عربي
Tuesday 8th of October 2024
0
نفر 0

الخليفة قبل الخليقة:

أما بعد فإن الله تبارك وتعالى يقول في محكم كتابه (وإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) فبدأ عز وجل بالخليفة قبل الخليقة فدل ذلك على أن الحكمة في الخليفة أبلغ من الحكمة في الخليقة فلذلك ابتدأ به لأنه سبحانه حكيم والحكيم من يبدأ بالأهم دون الأعم وذلك تصديق قول الصادق جعفر بن محمد عليه السلام حيث يقول الحجة قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق ولو خلق الله عز وجل الخليقة خلوا من الخليفة لكان قد عرضهم للتلف ولم يردع السفيه عن سفهه بالنوع الذي توجب حكمته من إقامة الحدود وتقويم المفسد واللحظة الواحدة لا تسوغ الحكمة ضرب صفح عنها إن الحكمة تعم كما أن الطاعة تعم ومن زعم أن الدنيا تخلو ساعة من إمام لزمه أن يصحح مذهب البراهمة في إبطالهم الرسالة ولو لا أن القرآن نزل بأن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم خاتم الأنبياء لوجب كون رسول في كل وقت فلما صح ذلك ارتفع معنى كون الرسول بعده وبقيت الصورة المستدعية للخليفة في العقل وذلك أن الله تقدس ذكره لا يدعو إلى سبب إلا بعد أن يصور في العقول حقائقه وإذا لم يصور ذلك لم تتسق الدعوة ولم تثبت الحجة وذلك أن الأشياء تألف أشكالها وتنبو عن أضدادها فلو كان في العقل إنكار الرسل لما بعث الله عز وجل نبيا قط. مثال ذلك الطبيب يعالج المريض بما يوافق طباعه ولو عالجه بدواء يخالف طباعه أدى ذلك إلى تلفه فثبت أن الله أحكم الحاكمين لا يدعو إلى سبب إلا وله في العقول صورة ثابتة وبالخليفة يستدل على المستخلف كما جرت به العادة في العامة والخاصة وفي المتعارف متى استخلف ملك ظالما استدل بظلم خليفته على ظلم مستخلفه وإذا كان عادلا استدل بعدله على عدل مستخلفه فثبت أن خلافة الله توجب العصمة ولا يكون الخليفة إلا معصوما وجوب طاعة الخليفة ولما استخلف الله عز وجل آدم في الأرض أوجب على أهل السماوات الطاعة له فكيف الظن بأهل الأرض ولما أوجب الله عز وجل على الخلق الإيمان بملائكة الله وأوجب على الملائكة السجود لخليفة الله ثم لما امتنع ممتنع من الجن عن السجود له أحل الله به الذل والصغار والدمار وأخزاه ولعنه إلى يوم القيامة علمنا بذلك رتبة الإمام وفضله وأن الله تبارك وتعالى لما أعلم الملائكة أنه جاعل في الأرض خليفة أشهدهم على ذلك لأن العلم شهادة فلزم من ادعى أن الخلق يختار الخليفة أن تشهد ملائكة الله كلهم عن آخرهم عليه والشهادة العظيمة تدل على الخطب العظيم كما جرت به العادة في الشاهد فكيف وأنى ينجو صاحب الاختيار من عذاب الله وقد شهدت عليه ملائكة الله أولهم وآخرهم وكيف وأنى يعذب صاحب النص وقد شهدت له ملائكة الله كلهم. وله وجه آخر وهو أن القضية في الخليفة باقية إلى يوم القيامة ومن زعم أن الخليفة أراد به النبوة فقد أخطأ من وجه وذلك أن الله عز وجل وعد أن يستخلف من هذه الأمة الفاضلة خلفاء راشدين كما قال جل وتقدس (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ولَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ ولَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً) ولو كانت قضية الخلافة قضية النبوة أوجب حكم الآية أن يبعث الله عز وجل نبيا بعد محمد صلى الله عليه وآله وسلم وما صح قوله وخاتَمَ النَّبِيِّينَ فثبت أن الوعد من الله عز وجل ثابت من غير النبوة وثبت أن الخلافة تخالف النبوة بوجه وقد يكون الخليفة غير نبي ولا يكون النبي إلا خليفة. وآخر هو أنه عز وجل أراد أن يظهر باستعباده الخلق بالسجود لآدم عليه السلام نفاق المنافق وإخلاص المخلص كما كشفت الأيام والخبر عن قناعيهما أعني ملائكة الله والشيطان ولو وكل ذلك المعنى من اختيار الإمام إلى من أضمر سوءا لما كشفت الأيام عنه بالتعرض وذلك أنه يختار المنافق من سمحت نفسه بطاعته والسجود له فكيف وأنى يوصل إلى ما في الضمائر من النفاق والإخلاص والحسد والداء الدفين. ووجه آخر وهو أن الكلمة تتفاضل على أقدار المخاطب والمخاطب فخطاب الرجل عبده يخالف خطاب سيده والمخاطب كان الله عز وجل والمخاطبون ملائكة الله أولهم وآخرهم والكلمة العموم لها مصلحة عموم كما أن الكلمة الخصوص لها مصلحة خصوص والمثوبة في العموم أجل من المثوبة في الخصوص كالتوحيد الذي هو عموم على عامة خلق الله يخالف الحج والزكاة وسائر أبواب الشرع الذي هو خصوص فقوله عليه السلام عز وجل (وإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) دل على أن فيه معنى من معاني التوحيد لما أخرجه مخرج العموم والكلمة إذا جاورت الكلمة في معنى لزمها ما لزم أختها إذا جمعهما معنى واحد ووجه ذلك أن الله سبحانه علم أن من خلقه من يوحده ويأتمر لأمره وأن لهم أعداء يعيبونهم ويستبيحوا حريمهم ولو أنه عز وجل قصر الأيدي عنهم جبرا وقهرا لبطلت الحكمة وثبت الإجبار رأسا وبطل الثواب والعقاب والعبادات ولما استحال ذلك وجب أن يدفع عن أوليائه بضرب من الضروب لا تبطل به ومعه العبادات والمثوبات فكان الوجه في ذلك إقامة الحدود كالقطع والصلب والقتل والحبس وتحصيل الحقوق كما قيل ما يزع السلطان أكثر مما يزع القرآن وقد نطق بمثله قوله عليه السلام عز وجل (لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ) فوجب أن ينصب عز وجل خليفة يقصر من أيدي أعدائه عن أوليائه ما تصح به ومعه الولاية لأنه لا ولاية مع من أغفل الحقوق وضيع الواجبات ووجب خلعه في العقول جل الله تعالى عن ذلك والخليفة اسم مشترك لأنه لو أن رجلا بنى مسجدا ولم يؤذن فيه ونصب فيه مؤذنا كان مؤذنه فأما إذا أذن فيه أياما ثم نصب فيه مؤذنا كان خليفته وكذلك الصورة في العقول والمعارف متى قال البندار هذا خليفتي كان خليفته على البندرة لا على البريد والمظالم فكذلك القول في صاحبي البريد والمظالم فثبت أن الخليفة من الأسماء المشتركة فكان من صفة الله تعالى ذكره الانتصاف لأوليائه من أعدائه فوكل من ذلك معنى إلى خليفته فلهذا الشأن استحق معنى الخليفة دون معنى أن يتخذ شريكا معبودا مع الله سبحانه ولهذا من الشأن قال الله تبارك وتعالى لإبليس يا إِبْلِيسُ (ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ) ثم قال عز وجل (بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ) وذلك أنه يقطع العذر ولا يوهم أنه خليفة شارك الله في وحدته فقال بعد ما عرفت أنه خلق الله ما منعك أن تسجد ثم قال (بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ) واليد في اللغة قد تكون بمعنى النعمة وقد كان لله عز وجل عليه نعمتان حوتا نعما كقوله عليه السلام عز وجل (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وباطِنَةً) وهما نعمتان حوتا نعما لا تحصى ثم غلظ عليه القول بقوله عليه السلام عز وجل (بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ) كقول القائل بسيفي تقاتلني وبرمحي تطاعنني وهذا أبلغ في القبح وأشنع فقوله عليه السلام عز وجل (وَ إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) كانت كلمة متشابهة أحد وجوهها أنه يتصور عند الجاهل أن الله عز وجل يستشير خلقه في معنى التبس عليه ويتصور عند المستدل إذا استدل على الله عز وجل بأفعاله المحكمة وجلالته الجليلة أنه جل عن أن يلتبس عليه معنى أو يستعجم عليه حال فإنه لا يعجزه شي ء في السماوات والأرض والسبيل في هذه الآية المتشابهة كالسبيل في أخواتها من الآيات المتشابهات أنها ترد إلى المحكمات مما يقطع به ومعه العذر للمتطرق إلى السفه والإلحاد. فقوله (وإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) يدل على معنى هدايتهم لطاعة جليلة مقترنة بالتوحيد نافية عن الله عز وجل الخلع والظلم وتضييع الحقوق وما تصح به ومعه الولاية فتكمل معه الحجة ولا يبقى لأحد عذر في إغفال حق. وأخرى أنه عز وجل إذا علم استقلال أحد من عباده لمعنى من معاني الطاعات ندبه له حتى تحصل له به عبادة ويستحق معها مثوبة على قدرها ما لو أغفل ذلك جاز أن يغفل جميع معاني حقوق خلقه أولهم وآخرهم جل الله عن ذلك فللقوام بحقوق الله وحقوق خلقه مثوبة جليلة متى فكر فيها مفكر عرف أجزاءها إذ لا وصول إلى كلها لجلالتها وعظم قدرها وأحد معانيها وهو جزء من أجزائها أنه يسعد بالإمام العادل النملة والبعوضة والحيوان أولهم وآخرهم بدلالة قوله تعالى (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) ويدل على صحة ذلك قوله عليه السلام عز وجل في قصة نوح عليه السلام (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً) ثم من المدرار ما ينتفع به الإنسان وسائر الحيوان وسبب ذلك الدعاة إلى دين الله والهداة إلى حق الله فمثوبته على أقداره وعقوبته على من عانده بحسابه ولهذا نقول إن الإمام يحتاج إليه لبقاء العالم على صلاحه. وقد أخرجت الأخبار التي رويتها في هذا المعنى في هذا الكتاب في باب العلة التي يحتاج من أجلها إلى الإمام ليس لأحد أن يختار الخليفة إلا الله عز وجل وقول الله عز وجل (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) جاعل منون صفة الله التي وصف بها نفسه وميزانه قوله (إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ) فنونه ووصف به نفسه فمن ادعى أنه يختار الإمام وجب أن يخلق بشرا من طين فلما بطل هذا المعنى بطل الآخر إذ هما في حيز واحد. ووجه آخر وهو أن الملائكة في فضلهم وعصمتهم لم يصلحوا لاختيار الإمام حتى تولى الله ذلك بنفسه دونهم واحتج به على عامة خلقه أنه لا سبيل لهم إلى اختياره لما لم يكن للملائكة سبيل إليه مع صفائهم ووفائهم وعصمتهم ومدح الله إياهم في آيات كثيرة مثل قوله سبحانه (بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) وكقوله عليه السلام عز وجل (لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ ويَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ). ثم إن الإنسان بما فيه من السفه والجهل كيف وأنى يستتب له ذلك فهذا والأحكام دون الإمامة مثل الصلاة والزكاة والحج وغير ذلك لم يكل الله عز وجل شيئا من ذلك إلى خلقه فكيف وكل إليهم الأهم الجامع للأحكام كلها والحقائق بأسرها.

وجوب وحدة الخليفة في كل عصر وفي قوله عليه السلام عز وجل خَلِيفَةً إشارة إلى خليفة واحدة ثبت به ومعه إبطال قول من زعم أنه يجوز أن تكون في وقت واحد أئمة كثيرة وقد اقتصر الله عز وجل على الواحد ولو كانت الحكمة ما قالوه وعبروا عنه لم يقتصر الله عز وجل على الواحد ودعوانا محاذ لدعواهم ثم إن القرآن يرجح قولنا دون قولهم والكلمتان إذا تقابلتا ثم رجح إحداهما على الأخرى بالقرآن كان الرجحان أولى.

لزوم وجود الخليفة ولقوله عليه السلام عز وجل (وإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ) في الخطاب الذي خاطب الله عز وجل به نبيه صلى الله عليه وآله وسلم لما قال رَبُّكَ من أصح الدليل على أنه سبحانه يستعمل هذا المعنى في أمته إلى يوم القيامة فإن الأرض لا تخلو من حجة له عليهم ولو لا ذلك لما كان لقوله رَبُّكَ حكمة وكان يجب أن يقول ربهم وحكمة الله في السلف كحكمته في الخلف لا يختلف في مر الأيام وكر الأعوام وذلك أنه عز وجل عدل حكيم لا يجمعه وأحد من خلقه نسب جل الله عن ذلك.

وجوب عصمة الإمام ولقوله عليه السلام عز وجل (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) معنى وهو أنه عز وجل لا يستخلف إلا من له نقاء السريرة ليبعد عن الخيانة لأنه لو اختار من لا نقاء له في السريرة كان قد خان خلقه لأنه لو أن دلالا قدم حمالا خائنا إلى تاجر فحمل له حملا فخان فيه كان الدلال خائنا فكيف تجوز الخيانة على الله عز وجل وهو يقول وقوله الحق (أَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ) وأدب محمدا صلى الله عليه وآله وسلم بقوله عليه السلام عز وجل(وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً) فكيف وأنى يجوز أن يأتي ما ينهى عنه وقد عير اليهود بسمة النفاق وقال(أتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ).

وفي قول الله عز وجل (وإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) حجة قوية في غيبة الامام عليه السلام وذلك أنه عز وجل لما قال إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً أوجب بهذا اللفظ معنى وهو أن يعتقدوا طاعته فاعتقد عدو الله إبليس بهذه الكلمة نفاقا وأضمره حتى صار به منافقا وذلك أنه أضمر أنه يخالفه متى استعبد بالطاعة له فكان نفاقه أنكر النفاق لأنه نفاق بظهر الغيب ولهذا من الشأن صار أخزى المنافقين كلهم ولما عرف الله عز وجل ملائكته ذلك أضمروا الطاعة له واشتاقوا إليه فأضمروا نقيض ما أضمره الشيطان فصار لهم من الرتبة عشرة أضعاف ما استحق عدو الله من الخزي والخسار فالطاعة والموالاة بظهر الغيب أبلغ في الثواب والمدح لأنه أبعد من الشبهة والمغالطة ولهذا روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال من دعا لأخيه بظهر الغيب ناداه ملك من السماء ولك مثلاه وأن الله تبارك وتعالى أكد دينه بالإيمان بالغيب فقال (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) فالإيمان بالغيب أعظم مثوبة لصاحبه لأنه خلو من كل عيب وريب لأن بيعة الخليفة وقت المشاهدة قد يتوهم على المبايع أنه إنما يطيع رغبة في خير أو مال أو رهبة من قتل أو غير ذلك مما هو عادات أبناء الدنيا في طاعة ملوكهم وإيمان الغيب مأمون من ذلك كله ومحروس من معايبه بأصله يدل على ذلك قول الله عز وجل (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا) ولما حصل للمتعبد ما حصل من الإيمان بالغيب لم يحرم الله عز وجل ذلك ملائكته فقد جاء في الخبر أن الله سبحانه قال هذه المقالة للملائكة قبل خلق آدم بسبعمائة عام وكان يحصل في هذه المدة الطاعة لملائكة الله على قدرها ولو أنكر منكر هذا الخبر والوقت والأعوام لم يجد بدا من القول بالغيبة ولو ساعة واحدة والساعة الواحدة لا تتعرى من حكمة ما وما حصل من الحكمة في الساعة حصل في الساعتين حكمتان وفي الساعات حكم وما زاد في الوقت إلا زاد في المثوبة وما زاد في المثوبة إلا كشف عن الرحمة ودل على الجلالة فصح الخبر أن فيه تأييد الحكمة وتبليغ الحجة. وفي قول الله عز وجل (وإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) حجة في غيبة الامام عليه السلام عليه السلام من أوجه كثيرة أحدها أن الغيبة قبل الوجود أبلغ الغيبات كلها وذلك أن الملائكة ما شهدوا قبل ذلك خليفة قط وأما نحن فقد شاهدنا خلفاء كثيرين غير واحد قد نطق به القرآن وتواترت به الأخبار حتى صارت كالمشاهدة والملائكة لم يشهدوا واحدا منهم فكانت تلك الغيبة أبلغ وآخر أنها كانت غيبة من الله عز وجل وهذه الغيبة التي للإمام عليه السلام هي من قبل أعداء الله تعالى فإذا كان في الغيبة التي هي من الله عز وجل عبادة لملائكته فما الظن بالغيبة التي هي من أعداء الله وفي غيبة الامام عليه السلام عبادة مخلصة لم تكن في تلك الغيبة وذلك أن الإمام الغائب عليه السلام مقموع مقهور مزاحم في حقه قد غلب قهرا وجرى على شيعته قسرا من أعداء الله ما جرى من سفك الدماء ونهب الأموال وإبطال الأحكام والجور على الأيتام وتبديل الصدقات وغير ذلك مما لا خفاء به ومن اعتقد موالاته شاركه في أجره وجهاده وتبرأ من أعدائه وكان له في براءة مواليه من أعدائه أجر وفي ولاية أوليائه أجر يربو على أجر ملائكة الله عز وجل على الإيمان بالإمام المغيب في العدم وإنما قص الله عز وجل نبأه قبل وجوده توقيرا وتعظيما له ليستعبد له الملائكة ويتشمروا لطاعته وإنما مثال ذلك تقديم الملك فيما بيننا بكتاب أو رسول إلى أوليائه أنه قادم عليهم حتى يتهيئوا لاستقباله وارتياد الهدايا له ما يقطع به ومعه عذرهم في تقصير إن قصروا في خدمته كذلك بدأ الله عز وجل بذكر نبئه إبانة عن جلالته ورتبته وكذلك قضيته في السلف والخلف فما قبض خليفة إلا عرف خلقه الخليفة الذي يتلوه وتصديق ذلك قوله عليه السلام عز وجل (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ ويَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ) والذي على بينة من ربه محمد صلى الله عليه وآله وسلم والشاهد الذي يتلوه علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام دلالته قوله عليه السلام عز وجل (ومِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً ورَحْمَةً) والكلمة من كتاب موسى المحاذية لهذا المعنى حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة قوله (وواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وأَصْلِحْ ولا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ)

السر في أمره تعالى الملائكة بالسجود لآدم عليه السلام:

واستعبد الله عز وجل الملائكة بالسجود لآدم تعظيما له لما غيبه عن أبصارهم وذلك أنه عز وجل إنما أمرهم بالسجود لآدم لما أودع صلبه من أرواح حجج الله تعالى ذكره فكان ذلك السجود لله عز وجل عبودية ولآدم طاعة ولما في صلبه تعظيما فأبى إبليس أن يسجد لآدم حسدا له إذ جعل صلبه مستودع أرواح حجج الله دون صلبه فكفر بحسده وتأبيه وفسق عن أمر ربه وطرد عن جواره ولعن وسمي رجيما لأجل إنكاره للغيبة لأنه احتج في امتناعه من السجود لآدم بأن (قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) فجحد ما غيب عن بصره ولم يوقع التصديق به واحتج بالظاهر الذي شاهده وهو جسد ادم عليه السلام وأنكر أن يكون يعلم لما في صلبه وجودا ولم يؤمن بأن آدم إنما جعل قبلة للملائكة وأمروا بالسجود له لتعظيم ما في صلبه فمثل من آمن بالقائم عليه السلام في غيبته مثل الملائكة الذين أطاعوا الله عز وجل في السجود لآدم ومثل من أنكر القائم عليه السلام في غيبته مثل إبليس في امتناعه من السجود لآدم كذلك روي عن الصادق جعفر بن محمد عليه السلام.

حدثنا بذلك محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه قال حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي عن محمد بن إسماعيل البرمكي عن جعفر بن عبد الله الكوفي عن الحسن بن سعيد عن محمد بن زياد عن أيمن بن محرز عن الصادق جعفر بن محمد عليه السلام أن الله تبارك وتعالى علم آدم عليه السلام أسماء حجج الله كلها ثم عرضهم وهم أرواح على الملائكة (فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) بأنكم أحق بالخلافة في الأرض لتسبيحكم وتقديسكم من آدم عليه السلام (قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) قال الله تبارك وتعالى يا آدَمُ (أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ) وقفوا على عظيم منزلتهم عند الله تعالى ذكره فعلموا أنهم أحق بأن يكونوا خلفاء الله في أرضه وحججه على بريته ثم غيبهم عن أبصارهم واستعبدهم بولايتهم ومحبتهم وقال لهم (ألَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ والْأَرْضِ وأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) حدثنا بذلك أحمد بن الحسن القطان قال حدثنا الحسين بن علي السكري قال حدثنا محمد بن زكريا الجوهري قال حدثنا جعفر بن محمد بن عمارة عن أبيه عن الصادق جعفر بن محمد عليه السلام وهذا استعباد الله عز وجل للملائكة بالغيبة والآية أولها في قصة الخليفة وإذا كان آخرها مثلها كان للكلام نظم وفي النظم حجة ومنه يؤخذ وجه الإجماع لأمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم أولهم وآخرهم وذلك أنه سبحانه وتعالى إذا علم آدم الأسماء كلها على ما قاله المخالفون فلا محالة أن أسماء الأئمة عليهم السلام داخلة في تلك الجملة فصار ما قلناه في ذلك بإجماع الأمة ومن أصح الدليل عليه أنه لا محالة لما دل الملائكة على السجود لآدم فإنه حصل لهم عبادة فلما حصل لهم عبادة أوجب باب الحكمة أن يحصل لهم ما هو في حيزه سواء كان في وقت أو في غير وقت فإن الأوقات ما تغير الحكمة ولا تبدل الحجة أولها كآخرها وآخرها كأولها لا يجوز في حكمة الله أن يحرمهم معنى من معاني المثوبة ولا أن يبخل بفضل من فضائل الأئمة لأنهم كلهم شرع واحد دليل ذلك أن الرسل متى آمن مؤمن بواحد منهم أو بجماعة وأنكر واحدا منهم لم يقبل منه إيمانه كذلك القضية في الأئمة عليهم السلام أولهم وآخرهم واحد  وقد قال الصادق عليه السلام المنكر لآخرنا كالمنكر لأولنا  وقال عليه السلام من أنكر واحدا من الأحياء فقد أنكر الأموات وسأخرج ذلك في هذا الكتاب مسندا في موضعه إن شاء الله فصح أن قوله عليه السلام عز وجل (وعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) أراد به أسماء الأئمة عليهم السلام وللأسماء معان كثيرة وليس أحد معانيها بأولى من الآخر وللأسماء أوصاف وليس أحد الأوصاف بأولى من الآخر فمعنى الأسماء أنه سبحانه علم آدم عليه السلام أوصاف الأئمة كلها أولها وآخرها ومن أوصافهم العلم والحلم والتقوى والشجاعة والعصمة والسخاء والوفاء وقد نطق بمثله كتاب الله عز وجل في أسماء الأنبياء عليهم السلام كقوله عليه السلام عز وجل (واذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا واذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وكانَ رَسُولًا نَبِيًّا وكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ والزَّكاةِ وكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا واذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا ورَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا) وكقوله عليه السلام عز وجل (واذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً وكانَ رَسُولًا نَبِيًّا ونادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وقَرَّبْناهُ نَجِيًّا ووَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا) فوصف الرسل عليهم السلام وحمدهم بما كان فيهم من الشيم المرضية والأخلاق الزكية وكان ذلك أوصافهم وأسماءهم كذلك علم الله عز وجل آدم الأسماء كلها. والحكمة في ذلك أيضا أنه لا وصول إلى الأسماء ووجوه الاستعبادات إلا من طريق السماع والعقل غير متوجه إلى ذلك لأنه لو أبصر عاقل شخصا من بعيد أو قريب لما توصل إلى استخراج اسمه ولا سبيل إليه إلا من طريق السماع فجعل الله عز وجل العمدة في باب الخليفة السماع ولما كان كذلك أبطل به باب الاختيار إذ الاختيار من طريق الآراء وقضية الخليفة موضوعة على الأسماء والأسماء موضوعة على السماع فصح به ومعه مذهبنا في الإمام أنه يصح بالنص والإشارة فأما باب الإشارة فمضمر في قوله عليه السلام عز وجل (ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ) فباب العرض مبني على الشخص والإشارة وباب الاسم مبني على السمع فصح معنى الإشارة والنص جميعا.

