عربي
Wednesday 27th of November 2024
0
نفر 0

العقيدة، محاولة تعريف

 العقيدة أنواع، هناك العقيدة السياسية وهناك العقيدة الاجتماعية وهناك العقيدة الدينية..

وما يعنينا تعريفه هنا هو العقيدة الدينية فهي العقيدة التي تقف على رأس هذه الأنواع من العقائد، وهي العقيدة التي كتب لها الديمومة والبقاء من دون بقية العقائد الأخرى.

وإذا كانت العقيدة تنبثق من عمل عقلي اختياري، للرغبة والوجدان دورهما فيه فهي من ثم تعد عقيدة مكتسبة. والانسان مطبوع على أن يعتقد ومهيأ لقبول معتقد ما..

لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: لماذا يختار الإنسان معتقدا دون آخر..؟

البعض يرى الأمر يكمن في الوجدان..

والبعض الآخر يرى الأمر يكمن في العقل..

بينما يرى آخرون أن الأمر يكمن في الإرادة.. (1).

وقد تكون هذه العوامل الثلاثة مجتمعة لها دورها وتأثيرها في عملية اختيار العقيدة وهي عوامل تختلف من فرد لفرد ومن فئة لفئة..

إلا أن لكل عقيدة خصائصها ومميزاتها التي تجعل منها ذات جاذبية خاصة لمعتنقيها وتدعم موقفهم في الثبات عليها..

____________

(1) المختصر في العقيدة والأخلاق للدكتور محمد عبد الرحمن بيصار. ط. القاهرة.

 

 


ولا أن ننسى هنا العامل الوراثي والاجتماعي فكلاهما له دوره في شيوع بعض العقائد وتمكنها في نفوس آخرين..

وهنا يطرح السؤال التالي: ما هي الخصائص والمميزات التي تتصف بها عقيدة ما أو التي يجب أن تحتويها عقيدة ما ليمكن وصفها بأنها عقيدة دينية لا سياسية ولا اجتماعية..؟

والاجابة تكمن في أمرين:

الأول: موضوع الاعتقاد وهو الشئ المصدق به أو المعتقد به..

الثاني: حقيقة الإذعان لهذا المعتقد أو ذاك.

أي أن الفاصل ين العقيدة الدينية وغيرها يكمن في الموضوع وهو الصلة بين المتدين وبين الشئ المقدس موضوع الاعتقاد كما يكمن في اختصاصها بالغيب. فالموضوع هو الله. والغيب هو كل ما يتعلق به.. (1).

وإذا كانت قضية الإيمان بالله هي الركن الأول في العقيدة الدينية فإن الركن الثاني هو الإيمان بالرسول الذي عرفنا بالله وأبلغنا رسالته. فمن البديهيات المعروفة أن العقيدة إنما تصلنا عن طريق الرسل الذين تتركز مهمتهم في إبلاغ العقيدة الإلهية بنصها كما أنزلت عليه. فالرسول لا يملك حق التعبير عن هذه العقيدة إنما يملك حق تفسيرها. والنص الذي يبلغنا هو القرآن بالنسبة لرسولنا صلى الله عليه وآله والتفسير هو السنة..

فإذا ورد حديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله يفسر لنا أمرا من أمور العقيدة قبلناه على أساس أنه عقيدة لأن الرسول لا يضيف شيئا من عنده إنما يبين للناس ما أنزل إليه..

أما إذا ورد كلام على لسان الرسول يناقض القرآن أو يضيف مفهوما جديدا في الاعتقاد رفضناه على الفور واعتبرناه من الموضوعات على لسان

____________

(1) المرجع السابق..

 

 


الرسول لأن الرسول لا يناقض القرآن ولا يضيف عليه (ما على الرسول إلا البلاغ)..

وهنا تبرز لنا قضية خلافية بارزة بين السنة والشيعة حيث أن السنة تنظر إلى الرسول نظرة والشيعة تنظر له نظرة أخرى. وقد انبنت على هذين الموقفين المختلفين نظرتان مختلفتان إلى الحديث خاصة ما يتعلق منه بالعقيدة حيث ترى الشيعة أن الأحاديث لا مجال لها في الأمور السمعية إنما الحسم فيها للقرآن وحده بينما ترى السنة أن السمعيات يمكن تناولها من الأحاديث على ما سوف نبين فيما بعد، حتى ولو كانت هذه الأحاديث تتناقض مع القرآن.. (1) والمتأمل في القرآن سوف يكتشف أن لغة القرآن خصت العقيدة باسم (الإيمان) وخصت الشريعة باسم (العمل الصالح) أو (الاستقامة)..

والإيمان لغة هو لتصديق واصطلاحا هو الاعتقاد بكل ما ثبت بالضرورة وقد رأى العلماء أن الإيمان مركب من فروع هي التصديق بالجنان والإقرار باللسان والعمل بالأركان..

وما يطلب الإسلام من المسلم التصديق به كأساس لإيمانه وكمال عقيدته تجمعه كلمة الشهادتين..

ولكن ما هو التصديق..؟ والاجابة التصديق بالله أي معرفة الله (الإلهيات).

والتصديق بالرسول أي معرفة الرسل والملائكة والكتب (النبوات).

والتصديق بالبعث والحساب (السمعيات)..

وهذا هو التصديق الذي يلتزم به جميع المسلمين سنة وشيعة وغيرهما.

هذا هو التصديق الذي يشكل أركان العقيدة الإسلامية..

____________

(1) يعتبر أهل السنة الحديث الذي ثبتت صحته عندهم يجب الأخذ به واعتماده حتى ولو كان هذا الحديث يتناقض مع القرآن في هذه الحالة توفيقه معه ما دامت فثبتت صحته بطرقهم..

 

 


هذا هو التصديق الذي يفصل بين الكفر والإيمان والحق والباطل والهداية والضلال..

