الملحق الثالث مجلس الامام الرضا(ع ) مع المروزي عند المامون .
((1557)) في التوحيد. جا في توحيد الصدوق :
حـدثنا ابو محمد جعفر بن علي بن احمد الفقيه (رض ) , قال : اخبرنا ابو محمدالحسن بن محمد بن علي بن صدقة القمي , قال : حدثني ابو عمرو محمد بن عمر بن عبدالعزيز الانصاري الكجي قال :
حـدثني من سمع الحسن بن محمد النوفلي يقول : قدم سليمان المروزي متكلم خراسان على المامون فـاكـرمـه ووصـلـه ثـم قال له : ان ابن عمي علي بن موسى قدم علي من الحجاز وهو يحب الكلام واصحابه , فلا عليك ان تصير الينا يوم التروية لمناظرته , فقال سليمان : يا امير المؤمنين اني اكره ان اسـال مـثـلـه فـي مـجـلسك في جماعة من بني هاشم فينتقص عند القوم اذا كلمني , ولا يجوز الاستقصا عليه , قال المامون : انما وجهت اليك لمعرفتي بقوتك وليس مرادي الا ان تقطعه عن حجة واحـدة فـقـط : فـقـال سـلـيـمان : حسبك يا امير المؤمنين اجمع بيني وبينه وخلني واياه والزم , فوجه المامون الى الرضا(ع ) فقال : انه قدم علينا رجل من اهل مرو وهو واحد خراسان من اصحاب الـكـلام , فـان خـف عـلـيك ان تتجشم المصير الينا فعلت , فنهض (ع ) للوضؤوقال لنا : تقدموني وعمران الصابئ معنا , فصرنا الى الباب فاخذ ياسر وخالد بيدي فادخلاني على المامون , فلما سلمت قـال : ايـن اخـي ابـو الـحـسن ابقاه اللّه , قلت : خلفته يلبس ثيابه وامرنا ان نتقدم , ثم قلت يا امير المؤمنين ان عمران مولاك معي وهو بالباب ,فقال : من عمران ؟ قلت : الصابي الذي اسلم على يديك , قـال : فليدخل فدخل فرحب به المامون , ثم قال له : يا عمران لم تمت حتى صرت من بني هاشم , قـال : الـحـمـد للّه الـذي شـرفـني بكم يا امير المؤمنين , فقال له المامون : يا عمران هذا سليمان الـمـروزي مـتـكـلـم خـراسـان , قال عمران : يا امير المؤمنين انه يزعم انه واحد خراسان في الـنـظروينكرالبدا , قال : فلم لا تناظره ؟ قال عمران : ذلك اليه , فدخل الرضا(ع ) فقال : في اي شي كنتم ؟قال عمران : يا ابن رسول اللّه هذا سليمان المروزي , فقال سليمان : اترضى بابي الحسن وبـقـوله فيه ؟ قال عمران : قد رضيت بقول ابي الحسن في البدا على ان ياتيني فيه بحجة احتج بها على نظرائي من اهل النظر.
قال المامون : يا ابا الحسن ما تقول فيما تشاجرا فيه ؟.
قـال (ع ) : وما انكرت من البدا يا سليمان , واللّه عزوجل يقول : ( او لايذكرالانسان انا خلقناه من قبل ولم يك شيئا ) ((1558)) ويقول عزوجل : ( وهو الذي يبدؤا الخلق ثم يعيده ) ((1559)) ويـقـول : ( بـديـع الـسـموات والارض ) ((1560)) ويقول عزوجل : ( يزيد في الخلق ما يشا ) ((1561)) ويـقول : ( وبدا خلق الانسان من طين ) ((1562)) ويقول عزوجل : ( و آخرون مرجون لامر اللّه اما يعذبهم واما يتوب عليهم ) ((1563)) ويقول عزوجل : ( وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره الا في كتاب ) ((1564)) ؟.
