من سنن الله الجارية في أوليائه (وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا) (١) إكرامهم باظهار ما لهم من الكرامة عليه والزلفى منه ، وذلك غير ما ادخره لهم من المثوبات الجزيلة في الآجلة ، تقديراً لعملهم واصحاراً بحقيقة أمرهم ومبلغ نفوسهم من القوة وحثاً للملأ على اقتفاء آثارهم في الطاعة ، ومهما كان العبد يخفى الصالحات من أعماله فالمولى سبحانه يراغم ذلك الاخفاء باشهار فضله ، كما يقتضيه لطفه الشامل ورحمته الواسعة وبرّه المتواصل ، وأنّه جلت آلاؤه يظهر الجميل من أفعال العباد ويزوي القبيح رأفة منه وحناناً عليهم.
ومن هذا الباب ما نجده على مشاهد المقربين وقباب المستشهدين في سبيل الله من آثار العظمة وآيات الجلال من إنجاح المتوسل بهم اليه ـ تعالى شأنه ـ وإجابة الدعوات تحت قبابهم المقدسة ، وإزالة المثلات ببركاتهم ، وتتأكد الحالة إذا كان المشهد لأحد المنتسبين للبيت النبوي ؛ لأنه جلت حكمته ذرأ العالمين لأجلهم ؛ ولان يعرفوا مكانتهم فيحتذوا أمثالهم في الأحكام والأخلاق ، فكان من المحتم في باب لطفه وكرمه ـ عظمت نعمه ـ أن يصحر الناس بفضلهم الظاهر.
ومن المنتسبين إلى ذلك البيت الطاهر الذي أذن الله أن يرفع فيه اسمه «أم البنين عليهاالسلام» ، فانها في الطليعة من أولئك الذين بذلوا في الله ما عزّ لديهم وهان حتى اتصلت النوبة إلى أولادها وفلذة كبدها ، بل أذهبت نفسها في زفراتها الحارة على الحسين وآله عليهمالسلام ، فكان ذلك كلّه نصب عينه ـ تعالى ذكره ـ فأجرى الله سنته الجارية في الصديقين فيها بأجلى مظاهرها ؛ ولذلك تجد المؤمنين في أصقاع الأرض يتوسلون بها إلى الله ، ويستشفعون بها في حاجاتهم في آناء الليل وأطراف النهار ، ويجعلونها باباً من أبواب رحمة الله ، فيطرقه أرباب الحوائج من عاف يستمنحه بره ، إلى علن يتطلب عافيته ، إلى مضطهد يتحرى كشف ما به من غم ، إلى خائف ينضوي إلى حمى أمنه ، إلى أنواع من أهل المقاصد المتنوعة ، فينكفأ فلج الفؤاد بنجح طلبته ، قرير العين بكفاية أمره ، إلى منتجز باعطاء سؤله ، كلّ هذا ليس على الله بعزيز ، ولا من المقربين من عباده ببعيد.
توسلوا بأمي أم البنين عليهاالسلام :
حدّث العالم الفقيه آية الله الحاج السيد محمد الحسيني الشيرازي قدسسره في تاريخ ٢٧ ذي الحجة الحرام سنة (١٤١٦) ضمن حديثه عن عظمة شخصية أبي الفضل العباس عليهالسلام :
رأى أحد العلماء في عالم المكاشفة قمر بني هاشم أبا الفضل العباس عليهالسلام وقال له : سيدي إن لي حاجة فبمن أتوسل حتى تقضى حاجتي؟
فأجابه عليهالسلام : توسل بأمي أم البنين عليهاالسلام.
ونحن نذكر هنا بعض الختومات وآداب التوسل بتلك السيدة المباركة من المجربات التي رويت عن بعض الأساطين :
١ ـ إهداء الصلوات :
قال المرحوم آية الله الحاج السيد محمود الحسيني الشاهرودي المتوفي في ١٧ شعبان (٣٩٤ هـ) :
إني أصلّي على محمد وآل محمد مائة مرة وأهديها إلى أم البنين عليهاالسلام فتقضى حاجتي.
٢ ـ نذر الاطعام :
أن ينذر لأم البنين عليهاالسلام ويطعم الفقراء باسم أبي الفضل العباس عليهالسلام ، وهو من المجربات في قضاء الحوائج.
٣ ـ ختم سورة «يس» :
قراءة سورة «يس» عشرة مرات في أربع أسابيع كالتالي ، وهو مؤثر إن شاء الله تعالى :
يقرأها في ليلة الجمعة من الأسبوع الأول ثلاث مرات ، وفي ليلة الجمعة من الأسبوع الثاني يقرأ ثلاث ، وفي ليلة الجمعة من الأسبوع الثالث يقرأ ثلاث أيضاً ، وفي ليلة الجمعة الأخيره في الأسبوع الرابع يقرأها مرة واحدة ويهديها لأم البنين عليهاالسلام نيابة عن أبي الفضل العباس عليهالسلام ، فانه ستقضى حاجته إن شاء الله على أتم وجه.
٤ ـ تجهيز من يزور كربلاء نيابة عن أم البنين عليهاالسلام :
حدثني الحاج الشيخ محمود الخليلي في شوال المكرم سنة (١٤١٨ هـ) في منزل آية الله السيد شهاب الدين المرعشي النجفي قدسسره قال :
إنّ آية الله الحاج السيد محمد الروحاني قدسسره كان يتوسل في المهمات والمشاكل المعضلة بأم البنين عليهاالسلام ، وكان توسّله بتلك المخدرة المجللة أن ينذر لله أن يقضي حاجته ويكشف كربته على أن يبعث إلى كربلاء من يزور هناك نيابة عن أم البنين عليهاالسلام ، ويتحمّل كافة مصروفات سفره.
وأتذكر جيداً أني حظيت في سنة (١٣٨٣ هـ) بشرف زيارة كربلاء نيابة عن السيدة أم البنين من قبل السيد رحمه الله فدفع لي مبلغ «نصف دينار» ما يعادل عشرة دراهم ، وكانت الأجرة يومها ذهاباً وإياباً تتراوح بين ثلاثة أو أربعة دراهم.
قال أيضاً : ابتلي آية الله الروحاني ذات مرة بألم شديد في سنّه ، وكان ألماً مبرحاً لا يطاق ، فراجع طبيبه الدكتور الطريحي فلم يجده ، فلما اشتد الألم اشتداداً مروعاً نذر لله إن نجّاه من هذا الألم أن يستأجر من يزور كربلاء نيابة عن أم البنين عليهاالسلام في ليلة الجمعة القادمة ، فلم تمض لحظات حتى سكن الألم وكأن لم يكن شيئاً ، وفي عصر اليوم التالي عاد الالم مجدداً فقال السيد : يبدو أن الطبيب قد حضر ، فراجعه فوجده في مطبه ، فقلع سنه وارتاح من بلائه ، كلّ ذلك ببركة أم البنين عليهاالسلام.
وأضاف الشيخ الخليلي : إنّي علّمت هذا التوسل بهذه الطريقة لكثير من ذوي الحاجات فكان نافعاً في قضاء حوائجهم وكشف كربهم.
٥ ـ إهداء الصلوات للمعصومين وقراءة دعاء التوسل :
ختم مذكور في كتاب «مجموعه علم جفر» ووقته بعد صلاة الفجر أو بعد صلاة العشاء ، والأفضل أن يشرع به في أول الشهر وهو كالتالي :
في اليوم الأول : ألف مرة «اللهم صلّ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم» ويهديها إلى خاتم الأنبياء محمد بن عبد الله صلىاللهعليهوآله.
وفي اليوم الثاني : أيضاً ألف مرة على النحو المذكور لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام.
وفي اليوم الثالث : لسيدة النساء فاطمة الزهراء عليهاالسلام.
وفي اليوم الرابع : للامام المجتبى ريحانة الرسول الحسن المظلوم عليهالسلام.
وهكذا على عدد المعصومين عليهمالسلام حتى يصل إلى صاحب الأمر والزمان ـ أرواح العالمين له الفداء ـ.
وفي اليوم الخامس عشر : أيضاً ألف مرة على النحو المذكور لأبي الفضل العباس عليهالسلام.
