الباب الرابع
.
دور اهل البيت (ع ) في مواجهة .
الابتداع .
الفصل الاول : معنى التشيع ونشاته .
.
الفصل الثاني : عرض روائي لدور اهل البيت (ع )في مواجهة الابتداع .
ملحقات الباب الرابع .
.
الفصل الاول
معنى التشيع ونشاته .
اتهام التشيع بالابتداع .
.
التشيع في اللغة .
التشيع في الاصطلاح .
فرق الشيعة .
نشاة التشيع .
1 ـ العناية النبوية المتميزة بعلي (ع ) واعداده اعدادا رسالياخاصا.
2 ـ النبي (ص ) يسند الى علي (ع ) المهام الاسلامية الكبرى .
3 ـ النبي (ص ) يوصي المسلمين بموالاة علي (ع ) واتباعه .
4 ـ النبي (ص ) يمهد للتشيع عن طريق الوصية باهل البيت (ع ).
5 ـ النبي (ص ) هو الذي اطلق اسم الشيعة على اتباع اهل البيت (ع ).
معنى التشيع ونشاته
اتهام التشيع بالابتداع .
.
بـعـد ان اصـيـب الكثير من المتعصبين ضد مذهب اهل البيت (ع ) بالعجز الحقيقي من ايجاد اية ثغرة عـقـائدية يمكن النفوذ من خلالها للتشكيك في شرعية المبادئ والاصول الشيعية , وادراكهم كون هـذه الـمبادئ تمثل خط الرسالة الاسلامية بكل ما يحمله هذا الخطمن اصالة ونقا , وبعد ان لمسوا عـمق انتساب هذا المنهج الى الدين من خلال الوثائق التاريخية التي لا يمكن اغفالها او تجاهلها بحال مـن الاحـوال , وبـعد الياس من الظفر باية مهاترة في اصول هذا المنهج ومبانيه المستقاة من القرآن الـكريم وسنة رسول اللّه (ص )بعدكل هذا وذاك حاولوا ان ينتحلوا ذريعة غير مشروعة للنيل من هـذا الـمـذهـب ,وتـشـكيك المسلمين بعقائده واصوله ومبانيه , وذلك عن طريق قذف اصل كيان التشيع بالابتداع .
ولـم يـكتفوا بالقول بان التشيع بدعة محدثة ليس لها اي ارتباط بالاسلام , وانماذهبوا الى القول بان الـتـشـيـع هو اول بدعة ظهرت في الاسلام , وهو اساس لنشؤ بقية البدع , واصل لافتراق الامة الاسلامية وتمزقها.
وبـهـذا يـكـون مفهوم ( البدعة ) قد استغل بطريقة مزورة في سبيل ضرب منهج اهل البيت (ع ) , وحـرف عن موارده الحقيقية , ومصاديقه الواقعية الصائبة الى حيث خدمة التعصب والافترا , وشق وحدة المسلمين , وايجاد النعرات والخلافات فيما بينهم .
وكـان مـن جـرا اطلاق هذا اللفظ على كيان التشيع , وترسيخ هذا الادعاالموهوم في اذهان طبقة كبيرة وواسعة من المسلمين , واعتبار هذا الامر حقيقة تاريخية مسلمة لا تقبل الشك والتردد كان من جرا ذلك ان بني على هذا الاساس المزعوم ركام من الافتراات والانتهاكات الباطلة بحق التشيع , في مختلف الكتب والدراسات الاسلامية لدى ابنا العامة .
فـلـمـاذا يزج هؤلا المتعصبون بانفسهم بين وثائق التاريخ ومصادره الناصعة التي لاتعطيهم فرصة التشكيك في شرعية انتما الشيعة الى الاسلام , وانبثاقها عن اصوله ومبانيه , ولماذا يتركوا انفسهم يـضـيـعـون وسـط الـحـقائق الدينية الساطعة التي دلت بصراحة على وجوب التمسك بمنهج اهل الـبيت (ع ) , والاقتدا بهم , والانضوا تحت رايتهم ؟ ان الامر لا يحتاج الى اكثر من مناورة بسيطة تـعـالج القضية من الجذور ,وتستاصل الحقيقة وتجتثها من الاساس , فتزلزل بذلك عقائد البسطا من الـناس ,وتحول بينهم وبين الاطلاع على تعاليم منهج اهل البيت (ع ) , وتقطع الطريق على من يريد الاقـتـراب مـن الـحقيقة والبحث عنها عن هذا الطريق ان الامر لا يتطلب اكثر من ان يلصقوا بهذا الكيان اسما مقيتا لدى المسلمين , ومعروفا عندهم بالرفض والازدرا ,وذاك هو لفظ ( الابتداع ) , ومن الطبيعي ان يتفرع على اساس هذا القول رفض لمجمل الاعتقادات التي يؤمن بها الشيعة , وعدها داخـلة في اطار ( الابتداع ) المزعوم , ومقاطعة كتب الشيعة ومصادرهم ورواياتهم , ما دام اصل التشيع ( بدعة ) على ما يزعمون .
يقول ( صالح الفوزان ) في كتاب ( البدعة ) :
(( واول بدعة ظهرت بدعة القدر وبدعة الارجا وبدعة التشيع والخوارج , هذه البدع ظهرت في القرن الثاني , والصحابة موجودون , وقد انكروا على اهلها )) ((956)) .
فالفوزان في هذا النص يجعل التشيع اول ( بدعة ) ظهرت في الاسلام , ويعدهامساوقة لبدع القدر والارجـا والـخـوارج , ويقول بانها ظهرت متاخرة عن زمن رسول اللّه (ص ) , ويحدد ذلك بالقرن الـهجري الثاني , ويدعي ان الصحابة قد انكروا على اهلهاواصحابها فهذه ادعاات كبيرة وخطيرة تـمس اصل كيان التشيع , وتطعن مبادئه في الصميم , ولكنا نرى ان الفوزان يطلقها بعفوية وتسالم , من دون ان يجد نفسه مكلفاوملزما بان يقدم اي دليل عليها.
ويقول ( القفاري ) في ( مسالة التقريب بين اهل السنة والشيعة ) :
(( ثـم حـدث بعد بدعة الخوارج بدعة التشيع كالغلاة المدعين الالوهية في علي والمدعين النص على علي (رض ) )) ((957)) .
ونـجد في كلام القفاري دعويان : الدعوى الاولى انه عد التشيع بدعة ,والدعوى الاخرى انه جعل الغلاة قسما من اقسام الشيعة , وفرقة من فرقها , خلطا بين الحقائق , وتمويها على معالم الدين .
وجا في ( تاج العروس ) للزبيدي عند تعرضه لذكر الشيعة :
(( وقال الحافظ : وهم ائمة لا يحصون مبتدعة , وغلاتهم الامامية المنتظرية )) ((958)) .
