إن شخصية النبي محمد (ص) واحدة من الشخصيات الملهمة والفاعلة في تاريخ الإنسانية , ومثلما تأثر وانفعل الذين آمنوا برسالته كذلك تأثر الذين لم يؤمنوا به بل والذين ناوؤه كالوليد بن المغيرة المخزومي مثقف العرب وحكيمهم الذي عاش ومات على الكفر، قال: إن لقوله لحلاوة وان عليه لطلاوة وأن أعلاه لمثمر وأسفله لمغدق وأنه يعلو ولا يعلى عليه. وأمية بن أبي الصلت الثقفي هذا المثقف الكبير والشاعر الذي أطلع على تاريخ الأديان والأمم وقف مبهوراً أمام عظمة الرسول حين التقاه في مكة , راح النبي ينظر إليه ويقرأ عليه سورة (يس) فقيل له ما تقول في محمد؟ قال إنه نبي وعظيم ولكن قلبي لا يطاوعني فيه.
.ومثلما كان النبي ملهماً لمعاصريه كان ملهماً ومعلماً لمن اطلع على سيرته ونهجه من المسلمين وغير المسلمين. كثيرون أولئك الذين وقفوا مبهورين أمام عظمة هذه الشخصية العملاقة منذ أن أشرق نوره حتى يومنا هذا، إلا أنه مع الأسف أن من شوّه صورة النبي الناصعة أولئك المحسوبون على الإسلام المدفوعين من الحاقدين عليه.
إن المرء ليعجب حينما يسمع ويرى التهجم على نبي الإنسانية من ثلة من الغربيين جاهلة بالقيم وجاهلة بالمعرفة ومظللة من قبل الحاقدين، ولكن الحق ينطق على لسان المنصفين والمثقفين منهم، وفي الوقت ذاته فان قول هؤلاء المثقفين هو الدليل الذی يلجم الأفواه والأقلام التي تصف النبي بأنه نبي الحرب والدم.
ليس كل الغربيين ــ كما يعتقد البعض ــ من المتعصبين ضد الإسلام ورسول الإنسانية محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بل إن كثيراً من مثقفيهم وكتابهم الكبار الذين نظروا بعين الإنصاف، عرفوا قدر الإسلام، وأشادوا بصفات الرسول الأكرم (ص)، ودافعوا عنه بنزاهة وموضوعية، واعترفوا بأن الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) جاء بالرسالة العظيمة لقيادة البشرية نحو الخير والحق.
ورغم الحملة الشرسة ضد الإسلام ونبيّه محمد (صلى الله عليه وآله)، فإن عالماً كبيراً مثل العالم النفساني والاجتماعي الفرنسي المعروف جوستاف لوبون صاحب كتاب \"حضارة العرب\" يؤكد: أن محمداً رغم ما يشاع عنه من قبل خصومه ومخالفيه في أوروبا إلا أن الحقيقة التي لا مراء فيها أنه أظهر الحلم العظيم والرحابة الفسيحة.
ويقول الأديب الفرنسي ألفونس لامارتين: إن محمدا أقل من الإله وأعظم من الإنسان العادي أي أنه نبي.
وكان الأديب الأيرلندی برنارد شو هو الآخر منفعلا بشخصية النبي محمد إذ قال: إن من الإنصاف أن يدعى محمد منقذ الإنسانية، وأعتقد أن رجلاً مثله لو تولى زعامة العالم الحديث لنجح في حل مشكلاته وأحل فيه السعادة والسلام.
ولعل قول لكاتب الأمريكي مايكل هارت في كتابه (العظماء مائة وأعظمهم محمد) قول في غاية الإنصاف والدقة؛ إذ يقول حين سئل عن اختياره للنبي: لقد اخترت محمداً في أول هذه القائمة، ولابد أن يندهش كثيرون لهذا الاختيار ومعهم حق في ذلك، ولكن محمداً هو الإنسان الوحيد في التاريخ الذي نجح نجاحاً مطلقاً على المستويين الديني والدنيوي، وهو دعا إلى الإسلام ونشره كواحد من أعظم الديانات، وأصبح قائداً سياسياً وعسكرياً ودينياً، وبعد (13) قرناً من وفاته فإن أثر محمد (عليه وعلى آله الصلاة والسلام) مازال قوياً ومتجدداً.