هذا هو التصديق الذي يقوم على النصوص القطعية التي حملها جميع الرسل إلى الشر في كل زمان ومكان..

والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: إذا كانت الشيعة تشارك السنة في هذا التصديق وتتبنى نفس الاعتقاد الذي تعتقده. فلماذا تتهم بالزيغ والضلال من قبلها..؟

إن الإجابة عن هذا السؤال تكشف منا قضية خطيرة وشائكة وهي تحديد ما علق بالعقيدة الإسلامية على مر العصور حتى اعتبر جزءا منها وأصلا من أصولها وأصبح هو المقياس والفيصل بين الحق والضلال في غيبة النصوص القطعية التي هي الأداة الوحيدة لتمييز الحق من الباطل والهداية من الضلال..

فلو كانت طائفة السنة تصدر أحكاما على الآخرين على أساس النصوص وحدها لبانت الحقيقة وحسم الخلاف. لكن الحقيقة المرة هي أن أحكامها ومواقفها من الشيعة تقوم في أساسها على أقوال الرجال وما خلفته السياسة فبعد أن أضيفت الأحاديث وأقوال الرجال إلى مصادر العقيدة الإسلامية تميعت الأمور وتميعت العقيدة وأصبحت مطية في أيدي القوى الحاكمة تتلاعب بها لتحقيق مصالحها وتقوية نفوذها من أجل إخضاع الجماهير وإسكات الأصوات المعارضة..

ومن انتشرت في المجتمع الإسلامي على مر التاريخ كلمة (زندقة) وأصبح يرمى بها يمينا ويسارا على كل صاحب أو توجه أو معتقد مخالف للإتجاه السائد (عقيدة أهل السنة) وأصبحت هذه الكلمة تضفي مشروعية على أعمال القتل والعزل وتبرر الإطاحة الرقاب.

والتاريخ الإسلامي ملئ بكثير من الأمثلة على ذلك فقد ذبح كثير من الخارجين على الحكام باسم الزندقة واتهمت الحركات الشعبية والانتفاضات

 

 


الثورية بالزندقة حتى تعزل عن الجماهير وتعزل الجماهير عنها وتشكك فيها مما يسهل على الحكام تصفيتها والقضاء عليها.. (1).

وسوف نقدم البرهان على ما نقول من خلال أحداث التاريخ..

إن الإيمان أو التصديق هو التعبير الحقيقي عن العقيدة وهو بأركانه كان يمثل عقيدة الإسلام الصحيحة التي كان عليها المجتمع الإسلامي قبل عصر الترجمات وظهور علم الكلام (2).

والمشكلة أن القوم لا يريدون العودة لنبع الإسلام الصافي ليتناولوا منه عقيدتهم ويريدون أن يفرضوا على الأمة عقيدة تحمل آثار السياسة وعلم الكلام وأقوال الرجال..

ويريدون أن يجعلوا من هذه العقيدة المشوهة مقياس الحق والباطل والنجاة والهلاك، فمن اعتنقها كان من الناجين ومن خالفها كان من الهالكين..

____________

(1) أنظر حركة المختار الثقفي المسماة بحركة التوابين ضد قتلة الحسين عليه السلام والتي شوه صاحبها المختار من قبل السنة وعلى رأسهم ابن تيمية الذي اتهمه بالزندقة / أنظر فتاوى ابن تيمية باب البغاة ح 27..

وانظر حركة زيد بن على ضد هشام بن عبد الملك وكيف شوهت من قبل المؤرخين بتصوير زيد كمنشق على الشيعة وخرج على هشام بسبب منعه العطاء عنه / انظر كتب التاريخ.

وانظر قصة مصرع الجعد بن درهم والحلاج وابن الفارض في كتب التاريخ. وانظر البداية والنهاية لابن كثير، ح 14 / 310. وانظر لنا الكلمة والسيف..

(2) كانت الأمة تتلقى عقيدتها من القرآن مباشرة باستسلام مطلق دون الخوض في الآيات المتشابهات ومعرفة مرادها وما ترمي إليه حتى جاء عصر الترجمات في مط القرن الثالث تقريبا وانفتحت الأمة على تراث اليونان خاصة الفلسفي منه. منذ ذلك الوقت بدأ ظهور علم الكلام. وبدأت العقيدة الإسلامية تأخذ طورا آخر أكثر تعقيدا خاصة فيما يتعلق بالتوحيد. ثم جاءت السياسة وتركت بصمتها عليها فجعلت خط الخلفاء ومنهجهم جزءا من الاعتقاد. كما جعلت الصحابة كلهم عدولا لا يجوز المساس بهم والقدح فيهم وجعلت كل ما وقع من خلاف بينهم وتجاوزات وانحرافات منهم قضايا اجتهادية سوف يثابون عليها وعلى المسلم ألا يخوض في مثل هذه الأمور (انظر كتاب العواصم من القواصم)..

 

 


وإذا كان القوم يتبنون عقيدة أهل السنة والجماعة ويعتبرونها عقيدة الفرقة الناجية. فهل لهم أن يخبرونا متى ظهرت هذه العقيدة..؟ (1) وما هو مصير المسلمين الذين ماتوا قبل ظهورها..؟

لقد اخترعت السياسة الكثير من الأحاديث على لسان الرسول صلى الله عليه وآله والتي تؤكد أن عقيدة أهل السنة هي العقيدة الصحيحة وأن الرسول قد أوصى بها وفي مقدمة هذه الأحاديث حديث تفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، واحدة في الجنة والباقي في النار. وقد فسروا الفرقة الناجية بقولهم هي أهل السنة والجماعة. وقال آخرون هم أهل الحديث.. فهل كان هناك أهل سنة وأهل حديث في زمن الرسول..؟ (2) وحديث عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، وعلى أساس هذا الحديث تم إدخال الخلفاء الأربعة في صلب العقيدة وأصبح الإيمان بهم على الترتيب أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي من أسس العقيدة ومن يخالف ذلك فهو ضال مبتدع (3).