وللعرض الذي قال الله عز وجل (ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ) معنيان أحدهما عرض أشخاصهم وهيئاتهم كما رويناه في باب أخبار أخذ الميثاق والذر والوجه الآخر أن يكون عز وجل عرضهم على الملائكة من طريق الصفة والنسبة كما يقوله قوم من مخالفينا فمن كلا المعنيين يحصل استعباد الله عز وجل الملائكة بالإيمان بالغيبة. وفي قوله عليه السلام عز وجل (أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) حكم كثيرة أحدها أن الله عز وجل أهل آدم عليهم السلام لتعليم الملائكة أسماء الأئمة عن الله تعالى ذكره وأهل الملائكة لتعلم أسمائهم عن آدم عليه السلام فالله عز وجل علم آدم وآدم علم الملائكة فكان آدم في حيز المعلم وكانوا في حيز المتعلمين هذا ما نص عليه القرآن وقول الملائكة (سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) فيه أصح دليل وأبين حجة لنا أنه لا يجوز لأحد أن يقول في أسماء الأئمة وأوصافهم عليهم السلام إلا عن تعليم الله جل جلاله ولو جاز لأحد ذلك كان للملائكة أجوز ولما سبحوا الله دل تسبيحهم على أن الشرع فيه مما ينافي التوحيد وذلك أن التسبيح تنزيه الله عز وجل وباب التنزيه لا يوجد في القرآن إلا عند قول جاحد أو ملحد أو متعرض لإبطال التوحيد والقدح فيه فلم يستنكفوا إذ لم يعلموا أن يقولوا لا عِلْمَ لَنا فمن تكلف علم ما لا يعلم احتج الله عليه بملائكته وكانوا شهداء الله عليه في الدنيا والآخرة وإنما أهل الله الملائكة لإعلامهم على لسان آدم عند اعترافهم بالعجز وأنهم لا يعلمون فقال عز وجل يا (آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ) ولقد كلمني رجل بمدينة السلام فقال لي إن الغيبة قد طالت والحيرة قد اشتدت وقد رجع كثير عن القول بالإمامة لطول الأمد فكيف هذا فقلت له إن سنة الأولين في هذه الأمة جارية حذو النعل بالنعل كما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غير خبر وإن موسى عليه السلام ذهب إلى ميقات ربه على أن يرجع إلى قومه بعد ثلاثين ليلة فأتمها الله عز وجل بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة ولتأخره عنهم فضل عشرة أيام على ما واعدهم استطالوا المدة القصيرة وقست قلوبهم وفسقوا عن أمر ربهم عز وجل وعن أمر موسى عليه السلام وعصوا خليفته هارون واستضعفوه وكادوا يقتلونه وعبدوا عجلا جسدا له خوار من دون الله عز وجل وقال السامري لهم هذا (إِلهُكُمْ وإِلهُ مُوسى وهارون) يعظهم وينهاهم عن عبادة العجل ويقول (يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وأَطِيعُوا أَمْرِي قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى ولَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَ عَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وأَلْقَى الْأَلْواحَ وأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ) والقصة في ذلك مشهورة فليس بعجيب أن يستطيل الجهال من هذه الأمة مدة غيبة صاحب زماننا عليه السلام ويرجع كثير منهم عما كانوا دخلوا فيه بغير أصل وبصيرة ثم لا يعتبرون بقول الله تعالى ذكره حيث يقول (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ ولا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ). فقال وما أنزل الله عز وجل في كتابه في هذا المعنى قلت قوله عليه السلام عز وجل (الم * ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) يعني بالقائم عليه السلام وغيبته.

حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله قال حدثنا محمد بن يحيى العطار قال حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى عن عمر بن عبد العزيز عن غير واحد عن داود بن كثير الرقي عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) قال من أقر بقيام القائم عليه السلام أنه حق  حدثنا علي بن أحمد بن موسى رحمه الله قال حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي قال حدثنا موسى بن عمران النخعي عن عمه الحسين بن يزيد عن علي بن أبي حمزة عن يحيى بن أبي القاسم قال سألت الصادق جعفر بن محمد عليه السلام عن قول الله عز وجل (الم * ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) فقال المتقون شيعة علي عليه السلام والغيب فهو الحجة الغائب وشاهد ذلك قول الله عز وجل (ويَقُولُونَ لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) فأخبر عز وجل أن الآية هي الغيب والغيب هو الحجة وتصديق ذلك قول الله عز وجل (وجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وأُمَّهُ آيَةً) يعني حجة.

حدثنا أبي رحمه الله قال حدثنا سعد بن عبد الله قال حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال في قول الله عز وجل (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ) فقال الآيات هم الأئمة والآية المنتظرة هو القائم عليه السلام فيومئذ لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل قيامه بالسيف وإن آمنت بمن تقدمه من آبائه عليهم السلام وقد سمى الله عز وجل يوسف عليه السلام غيبا حين قص قصته على نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم فقال عز وجل (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وهُمْ يَمْكُرُونَ) فسمى يوسف عليه السلام غيبا لأن الأنباء التي قصها كانت أنباء يوسف فيما أخبر به من قصته وحاله وما آلت إليه أموره. ولقد كلمني بعض المخالفين في هذه الآية فقال معنى قوله عليه السلام عز وجل (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) أي بالبعث والنشور وأحوال القيامة فقلت له لقد جهلت في تأويلك وضللت في قولك فإن اليهود والنصارى وكثيرا من فرق المشركين والمخالفين لدين الإسلام يؤمنون بالبعث والنشور والحساب والثواب والعقاب فلم يكن الله تبارك وتعالى ليمدح المؤمنين بمدحة قد شركهم فيها فرق الكفر والجحود بل وصفهم الله عز وجل ومدحهم بما هو لهم خاصة لم يشركهم فيه أحد غيرهم.

وجوب معرفة المهدي عجل الله تعالى فرجه:

ولا يكون الإيمان صحيحا من مؤمن إلا من بعد علمه بحال من يؤمن به كما قال الله تبارك وتعالى (إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وهُمْ يَعْلَمُونَ) فلم يوجب لهم صحة ما يشهدون به إلا من بعد علمهم ثم كذلك لن ينفع إيمان من آمن بالمهدي القائم عليه السلام حتى يكون عارفا بشأنه في حال غيبته وذلك أن الأئمة عليهم السلام قد أخبروا بغيبته عليه السلام ووصفوا كونها لشيعتهم فيما نقل عنهم واستحفظ في الصحف ودون في الكتب المؤلفة من قبل أن تقع الغيبة بمائتي سنة أو أقل أو أكثر فليس أحد من أتباع الأئمة عليهم السلام إلا وقد ذكر ذلك في كثير من كتبه ورواياته ودونه في مصنفاته وهي الكتب التي تعرف بالأصول مدونة مستحفظة عند شيعة آل محمد عليهم السلام من قبل الغيبة بما ذكرنا من السنين وقد أخرجت ما حضرني من الأخبار المسندة في الغيبة في هذا الكتاب في مواضعها فلا يخلو حال هؤلاء الأتباع المؤلفين للكتب أن يكونوا علموا الغيب بما وقع الآن من الغيبة فألفوا ذلك في كتبهم ودونوه في مصنفاتهم من قبل كونها وهذا محال عند أهل اللب والتحصيل أو أن يكونوا قد أسسوا في كتبهم الكذب فاتفق الأمر لهم كما ذكروا وتحقق كما وضعوا من كذبهم على بعد ديارهم واختلاف آرائهم وتباين أقطارهم ومحالهم وهذا أيضا محال كسبيل الوجه الأول فلم يبق في ذلك إلا أنهم حفظوا عن أئمتهم المستحفظين للوصية عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من ذكر الغيبة وصفة كونها في مقام بعد مقام إلى آخر المقامات ما دونوه في كتبهم وألفوه في أصولهم وبذلك وشبهه فلج الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا.

وإن خصومنا ومخالفينا من أهل الأهواء المضلة قصدوا لدفع الحق وعناده بما وقع من غيبة صاحب زماننا القائم عليه السلام واحتجابه عن أبصار المشاهدين ليلبسوا بذلك على من لم تكن معرفته متقنة ولا بصيرته مستحكمة.

إثبات الغيبة والحكمة فيها:

فأقول وبالله التوفيق إن الغيبة التي وقعت لصاحب زماننا عليه السلام قد لزمت حكمتها وبان حقها وفلجت حجتها للذي شاهدناه وعرفناه من آثار حكمة الله عز وجل واستقامة تدبيره في حججه المتقدمة في الأعصار السالفة مع أئمة الضلال وتظاهر الطواغيت واستعلاء الفراعنة في الحقب الخالية وما نحن بسبيله في زماننا هذا من تظاهر أئمة الكفر بمعونة أهل الإفك والعدوان والبهتان. وذلك أن خصومنا طالبونا بوجود صاحب زماننا عليه السلام كوجود من تقدمه من الأئمة عليه السلام فقالوا إنه قد مضى على قولكم من عصر وفاة نبينا عليه السلام أحد عشر إماما كل منهم كان موجودا معروفا باسمه وشخصه بين الخاص والعام فإن لم يوجد كذلك فقد فسد عليكم أمر من تقدم من أئمتكم كفساد أمر صاحب زمانكم هذا في عدمه وتعذر وجوده. فأقول وبالله التوفيق إن خصومنا قد جهلوا آثار حكمة الله تعالى وأغفلوا مواقع الحق ومناهج السبيل في مقامات حجج الله تعالى مع أئمة الضلال في دول الباطل في كل عصر وزمان إذ قد ثبت أن ظهور حجج الله تعالى في مقاماتهم في دول الباطل على سبيل الإمكان والتدبير لأهل الزمان فإن كانت الحال ممكنة في استقامة تدبير الأولياء لوجود الحجة بين الخاص والعام كان ظهور الحجة كذلك وإن كانت الحال غير ممكنة من استقامة تدبير الأولياء لوجود الحجة بين الخاص والعام وكان استتاره مما توجبه الحكمة ويقتضيه التدبير حجبه الله وستره إلى وقت بلوغ الكتاب أجله كما قد وجدنا من ذلك في حجج الله المتقدمة من عصر وفاة آدم عليه السلام إلى حين زماننا هذا منهم المستخفون ومنهم المستعلنون بذلك جاءت الآثار ونطق الكتاب  فمن ذلك ما حدثنا به أبي رحمه الله قال حدثنا سعد بن عبد الله قال حدثنا أحمد بن محمد بن خالد البرقي عن أبيه عن محمد بن سنان عن إسحاق بن جرير عن عبد الحميد بن أبي الديلم قال قال الصادق جعفر بن محمد عليه السلام يا عبد الحميد إن لله رسلا مستعلنين ورسلا مستخفين فإذا سألته بحق المستعلنين فسله بحق المستخفين وتصديق ذلك من الكتاب قوله تعالى (ورُسُلًا قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ ورُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً) فكانت حجج الله تعالى كذلك من وقت وفاة آدم عليه السلام إلى وقت ظهور إبراهيم عليه السلام أوصياء مستعلنين ومستخفين فلما كان وقت كون إبراهيم عليه السلام ستر الله شخصه وأخفى ولادته لأن الإمكان في ظهور الحجة كان متعذرا في زمانه وكان إبراهيم عليه السلام في سلطان نمرود مستترا لأمره وكان غير مظهر نفسه ونمرود يقتل أولاد رعيته وأهل مملكته في طلبه إلى أن دلهم إبراهيم عليه السلام على نفسه وأظهر لهم أمره بعد أن بلغت الغيبة أمدها ووجب إظهار ما أظهره للذي أراده الله في إثبات حجته وإكمال دينه فلما كان وقت وفاة إبراهيم عليه السلام كان له أوصياء حججا لله عز وجل في أرضه يتوارثون الوصية كذلك مستعلنين ومستخفين إلى وقت كون موسى عليه السلام فكان فرعون يقتل أولاد بني إسرائيل في طلب موسى عليه السلام الذي قد شاع من ذكره وخبر كونه فستر الله ولادته ثم قذفت به أمه في اليم كما أخبر الله عز وجل في كتابه (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ) وكان موسى عليه السلام في حجر فرعون يربيه وهو لا يعرفه وفرعون يقتل أولاد بني إسرائيل في طلبه ثم كان من أمره بعد أن أظهر دعوته ودلهم على نفسه ما قد قصة الله عز وجل في كتابه فلما كان وقت وفاة موسى عليه السلام كان له أوصياء حججا لله كذلك مستعلنين ومستخفين إلى وقت ظهور عيسى عليه السلام. فظهر عيسى عليه السلام في ولادته معلنا لدلائله مظهرا لشخصه شاهرا لبراهينه غير مخف لنفسه لأن زمانه كان زمان إمكان ظهور الحجة كذلك. ثم كان له من بعده أوصياء حججا لله عز وجل كذلك مستعلنين ومستخفين إلى وقت ظهور نبينا صلى الله عليه وآله وسلم فقال الله عز وجل له في الكتاب (ما يُقالُ لَكَ إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ) ثم قال عز وجل (سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا) فكان مما قيل له ولزم من سنته على إيجاب سنن من تقدمه من الرسل إقامة الأوصياء له كإقامة من تقدمه لأوصيائهم فأقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أوصياء كذلك وأخبر بكون المهدي خاتم الأئمة عليهم السلام وأنه يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما نقلت الأمة ذلك بأجمعها عنه وأن عيسى عليه السلام ينزل في وقت ظهوره فيصلي خلفه فحفظت ولادات الأوصياء ومقاماتهم في مقام بعد مقام إلى وقت ولادة صاحب زماننا عليه السلام المنتظر للقسط والعدل كما أوجبت الحكمة باستقامة التدبير غيبة من ذكرنا من الحجج المتقدمة بالوجود. وذلك أن المعروف المتسالم بين الخاص والعام من أهل هذه الملة أن الحسن بن علي والد صاحب زماننا عليه السلام قد كان وكل به طاغية زمانه إلى وقت وفاته فلما توفي عليه السلام وكل بحاشيته وأهله وحبست جواريه وطلب مولوده هذا أشد الطلب وكان أحد المتوليين عليه عمه جعفر أخو الحسن بن علي بما ادعاه لنفسه من الإمامة ورجا أن يتم له ذلك بوجود ابن أخيه صاحب الزمان عليه السلام فجرت السنة في غيبته بما جرى من سنن غيبة من ذكرنا من الحجج المتقدمة ولزم من حكمة غيبته عليه السلام ما لزم من حكمة غيبتهم.

رد إشكال وكان من معارضة خصومنا أن قالوا ولم أوجبتم في الأئمة ما كان واجبا في الأنبياء فما أنكرتم أن ذلك كان جائزا في الأنبياء وغير جائز في الأئمة فإن الأئمة ليسوا كالأنبياء فغير جائز أن يشبه حال الأئمة بحال الأنبياء فأوجدونا دليلا مقنعا على أنه جائز في الأئمة ما كان جائزا في الأنبياء والرسل فيما شبهتم من حال الأئمة الذين ليسوا بأشباه الأنبياء والرسل وإنما يقاس الشكل بالشكل والمثل بالمثل فلن تثبت دعواكم في ذلك ولن يستقيم لكم قياسكم في تشبيهكم حال الأئمة بحال الأنبياء عليهم السلام إلا بدليل مقنع. فأقول وبالله أهتدي إن خصومنا قد جهلوا فيما عارضونا به من ذلك ولو أنهم كانوا من أهل التمييز والنظر والتفكر والتدبر باطراح العناد وإزالة العصبية لرؤسائهم ومن تقدم من أسلافهم لعلموا أن كل ما كان جائزا في الأنبياء فهو واجب لازم في الأئمة حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة وذلك أن الأنبياء هم أصول الأئمة ومغيضهم والأئمة هم خلفاء الأنبياء وأوصياؤهم والقائمون بحجة الله تعالى على من يكون بعدهم كيلا تبطل حجج الله وحدوده وشرائعه ما دام التكليف على العباد قائما والأمر لهم لازما ولو وجبت المعارضة لجاز لقائل أن يقول إن الأنبياء هم حجج الله فغير جائز أن يكون الأئمة حجج الله إذ ليسوا بالأنبياء ولا كالأنبياء وله أن يقول أيضا فغير جائز أن يسموا أئمة لأن الأنبياء كانوا أئمة وهؤلاء ليسوا بأنبياء فيكونوا أئمة كالأنبياء وغير جائز أيضا أن يقوموا بما كان يقوم به الرسول من الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى غير ذلك من أبواب الشريعة إذ ليسوا كالرسول ولا هم برسل ثم يأتي بمثل هذا من المحال مما يكثر تعداده ويطول الكتاب بذكره فلما فسد هذا كله كانت هذه المعارضة من خصومنا فاسدة كفساده.

ثم نحن نبين الآن ونوضح بعد هذا كله أن التشاكل بين الأنبياء والأئمة بين واضح فيلزمهم أنهم حجج الله على الخلق كما كانت الأنبياء حججه على العباد وفرض طاعتهم لازم كلزوم فرض طاعة الأنبياء وذلك قول الله عز وجل (أَطِيعُوا اللَّهَ وأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) وقوله تعالى (ولَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) فولاة الأمر هم الأوصياء والأئمة بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقد قرن الله طاعتهم بطاعة الرسول وأوجب على العباد من فرضهم ما أوجبه من فرض الرسول كما أوجب على العباد من طاعة الرسول ما أوجبه عليهم من طاعته عز وجل في قوله (أَطِيعُوا اللَّهَ وأَطِيعُوا الرَّسُولَ ثم قال مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ) وإذا كانت الأئمة عليهم السلام حجج الله على من لم يلحق بالرسول ولم يشاهده وعلى من خلفه من بعده كما كان الرسول حجة على من لم يشاهده في عصره لزم من طاعة الأئمة ما لزم من طاعة الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم فقد تشاكلوا واستقام القياس فيهم وإن كان الرسول أفضل من الأئمة فقد تشاكلوا في الحجة والاسم والفعل والفرض إذ كان الله جل ثناؤه قد سمى الرسل أئمة بقوله لإبراهيم (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) وقد أخبرنا الله تبارك وتعالى أنه قد فضل الأنبياء والرسل بعضهم على بعض فقال تبارك وتعالى (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ) وقال (ولَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ) فتشاكل الأنبياء في النبوة وإن كان بعضهم أفضل من بعض وكذلك تشاكل الأنبياء والأوصياء فمن قاس حال الأئمة بحال الأنبياء واستشهد بفعل الأنبياء على فعل الأئمة فقد أصاب في قياسه واستقام له استشهاده بالذي وصفناه من تشاكل الأنبياء والأوصياء عليهم السلام.

وجه آخر لإثبات المشاكلة ووجه آخر من الدليل على حقيقة ما شرحنا من تشاكل الأئمة والأنبياء عليهم السلام أن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) وقال تعالى (ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) فأمرنا الله عز وجل أن نهتدي بهدى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونجري الأمور الجارية على حد ما أجراها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قول أو فعل فكان من قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المحقق لما ذكرنا من تشاكل الأنبياء والأئمة أن قال  منزلة علي عليه السلام مني كمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي فأعلمنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن عليا ليس بنبي وقد شبهه بهارون وكان هارون نبيا ورسولا وكذلك شبهه بجماعة من الأنبياء عليهم السلام  حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله قال حدثنا علي بن الحسين السعد آبادي قال حدثنا أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن أبيه محمد بن خالد قال حدثنا عبد الملك بن هارون بن عنترة الشيباني عن أبيه عن جده عن عبد الله بن عباس قال كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه وإلى نوح في سلمه وإلى إبراهيم في حلمه وإلى موسى في فطانته وإلى داود في زهده فلينظر إلى هذا قال فنظرنا فإذا علي بن أبي طالب قد أقبل كأنما ينحدر من صبب فإذا استقام أن يشبه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحدا من الأئمة عليهم السلام بالأنبياء والرسل استقام لنا أن نشبه جميع الأئمة بجميع الأنبياء والرسل وهذا دليل مقنع وقد ثبت شكل صاحب زماننا عليه السلام في غيبته بغيبة موسى عليه السلام وغيره ممن وقعت بهم الغيبة وذلك أن غيبة صاحب زماننا وقعت من جهة الطواغيت لعلة التدبير من الذي قدمنا ذكره في الفصل الأول. ومما يفسد معارضة خصومنا في نفي تشاكل الأئمة والأنبياء أن الرسل الذين تقدموا قبل عصر نبينا صلى الله عليه وآله وسلم كان أوصياؤهم أنبياء فكل وصي قام بوصية حجة تقدمه من وقت وفاة آدم عليه السلام إلى عصر نبينا صلى الله عليه وآله وسلم كان نبيا وذلك مثل وصي آدم كان شيث ابنه وهو هبة الله في علم آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم وكان نبيا ومثل وصي نوح عليه السلام كان سام ابنه وكان نبيا ومثل إبراهيم عليه السلام كان وصيه إسماعيل ابنه وكان نبيا ومثل موسى عليه السلام كان وصيه يوشع بن نون وكان نبيا ومثل عيسى عليه السلام كان وصيه شمعون الصفا وكان نبيا ومثل داود عليه السلام كان وصيه سليمان عليه السلام ابنه وكان نبيا وأوصياء نبينا عليه السلام لم يكونوا أنبياء لأن الله عز وجل جعل محمدا خاتما لهذه الأمم كرامة له وتفضيلا فقد تشاكلت الأئمة والأنبياء بالوصية كما تشاكلوا فيما قدمنا ذكره من تشاكلهم فالنبي وصي والإمام وصي والوصي إمام والنبي إمام والنبي حجة والإمام حجة فليس في الأشكال أشبه من تشاكل الأئمة والأنبياء. وكذلك أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتشاكل أفعال الأوصياء فيمن تقدم وتأخر من قصة يوشع بن نون وصي موسى عليه السلام مع صفراء بنت شعيب زوجة موسى وقصة أمير المؤمنين عليه السلام وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع عائشة بنت أبي بكر وإيجاب غسل الأنبياء أوصياءهم بعد وفاتهم.

حدثنا علي بن أحمد الدقاق رحمه الله قال حدثنا حمزة بن القاسم قال حدثنا أبو الحسن علي بن الجنيد الرازي قال حدثنا أبو عوانة قال حدثنا الحسن بن علي عن عبد الرزاق عن أبيه عن مينا مولى عبد الرحمن بن عوف عن عبد الله بن مسعود قال قلت للنبي عليه السلام يا رسول الله من يغسلك إذا مت قال يغسل كل نبي وصيه قلت فمن وصيك يا رسول الله قال علي بن أبي طالب قلت كم يعيش بعدك يا رسول الله قال ثلاثين سنة فإن يوشع بن نون وصي موسى عاش بعد موسى ثلاثين سنة وخرجت عليه صفراء بنت شعيب زوجة موسى عليه السلام فقالت أنا أحق منك بالأمر فقاتلها فقتل مقاتليها وأسرها فأحسن أسرها وإن ابنة أبي بكر ستخرج على علي في كذا وكذا ألفا من أمتي فتقاتله فيقتل مقاتليها ويأسرها فيحسن أسرها وفيها أنزل الله عز وجل (وقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ولا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى) يعني صفراء بنت شعيب فهذا الشكل قد ثبت بين الأئمة والأنبياء بالاسم والصفة والنعت والفعل وكل ما كان جائزا في الأنبياء فهو جائز يجري في الأئمة حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة ولو جاز أن تجحد إمامة صاحب زماننا هذا لغيبته بعد وجود من تقدمه من الأئمة عليهم السلام لوجب أن تدفع نبوة موسى بن عمران عليه السلام لغيبته إذ لم يكن كل الأنبياء كذلك فلما لم تسقط نبوة موسى لغيبته وصحت نبوته مع الغيبة كما صحت نبوة الأنبياء الذين لم تقع بهم الغيبة فكذلك صحت إمامة صاحب زماننا هذا مع غيبته كما صحت إمامة من تقدمه من الأئمة الذين لم تقع بهم الغيبة. وكما جاز أن يكون موسى عليه السلام في حجر فرعون يربيه وهو لا يعرفه ويقتل أولاد بني إسرائيل في طلبه فكذلك جائز أن يكون صاحب زماننا موجودا بشخصه بين الناس يدخل مجالسهم ويطأ بسطهم ويمشي في أسواقهم وهم لا يعرفونه إلى أن يبلغ الكتاب أجله.

فقد روي عن الصادق جعفر بن محمد عليه السلام أنه قال في القائم سنة من موسى وسنة من يوسف وسنة من عيسى وسنة من محمد صلى الله عليه وآله وسلم فأما سنة موسى فخائف يترقب وأما سنة يوسف فإن إخوته كانوا يبايعونه ويخاطبونه ولا يعرفونه وأما سنة عيسى فالسياحة وأما سنة محمد صلى الله عليه وآله وسلم فالسيف رد إشكال فكان من الزيادة لخصومنا أن قالوا ما أنكرتم إذ قد ثبت لكم ما ادعيتم من الغيبة كغيبة موسى عليه السلام ومن حل محله من الأئمة الذين وقعت بهم الغيبة أن تكون حجة موسى لم تلزم أحدا إلا من بعد أن أظهر دعوته ودل على نفسه وكذلك لا تلزم حجة إمامكم هذا لخفاء مكانه وشخصه حتى يظهر دعوته ويدل على نفسه كذلك فحينئذ تلزم حجته وتجب طاعته وما بقي في الغيبة فلا تلزم حجته ولا تجب طاعته. فأقول وبالله أستعين إن خصومنا غفلوا عما يلزم من حجة حجج الله في ظهورهم واستتارهم وقد ألزمهم الله تعالى الحجة البالغة في كتابه ولم يتركهم سدى في جهلهم وتخبطهم ولكنهم كما قال الله عز وجل (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) إن الله عز وجل قد أخبرنا في قصة موسى عليه السلام أنه كان له شيعة.