ليو تولستوي
أما عملاق الأدب الروسي والمصلح الاجتماعي والمفكر الأخلاقي (ليو تولستوي) والذی يعده البعض أعظم الروائيين على الإطلاق، له رواية (الحرب والسلام) و (أنا كارنينا) وغيرها. وله كتاب في النبي الأكرم هو (حِكَم النبي محمد)، وقبل أن أعرض الكتاب وددت أن أنقل مقدمة مترجم الكتاب.
يقول في المقدمة: بعد إطلاعي على رسالة الأديب الروسي ليو تولستوي عن الإسلام وعن النبي محمد, هالني ما جاء فيها من الحقائق الباهرة، فدفعتني الغيرة على الحق إلى ترجمتها إلى العربية. علماً أن مترجم الكتاب (سليم قبعين) هو مسيحي لبناني.
يصف ليو تولستوي النبي محمد في كتابه (حِكَم النبي محمد) قائلاً: هو مؤسس دين ونبي الإسلام الذي يدين به أكثر من مائتي مليون إنسان (الكلام عام 1912م)، فإنه قام بعمل عظيم فانه هدى الوثنيين الذين قضوا حياتهم بالحروب الأهلية وسفك الدماء , فأنار أبصارهم بنور الأيمان، وأعلن أن جميع الناس متساوون أمام الله.
ثم في موضعٍ من كتابه الموسوم وتحت عنوان (من كان محمد): يقول من أراد أن يحقق ما عليه الدين الإسلامي من التسامح، عليه أن يطالع القرآن الكريم بإمعان وتدبر؛ فقد جاء في آياته ما يدل على روح الدين الإسلامي السامية منها {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً}، ويقول: لقد تحمل في سنوات دعوته الأولى كثيراً من اضطهاد أصحاب الديانة الوثنية القديمة وغيرها شأن كل نبي قبله، نادى أمته إلى الحق ولكن هذه الاضطهادات لم تثن عزمه بل ثابر على دعوة أمته، مع أن محمداً لم يقل أنه نبي الله الوحيد بل اعتقد أيضاً بنبوة موسى والمسيح، ودعا قومه إلى هذا الاعتقاد أيضاً وقال إن اليهود والنصارى لا يكرهون على ترك دينهم بل يجب عليهم أن يتبعوا وصايا أنبيائهم.
ويقول تولستوي أيضاً: ومما لا ريب فيه أن النبي محمد كان من عظماء الرجال المصلحين الذين خدموا المجتمع الإنساني خدمة جليلة، ويكفيه فخراً أنه هدى أمة بأكملها إلى نور الحق، وجعلها تجنح إلى السكينة والسلام، وتؤثر عيشة الزهد ومنعها من سفك الدماء وتقديم الضحايا البشرية، وفتح لها طريق الرقي والمدنية، وهذا عمل عظيم لا يقوم به شخص مهما أوتي من قوة، ورجل مثل هذا جدير بالاحترام والإجلال.
كما أختار تولستوي مجموعة من أحاديث الرسول الأكرم (ص)، بلغت أربعة وستون حديثاً، وضمنها كتابه ومنها:
ــ لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه.
ــ ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.
ــ إن الله عز وجل يحب أن يرى عبده ساعياً في طلب الحلال.
في نهاية هذا العرض، أقول أن أهمية هذا الكتاب تكمن في أنه من الكتب النادرة التي طبع قبل 90 عاماً، وهو كتاب غير معروف لدى قرّاء العربية، وهو في الوقت نفسه ينصف الإسلام ونبيّه الكريم ويدعوا الآخرين إلى إنصافه. والكتاب في النتيجة النهائية هو وثيقة تاريخية لصالح الإسلام والمسلمين.
ولي وقفة مع هؤلاء الذين يدعون أنهم من أتباع النبي الأكرم (ص)، وهم موغلون في تشويه الإسلام ونبيه العظيم، ويقتلون من يشهد بأن محمد رسول الله، فإذا كان الغربيون قد تأثروا بالنبي، فما بالكم أيها الحاقدون وإذا كان الدنماركيون يسيؤون إلى نبينا الأعظم بالرسوم، فإن البعض ممن يسمّون بالمسلمين يسيؤون إليه بالفعل، وكما يقول الشاعر العربي:
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند