من محاضرات: سماحة آیة الله الشیخ مجتبی الطهراني
ترجمة: الأستاذ علي فاضل السعدي
النتائج الاخرویة للارتباط بالمعصومین(ع)ـ القسم الثالث
خصائص دخول الشيعة إلى الجنة
أولاً _ التقدّم: إن المعصومين (عليهم السلام) هم أوّل من يدخل الجنة ثم يعقبهم شيعتهم ومحبيهم (عليهم السلام) للدخول إلى جنان الخلد. روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام):
أخبرني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أنّ أوّل من يدخل الجنة أنا وفاطمة والحسن والحسين قلت: يا رسول الله فمحبونا؟ قال: من ورائكم.(1 )
وقد ورد في روايات أخرى أنّ دخول الشيعة إلى الجنان سيكون عن جانبي الأئمة المعصومين (عليهم السلام) وهي تدل على تقدم دخولهم على سائر أهل الجنة. ففي رواية عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال:
شكوت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حسد من يحسدني، فقال: يا علي أما ترضى أن تكون أول أربعة يدخلون الجنة: أنا و أنت وذرارينا خلف ظهورنا وشيعتنا عن أيماننا وشمائلنا.(2 )
ثانياً- التبجيل: يدخل المحب الجنة مكرما بشكل خاص لأنّه يحمل معه جوهرة قيمة للغاية، وهي حبّ آل البيت (عليه السلام) روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
ألا ومن مات على حبّ آل محمد يزفّ كما تزف العروس إلى بيت زوجها.(3 )
فالعروس تزفّ إلى بيت الزوجية بحالة من الاحتفال والإعلان والسرور، إذاً فتشبيه إدخال محبّ أهل البيت (عليهم السلام) الجنة بزفّ العروس، قد يكون بملاحظة هذا التبجيل والعظمة. ففي رواية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) التي يذكر فيها الخصال العشرين التي سيتمتع بها محبّ أهل البيت (عليهم السلام) يقول وقبل الخصلة الأخيرة وهي دخول الجنة:
... ويكسى من حلل الجنة ... ويتوّج من تيجان الجنة.(4 )
إن تكريم الله تعالى للمحبين سيسرهم بشكل يزول معه كلّ غمّ وسيجعلهم ينطقون بالبشارة لكل من لم يلحق بهم من أحبائهم، وذلك حين يروا عظمة وسعة العطاء الإلهي الذي سيهبهم إيّاه، وهناك سيتذكّروا أصحابهم الذين تعاهدوا معهم ليخاطبوهم من الجنان إلّا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا. فعن بُريد العجلي وهو من أصحاب الإمام الباقر (عليه السلام) أنه سأل الإمام الباقر (عليه السلام) عن قول الله تعالى: "وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ".(5 )
قال: هم والله شيعتنا، حين صارت أرواحهم في الجنّة واستقبلوا الكرامة من الله عزّ وجل علموا واستيقنوا أنّهم كانوا على الحق وعلى دين الله عزّ وجل واستبشروا بمن لم يلحق بهم من إخوانهم من المؤمنين إلّا خوف عليهم ولا هم يحزنون(6 )
ثالثاً- دخول الجنة بلا حساب: إنّ الخصيصة الثالثة لهذا الدخول العظيم، هي عدم المحاسبة. فمحبّ أهل البيت (عليهم السلام) سيدخل الجنة دون حساب فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وفي بيانه للخصائص العشرين المذكورة يقول (صلى الله عليه وآله وسلم):
... يدخل الجنة بغير حساب فطوبى لمحبّي أهل بيتي.(7 )
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضا:
من أراد دخول الجنة بغير حساب فليحب أهل بيتي.(8 )
إنّ من الطبيعي أن تكون مثل هذه الفضيلة الخاصة لمحبي المعصومين (عليهم السلام) الحقيقيين، وهم الذين لا تجد في حبّهم شائبة من عدم الصدق. فهكذا أناس لا ينشر لهم ديوان ولا ينصب لهم ميزان. وذلك ما روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