ويقول الدكتور ( عزت علي عطية ) :
(( ومـا ان قتل عثمان (رض ) حتى ابتدا ظهور الفرق , وتعددت طوائف المسلمين ,واسفر كل من الالـحاد والابتداع عن وجهه القبيح وظهرت الشيعة تحمل الارا الخاصة فيما يتصل بعصمة الائمة والقول بالوصية وغير ذلك )) ((959)) .
وكان الكثير من هؤلا يتشفى بنبز الشيعة بلفظ ( الروافض ) , ويظهر غيظه وحقده وحنقه بالصاق التهم والاباطيل على شيعة امير المؤمنين علي (ع ) , ومن غير شك انهم لا يقصدون من هذا اللفظ الا الـشـيعة الموالون لاهل البيت (ع ) ومن ضمنهم الشيعة الامامية الاثنا عشرية , فيقول ابن تيمية في قضية العدل الالهي :
(( ان شـيـوخ الـرافـضـة كـالمفيد والموسوي والطوسي وغيرهم انما اخذوا ذلك من المعتزلة )) ((960)) .
ويقول في موضع آخر :
(( الرافضة تجعل الائمة الاثني عشر افضل من السابقين الاولين )) ((961)) .
ويقول في نفس هذا المعنى :
(( ان الـرافـضـة لا يـعـرفـون امـام زمـانهم , فانهم يدعون انه الغائب المنتظر محمد بن الحسن )) ((962)) .
ويقول ( ابن حجر الهيثمي ) :
(( وزعـمـت الـرافـضـة ان الـمـهـدي هـو الامام محمد بن الحسن العسكري ثاني عشرالائمة )) ((963)) .
فمن الواضح من خلال هذه النصوص ومن الكثير غيرها مما طفحت به كتابات ابن تيمية وابن حجر وابـن حـزم وغيرهم من المتعصبين , ان المراد من الروافض في كلماتهم هم الشيعة الاثنا عشرية على نحو الخصوص .
ومن هنا جا السب واللعن والتلفيق بدوافع الحقد والتعصب على ابنا الاسلام وحملته والسائرين على تعاليم الكتاب العزيز وهدي اهل بيت النبوة الطاهرين (ع ) ,وسعى الحاقدون سعيا حثيثا على ارجاع غالبية الفرق الضالة الى التشيع , والصاقها به ,وحشرها ضمن اقسامه , وبيان ان اساس تمزق الامة الاسـلامـيـة يعود الى انبثاق هذاالكيان في تاريخ الاسلام , وتصاعد بعضهم بذكر فرق الشيعة الى ارقام خيالية (( ان الرافضة بلغت فرقهم ثلثمائة فرقة والمشهور منها عشرون )) ((964)) .
ولـيـت هـؤلا قد اكتفوا بذلك التلفيق والتشنيع , وانما لجاوا الى اختلاق الاحاديث في هذا الصدد , ونـسبتها الى رسول اللّه (ص ) كذبا وزورا , فقد ذكر ابن حجر ان الذهبي اخرج عن علي (ع ) انه قال :
(( قال رسول اللّه (ص ) يظهر في امتي في آخر الزمان قوم يسمون الرافضة يرفضون الاسلام )).
وان الدارقطني قد اخرجه بزيادة انه (ص ) قال لعلي :
((فان ادركتهم فاقتلهم فانهم مشركون , قال : قلت : ما العلامة فيهم ؟ قال :يقرضونك بما ليس فيك , ويطعنون على السلف )) ((965)) .
وما احسن ما رد به العلامة محمد حسين الزين على هذين الحديثين , حيث يقول :
(( وان ظـهور اسم الرافضة بعد علي بقليل , وثبوت الطعن على بعض السلف في حياة علي , وكون عـلي نفسه قد طعن على ذلك البعض , ان ذلك كله يدل بوضوح على تكرار كذب هذا الخبر المحدد لظهور الرافضة في آخر الزمان , والامر بقتلهم لخصوص الطعن على الخاطئين من السلف .
ولـكن ابن حجر تغافل عما في ذلك الخبر من علائم الكذب والوضع , فلاجله كرره في صواعقه , واخذ يصول به , كما كرر تلك الالفاظ البذيئة في حق الشيعة البريئين )) ((966)) .
واين هؤلا عما يقوله الامام ( الشافعي ) :
يا راكبا قف بالمحصب من منى ـــــواهتف بساكن خيفها والناهض .
سحرا اذا فاض الحجيج الى منى ـــــفيضا كمرفض الفرات الفائض .
ان كان رفضا حب آل محمد ـــــفليشهد الثقلان اني رافضي فـهل يتفوه احد من هؤلا على ( الشافعي ) الذي هو احد كبار ائمة ابنا العامة بماتفوه به على شيعة اهـل الـبـيـت (ع ) , وهـل يجري عليه ما اجري عليهم من تهم وافتراات باعتبار انه يصرح بكونه رافضيا , اي محبا لاهل البيت (ع ) الذين وجبت مودتهم بنص القرآن الكريم في قوله تعالى : ( قل لا اسئلكم عليه اجرا الا المودة في القربى ) ((967)) ؟.
ويجسد لنا الشافعي المعنى الذي يقيم عليه هؤلا المتعصبون بالقول :
اذا في مجـلس ذكـروا عـليا ـــــوسبطيـه وفاطمـة الزكـية .
فاجـرى بعضهـم ذكـرا سواهـم ـــــفايقـن انـه لسلفلـقية .
اذا ذكـروا علـيا او بنيـه ـــــتشاغـل بالروايـات العليـة .
وقال تجـاوزوا يا قـوم هـذا ـــــفهـذا من حـديث الرافضيـة .
برئت الى المهيمـن من انـاس ـــــيـرون الرفـض حـب الفاطـمية .
عـلى آل الـرسول صـلاة ربي ـــــولعنتـه لتـلك الجاهـلية .
ونـقـل العلا مة السيد محسن الامين في ( الاعيان ) عن قطعة مخطوطة عنده للمرزباني انه حكى عن شريك بن عبداللّه القاضي قال :
(( سـعـي بـي الى المهدي باني رافضي ( الى ان قال ) فقلت : ان كان الرافضي من احب رسول اللّه وعليا وفاطمة والحسن والحسين , فانا اشهد بان امير المؤمنين رافضي ,افتبغضهم انت ؟ قال : معاذ اللّه )) ((968)) .