____________

(1) ظهرت عقيدة أهل السنة في العصر العباسي كرد فعل لحركة الترجمات اليونانية والخوض في الآيات المتشابهة من قبل بعض الفرق والاتجاهات..

(2) هذا الحديث رواه أبو داوود والترمذي وأحمد ولا ذكر له في الصحيحين عند القوم.. راجع كتاب الاعتصام للشاطبي. ويقول الشيخ عبد القادر الجيلاني: أما الفرقة الناجية فهي أهل السنة والجماعة وأهل السنة لا اسم لهم إلا اسم واحد وهو أصحاب الحديث.. ويقول جميل زينو: الفرقة الناجية تعتبر التوحيد وهو إفراد الله بالعبادة والدعاء والاستعانة والاستغاثة وقت الشدة والرخاء والذبح والنذر والتوكل وغير ذلك من أنواع العبادة هو الأساس الذي تبنى عليه الدولة الإسلامية الصحيحة.. ويقول ابن باز: هم السلفيون وكل من مشى على طريق السلف الصالح الرسول وصحابته وكل من سار على نهجهم. انظر منهاج الفرقة الناجية لجميل زينو - ط. السعودية. وهو كتاب يوزع مجانا وحقوق الطبع غير محفوظة..

(3) هذا الحديث رواه الترمذي وتأمل قول صالح بن أحمد بن حنبل: سئل أبي وأنا شاهد عمن يقدم عليا على عثمان. يبدع؟ فقال: هذا أهل أن يبدع. أصحاب الرسول قدموا عثمان وقال عبد الله بن أحمد ابن حنبل: قلت لأبي: من الرافضي؟ قال: الذي يشتم رجلا من أصحاب الرسول أو يتعرض لهم.

ما أراه على الإسلام. راجع تاريخ الذهبي ترجمة ابن حنبل. وتأمل قوله ما أراه على الإسلام: فكأن من يمس الصحابة بكلمة يخرج من الإسلام فالصحابة أصبحوا ركنا من أركانه عند ابن حنبل..

=>

 

 


إن من السذاجة تصور أن العقيدة الإسلامية لم تمتد إليها أيدي الرجال ولم يصبها أي تشويه أو تحريف إنما حال العقيدة الإسلامية كحال سابقتها من العقائد وهي سنة الأقوام مع الأديان..

وإن المتأمل لقول الرسول صلى الله عليه وآله: لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع.. يدرك هذه العقيدة..

ويمكن للمسلم أن يتأمل كيف يمكن أن تسمى العقيدة الإلهية بأسماء الرجال فتارة يسمونها العقيدة الطحاوية نسبة إلى مؤلفها الطحاوي وتارة يسمونها بالعقيدة الواسطية وهي منسوبة لابن تيمية. وتارة يسمونها بالعقيدة النسفية نسبة لمؤلفها النسفي. (1) والحق أن هذه الكتب لا تمثل العقيدة الإسلامية في شئ وإنما هي عقيدة محشوة بأقوال الرجال وأثر النصوص فيها قليل.

ويبدو هذا الأمر بوضوح إذا ما تابعنا حركة الاتجاهات العقائدية في دائرة مذهب أهل السنة. فهناك عدة اتجاهات متطاحنة فيما بينها تتصارع حول قضايا كلامية مثل ما يتعلق بالذات والصفات..

____________

<=

وإذا كان القوم صادقين في التزامهم بسنة الخلفاء الراشدين الأربعة فهم في الحقيقة كاذبون لإهمالهم سنة الإمام علي وتركيزهم على سنة الخلفاء الثلاثة فقط.

وهم معذورون في هذا لأن سنة الإمام علي تتناقض مع سنة الثلاثة كما تتناقض أيضا مع الخط السياسي الذي ساد بعد ذلك بزعامة بني أمية وبني العباس، ذلك الخط الذي عمل على محو سنة الإمام علي وتشويه خطه - خط آل البيت - وعزله عن الواقع والجماهير.. وقد بارك أهل السنة هذا الوضع وأكدوا عليه في عقيدتهم بإدخال بني أمية وبني العباس ضمن الأئمة الذين بشر بهم الرسول وضمن الفرقة الناجية..

راجع شرح حديث الأئمة الاثنا عشر في العقيدة الطحاوية ومقدمة كتاب تاريخ الخلفاء للسيوطي. وراجع أيضا سيرة خلفاء بني أمية وبني العباس في الكتاب المذكور لترى إن كانوا يستحقون لقب أئمة ويكونون من أفراد الفرقة الناجية..

وهناك أحاديث أخرى كثيرة من اختراع السياسة مثل حديث إذا ذكر أصحابي فأمسكوا.. الله.. الله في أصحابي.. انظر لنا: أحاديث نبوية اخترعتها السياسة.

(1) وهناك العقيدة المسماة (بالفقه الأكبر) لأبي حنيفة. وهناك العقيدة الحموية المنسوبة لابن تيمية أيضا.

 

 


فهناك اتجاه الحنابلة..

وهناك اتجاه المالكية..

وهناك اتجاه الشافعية..

وهناك اتجاه الأحناف..

وهناك اتجاه الأشعرية..

وهناك اتجاه ابن تيمية المخالف للسلف والخلف حول الأسماء والصفات وغيرها..

وكل اتجاه من هذه الاتجاهات له أطروحته حول العقيدة بالإضافة إلى اتجاه المتصوفة لذي يحمل رؤية مختلفة عن رؤى الآخرين.. وهذا الخلاف إن دل على شئ فإنما يدل على أن محور الخلاف ليس العقيدة وإنما هو أقوال الرجال التي تم حشو العقيدة بها.

