بعدما غابت السلطة الحقيقية والمتمثلة بدولة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) وانتهاء نموذج ألدولة الإسلامية الثانية لدولة الإمام علي عليه السلام فقدت الأمة تلك التشكيلة لقيادة المجتمع الإنساني حتى بات الموروث التاريخي للحكومة الإسلامية الشكل والمتناقضة المضمون يشغل حيزاًَ كبيراً ومساحة واسعة في ذهنية ووجدان البعض من الشعوب الإسلامية المتبنية لأطروحة نموذج مدرسة الخلفاء لمشروع السقيفة للإسلام التاريخي والذي أصبحت فيه الأمة الإسلامية المبعدة عن جوهر الحكم الإسلامي الأصيل وبقيادة القيادة المعصومة -والتي تتمثل بأولي الأمر- ضحية للنخب والقيادات الإسلامية المنبثقة من مدرسة الخلفاء والتي أفرزت من خلال الممارسة الاجتماعية في خياض التجربة والتي اتخذت سياسة جديدة وهي سياسة القمع والإرهاب ضد المجتمع الإسلامي وبالخصوص ضد المصلحين والمتنورين من الرعيل الأول لجيل الصحابة ومن الذين عاصروا الرسول الأعظم) صلى الله عليه وآله وسلم) من أبناء الأمة والذين يتوقون إلى إعادة الشكل والنموذج لدولة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)، أي قيام حاكمية الإسلام وخياض التجربة وعلى طراز ذلك الشكل محتواً ومضموناً وبما يتلاءم ويتماشى مع الوضع الراهن ليتحقق مبدأ العدل والمساواة بين أطياف الشعب المختلفة والمكونات الاجتماعية الأخرى ووفق الرؤى التي حددتها أطروحة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) في مقرراته وتقريراته وسنته والتي يستند من خلالها بناء الدين وبقاء واستمرار حاكمية الإسلام ونظامه وبقاء الدولة الإسلامية الخالدة التي تُفعّل المشروع الإلهي ودور القيادة المعدة والمعصومة والمشار إليها من قبل مدرسة الوحي وعن طريق الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لتواصل المسيرة ولتحقق معطيات ومكاسب كبيرة للمجتمع الإسلامي والذي ينص على إلزام الأمة لتبني المشروع الإلهي في النص والتنصيب والذي قدم لها الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) في حياته عدة مقدمات وأشار بدقة إلى المعطيات والمكاسب المهمة التي تحققها النخبة المعصومة في ممارسة دورها فذكرت تلك المعطيات أيضاً في أدبيات وبيانات كثيرة بحيث ملئت الفكر والتراث الإسلامي بجناحيه الإسلامي الحضاري والإسلام التاريخي.
فتجلى ذلك واضحاً بالمناورة التي قام بها الخليفة الثاني في تشكيل الحكومة بعد موته وذلك من خلال طرحه لسيل من التوصيات والتوجيهات والأحاديث والروايات التي تشير بدقة إلى شكل ونوع القيادة المعصومة المتبنية للمشروع الإسلامي في النص والتنصيب خلاف المشروع السياسي الوضعي الذي يتبنى لطرح جديد موازي في تحديد نوع وشكل القيادة المحددة في تشكيل الدولة الإسلامية الجديدة والمنبثقة من مشروع السقيفة المتبنية لمبدأ ومفهوم يتحدد بمشروع الشورى والتعيين والمحصور بجماعة سياسية معينة مفروضة على الأمة بحيث سخرت لها بعض النصوص وأفردت لها بعض الروايات والوصايا الصادرة عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) التي تحدد الأمة بالنفوذ والاشتراك بالعملية السياسية