ألا ومن أحبّ عليا لا ينشر له ديوان ولا ينصب له ميزان وقيل له: أدخل الجنة بغير حساب(9 )
إنّ محبّة أهل البيت (عليهم السلام) لو تحققت لمحبي محبيهم فإنّها ستدخل الإنسان الجنة وهي تحكي عن القيمة السامية لهذه المحبّة. فعن حذيفة بن اليمان وكان من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال:
رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) آخذا بيد الحسن بن علي (عليه السلام) وهو يقول: أيها الناس هذا ابن علي فاعرفوه، فوالذي نفس محمد بيده، إنّه لفي الجنة ومحبوه في الجنّة ومحبو محبه في الجنّة.(10 )
ومن الطبيعي وكما مرّ أن الحبّ الذي سيكون مفيدا هو الحبّ الذي لا يكون لأغراض دنيويّة
10- نيل الشفاعة ومقامها
سيكون لمحبي أهل البيت (عليهم السلام) الكفاءة لنيل شفاعتهم (عليهم السلام) فقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): شفاعتي لأمتي من أحبّ أهل بيتي وهم شيعتي.
إنّ من ارتبط بأهل البيت (عليهم السلام) بعلاقة ودّ وكان تابعاً حقيقياً لهم سنيال من فيوضاتهم الوجوديّة في القيامة وقد يحصلوا على شفاعة لمن ارتبطوا معهم برابطة الودّ لأجل المعصومين (عليهم السلام). يقول الإمام الصادق (عليه السلام):
إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد فتغشّاهم ظلمة شديدة فيضجّون إلى ربهم ويقولون: يا رب اكشف عنا هذه الظلمة، قال: فيقبل قوم يمشي النور بين أيديهم وقد أضاء أرض القيامة فيقول أهل الجمع: هؤلاء أنبياء الله فيجيئهم النداء من عند الله: ما هؤلاء بأنبياء، فيقول أهل الجمع: فهؤلاء ملائكة، فيجيئهم النداء من عند الله: ما هؤلاء بملائكة، فيقول أهل الجمع: هؤلاء شهداء، فيجيئهم النداء من عند الله: ما هؤلاء بشهداء، فيقولون: من هم؟ فيجيئهم النداء: يا أهل الجمع سلوهم من أنتم، فيقول أهل الجمع: من أنتم؟ فيقولون: نحن العلويون، نحن ذرية محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نحن أولاد علي ولي الله، نحن المخصوصون بكرامة الله، نحن الآمنون المطمئنون، فيجيئهم النداء من عند الله عزّ وجل: اشفعوا في محبيكم وأهل مودتكم وشيعتكم، فيشفعون فيشفعون.(11 )
وسينال محبّ أهل البيت (عليهم السلام) مرتبة ومكانة هي من الرفعة ما يمكنها أن تتحول إلى واسطة الفيض الإلهي. فالشفيع، واسطة فيض الله تعالى وهذه الوساطة مرهونة بسمو مقامه وإذن الله تعالى بالشفاعة كما أنّ لمحبّ المعصومين (عليهم السلام) مرتبة سامية عند الله وهو أيضا مأذون بالشفاعة من قبل الله تعالى. وقد ذكر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في عدّة لخصال محبي أهل البيت (عليهم السلام): ويشفع يوم القيامة في سبع مائة من أهل بيته.(12 )
وكلّما اشتدت هذه المحبّة، ارتفع مقام ومكانة المحبّ حتى يصل به الأمر أن يكون في مقام الكاملين من شيعة المعصومين (عليهم السلام) حيث سيكون بإمكانه الشفاعة لعدد أكبر من عدد المذكورين، وذلك ما ورد في رواية الإمام الكاظم الذي قال بعد مدحه توصيفه للشيعة الحقيقيين:
والله إن أحدهم ليشفع في مثل "ربيعة ومضر" فيشفعه الله فيهم لكرامته على الله عزّ وجل.(13 )
وروي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال في حجم هذه الشفاعة نقلاً عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام):
