عربي
Sunday 5th of January 2025
0
نفر 0

العودة إلى القرآن

الإسلام , دين يقوم أساسا على التعاليم التي جاء بها القرآن الكريم لترشد المسلمين في جميع مناحي حياتهم , ولذلك فإن كتاب الله ليس مجرد كتاب مقدس نتبارك جميع بقرائته , وإنما هو كتاب يعكس كيف أن للأسلام في جوهره يمثل منهج حياة متكامل , ولكي ما يكون هكذا يجب أن نفهم كلك ما ورد فيه من سور وآيات مباركة فهما صحيحا , وعندما نقول : إن الإسلام يشكل منهج حياة يجب ألا يفهم من ذلك أن المقصود هو أن يعيش المسلمون حياة بائسة يتعرضون فيها للقهر على أيدي الاخرين , أو أن يعتمدوا إعتمادا كليا على غير المسلمين في توفير إحتياجاتهم .ومع إنه يجب علينا , بوصفنا مسلمين , أن نقدر القرآن الكريم ونبجله , فإن علينا , حتى نفهمه صحيحا ينبغي علينا أيضا أن ندرس الحديث الشريف والسنة النبوية , وأن نقوم في سياق إجتهادنا بتحليل وتفسير محتوياتها , ومع أن القرآن الكريم كتاب الله لا يأتيه الباطل من أمامه ولا من خلفه , فإن أولئك الذين يقرؤنه ويقومون بتحليله وتفسير آياته , يمكن جدا أن يتعرضوا للخطأ , وهذا هو السبب الذي ادى إلى ظهور الملل والطوائف والمذاهب المختلفة في الإسلام , والتي يوجد لكل منها تفسيره وفهمه لما ورد في القرآن الكريم , أو الحديث الشريف , أو السنة النبوية , وعندما لا تقبل طائفة بتفسير طائفة أخرى للقرآن فإن ذلك لا يعني على الإطلاق إنها ترفض القرآن ذاته , وإنما هي ترفض فقط تفسير تلك الطائفة أو الملة التي يمكن أن تكون مخطئة بالفعل في ذلك التفسير .
وهذا الإختلاف في التفسير ممكن لسبب بسيط هو أن القرآن الكريم يقدم في الكثير من الحالات إرشادات عامة تعالج أي موقف من المواقف الحياتية , وعملية التفسير لآيات القرآن وتعاليمه منوطة بأهل العلم في الإسلام , لأن تعاليم القرآن لم تكن موجهة فقط لمن عاشوا في زمن الرسول (ص) كما أنها لم تكن مقتصرة على العرب فقط , وإنما هي موجهة للمسلمين في كل زمان ومكان , إليها يرجعون وبها يستشهدون , ولسوء الحظ , نرى إتجاها لبعض الطوائف وبعض العلماء تجاه نحو التشدد في تفسير آيات القرآن الكريم ونحوالإيمان فقط بوجهة نظرهم دون الإستماع إلى الآخرين , أو محاولة فهم ما جاؤوا به من تفاسير لآيات الكتاب الكريم , ومثل هذا التشدد وهذا التصلب في الرأي بين جماعات أو علماء معينين , هو الذي يؤدي في نهاية المطاف إلى ما نراه من سوء فهم للإسلام بين المسلمين , كما يؤدي إلى وقوع حروب وصراعات بين تلك الجماعات المختلفة في الرأي .
وهذه الإختلافات والأنقسامات التي نراها في صفوف المسلمين ليس مصدرها القرآن الكريم , وإنما هي محصلة طبيعية للتصلب في الرأي لدى بعض الطوائف وبعض العلماء , وكثيرا ما نرى القرآن يتم تفسيره بواسطة أصحاب المصالح الخاصة , ولذلك فإنهم يقومون بتفسير آياته بما يتفق مع مصالحهم , أو بما يؤدي إلى تحقيق هذه المصالح , وعبر التاريخ الإسسلامي كان هناك دائما من يفسرون القرآن تفسيرا خاطئا , ويحرفون الآيات , بما يتفق مع مصالحهم وأهوائهم .
ونحن اليوم لا نستطيع أن نقول : إن المسلمين الحاليين يعيشون حياة رغيدة أو حتى أنهم قد صنعوا حضارة عظيمة معاصرة , بمعنى أننا أينما نظرنا نرى المسلمين متخلفين ومقهورين وضعفاء وغير قادرين على الدفاع عن أنفسهم أن عن دينهم , لدرجة أن بعض المسلمين قد ضلوا طريقهم إلى الصواب , فتخلوا عن الإسلام أو اكتفوا بأن يكونوا مسلمين في الإسلام فقط , والحالة المتردية هذه التي إنحدر إليها المسلمون لا يمكن أن تكون ناتجة أبدا عن إتباع تعاليم الإسلام , ويجب ألا يلقي المسلمون بالمسؤولية على عجزهم عن تحقيق التقدم والمجد في حياتهم على الإسلام أو على القرآن الكريم , وإنما أن يعلموا علم اليقين أن هذا حدث لسبب واحد , وهو إنهم فسروا آيات القرآن وتعاليمه تفسيرا خاطئا , وإنه ليس هناك سبب آخر لما لحق بهم من تخلف وضعف في عالم اليوم , إننا نعرف إن العرب الجاهليين قد تحولوا إلى أمة عظيمة بعد أن إنتشر الإسلام بينهم , ونقلهم من ظلمات الجاهلية إلى نور الإيمان , كما إننا نعرف