وقـد اشـتهر بين ابنا العامة حديث الفرقة الناجية الذي طبقوه على انفسهم ,وانتحلوا لذلك روايات مـوضـوعـة بـواسطة ايادي آثمة تجنت على صاحب الرسالة (ص ) ,ورووا انه (ص ) قد شخص الفرقة الناجية بالقول : ( ما انا عليه واصحابي ) وفي رواية اخرى انها ( الجماعة ) كذبا وزورا , وجـعـلوا الشيعة وفرقها ضمن الطوائف الاثنين والسبعين الضالة المتبقية التي ذكرها الحديث , بل وبالغوا في ذلك وقالوا بان اكثرهذه الفرق الضالة تعود الى التشيع وتنتهي اليه ((969)) .
وحـديث الفرقة الناجية اما ان يكون حديثا موضوعا , لاضطراب المضمون الذي نقله ابنا العامة له , وعـدم امكانية الوثوق به , اذ لا يمكن ان يكون ( الاصحاب ) او( الجماعة ) بهذا العموم مصداقا , لـلحديث لانه سيكون معكوسا , ويوقعنا في التفرق والتشتت والتمزيق , لانا لا نستطيع ان نقف على مبادئ موحدة واسس عقائدية وثقافية مشتركة على اساس هذه الضابطة المذكورة .
وامـا ان يـكون الحديث واردا في حق علي وشيعته كما ثبتته مصادرنا الخاصة ((970)) , الا انـه حرف , شانه شان الكثير من الاحاديث الاخرى الواردة في فضل اهل البيت (ع ).
وامـا ان نـقـدر صحة الحديث الذي ورد في ذيله ( ما انا عليه واصحابي ) او( الجماعة ) على ان يـكون النبي الاكرم (ص ) قد عنى منه من التزم في زمنه (ص ) بفرائض اللّه واقامها وتقبلها وجرى عـلـيـهـا مؤمنا مخلصا , فيكون الامر مجملا وبحاجة الى الدليل الخاص الذي يعين هؤلا الاصحاب وهـذه الجماعات المؤمنة , وقد ثبت بالطرق المتواترة وجوب اتباع منهج اهل البيت (ع ) وان شيعة عـلـي (ع ) ومـتبعيه هم المجسدون للفرقة الناجية التي ذكرها رسول اللّه (ص ) على فرض صحة الحديث .
يقول الشيخ ( مفيد الفقيه ) في كتابه : ( العقل في اصول الدين ) :
(( وقـد اعـترف الكثير من كتاب الفرق بهذا الحديث , فاخذ كل واحد يطبقه على فرقته وانها هي الـنـاجـيـة , مـع انـه بالصيغ المذكورة لا ينطبق على فرقة بعينها , لان قوله (ص ) : ( ما انا عليه واصـحـابـي ) : ان اريد به كل الاصحاب , فلا اشكال في ان مااجمعوا عليه بعده (ص ) فضلا عن اجـمـاعـهم في عصره (ص ) لا يخالف فيه احد من المسلمين , ليكون بعضهم ناجيا وبعضهم هالكا , ولكن هذا العنوان لا يحق لاحد ان يستدل به , لانهم لم يجمعوا على كل شي مع وجود الرسول (ص ) , بل كانوا يناقشون ويعترضون حتى في الاحكام الشرعية كما لا يخفى على احد ممن راجع السيرة النبوية الشريفة , وان اريد بعض الاصحاب فكل مجموعة من هذا البعض قد اتبعه جماعة حتى طلحة والـزبـيـر ومـعـاويـة وقاتلي عثمان في مواقفهم السياسية وآرائهم الدينية , فاي بعض من هؤلا الاصحاب هو المقصود ؟)) الى ان يقول :
(( ولا نـطـيـل بـنقض الحديث لانه متناقض في مضمونه ونتائجه , ولكننا لا نسلم بصحته , ولا بصحة مضمونه من الاساس لفساد رواته , ولو سلمنا بصدوره عنه (ص )باي نص فلا بد وان نفهمه بنحو ينسجم مع كتاب اللّه والقواعد العامة في الشريعة الاسلامية )) ((971)) .
وكان بسبب من هذه الافتراات والاباطيل ان ادخلت في معنى التشيع فرق وهمية وخيالية لا واقع لها مـن الاسـاس , وقـد اعـطـيت مسميات مختلفة , ومنحت عناوين لا وجود لها , ونسبت الافتراات الشنيعة الى كبار صحابة الائمة (ع ) , واقطاب المذهب الشيعي واعلامه , من اجل الايحا للمسلمين بان الشيعة فرقة مشتتة وممزقة , وكثيرة المسالك والتشعبات .
فـقد ذكر المقريزي مجموعة كبيرة من الفرق الموهومة والتي لا اساس لها بالاصل من ضمن فرق الـشـيـعة , واختلق لها اسما من عنده , فجعل ( الزرارية ) التي يدعي انهافرقة شيعية تضم اتباع زرارة بن اعين من فرق الشيعة حيث يقول :
(( والـفرقة العاشرة الزرارية اتباع زرارة بن اعين احد الغلاة في الرفض , وزعم مع ذلك ان اللّه تعالى لم يكن في الاول عالما ولا قادرا حتى اكتسب لنفسه جميع ذلك )).
ويعد من فرق الشيعة ايضا ( الهشامية ) فيقول عنهم بانهم :
(( اتـبـاع هشام بن الحكم , ويقال لهم ايضا الحكمية , ومن قولهم الاله تعالى كنورالسبيكة الصافية يتلالا من جوانبه )).
وكـذلـك جعل من فرق الشيعة فرقة اخرى اسماها بـ ( الجولقية ) وافترى حولهاالاباطيل , فقال حول اصحابها بانهم :
(( اتباع هشام بن سالم الجولقي , وهو من الرافضة ايضا , ومن شنيع قوله ان اللّه تعالى على صورة انـسـان نـصـفه الاعلى مجوف ونصفه الاسفل مصمت , وليس بلحم و دم ,بل هو نور ساطع , وله خمس حواس كحواس الانسان ويد ورجل وفم وعين واذن وشعر اسود )).
وعد منهم كذلك ( اليونسية ) وقال عنهم بانهم :
(( اتباع يونس بن عبدالرحمن القمي , وكلهم من الروافض )).
وابتكر فرقة اسماها ( الشيطانية ) قائلا عن اتباعها بانهم :
(( اتباع محمد بن النعمان شيطان الطاق , وقد شارك المعتزلة والرافضة في جميع مذهبهم وانفرد بـاعظم الكفر قاتله اللّه , وهو انه زعم ان اللّه لا يعلم الشي حتى يقدره ,وقبل ذلك يستحيل علمه )).
