عربي
Sunday 28th of April 2024
0
نفر 0

الأرض في القرآن كرويَّة أم مسطَّحة؟

الأرض في القرآن كرويَّة أم مسطَّحة؟

 المسألة:

هنالك بعض الآيات في القران الكريم قد توحي بمدلولات متناقضة مع العلم الحديث كأن يعبِّر القرآن الكريم بأنَّ الأرض مسطَّحة بينما العلم والأدلة اليوم تُثبت بأنَّ الأرض كُرَوِيَّة! فكيف يمكن رفع هذا التّناقض؟

 

الجواب:

ليس في القرآن الكريم آية مفادها أنَّ الأرض مسطَّحة بل ثمَّة ما يُشير في بعض الآيات إلى كرويَّة الأرض كما في قوله تعالى: ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ﴾(1).

 

فالتَّكوير يعني الاستدارة، ولا معنى لاستدارة الليل والذي هو الظّلمة لولا كرويّة الأرض حيث تستدير الظّلمة حول الوجه المستدبر للشّمس، ويستدير الضّوء حول الوجه المستقبل للشّمس، ولأنّ الأرض في حالة دوران حول نفسها اقتضى ذلك أن يتحوّل الضوء من جهة إلى جهة أخرى فيكون في الموقع الذي كانت الظلمة تغشاه، وبذلك يُصبح الموقع الذي كان الضّوء يغشاه مظلمًا، فليس لموقع الضّوء ثبات كما أنّه ليس لموقع الظّلمة ثبات، بل كلٌّ من الليل والنّهار يتعاقبان على كلٍّ من وجهَي الأرض.

 

ولأنَّ تحوُّل أحد شِقَّي الأرض من الاستقبال للشَّمس إلى استدبارها لا يكون بنحو الطَّفرة لذلك تتحوّل الظّلمة والضّوء بمستوى حركة دوران الأرض حول نفسها فيشع الضوء في موقعٍ كان مظلمًا وتعمُّ الظلمة في موقعٍ كان مُشِعًّا، فلو تصورنا خطوطًا وهميةً مستديرةً حول الأرض لكان الضوء كُلَّما شَعَّ في خطٍّ من هذه الخطوط فَقَدَ خطًا كان مُشِعًّا فيه فأصبح مظلمًا فكأن الضوء غشي موقع الظلمة وكأن الظلمة غشيت موقع الضوء، وهذا هو سر التعبير بقوله: ﴿يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ﴾(2)، واختارت الآية التعبير بالفعل المضارع ﴿يُكَوِّرُ﴾ لإفادة الاستمرار والتجدُّد كما هو مدلول صيغة الفعل المضارع.

 

وهو سر التعبير في آية أخرى بقوله تعالى: ﴿يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا﴾(3)، فكأنما الظلمة تُلاحق الضوء وكذلك قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاء لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلا / ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا﴾(4).

 

وبتقريبٍ آخر: إن التعبير بالتكوير الوارد في قوله تعالى: ﴿يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ﴾(5)، لا يناسب افتراض أن الأرض مسطَّحة، وذلك لأن المدلول اللغوي للفظ التكوير هو لفُّ الشيء بنحوٍ يكون على هيئة الكُرَة، فحينما يقال: "كوَّرْتُ الطِّين أو العجين"، فإنَّ معناه جَعَلتُهُ يأخذ شَكْلَ الكُرَةَ، فلو كانت الأرض مسطَّحَةً لكان التَّعبير بتكويرِ الليل والنَّهار عليها غير دقيقٍ، فالليلُ والنَّهارُ بمثابة الخَطَّيْنِ فإذا افترضنا أنَّ إحاطتهما بشيء كان بنحو التكوير كان ذلك مقتضيًا لكرويَّة ذلك الشيء، إذْ لو كان ذلك الشيء (الجسم) مربعًا مثلاً لأخذ الخطان شكل المربَّع، وهكذا لو كان مثلثًا لأخذ الخطان شكل المثلث، ولأن الآية المباركة عبَّرت بالتكوير فذلك يكشف عن أنَّ شكل الأرض كروي.

 

وثمّة آيات أخرى أشارت إلى كرويّة الأرض يُمكن الوقوف عليها بالتأمل ومراجعة البحوث المتصدية لبيان الإعجاز العلمي للقرآن الكريم، وأما الآيات التي توهم البعض دلالتها على أن القرآن الكريم أفاد أن الأرض مسطَّحة فهي مثل قوله تعالى: ﴿وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ﴾(6)، وقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ بِسَاطًا﴾(7)، وقوله تعالى: ﴿وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾(8)، وتمام هذه الآيات ونظائرها لا دلالة فيها على دعوى أن القرآن يرى الأرض مسطَّحة.

 

أما قوله تعالى: ﴿وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ﴾(9)، فالمراد من تسطيح الأرض هو بسطها وتسويتها وتهيئتها بحيث تكون صالحة لأن يسكنها الإنسان وينتفع بها ويتنقل فيها، فيكون مفاد هذه الآية المباركة هو مفاد قوله تعالى: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً...﴾(10)، وقوله تعالى: ﴿وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ﴾(11)، وقوله تعالى: ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَادًا﴾(12)، فَفَرْشُ الأرضِ يعني بسطها ومَهْدها يعني تهيئتها لتكون صالحة للاستقرار عليها، وهذا هو معنى مدّ الأرض الوارد في قوله تعالى: ﴿وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ...﴾(13)، فمدُّ الأرض يعني بسطها من جهتي الطول والعرض.

 

وعليه يكون مفاد تمام هذه الآيات هو أن الله تعالى بصدد لعباده بما أنعم به عليهم من بسط الأرض وتهيئتها لتقوم عليها معائش الناس، فالتّوصيفات المذكورة في هذه الآيات المباركات إنما هي لسطح الأرض، فالفراش والمهاد والمدّ والتسطيح والبسط توصيفات لسطح الأرض وليس للهيئة التي عليها واقع هذا الكوكب إذ أن سياق الآيات هو التذكير والوعظ ولا يكون التذكير إلا بما هو مشهود.


--------------------------------------------------------------------------------

1- الزمر/5.

2- المصدر السابق.

3- الأعراف/54.

4- الفرقان/45-46.

5- الزمر/5.

6- الغاشية/20.

7- نوح/19.

8- ق/7.

9- الغاشية/20.

10- البقرة/22.

11- الذاريات/48.

12- النبأ/6.

13- ق/7.


source : هدی القران
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

ما هي ليلة الجهني، و لماذا سُمِّيت بالجهني؟
النبي (صلى الله عليه وآله ) سيد الأحياء عند ربه ...
الثقافات المعاصرة وثقافة القرآن الكريم
استحالة الدور والتسلسل في العلل
الإمامة من خلال حديث الإمام الصادق(عليه السلام)
الماسونية في سوريا
ذکری استشهاد الشهيد المطهري
فيما يعمل ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس
حج في احادیث الامام الخامنئي
أصحاب الجمل

 
user comment