إن ما نريد أن نصل إليه هنا هو التفريق بين العقيدة الإسلامية وبين العقيدة الوضعية فلا يجوز الخلط بين الأمرين واعتبار المساس بالجزء الوضعي مساسا بالجزء الإلهي..

وهذا التفريق يقتضي القيام بعملية تشريح لكتب العقائد وفصل الوضعي عن الإلهي منها مستهدين في هذه العملية بالنصوص القطعية من القرآن..

والأصل الأول من أصول العقيدة هو التوحيد (لا إله إلا الله)..

أما الوضعي فهو ما لحق بهذا الأصل من أقوال وتفسيرات خرجت به عن مفهومه الحقيقي وأدت إلى تعقيده.

·  الوضعي هو تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام: توحيد الأسماء والصفات وتوحيد الإلهية أو العبادة ثم توحيد الربوبية. (1)

____________

(1) انظر العقيدة الواسطية والتوحيد لمحمد بن عبد الوهاب ومقالات الاسلاميين للأشعري وانظر لنا فقه الهزيمة. دراسة في أصول الفكر السلفي. فصل العقيدة، وفيه مناقشة واسعة لكتب العقائد..

 

 


فمثل هذا التقسيم لا أصل له وليس من الضرورات في الاعتقاد فهو تقسيم فلسفي بحت لا يجوز شغل الناس به (1).

وهل يعقل أن يقال إن من يموت دون أن يعرف هذه التقسيمات ويعيها يموت على غير التوحيد..؟

وهل من الواجب شرعا أن يعرف المسلم أن الله في السماء مستو على عرشه وأنه ينزل إلى الدنيا كل ليلة. أن القرآن كلام الله غير مخلوق وأن الله له صفات فعلية وصفات ذاتية وغير ذلك من متاهات القول..؟ (2) إن مثل هذه الأمور الفلسفية التي تكتظ بها كتب العقائد إنما هي موروثات لها ظروفها وزمانها ولا حاجة بأن يشغل بها مسلمو اليوم.

·  والوضعي هو ربط قضية التوسل والوسيلة والتبرك بآل البيت بالشرك واعتبار هذه الأعمال مناقضة للتوحيد.. فهذا الكلام لم تقم الأدلة على صحته ولم تقل به سوى طائفة شاذة في وسط أهل السنة.. (3).

____________

(1) انشغل معظم المسلمين مع الأسف بهذه الأمور واعتبروها من لب التوحيد حتى الحركات الإسلامية تبنت هذه ا لقضايا وانشغلت بها وتصارعت من أجلها وكل ذلك بتأثير الخط الوهابي السعودي الذي اخترق معظم التيارات الإسلامية العاملة في الحقل الإسلامي..

(2) أهل السنة يعتبرون من لا يفسر آيات الصفات ويقر بأن الله له يد ولكن ليست كيدنا وأنه له وجه ولكن ليس كوجهنا وأنه مستو على العرش فوق لا كفوقية المخلوق على المخلوق وأنه يضحك ويفرح.. وكذا.. يعتبرونهم معطلة. أي يعطلون الصفات عن معناها. تأمل..

ويذكر أن تلك المتاهات حول ذات الله وصفاته سبحانه إنما نابعة من أحاديث اعتمدها أهل السنة في تفسير الآيات المتعلقة بهذه القضية وهي في مجملها أحاديث آحاد لا تفيد إلا الظن والواجب في باب الاعتقاد وهو اليقين. وهذا قول لا يرضي أهل السنة المعاصرين إذ يعتبرون من يتشدق بأن الأحاديث التي يستند عليها في باب العقائد هي أحاديث آحاد. يعتبرونه من أهل البدع والأهواء..

(3) هناك الكثير من النصوص القرآنية والنبوية التي يستند إليها أصحاب هذا الاتجاه المعادي لقضية التوسل وهي نصوص ظنية يستنتج منها هذا الموقف، وعلى الجانب الآخر هناك الكثير من النصوص والقضية محل جدل وخلاف في دائرة أهل السنة وليست محسومة. فالصوفية ومن ناصرها من الفقهاء يؤمنون بالتوسل ولا يوجد ما يشير إلى رفضها من قبل المذاهب الأربعة كما أن قضية الأضرحة والقبور لم تكن مطروحة في عصر الصحابة والتابعين وحتى تابعي التابعين. والواضح أن الذين أثاروا هذه القضية وربطوها بالتوحيد هم فئة شاذة في الوسط السني تمثلت في خط ابن تيمية

=>

 

 


والأصل الثاني من أصول العقيدة النبوة (محمد رسول الله)..

أما الوضعي فهو ما ألحقوه بشخصية الرسول من تعريفات مثل أن العصمة في جانب التبليغ فقط أما بقية مواقفه وممارساته فلا تخضع للعصمة وأنه ينسى ويجتهد ويخطئ ويسحر وينشغل بالنساء ويخضع لرأي عمر في جانب التشريع وأن القرآن كان يتنزل على مواقف عمر وآرائه.. (1).

ومثل هذه المقولات إنما فيها مساس بشخص الرسول صلى الله عليه وآله وإظهاره بمظهر النبي العاجز المتناقض وهي من الممكن أن تفتح باب التشكيك في رسالته وهي في الأصل نابعة من أحاديث وروايات اخترعتها السياسة بهدف تشويه صورة الرسول ومساواته ببقية الناس حتى يسهل على الحكام تبرير أفعالهم وممارساتهم وانحرافاتهم على حساب الرسول صلى الله عليه وآله..

أما الأصل الثالث من أصول العقيدة والمتعلق بالمعاد أي البعث والحساب والجنة والنار فقد علقت به كثير من الروايات المنسوبة للرسول والتي يعد بعضها من الخرافات وبعضها بمثابة صكوك غفران للجميع دخول الجنة والنجاة من النتر دون أي تبعات (2).

____________

<=

الذي قام ببعثه وتجديده في عصرنا محمد عبد الوهاب..