الجديدة المحصورة بذلك الرعيل المنتخب من قبل مجموعة سياسية معينة ذات أهداف وغايات على أن لا تعطي دور للنخب المعصومة الصالحة في الاشتراك في العملية السياسية الجديدة والتي فعّلت دورها مدرسة الخلفاء وذلك انبثق كله من خلال مؤتمر السقيفة الذي تحدد بنصاب معين بحيث أمتد ذلك النموذج وأنساق بشكل كامل حتى أصبح يمثل واقعاً سياسياً حياً يتمثل في شكل ونوع الحكومة السياسية المطروحة والتي يجب أن تمارس دورها في خياض التجربة في الممارسة الاجتماعية الجديدة فأصبحت هي الرافد والمنبع الأولي الذي ينهل منه الموروث التاريخي للحكومة الإسلامية الراهنة وذلك قد تبلور هذا الشكل والنوع من الحكم في ذهنية ووجدان أغلب الشعوب الإسلامية المتبنية لأطروحة مدرسة الخلفاء في الشورى والتعيين وبنصاب معين بحيث أصبحت رافضة للحداثة والتأقلم والاندماج وفق رؤية ومعطيات الواقع الراهن بحيث أصبح ذلك النموذج يشكل واقعاً سياسياً جامداً يدعو إلى الرتابة والركود حتى ولدت من خلاله آثار سلبية ذات تداعيات وإشكالات كثيرة حُسبت على الإسلام وقد خدمت أعداء الإسلام وحققت نتائج ومكاسب بحيث ترموا وتتطلع إليها الحركة اليهودية التي تحرك سياسات العالم .
فمن خلال ذلك الفعل والسلوك السياسي الذي أتبعته مدرسة الخلفاء قد سمح بنفوذ وتسرب مفاهيم ورؤى ذات قيم مخالفة لقيم ومفاهيم الإسلام مما قد شكّل قيداً ثقيلاً على الواقع الإسلامي يدخل بعضها في أطار ودائرة العقيدة والنهج المتبع حتى أنساق ذلك الفعل والسلوك الذي سلكته المدرسة الإسلامية للإسلام التاريخي لمدرسة الخلفاء بحيث تبلور ذلك النهج إلى عمل وسلوك جاف لممارسة سياسية ذات معطيات تواجه رواد مؤيدي المدرسة الإسلامية الأخرى المخالفة والتي تتمثل بمدرسة أهل البيت (عليهم السلام) حتى بانت ثمرة النتائج التي تركت أثارها على الواقع الإسلامي بتصديها لرواد المدرسة الإسلامية لمدرسة أهل البيت (عليهم السلام) فتجسد بشكل كامل في تصديها لنهضة وثورة الأمام الحسين (عليه السلام) حتى أصبحت القيم والمفاهيم التي تتبناها مدرسة الخلفاء في عرض وتقاطع مع الكثير من القيم والثوابت الإسلامية التي تتبناها مدرسة أهل البيت (عليهم السلام).
فمدرسة الخلفاء تطرح وتتبنى بعض النظريات التي تقر بمبدأ ومفهوم القوة والغلبة والتي أقرها وأشار إليها البعض من فقهاء السلف ومعلمي المدرسة فأفردت لها أبواباً واسعة في أدبيات مدرسة الخلفاء مما أشار إلى ذلك المفهوم الذي تقره سياسة المدرسة بقول الأمام الغزالي في أحياء العلوم على : "أن الحق هو من شأن أصحاب السيادة والقوة وذلك لا ينبغي الثورة ضدهم ، فبما أن لديهم قوة فهذا يعني أن الحق معهم ".
فهذا الطرح الذي يعد من إبداع فقهاء المدرسة والذي يبرر لفعل وسلوك رواد المدرسة، وكما تبنت أيضاً لطرح أخر يساعدها على الخروج من المأزق والحرج السياسي بعدما عرفت اتجاهات وقابليات الرواد الأوائل وقدرتهم على قيادة الأمة وعجزهم أمام قدرات وقابليات القيادة المعصومة فتبنت طرح أخر يؤكد على ولاية الفاضل على المفضول، فهي بالحقيقة قد تطرفت وخالفت المشهور الذي يقره العرف فضلاً عن الشرع والذوق السليم.