قال سليمان : هل رويت فيه شيئا عن آبائك ؟ قال (ع ) : نعم رويت عن ابي عبداللّه (ع ) انه قال : (( ان للّه عـزوجـل عـلـمـين : علما مخزونا مكنونا لا يعلمه الا هو من ذلك يكون البدا وعلما علمه ملائكته ورسله , فالعلما من اهل بيت نبيه يعلمونه ))قال سليمان : احب ان تنزعه لي من كتاب اللّه عزوجل .
قال (ع ) : قول اللّه عزوجل لنبيه (ص ) : ( فتول عنهم فما انت بملوم ) ((1565)) ارادهلاكهم ثم بدا للّه فقال : ( وذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين ) ((1566)) , قال سليمان : زدني جعلت فداك .
قـال الرضا(ع ) لقد اخبرني ابي عن آبائه ان رسول اللّه (ص ) قال : ان اللّه عزوجل اوحى الى نبي مـن انبيائه : ان اخبر فلان الملك اني متوفيه الى كذا وكذا , فاتاه ذلك النبي فاخبره فدعا اللّه الملك وهـو عـلـى سـريره حتى سقط من السرير , فقال : يا رب اجلني حتى يشب طفلي واقضي امري , فـاوحى اللّه عزوجل الى ذلك النبي ان ائت فلان الملك فاعلمه اني قد انسيت في اجله , وزدت في عمره خمس عشرة سنة , فقال ذلك النبي : يا رب انك لتعلم اني لم اكذب قط , فاوحى اللّه عزوجل اليه : انما انت عبدمامور فابلغه ذلك واللّه لا يسال عما يفعل .
ثم التفت الى سليمان فقال : احسبك ضاهيت اليهود في هذا الباب , قال : اعوذباللّه من ذلك , وما قالت اليهود ؟.
قال (ع ) : قالت : (( يد اللّه مغلولة )) يعنون ان اللّه قد فرغ من الامر فليس يحدث شيئا , فقال اللّه عـزوجـل : (غـلـت ايـديـهم ولعنوا بما قالوا ) ((1567)) ولقد سمعت قوما سالواابي موسى بن جعفر(ع ) عن البدا فقال : وما ينكر الناس من البدا وان يقف اللّه قومايرجيهم لامره ؟.
قال سليمان : الا تخبرني عن ( انا انزلناه في ليلة القدر ) ((1568)) في اي شي انزلت ؟.
قـال الرضا(ع ) : يا سليمان ليلة القدر يقدر اللّه عزوجل فيها ما يكون من السنة الى السنة من حياة , او موت , او خير , او شر , او رزق , فما قدره من تلك الليلة فهو من المحتوم .
قال سليمان : الان قد فهمت جعلت فداك , فزدني .
قـال (ع ) : يـا سليمان ان من الامور امورا موقوفة عند اللّه تبارك وتعالى يقدم منها ما يشا ويؤخر ما يـشـا , يـا سليمان ان عليا(ع ) كان يقول : العلم علمان : فعلم علمه اللّه ملائكته ورسله , فما علمه ملائكته ورسله فانه يكون , ولا يكذب نفسه ولاملائكته ولا رسله , وعلم عنده مخزون لم يطلع عـلـيه احدا من خلقه , يقدم منه ما يشاويؤخر منه ما يشا , ويمحو ما يشا ويثبت ما يشا , قال سليمان للمامون : يا اميرالمؤمنين لا انكر بعد يومي هذا البدا ولا اكذب به ان شا اللّه .
فقال المامون : يا سليمان سل ابا الحسن عما بدا لك , وعليك بحسن الاستماع والانصاف .
قال سليمان : يا سيدي اسالك ؟.
قـال الـرضـا(ع ) :سـل عـما بدا لك , قال : ما تقول فيمن جعل الارادة اسما وصفة مثل حي وسميع وبصير وقدير ؟ قال الرضا(ع ) : انما قلتم حدثت الاشيا واختلفت لانه شاواراد , ولم تقولوا حدثت واختلفت لانه سميع بصير , فهذا دليل على انها ليست بمثل سميع ولا بصير ولا قدير.
قال سليمان : فانه لم يزل مريدا.
قال (ع ) : يا سليمان فارادته غيره ؟ قال نعم , قال (ع ) : فقد اثبت معه شيئا غيره لم يزل , قال سليمان : ما اثبت .