(1) يرى أهل السنة أن العصمة الخاصة بالرسول هي في جانب التبليغ فقط وفيما دون ذلك فالرسول فالرسول غير معصوم، وبدا وكأن الرسول بذلك له شخصيتان:

شخصية معصومة وشخصية غير معصومة. ولذلك جوزوا عليه الخطأ والنسيان والسحر كما ورد في البخاري. وجواز لعمر توجيه الرسول وتذكيره بالأحكام ليتنزل القرآن تأييد العمر لا للرسول كما في آيات الحجاب حين طلب عمر من الرسول أن يحجب نساءه فنزلت آيات الحجاب. راجع البخاري. وراجع لنا فقه الهزيمة فصل شخصية الرسول. وانظر لنا دفاع عن الرسول.

(2) من هذه الأحاديث المنسوبة للرسول صلى الله عليه وآله: من قال لا إله إلا الله دخل الجنة.. أنا زعيم ببيت في الجنة لمن ترك المراء ولو كان محقا.. من بنى مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة.. وغيرها من الأحاديث التي تصف الجنة وحور العين دون أن تبين كيفية دخولها. بل تفتح للناس أبوابها دون قيد أو شرط ودون تكلف أو مشقة أو بذل في سبيل الله. ومثل هذه الأحاديث قد دفعت المسلمين إلى التواكل وإهمال التكاليف الأساسية في الإسلام.

واستثمرت من قبل الحكام في تخدير الجماهير واستضعافها.

=>

 

 


وكان الهدف من اختراع هذه النصوص هو تمييع صورة الإسلام في نفوس الجماهير وتخديرها ودفعها للزهد في الدنيا كي يرتع فيها الحكام..

ولا تزال هذه الأحاديث تؤدي دورها في تخدير الجماهير وتضليلها حتى اليوم خاصة تلك أحاديث التي تتعلق بطاعة الحكام منها.. (1).

ولم تقف عقيدة أهل السنة عند حد هذه الأصول الثلاثة أي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر بل أضافت الإيمان بالقدر خيره وشره مع أنه يدخل ضمنا مع الإيمان بالله وأضافت فوق ذلك عدة أمور جعلتها من صلب العقيدة وحوتها كتب العقائد وهي جميعها ثابتة الإجماع عندهم وهذه الأمور هي:

·  الاعتقاد بعدالة جميع الصحابة.. (2)

____________

<=

انظر الطريق إلى الجنة من سلسلة " السلفيون يتحدثون " تأليف أبو بكر الجزائري وهو واحد من رموز الخط الوهابي السعودي. وانظر كم الكتب التي تتحدث عن الجنة ونعيمها التي أغرق بها سوق الكتاب المعاصر..

ويحدد الجزائري الطريق إلى الجنة بقوله: إن الطريق أيها السائرون بين أربع كلمات: اثنتان سالبتان واثنتان موجبتان. إن السالبتين هما الشرك والمعاصي والموجبتين هما الإيمان والعمل الصالح.

ومن هذه الكلمات الأربع يتكون الطريق القاصد إلى الجنة. وبالطبع المقصود بالشرك والمعاصي التي تحرم المسلمين من دخول الجنة هنا هو التوسل بآل البيت وزيارة المراقد المقامات المطهرة.

أي أن الجنة لن يدخلها مسلم لا ينتمي للمذهب الوهابي رأس الطائفة الناجية في هذا الزمان..

وأود بمناسبة ذكر الفرقة الناجية من أهل السنة أن يخبرونا هل معنى أنهم الفرقة الناجية أنهم لن يدخلوا النار. أم سوف يدخلونها ولن يخلدوا فيها.. وإذا كانت هناك روايات تؤكد الشفاعة يوم القيامة. فهل الذين سوف يشفع لهم من أهل السنة أم من الفرق الأخرى..؟

وإن كانوا من الفرق الأخرى أفلا يعني هذا أن النجاة من النار سوف تشمل المخالفين لهم..؟

وعليهم أن يخبرونا أيضا هل هؤلاء الحكام الذين تبنوا عقيدة أهل السنة وناصروها من الناجين رغم مفاسدهم وجرائمهم وانتهاكاتهم لحرمات الإسلام؟

إن موقف أهل السنة من يزيد والحجاج يجيب على هذا السؤال.

(1) أنظر فصل الإمامة عند أهل السنة من هذا الكتاب..

(2) يصر أهل السنة على عدالة جميع الصحابة وهذا الإصرار تفوح منه رائحة السياسة ففضلا عن كون هذا المعتقد يخالف القرآن الذي ينص على أن من بين الصحابة منافقين وعصاة. وعلى الرغم من أن تعريف الصحابة عندهم تعريف هش ومطاط يتيح الفرصة لكل من هب ودب ليكون صحابيا يحوز

=>

 

 


·  الاعتقاد بنقصان الإيمان وزيادته.. (1).

·  الاعتقاد بعدم كفر أهل القبلة بمطلق المعاصي والكبائر.. (2).

·  الاعتقاد بأن خير الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي.. (3).

·  الاعتقاد بحب آل البيت.. (4).

____________

<=

على مرتبة العدالة وذلك بمجرد أن يرى الرسول أو يسلم عليه أو حتى يولد في عصره وحسب القاعدة: من ثبتت رؤيته ثبتت عدالته.. ويصر ابن تيمية على إضفاء صفة العدالة على جميع الصحابة دون حتى أن يفرق بين من شاهد بدرا ومن رأى الرسول ساعة من الزمان. يقول في العقيدة الواسطية: ومن أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله (ص) ويتبرؤون من طريقة الروافض الذين يبغضون الصحابة ويسبونهم. وبالطبع المقصود بالروافض هنا الشيعة.

(1) وهذه القاعدة إنما هي رد فعل فرقة السنة في مواجهة أقوال الفرق الأخرى في مسألة الإيمان..

