لثورة الحسين (ع ) مزايا وخصائص غير متوفرة في اية ثورة اخرى عبر تاريخ البشرية برمته , وذلك لأنها ثورة الغيب والروح على المحسوس والمادة , ثورة الحق على الباطل , ثورة الشراكة والشورى على الطغيان والاستبداد , ثورة الرحمن على الشيطان ,وهي تسبيح الملائكة , واناشيد العاشقين , وتراتيل المتهجدين , وضمير الثائرين , وغاية المجتهدين , ودموع المحبين , وصلاة الخاشعين , لذلك لم يكن الربح او الخسارة , والنصر او الشهادة في ساحة تلك الثورة هو المقياس عند سيدها (ع) , بل كان هدفه اكبر من ذلك بكثير , فلقد كان يريد ان يصل الاسلام المحمدي النقي الى قلوب الناس جميعا , حتى اخر جيل من اجيال البشرية على الارض , اسلام الرحمة والمحبة والسلام , اسلام المساواة والعدالة والحرية , اسلام الكرامة والاباء وصون الحقوق , فهو الذي يقول (اني لم اخرج اشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما , وانما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي رسول الله (ص) , اريد ان امر بالمعروف وانهى عن المنكر ) ويقول سمعت جدي رسول الله (ص) يقول : (من راى سلطانا جائرا , مستحلا لحرم الله , ناكثا لعهد الله , مخالفا لسنة رسول الله صلى الله عليه واله , يعمل في عباد الله بالاثم والعدوان , فلم يغير عليه بفعل ولا قول , كان حقا على الله ان يدخله مدخله ) وكان (ع) يريد ان يُعبد الله وحده , فلا يشاركه في ذلك احد من اولئك الذين ثار عليهم , وهذا من اهم ما يميزها عن غيرها من الثورات عبر التاريخ , فلقد كان زعيمها من المكانة عند الله اسماها , ومن الرتبة اعلاها , ومن النفوس ازكاها , وكان عند المسلمين اماما واجب الطاعة بنصوص الهية قرانية ونبوية كانت تعيش معهم في كل لحظة من لحظات حياتهم , بل هي من ضروريات الاسلام التي يعرفها ويعلم بها الصغير والكبير, والجاهل والعالم , والصديق والعدو , والمؤمن والمنافق , بل حتى غير المسلمين من اليهود والنصارى وغيرهم , فلا ينكر امامته وعصمته الا منكر لله ورسالاته وعدو لرسله وانبيائه
, وانها كانت من الوضوح ومازالت بحيث ان الذين سمعوها من جده الاطهر الاكرم الازكى صلى الله عليه واله , كانوا يرددونها على الملأ باستمرار, فحفظتها الاجيال جيلا فجيلا في قلوبها الطاهرة , وضمائرها الحية , وفي كتبها وقراطيسها , يلقنونها الاطفال اناشيدا يتغنون بها صباح مساءا , ويتبركون بها لشفاء صدورهم وذهاب عللهم , حتى اصبحت من المتواترات التي لاتقبل الاجتهاد , لذلك كان فعله عليه افضل صلاة الله وسلامه وقوله وتقريره سنة أعطت الضوء الاخضر للاخيار من ابناء هذه الامة كي يثوروا على الطغيان والظلم والاستبداد والجهل والفساد , واخذ الثوار يقضون مضاجع الظالمين , ويحرمونهم لذة الانتصار المزعوم على الاسلام , ويحيلون بينهم وبين النيل من فكره ومبادئه الاساسية , وكانوا في صميم الاحداث , وفي الخندق الاول للمواجهة , وهكذا حفظ لنا الحسين الدين ناصعا مشرقا واضحا مباركا , بفضل كمال ايمانه بالله تعالى , وعشقه له , وتعلقه به , واستعداده لخوض المنايا في سبيله وسبيل مبادئه العليا , وثباته على ذلك كله حتى اتاه اليقين , تجسيدا لقول جده (ص) : ( حسين مني وانا من حسين , احب الله من احب حسينا ) وبكلمة اخرى كأنه (ص) اراد ان يقول : انا اؤدي الامانة واوصل الرسالة , والحسين يحميها من اعداءها , ويمنعهم من تغيير مسارها ومحو تعاليمها وتبديل اهدافها , وهكذا وصل نور هذه الثورة الينا , فعرفنا معنى الصلاة ومعنى الحب ومعنى السلام والحرية والعدالة , وعرفنا معنى انسانيتنا التي لم نعرفها كما ينبغي الا بالحسين وتضحياته وصبره وايمانه وبسالته وشجاعته , لذلك يجدر بكل الشعوب في العالم ان تطلع على تفاصيل هذه الثورة , وان تتخذ منها شعارالسلوكها , وطريقا لحريتها , وصراطا لربها , ومنهاجا لحياتها , وسبيلا لكرامتها , وعبرة لحاضرها ومستقبلها , ودرسا لنيل حقوقها , ومعرفة لواجباتها , واعتقد ان من واجب الانسانية جمعاء ان تخلد الحسين وثورته على احسن مايكون, عسى ان تتمكن من رؤية النور في سجن ازماتها المظلم , تلك الازمات الروحية والمادية التي طالما استعصت على الحل , واثقلت كاهل الانسانية بوجع لايهدأ , وحزن لاينتهي , وظلام لاينقشع , وظلم لايزول ..
فشكرا لك ياأبا الثوار وسيد الشهداء , ياسبط الرحمة وامام المحبة , وعاشق الحرية ومنشد السلام , وطالب الاصلاح ومنار العاشقين , وملاذ المستضعفين ومجير الخائفين , ومنجد الفقراء والمحتاجين , ودليل العارفين , وسبيل المؤمنين , وراية المهتدين , وسلام الله على تلك الدموع التي يذرفها العاشقون على محراب دمك , وعلى تلك القلوب التي فتحت ابوابها لحبك , وعلى تلك الارواح الزاكية التي جاهدت بين يديك , وسلام الله على تلك
الايادي التي قطعت ثمنا لزيارتك , وعلى تلك الاجساد التي يفجرها الحاقدون وهي تحمل ارواحها في الطريق اليك , وعلى تلك النفوس التي آمنت بثورتك وسارت على نهجك حتى الشهادة , وسلام عليك ياأبا عبد الله ورحمة الله وبركاته.