قال الرضا(ع ) اهي محدثة ؟ قال سليمان : لا ماهي محدثة .
فـصاح به المامون وقال : يا سليمان مثله يعايا او يكابر , عليك بالانصاف , اماترى من حولك من اهل النظر ؟ ثم قال : كلمه يا ابا الحسن فانه متكلم خراسان , فاعادعليه المسالة , فقال (ع ) : هي محدثة يا سليمان فان الشي اذا لم يكن ازليا كان محدثا ,واذا لم يكن محدثا كان ازليا.
قال سليمان : ارادته منه كما ان سمعه منه وبصره منه وعلمه منه .
قال الرضا(ع ) : فارادته نفسه ؟ قـال (ع ) فـليس المريد مثل السميع والبصير , قال سليمان : انما اراد نفسه كما سمع نفسه وابصر نفسه وعلم نفسه .
قـال الرضا(ع ) : ما معنى اراد نفسه اراد ان يكون شيئا او اراد ان يكون حيا اوسميعا او بصيرا او قديرا ؟ قال الرضا(ع ) : افبارادته كان ذلك ؟ قـال الـرضا(ع ) : فليس لقولك : اراد ان يكون حيا سميعا بصيرا معنى اذا لم يكن ذلك بارادته , قال سليمان : بلى قد كان ذلك بارادته , فضحك المامون ومن حوله وضحك الرضا(ع ) , ثم قال : ارفقوا بمتكلم خراسان , يا سليمان فقد حال عندكم عن حالة وتغيرعنها ((1569)) , وهذا مما لا يوصف اللّه عزوجل به , فانقطع .
ثم قال الرضا(ع ) : يا سليمان اسالك مسالة , قال : سل جعلت فداك .
قـال (ع ) : اخـبرني عنك وعن اصحابك تكلمون الناس بما يفقهون و يعرفون , اوبما لا يفقهون ولا يعرفون ؟ قال : بل بما يفقهون ويعرفون .
قـال الـرضا(ع ) : فالذي يعلم الناس ان المريد غير الارادة وان المريد قبل الارادة وان الفاعل قبل الـمفعول وهذا يبطل قولكم : ان الارادة والمريد شي واحد , قال :جعلت فداك ليس ذاك منه على ما يـعـرف الناس , ولا على ما يفقهون , قال (ع ) : فاراكم ادعيتم علم ذلك بلا معرفة , وقلتم : الارادة كالسمع والبصر اذا كان ذلك عندكم على مالا يعرف ولا يعقل .
فلم يحر جوابا.
ثم قال الرضا(ع ) : يا سليمان هل يعلم اللّه عزوجل جميع ما في الجنة والنار ؟ قال (ع ) : افيكون ما علم اللّه عزوجل انـه يكون من ذلك ؟ قـال (ع ) : فـاذا كـان حـتـى لا يبقى منه شي الا كان , ايزيدهم او يطويه عنهم ؟ يزيدهم .
قـال (ع ) : فـاراه فـي قولك : قد زادهم ما لم يكن في علمه انه يكون ((1570)) قال :جعلت فداك والمزيد لا غاية له ((1571)) .
قـال (ع ) : فليس يحيط علمه عندكم بما يكون فيهما اذا لم يعرف غاية ذلك , واذالم يحط علمه بما يـكـون فيهما لم يعلم ما يكون فيهما قبل ان يكون , تعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا , قال سليمان : انما قلت : لا يعلمه لانه لا غاية لهذا لان اللّه عزوجل وصفهمابالخلود , وكرهنا ان نجعل لهما انقطاعا.
قـال الرضا(ع ) : ليس علمه بذلك بموجب لانقطاعه عنهم لانه قد يعلم ذلك ثم يزيدهم ثم لا يقطعه عـنـهم وكذلك قال اللّه عزوجل في كتابه : ( كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب ) ((1572)) وقال عزوجل لاهل الجنة : ( عطا غيرم جذوذ ) ((1573)) وقال عزوجل : ( وفـاكهة كثيرة # لا مقطوعة ولا ممنوعة ) ((1574)) فهو جل وعز يعلم ذلك ولا يقطع عنهم الزيادة , ارايت ما اكل اهل الجنة وما شربوا , اليس يخلف مكانه ؟ قال (ع ) : افيكون يقطع ذلك عنهم وقد اخلف مكانه ؟ قال (ع ) : فكذلك كل ما يكون فيها ((1575)) اذا اخلف مكانه فليس بمقطوع عنهم ,قال سليمان : بل يقطعه عنهم فلا يزيدهم .