وبهذا السلوك للفعل السياسي المدروس استطاعت المدرسة بلورة هذا المفهوم، فإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على فقدان المؤهل وعدم توفر القدرة على احتواء الوضع الراهن حتى تنقلت وذهبت لصياغة مفاهيم ورؤى تخالف ثوابت النهج والفكر السياسي مما جعلها أيضاً غير قادرة على التنظر والتطور لنموذجها وعصرنته ليواكب المسيرة وضمن ثوابت القرآن والسنة والتي أضيفت عليها نهج المدرسة لسيرة وسلوك السلف الصالح الذي يتحدد بسيرة وسلوك نهج الشيخين.
وقد ساعدت بهذا الفعل والسلوك السياسي على تجميد الإسلام على أن ينطلق ويتماشى مع متطلبات الواقع السياسي وحصره ضمن ذلك الإطار فحتم على مدرسة الخلفاء على إتباع أساليب وسلوكيات سياسية تضاف إلى الواقع الإسلامي الجديد ومن خارج الإطار كما فَعَلت مع كعب الأحبار وغيرهم من المنظرين الذين أضافوا شيئاً للواقع الإسلامي الجديد لتواصل المسيرة التي تحقق من خلالها مبدأ الإقصاء والتهميش لمدرسة أهل البيت (عليهم السلام) على أن تمارس دورها في بناء وتغيير المجتمع الإنساني فغيّب دورها بشكل كامل وهذا قد يلزم مدرسة الخلفاء بقبول أطروحات ونظريات ذات مفاهيم مصاغة جديدة تغلق أبواب الإشكالات والتداعيات المتولدة من خلال ذلك الفعل والسلوك السياسي الذي انتهجته فهي تفرض ذلك على المتلقي عنصر القبول والتسليم بالوضع الجديد وتستبطن الإلغاء والإبادة الكاملة لرواد ومدرسة أهل البيت (علهم السلام).
وهذا تجسد بشكل واضح بعد غياب واستشهاد الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما تعرضت الإمامة إلى ذلك النوع حتى تبلور بشكل واضح أيضاً بمواجهة بضعة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) فاطمة الزهراء (عليها السلام) حتى صارت ضحية الممارسة السياسية الجديدة، ومواجهة مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) وروادها وأتباعها بهذا الفعل فعُدَّ سُنة أقرتها مدرسة الخلفاء، بل اعتبرت من أولويات الدولة والحكومة الإسلامية المنبثقة منها، والتاريخ شاهد على ذلك فهذه عدت الخطوة الأولى التي تستند عليها الممارسة السياسية.
وأما الخطوة الثانية التي استندت عليها هو غلق باب الاجتهاد وعدم السماح بتحريك الشريعة واستنطاق القرآن والسنة لمواكبة العصر والمرحلة الراهنة، فهذا العمل والسلوك السياسي أيضاً قد ساعد من قريب أو من بعيد على تحديد مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) في تفعيل دور الإسلام واستنطاق القرآن والسنة لأنه بالحقيقة التي أشار إليها الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) في حديث الثقلين المشهور عند العامة فضلاً عن الخاصة والذي يؤكد على وجود الإمام المعصوم مع القرآن وجوداً تكاملياً لا وجودا تكرارياً، فالاجتهاد وهو مطلب أساسي تستند عليه مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) بتحريك الشريعة ومواكبتها للعصر الراهن .
فغلق باب الاجتهاد الذي أشكل على مدرسة الخلفاء وجعلها تقع في أزمات مع الأصالة والتجدد حتى طُرحت نظريات ومفاهيم أخرى لتساعدها على الخروج من تلك الأزمة.