وهم بأمره عارفون وبولايته متمسكون ولدعوته منتظرون قبل إظهار دعوته ومن قبل دلالته على نفسه حيث يقول (ودَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وهذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ) وقال عز وجل حكاية عن شيعته (قالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا ومِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا) فأعلمنا الله عز وجل في كتابه أنه قد كان لموسى عليه السلام شيعة من قبل أن يظهر من نفسه نبوة وقبل أن يظهر له دعوة يعرفونه ويعرفهم بموالاة موسى صاحب الدعوة ولم يكونوا يعرفون أن ذلك الشخص هو موسى بعينه وذلك أن نبوة موسى إنما ظهرت من بعد رجوعه من عند شعيب حين سار بأهله من بعد السنين التي رعى فيها لشعيب حتى استوجب بها أهله فكان دخوله المدينة حين وجد فيها الرجلين قبل مسيره إلى شعيب وكذلك وجدنا مثل نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم قد عرف أقوام أمره قبل ولادته وبعد ولادته وعرفوا مكان خروجه ودار هجرته من قبل أن يظهر من نفسه نبوة ومن قبل ظهور دعوته وذلك مثل سلمان الفارسي رحمه الله ومثل قس بن ساعدة الأيادي ومثل تبع الملك ومثل عبد المطلب وأبي طالب ومثل سيف بن ذي يزن ومثل بحيرى الراهب ومثل كبير الرهبان في طريق الشام ومثل أبي مويهب الراهب ومثل سطيح الكاهن ومثل يوسف اليهودي ومثل ابن حواش الحبر المقبل من الشام ومثل زيد بن عمرو بن نفيل ومثل هؤلاء كثير ممن قد عرف النبي صلى الله عليه وآله وسلم بصفته ونعته واسمه ونسبه قبل مولده وبعد مولده والأخبار في ذلك موجودة عند الخاص والعام وقد أخرجتها مسندة في هذا الكتاب في مواضعها فليس من حجة الله عز وجل نبي ولا وصي إلا وقد حفظ المؤمنون وقت كونه وولادته وعرفوا أبويه ونسبه في كل عصر وزمان حتى لم يشتبه عليهم شي ء من أمر حجج الله عز وجل في ظهورهم وحين استتارهم وأغفل ذلك أهل الجحود والضلال والكنود فلم يكن عندهم علم شي ء من أمرهم وكذلك سبيل صاحب زماننا عليه السلام حفظ أولياؤه المؤمنون من أهل المعرفة والعلم وقته وزمانه وعرفوا علاماته وشواهد أيامه وكونه ووقت ولادته ونسبه فهم على يقين من أمره في حين غيبته ومشهده وأغفل ذلك أهل الجحود والإنكار والعنود وفي صاحب زماننا عليه السلام قال الله عز وجل (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ) وسئل الصادق عليه السلام عن هذه الآية فقال الآيات هم الأئمة والآية المنتظرة هو القائم المهدي عليه السلام فإذا قام لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل قيامه بالسيف وإن آمنت بمن تقدم من آبائه عليهم السلام حدثنا بذلك أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضى الله عنه قال حدثنا علي بن إبراهيم عن أبيه عن محمد بن أبي عمير والحسن بن محبوب عن علي بن رئاب وغيره عن الصادق جعفر بن محمد عليه السلام وتصديق ذلك أن الآيات هم الحجج من كتاب الله عز وجل قول الله تعالى (وجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وأُمَّهُ آيَةً) يعنى حجة وقوله عليه السلام عز وجل لعزير حين أحياه الله من بعد أن أماته مائة سنة (وانْظُرْ إِلى حِمارِكَ ولِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ) يعني حجة فجعله عز وجل حجة على الخلق وسماه آية وإن الناس لما صح لهم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر الغيبة الواقعة بحجة الله تعالى ذكره على خلقه وضع كثير منهم الغيبة غير موضعها أولهم عمر بن الخطاب فإنه قال لما قبض النبي صلى الله عليه وآله وسلم والله ما مات محمد وإنما غاب كغيبة موسى عليه السلام عن قومه وأنه سيظهر لكم بعد غيبته. حدثنا أحمد بن محمد بن الصقر الصائغ العدل قال حدثنا أبو جعفر محمد بن العباس بن بسام قال حدثنا أبو جعفر محمد بن يزداد قال حدثنا نصر بن سيار بن داود الأشعري قال حدثنا محمد بن عبد ربه وعبد الله بن خالد السلولي أنهما قالا حدثنا أبو معشر نجيح المدني قال حدثنا محمد بن قيس ومحمد بن كعب القرظي وعمارة بن غزية وسعيد بن أبي سعيد المقبري وعبد الله بن أبي مليكة وغيرهم من مشيخة أهل المدينة قالوا لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أقبل عمر بن الخطاب يقول والله ما مات محمد وإنما غاب كغيبة موسى عن قومه وأنه سيظهر بعد غيبته فما زال يردد هذا القول ويكرره حتى ظن الناس أن عقله قد ذهب فأتاه أبو بكر وقد اجتمع الناس عليه يتعجبون من قوله فقال اربع على نفسك يا عمر من يمينك التي تحلف بها فقد أخبرنا الله عز وجل في كتابه فقال يا محمد (إِنَّكَ مَيِّتٌ وإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) فقال عمر وإن هذه الآية لفي كتاب الله يا أبا بكر فقال نعم أشهد بالله لقد ذاق محمد الموت ولم يكن عمر جمع القرآن. الكيسانية ثم غلطت الكيسانية بعد ذلك حتى ادعت هذه الغيبة لمحمد بن الحنفية قدس الله روحه حتى أن السيد بن محمد الحميري رضي الله عنه اعتقد ذلك وقال فيه ألا إن الأئمة من قريش ولاة الأمر أربعة سواء علي والثلاثة من بنيه هم أسباطنا والأوصياء فسبط سبط إيمان وبر وسبط قد حوتة كربلاءو سبط لا يذوق الموت حتى يقود الجيش يقدمه اللواء يغيب فلا يرى عنا زمانا برضوى عنده عسل وماء وقال فيه السيد رحمة الله عليه أيضا أيا شعب رضوى ما لمن بك لا يرى فحتى متى يخفى وأنت قريب فلو غاب عنا عمر نوح لأيقنت منا النفوس بأنه سيئوب وقال فيه السيد أيضا ألا حي المقيم بشعب رضوى وأهد له بمنزله السلاماو قل يا ابن الوصي فدتك نفسي أطلت بذلك الجبل المقامافمر بمعشر والوك منا وسموك الخليفة والإمامافما ذاق ابن خولة طعم موت ولا وارت له أرض عظاما فلم يزل السيد ضالا في أمر الغيبة يعتقدها في محمد بن الحنفية حتى لقي الصادق جعفر بن محمد عليه السلام ورأى منه علامات الإمامة وشاهد فيه دلالات الوصية فسأله عن الغيبة فذكر له أنها حق ولكنها تقع في الثاني عشر من الأئمة عليهم السلام وأخبره بموت محمد بن الحنفية وأن أباه شاهد دفنه فرجع السيد عن مقالته واستغفر من اعتقاده ورجع إلى الحق عند اتضاحه له ودان بالإمامة.

حدثنا عبد الواحد بن محمد العطار النيسابوري رضي الله عنه قال حدثنا علي بن محمد قتيبة النيسابوري عن حمدان بن سليمان عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن حيان السراج قال سمعت السيد بن محمد الحميري يقول كنت أقول بالغلو وأعتقد غيبة محمد بن علي ابن الحنفية قد ضللت في ذلك زمانا فمن الله علي بالصادق جعفر بن محمد عليه السلام وأنقذني به من النار وهداني إلى سواء الصراط فسألته بعد ما صح عندي بالدلائل التي شاهدتها منه أنه حجة الله علي وعلى جميع أهل زمانه وأنه الإمام الذي فرض الله طاعته وأوجب الاقتداء به فقلت له يا ابن رسول الله قد روي لنا أخبار عن آبائك عليه السلام في الغيبة وصحة كونها فأخبرني بمن تقع فقال عليه السلام إن الغيبة ستقع بالسادس من ولدي وهو الثاني عشر من الأئمة الهداة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وآخرهم القائم بالحق بقية الله في الأرض وصاحب الزمان والله لو بقي في غيبته ما بقي نوح في قومه لم يخرج من الدنيا حتى يظهر فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما قال السيد فلما سمعت ذلك من مولاي الصادق جعفر بن محمد عليه السلام تبت إلى الله تعالى ذكره على يديه وقلت قصيدتي التي أولها فلما رأيت الناس في الدين قد غووا تجعفرت باسم الله فيمن تجعفرواو ناديت باسم الله والله أكبر وأيقنت أن الله يعفو ويغفرو دنت بدين الله ما كنت دينا به ونهاني سيد الناس جعفرفقلت فهبني قد تهودت برهة وإلا فديني دين من يتنصرو إني إلى الرحمن من ذاك تائب وإني قد أسلمت والله أكبرفلست بغال ما حييت وراجع إلى ما عليه كنت أخفي وأظهرو لا قائل حي برضوى محمد وإن عاب جهال مقالي وأكثرواو لكنه ممن مضى لسبيله على أفضل الحالات يقفي ويخبرمع الطيبين الطاهرين الأولى لهم من المصطفى فرع زكي وعنصر إلى آخر القصيدة وهي طويلة وقلت بعد ذلك قصيدة أخرى أيا راكبا نحو المدينة جسرة عذافرة يطوي بها كل سبسب إذا ما هداك الله عاينت جعفرا فقل لولي الله وابن المهذب ألا يا أمين الله وابن أمينه أتوب إلى الرحمن ثم تأوبي إليك من الأمر الذي كنت مطنبا أحارب فيه جاهدا كل معرب و ما كان قولي في ابن خولة مطنبا معاندة مني لنسل المطيب و لكن روينا عن وصي محمد وما كان فيما قال بالمتكذب بأن ولي الأمر يفقد لا يرى ستيرا كفعل الخائف المترقب فتقسم أموال الفقيد كأنما تغيبه بين الصفيح المنصب فيمكث حينا ثم ينبع نبعة كنبعة جدي من الأفق كوكب يسير بنصر الله من بيت ربه على سودد منه وأمر مسبب يسير إلى أعدائه بلوائه فيقتلهم قتلا كحران مغضب فلما روى أن ابن خولة غائب صرفنا إليه قولنا لم نكذب وقلنا هو المهدي والقائم الذي يعيش به من عدله كل مجدب فإن قلت لا فالحق قولك والذي أمرت فحتم غير ما متعصب و أشهد ربي بأن قولك حجة على الناس طرا من مطيع ومذنب بأن ولي الأمر والقائم الذي تطلع نفسي نحوه بتطرب له غيبة لا بد من أن يغيبها فصلى عليه الله من متغيب فيمكث حينا ثم يظهر حينه فيملك من في شرقها والمغرب بذاك أدين الله سرا وجهرة ولست وإن عوتبت فيه بمعتب وكان حيان السراج الراوي لهذا الحديث من الكيسانية ومتى صح موت محمد بن علي ابن الحنفية بطل أن تكون الغيبة التي رويت في الأخبار واقعة به.

فمما روي في وفاة محمد بن الحنفية رضي الله عنه  ما حدثنا به محمد بن عصام رضي الله عنه قال حدثنا محمد بن يعقوب الكليني قال حدثنا القاسم بن العلاء قال حدثني إسماعيل بن علي القزويني قال حدثني علي بن إسماعيل عن حماد بن عيسى عن الحسين بن المختار قال دخل حيان السراج على الصادق جعفر بن محمد عليه السلام فقال له يا حيان ما يقول أصحابك في محمد بن الحنفية قال يقولون إنه حي يرزق فقال الصادق عليه السلام حدثني أبي عليه السلام أنه كان فيمن عاده في مرضه وفيمن غمضه وأدخله حفرته وزوج نساءه وقسم ميراثه فقال يا أبا عبد الله إنما مثل محمد بن الحنفية في هذه الأمة كمثل عيسى ابن مريم شبه أمره للناس فقال الصادق عليه السلام شبه أمره على أوليائه أو على أعدائه قال بل على أعدائه فقال أ تزعم أن أبا جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام عدو عمه محمد بن الحنفية فقال لا فقال الصادق عليه السلام يا حيان إنكم صدفتم عن آيات الله وقد قال الله تبارك وتعالى (سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ) وقال الصادق عليه السلام ما مات محمد بن الحنفية حتى أقر لعلي بن الحسين عليه السلام وكانت وفاة محمد بن الحنفية سنة أربع وثمانين من الهجرة.

حدثنا أبي رضي الله عنه قال حدثنا أحمد بن إدريس عن محمد بن أحمد بن يحيى عن إبراهيم بن هاشم عن عبد الصمد بن محمد عن حنان بن سدير عن أبي جعفر عليه السلام قال دخلت على محمد بن الحنفية وقد اعتقل لسانه فأمرته بالوصية فلم يجب قال فأمرت بطست فجعل فيه الرمل فوضع فقلت له خط بيدك قال فخط وصيته بيده في الرمل ونسخت أنا في صحيفة إبطال قول الناووسية والواقفة في الغيبة ثم غلطت الناووسية بعد ذلك في أمر الغيبة بعد ما صح وقوعها عندهم بحجة الله على عباده فاعتقدوها جهلا منهم بموضعها في الصادق جعفر بن محمد عليه السلام حتى أبطل الله قولهم بوفاته عليه السلام وبقيام كاظم الغيظ الأواه الحليم الإمام أبي إبراهيم موسى بن جعفر عليه السلام بالأمر مقام الصادق عليه السلام. وكذلك ادعت الواقفية ذلك في موسى بن جعفر عليه السلام فأبطل الله قولهم بإظهار موته وموضع قبره ثم بقيام الرضا عليه السلام لي بن موسى عليه السلام بالأمر بعده وظهور علامات الإمامة فيه مع ورود النصوص عليه من ابائه عليهم السلام فمما روى في وفاة موسى بن جعفر عليه السلام  ما حدثني به محمد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه قال حدثنا أحمد بن محمد بن عمار قال حدثني الحسن بن محمد القطعي عن الحسن بن علي النخاس العدل عن الحسن بن عبد الواحد الخزاز عن علي بن جعفر عن عمر بن واقد قال أرسل إلى السندي بن شاهك في بعض الليل وأنا ببغداد فاستحضرني فخشيت أن يكون ذلك لسوء يريده بي فأوصيت عيالي بما احتجت إليه وقلت إنا لله وإنا إليه راجعون ثم ركبت إليه فلما رآني مقبلا قال يا أبا حفص لعلنا أرعبناك وأفزعناك قلت نعم قال فليس هاهنا إلا خير قلت فرسول تبعثه إلى منزلي يخبرهم خبري فقال نعم ثم قال يا أبا حفص أ تدري لم أرسلت إليك فقلت لا فقال أ تعرف موسى بن جعفر فقلت إي والله إني لأعرفه وبيني وبينه صداقة منذ دهر فقال من هاهنا ببغداد يعرفه ممن يقبل قوله فسميت له أقواما ووقع في نفسي أنه عليه السلام قد مات قال فبعث إليهم وجاء بهم كما جاء بي فقال هل تعرفون قوما يعرفون موسى بن جعفر فسموا له قوما فجاء بهم فأصبحنا ونحن في الدار نيف وخمسون رجلا ممن يعرف موسى وقد صحبه قال ثم قام ودخل وصلينا فخرج كاتبه ومعه طومار فكتب أسماءنا ومنازلنا وأعمالنا وخلانا ثم دخل إلى السندي قال فخرج السندي فضرب يده إلي فقال قم يا أبا حفص فنهضت ونهض أصحابنا ودخلنا وقال لي يا أبا حفص اكشف الثوب عن وجه موسى بن جعفر فكشفته فرأيته ميتا فبكيت واسترجعت ثم قال للقوم انظروا إليه فدنا واحد بعد واحد فنظروا إليه ثم قال تشهدون كلكم أن هذا موسى بن جعفر بن محمد قالوا نعم نشهد أنه موسى بن جعفر بن محمد ثم قال يا غلام اطرح على عورته منديلا واكشفه قال ففعل فقال أ ترون به أثرا تنكرونه فقلنا لا ما نرى به شيئا ولا نراه إلا ميتا قال لا تبرحوا حتى تغسلوه وأكفنه وأدفنه قال فلم نبرح حتى غسل وكفن وحمل فصلى عليه السندي بن شاهك ودفناه ورجعنا فكان عمر بن واقد يقول ما أحد هو أعلم بموسى بن جعفر عليه السلام مني كيف تقولون إنه حي وأنا دفنته  حدثنا عبد الواحد بن محمد العطار رحمه الله قال حدثنا علي بن محمد بن قتيبة عن حمدان بن سليمان النيسابوري عن الحسن بن عبد الله الصيرفي عن أبيه قال توفي موسى بن جعفر عليه السلام في يد السندي بن شاهك فحمل على نعش ونودي عليه هذا إمام الرافضة فاعرفوه فلما أتي به مجلس الشرطة أقام أربعة نفر فنادوا ألا من أراد أن ينظر إلى الخبيث بن الخبيث موسى بن جعفر فليخرج فخرج سليمان بن أبي جعفر من قصره إلى الشط فسمع الصياح والضوضاء فقال لولده وغلمانه ما هذا قالوا السندي بن شاهك ينادي على موسى بن جعفر على نعش فقال لولده وغلمانه يوشك أن يفعل به هذا في الجانب الغربي فإذا عبر به فانزلوا مع غلمانكم فخذوه من أيديهم فإن مانعوكم فاضربوهم واخرقوا ما عليهم من السواد قال فلما عبروا به نزلوا إليهم فأخذوه من أيديهم وضربوهم وخرقوا عليهم سوادهم ووضعوه في مفرق أربع طرق وأقام المنادين ينادون ألا من أراد أن ينظر إلى الطيب بن الطيب موسى بن جعفر فليخرج وحضر الخلق وغسله وحنطه بحنوط وكفنه بكفن فيه حبرة استعملت له بألفي وخمسمائة دينار مكتوبا عليها القرآن كله واحتفى ومشى في جنازته متسلبا مشقوق الجيب إلى مقابر قريش فدفنه عليه السلام هناك وكتب بخبره إلى الرشيد فكتب إلى سليمان بن أبي جعفر وصلت رحمك يا عم وأحسن الله جزاك والله ما فعل السندي بن شاهك لعنه الله ما فعله عن أمرنا  حدثنا أحمد بن زياد الهمداني رضي الله عنه قال حدثنا علي بن إبراهيم عن أبيه إبراهيم بن هاشم عن محمد بن صدقة العنبري قال لما توفي أبو إبراهيم موسى بن جعفر عليه السلام جمع هارون الرشيد شيوخ الطالبية وبني العباس وسائر أهل المملكة والحكام وأحضر أبا إبراهيم موسى بن جعفر عليه السلام فقال هذا موسى بن جعفر قد مات حتف أنفه وما كان بيني وبينه ما أستغفر الله منه في أمره يعني في قتله فانظروا إليه فدخل عليه سبعون رجلا من شيعته فنظروا إلى موسى بن جعفر عليه السلام وليس به أثر جراحة ولا سم ولا خنق وكان في رجله أثر الحناء فأخذه سليمان بن أبي جعفر وتولى غسله وتكفينه واحتفى وتحسر في جنازته حدثنا جعفر بن محمد بن مسرور رحمه الله قال حدثنا الحسين بن محمد بن عامر عن المعلى بن محمد البصري قال حدثني علي بن رباط قال قلت لعلي بن موسى الرضا عليه السلام  إن عندنا رجلا يذكر أن أباك عليه السلام حي وأنك تعلم من ذلك ما تعلم فقال عليه السلام سبحان الله مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يمت موسى بن جعفر بلى والله لقد مات وقسمت أمواله ونكحت جواريه.

ادعاء الواقفة الغيبة على العسكري عليه السلام:

ثم ادعت الواقفة على الحسن بن علي بن محمد عليه السلام أن الغيبة وقعت به لصحة أمر الغيبة عندهم وجهلهم بموضعها وأنه القائم المهدي فلما صحت وفاته عليه السلام بطل قولهم فيه وثبت بالأخبار الصحيحة التي قد ذكرناها في هذا الكتاب أن الغيبة واقعة بابنه عليه السلام دونه فمما روي في صحة وفاة الحسن بن علي بن محمد العسكري عليه السلام.

ما حدثنا به أبي ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنهما قالا حدثنا سعد بن عبد الله قال حدثنا من حضرموت الحسن بن علي بن محمد العسكري عليه السلامودفنه ممن لا يوقف على إحصاء عددهم ولا يجوز على مثلهم التواطؤ بالكذب وبعد فقد حضرنا في شعبان سنة ثمان وسبعين ومائتين وذلك بعد مضي أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلامبثمان عشرة سنة أو أكثر مجلس أحمد بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان وهو عامل السلطان يومئذ على الخراج والضياع بكورة قم وكان من أنصب خلق الله وأشدهم عداوة لهم فجرى ذكر المقيمين من آل أبي طالب بسرمن رأى ومذاهبهم وصلاحهم وأقدارهم عند السلطان فقال أحمد بن عبيد الله ما رأيت ولا عرفت بسرمن رأى رجلا من العلوية مثل الحسن بن علي بن محمد بن علي الرضا عليه السلام  ولا سمعت به في هديه وسكونه وعفافه ونبله وكرمه عند أهل بيته والسلطان وجميع بني هاشم وتقديمهم إياه على ذوي السن منهم والخطر وكذلك القواد والوزراء والكتاب وعوام الناس فإني كنت قائما ذات يوم على رأس أبي وهو يوم مجلسه للناس إذ دخل عليه حجابه فقالوا له إن ابن الرضا عليه السلام لى الباب فقال بصوت عال ائذنوا له فدخل رجل أسمر أعين حسن القامة جميل الوجه جيد البدن حدث السن له جلالة وهيبة فلما نظر إليه أبي قام فمشى إليه خطى ولا أعلمه فعل هذا بأحد من بني هاشم ولا بالقواد ولا بأولياء العهد فلما دنا منه عانقه وقبل وجهه ومنكبيه وأخذ بيده فأجلسه على مصلاه الذي كان عليه وجلس إلى جنبه مقبلا عليه بوجهه وجعل يكلمه ويكنيه ويفديه بنفسه وبأبويه وأنا متعجب مما أرى منه إذ دخل عليه الحجاب فقالوا الموفق قد جاء وكان الموفق إذا جاء ودخل على أبي تقدم حجابه وخاصة قواده فقاموا بين مجلس أبي وبين باب الدار سماطين إلى أن يدخل ويخرج فلم يزل أبي مقبلا عليه يحدثه حتى نظر إلى غلمان الخاصة فقال حينئذ إذا شئت فقم جعلني الله فداك يا أبا محمد ثم قال لغلمانه خذوا به خلف السماطين كيلا يراه الأمير يعني الموفق فقام وقام أبي فعانقه وقبل وجهه ومضى فقلت لحجاب أبي وغلمانه ويلكم من هذا الذي فعل به أبي هذا الذي فعل فقالوا هذا رجل من العلوية يقال له الحسن بن علي يعرف بابن الرضا فازددت تعجبا فلم أزل يومي ذلك قلقا متفكرا في أمره وأمر أبي وما رأيت منه حتى كان الليل وكانت عادته أن يصلي العتمة ثم يجلس فينظر فيما يحتاج إليه من المؤامرات وما يرفعه إلى السلطان فلما صلى وجلس جئت فجلست بين يديه فقال يا أحمد أ لك حاجة فقلت نعم يا أبة إن أذنت سألتك عنها فقال قد أذنت لك يا بني فقل ما أحببت فقلت له يا أبة من كان الرجل الذي أتاك بالغداة وفعلت به ما فعلت من الإجلال والإكرام والتبجيل وفديته بنفسك وبأبويك فقال يا بني ذاك إمام الرافضة ذاك ابن الرضا فسكت ساعة فقال يا بني لو زالت الخلافة عن خلفاء بني العباس ما استحقها أحد من بني هاشم غير هذا فإن هذا يستحقها في فضله وعفافه وهديه وصيانة نفسه وزهده وعبادته وجميل أخلاقه وصلاحه ولو رأيت أباه لرأيت رجلا جليلا نبيلا خيرا فاضلا فازددت قلقا وتفكرا وغيظا على أبي مما سمعت منه فيه ولم يكن لي همة بعد ذلك إلا السؤال عن خبره والبحث عن أمره فما سألت عنه أحدا من بني هاشم ومن القواد والكتاب والقضاة والفقهاء وسائر الناس إلا وجدته عندهم في غاية الإجلال والإعظام والمحل الرفيع والقول الجميل والتقديم له على جميع أهل بيته ومشايخه وغيرهم وكل يقول هو إمام الرافضة فعظم قدره عندي إذ لم أر له وليا ولا عدوا إلا وهو يحسن القول فيه والثناء عليه فقال له بعض أهل المجلس من الأشعريين يا أبا بكر فما خبر أخيه جعفر فقال ومن جعفر فيسأل عن خبره أو يقرن به إن جعفرا معلن بالفسق ماجن شريب للخمور وأقل من رأيته من الرجال وأهتكهم لستره فدم خمار قليل في نفسه خفيف والله لقد ورد على السلطان وأصحابه في وقت وفاة الحسن بن علي عليه السلام ما تعجبت منه وما ظننت أنه يكون وذلك أنه لما اعتل بعث إلى أبي أن ابن الرضا قد اعتل فركب من ساعته مبادرا إلى دار الخلافة ثم رجع مستعجلا ومعه خمسة نفر من خدام أمير المؤمنين كلهم من ثقاته وخاصته فمنهم نحرير وأمرهم بلزوم دار الحسن بن علي عليه السلام وتعرف خبره وحاله وبعث إلى نفر من المتطببين فأمرهم بالاختلاف إليه وتعاهده صباحا ومساء فلما كان بعد ذلك بيومين جاءه من أخبره أنه قد ضعف فركب حتى بكر إليه ثم أمر المتطببين بلزومه وبعث إلى قاضي القضاة فأحضره مجلسه وأمره أن يختار من أصحابه عشرة ممن يوثق به في دينه وأمانته وورعه فأحضرهم فبعث بهم إلى دار الحسن عليه السلام وأمرهم بلزوم داره ليلا ونهارا فلم يزالوا هناك حتى توفي عليه السلام لأيام مضت من شهر ربيع الأول من سنة ستين ومائتين  فصارت سرمن رأى ضجة واحدة مات ابن الرضا وبعث السلطان إلى داره من يفتشها ويفتش حجرها وختم على جميع ما فيها وطلبوا أثر ولده وجاءوا بنساء يعرفن بالحبل فدخلن على جواريه فنظرن إليهن فذكر بعضهن أن هناك جارية بها حمل فأمر بها فجعلت في حجرة ووكل بها نحرير الخادم وأصحابه ونسوة معهم ثم أخذوا بعد ذلك في تهيئته وعطلت الأسواق وركب أبي وبنو هاشم والقواد والكتاب وسائر الناس إلى جنازته عليه السلام فكانت سر من رأى يومئذ شبيها بالقيامة فلما فرغوا من تهيئته بعث السلطان إلى أبي عيسى بن المتوكل فأمره بالصلاة عليه فلما وضعت الجنازة للصلاة دنا أبو عيسى منها فكشف عن وجهه فعرضه على بني هاشم من العلوية والعباسية والقواد والكتاب والقضاة والفقهاء والمعدلين وقال هذا الحسن بن علي بن محمد ابن الرضا مات حتف أنفه على فراشه حضره من خدم أمير المؤمنين وثقاته فلان وفلان ومن المتطببين فلان وفلان ومن القضاة فلان وفلان ثم غطى وجهه وقام فصلى عليه وكبر عليه خمسا وأمر بحمله فحمل من وسط داره ودفن في البيت الذي دفن فيه أبوه عليه السلام فلما دفن وتفرق الناس اضطرب السلطان وأصحابه في طلب ولده وكثر التفتيش في المنازل والدور وتوقفوا على قسمة ميراثه ولم يزل الذين وكلوا بحفظ الجارية التي توهموا عليها الحبل ملازمين لها سنتين وأكثر حتى تبين لهم بطلان الحبل فقسم ميراثه بين أمه وأخيه جعفر وادعت أمه وصيته وثبت ذلك عند القاضي والسلطان على ذلك يطلب أثر ولده فجاء جعفر بعد قسمة الميراث إلى أبي وقال له اجعل لي مرتبة أبي وأخي وأوصل إليك في كل سنة عشرين ألف دينار مسلمة فزبره أبي وأسمعه وقال له يا أحمق إن السلطان أعزه الله جرد سيفه وسوطه في الذين زعموا أن أباك وأخاك أئمة ليردهم عن ذلك فلم يقدر عليه ولم يتهيأ له صرفهم عن هذا القول فيهما وجهد أن يزيل أباك وأخاك عن تلك المرتبة فلم يتهيأ له ذلك فإن كنت عند شيعة أبيك وأخيك إماما فلا حاجة بك إلى السلطان يرتبك مراتبهم ولا غير السلطان وإن لم تكن عندهم بهذه المنزلة لم تنلها بنا واستقله أبي عند ذلك واستضعفه وأمر أن يحجب عنه فلم يأذن له بالدخول عليه حتى مات أبي وخرجنا والأمر على تلك الحال والسلطان يطلب أثر ولد الحسن بن علي عليه السلام حتى اليوم وكيف يصح الموت إلا هكذا وكيف يجوز رد العيان وتكذيبه وإنما كان السلطان لا يفتر عن طلب الولد لأنه قد كان وقع في مسامعه خبره وقد كان ولد عليه السلام قبل موت أبيه بسنين وعرضه على أصحابه وقال لهم  هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم أطيعوه فلا تتفرقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم أما إنكم لن تروه بعد يومكم هذا فغيبه ولم يظهره فلذلك لم يفتر السلطان عن طلبه. وقد روي أن صاحب هذا الأمر هو الذي تخفى ولادته على الناس ويغيب عنهم شخصه لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج وأنه هو الذي يقسم ميراثه وهو حي وقد أخرجت ذلك مسندا في هذا الكتاب في موضعه وقد كان مرادنا بإيراد هذا الخبر تصحيحا لموت الحسن بن علي عليه السلام فلما بطل وقوع الغيبة لمن ادعيت له من محمد بن علي ابن الحنفية والصادق جعفر بن محمد وموسى بن جعفر والحسن بن علي العسكري عليه السلامبما صح من وفاتهم فصح وقوعها بمن نص عليه النبي والأئمة الأحد عشر صلى الله عليه وآله وسلم وهو الحجة بن الحسن بن علي بن محمد العسكري عليه السلام وقد أخرجت الأخبار المسندة في ذلك الكتاب في أبواب النصوص عليه صلى الله عليه وآله وسلم.

وكل من سألنا من المخالفين عن القائم عليه السلام لم يخل من أن يكون قائلا بإمامة الأئمة الأحد عشر من آبائه عليهم السلام أو غير قائل بإمامتهم فإن كان قائلا بإمامتهم لزمه القول بإمامة الإمام الثاني عشر لنصوص آبائه الأئمة عليهم السلام عليه باسمه ونسبه وإجماع شيعتهم على القول بإمامته وأنه القائم الذي يظهر بعد غيبة طويلة فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما وإن لم يكن السائل من القائلين بالأئمة الأحد عشر عليهم السلام لم يكن له علينا جواب في القائم الثاني عشر من الائمة عليهم السلام وكان الكلام بيننا وبينه في إثبات إمامة آبائه الأئمة الأحد عشر عليهم السلام وهكذا لو سألنا يهودي فقال لنا لم صارت الظهر أربعا والعصر أربعا والعتمة أربعا والغداة ركعتين والمغرب ثلاثا لم يكن له علينا في ذلك جواب بل لنا أن نقول له إنك منكر لنبوة النبي الذي أتى بهذه الصلوات وعدد ركعاتها فكلمنا في نبوته وإثباتها فإن بطلت بطلت هذه الصلوات وسقط السؤال عنها وإن ثبتت نبوته صلى الله عليه وآله وسلم لزمك الإقرار بفرض هذه الصلوات على عدد ركعاتها لصحة مجيئها عنه واجتماع أمته عليها عرفت علتها أم لم تعرفها وهكذا الجواب لمن سأل عن القائم عليه السلام حذو النعل بالنعل.

جواب عن اعتراض وقد يعترض معترض جاهل بآثار الحكمة غافل عن مستقيم التدبير لأهل الملة بأن يقول ما بال الغيبة وقعت بصاحب زمانكم هذا دون من تقدم من آبائه الأئمة بزعمكم وقد نجد شيعة آل محمد عليه السلام في زماننا هذا أحسن حالا وأرغد عيشا منهم في زمن بني أمية إذ كانوا في ذلك الزمان مطالبين بالبراءة من امير المؤمنين عليه السلام إلى غير ذلك من أحوال القتل والتشريد وهم في هذا الحال وادعون سالمون قد كثرت شيعتهم وتوافرت أنصارهم وظهرت كلمتهم بموالاة كبراء أهل الدولة لهم وذوي السلطان والنجدة منهم. فأقول وبالله التوفيق إن الجهل غير معدوم من ذوي الغفلة وأهل التكذيب والحيرة وقد تقدم من قولنا إن ظهور حجج الله عليهم السلام واستتارهم جرى في وزن الحكمة حسب الإمكان والتدبير لأهل الإيمان وإذا كان ذلك كذلك فليقل ذوو النظر والتمييز إن الأمر الآن وإن كان الحال كما وصفت أصعب والمحنة أشد مما تقدم من أزمنة الأئمة السالفة عليهم السلام وذلك أن الأئمة الماضية أسروا في جميع مقاماتهم إلى شيعتهم والقائلين بولايتهم والمائلين من الناس إليهم حتى تظاهر ذلك بين أعدائهم أن صاحب السيف هو الثاني عشر من الائمة عليهم السلام وأنه عليه السلام لا يقوم حتى تجي ء صيحة من السماء باسمه واسم أبيه والأنفس منيته على نشر ما سمعت وإذاعة ما أحست فكان ذلك منتشرا بين شيعة آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعند مخالفيهم من الطواغيت وغيرهم وعرفوا منزلة أئمتهم من الصدق ومحلهم من العلم والفضل وكانوا يتوقفون عن التسرع إلى إتلافهم ويتحامون القصد لإنزال المكروه بهم مع ما يلزم من حال التدبير في إيجاب ظهورهم كذلك ليصل كل امرئ منهم إلى ما يستحقه من هداية أو ضلالة كما قال الله تعالى (مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ ومَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً) وقال الله عز وجل (ولَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وكُفْراً فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) وهذا الزمان قد استوفى أهله كل إشارة من نص وآثار فتناهت بهم الأخبار واتصلت بهم الآثار إلى أن صاحب هذا الزمان عليه السلام هو صاحب السيف والأنفس منيته على ما وصفنا من نشر ما سمعت وذكر ما رأت وشاهدت فلو كان صاحب هذا الزمان عليه السلام ظاهرا موجودا لنشر شيعته ذلك ولتعداهم إلى مخالفيهم بحسن ظن بعضهم بمن يدخل فيهم ويظهر الميل إليهم وفي أوقات الجدال بالدلالة على شخصه والإشارة إلى مكانه كفعل هشام بن الحكم مع الشامي وقد ناظره بحضرة الصادق عليه السلام فقال الشامي لهشام من هذا الذي تشير إليه وتصفه بهذه الصفات قال هشام هو هذا وأشار بيده إلى الصادق عليه السلام فكان يكون ذلك منتشرا في مجالسهم كانتشاره بينهم مع إشارتهم إليه بوجود شخصه ونسبه ومكانه ثم لم يكونوا حينئذ يمهلون ولا ينظرون كفعل فرعون في قتل أولاد بني إسرائيل للذي قد كان ذاع منهم وانتشر بينهم من كون موسى عليه السلام بينهم وهلاك فرعون ومملكته على يديه وكذلك كان فعل نمرود قبله في قتل أولاد رعيته وأهل مملكته في طلب ابراهيم عليه السلام زمان انتشار الخبر بوقت ولادته وكون هلاك نمرود وأهل مملكته ودينه على يديه كذلك طاغية زمان وفاة الحسن بن علي عليه السلام والد صاحب الزمان عليه السلام وطلب ولده والتوكيل بداره وحبس جواريه وانتظاره بهن وضع الحمل الذي كان بهن فلو لا أن إرادتهم كانت ما ذكرنا من حال إبراهيم وموسى عليه السلام لما كان ذلك منهم وقد خلف عليه السلام أهله وولده وقد علموا من مذهبه ودينه أن لا يرث مع الولد والأبوين أحد إلا زوج أو زوجة كلا ما يتوهم غير هذا عاقل ولا فهم غير هذا مع ما وجب من التدبير والحكمة المستقيمة ببلوغ غاية المدة في الظهور والاستتار فإذا كان ذلك كذلك وقعت الغيبة فاستتر عنهم شخصه وضلوا عن معرفة مكانه ثم نشر ناشر من شيعته شيئا من أمره بما وصفناه وصاحبكم في حال الاستتار فوردت عادية من طاغوت الزمان أو صاحب فتنة من العوام تفحص عما ورد من الاستتار وذكر من الأخبار فلم يجد حقيقة يشار إليها ولا شبهة يتعلق بها انكسرت العادية وسكنت الفتنة وتراجعت الحمية فلا يكون حينئذ على شيعته ولا على شي ء من أشيائهم لمخالفيهم متسلق ولا إلى اصطلامهم سبيل متعلق وعند ذلك تخمد النائرة وترتدع العادية فتظاهر أحوالهم عند الناظر في شأنهم ويتضح للمتأمل أمرهم ويتحقق المؤمن المفكر في مذهبهم فيلحق بأولياء الحجة من كان في حيرة الجهل وينكشف عنهم ران الظلمة عند مهلة التأمل للحق بيناته وشواهد علاماته كحال اتضاحه وانكشافه عند من يتأمل كتابنا هذا مريدا للنجاة هاربا من سبل الضلالة ملتحقا بمن سبقت لهم من الله الحسنى فآثر على الضلالة الهدى.

جواب عن اعتراض آخر ومما سأل عنه جهال المعاندين للحق أن قالوا أخبرونا عن الإمام في هذا الوقت يدعي الإمامة أم لا يدعيها ونحن نصير إليه فنسأله عن معالم الدين فإن كان يجيبنا ويدعي الإمامة علمنا أنه الإمام وإن كان لا يدعي الإمامة ولا يجيبنا إذا صرنا إليه فهو ومن ليس بإمام سواء فقيل لهم قد دل على إمام زماننا الصادق الذي قبله وليست به حاجة إلى أن يدعي هو أنه إمام إلا أن يقول ذلك على سبيل الإذكار والتأكيد فأما على سبيل الدعوى التي تحتاج إلى برهان فلا لأن الصادق الذي قبله قد نص عليه وبين أمره وكفاه مئونة الادعاء والقول في ذلك نظير قولنا في علي بن ابي طالب عليه السلام في نص النبي صلى الله عليه وآله وسلم واستغنائه عن أن يدعي هو لنفسه أنه إمام فأما إجابته إياكم عن معالم الدين فإن جئتموه مسترشدين متعلمين عارفين بموضعه مقرين بإمامته عرفكم وعلمكم وإن جئتموه أعداء له مرصدين بالسعاية إلى أعدائه منطوين على مكروهة عند أعداء الحق متعرفين مستور أمور الدين لتذيعوه لم يجبكم لأنه يخاف على نفسه منكم فمن لم يقنعه هذا الجواب قلبنا عليه السؤال في النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو في الغار أن لو أراد الناس أن يسألوه عن معالم الدين هل كانوا يلقونه ويصلون إليه أم لا فإن كانوا يصلون إليه فقد بطل أن يكون استتاره في الغار وإن كانوا لا يصلون إليه فسواء وجوده في العالم وعدمه على علتكم فإن قلتم إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان متوقيا قيل وكذلك الامام عليه السلام في هذا الوقت متوق فإن قلتم إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك قد ظهر ودعا إلى نفسه قلنا وما في ذلك من الفرق أ ليس قد كان نبيا قبل أن يخرج من الغارويظهر وهو في الغار مستتر ولم ينقض ذلك نبوته وكذلك الإمام يكون إماما وإن كان يستتر بإمامته ممن يخافه على نفسه ويقال لهم ما تقولون في أفاضل أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم والمتقدم في الصدق منهم لو لقيتهم كتيبة المشركين يطلبون نفس النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلم يعرفوه فسألوهم عنه هل هو هذا وهو بين أيديهم أو كيف أخفي وأين هو فقالوا ليس نعرف موضعه أو ليس هو هذا هل كانوا في ذلك كاذبين مذمومين غير صادقين ولا محمودين أم لا فإن قلتم كاذبين خرجتم من دين الإسلام بتكذيبكم أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإن قلتم لا يكون ذلك كذلك لأنهم يكونون قد حرفوا كلامهم وأضمروا معنى أخرجهم من الكذب وإن كان ظاهره ظاهر كذب فلا يكونون مذمومين بل محمودين لأنهم دفعوا عن نفس النبي صلى الله عليه وآله وسلم القتل. قيل لهم وكذلك الإمام إذا قال لست بإمام ولم يجب أعداءه عما يسألونه عنه لا يزيل ذلك إمامته لأنه خائف على نفسه وإن أبطل جحده لأعدائه أنه إمام في حال الخوف إمامته أبطل على أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يكونوا صادقين في إجابتهم المشركين بخلاف ما علموه عند الخوف وإن لم يزل ذلك صدق الصحابة لم يزل أيضا ستر الإمام نفسه إمامته ولا فرق في ذلك ولو أن رجلا مسلما وقع في أيدي الكفار وكانوا يقتلون المسلمين إذا ظفروا بهم فسألوه هل أنت مسلم فقال لا لم يكن ذلك بمخرج له من الإسلام فكذلك الإمام إذا جحد عند أعدائه ومن يخافه على نفسه أنه إمام لم يخرجه ذلك من الإمامة. فإن قالوا إن المسلم لم يجعل في العالم ليعلم الناس ويقيم الحدود فلذلك افترق حكماهما ووجب أن لا يستر الإمام نفسه. قيل لهم لم نقل إن الإمام يستر نفسه عن جميع الناس لأن الله عز وجل قد نصبه وعرف الخلق مكانه بقول الصادق الذي قبله فيه ونصبه له وإنما قلنا إن الإمام لا يقر عند أعدائه بذلك خوفا منهم أن يقتلوه فأما أن يكون مستورا عن جميع الخلق فلا لأن الناس جميعا لو سألوا عن إمام الإمامية من هو لقالوا فلان بن فلان مشهور عند جميع الأمة وإنما تكلمنا في أنه هل يقر عند أعدائه أم لا يقر وعارضناكم باستتار النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الغار وهو مبعوث معه المعجزات وقد أتى بشرع مبتدع ونسخ كل شرع قبله وأريناكم أنه إذا خاف كان له أن يجحد عند أعدائه أنه إمام ولا يجيبهم إذا سألوه ولا يخرجه ذلك من أن يكون إماما ولا فرق في ذلك فإن قالوا فإذا جوزتم للإمام أن يجحد إمامته أعداءه عند الخوف فهل يجوز للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يجحد نبوته عند الخوف من أعدائه قيل لهم قد فرق قوم من أهل الحق بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبين الإمام بأن قالوا إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو الداعي إلى رسالته والمبين للناس ذلك بنفسه فإذا جحد ذلك وأنكره للتقية بطلت الحجة ولم يكن أحد يبين عنه والإمام قد قام له النبي صلى الله عليه وآله وسلم بحجته وأبان أمره فإذا سكت أو جحد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد كفاه ذلك وليس هذا جوابنا ولكنا نقول إن حكم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحكم الإمام سيان في التقية إذا كان قد صدع بأمر الله عز وجل وبلغ رسالته وأقام المعجزات فأما قبل ذلك فلا وقد محا النبي صلى الله عليه وآله وسلم اسمه من الصحيفة في صلح الحديبية حين أنكر سهيل بن عمرو وحفص بن الأحنف نبوته فقال لعلي عليه السلام امحه واكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله فلم يضر ذلك نبوته إذا كانت الأعلام في البراهين قد قامت له بذلك من قبل وقد قبل الله عز وجل عذر عمار حين حمله المشركون على سب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأرادوا قتله فسبه فلما رجع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال قد أفلح الوجه يا عمار قال ما أفلح وقد سببتك يا رسول الله فقال عليه السلام أ ليس قلبك مطمئن بالإيمان قال بلى يا رسول الله فأنزل الله تبارك وتعالى (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) والقول في ذلك ينافي الشريعة من إجازة ذلك في وقت وحظره في وقت آخر وإذا جاز للإمام أن يجحد إمامته ويستر أمره جاز أن يستر شخصه متى أوجبت الحكمة غيبته وإذا جاز أن يغيب يوما لعلة موجبة جاز سنة وإذا جاز سنة جاز مائة سنة وإذا جاز مائة سنة جاز أكثر من ذلك إلى الوقت الذي توجب الحكمة ظهوره كما أوجبت غيبته ولا قوة إلا بالله. ونحن نقول مع ذلك إن الإمام لا يأتي جميع ما يأتيه من اختفاء وظهور وغيرهما إلا بعهد معهود إليه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما قد وردت به الأخبار عن أئمتنا عليهم السلام.

حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه قال حدثنا علي بن إبراهيم عن أبيه عن عبد السلام بن صالح الهروي عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام ن أبيه عن آبائه عن علي عليه السلام قال قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم والذي بعثني بالحق بشيرا ليغيبن القائم من ولدي بعهد معهود إليه مني حتى يقول أكثر الناس ما لله في آل محمد حاجة ويشك آخرون في ولادته فمن أدرك زمانه فليتمسك بدينه ولا يجعل للشيطان إليه سبيلا بشكه فيزيله عن ملتي ويخرجه من ديني فقد أخرج أبويكم من الجنة من قبل وإن الله عز وجل جعل الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون.

اعتراضات لابن بشار وقد تكلم علينا أبو الحسن علي بن أحمد بن بشار في الغيبة وأجابه أبو جعفر محمد بن عبد الرحمن بن قبة الرازي وكان من كلام علي بن أحمد بن بشار علينا في ذلك أن قال في كتابه أقول إن كل المبطلين أغنياء عن تثبيت إنية من يدعون له وبه يتمسكون وعليه يعكفون ويعطفون لوجود أعيانهم وثبات إنياتهم وهؤلاء يعني أصحابنا فقراء إلى ما قد غني عنه كل مبطل سلف من تثبيت إنية من يدعون له وجوب الطاعة فقد افتقروا إلى ما قد غني عنه سائر المبطلين واختلفوا بخاصة ازدادوا بها بطلانا وانحطوا بها عن سائر المبطلين لأن الزيادة من الباطل تحط والزيادة من الخير تعلو والحمد لله رب العالمين. ثم قال وأقول قولا تعلم فيه الزيادة على الإنصاف منا وإن كان ذلك غير واجب علينا أقول إنه معلوم أنه ليس كل مدع ومدعى له بمحق وإن كل سائل لمدع تصحيح دعواه بمنصف وهؤلاء القوم ادعوا أن لهم من قد صح عندهم أمره ووجب له على الناس الانقياد والتسليم وقد قدمنا أنه ليس كل مدع ومدعى له بواجب له التسليم ونحن نسلم لهؤلاء القوم الدعوى ونقر على أنفسنا بالإبطال وإن كان ذلك في غاية المحال بعد أن يوجدونا إنية المدعى له ولا نسألهم تثبيت الدعوى فإن كان معلوما أن في هذا أكثر من الإنصاف فقد وفينا بما قلنا فإن قدروا عليه فقد أبطلوا وإن عجزوا عنه فقد وضح ما قلناه من زيادة عجزهم عن تثبيت ما يدعون على عجز كل مبطل عن تثبيت دعواه وأنهم مختصون من كل نوع من الباطل بخاصة يزدادون بها انحطاطا عن المبطلين أجمعين لقدرة كل مبطل سلف على تثبيت دعواه إنية من يدعون له وعجز هؤلاء عما قدر عليه كل مبطل إلا ما يرجعون إليه من قولهم إنه لا بد ممن تجب به حجة الله عز وجل وأجل لا بد من وجوده فضلا عن كونه فأوجدونا الإنية من دون إيجاد الدعوى. ولقد خبرت عن أبي جعفر بن أبي غانم أنه قال لبعض من سأله فقال بم تحاج الذين كنت تقول ويقولون إنه لا بد من شخص قائم من أهل هذا البيت قال له أقول لهم هذا جعفر. فيا عجبا أ يخصم الناس بمن ليس هو بمخصوم وقد كان شيخ في هذه الناحية رحمه الله يقول قد وسمت هؤلاء باللابدية أي أنه لا مرجع لهم ولا معتمد إلا إلى أنه لا بد من أن يكون هذا الذي ليس في الكائنات فوسمهم من أجل ذلك ونحن نسميهم بها أي أنهم دون كل من له بد يعكف عليه إذ كان أهل الأصنام التي أحدها البد قد عكفوا على موجود وإن كان باطلا وهم قد تعلقوا بعدم ليس وباطل محض وهم اللابدية حقا أي لا بد لهم يعكفون عليه إذ كان كل مطاع معبود وقد وضح ما قلنا من اختصاصهم من كل نوع الباطل بخاصة يزدادون بها انحطاطا والحمد لله. ثم قال نختم الآن هذا الكتاب بأن نقول إنما نناظر ونخاطب من قد سبق منه الإجماع على أنه لا بد من إمام قائم من أهل هذا البيت تجب به حجة الله ويسد به فقر الخلق وفاقتهم ومن لم يجتمع معنا على ذلك فقد خرج من النظر في كتابنا فضلا عن مطالبتنا به ونقول لكل من اجتمع معنا على هذا الأصل من الذي قدمنا في هذا الموضع كنا وإياكم قد أجمعنا على أنه لا يخلو أحد من بيوت هذه الدار من سراج زاهر فدخلنا الدار فلم نجد فيها إلا بيتا واحدا فقد وجب وصح أن في ذلك البيت سراجا والحمد لله رب العالمين فأجابه أبو جعفر محمد بن عبد الرحمن بن قبة الرازي بأن قال إنا نقول وبالله التوفيق ليس الإسراف في الادعاء والتقول على الخصوم مما يثبت بهما حجة ولو كان ذلك كذلك لارتفع الحجاج بين المختلفين واعتمد كل واحد على إضافة ما يخطر بباله من سوء القول إلى مخالفه وعلى ضد هذا بني الحجاج ووضع النظر والإنصاف أولى ما يعامل به أهل الدين وليس قول أبي الحسن ليس لنا ملجأ نرجع إليه ولا قيما نعطف عليه ولا سندا نتمسك بقوله حجة لأن دعواه هذا مجرد من البرهان والدعوى إذا انفردت عن البرهان كانت غير مقبول عند ذوي العقول والألباب ولسنا نعجز عن أن نقول بلى لنا والحمد لله من نرجع إليه ونقف عند أمره ومن كان ثبتت حجته وظهرت أدلته فإن قلت فأين ذلك دلونا عليه قلنا كيف تحبون أن ندلكم عليه أ تسألوننا أن نأمره أن يركب ويصير إليكم ويعرض نفسه عليكم أو تسألونا أن نبني له دارا ونحوله إليها ونعلم بذلك أهل الشرق والغرب فإن رمتم ذلك فلسنا نقدر عليه ولا ذلك بواجب عليه فإن قلتم من أي وجه تلزمنا حجته وتجب علينا طاعته قلنا إنا نقر أنه لا بد من رجل من ولد أبي الحسن علي بن محمد العسكري عليه السلام تجب به حجة الله دللناكم على ذلك حتى نضطركم إليه إن أنصفتم من أنفسكم وأول ما يجب علينا وعليكم أن لا نتجاوز ما قد رضي به أهل النظر واستعملوه ورأوا أن من حاد عن ذلك فقد ترك سبيل العلماء وهو أنا لا نتكلم في فرع لم يثبت أصله وهذا الرجل الذي تجحدون وجوده فإنما يثبت له الحق بعد أبيه وأنتم قوم لا تخالفونا في وجود أبيه فلا معنى لترك النظر في حق أبيه والاشتغال بالنظر معكم في وجوده فإنه إذا ثبت الحق لأبيه فهذا ثابت ضرورة عند ذلك بإقراركم وإن بطل أن يكون الحق لأبيه فقد آل الأمر إلى ما تقولون وقد أبطلنا وهيهات لن يزداد الحق إلا قوة ولا الباطل إلا وهنا وإن زخرفه المبطلون والدليل على صحة أمر أبيه أنا وإياكم مجمعون على أنه لا بد من رجل من ولد أبي الحسن تثبت به حجة الله وينقطع به عذر الخلق وأن ذلك الرجل تلزم حجته من نأى عنه من أهل الإسلام كما تلزم من شاهده وعاينه ونحن وأكثر الخلق ممن قد لزمتنا الحجة من غير مشاهدة فننظر في الوجه الذي لزمتنا منه الحجة ما هي ثم ننظر من أولى من الرجلين اللذين لا عقب لأبي الحسن غيرهما فأيهما كان أولى فهو الحجة والإمام ولا حاجة بنا إلى التطويل ثم نظرنا من أي وجه تلزم الحجة من نأى عن الرسل والائمة عليهم السلام فإذا ذلك بالأخبار التي توجب الحجة وتزول عن ناقليها تهمة التواطؤ عليها والإجماع على تخرصها ووضعها ثم فحصنا عن الحال فوجدنا فريقين ناقلين يزعم أحدهما أن الماضي نص على الحسن عليه السلام وأشار إليه ويروون مع الوصية وما له من خاصة الكبر أدلة يذكرونها وعلما يثبتونه ووجدنا الفريق الآخر يروون مثل ذلك لجعفر لا يقول غير هذا فإنه أولى بنا نظرنا فإذا الناقل لأخبار جعفر جماعة يسيرة والجماعة اليسيرة يجوز عليها التواطؤ والتلاقي والتراسل فوقع نقلهم موقع شبهة لا موقع حجة وحجج الله لا تثبت بالشبهات ونظرنا في نقل الفريق الآخر فوجدناهم جماعات متباعدي الديار والأقطار مختلفي الهمم والآراء متغايرين فالكذب لا يجوز عليهم لنأي بعضهم عن بعض ولا التواطؤ ولا التراسل والاجتماع على تخرص خبر ووضعه فعلمنا أن النقل الصحيح هو نقلهم وأن المحق هؤلاء ولأنه إن بطل ما قد نقله هؤلاء على ما وصفنا من شأنهم لم يصح خبر في الأرض وبطلت الأخبار كلها فتأمل وفقك الله في الفريقين فإنك تجدهم كما وصفت وفي بطلان الأخبار هدم الإسلام وفي تصحيحها تصحيح خبرنا وفي ذلك دليل على صحة أمرنا والحمد لله رب العالمين. ثم رأيت الجعفرية تختلف في إمامة جعفر من أي وجه تجب فقال قوم بعد أخيه محمد وقال قوم بعد أخيه الحسن وقال قوم بعد أبيه ورأيناهم لا يتجاوزون ذلك ورأينا أسلافهم وأسلافنا قد رووا قبل الحادث ما يدل على إمامة الحسن وهو ما  روي عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا توالت ثلاثة أسماء محمد وعلي والحسن فالرابع القائم وغير ذلك من الروايات وهذه وحدها توجب الإمامة للحسن وليس إلا الحسن وجعفر فإذا لم تثبت لجعفر حجة على من شاهده في أيام الحسن والإمام ثابت الحجة على من رآه ومن لم يره فهو الحسن اضطرارا وإذا ثبت الحسن عليه السلام وجعفر عندكم مبرأ تبرأ منه والإمام لا يتبرأ من الإمام والحسن قد مضى ولا بد عندنا وعندكم من رجل من ولد الحسن عليه السلام تثبت به حجة الله فقد وجب بالاضطرار للحسن ولد قائم عليه السلام. وقل يا أبا جعفر أسعدك الله لأبي الحسن أعزه الله يقول محمد بن عبد الرحمن قد أوجدناك إنية المدعى له فأين المهرب هل تقر على نفسك بالإبطال كما ضمنت أو يمنعك الهوى من ذلك فتكون كما قال الله تعالى (وإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ). فأما ما وسم به أهل الحق من اللابدية لقولهم لا بد ممن تجب به حجة الله فيا عجبا فلا يقول أبو الحسن لا بد ممن تجب به حجة الله وكيف لا يقول وقد قال عند حكايته عنا وتعييره إيانا أجل لا بد من وجوده فضلا عن كونه فإن كان يقول ذلك فهو وأصحابه من اللابدية وإنما وسم نفسه وعاب إخوانه وإن كان لا يقول ذلك فقد كفينا مئونة تنظيره ومثله بالبيت والسراج وكذا يكون حال من عاند أولياء الله يعيب نفسه من حيث يرى أنه يعيب خصمه والحمد لله المؤيد للحق بأدلته ونحن نسمي هؤلاء بالبدية إذ كانوا عبدة البد قد عكفوا على ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنهم شيئا وهكذا هؤلاء ونقول يا أبا الحسن هداك الله هذا حجة الله على الجن والإنس ومن لا تثبت حجته على الخلق إلا بعد الدعاء والبيان محمد صلى الله عليه وآله وسلم قد أخفى شخصه في الغار حتى لم يعلم بمكانه ممن احتج الله عليهم به إلا خمسة نفر.

فإن قلت إن تلك غيبة بعد ظهوره وبعد أن قام على فراشه من يقوم مقامه قلت لك لسنا نحتج عليك في حال ظهوره ولا استخلافه لمن يقوم مقامه من هذا في قبيل ولا دبير وإنما نقول لك أ ليس تثبت حجته في نفسه في حال غيبته على من لم يعلم بمكانه لعلة من العلل فلا بد من أن تقول نعم قلنا ونثبت حجة الإمام وإن كان غائبا لعلة أخرى وإلا فما الفرق ثم نقول وهذا أيضا لم يغب حتى ملأ آباؤه عليهم السلام آذان شيعتهم بأن غيبته تكون وعرفوهم كيف يعملون عند غيبته فإن قلت في ولادته فهذا موسى عليه السلام مع شدة طلب فرعون إياه وما فعل بالنساء والأولاد لمكانه حتى أذن الله في ظهوره  وقد قال الرضا عليه السلام  في وصفه بأبي وأمي شبيهي وسمي جدي وشبيه موسى بن عمران وحجة أخرى نقول لك يا أبا الحسن أتقر أن الشيعة قد روت في الغيبة أخبارا فإن قال لا أوجدناه الأخبار وإن قال نعم قلنا له فكيف تكون حالة الناس إذا غاب إمامهم فكيف تلزمهم الحجة في وقت غيبته فإن قال يقيم من يقوم مقامه فليس يقوم عندنا وعندكم مقام الإمام إلا الإمام وإذا كان إماما قائما فلا غيبة وإن احتج بشي ء آخر في تلك الغيبة فهو بعينه حجتنا في وقتنا لا فرق فيه ولا فصل ومن الدليل على فساد أمر جعفر موالاته وتزكيته فارس بن حاتم لعنه الله وقد بري ء منه أبوه وشاع ذلك في الأمصار حتى وقف عليه الأعداء فضلا عن الأولياء. ومن الدليل على فساد أمره استعانته بمن استعان في طلب الميراث من أم الحسن عليه السلام وقد أجمعت الشيعة أن آباءه عليهم السلام أجمعوا أن الأخ لا يرث مع الأم. ومن الدليل على فساد أمره قوله إني إمام بعد أخي محمد فليت شعري متى تثبت إمامة أخيه وقد مات قبل أبيه حتى تثبت إمامة خليفته ويا عجبا إذا كان محمد يستخلف ويقيم إماما بعده وأبوه حي قائم وهو الحجة والإمام فما يصنع أبوه ومتى جرت هذه السنة في الأئمة وأولادهم حتى نقبلها منكم فدلونا على ما يوجب إمامة محمد حتى إذا ثبتت قبلنا إمامة خليفته والحمد لله الذي جعل الحق مؤيدا والباطل مهتوكا ضعيفا زاهقا. فأما ما حكي عن ابن أبي غانم رحمه الله فلم يرد الرجل بقوله عليه السلام عندنا يثبت إمامة جعفر وإنما أراد أن يعلم السائل أن أهل هذه البيت لم يفنوا حتى لا يوجد منهم أحدا. وأما قوله وكل مطاع معبود فهو خطأ عظيم لأنا لا نعرف معبودا إلا الله ونحن نطيع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا نعبده. وأما قوله نختم الآن هذا الكتاب بأن نقول إنما نناظر ونخاطب من قد سبق منه الإجماع بأنه لا بد من إمام قائم من أهل هذه البيت تجب به حجة الله إلى قوله وصح أن في ذلك البيت سراجا ولا حاجة بنا إلى دخوله فنحن وفقك الله لا نخالفه وأنه لا بد من إمام قائم من أهل هذا البيت تجب به حجة الله وإنما نخالفه في كيفية قيامه وظهوره وغيبته. وأما ما مثل به من البيت والسراج فهو منى وقد قيل إن المنى رأس أموال المفاليس ولكنا نضرب مثلا على الحقيقة لا نميل فيه على خصم ولا نحيف فيه على ضد بل نقصد فيه الصواب فنقول كنا ومن خالفنا قد أجمعنا على أن فلانا مضى وله ولدان وله دار وأن الدار يستحقها منهما من قدر على أن يحمل بإحدى يديه ألف رطل وأن الدار لا تزال في يدي عقب الحامل إلى يوم القيامة ونعلم أن أحدهما يحمل والآخر يعجز ثم احتجنا أن نعلم من الحامل منهما فقصدنا مكانهما لمعرفة ذلك فعاق عنهما عائق منع عن مشاهدتهما غير أنا رأينا جماعات كثيرة في بلدان نائية متباعدة بعضها عن بعض يشهدون أنهم رأوا أن الأكبر منهما قد حمل ذلك ووجدنا جماعة يسيرة في موضع واحد يشهدون أن الأصغر منهما فعل ذلك ولم نجد لهذه الجماعة خاصة يأتوا بها فلم يجز في حكم النظر وحفيظة الإنصاف وما جرت به العادة وصحت به التجربة رد شهادة تلك الجماعات وقبول شهادة هذه الجماعة والتهمة تلحق هؤلاء وتبعد عن أولئك. فإن قال خصومنا فما تقولون في شهادة سلمان وأبي ذر وعمار والمقداد لامير المؤمنين عليه السلام وشهادة تلك الجماعات وأولئك الخلق لغيره أيهما كان أصوب قلنا لهم لامير المؤمنين عليه السلام وأصحابه أمور خص بها وخصوا بها دون من بإزائهم فإن أوجدتمونا مثل ذلك أو ما يقاربه لكم فأنتم المحقون أولها أن أعداءه كانوا يقرون بفضله وطهارته وعلمه  وقد روينا ورووا له معنا أنه صلى الله عليه وآله وسلم خبر أن الله يوالي من يواليه ويعادي من يعاديه فوجب لهذا أن يتبع دون غيره والثاني أن أعداءه لم يقولوا له نحن نشهد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أشار إلى فلان بالإمامة ونصبه حجة للخلق وإنما نصبوه لهم على جهة الاختيار كما قد بلغك والثالث أن أعداءه كانوا يشهدون على أحد أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام أنه لا يكذب لقوله صلى الله عليه وآله وسلم  ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر فكانت شهادته وحده أفضل من شهادتهم والرابع أن أعداءه قد نقلوا ما نقله أولياؤه مما تجب به الحجة وذهبوا عنه بفساد التأويل والخامس أن أعداءه رووا في الحسن والحسين أنهما سيدا شباب أهل الجنة  ورووا أيضا أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار فلما شهدا لأبيهما بذلك وصح أنهما من أهل الجنة بشهادة الرسول وجب تصديقهما لأنهما لو كذبا في هذا لم يكونا من أهل الجنة وكانا من أهل النار وحاشا لهما الزكيين الطيبين الصادقين فليوجدنا أصحاب جعفر خاصة هي لهم دون خصومهم حتى يقبل ذلك وإلا فلا معنى لترك خبر متواتر لا تهمة في نقله ولا على ناقليه وقبول خبر لا يؤمن على ناقليه تهمة التواطؤ عليه ولا خاصة معهم يثبتون بها ولن يفعل ذلك إلا تائه حيران فتأمل أسعدك الله في النظر فيما كتبت به إليك مما ينظر به الناظر لدينه المفكر في معاده المتأمل بعين الخيفة والحذر إلى عواقب الكفر والجحود موفقا إن شاء الله تعالى أطال الله بقاءك وأعزك وأيدك وثبتك وجعلك من أهل الحق وهداك له وأعاذك من أن تكون من الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ومن الذين يستزلهم الشيطان بخدعه وغروره وإملائه وتسويله وأجرى لك أجمل ما عودك. وكتب بعض الإمامية إلى أبي جعفر بن قبة كتابا يسأله فيه عن مسائل فورد في جوابها أما قولك أيدك الله حاكيا عن المعتزلة أنها زعمت أن الإمامية تزعم أن النص على الإمام واجب في العقل فهذا يحتمل أمرين إن كانوا يريدون أنه واجب في العقل قبل مجي ء الرسل عليهم السلام وشرع الشرائع فهذا خطأ وإن أرادوا أن العقول دلت على أنه لا بد من إمام بعد الانبياء عليهم السلام فقد علموا ذلك بالأدلة القطعية وعلموه أيضا بالخبر الذي ينقلونه عمن يقولون بإمامته. وأما قول المعتزلة إنا قد علمنا يقينا أن الحسن بن علي عليه السلام مضى ولم ينص فقد ادعوا دعوى يخالفون فيها وهم محتاجون إلى أن يدلوا على صحتها وبأي شي ء ينفصلون ممن زعم من مخالفيهم أنهم قد علموا من ذلك ضد ما ادعوا أنهم علموه.

ومن الدليل على أن الحسن بن علي عليه السلام قد نص على ثبات إمامته وصحة النص من النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفساد الاختيار ونقل الشيع عمن قد أوجبوا بالأدلة تصديقه أن الإمام لا يمضي أو ينص على إمام كما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ كان الناس محتاجين في كل عصر إلى من يكون خبره لا يختلف ولا يتكاذب كما اختلفت أخبار الأمة عند مخالفينا هؤلاء وتكاذبت وأن يكون إذا أمر ائتمر بطاعته ولا يد فوق يده ولا يسهو ولا يغلط وأن يكون عالما ليعلم الناس ما جهلوا وعادلا ليحكم بالحق ومن هذا حكمه فلا بد من أن ينص عليه علام الغيوب على لسان من يؤدى ذلك عنه إذ كان ليس في ظاهر خلقته ما يدل على عصمته. فإن قالت المعتزلة هذه دعاوي تحتاجون إلى أن تدلوا على صحتها قلنا أجل لا بد من الدلائل على صحة ما ادعيناه من ذلك وأنتم فإنما سألتم عن فرع والفرع لا يدل عليه دون أن يدل على صحة أصله ودلائلنا في كتبنا موجودة على صحة هذه الأصول ونظير ذلك أن سائلا لو سألنا الدليل على صحة الشرائع لاحتجنا أن ندل على صحة الخبر وعلى صحة نبوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلى أنه أمر بها وقبل ذلك أن الله عز وجل واحد حكيم وذلك بعد فراغنا من الدليل على أن العالم محدث وهذا نظير ما سألونا عنه وقد تأملت في هذه المسألة فوجدت غرضها ركيكا وهو أنهم قالوا لو كان الحسن بن علي عليه السلام قد نص على من تدعون إمامته لسقطت الغيبة والجواب في ذلك أن الغيبة ليست هي العدم فقد يغيب الإنسان إلى بلد يكون معروفا فيه ومشاهدا لأهله ويكون غائبا عن بلد آخر وكذلك قد يكون الإنسان غائبا عن قوم دون قوم وعن أعدائه لا عن أوليائه فيقال إنه غائب وإنه مستتر وإنما قيل غائب لغيبته عن أعدائه وعمن لا يوثق بكتمانه من أوليائه وأنه ليس مثل ابائه عليهم السلام ظاهرا للخاصة والعامة وأولياؤه مع هذا ينقلون وجوده وأمره ونهيه وهم عندنا ممن تجب بنقلهم الحجة إذا كانوا يقطعون العذر لكثرتهم واختلافهم في هممهم ووقوع الاضطرار مع خبرهم ونقلوا ذلك كما نقلوا إمامة آبائه عليهم السلام وإن خالفهم مخالفوهم فيها وكما تجب بنقل المسلمين صحة آيات النبي صلى الله عليه وآله وسلم سوى القرآن وإن خالفهم أعداؤهم من أهل الكتاب والمجوس والزنادقة والدهرية في كونها وليست هذه مسألة تشتبه على مثلك مع ما أعرفه من حسن تأملك. وأما قولهم إذا ظهر فكيف يعلم أنه محمد بن الحسن بن علي عليه السلام فالجواب في ذلك أنه قد يجوز بنقل من تجب بنقله الحجة من أوليائه كما صحت إمامته عندنا بنقلهم. وجواب آخر وهو أنه قد يجوز أن يظهر معجزا يدل على ذلك وهذا الجواب الثاني هو الذي نعتمد عليه ونجيب الخصوم به وإن كان الأول صحيحا. وأما قول المعتزلة فكيف لم يحتج عليهم علي بن أبي طالب بإقامة المعجز يوم الشورى فإنا نقول إن الأنبياء والحجج عليهم السلام إنما يظهرون من الدلالات والبراهين حسب ما يأمرهم الله عز وجل به مما يعلم الله أنه صالح للخلق فإذا ثبتت الحجة عليهم بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيه ونصه عليه فقد استغني بذلك عن إقامة المعجزات اللهم إلا أن يقول قائل إن إقامة المعجزات كانت أصلح في ذلك الوقت فنقول له وما الدليل على صحة ذلك وما ينكر الخصم من أن تكون إقامته لها ليس بأصلح وأن يكون الله عز وجل لو أظهر معجزا على يديه في ذلك الوقت لكفروا أكثر من كفرهم ذلك الوقت ولادعوا عليه السحر والمخرقة وإذا كان هذا جائزا لم يعلم أن إقامة المعجز كانت أصلح. فإن قالت المعتزلة فبأي شي ء تعلمون أن إقامة من تدعون إمامته المعجز على أنه ابن الحسن بن علي عليه السلام أصلح قلنا لهم لسنا نعلم أنه لا بد من إقامة المعجز في تلك الحال وإنما نجوز ذلك اللهم إلا أن يكون لا دلالة غير المعجز فيكون لا بد منه لإثبات الحجة وإذا كان لا بد منه كان واجبا وما كان واجبا كان صلاحا لا فسادا وقد علمنا أن الانبياء عليهم السلام قد أقاموا المعجزات في وقت دون وقت ولم يقيموها في كل يوم ووقت ولحظة وطرفة وعند كل محتج عليهم ممن أراد الإسلام بل في وقت دون وقت على حسب ما يعلم الله عز وجل من الصلاح وقد حكى الله عز وجل عن المشركين أنهم سألوا نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يرقى في السماء وأن يسقط السماء عليهم كسفا أو ينزل عليهم كتابا يقرءونه وغير ذلك مما في الآية فما فعل ذلك بهم وسألوه أن يحيي لهم قصي بن كلاب وأن ينقل عنهم جبال تهامة فما أجابهم إليه وإن كان عليه السلام قد أقام لهم غير ذلك من المعجزات وكذا حكم ما سألت المعتزلة عنه ويقال لهم كما قالوا لنا لم نترك أوضح الحجج وأبين الأدلة من تكرر المعجزات والاستظهار بكثرة الدلالات. وأما قول المعتزلة أنه احتج بما يحتمل التأويل فيقال فما احتج عندنا على أهل الشورى إلا بما عرفوا من نص النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأن أولئك الرؤساء لم يكونوا جهالا بالأمر وليس حكمهم حكم غيرهم من الأتباع ونقلب هذا الكلام على المعتزلة فيقال لهم لم لم يبعث الله عز وجل بأضعاف من بعث من الأنبياء ولم لم يبعث في كل قرية نبيا وفي كل عصر ودهر نبيا أو أنبياء إلى أن تقوم الساعة ولم لم يبين معاني القرآن حتى لا يشك فيه شاك ولم تركه محتملا للتأويل وهذه المسائل تضطرهم إلى جوابنا إلى هاهنا كلام أبي جعفر بن قبة رحمه الله.

كلام لأحد المشايخ في الرد على الزيدية وقال غيره من متكلمي مشايخ الإمامية إن عامة مخالفينا قد سألونا في هذا الباب عن مسائل ويجب عليهم أن يعلموا أن القول بغيبة صاحب الزمان عليه السلام مبني على القول بإمامة ابائه عليهم السلام والقول بإمامة ابائه عليهم السلام مبني على القول بتصديق محمد صلى الله عليه وآله وسلم وإمامته وذلك أن هذا باب شرعي وليس بعقلي محض والكلام في الشرعيات مبني على الكتاب والسنة كما قال الله عز وجل (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ) يعني في الشرعيات (فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ والرَّسُولِ) فمتى شهد لنا الكتاب والسنة وحجة العقل فقولنا هو المجتبى ونقول إن جميع طبقات الزيدية والإمامية قد اتفقوا على أن  رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي وهما الخليفتان من بعدي وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض وتلقوا هذا الحديث بالقبول فوجب أن الكتاب لا يزال معه من العترة من يعرف التنزيل والتأويل علما يقينا يخبر عن مراد الله عز وجل كما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخبر عن المراد ولا يكون معرفته بتأويل الكتاب استنباطا ولا استخراجا كما لم تكن معرفة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بذلك استخراجا ولا استنباطا ولا استدلالا ولا على ما تجوز عليه اللغة وتجري عليه المخاطبة بل يخبر عن مراد الله ويبين عن الله بيانا تقوم بقوله الحجة على الناس كذلك يجب أن يكون معرفة عترة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالكتاب على يقين ومعرفة وبصيرة قال الله عز وجل في صفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا ومَنِ اتَّبَعَنِي) فأتباعه من أهله وذريته وعترته هم الذين يخبرون عن الله عز وجل مراده من كتابه على يقين ومعرفة وبصيرة ومتى لم يكن المخبر عن الله عز وجل مراده ظاهرا مكشوفا فإنه يجب علينا أن نعتقد أن الكتاب لا يخلو من مقرون به من عترة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يعرف التأويل والتنزيل إذ الحديث يوجب ذلك. وقال علماء الإمامية قال الله عز وجل (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ ونُوحاً وآلَ إِبْراهِيمَ وآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ) فوجب بعموم هذه الآية أن لا يزال في آل إبراهيم مصطفى وذلك أن الله عز وجل جنس الناس في هذا الكتاب جنسين فاصطفى جنسا منهم وهم الأنبياء والرسل والخلفاء عليه السلام وجنسا أمروا باتباعهم فما دام في الأرض من به حاجة إلى مدبر وسائس ومعلم ومقوم يجب أن يكون بإزائهم مصطفى من آل إبراهيم ويجب أن يكون المصطفى من آل إبراهيم ذرية بعضها من بعض لقوله عليه السلام عز وجل (ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ) وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين والحسن والحسين صلى الله عليه وآله وسلم المصطفون من آل إبراهيم فوجب أن يكون المصطفى بعد الحسين عليه السلام منه لقوله عليه السلام عز وجل (ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ) ومتى لم تكن الذرية منه لا تكون الذرية بعضها من بعض إلا أن تكون في بطن دون جميعهم وكانت الإمامة قد انتقلت عن الحسن إلى أخيه الحسين عليهما السلام وجب أن يكون منه ومن صلبه من يقوم مقامه وذلك معنى قوله تعالى (ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ واللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) فدلت الآية على ما دلت السنة عليه.