إن للجنة ثمانية أبواب: باب يدخل منه النبيون والصديقون، وباب يدخل منه الشهداء والصالحون، وخمسة أبواب يدخل منها شيعتنا ومحبونا، فلا أزال واقفا على الصراط أدعو وأقول: رب سلّم شيعتي ومحبي وأنصاري ومن توالاني في دار الدنيا، فإذا النداء من بطنان العرش: قد أجيبت دعوتك، و شفعت في شيعتك. ويشفع كل رجل من شيعتي ومن تولاني ونصرني وحارب من حاربني بفعل أو قول في سبعين ألفا من جيرانه وأقربائه، وباب يدخل منه سائر المسلمين ممن يشهد أن لا إله إلّا الله ولم يكن في قلبه مقدار ذرة من بغضنا أهل البيت.(14 )
11- مصاحبة المعصومين (عليهم السلام)
ليس للمحبّ شيء أحبّ من مصاحبة حبيبه. والقيامة هي المحلّ الذي سيترافق فيه الإنسان مع كل شيء وشخص كان يحبه. فعن أنس بن مالك قال: جاء رجل من أهل البادية- وكان يعجبنا أن يأتي الرجل من أهل البادية يسأل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال يا رسول الله: متى قيام الساعة؟ فحضرت الصلاة، فلما قضى صلاته قال: أين السائل عن الساعة؟ قال: أنا يا رسول الله، قال: فما أعددت لها؟ قال: والله ما أعددت لها من كثير عمل: صلاة ولا صوم، إلّا أنّي أحب الله ورسوله، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):
المرء مع من أحب.
قال أنس: فما رأيت المسلمين فرحوا بعد الإسلام بشئ أشد من فرحهم بهذا.(15 )
وقد روى ابو ذرّ الغفاري ذلك الصحابي الكبير أنّه سأل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا نبيّ الله إنّي أحب أقواما ما أبلغ أعمالهم، قال: فقال: يا أبا ذر المرء مع من أحب وله ما اكتسب، قلت: فإني أحب الله ورسوله وأهل بيت نبيه، قال: فإنك مع من أحببت، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في ملأ من أصحابه فقال رجال منهم: فإنّا نحب الله ورسوله، ولم يذكروا أهل بيته. فغضب وقال: أيها الناس أحبوا الله عزّ وجل لما يغذوكم به من نعمة، و أحبوني بحب ربي، وأحبوا أهل بيتي بحبي، فوالذي نفسي بيده لو أن رجلا صفن بين الركن والمقام صائما وراكعا وساجدا ثم لقي الله عزّ وجل غير محب لأهل بيتي لم ينفعه ذلك. قالوا: ومن أهل بيتك يا رسول الله؟ أو أي أهل بيتك هؤلاء ! قال (صلى الله عليه وآله وسلم): من أجاب منهم دعوتي واستقبل قبلتي ومن خلقه الله مني ومن لحمي ودمي، فقالوا: نحن نحب الله ورسوله وأهل بيت رسوله، فقال: بخ بخ فأنتم إذا منهم، أنتم إذا منهم، والمرء مع من أحب وله ما اكتسب.(16 )
إنّ مصاحبة المحبوب كما مرّ- ستتجلى في محضر القيامة، إذاً لابدّ أن يسعى الإنسان في الدنيا ليكون محباً لأولياء الله ليكون مصاحباً لهم في الآخرة. فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال:
خذ من صالح العمل وخالل خير خليل فإن للمرء ما اكتسب وهو في القيامة مع من أحب.(17 )
وقد تحدث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن أنّ هذه الصحبة هي في حدّ السكن في مساكن الجنان وذلك لمن كان في قلبه محبة حقيقية لهم، وارتضى زعامة وولاية علي في المعتقد والعمل. قد أسند ذلك إلى آية قرآنية وذلك فيما يروى عن أمير المؤمنين (عليه السلام):
يا علي من أحبّك وتولّاك أسكنه الله معنا في الجنة، ثم تلا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "إن المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر(18 )". (19 )
إن سموّ مقام المعصومين (عليهم السلام) لا ينبغي أن يثير الشك والترديد في تحقق هذه الصحبة لأحبائهم، هذا رغم أنّ حجم وكيفية هذه الصحبة هي بمقدار محبتهم للمعصومين (عليهم السلام) فكل من كانت محبته أشدّ وأصدق، ستكون رفقته له أتمّ وأكبر وكلّ من كانت محبته أدنى ستكون رفقته أنقص وأقلّ.