وأما الخطوة الثالثة فهي تبنت ظهور الحركة التبريرية والتي تتبنى تبرير فعل وسلوك النخب والقيادات لمدرسة الخلفاء ولن تكتفي بهذا المقدار من التبرير بل أضافت هالة من القدسية على شخص الخليفة الذي تعتبر فعله وسلوكه إنجازاً مهماً قدّم إنطلاقاً للإسلام وإعطائه الشرعية الكاملة في ممارسة تلك الممارسات وتجاوز أخطائهم وثغراتهم حتى ينساق ذلك على الواقع السياسي الجديد وتحويلها إلى مكاسب سياسية ودينية تحقق للإسلام الانطلاق والنهوض وضمن تلك القيم التي فرضتها المدرسة الإسلامية لمدرسة الخلفاء وتجعل كل ذلك يدور في إطارهم وسلوكياتهم التي أضيفت شيء إلى الإسلام وطرحت كأساس تنطلق منه النخب القيادية الأخرى المتبنية لمشروع السقيفة التي يراد منها مواصلة المسيرة ضمن مقررات السقيفة التي تريد أن تفرض سيرة وسلوك السلطة الذي يتمثل بسيرة وسلوك الشيخين كواقع تغييري جديد يكامل النهج الإسلامي الذي يتركز على الكتاب والسنة .
فإن أقرت الحكومة المنتخبة بنصاب معين والتي فرضته النخبة رواد مدرسة الخلفاء حظيت الحكومة بالشرعية والمشروعية المطلقة وأن رفضت ذلك الواقع تخرج الحاكم من إطار ودائرة التكليف الشرعي المناط إليه وهذا قد حدث بشكل واضح وصريح بعد غياب الخليفة الثاني وعندما فرض الناطق الرسمي باسم السقيفة على الإمام علي (عليه السلام) على أن يبايعه للخلافة ويفرض عليه العمل بالكتاب والسنة وسيرة الشيخين فعندما رفض الإمام علي (عليه السلام) المطلب الثالث سُحبت عنه الشرعية وابعد عن الممارسة الاجتماعية في خياض التجربة وكذلك فرضها على الأمة واقع القبولية والتسليم بمقررات وأطروحات الشيخين كنهج مكمل لمسيرة الإسلام وذلك ضمن المفهوم الذي يحث على إطاعة الحاكم المنتخب والمقر من قبل المدرسة وقبوله سواء كان براً أو فاجراً فهي بذلك تفرض على الأمة الخضوع والخنوع للحاكم نفسه فهذه الأطروحات الجديدة التي أعطيت مقداراً من الالتزام والاهتمام بشخص الحاكم وإطاعته وذلك قائم كله على أساس ومنطلق تعاليم سيرة الشيخين التي أضيفت من السنة بحيث بات هذا الطرح يشكل قيدا ثقيلا على انطلاق الإسلام بشكله الحقيقي وصار سبباً أساسياً ورئيسياً على أن توظّف القوى المعادية للإسلام قدراتها وتعبئ طاقاتها على تقويض وتحجيم دور الإسلام وتصفية نخبه الصالحة فهي تريد أن تضع الإسلام دائما في زاوية المواجهة والدفاع عكس ما أرادته النخب الصالحة بالإسلام بالانطلاق والمواجهة.
فقد أقتضى ذلك بالضرورة إلى نفوذ الأطروحات والقبول بالأيدلوجيات والنظريات ورؤى ذات صيغة إسلامية شكلاً لا مضموناً، بحيث تتناغم وتنسجم مع شكل ونوع الحكومة للموروث التاريخي وتجعله على أن يدور في إطار الرجوع والمحدودية، والتي تؤدي بالنتيجة إلى عولمة الفكر والنهج الإسلامي وخلق ازدواجية بحيث تجعل من المسلم أن يخضع ويخنع على القبول والتسليم الكامل والإقرار بالتاريخ المزدوج الذي بدوره يولد عند المتلقي حالة من الرتابة والركود والدمج المرتبك والمنبثق من عدم القناعة الكاملة بذلك الواقع الذي أضيفت عليها هالة من القداسة والتسليم، مما يؤدي ذلك إلى عدم التمييز بما هو الأصل والعارض والجمود والانطلاق والحق والباطل مما يساعد ذلك على فرض ازدواجية الاتجاه بشكل كامل وباسم الدين المقدس كما هو شائع الآن وموجود في أوساط الكنيسة المسيحية التي تفرض القبول والإيمان بالمتناقضات وعدم إعطاء المتلقي القدرة الكافية على التفكير والإبداع حتى لا يستطيع المتلقي على الفرز والتدقيق بين ما هو الجد والهزل، فهي تريد منه أن يتجاهل الحقيقة ويسلم على ما هو واقع وموجود ومن منطلق القدسية التي تحضى بها الكنيسة.