(2) نفس هذه المسألة عليها حالة المسألة التي سبقتها وقد ابتدعت للرد على فرقة الخوارج التي كانت تكفر بالمعاصي..

(3) هذه من القواعد التي ابتدعتها السياسة ويعتبرونها متواترة نقلا وعلى لسان الإمام علي.. يقول ابن تيمية في عقيدته مسألة عثمان وعلي - أي أيهما يقدم على الآخر - ليست من الأصول التي يضلل المخالف فيها عند جمهور أهل السنة - تأمل هذا التنازل في الاعتقاد - لكن التي يضلل فيها مسألة الخلافة. وذلك أنهم يؤمنون أن الخليفة بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أبو بكر وعمر ثم عثمان ثم علي. ومن طعن في خلافة أحد من هؤلاء فهو أضل من حمار أهله. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا من الذي يملك حق التضليل وعلى أي أساس؟ والاجابة هم أهل السنة وعلى أساس السياسة يضلل المخالف لهم والحمد الله أن المخالف لم يخالف الإسلام وإنما خالف فرقة أهل السنة الذين يتحدثون على الدوام وكما هو واضح من كتب العقائد - على أنهم الإسلام والإسلام هم..

(4) وهذه المسألة وضعت خصيصا في عقائد أهل السنة لضرب الشيعة التي تعلن حبها لآل البيت وتواليهم وتتبرأ من أعدائهم - وتفويت الفرصة عليهم.. ولو لم يتستر أهل السنة بحب آل البيت لتعرت عقيدتهم ونبذتها الجماهير. والفرق بين السنة والشيعة في هذه المسألة هو أن أهل السنة يحبون آل البيت ولا يعرفونهم وبالطبع لا يتبعونهم بينما الشيعة يعرفونهم ويتبعونهم ويتخذونهم قدوة لهم.

ويقول ابن تيمية: يحبون - أهل السنة - أهل بيت الرسول (ص) ويتولونهم ويحفظون فيهم وصية رسول الله حيث قال يوم غدير خم (أذكركم الله في أهل بيتي).. والطريف هنا أن ابن تيمية يعترف بوصية الرسول للأمة في حجة الوداع بضرورة اتباع أهل بيته وموالاتهم وهو ما تعتقده الشيعة. لكن السؤال الذي يوجه لابن تيمية هنا هو: هل التزمت الأمة بهذه الوصية بعد وفاة الرسول حتى يستطيع الادعاء بأن أهل السنة يحبون أهل البيت ويوالونهم وأين فقه أهل البيت وعلومهم وأحاديثهم عندهم..؟ انظر العقيدة الواسطية..

 

 


·  الاعتقاد بكرامات الأولياء.. (1).

·  الاعتقاد بطهارة أزواج النبي وموالاتهم.. (2)

·  الاعتقاد بطاعة الأمراء أبرارا وفجارا والحج والجهاد والصلاة معهم.. (3).

·  الاعتقاد بحرمة الخوض فيما شجر بين الصحابة.. (4).

____________

(1) هذا اعتراف من أهل السنة ومن ابن تيمية بمسألة الكرامات التي تنادي بها وتعتقدها الشيعة والصوفية وتتهمان بالزندقة بسببها، يقول ابن تيمية: ومن أصول أهل السنة التصديق بكرامات الأولياء وما يجري الله على أيديهم من خوارق العادات. إلا أن المضحك في هذا الأمر أن شارح العقيدة الواسطية استدرك على ابن تيمية قائلا: إن الكرامة إنما تكون لأولياء الله بحق. وليس للطرق الصوفية المبتدعة الذين وصفهم بقوله هؤلاء أولياء الشيطان. ويبدو أن أهل السنة أرادوا أن يفرقوا على خصومهم الفرصة بالاعتراف بمسألة الكرامات التي لها شواهد كثيرة في الكتاب والسنة والواقع. وحتى لا يتهموا بسطحية الاعتقاد..

(2) يقول أهل السنة: إن أفضل أزواج النبي خديجة وعائشة. ولولا الشك والملامة لقالوا عائشة وحدها لكنهم ربطوا عائشة بخديجة حتى يبتلع المسلم الطعم. والثابت أنه لا توجد رواية صحيحة عن النبي تساوي عائشة بخديجة وترفعها فوق زوجات النبي الأخريات لكنها السياسة التي رفعت عائشة لأنها من خصوم علي كما رفعت ابن عمر وأبو هريرة على أبي ذر وعمار وسلمان أتباع الإمام علي..

(3) هذه قضية من الأجدر أن تترك بدون تعليق فهي واضحة وضوح الشمس وهي تفسر لنا بما لا يدع مجالا للشك موقف أهل السنة المتحالف والمتعايش على الدوام مع الحكام الأمر الذي يدل على أن عقيدة أهل السنة عقيدة حكومية. وقضية طاعة الحكام والحج والصلاة والجهاد معهم رغم فجورهم يقول بها ابن تيمية الذي يصورونه بالفقيه الثائر ضد السلطة. راجع العقيدة الواسطية وراجع أيضا الفتاوى الكبرى له أيضا حيث هاجم الحسين لخروجه وأثنى على يزيد بن معاوية وأنكر الروايات التي تطعن فيه.. (الفتاوى ح 27 باب البغاة..