قـال الرضا(ع ) : اذا يبيدما فيهما وهذا يا سليمان ابطال الخلود , وخلاف الكتاب , لان اللّه عزوجل يـقـول : ( لـهـم مـا يشاون فيها ولدينا مزيد ) ((1576)) , ويقول عزوجل : ( عطا غير مجذوذ ) ((1577)) , ويـقـول عزوجل : ( وما هم منها بمخرجين ) ((1578)) ,ويقول عزوجل : ( خـالـديـن فـيـها ابدا ) ((1579)) , ويقول عزوجل : ( وفاكهة كثيرة #لامقطوعة ولا ممنوعة ) ((1580)) .
فلم يحر جوابا.
ثم قال الرضا(ع ) : يا سليمان الا تخبرني عن الارادة فعل هي ام غير فعل ؟ قال :بل هي فعل .
قال (ع ) : فهي محدثة لان الفعل كله محدث , قال : ليست بفعل .
قال (ع ) : فمعه غيره لم يزل , قال سليمان : الارادة هي الانشا.
قال (ع ) : يا سليمان هذا الذي ادعيتموه على ضرار واصحابه ((1581)) من قولهم :ان كل ما خلق اللّه عـزوجـل في سما او ارض او بحر او بر من كلب او خنزير او قرد اوانسان او دابة ارادة اللّه عـزوجـل , وان ارادة اللّه عزوجل تحيى وتموت وتذهب وتاكل وتشرب وتنكح وتلد وتظلم وتفعل الفواحش وتكفر وتشرك فتبر منها وتعاديها وهذاحدها ((1582)) .
قال سليمان : انها كالسمع والبصر والعلم .
قال الرضا(ع ) : قد رجعت الى هذا ثانية , فاخبرني عن السمع والبصر والعلم امصنوع ؟ قال سليمان : لا.
قال الرضا(ع ) : فكيف نفيتموه ((1583)) فمرة قلتم لم يرد , ومرة قلتم اراد , وليست بمفعول له ؟ ((1584)) .
قال الرضا(ع ) : ليس ذلك سوا , لان نفي المعلوم ليس بنفي العلم , ونفي المرادنفي الارادة ان تكون , لان الـشـي اذا لـم يرد لم يكن ارادة , وقد يكون العلم ثابتا وان لم يكن المعلوم , بمنزلة البصر فقد يـكون الانسان بصيرا وان لم يكن المبصر , ويكون العلم ثابتا وان لم يكن المعلوم ((1585)) , قال سليمان : انها مصنوعة .
قال (ع ) : فهي محدثة ليست كالسمع والبصر , لان السمع والبصر ليسابمصنوعين , وهذه مصنوعة , قال سليمان : انها صفة من صفاته لم تزل .
قال (ع ) : فينبغي ان يكون الانسان لم يزل لان صفته لم تزل , قال سليمان : لا لانه لم يفعلها.
قال الرضا(ع ) : يا خراساني ما اكثر غلطك , افليس بارادته وقوله تكون الاشيا ؟ قـال (ع ) : فـاذا لم يكن بارادته ولا مشيئته ولا امره ولا بالمباشرة فكيف ى كون ذلك ؟ عن ذلك .
فلم يحر جوابا ((1586)) .
ثـم قـال الرضا(ع ) : الا تخبرني عن قول اللّه عزوجل : ( واذا اردنا ان نهلك قرية امرنا مترفيها ((1587)) قال له : نعم . يعني بذلك انه يحدث ارادة ؟ قـال (ع ) : فاذا احدث ارادة كان قولك ان الارادة هي هو ام شي منه باطلا , لانه لا يكون ان يحدث نفسه ولا يتغير عن حاله , تعالى اللّه عن ذلك , قال سليمان : انه لم يكن عنى بذلك انه يحدث ارادة .