فذلك المثال إنساق على الحكومات الإسلامية للموروث التاريخي والتي جعلت منه لا يستطيع على التمييز بين المعصية والطاعة في فعل وسلوك الخليفة الحاكم وبين الحق وصراعه مع الباطل فقلبت موازين المعادلة وفرغت الحقيقة من مضمونها الواقعي والحقيقي وذلك عندما تتطلع إلى طرح أدبيات وتراث مدرسة الخلفاء فتجد الكثير من تلك المقتطفات وذلك عندما تجدها تقول بأن (سيدنا علي قاتل سيدنا معاوية!)، فهي بذلك الطرح قد ساعدت على تسويف حقيقة الصراع وتفريغه من محتواه ومضمونه الحقيقي فجعلت من المتلقي يعيش حالة من الإزدواجية والتردد، فهو غير قادر على فهم الحقيقة بشكل كامل فوظفت المدرسة التبريرية قدراتها الإقناعية بذلك بحيث ساعدت هي الأخرى على تسويق حقيقة الصراع والتصارع حتى ذهبت ثمرة ذلك وفرغت الواقع عن مضمونه الحقيقي، كما ساعدت أيضاً على قتل الجانب الإبداعي عند المتلقي والذي يتبلور باتخاذ العبرة والعِضة وتفريغ التاريخ من مضمونه الحقيقي، فجعلت من ذلك الحدث مجرد قضية ثانوية خيالية عاشتها الأمة في مرحلة التطور والبناء، وذلك كله منبعث نتيجة لنزوة شخصية (أصحابي كالنجوم بأيهم اهتديتم اقتديتم) وليس لها آثار جانبية ونتائج سلبية تركت إفرازاتها وسلبياتها على الواقع السياسي والاجتماعي والعقائدي المعاش وعبر المسيرة التاريخية.
في هذا النسق وذلك التفكير الذي يتغلغل من خلاله واقع سياسي مرير أخر حمل تحت طياته نفوذ غزواً ثقافياً وعقائدياً وسياسياً كله يستهدف قتل الإسلام الحقيقي معنوياً وتحت سقف وغطاء الصراعات الثانوية الغير مؤثرة، بل هي بالحقيقة قد أربكت الإسلام وجعلته يرضخ تحت تلك الضغوط، فبهذا الفعل قد هيمنت مدرسة الخلفاء على الواقع السياسي والواقع العام وذلك كله ناتج عن إفرازات الواقع الأول لمدرسة الخلفاء التي فعّلت المشروع السياسي بالشورى المحصورة والتعين المحدد وبنصاب معين، يقول في ذلك الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي: وهذه التجربة مر بها المجتمع الإسلامي في صدر الإسلام إذ لم يمضي على رحيل النبي) صلى الله عليه وآله وسلم) زماناً حتى تحّول نظام الحكم الإلهي إلى نظام طاغوتي وملكي أموي وعباسي ولم يبق من الإسلام إلا إسمه وتعرضت القيم الإسلامية لدى المجتمع للنسيان، أما الجهاز الحاكم فقد كان وضعه في هذا المجال أدهى وأمر كانت هنالك حكومة إسلامية بالإسم فقط حيث جلس بعضهم على عرش السلطة باسم خلافة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم).
