عربي
Sunday 22nd of December 2024
0
نفر 0

هل لله جسماً

هل لله جسماً

أ- في ظلال الحديث

يوضح لنا الحديث الشريف التالي أن من يدّعي بأن الله تعالى جسم هو على غير الموقف الصحيح والاعتقاد السليم وبذلك لا يتصل بآل البيت عليهم السلام بأية جهة من الجهات لأنهم‌ عليهم السلام كافحوا هذه الفكرة الباطلة والعقيدة المنحرفة وجاهدوا جهاداً شديداً في سبيل القضاء على هذا الاتجاه الفاسد ولنتعرف معاً ماذا يراد بالتجسيم في البحث العقائدي.
في الحديث:"ليس منّا من زعم أن الله جسم ونحن منه براء في الدنيا والآخرة... إن الجسم محدث والله محدثه ومجسّمه"(1).
يطلق التجسيم على أحد المعاني التالية:
1- التشبيه: وهو الاعتقاد بأن الله تعالى صورة تشبه صورة الإنسان.
2- التجسيد: وهو الاعتقاد بأن الله سبحانه جسد أي يشتمل على الأبعاد الثلاثة من الطول والعرض والعمق وعلى قول ما يشتمل على الأبعاد الأربعة بإضافة البعد الزماني إلى الأبعاد الثلاثة المكانية.
3- التحيّز: وهو الاعتقاد بأن الله عزّ وجلّ متحيّز أي في مكان. وقد جاء البرهان على بطلان ذلك إضافة لما ذكر في الحديث المتقدم. في أدلة عديدة نتعرض لبعضها فيما يأتي.

ب- منشأ القول بالتجسيم

إن أولئك الذين قالوا بهذه الخرافة ركنوا إلى ظواهر بعض الآيات والروايات وأخذوا بها من دون تأويلها مع ما يستلزم الأخذ بظاهرها من القول الباطل على الخالق سبحانه ونسبة افتقاره إلى غيره، مع أن الواجب عليهم تأويلها بحمل ألفاظها التي يظهر منها التجسيم على معنى مجازي يلتقي وطبيعة سياق النص وقرائنه المساعدة على ذلك، وبشكل يتمشى وأصل التوحيد كما فعل أئمتنا عليهم السلام والذين تربوا في مدرستهم ونهجوا نهجهم، ينزّهون الله تعالى عن ما قاله غيرهم تنزيهاً كبيراً.
ومن تلك الآيات:
قوله عزّ وجلّ: (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ)(2)
وقوله تعالى: (وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ)(3)
وقوله سبحانه: (وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا)(4)
وقوله عزّ من قائل: (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ)(5)
وقوله عزّ وجلّ: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)(6)
وجميع الآيات المتقدمة لها تأويل صحيح ولنأخذ مثالاً واحداً وهو الآية الأخيرة (عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) فمعناها أنه تعالى استولى واقتدر وملك، وليس المعنى أنه تمكن على العرش جالساً، أو جلس بهيئة خاصة على كرسي عرشه، ويؤيد المعنى الصحيح ما جاء في اللغة:
(استوى البلد للأمير) و (استوت المملكة للملك الفلاني) بمعنى أن الأمير أو الملك استولى واقتدر على البلد والمملكة ولا يراد الجلوس، وأما الاقتدار الإلهي فهو غير مسبوق بعجز ولا الملحوق به أبداً.
يقول الشاعر:
قد استوى بشر على العراق من غير سيفٍ ودمٍ مهراق‌
ولولا أن الأمر كما ذكرنا، لم يكن ذلك تمدحاً وتعظيماً، لأن كلاً يصح أن يجلس على سريره أو كرسي ملكه.
يقول السيد الطباطبائي قدس سره: "يشتبه المراد منه على السامع أول ما يسمعه، فإذا رجع إلى مثل قوله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)(7) استقر الذهن على أن المراد من قوله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)(8 )التسلّط على الملك والإحاطة على الخلق دون التمكن والاعتماد على المكان المستلزم للتجسيم المستحيل على الله سبحانه"(9).