وتـعليقا على افتراات المقريزي هذه نكتفي بالاشارة الى بعض ما ذكره العلامة السيد محسن الامين بعد ايراده لهذه الاقوال وغيرها من الانتحالات :
(( ان زرارة بـن اعـيـن والهشامين ويونس بن عبدالرحمن ومحمد بن النعمان الملقب بمؤمن الطاق كـلـهـم ثقات صحيحو العقيدة , متكلمون حذاق , من اجلا تلاميذواصحاب الامامين جعفر بن محمد الـصـادق وابنه موسى بن جعفر الكاظم (ع ) , وعنهمااخذوا , ومنهما تعلموا , وبهما اقتدوا في كل عـلـم , لا سـيـمـا وصـف الـباري تعالى بصفات الكمال وتنزيهه عن صفات النقص , وعصمة سيد الانبيا(ص ) , ولا يمكن ان يعتقدواامثال هذه الخرافات في حقه تعالى , ولا في حق نبيه (ص ) , وقد اخـذوا عقائدهم عن ائمة اهل البيت الطاهر , معادن العلم والحكمة , ولم ينقل عنهم هذه الخرافات نـاقل يوثق به ,فما نسب اليه محض افترا واختلاق , وتاتي تراجمهم في ابوابها ((972)) , وهم مـتـرجـمـون فـي كـتب رجال الشيعة بكل وصف جميل , وهم امامية اثنا عشرية , ليس لهم مذهب ولانحلة خاصة سوى ذلك , ولا اتباع ينسبون اليهم )) ((973)) .
ويـتـمـادى ( المقريزي ) في تقسيماته الباطلة , ويختلق فرق اخرى لا واقع لها , واسمامن دون مسميات بدافع التهجين والتشنيع حيث يقول :
(( ومـن فـرق الروافض الحلوية , والشاعية , والشريكية يزعمون ان عليا شريك محمد(ص ) , والتناسخية القائلون ان الارواح تتناسخ , واللاعنة , والمخطئة الذين يزعمون ان جبرائيل اخطا , والاسـحاقية والخلفية الذين يقولون لا تجوز الصلاة خلف غير الامام , والرجعية القائلون سيرجع عـلـي ويـنـتـقـم من اعدائه , والمتربصة الذين يتربصون خروج المهدي , والامرية , والجبية , والـجـلالـيـة , والـكـربـية اتباع ابي كريب الضرير , والحزينة اتباع عبداللّه بن عمر الحزين )) ((974)) .
ويعلق السيد محسن الامين على ذلك بالقول :
(( يـعـلـم اللّه ان هذه الاسما كلها لم نسمع بها , ولم نرها في كتب الشيعة , وما هي الا مختلقة لا يقصد من ذكرها غير التشنيع والتهجين , وهي اسما بلا مسميات , ولم يذكرهااحد من المؤرخين , ولا نقلها من كتب في الملل والنحل من الشيعة الا الشيخ ابي محمدالحسن بن موسى النوبختي من اهل القرن الرابع في كتاب المقالات والفرق المتكفل لذكرفرق الشيعة وغيره )) ((975)) .
ومن الانعكاسات السلبية الخطيرة لرمي كيان التشيع بالابتداع هو محاولة بعض المتعصبين من علما الـعـامـة الـتـشـكـيك في كل ما يروى عن طرق الشيعة وخصوصاالامامية الاثنا عشرية , وعدم الاعتراف المطلق بكتبهم الحديثية , ودرج الاحاديث الجمة المروية في مصادر الشيعة ضمن عنوان ما يرويه المبتدعون .
يقول ( نظام الدين الانصاري ) في كتاب ( فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت ):
(( اما المبيحون للكذب فلا تقبل روايتهم البتة , لانهم لما جاز في دينهم على زعمهم الكذب لا يبالون بـالارتكاب عليه , ومنهم الروافض الغلاة والامامية , فان الكذب فيهم اظهر واشهر , حتى صاروا مضرب المثل في الكذب , وجوزوا ارتكاب جميع المعاصي , فلا امان لهم ان يكذبوا على رسول اللّه , ولا هـم يبالون بالكذب على رسول اللّه واصحابه , ومن نظر في كتبهم لم يجد اكثر المرويات الا موضوعة مفتراة )) ((976)) .
ومـن الـطـريف ان نذكر ما علق به الشيخ ( محمد جواد مغنية ) على هذا الكلام فكفانا مؤونة الرد عليه , حيث يقول في كتابه ( الشيعة في الميزان ) :
(( واذا كـان اكـثـر روايـات الامـامية كذبا وافترا , فمعنى ذلك ان التوحيد ونبوة محمد والبعث والـنـشـر سـخـف وهرا , ووجوب الصوم والصلاة والحج والزكاة سراب وهبا , وتحريم الزنا والكذب والسرقة جهل وعما , لان روايات الامامية جلها في ذلك , تعالى اللّه ورسوله علوا كبيرا.
ولا نـعـرف فـرقـة مـن المسلمين تشددت في تحريم الكذب بعامة , وعلى اللّه والرسول بخاصة كـالامـامـية , فانهم حكموا بخروج مستحلة من الاسلام , واخذوا الصدق في تحديدالايمان , فلقد رووا عن ائمتهم اخبارا تجاوزت حد التواتر : ( ان الايمان ان تؤثر الصدق وان ضرك على الكذب وان نفعك ) , واختصوا دون سائر الفرق بالقول ان تعمد الكذب على اللّه او رسوله من المفطرات , وان على هذا الكاذب القضا والكفارة , وبالغ جماعة منهم حيث اوجبوا عليه ان يكفر بالجمع بين عتق رقبة , وصيام شهرين متتابعين ,واطعام ستين مسكينا.
هذا ما جا في كتب الامامية , فمن يكون الكذاب الكفار, الامامية , او الذي يفتري على الابريا الاصفيا ((977)). ؟ ونـحن امام مجموع هذه الافتراات المتقدمة التي تنطلق جميعها من اساس رمى التشيـع بالابتـداع , والــتي نعتقـد يقينـا انها لم تنطلق الا من دوافع الحقد والتعصب ,نجد انفسنا ملزمين بان نميط اللثام عـن حقيقة هذا الامر بما يتناسب حجما مع دراستناالماثلة , وللارتباط الوثيق بين هذا الامر وبين موضوع ( الابتداع ) الذي تناولناه وسلطناالضؤ بشي من التفصيل على حده وقيوده , على ان يكون تـنـاولنا لهذا الموضوع تناولامختصرا ننتقل بعده لبيان مجمل الدور الذي قام به اهل البيت (ع ) في مـواجـهة ( الابتداع )والمحدثات على مر التاريخ الذي عاشوا فيه (ع ) , ويستطيع القارئ الكريم الـعـود الـى الـكـتـب الـمـعـدة لـبـيـان هذا الغرض بالذات للاطلاع على تفاصيل هذا الموضوع وخصوصياته المختلفة ((978)) .