(4) يعتقد أهل السنة بتكميم الألسنة والأفواه والإعراض عن حركة التاريخ وعدم الخوض في أحداثه التي تتعلق بالصحابة لأن ذلك سوف يفتح باب الفتنة في زعمهم والفتنة المقصود بها الخوض في الصحابة واتخاذ موقف من بعضهم أو الميل إلى جانب أحدهم والانحراف عن الآخر فهده أمور تعد من القواصم كما يعبر عنها صاحب كتاب العواصم من القواصم الذي كتبه خصيصا لهذا الغرض السامي. وكما يعبر ابن تيمية في عقيدته حيث يقول:

ويمسكون عما شجر بين الصحابة - أي أهل السنة - ويقولون إن هذه الآثار المروية في مساويهم منها ما هو كاذب ومنها ما قد زيد فيه ونقص وغير عن وجهه والصحيح منه هم فيه معذورون إما مجتهدون مصيبون وأما مجتهدون مخطئون وهم مع ذلك لا يعتقدون أن كل واحد من الصحابة معصوم عن كبائر الإثم وصغائره. بل يجوز عليهم الذنوب في الجملة ولهم من السوابق والفضل

=>

 

 


إن الباحث في عقائد السنة وعقائد الشيعة سوف يجد أن البعد شاسع بين الطرفين وأن مسألة الخلاف بينهما ليست سطحية كما قد يتصور البعض وإنما هي عميقة وعميقة جدا أيضا..

وهذا القول لا يرضي دعاة الوحدة والتقريب من الطرفين لكنها الحقيقة التي يجب أن يدركها الجميع: المسلمون.

الباحثون دعاة الوحدة الإسلامية فالباحثون يجب عليهم أن يدركوا أن الحقائق العلمية يجب أن تعرض كما هي بتجرد دون مواربة ولا تحيز.

ودعاة الوحدة يجب عليهم أن يعلموا أن الوحدة لا تقوم إلا على أساس قاعدة فكرية ثابتة ولا تهزها رياح السياسة..

____________

<=

ما يوجب مغفرة ما يصدر عنهم إن صدر، حتى أنهم يغفر لهم من السيئات ما لا يغفر لمن بعدهم لأن لهم من الحسنات التي تمحو السيئات ما ليس لمن بعدهم.. ثم إذا كان قد صدر من أحدهم ذنب فيكون:

قد تاب منه..

أو أتى بحسنات تمحوه..

أو غفر له بفضل سابقته..

أو بشفاعة الرسول صلى الله عليه وآله..

أو ابتلى ببلاء في الدنيا كفر به عنه..

فإذا كان هذا في الذنوب المحققة فكيف الأمور التي كانوا فيها مجتهدين إن أصابوا فلهم أجران وإن أخطأوا فلهم أجر واحد والخطأ مغفور..

إن أقل إعمال للعقل في هذا الكلام سوف يصل بصاحبه إلى القناعة بعصمة جميع الصحابة كبيرهم وصغيرهم على السواء وهم ألوف مؤلفة.. وإذا كان الأمر كذلك فلماذا يحكمون بضلال الشيعة لأنها تقول بعصمة اثني عشر إماما فقط وليس ألوفا من الخلق فيهم الحابل والنابل وفيهم من تدل الشواهد على فسقه وفجوره؟ إذا كان أهل السنة يعتبرون من تسبب في مصرع آلاف المسلمين في وقعة الجمل أو في وقعة صفين مجتهدا مأجورا فلماذا لا يعتبرون الذي يخالفونهم هذا الاعتقاد مجتهدين؟ لماذا يتسامحون مع مريقي الدماء ولا يتسامحون مع مخالفيهم في الفكر..؟ والجواب لأن هؤلاء صحابة والصحابة معصومون يفعلون ما يشاؤون ومغفور لهم مقدما. إنني لا أجد تعبيرا أشخص به هذه الحالة سوى قولي إنها عبادة الرجال. انظر الباب الأخير من الكتاب..

 

 


وتجارب الوحدة السابقة يجب أن توضع نصب أعينهم وهي تجارب على ما تشير الوقائع فاشلة والسبب أن هناك سوء تفاهم لدى الطرفين كل بالآخر..

ولقد كانت القاعدة الإسلامية في مصر متحالفة تماما مع الثورة الإسلامية في بدايتها وتعتبر الإمام الخميني قائدها ولكن بمجرد أن فجر أعداء الإسلام نقاط الخلاف وكشفوا مواقف الشيعة من الصحابة سرعان ما تبدد هذا التحالف وتلاشى التأييد وانقلب الموقف من موالاة إلى معاداة.. (1).

والمسلمون من حقهم أن يطلعوا على الحقائق بأسانيدها حتى تتضح الرؤية أمامهم ويملكوا القدرة على اتخاذ القرار المناسب..

نعم إن الشيعة تشترك مع السنة في الأصول كما ذكرنا لكن السنة لا تكتفي بذلك بل تريد من الشيعة أن تتنازل عن موقفها من الإمامة واعتبارها أصلا ينبني عليه شتى الموقف الأخرى التي تتبناها تجاه الصحابة وتجاه أهل البيت.

السنة نريد من الشيعة أن تعترف بالخلفاء الثلاثة وتقر بكل ما جاء في عقيدتها من أقوال واجتهادات ابتدعتها السياسة وإلا فهي ضالة مبتدعة..

والشيعة من جانبها تريد من السنة أن تحترم اجتهاداتها وتعذرها في مواقفها كما عذرت معاوية ويزيد وبررت جنايتهما وجرائمهما في حق الإسلام والمسلمين.. (2).

لماذا تشدد السنة في قضية الصحابة وتعتبرها فيصلا بين الحق والباطل هل الصحابة ركن من أركان الإسلام. أم هي عبادة الرجال؟

أم أن عقيدة أهل السنة يرتبط وجودها ومستقبلها بالرجال..؟

____________

(1) راجع لنا حقيقة هذا الموقف بتوسع في كتابنا: الحركة الإسلامية في مصر.

وكتابنا الشيعة في مصر ط. القاهرة.

(2) راجع كتب التاريخ وخاصة كتاب البداية والنهاية لابن كثير وانظر كيف يدافع القوم عن معاوية وولده. وتأمل دفاع ابن كثير عن يزيد بعد موقعة الحرة عام 62 م والتي استباح فيها جيش يزيد مدينة الرسول. وانظر دفاع ابن تيمية عنه في الفتاوى الكبرى وكذلك ابن خلدون في مقدمته.