أيضا أنهم , وبفضل الإسلام , أصبحوا قادرين على إستيعاب وكذلك إتقان شتى المعارف والمهارات التي مكنتهم من الإنطلاق إلى الأمام ومن نشر حضارتهم في مختلف أنحاء العالم المأهول في ذلك الوقت , لقد برزت في ذلك الوقت امة عظيمة وقوية قامت بدورها بتعزيز نفوذ الإسلام وقوته بين مختلف الأمم والشعوب , ولقد عاش المسلمون في تلك الأيام الظاهرة حياة كريمة كان الآخرون ينظرون إليها بكل تقدير وإحترام وتقدير , ويعملون على نقل ما في الحضارة الإسلامية من علوم وفنون شتى , لم يتحقق ذلك إلا لأن المسلمين في ذلك الوقت قد إستوعبوا الدين وفهموا تعاليمه , واتبعوا أوامره , وابتعدوا عن نواهيه , وبهذا إستكاع العرب الذين كانوا مجرد مجموعة من القبائل المتناحرة تمزقها الخلاقات وتعصف بها النزاعات والحروب , أن يتحولوا إلى أمة مسالمة تجيد فنون العصر وعلومه , وتصنع حضارة عظيمة غطت أرجاء شاسعة الأرجاء تحظى باحترام جميع الأمم والشعوب في تلك الأزمان .
إن العرب والمسلمين لم يحققوا ما حققوه من مجد في ذلك الزمان , إلا لأنهم إتبعوا تعاليم الإسلام , وساروا على نهج القرآن الكريم , وما دام الأمر كذلك , فما السبب في تخلف المسلمين في عصرنا الحديث ؟ وما سبب ضعفهم وتهافتهم ؟ لماذا لا يستطيعون الذود عن حماهم والدفاع عن دينهم وعقيدتهم , هل هناك من يصدق أن القرآن الذي نقل العرب من الظلمات إلى النور وصهرهم في بوتقة الحضارة , وحولهم إلى أمة من أعظم الأمم في ذلك الوقت , هو المسؤول حاليا عما حاق بالمسلمين من ضعف وتخلف وهوان ؟
الإجابة قطعا بالنفي , لأن القرآن هو القرآن , لم يتغير ولم يتبدل فيه شئ كما حدث لبعض الكتب السماوية الأخرى التي تعرضت إلأى التحريف , فقرآن اليوم هو نفس القرآن الذي ينزل على الرسول (ص) .
وعلى الرغم من أن القرآن لم يتبدل , فإننا نرى إختلافا بين المسلمين اليوم والمسلمين الذين صنعوا أمجاد حضارتهم العظيمة قبل نزول الدعوة وما بعدها لقرون عديدة , ولا يمكن أن نرجع سبب هذا الإختلاف إلا لشئ واحد فقط , وهو تعدد تفاسير القرآن , وتعدد آراء الأئمة والعلماء واختلافهم وتناحرهم واستقطاب كل منهم لطائفة أو فرقة من الناس , مما أدى إلى تمزيق الأمة الإسلامية وتعريضها إلى ما تعاني منه اليوم من ضعف وتخلف في مختلف المجالات .
إن القرآن الكريم كتاب لكل العصور والأزمنة ,وهو لا يرتبط بعصر أو بزمن أو بشعب أو بمكان بعينه فما يعني ذلك ؟ معناه أن آيات القرآن عندما تحض المسلمين على أن يتزودوا بالسيوف , ويعدوا الخيول للقتال , فإنها لم تقل لهم كيف يصنعون هذه السيوف , أو كيف يربون هذه الخيول , ومعنى ذلك أن المسلمين كان لا بد أن يجدوا إجابات عن هذه الأسئلة في مكان آخر , وليس في آيات القرآن وسوره , لأن هذه الآيات تعطي إرشادات عامة وخطوطا عريضة , وعلى المسلمين أن يفهموا ذلك .
ولمزيد من الشرح نقول : إن الآسلام قد أمر المسلمين بالتزود بالسيوف , وإعداد الخيول للحرب والقتال , ولكنه لم يذكر شيئا عن الأقواس والأسهم والجمال وجنود المشاة والدروع المصنوعة من الحديد أو من الجلد , ولكن عدم ذكر هذه الأشياء لايعني بأي حال من الأحوال أن جيوش الإسلام يجب أن تتغاضى عن التزود بهذه الوسائل الحربية , لأن القرآن الكريم نص فقط على السيوف والخيول تحديدا الأشارة إلى وسائل الدفاع والقوة , فتزودوا بالوسائل الأخرى دون التقيد بالتفسير الضيق للنص , وهذا هو المقصود بالفهم السديد للآيات القرآنية .
من المنظور نفسه , يجب أن نفسر الآيات التي دعت المسلمين في بداية ظهور الإسلام إلى إعداد ما استطاعوا من قوة ومن رباط الخيل لمقاتلة أعدائهم .


source : البلاغ
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الحجّ في اللغة و الدين
مآتم عاشوراء
تاريخ وفاة السيدة زينب عليها السلام
أهداف التربية في الإسلام
الدعاء عند الإمام الهادي عليه السلام
القدس
دعاء الامام الصادق عليه السلام
استشهاد الإمام الهادي علیه السلام
التزكية والعمل الاجتماعي
ولادة الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)

 
user comment