التشيع في اللغة :
يطلق لفظ ( الشيعة ) في اللغة على الاتباع والانصار بشكل عام , ثم تضيق مدلول هذه الكلمة واصبح يطلق بعد مجي الاسلام على اتباع امير المؤمنين علي واهل بيته (ع )الى ان اختص بهم , واصبحوا يميزون ويعرفون عن غيرهم من الطوائف والفرق الاسلامية الاخرى بهذا اللفظ.
وسوف ننقل للقارئ الكريم عبارات مختلفة من امهات الكتب اللغوية , والتي تشير الى المعنى اللغوي العام المذكور للفظ الشيعة , وتطور مدلول هذه الكلمة وانصرافه الى اتباع علي واهل بيته (ع ) على نحو الخصوص .
1 ـ لـسـان العرب : (( والشيعة القوم الذين يجتمعون على الامر , وكل قوم اجتمعواعلى امر فهم شـيـعة , وكل قوم امرهم واحد يتبع بعضهم راي بعض فهم شيع والشيعة :اتباع الرجل وانصاره , وجمعها شيع , واشياع جمع الجمع , ويقال شايعه كما يقال والاه من الولي .
وقد غلب هذا الاسم على من يتوالى عليا واهل بيته رضوان اللّه عليهم اجمعين وحتى صار لهم اسما خاصا , فاذا قيل فلان من الشيعة عرف انه منهم )) ((979)) .
2 ـ الصحاح : (( وشيعة الرجل : اتباعه وانصاره , يقال : شايعه , كما يقال والاه من الولي وكل قوم امرهم واحد يتبع بعضهم راي بعض فهم شيع )) ((980)) .
3 ـ الـقـاموس المحيط : (( وشيعة الرجل بالكسر اتباعه وانصاره , والفرقة على حدة , ويقع على الـواحـد والاثنين والجمع , والمذكر والمؤنث , وقد غلب هذا الاسم على كل من يتولى عليا واهل بيته , حتى صار اسما لهم خاصا )) ((981)) .
4 ـ الـمـصـبـاح الـمـنـيـر : (( والـشيعة : الاتباع والانصار , وكل قوم اجتمعوا على امرفهم شيعة )) ((982)) .
5 ـ تاج العروس : (( وكل من عاون انسانا وتحزب له فهو له شيعة , قال الكميت :
وما لي الا آل احمد شيعة ـــــوما لي الا مشعب الحق مشعب .
وقال الازهري : الشيعة قوم يهوون هوى عترة النبي (ص ) ويوالونهم )) ((983)) .
6 ـ مـجمع البحرين : (( قوله تعالى : ( ثم لننزعن من كل شيعة ) ((984)) , اي : من كل فرقة قوله : ( ولقد ارسلنا من قبلك في شيع الاولين ) ((985)) , اي : في فرقهم وطوائفهم .
والشيعة : الفرقة اذا اختلفوا في مذهب وطريقة .
قـوله : ( ولقد اهلكنا اشياعكم ) ((986)) , اي : اشباهكم ونظراكم في الكفر قوله : (كما فعل بـاشياعهم من قبل ) ((987)) , اي : بامثالكم من الشيع الماضية قوله : ( وان من شيعته لا براهيم ) ((988)) , قـيـل : اي وان مـن شـيعة نوح ابراهيم , يعني انه على منهاجه وسنته في التوحيد والعدل واتباع الحق .
والـشيعة : الاتباع والاعوان والانصار ماخوذ من الشياع , وهو الحطب الصغارالتي تشتعل بالنار , وتـعـيـن الـحطب الكبار على ايقاد النار , وكل قوم اجتمعوا على امر فهم شيعة , ثم صارت الشيعة جماعة مخصوصة )) ((989)) .
فـظـهر من خلال هذا ان لفظ ( الشيعة ) و ( الشيع ) و ( الاشياع ) الوارد في القرآن الكريم قد استعمل في معناه اللغوي العام الذي اشارت اليه الكتب اللغوية .
التشيع في الاصطلاح :
لـكـي نـتـعرف على المعنى المصطلح للفظ ( الشيعة ) و ( التشيع ) لا بد لنا ان نطالع اولا ما يقوله العلما والمحققون بهذا الشان , لكي ننظر بعد ذلك في ابعاد هذا المفهوم ,ونستخلص المعنى الواقعي الـذي يمثل صيغة موحدة لهذه التعاريف التي سوف نرى انهاتختلف فيما بينها سعة وضيقا , وان كانت تشترك في المعنى الكلي العام الذي تقدم ذكره في الكتب اللغوية آنفا عند التعرض لبيان معنى التشيع الخاص , وهو عبارة عن موالاة علي واهل بيته (ع ).
1 ـ الشهرستاني : في ( الملل والنحل ) :
(( الشيعة هم الذين شايعوا عليا(رض ) على الخصوص , وقالوا بامامته وخلافته نصا ووصية , اما جـليا واما خفيا , واعتقدوا ان الامامة لا تخرج من اولاده , وان خرجت فبظلم يكون من غيره , او بتقية من عنده , وقالوا ليست الامامة قضية مصلحية تناطباختيار العامة , وينتصب الامام بنصبهم , بل هي قضية اصولية , وهي ركن الدين , لايجوز للرسل (ع ) اغفاله واهماله , ولا تفويضه الى العامة وارساله )).
واضاف :
(( ويـجمعهم القول بوجوب التعيين والتنصيص , وثبوت عصمة الانبيا والائمة وجوبا عن الكبائر والصغائر , والقول بالتولي والتبري , قولا , وفعلا , وعقدا , الا في حال التقية )) ((990)) .
2 ـ ابن حزم : في ( الفصل في الملل والاهوا والنحل ) :
(( ومن وافق الشيعة في ان عليا افضل الناس بعد رسول اللّه (ص ) واحقهم بالامامة , وولده من بعده فهو شيعي , وان خالفهم فيما عدا ذلك مما اختلف فيه المسلمون ,فان خالفهم فيما ذكرنا فليس شيعيا )) ((991)) .
3 ـ ابو الحسن الاشعري : في ( مقالات الاسلاميين واختلاف المصلين ) :
(( وانـمـا قـيـل لـهم الشيعة لانـهم شايعوا عليا , ويقدمونه على سائر اصحاب رسول اللّه (ص ) )) ((992)) .
4 ـ النوبختي : في ( فرق الشيعة ) :
(( فـاول الـفـرق الـشـيعة , وهم فرقة علي بن ابي طالب (ع ) المسمون بشيعة علي (ع )في زمان النبي (ص ) وبعده , معروفون بانقطاعهم اليه والقول بامامته .