قال (ع ) : فما عنى به , قال : عنى فعل الشي .
قال الرضا(ع ) : ويلك كم تردد هذه المسالة , وقد اخبرتك ان الارادة محدثة لان فعل الشي محدث , قال : فليس لها معنى .
قـال الـرضا(ع ) : قد وصف نفسه عندكم حتى وصفها بالارادة بما لا معنى له , فاذالم يكن لها معنى قديم ولا حديث بطل قولكم : ان اللّه لم يزل مريدا قال سليمان : انماعنيت انها فعل من اللّه لم يزل .
قال : الا تعلم ان ما لم يزل لا يكون مفعولا , وحديثا وقديما في حالة واحدة ؟.
فلم يحر جوابا.
قال الرضا(ع ) : لا باس , اتمم مسالتك , قال سليمان : قلت : ان الارادة صفة من صفاته .
قال الرضا(ع ) : كم تردد علي انها صفة من صفاته , وصفته محدثة او لم تزل ؟ قال الرضا(ع ) : اللّه اكبر , فالارادة محدثة وان كانت صفة من صفاته لم تزل .
فلم يرد شيئا ((1588)) .
قـال الـرضـا(ع ) : ان مـا لـم يـزل لا يـكـون مـفـعولا , قال سليمان : ليس الاشيا ارادة ولم يرد شيئا ((1589)) .
قـال الـرضا(ع ) : وسوست يا سليمان , فقد فعل وخلق ما لم يرد خلقه ولا فعله ,وهذه صفة من لا يدري ما فعل , تعالى اللّه عن ذلك .
قال سليمان : يا سيدي قد اخبرتك انها كالسمع والبصر والعلم .
قـال الـمامون : ويلك يا سليمان كم هذا الغلط والتردد , اقطع هذا وخذ في غيره اذلست تقوى على هـذا الـرد , قـال الرضا(ع ) : دعه يا امير المؤمنين , لا تقطع عليه مسالته فيجعلها حجة , تكلم يا سليمان , قال : قد اخبرتك انها كالسمع والبصر والعلم .
قال الرضا(ع ) : لا باس , اخبرني عن معنى هذه امعنى واحد ام معان مختلفة ؟ واحد.
قال الرضا(ع ) : فما معنى الارادات كلها معنى واحد ؟ قال سليمان : نعم .
قـال الـرضا(ع ) : فان كان معناها معنى واحدا كانت ارادة القيام وارادة القعودوارادة الحياة وارادة الموت اذا كانت ارادته واحدة ((1590)) لم يتقدم بعضها بعضا , ولم يخالف بعضها بعضا , وكان شيئا واحدا ((1591)) , قال سليمان : ان معناها مختلف .
قال (ع ) فاخبرني عن المريد اهو الارادة او غيرها ؟ قال الرضا(ع ) : فالمريد عندكم يختلف ان كان هو الارادة ؟ قال : يا سيدي ليس الارادة المريد.
قال (ع ) : فالارادة محدثة , والا فمعه غيره , افهم وزد في مسالتك .
قال سليمان : فانها اسم من اسمائه .
قال الرضا(ع ) : هل سمى نفسه بذلك ؟ قال سليمان : لا لم يسم نفسه بذلك .
قال الرضا(ع ) : فليس لك ان تسميه بما لم يسم به نفسه , قال : قد وصف نفسه بانـه مريد.
قال الرضا(ع ) : ليس صفته نفسه انـه مريد اخبارا عن انـه ارادة ولا اخبارا عن ان الارادة اسم من اسمائه , قال سليمان : لان ارادته علمه .
قال الرضا(ع ) : يا جاهل فاذا علم الشي فقد اراده ؟ قال سليمان : اجل .
قال (ع ) : فاذا لم يرده لم يعلمه , قال سليمان : اجل .