وفي اليوم السادس عشر : لأم البنين عليهاالسلام
وفي اليوم السابع عشر : لزينب الكبرى عليهاالسلام.
وفي اليوم الأخير : بعد أن ينتهي من الصلوات يقرأ الدعاء المعروف المذكور في مفاتيح الجنان وأوله «اللهم إنّي أسألك وأتوجه اليك بنبيك نبي الرحمة ...».
قال في الكتاب المذكور : نقل لي من أثق به أنّ جماعة التزموا هذا الختم وأدوه جماعة ، فلمّا انتهوا منه تشرفوا بزيارة العباس عليهالسلام فقال لهم : «حاجتكم مقضية».
أقسم الرجل المذكور أيماناً مغلظة قائلاً : كنّا جماعة وقد قضى الله حوائجنا جميعاً والحمد لله (2).
6- قراءة الفاتحة لام البنين عليهاالسلام :
مما اشتهر بين الناس سيما من يعرف منهم مقام أم البنين عليهاالسلام ومنزلتها أنّه إذا فقد حاجة وضاعت منه وأراد أن يبحث عنها فانّه يقرأ سورة الفاتحة ويصلي على محمد وآل محمد ويهديها لأم البنين عليهاالسلام ، فانّه يجد ضالته باذن الله ، وقد جرب ذلك مراراً.
٧ ـ إهداء ختمة قرآن لأم البنين عليهاالسلام :
بعث الحاج الشيخ محمد على إسلامى رسالة إلى «انتشارات مكتب الحسين عليه السلام» بتاريخ ذي الحجة الحرام (١٤١٩ هـ) وقال فيها :
«.. إنّي المدعو «محمد علي بن أحمد الاسلامي» حدثت لي معضلة لا يمكن حلّها عادة ، وكانت متعلقة بعدة دوائر رسمية ، وقد سدّت جميع الأبواب في وجهي ، ولم أجد أي حيلة أو سبيل لحلّها ، فتوسلت بالسيدة أم البنين عليهاالسلام وقلت لها : سيدتي أُم البنين .. إنّ لك عند الله جاهاً عريضاً وأنا سأختم القرآن الكريم وأهدي ثوابه لروحك المقدسة وفي المقابل توسلي أنت إلى الله في حلّ مشكلتي.
أجل ؛ هكذا نذرت وشرعت في تلاوة القرآن الكريم وقبل إتمام الختمة تيسر أُموري كلّها وقضيت حاجتي ، فكنت إذا راجعت أي دائرة من الدوائر وجدت السبيل مفتوحة والأُمور ميسرة والوجوه طلقة ، وكأن لم يكن شيئاً مذكورا.
هكذا هي هذه الأُسرة الجليلة شفيعتنا في الدنيا والآخرة.
٨ ـ إهداء زيارة عاشوراء لأم البنين عليهاالسلام :
السيد محمد حسين جعفر زاده عقيد متقاعد يسكن في منطقة «عظيمية» في كرج من ضواحي طهران العاصمة .. أرسل رسالة إلى «مكتب الحسين عليهالسلام» ذكر فيها كرامة لقمر العشيرة أبي الفضل العباس عليهالسلام وضمّنها توسلين بأُم البنين عليهاالسلام فقال :
١ ـ قضيت ثلاثين سنة من عمري في خدمة الجيش في الجمهورية الإسلامية ، ومن ثم أحلت على التقاعد ، فقدمت لي دعوة من «منظمة الاعلام الاسلامي» أولاً ، ومن ثُمَّ من إحدى المراكز الناشطة في المدينة «كرج» لأقوم بتدريس فن قراءة المراثي وإقامة العزاء «ما يسمى عند الناس بالرادود» فقبلت الدعوة وشرعت بالتدريس على بركة الله ، وقد كتبت ـ لحد الآن ـ أربعة كتب في هذا الفن وقدمتها لخدام المنبر الحسيني.
وفي ذات يوم ـ وكان اليوم جمعة ـ كنت مشغولاً بالتدريس وقت العصر إذ دخل أحد التلاميذ ذاهلاً فاستأذن وقال : إنّ أبي الآن يعالج الموت ، وقد تركته في سكراته محتضراً ووجهته إلى القبلة ، وجئت لأعتذر اليك عن التأخير وأعود اليه.