مـنهم المقداد بن الاسود , وسلمان الفارسي , وابو ذر جندب بن جنادة الغفاري ,وعمار بن ياسر , ومـن وافـق مـودته مودة على (ع ) , وهم اول من سمي باسم التشيع من هذه الامة , لان اسم التشيع قديم شيعة ابراهيم وموسى وعيسى والانبيا صلوات اللّه عليهم اجمعين )) ((993)) .
5 ـ الشيخ المفيد :
(( الـشيعة هم من شايع عليا , وقدمه على اصحاب رسول اللّه صلوات اللّه عليه وآله , واعتقد انه الامـام بـوصـيـة مـن رسـول اللّه وبـارادة من اللّه تعالى ايضا كمايرى الامامية او وصفا كما يرى الجارودية )) ((994)) .
6 ـ الشهيد الثاني : في ( شرح اللمعة الدمشقية ) :
(( والـشـيـعة من شايع عليا , وقدمه على غيره في الامامة , وان لم يوافق على امامة باقي الائمة , فـيـدخـل فـيـهـم الامـامية والجارودية من الزيدية والاسماعيلية غير الملاحدة منهم والواقفية والفطحية )) ((995)) .
7 ـ محمد جواد مغنية : في ( الشيعة في الميزان ) :
(( الـتشيع هو الايمان بوجود النص من النبي (ص ) على علي بالخلافة مع عدم المغالاة فيه ولا في احد ابنائه )) ((996)) .
8 ـ بطرس البستاني : في ( دائرة المعارف ) :
(( الـشـيـعـة : فـرقـة مـن كبار فرق الاسلام , بايعوا عليا(رض ) , وقالوا انه الامام بعدرسول اللّه (ص ) بالنص الجلي او الخفي , واعتقدوا ان الامامة لا تخرج عنه وعن اولاده )) ((997)) .
9 ـ محمد فريد وجدي : في ( دائرة معارف القرن العشرين ) :
(( الـشيعة : هم الذين شايعوا عليا(ع ) في امامته , واعتقدوا ان الامامة لا تخرج عن اولاده , قالوا لـيست الامامة قضية مصلحية تناط باختيار العامة بل هي قضية اصولية ,هي ركن الدين , ولا بد ان يـكـون الرسول قد نص على ذلك صريحا , والشيعة يقولون بعصمة الائمة من الكبائر والصغائر , والقول بالتولي والتبري قولا وفعلا , الا في حال التقية اذا خافوا بطش الظالم )) ((998)) .
ومـن خـلال التمعن في مجموع هذه التعاريف التي تعد من ابرز التعاريف التي ذكرت للتشيع من قبل مـختلف العلما والمحققين , نستطيع ان نستخلص مجموعة من الامورالدخيلة في بيان معنى التشيع , وبلورة مفهومه لنا بشكل واضح , وهي :
1 ـ ان الـتـشـيع يعني تولي امير المؤمنين علي (ع ) وتفضيله وتقديمه على الاصحاب كافة في امر الامامة والخلافة الاسلامية بعد رسول اللّه (ص ).
2 ـ ان تقدم امير المؤمنين (ع ) على بقية الاصحاب واستحقاقه لمنصب الامامة ,انما ثبت عن طريق الوصية والنص .
3 ـ ان النص الذي يعتقده الشيعة في امير المؤمنين (ع ) اما ان يكون نصا جليا اونصا خفيا , ويعرف شيخ الطائفة الطوسي كلا النصين بالقول :
(( ثـم الـنـص ينقسم قسمة اخرى على ضربين : احدهما ـ تفرد بنقله الامامية خاصة وان كان في اصـحـاب الحديث من رواه على وجه نقل اخبار الاحاد ـ وهو النص الجلي والاخر ـ نقله المؤالف والـمـخـالف , وتلقاه جميع الامة بالقبول ـ على اختلاف آرائهم ومذاهبهم ـ ولم يقدم احد منهم على جـحـده وانـكـاره مـن يـعـتـد بـقـوله , وان اختلفوا في تاويله والمراد منه , وهو النص الخفي )) ((999)) .
4 ـ ان الـمـغـالاة فـي امـيـر المؤمنين (ع ) او في احد من اهل بيته (ع ) لا تنسجم مع معنى التشيع والاتباع , بل هي خروج عنه من الاساس .
5 ـ ان الشيعة يقولون بانحصار الامامة في ولد علي (ع ) , ويقولون بعدم خروجهاعن اهل بيته (ع ).
6 ـ ان التشيع لا يساوق الايمان بامامة جميع الائمة الاثني عشر(ع ) من ولدعلي (ع ) , فيدخل في مـعنى التشيع فرق اخرى غير الفرقة الامامية الاثني عشرية كالجارودية والواقفية والفطحية الى آخر ما سوف نذكره من فرق الشيعة بعد قليل ان شا اللّه تعالى .
7 ـ ان الـخـلاف الـواقع بين الفرق الشيعية ينحصر في تشخيص عدد الائمة واعيانهم بعد الاتفاق على وجود النص .
وبنا على كل هذا نستطيع القول بان التشيع يعني بكلمة واحدة :
(( مـوالاة امير المؤمنين علي (ع ) , ومشايعته , وتقديمه في امر الامامة على غيره ,وعدم المغالاة فـيه او في احد من اهل بيته (ع ) , والاعتقاد بان خلافته مستمدة عن طريق النص الشرعي الجلي او الخفي , او المشير اليه باسمه او بوصفه (ع ) , وان الامامة منحصرة في اهل بيته (ع ) )).
وقـد حـاول الـبعض ان يحشر في تعريف التشيع عناصر اضافية اخرى لتكون بمثابة الثغرات التي يـمكن النفوذ من خلالها بسهولة لابعاد التشيع عن واقعه الاسلامي المتاصل ,والصاق تهمة اليهودية او النصرانية او الزندقة او المغالاة او غير ذلك من الافتراات فيه .
يكشف الشيخ الدكتور ( احمد الوائلي ) النقاب عن هذا الامر بالقول في كتابه القيم ( هوية التشيع ) :
(( ان الغرض من هذه الاشارة هو القا الضؤ على نقطة يؤكد عليها الباحثون عند استعراضهم لذكر الـشـيـعـة وعـقـائدهم : الا وهي التاكيد على ادخال ارا اريد لها ان تكون خيوطا تصل بين التشيع والـيـهودية , او النصرانية , او الزندقة , ومحاولة ايصال التشيع لعرقيات معينة , وهي محاولة لا تـخـفى على اعين النقاد بانها غير موضوعية , ان هذه المحاولة تريد تصوير التشيع بانـه تطور لا كـما تتطور العقائد والمذاهب الاخرى , وفي التوسع وقبول الاضافات السليمة نتيجة تبرعم بعض الارا , وانما تطور غير سليم وغيرنظيف افسد مضمون التشيع )) ((1000)) .