قال (ع ) : من اين قلت ذاك , وما الدليل على ان ارادته علمه ؟ وقد يعلم ما لايريده ابدا , وذلك قوله عـزوجـل : ( ولئن شئنا لنذهبن بالذي اوحينا اليك ) ((1592)) , فهويعلم كيف يذهب به وهو لا يذهب به ابدا , قال سليمان : لانه قد فرغ من الامر فليس يزيد فيه شيئا.
قـال الـرضـا(ع ) : هـذا قول اليهود فكيف قال عزوجل : ( ادعوني استجب لكم ) ((1593)) قال سليمان : انما عنى بذلك انه قادر عليه .
قـال (ع ) : افيعد ما لا يفي به ؟ ((1594)) , وقال عزوجل : ( يمحوا اللّه ما يشا ويثبت وعنده ام الكتاب ) ((1595)) , وقدفرغ من الامر.
فلم يحر جوابا.
قـال الرضا(ع ) : يا سليمان هل يعلم ان انسانا يكون ولا يريد ان يخلق انسانا ابدا, وان انسانا يموت اليوم ولا يريد ان يموت اليوم ؟ قال سليمان : نعم .
قـال الرضا(ع ) فيعلم انه يكون ما يريد ان يكون , او يعلم انه يكون ما لا يريد ان يكون ؟ انهما يكونان جميعا.
قـال الرضا(ع ) : اذن يعلم ان انسانا حي , ميت , قائم , قاعد , اعمى , بصير في حال واحدة , وهذا هو المحال , قال : جعلت فداك فانه يعلم انه يكون احدهما دون الاخر.
قال (ع ) : لا باس , فايهما يكون , الذي اراد ان يكون او الذي لم يرد ان يكون ؟.
فضحك الرضا(ع ) , والمامون , واصحاب المقالات .
قال الرضا(ع ) : غلطت وتركت قولك : انه يعلم ان انسانا يموت اليوم , وهو لايريد ان يموت اليوم , وانه يخلق خلقا وهو لا يريد ان يخلقهم , فاذا لم يجز العلم عندكم بما لم يرد ان يكون , فانما يعلم ان يكون ما اراد ان يكون ((1596)) .
قال سليمان : فانما قولي : ان الارادة ليست هو ولا غيره .
قـال الـرضا(ع ) : يا جاهل اذا قلت : ليست هو , فقد جعلتها غيره , واذا قلت :ليست هي غيره فقد جعلتها هو , قال سليمان : فهو يعلم كيف يصنع الشي ؟.
قال (ع ) : نعم , قال سليمان : فان ذلك اثبات للشي ((1597)) .
قـال الـرضـا(ع ) : احـلـت لان الرجل قد يحسن البنا وان لم يبن , ويحسن الخياطة وان لم يخط , ويحسن صنعة الشي وان لم يصنعه ابدا , ثم قال (ع ) له : يا سليمان هل يعلم انه واحد لا شي معه ؟ قال : نعم .
قال (ع ) : افيكون ذلك اثباتا للشي ؟
قال الرضا(ع ) افتعلم انت ذاك ؟ قال (ع ) : فانت يا سليمان اعلم منه اذا , قال سليمان : المسالة محال .
قال (ع ) : محال عندك انه واحد لا شي معه , وانه سميع , بصير , حكيم , عليم ,قادر ؟ قال (ع ) : فكيف اخبر اللّه عزوجل انه واحد حي , سميع , بصير , عليم , خبير ,وهو لا يعلم ذلك ؟ ثم قال الرضا(ع ) : فكيف يريد صنع ما لا يدري صنعه و لا ما هو ؟ يصنع الشي قبل ان يصنعه فانما هو متحير , تعالى اللّه عن ذلك .
قال سليمان : فان الارادة القدرة .
قال الرضا(ع ) : وهو عزوجل يقدر على ما لا يريده ابدا , ولابد من ذلك لانه قال تبارك وتعالى : ( ولـئن شـئنا لنذهبن بالذي اوحينا اليك ) ((1598)) , فلو كانت الارادة هي القدرة كان قد اراد ان يذهب به لقدرته , فانقطع سليمان .
قال المامون عند ذلك : يا سليمان هذا اعلم هاشمي ثم تفرق القوم .