روي عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال:
جاء رجل من الأنصار إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا رسول الله ما أستطيع فراقك، وإني لأدخل منزلي فأذكرك فأترك ضيعتي وأقبل حتى أنظر إليك حبا لك، فذكرت إذا كان يوم القيامة وأدخلت الجنة فرفعت في أعلى عليين فكيف لي بك يا نبي الله؟ فنزل: " ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا"(20 ) فدعا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الرجل فقرأها عليه وبشره بذلك.(21 )
فكما هو واضح، فإنّ نزول الآية كان بعد أن أظهر الأنصاري حبه الشديد لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وكما ويلاحظ في الآية أنّها تتحدث عن مصاحبة الطائعين وهي يمكن أن تكون دالة على أن المحبة إذا أدّت إلى الطاعة سيكون نتيجتها مصاحبة رسول الله في القيامة كما أن الحكاية الأخرى التي وردت في شأن نزول هذه الآية يدلّ على هذا المعنى أيضاً. فقد روى العلامة الطبرسي قائلا: نزلت في ثوبان مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وسلم، وكان شديد الحب لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وسلم، قليل الصبر عنه، فأتاه ذات يوم، وقد تغير لونه، ونحل جسمه، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : يا ثوبان ! ما غير لونك؟ فقال: يا رسول الله ! ما بي من مرض، ولا وجع، غير أني إذا لم أرك اشتقت إليك حتى ألقاك، ثم ذكرت الآخرة، فأخاف أنّي لا أراك هناك، لأني عرفت أنك ترفع مع النبيين، وإني إن أدخلت الجنة كنت في منزلة أدنى من منزلتك، وإن لم أدخل الجنة فذاك حتى لا أراك أبدا! فنزلت الآية.(22 )
وبما أنّ مستقرّ المحبة هو قلب الإنسان وأنّ القلب هو مخزن حقائقه الوجودية وأن القيامة هي بالذات الفترة التي تظهر فيها الحقائق الخفية لوجود الإنسان ومصاحبته مع تلك الحقائق؛ إذاً فما أجمل أن تردّ محبة الأئمة المعصومين (عليهم السلام) القلب وتترسخ فيه بشدة لكي تكون نتيجة ذلك أن يحشر المرء معهم في القيامة.(23 ) وقد روي أن الريّان بن شيب كان قد دخل على الإمام الرضا (عليه السلام) في أوّل يوم من المحرم فحدّثه الإمام عن محرّم والبكاء على الإمام الحسين (عليه السلام) الأمر الذي تصرّح به رواياتهم (عليهم السلام) ثم قال:
يا ابن شبيب إن سرك أن تكون معنا في الدرجات العلى من الجنان، فاحزن لحزننا، وافرح لفرحنا، وعليك بولايتنا، فلو أن رجلا تولى حجرا لحشره الله معه يوم القيامة.(24 )
وهي تدلّ على قطعية مصاحبة المحبّ للمحبوب. روي عن بريد بن معاوية العجلي قال: كنت عند أبي جعفر (عليه السلام) إذ دخل عليه قادم من خراسان ماشيا فأخرج رجليه وقد تغلفتا وقال: أما والله ما جاء بي من حيث جئت إلّا حبكم أهل البيت، فقال أبو جعفر (عليه السلام): والله لو أحبنا حجر حشره الله معنا، وهل الدين إلّا الحب؟ إن الله يقول: "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله"(25 ) وقال: "فيحبون من هاجر إليهم"(26) وهل الدين إلّا الحب.(27)
12- الاستظلال بظل العرش مع الشهداء والصديقين