استدلال على وجود إمام غائب من العترة يظهر ويملأ الأرض عدلا وقال بعض علماء الإمامية كان الواجب علينا وعلى كل عاقل يؤمن بالله وبرسوله وبالقرآن وبجميع الأنبياء الذين تقدم كونهم كون نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم أن يتأمل حال الأمم الماضية والقرون الخالية فإذا تأملنا وجدنا حال الرسل والأمم المتقدمة شبيهة بحال أمتنا وذلك أن قوة كل دين كانت في زمن أنبيائهم عليهم السلام إنما كانت متى قبلت الأمم الرسل فكثر أتباع الرسول في عصره ودهره فلم تكن أمة كانت أطوع لرسولها بعد أن قوي أمر الرسول من هذه الأمة لأن الرسل الذين عليهم دارت الرحى قبل نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليه السلام هم الرسل الذين في يد الأمم آثارهم وأخبارهم ووجدنا حال تلك الأمم اعترض في دينهم الوهن في المتمسكين به لتركهم كثيرا مما كان يجب عليهم محافظته في أيام رسلهم وبعد مضي رسلهم وكذلك ما قال الله عز وجل (قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ ويَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ). وبذلك وصف الله عز وجل أمر تلك القرون فقال عز وجل (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ واتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) وقال الله عز وجل لهذه الأمة (ولا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ).

وفي الأثر أنه يأتي على الناس زمان لا يبقى فيهم من الإسلام إلا اسمه ومن القرآن إلا رسمه  وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا فطوبى للغرباء فكان الله عز وجل يبعث في كل وقت رسولا يجدد لتلك الأمم ما انمحى من رسوم الدين واجتمعت الأمة إلا من لا يلتفت إلى اختلافه ودلت الدلائل العقلية أن الله عز وجل قد ختم الأنبياء بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم فلا نبي بعده ووجدنا أمر هذه الأمة في استعلاء الباطل على الحق والضلال على الهدى بحال زعم كثير منهم أن الدار اليوم دار كفر وليست بدار الإسلام ثم لم يجر على شي ء من أصول شرائع الإسلام ما جرى في باب الإمامة لأن هذه الأمة يقولون لم يقم لهم بالإمامة منذ قتل الحسين عليه السلام إمام عادل لا من بني أمية ولا من ولد عباس الذين جارت أحكامهم على أكثر الخلق ونحن والزيدية وعامة المعتزلة وكثير من المسلمين يقولون إن الإمام لا يكون إلا من ظاهره ظاهر العدالة فالأمة في يد الجائرين يلعبون بهم ويحكمون في أموالهم وأبدانهم بغير حكم الله وظهر أهل الفساد على أهل الحق وعدم اجتماع الكلمة ثم وجدنا طبقات الأمة كلهم يكفر بعضهم بعضا ويبرأ بعضهم من بعض ثم تأملنا أخبار الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فوجدناها قد وردت بأن الأرض تملأ قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما برجل من عترته فدلنا هذا الحديث على أن القيامة لا تقوم على هذه الأمة إلا بعد ما ملئت الأرض عدلا فان هذا الدين الذي لا يجوز عليه النسخ ولا التبديل سيكون له ناصر يؤيده الله عز وجل كما أيد الأنبياء والرسل لما بعثهم لتجديد الشرائع وإزالة ما فعله الظالمون فوجب لذلك أن تكون الدلائل على من يقوم بما وصفناه موجودة غير معدومة وقد علمنا عامة اختلاف الأمة وسبرنا أحوال الفرق فدلنا أن الحق مع القائلين بالأئمة الاثني عشر عليهم السلام دون من سواهم من فرق الأمة ودلنا ذلك على أن الإمام اليوم هو الثاني عشر منهم وأنه الذي أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونص عليه وسنورد في هذا الكتاب ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في عدد الأئمة عليهم السلام وأنهم اثنا عشر والنص على القائم الثاني عشر والأخبار بغيبته قبل ظهوره وقيامه بالسيف إن شاء الله تعالى.

اعتراضات للزيدية:

قال بعض الزيدية إن الرواية التي دلت على أن الأئمة اثنا عشر قول أحدثه الإمامية قريبا وولدوا فيه أحاديث كاذبة. فنقول وبالله التوفيق إن الأخبار في هذا الباب كثيرة والمفزع والملجأ إلى نقلة الحديث وقد نقل مخالفونا من أصحاب الحديث نقلا مستفيضا من حديث عبد الله بن مسعود  ما حدثنا به أحمد بن الحسن القطان المعروف بأبي علي بن عبد ربه الرازي وهو شيخ كبير لأصحاب الحديث قال حدثنا أبو يزيد محمد بن يحيى بن خلف بن يزيد المروزي بالري في شهر ربيع الأول سنة اثنتين وثلاثمائة عن إسحاق بن إبراهيم الحنظلي في سنة ثمان وثلاثين ومائتين المعروف بإسحاق بن راهويه عن يحيى بن يحيى عن هشام عن مجالد عن الشعبي عن مسروق قال بينا نحن عند عبد الله بن مسعود نعرض مصاحفنا عليه إذ قال له فتى شاب هل عهد إليكم نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم كم يكون من بعده خليفة قال إنك لحدث السن وإن هذا شي ء ما سألني عنه أحد من قبلك نعم عهد إلينا نبينا صلى الله عليه وآله وسلم أنه يكون من بعده اثنا عشر خليفة بعدد نقباء بني إسرائيل وقد أخرجت بعض طرق هذا الحديث في هذا الكتاب وبعضها في كتاب النص على الأئمة الاثني عشر عليهم السلام بالإمامة ونقل مخالفونا من أصحاب الحديث نقلا ظاهرا مستفيضا من حديث جابر بن سمرة  ما حدثنا به أحمد بن محمد بن إسحاق الدينوري وكان من أصحاب الحديث قال حدثني أبو بكر بن أبي داود عن إسحاق بن إبراهيم بن شاذان عن الوليد بن هشام عن محمد بن ذكوان قال حدثني أبي عن أبيه عن ابن سيرين عن جابر بن سمرة السوائي قال كنا عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال يلي هذه الأمة اثنا عشر قال فصرخ الناس فلم أسمع ما قال فقلت لأبي وكان أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مني ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال قال كلهم من قريش وكلهم لا يرى مثله وقد أخرجت طرق هذا الحديث أيضا وبعضهم روى اثنا عشر أميرا وبعضهم روى اثنا عشر خليفة فدل ذلك على أن الأخبار التي في يد الإمامية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والائمة عليهم السلام بذكر الأئمة الاثني عشر أخبار صحيحة. قالت الزيدية فان كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد عرف أمته أسماء الأئمة الاثني عشر فلم ذهبوا عنه يمينا وشمالا وخبطوا هذا الخبط العظيم فقلنا لهم إنكم تقولون إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استخلف عليا عليه السلام وجعله الإمام بعده ونص عليه وأشار إليه وبين أمره وشهره فما بال أكثر الأمة ذهبت عنه وعهد إلينا نبينا صلى الله عليه وآله وسلم أنه يكون من بعده اثنا عشر خليفة بعدد نقباء بني إسرائيل وقد أخرجت بعض طرق هذا الحديث في هذا الكتاب وبعضها في كتاب النص على الأئمة الاثني عشر عليهم السلام بالإمامة ونقل مخالفونا من أصحاب الحديث نقلا ظاهرا مستفيضا من حديث جابر بن سمرة  ما حدثنا به أحمد بن محمد بن إسحاق الدينوري وكان من أصحاب الحديث قال حدثني أبو بكر بن أبي داود عن إسحاق بن إبراهيم بن شاذان عن الوليد بن هشام عن محمد بن ذكوان قال حدثني أبي عن أبيه عن ابن سيرين عن جابر بن سمرة السوائي قال كنا عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال يلي هذه الأمة اثنا عشر قال فصرخ الناس فلم أسمع ما قال فقلت لأبي وكان أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مني ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال قال كلهم من قريش وكلهم لا يرى مثله وقد أخرجت طرق هذا الحديث أيضا وبعضهم روى اثنا عشر أميرا وبعضهم روى اثنا عشر خليفة فدل ذلك على أن الأخبار التي في يد الإمامية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والائمة عليهم السلام بذكر الأئمة الاثني عشر أخبار صحيحة. قالت الزيدية فان كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد عرف أمته أسماء الأئمة الاثني عشر فلم ذهبوا عنه يمينا وشمالا وخبطوا هذا الخبط العظيم فقلنا لهم إنكم تقولون إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استخلف عليا عليه السلام وجعله الإمام بعده ونص عليه وأشار إليه وبين أمره وشهره فما بال أكثر الأمة ذهبت عنه وتباعدت منه حتى خرج من المدينة إلى ينبع وجرى عليه ما جرى فإن قلتم إن عليا عليه السلام لم يستخلفه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم أودعتم كتبكم ذلك وتكلمتم عليه فإن الناس قد يذهبون عن الحق وإن كان واضحا وعن البيان وإن كان مشروحا كما ذهبوا عن التوحيد إلى التلحيد ومن قوله عليه السلام عز وجل (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) إلى التشبيه.

اعتراض آخر للزيدية:

قالت الزيدية ومما تكذب به دعوى الإمامية إنهم زعموا أن جعفر بن محمد عليه السلام نص لهم على إسماعيل وأشار إليه في حياته ثم إن إسماعيل مات في حياته  فقال ما بدا لله في شي ء كما بدا له في إسماعيل ابني فإن كان الخبر الاثنا عشر صحيحا فكان لا أقل من أن يعرفه جعفر بن محمد عليه السلام ويعرف خواص شيعته لئلا يغلط هو وهم هذا الغلط العظيم. فقلنا لهم بم قلتم إن جعفر بن محمد عليه السلام نص على إسماعيل بالإمامة وما ذلك الخبر ومن رواه ومن تلقاه بالقبول فلم يجدوا إلى ذلك سبيلا وإنما هذه حكاية ولدها قوم قالوا بإمامة إسماعيل ليس لها أصل لأن الخبر بذكر الأئمة الاثني عشر عليهم السلام قد رواه الخاص والعام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والائمة عليهم السلام وقد أخرجت ما روي عنهم في ذلك في هذا الكتاب فأما قوله ما بدا لله في شي ء كما بدا له في إسماعيل ابني فإنه يقول ما ظهر لله أمر كما ظهر له في إسماعيل ابني إذ اخترمه في حياتي ليعلم بذلك أنه ليس بإمام بعدي وعندنا من زعم أن الله عز وجل يبدو له اليوم في شي ء لم يعلمه أمس فهو كافر والبراءة منه واجبة كما روي عن الصادق عليه السلام حدثنا أبي رضي الله عنه عن محمد بن يحيى العطار عن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري قال حدثنا أبو عبد الله الرازي عن الحسن بن الحسين اللؤلؤي عن محمد بن سنان عن عمار عن أبي بصير وسماعة عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال من زعم أن الله يبدو له في شي ء اليوم لم يعلمه أمس فابرءوا منه وإنما البداء الذي ينسب إلى الإمامية القول به هو ظهور أمره يقول العرب بدا لي شخص أي ظهر لي لا بداء ندامة تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. وكيف ينص الصادق عليه السلام على إسماعيل بالإمامة مع  قوله فيه إنه عاص لا يشبهني ولا يشبه أحدا من آبائي  حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه قال حدثنا محمد بن يحيى العطار عن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري عن يعقوب بن يزيد عن محمد بن أبي عمير عن الحسن بن راشد قال سألت ابا عبد الله عليه السلام عن إسماعيل فقال عاص لا يشبهني ولا يشبه أحدا من آبائي  حدثنا الحسن بن أحمد بن إدريس رضي الله عنه قال حدثنا أبي عن محمد بن أحمد عن يعقوب بن يزيد والبرقي عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن حماد عن عبيد بن زرارة قال ذكرت إسماعيل عند أبي عبد الله عليه السلام فقال والله لا يشبهني ولا يشبه أحدا من آبائي  حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال حدثنا سعد بن عبد الله عن محمد بن عبد الجبار عن ابن أبي نجران عن الحسين بن المختار عن الوليد بن صبيح قال جاءني رجل فقال لي تعال حتى أريك ابن الرجل قال فذهبت معه قال فجاء بي إلى قوم يشربون فيهم إسماعيل بن جعفر قال فخرجت مغموما فجئت إلى الحجر فإذا إسماعيل بن جعفر متعلق بالبيت يبكي قد بل أستار الكعبة بدموعه قال فخرجت أشتد فإذا إسماعيل جالس مع القوم فرجعت فإذا هو آخذ بأستار الكعبة قد بلها بدموعه قال فذكرت ذلك لأبي عبد الله عليه السلام فقال لقد ابتلي ابني بشيطان يتمثل في صورته  وقد روي أن الشيطان لا يتمثل في صورة نبي ولا في صورة وصي نبي فكيف يجوز أن ينص عليه بالإمامة مع صحة هذا القول منه فيه.

اعتراض آخر:

قالت الزيدية بأي شي ء تدفعون إمامة إسماعيل وما حجتكم على الإسماعيلية القائلين بإمامته قلنا لهم ندفع إمامته بما ذكرنا من الأخبار وبالأخبار الواردة بالنص على الأئمة الاثني عشر عليهم السلام وبموته في حياة أبيه. أما الأخبار الواردة بالنص على الأئمة الاثني عشر فقد ذكرناها في هذا الكتاب. وأما الأخبار الواردة بموته في حياة الصادق عليه السلام ما حدثنا به أبي رضي الله عنه قال حدثنا سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن سعيد عن فضالة بن أيوب والحسن بن علي بن فضال عن يونس بن يعقوب عن سعيد بن عبد الله الأعرج قال قال أبو عبد الله عليه السلام لما مات إسماعيل أمرت به وهو مسجى أن يكشف عن وجهه فقبلت جبهته وذقنه ونحره ثم أمرت به فغطي ثم قلت اكشفوا عنه فقبلت أيضا جبهته وذقنه ونحره ثم أمرتهم فغطوه ثم أمرت به فغسل ثم دخلت عليه وقد كفن فقلت اكشفوا عن وجهه فقبلت جبهته وذقنه ونحره وعوذته ثم قلت درجوه فقلت بأي شي ء عوذته قال بالقرآن قال مصنف هذا الكتاب في هذا الحديث فوائد أحدها الرخصة بتقبيل جبهة الميت وذقنه ونحره قبل الغسل وبعده إلا أنه من مس ميتا قبل الغسل بحرارته فلا غسل عليه فان مسه بعد ما يبرد فعليه الغسل وإن مسه بعد الغسل فلا غسل عليه فلو ورد في الخبر أن الصادق عليه السلام اغتسل بعد ذلك أو لم يغتسل لعلمنا بذلك أنه مسه قبل الغسل بحرارته أو بعد ما برد. وللخبر فائدة أخرى وهي أنه قال أمرت به فغسل ولم يقل غسلته وفي هذا الحديث أيضا ما يبطل إمامة إسماعيل لأن الإمام لا يغسله إلا إمام إذا حضره.

حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله قال حدثنا محمد بن الحسن الصفار عن أيوب بن نوح ويعقوب يزيد عن ابن أبي عمير عن محمد بن شعيب عن أبي كهمس قال حضرت موت إسماعيل وأبو عبد الله عليه السلام جالس عنده فلما حضره الموت شد لحييه وغطاه بالملحفة ثم أمر بتهيئته فلما فرغ من أمره دعا بكفنه وكتب في حاشية الكفن إسماعيل يشهد أن لا إله إلا الله .

حدثنا أبي رضي الله عنه قال حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري عن إبراهيم بن مهزيار عن أخيه علي بن مهزيار عن محمد بن أبي حمزة عن مرة مولى محمد بن خالد قال لما مات إسماعيل فانتهى أبو عبد الله عليه السلام إلى القبر أرسل نفسه فقعد على جانب القبر لم ينزل في القبر ثم قال هكذا صنع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بإبراهيم ولده.

حدثنا محمد بن الحسن رضي الله عنه قال حدثنا الحسين بن الحسن بن أبان عن الحسين بن سعيد عن القاسم بن محمد عن الحسين بن عمر عن رجل من بني هاشم قال لما مات إسماعيل خرج إلينا أبو عبد الله عليه السلام فتقدم السرير بلا حذاء ولا رداء.

حدثنا أبي رحمه الله قال حدثنا سعد بن عبد الله عن إبراهيم بن مهزيار عن أخيه علي بن مهزيار عن حماد بن عيسى عن جرير عن إسماعيل بن جابر والأرقط ابن عم أبي عبد الله قال كان أبو عبد الله عليه السلام عند إسماعيل حين قبض فلما رأى الأرقط جزعه قال يا أبا عبد الله قد مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال فارتدع ثم قال صدقت أنا لك اليوم أشكر.

حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رحمه الله قال حدثنا سعد بن عبد الله عن إبراهيم بن هاشم ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن عمرو بن عثمان الثقفي عن أبي كهمس قال حضرت موت إسماعيل بن أبي عبد الله عليه السلام فرأيت أبا عبد الله عليه السلام وقد سجد سجدة فأطال السجود ثم رفع رأسه فنظر إليه قليلا ونظر إلى وجهه قال ثم سجد سجدة أخرى أطول من الأولى ثم رفع رأسه وقد حضره الموت فغمضه وربط لحييه وغطى عليه ملحفة ثم قام وقد رأيت وجهه وقد دخله منه شي ء الله أعلم به قال ثم قام فدخل منزله فمكث ساعة ثم خرج علينا مدهنا مكتحلا عليه ثياب غير الثياب التي كانت عليه ووجهه غير الذي دخل به فأمر ونهى في أمره حتى إذا فرغ منه دعا بكفنه فكتب في حاشية الكفن إسماعيل يشهد أن لا إله إلا الله  حدثنا أبي رحمه الله قال حدثنا سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن أبي الحسن ظريف بن ناصح عن الحسن بن زيد قال ماتت ابنة لأبي عبد الله عليه السلام فناح عليها سنة ثم مات له ولد آخر فناح عليه سنة ثم مات إسماعيل فجزع عليه جزعا شديدا فقطع النوح قال فقيل لأبي عبد الله عليه السلام أصلحك الله أ يناح في دارك فقال إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لما مات حمزة ليبكين حمزة لا بواكي له.

حدثنا محمد بن الحسن رحمه الله قال حدثنا الحسن بن متيل الدقاق قال حدثنا يعقوب بن يزيد عن الحسن بن علي بن فضال عن محمد بن عبد الله الكوفي قال لما حضرت إسماعيل بن أبي عبد الله الوفاة جزع أبو عبد الله عليه السلام جزعا شديدا قال فلما غمضه دعا بقميص غسيل أو جديد فلبسه ثم تسرح وخرج يأمر وينهى قال فقال له بعض أصحابه جعلت فداك لقد ظننا أن لا ينتفع بك زمانا لما رأينا من جزعك قال إنا أهل بيت نجزع ما لم تنزل المصيبة فإذا نزلت صبرنا  حدثنا علي بن أحمد بن محمد الدقاق رحمه الله قال حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي قال حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي قال حدثنا الحسين بن الهيثم قال حدثنا عباد بن يعقوب الأسدي قال حدثنا عنبسة بن بجاد العابد قال لما مات إسماعيل بن جعفر بن محمد وفرغنا من جنازته جلس الصادق جعفر بن محمد عليه السلام وجلسنا حوله وهو مطرق ثم رفع رأسه فقال أيها الناس إن هذه الدنيا دار فراق ودار التواء لا دار استواء على أن فراق المألوف حرقة لا تدفع ولوعة لا ترد وإنما يتفاضل الناس بحسن العزاء وصحة الفكر فمن لم يثكل أخاه ثكله أخوه ومن لم يقدم ولدا كان هو المقدم دون الولد ثم تمثل عليه السلام بقول أبي خراش الهذلي يرثي أخاه ولا تحسبي أني تناسيت عهده ولكن صبري يا إمام جميل .

اعتراض آخر:

قالت الزيدية لو كان خبر الأئمة الاثني عشر صحيحا لما كان الناس يشكون بعد الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام في الإمامة حتى يقول طائفة من الشيعة بعبد الله وطائفة بإسماعيل وطائفة تتحير حتى أن الشيعة منهم من امتحن عبد الله بن الصادق عليه السلام فلما لم يجد عنده ما أراد خرج وهو يقول إلى أين إلى المرجئة أم إلى القدرية أم إلى الحرورية وإن موسى بن جعفر سمعه يقول هذا فقال له لا إلى المرجئة ولا إلى القدرية ولا إلى الحرورية ولكن إلي فانظروا من كم وجه يبطل خبر الاثني عشر أحدها جلوس عبد الله للإمامة والثاني إقبال الشيعة إليه والثالث حيرتهم عند امتحانه والرابع أنهم لم يعرفوا أن إمامهم موسى بن جعفر عليه السلام حتى دعاهم موسى إلى نفسه وفي هذه المدة مات فقيههم زرارة بن أعين وهو يقول والمصحف على صدره اللهم إني أئتم بمن أثبت إمامته هذا المصحف. فقلنا لهم إن هذا كله غرور من القول وزخرف وذلك أنا لم ندع أن جميع الشيعة عرف في ذلك العصر الأئمة الاثني عشر عليهم السلام بأسمائهم وإنما قلنا إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخبر أن الأئمة بعده الاثنا عشر الذين هم أمناؤه وأن علماء الشيعة قد رووا هذا الحديث بأسمائهم ولا ينكر أن يكون فيهم واحد أو اثنان أو أكثر لم يسمعوا بالحديث فأما زرارة بن أعين فإنه مات قبل انصراف من كان وفده ليعرف الخبر ولم يكن سمع بالنص على موسى بن جعفر عليه السلام من حيث قطع الخبر عذره فوضع المصحف الذي هو القرآن على صدره وقال اللهم إني أئتم بمن يثبت هذا المصحف إمامته وهل يفعل الفقيه المتدين عند اختلاف الأمر عليه إلا ما فعله زرارة على أنه قد قيل إن زرارة قد كان علم بأمر موسى بن جعفر عليه السلام وبإمامته وإنما بعث ابنه عبيدا ليتعرف من موسى بن جعفر عليه السلام هل يجوز له إظهار ما يعلم من إمامته أو يستعمل التقية في كتمانه وهذا أشبه بفضل زرارة بن أعين وأليق بمعرفته.

حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه قال حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم قال حدثني محمد بن عيسى بن عبيد عن إبراهيم بن محمد الهمداني رضي الله عنه قال قلت للرضا عليه السلام يا ابن رسول الله أخبرني عن زرارة هل كان يعرف حق أبيك عليه السلام فقال نعم فقلت له فلم بعث ابنه عبيدا ليتعرف الخبر إلى من أوصى الصادق جعفر بن محمد عليه السلام فقال إن زرارة كان يعرف أمر أبي عليه السلام ونص أبيه عليه وإنما بعث ابنه ليتعرف من أبي عليه السلام هل يجوز له أن يرفع التقية في إظهار أمره ونص أبيه عليه وأنه لما أبطأ عنه ابنه طولب بإظهار قوله في أبي عليه السلام فلم يحب أن يقدم على ذلك دون أمره فرفع المصحف وقال اللهم إن إمامي من أثبت هذا المصحف إمامته من ولد جعفر بن محمد عليه السلام والخبر الذي احتجت به الزيدية ليس فيه أن زرارة لم يعرف إمامة موسى بن جعفر عليه السلام وإنما فيه أنه بعث ابنه عبيدا ليسأل عن الخبر.

حدثنا أبي رحمه الله قال حدثنا محمد بن يحيى العطار عن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري عن أحمد بن هلال عن محمد بن عبد الله بن زرارة عن أبيه قال لما بعث زرارة عبيدا ابنه إلى المدينة ليسأل عن الخبر بعد مضي أبي عبد الله عليه السلام فلما اشتد به الأمر أخذ المصحف وقال من أثبت إمامته هذا المصحف فهو إمامي وهذا الخبر لا يوجب أنه لم يعرف على أن راوي هذا الخبر أحمد بن هلال وهو مجروح عند مشايخنا رضي الله عنهم.

حدثنا شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال سمعت سعد بن عبد الله يقول ما رأينا ولا سمعنا بمتشيع رجع عن التشيع إلى النصب إلا أحمد بن هلال وكانوا يقولون إن ما تفرد بروايته أحمد بن هلال فلا يجوز استعماله وقد علمنا أن النبي والأئمة صلى الله عليه وآله وسلم لا يشفعون إلا لمن ارتضى الله دينه والشاك في الامام عليه السلام لى غير دين الله وقد ذكر موسى جعفر عليه السلام أنه سيستوهبه من ربه يوم القيامة  حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال حدثنا محمد بن الحسن الصفار عن محمد بن أبي الصهبان عن منصور بن العباس عن مروك بن عبيد عن درست بن أبي منصور الواسطي عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام قال ذكر بين يديه زرارة بن أعين فقال والله إني سأستوهبه من ربي يوم القيامة فيهبه لي ويحك إن زرارة بن أعين أبغض عدونا في الله وأحب ولينا في الله  حدثنا أبي ومحمد بن الحسن رضي الله عنهما قالا حدثنا أحمد بن إدريس ومحمد بن يحيى العطار جميعا عن محمد بن أحمد عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن أبي العباس الفضل بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال أربعة أحب الناس إلي أحياء وأمواتا بريد العجلي وزرارة بن أعين ومحمد بن مسلم والأحول أحب الناس إلي أحياء وأمواتا فالصادق عليه السلام لا يجوز أن يقول لزرارة إنه من أحب الناس إليه وهو لا يعرف إمامه موسى بن جعفر عليهما السلام.

اعتراض آخر:

قالت الزيدية لا يجوز أن يكون من قول الأنبياء إن الأئمة اثنا عشر لأن الحجة باقية على هذه الأمة إلى يوم القيامة والاثنا عشر بعد محمد صلى الله عليه وآله وسلم قد مضى منهم أحد عشر وقد زعمت الإمامية أن الأرض لا تخلو من حجة. فيقال لهم إن عدد الائمة عليهم السلام اثنا عشر والثاني عشر هو الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا ثم يكون بعده ما يذكره من كون إمام بعده أو قيام القيامة ولسنا مستعبدين في ذلك إلا بالإقرار باثني عشر إماما واعتقاد كون ما يذكره الثاني عشر عليهم السلام بعده.

حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه قال حدثنا عبد العزيز بن يحيى قال حدثنا إبراهيم بن فهد عن محمد بن عقبة عن حسين بن الحسن عن إسماعيل بن عمر عن عمر بن موسى الوجيهي عن المنهال بن عمرو عن عبد الله بن الحارث قال قلت لعلي عليه السلام يا أمير المؤمنين أخبرني بما يكون من الأحداث بعد قائمكم قال يا ابن الحارث ذلك شي ء ذكره موكول إليه وإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عهد إلي أن لا أخبر به إلا الحسن والحسين عليه السلام  حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق رحمة الله عليه قال حدثنا عبد العزيز بن يحيى الجلودي عن الحسين بن معاذ عن قيس بن حفص عن يونس بن أرقم عن أبي سنان الشيباني عن الضحاك بن مزاحم عن النزال بن سبرة عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث يذكر فيه أمر الدجال ويقول في آخره لا تسألوني عما يكون بعد هذا فإنه عهد إلي حبيبي عليه السلام أن لا أخبر به غير عترتي قال النزال بن سبرة فقلت لصعصعة بن صوحان ما عنى أمير المؤمنين بهذا القول فقال صعصعة يا ابن سبرة إن الذي يصلي عيسى ابن مريم خلفه هو الثاني عشر من العترة التاسع من ولد الحسين بن علي عليه السلام وهو الشمس الطالعة من مغربها يظهر عند الركن والمقام فيطهر الأرض ويضع الميزان بالقسط فلا يظلم أحد أحدا فأخبر امير المؤمنين عليه السلام أن حبيبه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عهد إليه أن لا يخبر بما يكون بعد ذلك غير عترته الأئمة ويقال للزيدية أ فيكذب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قوله إن الأئمة اثنا عشر فإن قالوا إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يقل هذا القول قيل لهم إن جاز لكم دفع هذا الخبر مع شهرته واستفاضته وتلقي طبقات الإمامية إياه بالقبول فما أنكرتم ممن يقول إن قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من كنت مولاه ليس من قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.

اعتراض آخر:

قالت الزيدية اختلفت الإمامية في الوقت الذي مضى فيه الحسن بن علي عليه السلام فمنهم من زعم أن ابنه كان ابن سبع سنين ومنهم من قال أنه كان صبيا أو رضيعا وكيف كان فإنه في هذه الحال لا يصلح للإمامة ورئاسة الأمة وأن يكون خليفة الله في بلاده وقيمه في عباده وفئة المسلمين إذا عضتهم الحروب ومدبر جيوشهم والمقاتل عنهم والذاب عن حوزتهم والدافع عن حريمهم لأن الصبي الرضيع والطفل لا يصلحان لمثل هذه الأمور ولم تجر العادة فيما سلف قديما وحديثا أن تلقى الأعداء بالصبيان ومن لا يحسن الركوب ولا يثبت على السرج ولا يعرف كيف يصرف العنان ولا ينهض بحمل الحمائل ولا بتصريف القناة ولا يمكنه الحمل على الأعداء في حومة الوغى فإن أحد أوصاف الإمام أن يكون أشجع الناس الجواب يقال لمن خطب بهذه الخطبة إنكم نسيتم كتاب الله عز وجل ولو لا ذلك لم ترموا الإمامية بأنهم لا يحفظون كتاب الله وقد نسيتم قصة عيسى عليه السلام وهو في المهد حين يقول (إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وجَعَلَنِي نَبِيًّا وجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ) أخبرونا لو آمن به بنو إسرائيل ثم حزبهم أمر من العدو كيف كان يفعل المسيح عليه السلام وكذلك القول في يحيى عليه السلام وقد أعطاه الله الحكم صبيا فإن جحدوا ذلك فقد جحدوا كتاب الله ومن لم يقدر على دفع خصمه إلا بعد أن يجحد كتاب الله فقد وضح بطلان قوله. ونقول في جواب هذا الفصل إن الأمر لو أفضى بأهل هذا العصر إلى ما وصفوا لنقض الله العادة فيه وجعله رجلا بالغا كاملا فارسا شجاعا بطلا قادرا على مبارزة الأعداء والحفظ لبيضة الإسلام والدفع عن حوزتهم وهذا جواب لبعض الإمامية على أبي القاسم البلخي.

اعتراض آخر:

قالت الزيدية قد شك الناس في صحة نسب هذا المولود إذ أكثر الناس يدفعون أن يكون للحسن بن علي عليهما السلام ولد. فيقال لهم قد شك بنو إسرائيل في المسيح ورموا مريم بما قالوا (لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا) فتكلم المسيح ببراءة أمه عليها السلام فقال (إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا) فعلم أهل العقول أن الله عز وجل لا يختار لأداء الرسالة مغمور النسب ولا غير كريم المنصب كذلك الامام عليه السلام إذا ظهر كان معه من الآيات الباهرات والدلائل الظاهرات ما يعلم به أنه بعينه دون الناس هو خلف الحسن بن علي عليه السلام. قال بعضهم ما الدليل على أن الحسن بن علي عليهما السلام توفي قيل له الأخبار التي وردت في موته هي أوضح وأشهر وأكثر من الأخبار التي وردت في موت أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام لأن أبا الحسن عليه السلام مات في يد الأعداء ومات أبو محمد الحسن بن علي عليهما السلام في داره على فراشه وجرى في أمره ما قد أوردت الخبر به مسندا في هذا الكتاب. فقال قائل منهم فهلا دلكم تنازع أم الحسن وجعفر في ميراثه أنه لم يكن له ولد لأنا بمثل هذا نعرف من يموت ولا عقب له أن لا يظهر ولده ويقسم ميراثه بين ورثته فقيل له هذه العادة مستفيضة وذلك أن تدبير الله في أنبيائه ورسله وخلفائه ربما جرى على المعهود المعتاد وربما جرى بخلاف ذلك فلا يحمل أمرهم في كل الأحوال على العادات كما لا يحمل أمر المسيح عليه السلام على العادات. قال فإن جاز له أن يشك في هذا لم لا يجوز أن نشك في كل من يموت ولا عقب له ظاهر. قيل له لا نشك في أن الحسن عليه السلام كان له خلف من عقبه بشهادة من أثبت له ولدا من فضلاء ولد الحسن والحسين عليه السلام عليهما السلام والشيعة الأخيار لأن الشهادة التي يجب قبولها هي شهادة المثبت لا شهادة النافي وإن كان عدد النافين أكثر من عدد المثبتين ووجدنا لهذا الباب فيما مضى مثالا وهو قصة موسى عليه السلام لأن الله سبحانه لما أراد أن ينجي بني إسرائيل من العبودية ويصير دينه على يديه غضا طريا أوحى إلى أمه (فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ ولا تَخافِي ولا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) فلو أن أباه عمران مات في ذلك الوقت لما كان الحكم في ميراثه إلا كالحكم في ميراث الحسن عليه السلام ولم يكن في ذلك دلالة على نفي الولد. وخفي على مخالفينا فقالوا إن موسى في ذلك الوقت لم يكن بحجة والامام عليه السلام ندكم حجة ونحن إنما شبهنا الولادة والغيبة بالولادة والغيبة وغيبة يوسف عليه السلام أعجب من كل عجب لم يقف على خبره أبوه وكان بينهما من المسافة ما يجب أن لا ينقطع لو لا تدبير الله عز وجل في خلقه أن ينقطع خبره عن أبيه وهؤلاء إخوته دخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون. وشبهنا أمر حياته بقصة أصحاب الكهف فإنهم لبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا وهم أحياء. فإن قال قائل إن هذه أمور قد كانت ولا دليل معنا على صحة ما تقولون قيل له أخرجنا بهذه الأمثلة أقوالنا من حد الإحالة إلى حد الجواز وأقمنا الأدلة على صحة قولنا بأن الكتاب لا يزال معه من عترة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من يعرف حلاله وحرامه ومحكمه ومتشابهه وبما أسندناه في هذا الكتاب من الأخبار عن النبي والأئمة عليهم السلام. فإن قال فكيف التمسك به ولا نهتدي إلى مكانه ولا يقدر أحد على إتيانه قيل له نتمسك بالإقرار بكونه وبإمامته وبالنجباء الأخيار والفضلاء الأبرار القائلين بإمامته المثبتين لولادته وولايته المصدقين للنبي والائمة عليهم السلام في النص عليه باسمه ونسبه من أبرار شيعته العالمين بالكتاب والسنة العارفين بوحدانية الله تعالى ذكره النافين عنه شبه المحدثين المحرمين للقياس المسلمين لما يصح وروده عن النبي والأئمة عليهم السلام. فإن قال قائل فإن جاز أن يكون نتمسك بهؤلاء الذين وصفتهم ويكون تمسكنا بهم تمسكا بالإمام الغائب فلم لا يجوز أن يموت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا يخلف أحدا فيقتصر أمته على حجج العقول والكتاب والسنة قيل له ليس الاقتراح على الله عز وجل علينا وإنما علينا فعل ما نؤمر به وقد دلت الدلائل على فرض طاعة هؤلاء الأئمة الأحد عشر عليهم السلام الذين مضوا ووجب القعود معهم إذا قعدوا والنهوض معهم إذا نهضوا والإسماع منهم إذا نطقوا فعلينا أن نفعل في كل وقت ما دلت الدلائل على أن علينا أن نفعله.

اعتراض آخر لبعضهم قال بعض الزيدية فإن للواقفة ولغيرهم أن يعارضوكم في ادعائكم أن موسى بن جعفر عليهما السلام مات وأنكم وقفتم على ذلك بالعرف والعادة والمشاهدة وذلك أن الله عز وجل قد أخبر في شأن المسيح عليه السلام فقال (وما قَتَلُوهُ وما صَلَبُوهُ ولكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) وكان عند القوم في حكم المشاهدة والعادة الجارية أنهم قد رأوه مصلوبا مقتولا فليس بمنكر مثل ذلك في سائر الأئمة الذين قال بغيبتهم طائفة من الناس. الجواب يقال لهم ليس سبيل الائمة عليهم السلام في ذلك سبيل عيسى ابن مريم عليهما السلام وذلك أن عيسى ابن مريم ادعت اليهود قتله فكذبهم الله تعالى ذكره بقوله (وما قَتَلُوهُ وما صَلَبُوهُ ولكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) وأئمتنا عليهم السلام لم يرد في شأنهم الخبر عن الله أنهم شبهوا وإنما قال ذلك قوم من طوائف الغلاة  وقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقتل امير المؤمنين عليه السلام بقوله إنه ستخضب هذه من هذا يعني لحيته من دم رأسه وأخبر من بعده من الأئمة عليهم السلام بقتله وكذلك الحسن والحسين عليه السلام قد أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن جبرئيل بأنهما سيقتلان وأخبرا عن أنفسهما بأن ذلك سيجري عليهما وأخبر من بعدهما من الائمة عليهم السلام بقتلهما وكذلك سبيل كل إمام بعدهما من علي بن الحسين إلى الحسن بن علي العسكري عليه السلام قد أخبر الأول بما يجري على من بعده وأخبر من بعده بما جرى على من قبله فالمخبرون بموت الائمة عليهم السلام هم النبي والائمة عليهم السلام واحد بعد واحد والمخبرون بقتل عيسى عليه السلام كانت اليهود فلذلك قلنا إن ذلك جرى عليهم على الحقيقة والصحة لا على الحسبان والحيلولة ولا على الشك والشبهة لأن الكذب على المخبرين بموتهم غير جائز لأنهم معصومون وهو على اليهود جائز.

شبهات من المخالفين ودفعها قال مخالفونا إن العادات والمشاهدات تدفع قولكم بالغيبة فقلنا إن البراهمة تقدر أن تقول مثل ذلك في آيات النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتقول للمسلمين إنكم بأجمعكم لم تشاهدوها فلعلكم قلدتم من لم يجب تقليده أو قبلتم خبرا لم يقطع العذر ومن أجل هذه المعارضة قالت عامة المعتزلة على ما يحكى عنهم أنه لم تكن للرسول صلى الله عليه وآله وسلم معجزة غير القرآن فأما من اعترف بصحة الآيات التي هي غير القرآن احتاج إلى أن يطلق الكلام في جواز كونها بوصف الله تعالى ذكره بالقدرة عليها ثم في صحة وجود كونها على أمور قد وقفنا عليها وهي غير كثيرة الرواة. فقالت الإمامية فارضوا منا بمثل ذلك وهو أن نصحح هذه الأخبار التي تفردنا بنقلها عن أئمتنا عليهم السلام بأن تدل على جواز كونها بوصف الله تعالى ذكره بالقدرة عليها وصحة كونها بالأدلة العقلية والكتابية والأخبار المروية المقبولة عند نقلة العامة. قال الجدلي فنقول إنه ليس بإزائنا جماعة تروي عن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم ضد ما نروي مما يبطله ويناقضه أو يدعون أن أولنا ليس كآخرنا فيقال له ما أنكرت من برهمي قال لك إن العادات والمشاهدات والطبيعيات تمنع أن يتكلم ذراع مسموم مشوي وتمنع من انشقاق القمر وأنه لو انشق القمر وانفلق لبطل نظام العالم. وأما قوله ليس بإزائهم من يدفع أن أولنا ليس كآخرنا فإنه يقال له إنكم تدفعون عن ذلك أشد الدفع ولو شهد هذه الآيات الخلق الكثير لكان حكمه حكم القرآن فقد بان أن الجدلي مستعمل للمغالطة مستفرق فيما لم يستفرق. قال الجدلي أ وتدفعونا عن قولنا إنه كان لنبينا صلى الله عليه وآله وسلم من الأتباع في حياته وبعد وفاته جماعة لا يحصرهم العدد يروون آياته ويصححونها فيقال له إن جماعة لم يحصرهم العدد قد عاينوا آيات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التي هي تظليل الغمامة وكلام الذراع المسمومة وحنين الجذع وما في بابه ولكن هذه عامة الأمة تقول إن هذه آيات رواها نفر يسير في الأصل فلم ادعيت أن أحدا لا يدفعك عن هذه الدعوى. قال الجدلي ولما كان هذا هكذا كانت أخبارنا عن آيات نبينا صلى الله عليه وآله وسلم كالأخبار عن آيات موسى والأخبار عن آيات المسيح التي ادعتها النصارى لها ومن أجلها ما ادعوا وكأخبار المجوس والبراهمة عن أيام آبائهم وأسلافهم. قلنا قد عرفنا أن البراهمة تزعم أن لآبائهم وأسلافهم أمثالا موجودة ونظائر مشاهدة فلذلك قبلوه على طريق الإقناع وليس هذا مما تنكره وإنما عرفناه للوجه الذي من أجله عورض بما عورض به فليكن من وراء الفصل من حيث طولب. قال الجدلي وبإزاء هذه الفرقة من القطعية جماعات تفضلها وجماعات في مثل حالها تروي عمن يسندون إليه الخبر خبرهم في النص ضد ما يروون. فيقال له ومن هذه الجماعات التي تفضلها وأين هم في ديار الله وأين يسكنون من بلاد الله أ وما وجب عليك أن تعلم أن كتابك يقرأ ومن ليس من أهل الصناعة يعلم استعمالك للمغالطة. قال الجدلي وما كنت أحسب أن امرأ مسلما تسمح نفسه بأن يجعل الأخبار عن آيات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عروضا للأخبار في غيبة ابن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر عليه السلام ويدعي تكافؤ التواتر فيهما والله المستعان. فيقال له إنا قد بينا الوجه الذي من أجله ادعينا التساوي في هذا الباب وعرفناك أن الذي نسميه الخبر المتواتر هو الذي يرويه ثلاثة أنفس فما فوقهم وأن الأخبار عن آيات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الأصل إنما يرويها العدد القليل والمحنة بيننا وبينك أن نرجع إلى أصحاب الحديث فنطلب منهم من روى انشقاق القمر وكلام الذراع المسمومة وما يجانس ذلك من آياته فإن أمكنه أن يروي كل آية من هذه الآيات عن عشرة أنفس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عاينوا أو شاهدوا فالقول قوله وإلا فإن الموافق ادعى التكافؤ فيما هما مثلان ونظيران ومشبهان والحمد لله. وأقول وبالله التوفيق إنا قد استعبدنا بالإقرار بعصمة الإمام كما استعبدنا بالقول به والعصمة ليست في ظاهر الخليقة فترى وتشاهد ولو أقررنا بإمامة إمام وأنكرنا أن يكون معصوما لم نكن أقررنا به فإذا جاز أن نكون مستعبدين من كل إمام بالإقرار بشي ء غائب عن أبصارنا فيه جاز أن نستعبد بالإقرار بإمامة إمام غائب عن أبصارنا لضرب من ضروب الحكمة يعلمه الله تبارك وتعالى اهتدينا إلى وجهه أو لم نهتد ولا فرق. وأقول أيضا إن حال إمامنا عليه السلام اليوم في غيبته حال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ظهوره وذلك أنه عليه السلام لما كان بمكة لم يكن بالمدينة ولما كان بالمدينة لم يكن بمكة ولما سافر لم يكن بالحضر ولما حضر لم يكن في السفر وكان عليه السلام في جميع أحواله حاضرا بمكان غائبا عن غيره من الأماكن ولم تسقط حجته صلى الله عليه وآله وسلم عن أهل الأماكن التي غاب عنها فهكذا الامام عليه السلام لا تسقط حجته وإن كان غائبا عنا كما لم تسقط حجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم عمن غاب عنه وأكثر ما استعبد به الناس من شرائط الإسلام وشرائعه فهو مثل ما استعبدوا به من الإقرار بغيبة الإمام وذلك أن الله تبارك وتعالى مدح المؤمنين على إيمانهم بالغيب قبل مدحه لهم على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والإيمان بسائر ما أنزل الله عز وجل على نبيه وعلى من قبله من الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين وبالآخرة فقال (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ويُقِيمُونَ الصَّلاةَ ومِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) وإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يكون بين أصحابه فيغمى عليه وهو يتصاب عرقا فإذا أفاق قال قال الله عز وجل كذا وكذا أمركم بكذا ونهاكم عن كذا وأكثر مخالفينا يقولون إن ذلك كان يكون عند نزول جبرئيل عليه السلام عليه  فسئل الصادق عليه السلام عن الغشية التي كانت تأخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم أ كانت تكون عند هبوط جبرئيل عليه السلام فقال لا إن جبرئيل كان إذا أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يدخل عليه حتى يستأذنه وإذا دخل عليه قعد بين يديه قعدة العبد وإنما ذلك عند مخاطبة الله عز وجل إياه بغير ترجمان وواسطة  حدثنا بذلك الحسن بن أحمد بن إدريس رضي الله عنه عن أبيه عن جعفر بن محمد بن مالك عن محمد بن الحسين بن زيد عن الحسين بن علوان عن عمرو بن ثابت عن الصادق جعفر بن محمد عليه السلام فالناس لم يشاهدوا الله تبارك وتعالى يناجي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويخاطبه ولا شاهدوا الوحي ووجب عليهم الإقرار بالغيب الذي لم يشاهدوه وتصديق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك وقد أخبرنا الله عز وجل في محكم كتابه إنه ليس منا أحد (يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) وقال عز وجل (وإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِراماً كاتِبِينَ يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ) ونحن لم نرهم ولم نشاهدهم ولو لم نوقع التصديق بذلك لكنا خارجين من الإسلام رادين على الله تعالى ذكره قوله وقد حذرنا الله تبارك وتعالى من فتنة الشيطان فقال (يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ) ونحن لا نراه ويجب علينا الإيمان بكونه والحذر منه وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذكر المساءلة في القبر إنه إذا سئل الميت فلم يجب بالصواب ضربه منكر ونكير ضربة من عذاب الله ما خلق الله من دابة إلا تذعر لها ما خلا الثقلين ونحن لا نرى شيئا من ذلك ولا نشاهده ولا نسمعه وأخبرنا عنه عليه السلام أنه عرج به إلى السماء ونحن لم نر شيئا من ذلك ولا نشاهده ولا نسمعه وأخبرنا عليه السلام من زار أخاه في الله عز وجل شيعه سبعون ألف ملك يقولون ألا طبت وطابت لك الجنة ونحن لا نراهم ولا نسمع كلامهم ولو لم نسلم الأخبار الواردة في مثل ذلك وفيما يشبهه من أمور الإسلام لكنا كافرين بها خارجين من الإسلام مناظرة المؤلف مع ملحد عند ركن الدولة ولقد كلمني بعض الملحدين في مجلس الأمير السعيد ركن الدولة رضي الله عنه فقال لي وجب على إمامكم أن يخرج فقد كاد أهل الروم يغلبون على المسلمين فقلت له إن أهل الكفر كانوا في أيام نبينا صلى الله عليه وآله وسلم أكثر عددا منهم اليوم وقد أسر عليه السلام أمره وكتمه أربعين سنة بأمر الله جل ذكره وبعد ذلك أظهره لمن وثق به وكتمه ثلاث سنين عمن لم يثق به ثم آل الأمر إلى أن تعاقدوا على هجرانه وهجران جميع بني هاشم والمحامين عليه لأجله فخرجوا إلى الشعب وبقوا فيه ثلاث سنين فلو أن قائلا قال في تلك السنين لم لا يخرج محمد صلى الله عليه وآله وسلم فإنه واجب عليه الخروج لغلبة المشركين على المسلمين ما كان يكون جوابنا له إلا أنه عليه السلام بأمر الله تعالى ذكره خرج إلى الشعب حين خرج وبإذنه غاب ومتى أمره بالظهور والخروج خرج وظهر لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقي في الشعب هذه المدة حتى أوحى الله عز وجل إليه أنه قد بعث أرضة على الصحيفة المكتوبة بين قريش في هجران النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجميع بني هاشم المختومة بأربعين خاتما المعدلة عند زمعة بن الأسود فأكلت ما كان فيها من قطيعة رحم وتركت ما كان فيها من اسم الله عز وجل فقام أبو طالب فدخل مكة فلما رأته قريش قدروا أنه قد جاء ليسلم إليهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى يقتلوه أو يرجعوه عن نبوته فاستقبلوه وعظموه فلما جلس قال لهم يا معشر قريش إن ابن أخي محمد لم أجرب عليه كذبا قط وإنه قد أخبرني أن ربه أوحى إليه أنه قد بعث على الصحيفة المكتوبة بينكم الأرضة فأكلت ما كان فيها من قطيعة رحم وتركت ما كان فيها من أسماء الله عز وجل فأخرجوا الصحيفة وفكوها فوجدوها كما قال فآمن بعض وبقي بعض على كفره ورجع النبي عليه السلام وبنو هاشم إلى مكة هكذا الامام عليه السلام إذا أذن الله له في الخروج خرج وشي ء آخر وهو أن الله تعالى ذكره أقدر على أعدائه الكفار من الإمام فلو أن قائلا قال لم يمهل الله أعداءه ولا يبيدهم وهم يكفرون به ويشركون لكان جوابنا له أن الله تعالى ذكره لا يخاف الفوت فيعاجلهم بالعقوبة ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون ولا يقال له لم ولا كيف وهكذا إظهار الإمام إلى الله الذي غيبه فمتى أراده أذن فيه فظهر. فقال الملحد لست أومن بإمام لا أراه ولا تلزمني حجته ما لم أره فقلت له يجب أن تقول إنه لا تلزمك حجة الله تعالى ذكره لأنك لا تراه ولا تلزمك حجة الرسول عليه السلام لأنك لم تره. فقال للأمير السعيد ركن الدولة رضي الله عنه أيها الأمير راع ما يقول هذا الشيخ فإنه يقول إن الإمام إنما غاب ولا يرى لأن الله عز وجل لا يرى فقال له الأمير رحمه الله لقد وضعت كلامه غير موضعه وتقولت عليه وهذا انقطاع منك وإقرار بالعجز. وهذا سبيل جميع المجادلين لنا في أمر صاحب زماننا عليه السلام ما يلفظون في دفع ذلك وجحوده إلا بالهذيان والوساوس والخرافات المموهة.