 

 


أن أصل الامامة الذي تعتقده الشيعة يضع الطرف الاخر السني في موقف حرج شرعا لكثرة النصوص التي تعضده والتي لا يتسلح الطرف السني في مواجهتها بنصوص مثلها وأنما يتسلح بالتأويل والتبرير.. (1).

وليس من المعقول أن يتم التنازل عن قضية تعضدها النصوص ويتم تبني قضية اخترعتها السياسة وخلقتها مخيلة الرجال من أجل تحقيق التقارب والوحدة.

فإن تحقيق الوحدة والتقارب لا يكون أبدا على حساب النصوص..

من هنا تصبح مسألة الخلاف بين السنة والشيعة مسألة شائكة جدا وليس هناك من وسيلة وسيلة لحسمها سوى عذر كل طرف للآخر..

إلا أن التاريخ يحدثنا أن السنة لم تعذر الشيعة ورفضت على الدوام التعايش معها وقادت حملات الهجوم والطعن والتشويه والتشكيك في مواجهتها بينما التزمت الشيعة أمامها موقف الدفاع.. (2).

____________

(1) التأويل والتبرير سلاح أهل السنة الدائم في مواجهة الخصوم الذين يشهرون في وجوههم النصوص. فهم قد برروا أفعال عائشة وعثمان ومعاوية وابن العاص والمغيرة بن شعبة واعتبروهم مجتهدين مثابين. ومن جهة أخرى قاموا بتأويل النصوص الواردة في آل البيت والتي أثبتت لهم خصوصية ومكانة تقتضي من المسلمين أن يتبعوهم ويوالوهم ويقروا لهم بالإمامة.. ومن هذه النصوص قوله تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا..) الأحزاب. وقول الرسول صلى الله عليه وآله: (تركت فيكم ما أن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي..) رواه مسلم..

ويمكن مراجعة النصوص بتوسع في كتاب المراجعات للسيد عبد الحسين شرف الدين وكتاب خصائص الإمام علي للنسائي. وكتاب فضائل الإمام علي للشيخ محمد جواد مغنية وكتابنا موسوعة آل البيت..

وبالنسبة لقضية التأويل التبرير راجع كتاب العواصم من القواصم وتأمل كيف أنهم يريدون تحويل آرائهم لمعتقدات. وانظر لنا كتاب أهل السنة شعب الله المختار..

(2) لم تتح للشيعة فرصة البروز الرسمي كما أتيحت للسنة. فقد كان أهل السنة محل رضا الحكام وقبولهم. ولم تستمتع الشيعة بنعمة الأمن كما استمتعوا. فقد كانت تواجه على الدوام بالحديد والنار وتواجه كل صور البطش والكيد والتنكيل من قبل الحكام الذين كان يحرضهم أهل السنة تارة ويحرضون هم أهل السنة تارة أخرى. والتراث السني مكتظ بعشرات الكتب التي تهاجم

=>

 

 


وحتى موقف الدفاع يشجب من قبل السنة ويحمل على أنه تقية. فإذا اتهمت السنة الشيعة أن لديها قرآنا سريا وأنها لا تعترف بالقرآن الذي بين أيدي المسلمين. ونفت الشيعة هذا الاتهام قالوا إنها تفعل ذلك على سبيل التقية فالثابت لدى أهل السنة أن الشيعة يظهرون الإسلام ويبطنون الزندقة.

وطائفة مثل هذه تقوم عقائدها وأفكارها على أساس الشك في أفكار وعقائد الآخرين واعتقاد سوء النية مقدم عندها كيف لها أن تتحد مع الآخرين وتتفاعل معهم..؟

أن المقارنة التي سوف نبدأ عرضها هنا سوف تكشف الكثير من الحقائق حول معتقدات السنة والشيعة. ومن خلال هذه الحقائق سوف تتبين لنا إمكانية اللقاء بين الطرفين..

وعلينا أن نحدد بداية مجموع القضايا التي سوف يتم المقارنة بينها وهي تنحصر في الآتي:

- التوحيد..

- النبوة..

- الإمامة..

- الرجال..

- آل البيت..

____________

<=

الشيعة وتطعن في عقائدهم والتي هي محل تداول بين المسلمين اليوم كما أن التراث الشيعي يكتظ بعشرات الكتب التي تدافع عن الشيعة والتي اعتبرها السنة تهاجمهم..

ومن كتب السنة التي تهاجم الشيعة: كتب الفرق والصواعق المحرقة لابن حجر الهيثمي. وكتب العقائد وكتاب منهاج السنة لابن تيمية الذي يرد فيه على كتاب منهاج الكرامة للعلامة الحلي أحد فقهاء الشيعة المعاصرين له..

ومن كتب الشيعة التي تدافع: كتاب نهج الحق وكشف الصدق للعلامة الحلي. وكتاب الايضاح لابن شاذان - ط. إيران..

ومن الكتب المعاصرة: هوية التشيع للشيخ الوائلي وأصل الشيعة وأصولها والمراجعات وشبهات حول الشيعة وفي ظلال التشيع وروح التشيع.. ط. بيروت..

 

 


0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

السفيانيون الجدد وتهديد الشيعة
المُناظرة العاشرة/مناظرة التيجاني مع أحد ...
الشفاعة في الإسلام
المهدي المنتظر (ع) في صحيحي البخاري ومسلم ق(1)
لا يحبني الا مؤمن ولا يبغضني الا منافق
هل تعلم ان علي بن أبي طالب (عليهما السلام) رابع ...
المُناظرة الثانية والثلاثون/مناظرة ابن أبي ...
خامساً: الجهاز العقلي وطريق الاستدلال
النبوة بين اللغة العربية واصطلاح علماء الإسلام
ثقافة (التسخيت)

 
user comment