ثـم يـؤيد الشيخ الوائلي ما ذكره بايراد خمسة نماذج من الاقوال التي تعرضت لذكرمفهوم التشيع , وبدايات نشوئه , لخمسة من كبار علما العامة المتاخرين , ويسلط الضؤعلى تلك النقاط التي حاولت ان تـبـين ان التشيع بدا كفكرة روحية ساذجة ثم تطوربصورة غير مشروعة الى حركة سياسية اسـتـقـطـبت مختلف التيارات المنحرفة , وتاثرت بها , ويقوم بنقاش هذه الارا بموضوعية كاملة , ويكشف تلك المغالطات المزعومة ((1001)) .
فرق الشيعة :
وعـلـى اسـاس ما استخلصناه من تعريف التشيع فيما سبق نستطيع ان نمتلك ضابطة موضوعية ثابتة يـمـكـن على اساسها دخول هذه الفرقة في مفهوم التشيع دون تلك ,وسوف نقوم باستعراض سريع للفرق الشيعية التي تنتسب حقا الى هذا الكيان وتندرج ضمن مفهومه , وللفرق التي لا يحق لها الدخول فـيـه والتي حاول البعض حشرها قسرا في مفهوم التشيع واضفا هذا الاسم عليها لتشويه معالم هذا الكيان , وتجريده عن حقيقة محتواه .
فاما اهم الفرق الداخلة في نطاق التشيع فهي :
1 ـ الـكـيـسانية : وهي الفرقة القائلة بامامة محمد بن الحنفية بعد الامام الحسين (ع ) وزعمت هذه الـفـرقة ان محمد بن الحنفية هو المهدي المنتظر الذي يملا الارض قسطا وعدلاكما ملئت ظلما وجورا , وهو حي لا يموت حتى يظهر الحق , وفي ذلك يقول الشاعرالكيساني كثير عزه :
الا ان الائمـة مـن قـريش ـــــولاة الحـق اربعـة سـوا.
عـلي والثـلاثة مـن بـنيه ـــــهـم الاسبـاط لـيس بهـم خـفا.
فسـبط سـبط ايمـان وبـر ـــــوسـبط غـيبته كـربلا.
وسـبط لا يـذوق المـوت حـتى ـــــيـقود الخـيل يـقدمها اللـوا.
يغـيب فلا يـرى منـهم زمـانا ـــــبرضـوى عـنده عسل ومـا.
2 ـ الناووسية : وهي الفرقة التي اعتقدت بالامام علي بن الحسين (ع ) بعد ابيه ,ثم بالامام محمد بن علي الباقر(ع ) بعد ابيه , ثم بالامام جعفر بن محمد الصادق (ع ) بعدابيه , وتوقفت عند الامام جعفر الصادق (ع ) , وادعت انه هو الامام المنتظر , وانه حي لايموت .
3 ـ الاسـمـاعـيلية : وهي الفرقة التي اعتقدت بالائمة (ع ) الى الامام جعفرالصادق (ع ) , ثم نقلت الامامة منه (ع ) الى ابنه اسماعيل .
4 ـ الـفـطحية : وهي الفرقة التي اعتقدت بالائمة (ع ) ايضا الى الامام جعفرالصادق (ع ) , ثم نقلت الامامة الى ولده عبداللّه الافطح .
5 ـ الواقفية : وهي الفرقة التي اعتقدت بالائمة (ع ) الى الامام الصادق (ع ) ,ونقلت الامامة ـ بحق ـ الـى ولـده الامام موسى الكاظم (ع ) , الا انها وقفت عليه (ع ) ,وزعمت انه المهدي المنتظر , وانه حي لا يموت حتى يملك شرق الارض وغربها ,.
6 ـ الاثنا عشرية : وتسمى ايضا ( الامامية ) وهم القائلون بامامة الائمة الاثني عشر(ع ) وهم علي والـحـسـن والـحـسين وعلي بن الحسين زين العابدين , ومحمد بن علي الباقر , وجعفر بن محمد الـصـادق , ومـوسى بن جعفر الكاظم , وعلي بن موسى الرضا ,ومحمد بن علي الجواد , وعلي بن مـحـمـد الـهـادي , والـحسن بن علي العسكري , ومحمد بن الحسن المهدي المنتظر صلوات اللّه وسلامه عليهم اجمعين .
وقـد اسـتند الامامية في اعتقادهم بالائمة الاثني عشر(ع ) , واتباعهم لهم على مجموعة كبيرة من الـنـصوص النبوية , والتي روى ابنا العامة في مصادرهم المعتبرة قسما منها , حيث ورد عنه (ص ) الـنص بكون الائمة من قريش , وكونهم اثني عشر اماماوقد مر ذكر شطر من هذه الاحاديث فيما سبق .
هذه هي اهم الفرق التي تدخل في معنى التشيع وضمن اطاره العام .
وامـا الفرق التي لا يصح ادخالها ضمن هذا الاطار , ولا يجوز عدها فرقا شيعية ,ولا تصح نسبتها الى هذا الكيان باية صورة من الصور فهي :
1 ـ كـل فرقة تدعي المغالاة في حق علي (ع ) او احد ابنائه , كالمغالين الذين الهواعليا(ع ) , وقد عـمـد(ع ) الـى قـتـلهم بالدخان لاستئصال هذه الحالة الشاذة من جسد الامة الاسلامية , واجتثاث جـذورها من الاساس , فمعنى التشيع يابى حشر المغالين ضمن فرق الشيعة , لان التشيع كما قدمنا ينصرف الى موالاة علي (ع ) واهل بيته (ع ) واعتباره اماما منصوبا عن طرق النص الشرعي لاكمال شوط رسول اللّه (ص ) , وحمل راية المسيرة الاسلامية التي صدع بتعاليمها الوحي من السما.
يقول الدكتور ( عبداللّه الفياض ) في كتابه ( تاريخ الامامية ) :
(( ففرق الزيدية التي تساهلت بقضية افضلية الامام علي على سائر الصحابة ,وجماعات الغلاة التي خرجت عن حد الامامة الى الربوبية يصعب حشرها في اطارالتشيع العام )) ((1002)) .
ويقول الشيخ ( محمد جواد مغنية ) في ( الشيعة في الميزان ) :
(( امـا الـمـغـالاة في علي وصفاته , او تكفير خصومه السياسيين وما الى ذلك فلا يمت الى التشيع بسبب .
والذي يدلنا على ان لفظ الشيعة علم على من يؤمن بان عليا هو الخليفة بنص النبي ما قاله فقها الامامية في كتب التشريع من انه اذا اوصى رجل بمال للشيعة , اووقف عقارا عليهم , يعطى لمن قدم عليا في الامامة على غيره بعد النبي , ولايعطى للمغالين ( كتاب المسالك للشهيد الثاني , ج : 1 , باب الوقف ) )) ((1003)) .