سينال محبّي المعصومين (عليهم السلام) وإضافة إلى ما سيلقونه من مصاحبتهم (عليهم السلام) توفيق مرافقة خاصة عباد الله من الشهداء والصديقين والاستظلال بظل عرش الله تعالى يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): الا ومن أحبّ عليّا أظلّه الله في ظل عرشه مع الشهداء والصديقين(28 )
إن كلام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يستبطن فضيلتين لمحبّي أمير المؤمنين (عليه السلام): الأولى هي الإستظلال في ظلّ عرش الله والثانية مرافقة الشهداء والصديقين وهذه الصحبة ستتجلى على شكل الصداقة معهم في الجنة؛ الأمر الذي يتضح من خلال تتمة كلام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وذلك في قوله:
... وكان في الجنة رفيق حمزة سيد الشهداء(29 )
13- تخدمهم الملائكة
إن لمحبي أهل البيت (عليهم السلام) الحقيقيين ونظرا لما يمتلكونه من جوهرة قيّمة تتمثل بحبهم آل محمدّ(ص) مقاماً ومرتبة تمتاز بالرفعة ما تجعل الملائكة خُدّاماً لهم. فحينما يكون للمحبين مقاماً أسمى من مقام الملائكة أجمعين فإن محبهم الحقيقي سيكون أهلا لمثل هذه الخدمة. فقد روي عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ما خلق الله عزّ وجل خلقا أفضل مني، ولا أكرم عليه منّي، قال علي (عليه السلام): فقلت: يا رسول الله فأنت أفضل أو جبرئيل؟ فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): يا علي إن الله تبارك وتعالى فضل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقربين، وفضلني على جميع النبيين والمرسلين، والفضل بعدي لك يا علي وللأئمة من بعدك وإنّ الملائكة لخدّامنا، وخدام محبينا.(30 )
14- الدرجات الرفيعة
إنّ مرافقة المعصومين وخدمة الملائكة إياهم يدلان على المقام والمرتبة الرفيعة لمحبّ أهل البيت الحقيقي، لكن هذه المرتبة ليست متساوية بالنسبة لجميع المحبين بل هي تابعة لمستوى ولائهم ومعرفتهم. فمن كان مطييعا للولي بشكل تام، فإنّ لهم منزلة أسمى وأرفع وستكون لهم صحبة وقرب أكبر هذا رغم أن لجميع محبي أهل البيت فضيلة الصحبة والرفعة، لكن وكما مرّ فإنّ الإستفادة من هذه الصحبة ستكون متفاوتة. فما يناله أصحابه من قبيل سلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري والمقداد من مرافقة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين (عليه السلام) تتفاوت مع ما سيناله غيرهم من المرافقة. فعن عمار الساباطي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عزّ وجل: " أفمن اتّبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله ومأواه جهنم وبئس المصير هم درجات عند الله"(31 ) فقال: الذين اتبعوا رضوان الله هم الأئمة وهم والله يا عمار درجات للمؤمنين وبولايتهم ومعرفتهم إيانا يضاعف الله لهم أعمالهم ويرفع [ الله ] لهم الدرجات العلى.(32 )