والتجربة المرة ينبغي أن تكون عبرة للأجيال القادمة، فمن ذلك المنطلق والازدواجية ذهب البعض من الأطياف السياسية الإسلامية إلى علمنة الدين وحصره في دائرة وإطار الثابت والمتغير وإدخال الإنسان بسن القوانين الوضعية وإضافتها إلى الواقع الإسلامي وخروجهم بواقع جديد، وبذلك حتى يتحقق لهم التجاوز والخروج من الأزمات والإشكالات والتداعيات وذلك ضمن ووفق رؤية نقدية محدودة تسمح وتلزم بالتمسك بإيديولوجيات وأفكار أخرى خارج نطاق ودائرة الواقع السياسي للإسلام الأصيل لتحرك الدين وتجعله مرناً ومتحركاً معصرن بحيث ينسجم ويتلاءم مع معطيات ومتطلبات المرحلة الراهنة وذلك قائم على أساس ومنطلق ومفهوم المقولة الجديدة التي تؤكد "بأن الدين جاء لأعمار الدنيا وإقامة العدل والمساواة في الحقوق والواجبات والقسط في أرجاء المعمورة ويجب عليه أن يتحرك في هذه الحياة وإصلاحها بدوافع دينية وفق رؤى وإيديولوجيات تنبع من قدرة الإنسان وإبداعه واقتراعه والتي تساعد في تهذيب السلوك الديني وتنظيمه وذلك من خلال إبراز قوانين جديدة حتى ولو كان على حساب القيم والثوابت الإسلامية الأخرى التي يرى استهلاكها وعدم قدرتها وفاعليتها فلذلك يجب تبديلها ويجب أن تكون معظم تعاليم الدين تسير في دائرة وإطار التكليف الفردي وفي أطار الحرية الفكرية ومذهب العرف".
والذين ينظرون إلى الآخرة هي الهدف بعيداً عن ملاذ الدنيا ومغرياتها وترك ذلك المجال عائماً للأهواء ورغبات الحاكم بينما طرح الأفكار والأيديولوجيات هي الأصل في أبقاء الحياة الدنيا والذي يحدد ذلك الطرح شكل ونوع الحكومة الإسلامية والتي يجب أن تكون على طراز الموروث ألتأريخي والتي أدت بالنتيجة عن التخلي لثوابت ومقومات الحكومة الإسلامية للإسلام الحضاري الذي يسعى لبناء الإنسان في فكره ومحتواه وجعل الدنيا والحياة تكونت وخلقت من أجل هدف سامي يحقق للإنسان السعادة الأبدية وفق النظام والقانون والسلطة المطلقة خلاف الطرح الوضعي الذي تطرح مقابله الإشكالات العديدة التي تجرنا إلى طرح التساؤلات وإثارة الجدل في تلك الإشكالات فنقول:
أولاً: من أين يجب أن ينبع القانون الذي ينظم الحياة العامة بشكلها التكويني والتشريعي ؟
ثانياً: ما هو مصدره ؟ ومن له الحق في تحديد المساحة والمسافة التي تتحرك بها الحرية الفردية والجمعية للإنسان وصياغة نظامه ؟
ثالثاً: من الذي له القدرة على أن يتكفل استيفاء الحقوق الكاملة مع المحافظة على أصل العدالة والمساواة ؟
رابعاً: هل يحق للإنسان نقض القانون العام ورفضه ووفق أي قيم ؟
خامساً: هل يستند القانون مشروعيته من رضا العامة ووفق أي قيم ؟
أ. على مشروعية الحق الإلهي ؟
ب. أم على أساس نظرية العقد الاجتماعي ؟
ج. أم على أساس القوة والغلبة ؟
د. أم على أساس مشروعية الغاية تبرر الوسيلة ؟
هـ. أم على أساس مشروعية ومحورية المصلحة الشرعية والحق الشرعي ؟
ذلك كله يتجسد بالمشروع الذي طرحه الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) لنظرية النص والتنصيب للأمام المعصوم في قيام حاكمية الإسلام وتحقق العدالة ضمن القيم والثوابت ألعامة للإسلام كما جاء في الاحتجاج عن سعد بن عبد الله القمي قال: سألت القائم (عجل الله تعالى فرجه) وهو في حجر أبيه وقلت: أخبرني يا مولاي عن العلة التي تمنع القوم من اختيار إمام لأنفسهم؟، قال: "مصلح أو مفسد؟" قلت: مصلح، قال: "هل يجوز أن تقع خيرتهم على المفسد بعد أن لا يعلم أحد ما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد؟"، قلت: بلا، قال: "فهي العلة". إذاً قصور الإنسان وعدم تكامله يلزمه ويحتم عليه التمسك والإيمان بالمطلق المتكامل الذي هو مطلع على كل ما هو موجود في الكون والوجود وهذا يتحقق بالحكم الإلهي وحاكمية الإسلام بشكله وواقعه الحقيقي، فالحكم الإسلامي هو الذي يلزم الفرد والمجتمع المكلف بالشرع وولايته للقانون الشرعي الذي يدعو للعدالة ورعاية المصلحة فمرجعية القانون الإسلامي كلها تتجسد وتنطلق من الكتاب والسنة.