ومـما يؤسف له ان بعض كتب الملل والنحل تساهلت كثيرا في هذا الامر الخطير ,وادرجت الغلاة من ضمن طوائف الشيعة بشكل مسلم , وراحت تذكر خصوصياتهم وصفاتهم وتوكد على انتمائهم الى خط التشيع العام .
وقـد اسـتغل هذا الامر ابشع استغلال في رمي الشيعة بمختلف الاباطيل , والخلطبينها وبين الحق الذي لا غبار عليه .
فـنـرى ان الـدكتور احمد امين يشهر هذه الورقة في وجه التشيع حيث يقول : (( ولم يكتف غلاة الشيعة في علي بانـه افضل الخلق بعد النبي وانه معصوم بل منهم من الهه )) ((1004)) .
ويـضـرب مـحمد ثابت المصري على نفس هذه الوتر في كتابه ( جولة في ربوع الشرق الادنى ) حيث يقول : (( ومن الشيعة قسم اوجب النبوة بعد النبي فقالوا بان الشبه بين محمد وعلي كان قريبا لـدرجـة ان جـبـرائيـل اخـطا , وتلك فئة الغالية او الغلاة , ومنهم من قال بان جبرائيل تعمد ذلك )) ((1005)) .
ويـنـحـى محمد فريد وجدي في دائرة معارفه منحى من زج بالغلاة ضمن فرق الشيعة من مؤرخي الـعـامة بقصد التشنيع والتهجين والتشويه , فيقول مضيفا الى ذلك بعض المفتعلات : (( وهم خمس فـرق كيسانية , وزيدية , وامامية , وغلاة , واسماعيلية وبعضهم يميل في الاصول الى الاعتزال , ((1006)). )) ومن العجيب حقا انه في الوقت الذي يتبرا فيه الشيعة الامامية الاثنا عشرية من المغالين اشد التبرؤ , ويعدون المغالي في علي (ع ) او احد ابنائه خارجا عن الدين بشكل واضح وصريح في جميع كتبهم ومـصـنـفاتهم نجد ان السمعاني وغيره من المتعصبين يقذف نفس الامامية بالغلو , فيقول في كتابه ( الانساب ) مانصه :
(( الامـامـيـة جـماعة من غلاة الشيعة , وانما لقبوا بهذا اللقب لانهم يرون الامامة لعلي واولاده , ويـعـتقدون انه لابد للناس من الامام , وينتظرون اماما سيخرج في آخر الزمان يملا الارض عدلا كما ملئت جورا )) ((1007)) .
فـهـل تـرى فـيـمـا ذكره السمعاني من عقائد الامامية غلوا , وهو في مقام الذم والتشنيع واستقصا الـنـقائص والعثرات ؟ والابتعاد عن روح التخي والانصاف ؟ ولـنـنـظـر الى ما ينقله ( الزبيدي ) في ( تاج العروس ) عن الحافظ الذي يقطر كلامه حقدا على الشيعة الامامية حيث يقول حول الشيعة :
(( وقال الحافظ وهم ائمة لا يحصون مبتدعة وغلاتهم الامامية المنتظرية )) ((1008)) .
2 ـ يـخـرج من فرق التشيع ايضا كل فرقة لا تقول بثبوت الامامة عن طريق النص , كما في بعض فرق الزيدية التي تدعي انعقاد الامامة بالاختيار.
يقول السيد ( محسن الامين ) في ( اعيان الشيعة ) حول فرقة الزيدية :
(( قـالـت الـزيدية ان الامامة تكون بالاختيار فمن اختير صار اماما واجب الطاعة ,ولايشترط ان يـكـون مـعصوما , ولا افضل اهل زمانه , وانما يشترط ان يكون من ولدفاطمة , وان يكون شجاعا عالما يخرج بالسيف )) ((1009)) .
واما بقية فرق الزيدية التي تقول بثبوت الامامة عن طريق النص , فهي داخلة في الاطار العام لمفهوم ( التشيع ) ايضا.
وقد بدا اسم الشيعة ينصرف في الفترات المتاخرة الى الامامية الاثني عشرية ,التي تمثل المصداق البارز لهذا اللفظ , باعتبارها الفرقة المتقدمة التي تمثل روح التشيع وجوهره , وهي الفرقة الارسخ بقا والاوسع انتشارا في بقاع الارض المختلفة .
ومـن جـانب آخر نرى ان اغلب الفرق الشيعية التي ذكرناها آنفا اما ان تكون قدانقرضت , واما ان تكون موجودة ضمن دوائر ضيقة ومحدودة .
فمثلا نجد ان الفرقة الكيسانية قد انقرضت بشكل كامل , ولم يبق لها اي اثر , فيقول الشيخ ( المفيد ) حول الفرقة الكيسانية في كتاب ( العيون والمحاسن ) :
(( ولا بقية للكيسانية جملة , وقد انقرضوا , حتى لا يعرف منهم في هذا الزمان احد )) ((1010)) .
والفرقة الناووسية ايضا بادت ولا يوجد منها الان اي احد.
وكذلك الامر في الفرقتين الفطحية والواقفية فهما فرقتان بائدتان ايضا ((1011)) .
وامـا الفرقة الاسماعيلية , وفرق الزيدية التي تعتقد وجود النص ولا تقول بالمغالاة فهي وان كانت موجودة في هذا العصر , الا ان الاسماعيلية والزيدية تعرفان باسمهماالخاص غالبا , على الرغم من كونهما فرقتين من فرق الشيعة ايضا , وقد نشا هذاالانصراف والتخصيص نتيجة لكثرة الاستعمال .
ولـذا فـان اسم الشيعة ينصرف الان الى الامامية الاثني عشرية على نحو الغلبة اوالخصوص يقول العلامة السيد ( محسن الامين ) :
(( والـمـوجـود الـيوم من فرق الشيعة هم الامامية الاثنا عشرية , وهم الاكثر عددا ,والزيدية والاسماعيلية ( البهرة ) )) ((1012)) .
ويقول العلامة ( محمد حسين الزين ) :
(( وان الـمـعـاني الحقيقية التي قدمناها للتشيع الحق لا تخول احدا ان يطلق اسم الشيعة على غير الاثـني عشرية , واكثر الزيدية والاسماعيلية , وبعض الفطحية والواقفية ,وبما ان الزيدية اليوم ومـثلهم الاسماعيلية لا يعرفون الا بهذين الانتسابين , وبما ان الفطحية والواقفية لا وجود لهم في هذا العصر , انحصر اسم الشيعة بالشيعة الامامية الاثني عشرية واختص بهم )) ((1013)) .