فمن القطعي أنّ يكون هناك فرق كبير بين من يمتنع عن نصرة المعصومين (عليهم السلام) في مواجهة أعدائهم المفترين عليهم رغم حبه لهم (عليهم السلام) وبين من يبلغ به الحبّ والمعرفة درجة تجعله مدافعاً عن مقامهم ومرتبتهم (عليهم السلام) مقابل المفترين وينتفض في وجه اعدائهم. يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): ... من أحبنا بقلبه وأعاننا بلسانه وقاتل معنا أعداءنا بيده فهم معناه في درجتنا، ومن أحبنا بقلبه وأعاننا بلسانه ولم يقاتل معنا أعداءنا فهو أسفل من ذلك بدرجة، ومن أحبنا بقلبه ولم يعنا بلسانه ولا بيده فهو في الجنة.(33 )
ويظهر أن الدرجة التي تلحظها الرواية، هي أسمى درجات الجنة وهو كما أورده الإمام زين العابدين (عليه السلام) نقلا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):
في الجنة ثلاث درجات، وفي النار ثلاث دركات: فأعلى درجات الجنة لمن أحبنا بقلبه ونصرنا بلسانه ويده، وفي الدرجة الثانية من أحبنا بقلبه ونصرنا بلسانه، وفي الدرجة الثالثة من أحبنا بقلبه.(34 )
فيما نجد كلاما للامام الحسن المجتبى (عليه السلام) يشير فيه بصراحة إلى أنّ لما ذكر يمكن اعتبار هؤلاء الاشخاص من سكنة الدور التي ستكون للائمة المعصومين (عليهم السلام) في جنانهم الخاصّة بهم وهي تدلّ على العظمة الملفتة والمحيّرة لمقام ومرتبة هكذا اشخاص يقول الإمام (عليه السلام):
من أحبنا بقلبه ونصرنا بيده ولسانه فهو معنا في الغرفة التي نحن فيها، ومن أحبنا بقلبه ونصرنا بلسانه فهو دون ذلك بدرجة، ومن أحبنا بقلبه وكف بيده ولسانه فهو في الجنة.(35)
وكما هو بيّن فإن هذه المرافقة ستكون خاصّة بفئة من محبّي المعصومين (عليهم السلام) ممن لا يكتفوا بالحبّ القلبي، بل يعينوا باليد واللسان ويكونوا مطيعين للمعصومين (عليهم السلام)
15- سينال ثواب جميع عباد الله تعالى
إن الارتباط بالمعصومين (عليهم السلام) بأي درجة أو شكل كان ستكون نتيجته الثواب والجزاء. لكن هناك من المرتبطين بالمعصومين (عليهم السلام) من سنيال ثواباً بمقدار ثواب أعمال جميع عباد الله تعالى. فقد روي أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لأمير المؤمنين علي (عليه السلام):
ياعلي... إنما مثلك مثل قل هو الله أحد فإنه من قرأها مرة فكأنما قرأ ثلث القرآن، ومن قرأها مرتين فكأنما قرأ ثلثي القرآن، ومن قرأها ثلاث مرات فكأنما قرأ القرآن، وكذلك من أحبك بقلبه كان له مثل ثلث ثواب أعمال العباد، ومن أحبك بقلبه ونصرك بلسانه كان له مثل ثلثي ثواب أعمال العباد، ومن أحبك بقلبه ونصرك بلسانه ويده كان له مثل ثواب العباد.(36 )
---------------------------
(1 ) بحار الأنوار: العلامة المجلسي، ج 65، ص 127، ح 56. وقد ورد في مصادر العامة مثل هذا الحديث . المستدرك: الحاكم النيسابوري، ج 12، ص 151.
(2 ) المصدر السابق، ج 39، ص 218، ح 10؛ نقلا عن الخصال، ج 1، ص 254،ح 128.
(3 ) المصدر السابق، ج 27، ص 111، ح 84؛ نقلا عن تفسير الكاشف، الزمخشري.
(4 ) المصدر السابق، ج 27، ص 78، ح 12؛ نقلا عن الخصال، ج 2، ص 515، ح1.
(5 ) آل عمران: 170.
(6 ) الكافي: للكليني، ج 8، ص156، ح 146.
(7 ) بحار الأنوار: العلامة المجلسي - ج 7 – ص 78، ح 12؛ نقلا عن الخصال، ج 2،ص 515، ح 1.
(8 ) المصدر السابق، ص 116، ح 92.