والقانون الإسلامي هو بالأساس القانون الكامل والشامل الصادر من وحي السماء والذي يدعو إلى صلاح المجتمع وتكامله فهو يملك القدرة والنفوذية القوية على ترتيب وتهذيب الإنسان في فكره ومحتواه وحثه على ممارسة دورة التكليفي.
فمخالفة القانون الإسلامي في المجتمع الإسلامي الصادر من القيم الأصيلة هو قد يسقط العدالة والولاية مما يربك المجتمع وإسقاطه في أحضان الحضارات الأخرى المخالفة للإسلام والمعادية له بالقانون الوضعي الذي يلزمه بالقوة والتعاهد المبني على مصلحة الأكثرية أو الحاكم هي الرائدة والتي تريد أن تخرج بمحصلة وهي علمنة الإسلام الذي يقولون فيه بأن الإسلام لن يصلح أن يكون دولة على أن الدولة ليس ضرورة من ضروريات الإسلام وأنها حالة استجدت في ظروف خاصة.
وذلك لا يمكن أن تربط بين الإسلام والدولة وبين السياسة، وهذا مما قد أفرز لنا تداعيات سياسية شكلت إشكاليه تواجه الإسلام وتسمح للنفوذ العلماني أن ينشأ ويترعرع في أحضان البلد الإسلامي وهي كما يلي:
1. شرعنة الأنظمة السياسية وعمالتها للأجنبي .
2. ظهور أنظمة علمنت الإسلام وابتعدت عن الفكر والنهج الإسلامي بل جعلت من الإسلام شكل وهوية وأسند إلى نظام دكتاتوري مستبد باسم الإسلام وعلى طراز الموروث ألتأريخي .
3. ظهور النزعة العلمانية عند الحكام واستبدادهم لشعوبهم باسم الإسلام ألتأريخي الذي سارت عليه سياسات الخلفاء بعد دولة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) والإمام علي (عليه السلام) وجعله خارجاً من المحتوى والمضمون الحقيقي .
4. نفوذ الفكر المضاد من الدولة المعادية للإسلام وزج مفاهيم مغايرة تستهدف الفكر والنهج الإسلامي الأصيل وطرح برامج ومناهج قاصرة نابعة من الجهد التآمري على الإسلام وتفريغه من محتواه الحقيقي .
5. بنيت الدولة الإسلامية في الموروث التاريخي على شكل الإمبراطوريات والحكومات الدكتاتورية الأخرى كما هو موجود في الإمبراطوريات الكافرة .
6. ظهور طبقة مندسة شكّلت قيداً ثقيلاً على انطلاق الإسلام فساعدت على جمود الإسلام وعدم قدرته على الانطلاق فتجسدت تلك الطبقة بوعاظ السلاطين.
------------------------
source : http://www.montadaalquran.com