على ضوء ما تقدم وبعد أن عرفنا الحالة التي كان يعاني منها المجتمع فإن من الطبيعي أن تهيمن حالة من التردد والشك والريب على مواقف الناس ، وعلى مواجهتهم لظاهرة الخوارج ، وشعاراتهم ، فكان لابد من اللجوء إلى أسلوب الصدمة ، لإحداث اليقظة الضميرية والوجدانية لدى عامة الناس ، اعتماداً على المنطلقات العامة فيما يرتبط بالإيمان بالغيب.
وقد ظهرت هذه الصدمة والهزة الضميرية عل شكل إخبارات غيبية ، يشاهد الناس تحقق مضمونها بأم أعينهم. من أجل إعطاء الشحنة المحركة ، وتسجيل الموقف الحاسم ، لكي يمكن بعد ذلك ملاحقة ومتابعة العلم التربوي ، والتثقيف والتوعية ، ليكون ذلك ضمانة لبقاء القناعات ، وتجذيرها في عقل وفكر ، ووجدان الإنسان بصورة كافية ..
وتمثل هذه الهزة أو فقل الصدمة الضميرية الأسلوب الأمثل لإظهار علم الإمامة ، الذي استقاه ( عليه السلام ) من مهبط الوحي ، ومعدن الرسالة محمد ( صلى الله عليه وآله ) ولم يشاركه فيه أحد.
ثم يأتي دور التركيز على عنصر النص ، وتأكيده بصورة قاطعة ، حتى لا يبقى عذر لمعتذر ، ولا حيلة لمتطلب حيلة.
ويكون تعاضد هذين العنصرين ، وهما : علم الإمامة ، والنص على الإمام ، هو الطريقة المثلى لنقل عنصر المبادأة والمبادرة إلى يد الإمام ( عليه السلام ).
وهكذا .. يتضح : أن هذه الصدمة من شأنها أن تفتح كوة في الجدار المضروب حول عقل وفكر مجتمع يعاني من حالة مزرية من الجهل بالدين وأحكامه ، وبالإمامة والإمام ، وقد زين جدار الجهل هذا بأصباغ براقة من الشعارات الخادعة ، التي تتلبس له باسم الإسلام ، ويجد فيها وسيلة تساعده على تحقيق مآربه في الغنائم والأموال. وفي الجاه ، والهيمنة على الآخرين ، وغير ذلك. من دون أن يكون للإسلام وتعاليمه تأثير يذكر على مواقفه وممارساته العملية ..
نعم .. لقد كانت هذه الهزة الوجدانية ضرورية لأناس يتعاملون ـ في الأكثر ـ مع إمامهم المنصوص عليه من قبل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كخليفة له في أعناقهم بيعة ، يلزمهم الوفاء بها ، لا من منطلق الاعتقاد بإمامته ، وتنصيبه من قبل الله على يد رسوله.
ولم يكونوا وقد عرفوا الشيء الكثير عن هذا الإمام الخليفة ، ولا عن سوابقه ، وأثره في الإسلام وفي الدين.
ولم يكن بوسعه ( عليه السلام ) أن ينتظر إلى أن تؤدي وسائل الإقناع دورها في بث روح الإيمان وتعميقه ، ولا إلى أن تؤدي التربوية التي تحتاج إلى كثير من الوقت والجهد ثمارها في مجال التزكية والتهذيب للنفوس.
والخلاصة : إنه إذا كان حربه ( عليه السلام ) مع الخوارج على درجة كبيرة من الحساسية ، لما كان يمكن أن يؤدي إليه من سلبيات خطيرة في البنية الداخلية للمجتمع ، فيما يرتبط بروحيات الناس ، ومشاعرهم وقناعاتهم ، وعلاقاتهم الاجتماعية ، ومجمل أوضاعهم ، فإن التركيز على عنصر الغيب ، وإظهار علم الإمامة يصبح ضرورة ملحة ، من أجل تلافي كثير من تلك السلبيات ، بالإضافة إلى ما سوف يتركه هذا الأمر من آثار إيجابية في مجال الفكر والعقيدة للمجتمع الإسلامي في الأدوار اللاحقة.