(9 ) المصدر السابق، ج65، ص 124، ح 53.
(10 ) المصدر السابق، ج27، ص 136، ح134.
(11 ) المصدر السابق، ج 7 - ص 100، ح 4؛ نقلا عن أمالي الصدوق، ص284.
(12 ) وسائل الشيعة: للحرّ العاملي، ج8، ص98، ح10172.
(13 ) المصدر السابق، ج 16، ص 179، ح 21290.
(14 ) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 8 - ص 39؛ نقلا عن الخصال، للصدوق، ج2، ص406، ح6.
(15 ) بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 17 - ص 13 ح 26؛ نقلا عن علل الشرائع، ج1، ص 139.و صحيح البخاري: ج 7، ص113. وقد ورد أيضا في مصادر العامة عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، الرَّجُلُ يُحِبُّ الرَّجُلَ، وَلاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَعْمَلَ كَعَمَلِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم): الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ . فَقَالَ أَنَسٌ: فَمَا رَأَيْتُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) فَرِحُوا بِشَيْءٍ قَطُّ، إلّا أَنْ يَكُونَ الإسلام مَا فَرِحُوا بِهَذَا، مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم)، فَقَالَ أَنَسٌ: فَنَحْنُ نُحِبُّ رَسُولَ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وَلاَ نَسْتَطِيعُ أَنْ نَعْمَلَ كَعَمَلِهِ، فَإِذَا كُنَّا مَعَهُ فَحَسْبُنَا. (المسند لأحمد بن حنبل، ج3، ص221).
(16 ) وقد ورد في مصادر أهل السنّة أنّ أبا ذرّ الغفاري قال لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا رسول الله الرجل يحبّ القوم ولا يستطيع أن يعمل مثل عملهم قال أنت يا أبا ذر مع من أحببت قلت فاني أحبّ الله ورسوله قال أنت مع من أحببت (السنن، لعبد الله بن بهرام الدارمي ج2، ص322).
(17 ) غرر الحكم: الآمدي، ص 154، ح 2877.
(18 ) القمر: 54و55.
(19 ) بحار الأنوار: العلامة المجلسي - ج 36 - ص 65، ح3. وقد ورد في مصادر أهل السنة أن رسول الله رفع يدي الحسن والحسين وقال: من أحبني وأحب هذين وأباهما كان معي في درجتي يوم القيامة. مسند احمد بن حنبل ج 1، ص 77؛ وسنن الترمذي ج5،ص305،ح3816.
(20 ) النساء: 69.
(21 ) بحار الأنوار: العلامة المجلسي - ج 8 - ص 188،ح 159؛ نقلا عن أمالي الشيخ الصدوق، ص 621.
(22 ) تفسير مجمع البيان: الشيخ الطبرسي، ج 3، ص 125 – 126.
(23 ) عن حبيب بن الجهم قال: لما دخل بنا علي بن أبي طالب (عليه السلام) إلى بلاد صفين نزل بقرية يقال لها "صندودا" ثم أمرنا فعبرنا عنها ثم عرس بنا في أرض بلقع فقام إليه مالك بن الحارث الأشتر فقال: يا أمير المؤمنين: أتنزل الناس على غير ماء؟ فقال: يا مالك إن الله عز وجل سيسقينا في هذا المكان ماء أعذب من الشهد وألين من الزبد الزلال وأبرد من الثلج وأصفى من الياقوت فتعجبنا ولا عجب من قول أمير المؤمنين (عليه السلام) ثم أقبل يجر رداءه وبيده سيفه حتى وقف على أرض بلقع فقال: يا مالك احتفر أنت وأصحابك فقال: مالك فاحتفرنا فإذا نحن بصخرة سوداء عظيمة فيها حلقة تبرق كاللجين فقال لنا روموها فرمناها بأجمعنا ونحن مائة رجل فلم نستطع أن نزيلها عن موضعها فدنا أمير المؤمنين (عليه السلام) رافعا يده إلى السماء يدعو وهو يقول: " طاب طاب مربا بما لم طبيوثا بوثة شتميا كوبا جاحا نوثا توديثا برحوثا آمين آمين رب العالمين رب موسى وهارون" ثم اجتذبها فرماها عن العين أربعين ذراعا. قال مالك بن الحارث الأشتر: فظهر لنا ماء أعذب من الشهد وأبرد من الثلج وأصفى من الياقوت فشربنا وسقينا ثم رد الصخرة وأمرنا أن نحثو عليها التراب. ثم ارتحل وسرنا فما سرنا إلا غير بعيد قال: من منكم يعرف موضع العين؟ فقلنا: كلنا يا أمير المؤمنين فرجعنا فطلبنا العين فخفي مكانها علينا أشد خفاء فظننا أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قد رهقه العطش فأومأنا بأطرافنا فإذا نحن بصومعة راهب فدنونا منها فإذا نحن براهب قد سقطت حاجباه على عينيه من الكبر فقلنا: يا راهب أعندك ماء نسقي منه صاحبنا؟ قال: عندي ماء قد استعذبته منذ يومين فأنزل إلينا ماءا مرا خشنا فقلنا: هذا قد استعذبته منذ يومين؟ فكيف ولو شربت من الماء الذي سقانا منه صاحبنا وحدثناه بالأمر فقال: صاحبكم هذا نبي؟ قلنا: لا ولكنه وصي نبي. فنزل إلينا بعد وحشته منا وقال: انطلقوا بي إلى صاحبكم فانطلقنا به فلما بصر به أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: شمعون قال الراهب: نعم شمعون هذا اسم سمتني به أمي ما اطلع عليه أحد إلا الله تبارك وتعالى ثم أنت فكيف عرفته فأتم حتى أتمه لك. قال: وما تشاء يا شمعون؟ قال: هذا العين واسمه قال: هذا العين "راحوما" وهو من الجنة شرب منه ثلاثمائة وثلاثة عشر وصيا وأنا آخر الوصيين شربت منه قال الراهب: هكذا وجدت في جميع كتب الإنجيل وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأنك وصي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم رحل أمير المؤمنين (عليه السلام) والراهب يقدمه حتى نزل بصفين ونزل معه بعابدين والتقا الصفان فكان أول من أصابته الشهادة الراهب فنزل أمير المؤمنين (عليه السلام) وعيناه تهملان وهو يقول: المرء مع من أحب الراهب معنا يوم القيامة رفيقي في الجنة. بحار الأنوار: العلامة المجلسي - ج 33 - ص 39 – 40؛ نقلا عن أمالي الصدوق، ص 184، ح14.
(24 ) بحار الأنوار: العلامة المجلسي، ج 44، ص، 286، ح23؛ نقلا عن أمالي الصدوق، ص129،ح5.
(25 ) آل عمران: 31.
(26 ) الحشر: 9.
(27 ) بحار الأنوار: العلامة المجلسي، ج 27، ص 95، ح 57،؛ نقلا عن تفسير العياشي، ج1، ص 167.
(28 ) المصدر السابق، ح65، ص124، ح53.
(29 ) المصدر السابق.
(30 ) بحار الأنوار: العلامة المجلسي، ج 18، ص 345، ح56؛ نقلا عن عيون اخبار الرضا، ج1، ص 262، ح22 وعلل الشرائع، ج1، ص 5، ح1.
(31 ) آل عمران: 162.
(32 ) الكافي: الشيخ الكليني، ج 1، ص 430، ح84.
(33 ) بحار الأنوار: العلامة المجلسي، ج 27، ص 89، ح39؛ نقلا عن الخصال، ج2، ص 638.
(34 ) المصدر السابق، ص 93، ح53؛ نقلا عن المحاسن، ج 1، ص153، ح76.
(35 ) المصدر السابق. ص101، ح64.
(36 ) المصدر السابق، ص 94، ح54؛ نقلا عن المحاسن، ج1، ص153،ح 77.
source : ابنا