ج- الدليل على نفي التجسيم والتشبيه

مضافاً إلى ما تقدم من قوله عزّ وجلّ (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) بحيث لو كان الله تعالى جسماً لكان مثله شي‌ء بل أشياء كما لا يخفى.
هناك آيات كثيرة دالة على سعة وجوده وأنه في كل مكان ومع كل شي‌ء، يحيط بكل شي‌ء ولا يخلو منه شي‌ء يقول عزّ من قائل: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ)(10) وكيف يجتمع ذلك مع كونه جسماً فإنه حينئذ يكون في مكان دون آخر؟! تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
ولما جاء في خطبة لمولانا أبي عبد الله الحسين‌ عليه السلام: "أيها الناس اتقوا هؤلاء المارقة الذين يشبّهون الله بأنفسهم، يضاهون قول الذين كفروا من أهل الكتاب، بل هو الله ليس كمثله شي‌ء، وهو السميع البصير، لا تدركه الأبصار وهو اللطيف الخبير"(11).

د- مكافحة أمير المؤمنين عليه السلام القول بالتجسيم

روى المبرد في الكامل: "قال قائل لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: أين كان ربنا قبل أن يخلق السموات والأرض؟ فقال علي عليه السلام: أين، سؤال عن مكان، وكان الله ولا مكان"(12).
وقال البغدادي: قال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه: "إن الله تعالى خلق العرش إظهاراً لقدرته، لا مكاناً لذاته".
وقال أيضاً: "قد كان ولا مكان وهو الآن على ما كان"(13).
وقد بلغ بعلي عليه السلام من الأمر أنه كان يراقب العوام والسوقة في محاضراتهم وما يصدر منهم فدخل يوماً سوق اللحامين وقال عليه السلام: "يا معشر اللحامين، من نفخ منكم في اللحم فليس منّا. فإذا هو برجل موليه ظهره، فقال اللحام: كلا والذي احتجب بالسبع. فضربه على ظهره، ثم قال عليه السلام: يا لحّام، ومن الذي احتجب بالسبع؟ قال: ربّ العالمين يا أمير المؤمنين، فقال عليه السلام: أخطأت، ثكلتك أمك، إن الله ليس بينه وبين خلقه حجاب، لأنه معهم أينما كانوا. فقال الرجل ما كفارة ما قلت يا أمير المؤمنين؟ قال عليه السلام: أن تعلم أن الله معك حيث كنت. قال: أُطعم المساكين؟ قال عليه السلام: لا إنما حلفت بغير ربك"(14).
وهذه المعية التي ذكرها علي عليه السلام قد وردت في آيات الذكر الحكيم، منها ما سبق ومنها قوله تعالى: (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ..)( 15).
وقال عليه السلام: "ومن أشار إليه فقد حدّه، ومن حدّه فقد عدّه، ومن قال "فيم؟" فقد ضمَّنه. ومن قال "علام؟" فقد أخلى منه. كائن لا عن حدث، موجود لا عن عدم، مع كل شي‌ء لا بمقارنة، وغير كل شي‌ء مزايلة"(16).
وقال عليه السلام: "الحمد لله الذي لا تدركه الشواهد، ولا تحويه المشاهد، ولا تراه النواظر، ولا تحجبه السواتر"(17).
وقال عليه السلام: "ما وحَّده من كيَّفه، ولا حقيقته أصاب من مثَّله، ولا إياه عنى من شبهه، ولا حمده من أشار إليه وتوهمه"(18).
وقال عليه السلام: "قد علم السرائر، وخبر الضمائر، له الإحاطة بكل شي‌ء، والغلبة لكل شي‌ء والقوة على كل شي‌ء"(19).
إلى غير ذلك من خطبه وكلمه في التنزيه ونفي الشبيه. ومن أراد الإسهاب في ذلك والوقوف على مكافحة أئمة أهل البيت لعقيدة التشبيه والتكييف والتجسيم، فعليه مراجعة الأحاديث المروية عنهم في الجوامع الحديثية.
من فقه الإسلام
س: هل يجوز العمل بوظيفة في حكومة غير إسلامية؟
ج: يدور مدار جواز الوظيفة في نفسها.
س: شخص يعمل في إدارة المرور في دولة عربية وهو مسؤول عن توقيع ملفات المخالفات لقوانين المرور لادخالهم السجن فإذا وقَّعها يدخل هذا المخالف إلى السجن، فهل هذا العمل جائز؟ وما حكم الراتب الذي يأخذه إزاء عمله من الدولة؟
ج: مقررات نظام المجتمع ولو كانت من دولة غير إسلامية تجب مراعاتها على كل حال، وأخذ الراتب في قبال عمل حلال لا بأس به.