فقلت له : اسمع مني سأروي لك حديثاً عن سيدتي فاطمة الزهراء عليهاالسلام فانها قالت : سألت أبي رسول الله صلىاللهعليهوآله أي ساعة أفضل لاستجابه الدعاء؟ فقال صلىاللهعليهوآله : عند الغروب يوم الجمعة.
فنحن ندعو ولكن الأفضل أن تنذر أنت أيضاً نذراً قال : إنّي الآن في حالة من الاضطراب وتشتت البال بحيث لا أدري ماذا أفعل وماذا أنذر ، أرجو أن تنصحني وتعلمني وترشدني إلى ما أفعل؟
فقلت له : إنذر الآن أن تقرأ زيارة عاشوراء عشرة مرات وتهديها لأم البنين عليهاالسلام بقصد شفاء والدك.
فقال : أفعل ، ورجع إلى البيت مسرعاً ، فلمّا دخل البيت بلغ به العجب غايته ، إذ رأى أباه واقفاً في ساحة الدار مشتغلاً بالوضوء والاستعداد لصلاة المغرب ، فسأل عن ذلك ، فأخبروه أنّه منذ نصف ساعة تقريباً انقطعت عنه الحمى فجأة وأخذ يتماثل إلى الشفاء وبدأت أعراض المرض تزول منه حتى قام قائماً على قدميه.
سفرة أم البنين عليهاالسلام :
حدّث السيد صادقي واعظ ، وهو من الموالين لأهل بيت العصمة والطهارة ومن المبرزين في الحوزة العلمية في قم قال :
كنت أرتقي المنبر في طهران ، وكان اليوم التاسع من المحرم ، فاكتريت سيارة للذهاب إلى مسجد السيد أحمد البروجردي رحمهالله حيث كنت أرتقي المنبر هناك ، وكان علينا أن نمر بساحة «الشهداء» باتجاه منطقة «صد دستگاه» حيث يقع المسجد المذكور ، وكان الشارع مزدحماً جداً لا تكاد السيارة تقطع الطريق إلّا بشق الأنفس ؛ وذلك لكثرة المواكب المنطلقة ذلك اليوم ، فتساءل السائق قائلاً : ماذا حدث؟ لماذا كلّ هذا الزحام؟
فقلت له : ألست مسلماً؟! ألا تدري أنّ اليوم هو اليوم التاسع من المحرم ، وهو يوم عزاء أهل البيت عليهمالسلام ومصابهم.
قال : كلا أنا مسيحي.
قلت : اليوم هو يوم العباس عليهالسلام.
قال : نعم أنا أعرف أبا الفضل العباس جيداً ، واستطرد قائلاً :
كنت عقيماً محروماً من نعمة الولد ، وبعد زمان رزقت ولداً إلّا أنّه كان مشلولاً مقعداً ، فصرفت كلّ ما عندي وبعت بيتي وسيارتي وأنفقتها في علاجه دون نتيجة.
وفي ذات ليلة دخلت بيتي ـ وكنت مستأجراً أسكن مع صاحب الدار ـ فرأيت زوجتي تبكي فقلت لها : ماذا حدث؟
قالت : إنّ صاحبة الدار دعتني للحضور على سفرة أم البنين عليهاالسلام.
قلت : من هي أم البنين؟
فشرحت لي ما سمعته عنها ثم قالت : لقد أخذت ولدي وأجلسته على سفرة أم البنين عليهاالسلام ، فتعال نجلس هذا الطفل في حجرنا هذه الليلة ونتوسل بأبي الفضل العباس معاً.
وبالفعل اتفقنا وفعلنا ذلك حتى أخذنا التعب ، فتركنا الصبي لحاله واضجعنا في الايوان (البلكون) ، وفي منتصف الليل رأيت ـ بهذه عيني ـ الطفل وقد قام معتمداً على رجليه وأخذ يركض ، ففزعت وصرخت به : ماذا حدث؟
قال : من هذا السيد الفارس الذي جاءني؟
هذه هي معجزة أبي الفضل العباس عليهالسلام التي رأيتها بعيني فكيف لا أعرفه؟!
source : راسخون