكرهم في الحديث هم الخلفا الاربعة الذين تولوا الحكم الاسلامي بعد وفاة رسول اللّه (ص ) بالترتيب ومنهم امير المؤمنين علي (ع ) , وانما المقصودمن ( الخلفا الراشدين ) في الحديث ـ على فـرض صـدقـه وصحته ـ هم ائمة اهل البيت (ع )الذين ورد النص الشرعي الصريح بشانهم , من خـلال مـجـمـوعـة مـن الايات الكريمة ,والاحاديث المتواترة الصحيحة , والذين عينهم رسول اللّه (ص ) خلفا على الامة من بعده , وامنا على وحي اللّه ورسالته .
وسوف نقتصر على ذكر خمسة ادلة تثبت هذا المطلب , وتدل عليه :