س: هل القاضي المنصوب من قبل السلطان الجائر له شرعية في حكمه لتجب إطاعته؟
ج: لا يجوز لغير المجتهد الجامع للشرائط إذا لم يكن منصوباً من قبل من يجوز له النصب تصدّي أمر القضاء وفصل الخصومات بين الناس ولا لهم المراجعة إليه إلاّ عند الضرورة ولا ينفذ حكمه(20).
أ- الاعتقاد بأن الله تعالى جسم اعتقاد فاسد وباطل يستلزم نسبة النقص والافتقار إليه تعالى أن ذلك علواً كبيراً.
ب- التشبيه هو الاعتقاد بأن الله تعالى يشبه الإنسان، والتحيّز هو الاعتقاد بأنه سبحانه موجود في مكان ويخلو من مكان أي متحيّز وكلاهما غير صحيح.
ج- من أدلة القرآن على نفي التجسيم والتشبيه قوله عز من قائل: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) وعلى عدم التحيّز قوله سبحانه: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ).
د- من أقوال أمير المؤمنين عليه السلام في مكافحة التجسيم: "ما وحّده من كيّفه ولا حقيقته أصاب من مثَّله ولا إياه عنى من شبّهه.."
قال تعالى: (يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)(21)
عن أمير المؤمنين عليه السلام: "الحمد لله الذي لا تدركه الشواهد ولا تحويه المشاهد ولا تراه النواظر، ولا تحجبه السواتر"(22).
جواب بهلول!
إن البهلول أتى إلى المسجد يوماً وسمع أن رجلاً عالماً يقرر للناس علومه، فقال في جملة كلامه: إن جعفر بن محمد تكلم في مسائل ما يعجبني كلامه، منها:
أنه يقول: إن الله سبحانه موجود لكنه لا يرى لا في الدنيا ولا في الآخرة، وهل يكون موجود لا يرى؟ ما هذا التناقض.
الثانية: أنه قال: إن الشيطان يعذّب في النار، مع أن الشيطان خلق من النار فكيف الشي‌ء يعذب بما خلق منه؟
الثالثة: أنه يقول: أفعال العباد مستندة إليهم، مع أن الآيات دالة على أنه تعالى فاعل كل شي‌ء.
فلما سمعه البهلول أخذ مدرة وضرب بها رأسه وشجه، فصار الدم يسيل على وجهه ولحيته.
فبادر إلى هارون يشكو من البهلول.
فلما أحضر البهلول وسئل عن السبب قال لهارون: إن هذا الرجل غلّط جعفر بن محمد عليهما السلام في ثلاث مسائل:
الأولى: إن هذا الرجل يزعم أن الأفعال كلها لا فاعل لها إلا الله فهذه الشجة من الله سبحانه وما تقصيري أنا؟
الثانية: إنه يقول: كل شي‌ء موجود لا بد وأن يرى، فإذا كان الوجع موجوداً في رأسه فلماذا لا يرى.
الثالثة: إنه مخلوق من التراب وهذه المدرة أيضاً من التراب وهو يزعم الجنس لا يتعذب بجنسه فكيف تألم من هذه المدرة؟
فأعجب هارون كلامه! وخلّصه من شجة الرجل.
المصادر :
1- الفصول المهمة في أصول الأئمة للحر العاملي، ص‌147.
2- ص:75.
3- الزمر:67.
4- الفجر:22.
5- القصص:88.
6- طه:5.
7- الشورى:11.
8- طه:5.
9- تفسير الميزان، ج‌3، ص‌21.
10- الحديد:4.
11- تحف العقول، ص‌175.
12- الكامل، ج‌2، ص‌59.
13- الفرق بين الفرق، ص‌200.
14- الغارات، ج‌1، ص‌112.
15- النساء:108.
16- نهج البلاغة، الخطبة الأولى، طبعة مصر.
17- نهج البلاغة، الخطبة 180، طبعة مصر.
18- نهج البلاغة، الخطبة 181، طبعة مصر.
19- نهج البلاغة، الخطبة 82، طبعة مصر.
20- أجوبة الاستفتاءات، ج‌2، ص‌98.
21- الحديد:2.
22- نهج البلاغة، الخطبة 180، طبعة مصر.

 


source : راسخون
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

التجدُّد القرآنيّ المستمرّ
في الفراسة بنور الله تعالى
أفضلية فاطمة الزهراء (ع) في کتب أهل السنة(القسم ...
الدلالة الصوتية في النص القرآني
من اکل الربا بجهالة
التوحيد ونفي التشبيه
الخمس فريضة شرعية
الدعاء عند الإمام الهادي عليه السلام
مقتطفات عن سيرة السيدة فاطمة الزهراء(ع) وفضائلها
القيم الاقتصادية والاجتماعية في الإسلام

 
user comment