وذكر أبو سهل إسماعيل بن علي النوبختي في آخر كتاب التنبيه وكثيرا ما يقول خصومنا لو كان ما تدعون من النص حقا لادعاه علي عليه السلام بعد مضي النبي صلى الله عليه وآله وسلم. فيقال لهم كيف يدعيه فيقيم نفسه مقام مدع يحتاج إلى شهود على صحة دعواه وهم لم يقبلوا قول النبي عليه السلام فكيف يقبلون دعواه لنفسه وتخلفه عن بيعة أبي بكر ودفنه فاطمة عليها السلام من غير أن يعرفهم جميعا خبرها حتى دفنها سرا أدل دليل على أنه لم يرض بما فعلوه. فإن قالوا فلم قبلها بعد عثمان قيل لهم أعطوه بعض ما وجب له فقبله وكان في ذلك مثل النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين قبل المنافقين والمؤلفة قلوبهم. وربما قال خصومنا إذا عضهم الحجاج ولزمتهم الحجة في أنه لا بد من إمام منصوص عليه عالم بالكتاب والسنة مأمون عليهما لا ينساهما ولا يغلط فيهما ولا تجوز مخالفته واجب الطاعة بنص الأول عليه فمن هو هذا الإمام سموه لنا ودلونا عليه. فيقال لهم هذا كلام في الأخبار وهو انتقال من الموضع الذي تكلمنا فيه لأنا إنما تكلمنا فيما توجبه العقول إذا مضى النبي عليه السلام وهل يجوز أن لا يستخلف وينص على إمام بالصفة التي ذكرناها فإذا ثبت ذلك بالأدلة فعلينا وعليهم التفتيش عن عين الإمام في كل عصر من قبل الأخبار ونقل الشيع النص على علي عليه السلام وهم الآن من الكثرة واختلاف الأوطان والهمم على ما هم عليه يوجب العلم والعمل لا سيما وليس بإزائهم فرقة تدعي النص لرجل بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم غير علي عليه السلام فإن عارضونا بما يدعيه أصحاب زرادشت وغيرهم من المبطلين قيل لهم هذه المعارضة تلزمكم في آيات النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإذا انفصلتم بشي ء فهو فصلنا لأن صورة الشيع في هذا الوقت كصورة المسلمين في الكثرة فإنهم لا يتعارفون وإن أسلافهم يجب أن يكونوا كذلك بل أخبار الشيع أوكد لأنه ليس معهم دولة ولا سيف ولا رهبة ولا رغبة وإنما تنقل الأخبار الكاذبة لرغبة أو رهبة أو حمل عليها بالدول وليس في أخبار الشيعة شي ء من ذلك وإذا صح بنقل الشيعة النص من النبي صلى الله عليه وآله وسلم على علي عليه السلام صح بمثل ذلك نقلها النص من علي على الحسن ومن الحسن على الحسين ثم على إمام إمام إلى الحسن بن علي ثم على الغائب الإمام بعده عليه السلام لأن رجال أبيه الحسن عليه السلام الثقات كلهم قد شهدوا له بالإمامة وغاب عليه السلام لأن السلطان طلبه طلبا ظاهرا ووكل بمنازله وحرمه سنتين. فلو قلت إن غيبة الامام عليه السلام في هذا العصر من أدل الأدلة على صحة الإمامة قلت صدقا لصدق الأخبار المتقدمة في ذلك وشهرتها. وقد ذكر بعض الشيعة ممن كان في خدمة الحسن بن علي عليه السلام وأحد ثقاته أن السبب بينه وبين ابن الحسن بن علي عليه السلام متصل وكان يخرج من كتبه وأمره ونهيه على يده إلى شيعته إلى أن توفي وأوصى إلى رجل من الشيعة مستور فقام مقامه في هذا الأمر. وقد سألونا في هذه الغيبة وقالوا إذا جاز أن يغيب الإمام ثلاثين سنة وما أشبهها فما تنكرون من رفع عينه عن العالم فيقال لهم في ارتفاع عينه ارتفاع الحجة من الأرض وسقوط الشرائع إذا لم يكن لها من يحفظها وأما إذا استتر الإمام للخوف على نفسه بأمر الله عز وجل وكان له سبب معروف متصل به وكانت الحجة قائمة إذ كانت عينه موجودة في العالم وبابه وسببه معروفان وإنما عدم إفتائه وأمره ونهيه ظاهرا وليس في ذلك بطلان للحجة ولذلك نظائر قد أقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الشعب مدة طويلة وكان يدعو الناس في أول أمره سرا إلى أن أمن وصارت له فئة وهو في كل ذلك نبي مبعوث مرسل فلم يبطل توقيه وتستره من بعض الناس بدعوته نبوته ولا أدحض ذلك حجته ثم دخل عليه السلام الغار فأقام فيه فلا يعرف أحد موضعه ولم يبطل ذلك نبوته ولو ارتفعت عينه لبطلت نبوته وكذلك الإمام يجوز أن يحبسه السلطان المدة الطويلة ويمنع من لقائه حتى لا يفتي ولا يعلم ولا يبين والحجة قائمة ثابتة واجبة وإن لم يفت ولم يبين لأنه موجود العين في العالم ثابت الذات ولو أن نبيا أو إماما لم يبين ويعلم ويفت لم تبطل نبوته ولا إمامته ولا حجته ولو ارتفعت ذاته لبطلت الحجة وكذلك يجوز أن يستتر الإمام المدة الطويلة إذا خاف ولا تبطل حجة الله عز وجل. فإن قالوا فكيف يصنع من احتاج إلى أن يسأل عن مسألة قيل له كما كان يصنع والنبي صلى الله عليه وآله وسلم في الغار من جاء إليه ليسلم وليتعلم منه فإن كان ذلك سائغا في الحكمة كان هذا مثله سائغا. ومن أوضح الأدلة على الإمامة أن الله عز وجل جعل آية النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه أتى بقصص الأنبياء الماضين عليه السلام وبكل علم من توراة وإنجيل وزبور من غير أن يكون يعلم الكتابة ظاهرا أو لقي نصرانيا أو يهوديا فكان ذلك أعظم آياته وقتل الحسين بن علي عليه السلام وخلف علي بن الحسين عليه السلام متقارب السن كانت سنه أقل من عشرين سنة ثم انقبض عن الناس فلم يلق أحدا ولا كان يلقاه إلا خواص أصحابه وكان في نهاية العبادة ولم يخرج عنه من العلم إلا يسيرا لصعوبة الزمان وجور بني أمية ثم ظهر ابنه محمد بن علي المسمى بالباقر عليه السلام لفتقه العلم فأتى من علوم الدين والكتاب والسنة والسير والمغازي بأمر عظيم وأتى جعفر بن محمد عليه السلام من بعده من ذلك بما كثر وظهر وانتشر فلم يبق فن في فنون العلم إلا أتى فيه بأشياء كثيرة وفسر القرآن والسنن ورويت عنه المغازي وأخبار الأنبياء من غير أن يرى هو وأبوه محمد بن علي أو علي بن الحسين عليه السلام عند أحد من رواة العامة أو فقهائهم يتعلمون منهم شيئا وفي ذلك أدل دليل على أنهم إنما أخذوا ذلك العلم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم عن علي عليه السلام ثم عن واحد واحد من الأئمة وكذلك جماعة الائمة عليهم السلام هذه سنتهم في العلم يسألون عن الحلال والحرام فيجيبون جوابات متفقة من غير أن يتعلموا ذلك من أحد من الناس فأي دليل أدل من هذا على إمامتهم وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نصبهم وعلمهم وأودعهم علمه وعلوم الانبياء عليهم السلام قبله وهل رأينا في العادات من ظهر عنه مثل ما ظهر عن محمد بن علي وجعفر بن محمد عليه السلام من غير أن يتعلموا ذلك من أحد من الناس. فإن قال قائل لعلهم كانوا يتعلمون ذلك سرا قيل لهم قد قال مثل ذلك الدهرية في النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يتعلم الكتابة ويقرأ الكتاب سرا وكيف يجوز أن يظن ذلك بمحمد بن علي وجعفر بن محمد بن علي عليه السلام وأكثر ما أتوا به لا يعرف إلا منهم ولا سمع من غيرهم. وقد سألونا فقالوا ابن الحسن لم يظهر ظهورا تاما للخاصة والعامة فمن أين علمتم وجوده في العالم وهل رأيتموه أو أخبرتكم جماعة قد تواترت أخبارها أنها شاهدته وعاينته فيقال لهم إن أمر الدين كله بالاستدلال يعلم فنحن عرفنا الله عز وجل بالأدلة ولم نشاهده ولا أخبرنا عنه من شاهده وعرفنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكونه في العالم بالأخبار وعرفنا نبوته وصدقه بالاستدلال وعرفنا أنه استخلف علي بن ابي طالب عليه السلام بالاستدلال وعرفنا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسائر الائمة عليهم السلام بعده عالمون بالكتاب والسنة ولا يجوز عليهم في شي ء من ذلك الغلط ولا النسيان ولا تعمد الكذب بالاستدلال وكذلك عرفنا أن الحسن بن علي عليه السلام إمام مفترض الطاعة وعلمنا بالأخبار المتواترة عن الأئمة الصادقين عليه السلام أن الإمامة لا تكون بعد كونها في الحسن والحسين عليه السلام إلا في ولد الإمام ولا يكون في أخ ولا قرابة فوجب من ذلك أن الإمام لا يمضي إلا أن يخلف من ولده إماما فلما صحت إمامة الحسن عليه السلام وصحت وفاته ثبت أنه قد خلف من ولده إماما هذا وجه من الدلالة عليه. ووجه آخر وهو أن الحسن عليه السلام خلف جماعة من ثقاته ممن يروي عنه الحلال والحرام ويؤدي كتب شيعته وأموالهم ويخرجون الجوابات وكانوا بموضع من الستر والعدالة بتعديله إياهم في حياته فلما مضى أجمعوا جميعا على أنه قد خلف ولدا هو الإمام وأمروا الناس أن لا يسألوا عن اسمه وأن يستروا ذلك من أعدائه وطلبه السلطان أشد طلب ووكل بالدور والحبالى من جواري الحسن عليه السلام ثم كانت كتب ابنه الخلف بعده تخرج إلى الشيعة بالأمر والنهي على أيدي رجال أبيه الثقات أكثر من عشرين سنة ثم انقطعت المكاتبة ومضى أكثر رجال الحسن عليه السلام الذين كانوا شهدوا بأمر الإمام بعده وبقي منهم رجل واحد قد أجمعوا على عدالته وثقته فأمر الناس بالكتمان وأن لا يذيعوا شيئا من أمر الإمام وانقطعت المكاتبة فصح لنا ثبات عين الإمام بما ذكرت من الدليل وبما وصفت عن أصحاب الحسن عليه السلام ورجاله ونقلهم خبره وصحة غيبته بالأخبار المشهورة في غيبة الامام عليه السلام وأن له غيبتين إحداهما أشد من الأخرى ومذهبنا في غيبة الإمام في هذا الوقت لا يشبه مذهب الممطورة في موسى بن جعفر لأن موسى مات ظاهرا ورآه الناس ميتا ودفن دفنا مكشوفا ومضى لموته أكثر من مائة سنة وخمسين سنة لا يدعي أحد أنه يراه ولا يكاتبه ولا يراسله ودعواهم أنه حي فيه إكذاب الحواس التي شاهدته ميتا وقد قام بعده عدة أئمة فأتوا من العلوم بمثل ما أتى به موسى عليه السلام وليس في دعوانا هذه غيبة الإمام إكذاب للحس ولا محال ولا دعوى تنكرها العقول ولا تخرج من العادات وله إلى هذا الوقت من يدعي من شيعته الثقات المستورين أنه باب إليه وسبب يؤدي عنه إلى شيعته أمره ونهيه ولم تطل المدة في الغيبة طولا يخرج من عادات من غاب فالتصديق بالأخبار يوجب اعتقاد إمامة ابن الحسن عليه السلام على ما شرحت وأنه قد غاب كما جاءت الأخبار في الغيبة فإنها جاءت مشهورة متواترة وكانت الشيعة تتوقعها وتترجاها كما ترجون بعد هذا من قيام القائم عليه السلام بالحق وإظهار العدل ونسأل الله عز وجل توفيقا وصبرا جميلا برحمته. وقال أبو جعفر محمد بن عبد الرحمن بن قبة الرازي في نقض كتاب الإشهاد لأبي زيد العلوي قال صاحب الكتاب بعد أشياء كثيرة ذكرها لا منازعة فيها وقالت الزيدية والمؤتمة الحجة من ولد فاطمة بقول الرسول المجمع عليه في حجة الوداع ويوم خرج إلى الصلاة في مرضه الذي توفي فيه  أيها الناس قد خلفت فيكم كتاب الله وعترتي ألا إنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ألا وإنكم لن تضلوا ما استمسكتم بهما ثم أكد صاحب الكتاب هذا الخبر وقال فيه قولا لا مخالفة فيه ثم قال بعد ذلك إن المؤتمة خالفت الإجماع وادعت الإمامة في بطن من العترة ولم توجبها لسائر العترة ثم لرجل من ذلك البطن في كل عصر. فأقول وبالله الثقة إن في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ما يقول الإمامية دلالة واضحة وذلك  أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي دل على أن الحجة من بعده ليس من العجم ولا من سائر قبائل العرب بل من عترته أهل بيته ثم قرن قوله بما دل به على مراده فقال ألا وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فأعلمنا أن الحجة من عترته لا تفارق الكتاب وأنا متى تمسكنا بمن لا يفارق الكتاب لن نضل ومن لا يفارق الكتاب ممن فرض على الأمة أن يتمسكوا به ويجب في العقول أن يكون عالما بالكتاب مأمونا عليه يعلم ناسخه من منسوخه وخاصه من عامه وحتمه من ندبه ومحكمه من متشابهه ليضع كل شي ء من ذلك موضعه الذي وضعه الله عز وجل لا يقدم مؤخرا ولا يؤخر مقدما ويجب أن يكون جامعا لعلم الدين كله ليمكن التمسك به والأخذ بقوله فيما اختلفت فيه الأمة وتنازعته من تأويل الكتاب والسنة ولأنه إن بقي منه شي ء لا يعلمه لم يمكن التمسك به ثم متى كان بهذا المحل أيضا لم يكن مأمونا على الكتاب ولم يؤمن أن يغلط فيضع الناسخ منه مكان المنسوخ والمحكم مكان المتشابه والندب مكان الحتم إلى غير ذلك مما يكثر تعداده وإذا كان هذا هكذا صار الحجة والمحجوج سواء وإذا فسد هذا القول صح ما قالت الإمامية من أن الحجة من العترة لا يكون إلا جامعا لعلم الدين معصوما مؤتمنا على الكتاب فإن وجدت الزيدية في أئمتها من هذه صفته فنحن أول من ينقاد له وإن تكن الأخرى فالحق أولى ما اتبع. وقال شيخ من الإمامية إنا لم نقل إن الحجة من ولد فاطمة عليها السلامليها السلام قولا مطلقا وقلناه بتقييد وشرائط ولم نحتج لذلك بهذا الخبر فقط بل احتججنا به وبغيره فأول ذلك أنا وجدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد خص من عترته أهل بيته أمير المؤمنين والحسن والحسين عليه السلام بما خص به ودل على جلالة خطرهم وعظم شأنهم وعلو حالهم عند الله عز وجل بما فعله بهم في الموطن بعد الموطن والموقف بعد الموقف مما شهرته تغني عن ذكره بيننا وبين الزيدية ودل الله تبارك وتعالى على ما وصفناه من علو شأنهم بقوله (إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) وبسورة هل أتى وما يشاكل ذلك فلما قدم عليه السلام هذه الأمور وقرر عند أمته أنه ليس في عترته من يتقدمهم في المنزلة والرفعة ولم يكن عليه السلام ممن ينسب إلى المحاباة ولا ممن يولي ويقدم إلا على الدين علمنا انهم عليهم السلام نالوا ذلك منه استحقاقا بما خصهم به فلما قال بعد ذلك كله  قد خلفت فيكم كتاب الله وعترتي علمنا أنه عنى هؤلاء دون غيرهم لأنه لو كان هناك من عترته من له هذه المنزلة لخصه عليه السلام ونبه على مكانه ودل على موضعه لئلا يكون فعله بأمير المؤمنين والحسن والحسين عليه السلام محاباة وهذا واضح والحمد لله ثم دلنا على أن الإمام بعد أمير المؤمنين الحسن باستخلاف أمير المؤمنين عليه السلام إياه واتباع أخيه له طوعا. وأما قوله إن المؤتمة خالفت الإجماع وادعت الإمامة في بطن من العترة فيقال له ما هذا الإجماع السابق الذي خالفناه فإنا لا نعرفه اللهم إلا أن تجعل مخالفة الإمامية للزيدية خروجا من الإجماع فإن كنت إلى هذا تومي فليس يتعذر على الإمامية أن تنسبك إلى مثل ما نسبتها إليه وتدعي عليك من الإجماع مثل الذي ادعيته عليها وبعد فأنت تقول إن الإمامة لا تجوز إلا لولد الحسن والحسين عليه السلام فبين لنا لم خصصت ولدهما دون سائر العترة لنبين لك بأحسن من حجتك ما قلناه وسيأتي البرهان في موضعه إن شاء الله. ثم قال صاحب الكتاب وقالت الزيدية الإمامة جائزة للعترة وفيهم لدلالة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليهم عاما لم يخصص بها بعضا دون بعض ولقول الله عز وجل لهم دون غيرهم بإجماعهم (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا). فأقول وبالله التوفيق قد غلط صاحب الكتاب فيما حكى لأن الزيدية إنما تجيز الإمامة لولد الحسن والحسين عليه السلام خاصة والعترة في اللغة العم وبنو العم الأقرب فالأقرب وما عرف أهل اللغة قط ولا حكى عنهم أحد أنهم قالوا العترة لا تكون إلا ولد الابنة من ابن العم هذا شي ء تمنته الزيدية وخدعت به أنفسها وتفردت بادعائه بلا بيان ولا برهان لأن الذي تدعيه ليس في العقل ولا في الكتاب ولا في الخبر ولا في شي ء من اللغات وهذه اللغة وهؤلاء أهلها فاسألوهم يبين لكم أن العترة في اللغة الأقرب فالأقرب من العم وبني العم. فإن قال صاحب الكتاب فلم زعمت أن الإمامة لا تكون لفلان وولده وهم من العترة عندك قلنا له نحن لم نقل هذا قياسا وإنما قلناه اتباعا لما فعله صلى الله عليه وآله وسلم بهؤلاء الثلاثة دون غيرهم من العترة ولو فعل بفلان ما فعله بهم لم يكن عندنا إلا السمع والطاعة. وأما قوله إن الله تبارك وتعالى قال (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا). فيقال له قد خالفك خصومك من المعتزلة وغيرهم في تأويل هذه الآية وخالفتك الإمامية وأنت تعلم من السابق بالخيرات عند الإمامية وأقل ما كان يجب عليك وقد ألفت كتابك هذا لتبين الحق وتدعو إليه أن تؤيد الدعوى بحجة فإن لم تكن فإقناع فإن لم يكن فترك الاحتجاج بما لم يمكنك أن تبين أنه حجة لك دون خصومك فإن تلاوة القرآن وادعاء تأويله بلا برهان أمر لا يعجز عنه أحد وقد ادعى خصومنا وخصومك أن قول الله عز وجل (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) هم جميع علماء الأمة وأن سبيل علماء العترة وسبيل علماء المرجئة سبيل واحد وأن الإجماع لا يتم والحجة لا تثبت بعلم العترة فهل بينك وبينها فصل وهل تقنع منها بما ادعت أو تسألها البرهان فإن قال بل أسألها البرهان قيل له فهات برهانك أولا على أن المعنى بهذه الآية التي تلوتها هم العترة وأن العترة هم الذرية وأن الذرية هم ولد الحسن والحسين عليه السلام دون غيرهم من ولد جعفر وغيره ممن أمهاتهم فاطميات. ثم قال ويقال للمؤتمة ما دليلكم على إيجاب الإمامة لواحد دون الجميع وحظرها على الجميع فإن اعتلوا بالوارثة والوصية قيل لهم هذه المغيرية تدعي الإمامة لولد الحسن ثم في بطن من ولد الحسن بن الحسن في كل عصر وزمان بالوارثة والوصية من أبيه وخالفوكم بعد فيما تدعون كما خالفتم غيركم فيما يدعي فأقول وبالله الثقة الدليل على أن الإمامة لا تكون إلا لواحد أن الإمام لا يكون إلا الأفضل والأفضل يكون على وجهين إما أن يكون أفضل من الجميع أو أفضل من كل واحد من الجميع فكيف كانت القصة فليس يكون الأفضل إلا واحدا لأنه من المحال أن يكون أفضل من جميع الأمة أو من كل واحد من الأمة وفي الأمة من هو أفضل منه فلما لم يجز هذا وصح بدليل تعترف الزيدية بصحته أن الإمام لا يكون إلا الأفضل صح أنها لا تكون إلا لواحد في كل عصر والفصل فيما بيننا وبين المغيرية سهل واضح قريب والمنة لله وهو أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دل على الحسن والحسين عليه السلام دلالة بينة وبان بهما من سائر العترة بما خصهما به مما ذكرناه ووصفناه فلما مضى الحسن كان الحسين أحق وأولى بدلالة الحسن لدلالة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عليه واختصاصه إياه وإشارته إليه فلو كان الحسن أوصى بالإمامة إلى ابنه لكان مخالفا للرسول صلى الله عليه وآله وسلم وحاشا له من ذلك وبعد فلسنا نشك ولا نرتاب في أن الحسين عليه السلام أفضل من الحسن بن الحسن بن علي والأفضل هو الامام عليه السلاملى الحقيقة عندنا وعند الزيدية فقد تبين لنا بما وصفنا كذب المغيرية وانتقض الأصل الذي بنوا عليه مقالتهم ونحن لم نخص علي بن الحسين بن علي عليه السلام بما خصصناه به محاباة ولا قلدنا في ذلك أحدا ولكن الأخبار قرعت سمعنا فيه بما لم تقرع في الحسن بن الحسن. ودلنا على أنه أعلم منه ما نقل من علم الحلال والحرام عنه وعن الخلف من بعده وعن أبي عبد الله عليه السلام ولم نسمع للحسن بن الحسن بشي ء يمكننا أن نقابل بينه وبين من سمعناه من علم علي بن الحسين عليه السلام والعالم بالدين أحق بالإمامة ممن لا علم له فإن كنتم يا معشر الزيدية عرفتم للحسن بن الحسن علما بالحلال والحرام فأظهروه وإن لم تعرفوا له ذلك فتفكروا في قول الله عز وجل (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) فلسنا ندفع الحسن بن الحسن عن فضل وتقدم وطهارة وزكاة وعدالة والإمامة لا يتم أمرها إلا بالعلم بالدين والمعرفة بأحكام رب العالمين وبتأويل كتابه وما رأينا إلى يومنا هذا ولا سمعنا بأحد قالت الزيدية بإمامته إلا وهو يقول في التأويل أعني تأويل القرآن على الاستخراج وفي الأحكام على الاجتهاد والقياس وليس يمكن معرفة تأويل القرآن بالاستنباط لأن ذلك كان ممكنا لو كان القرآن إنما أنزل بلغة واحدة وكان علماء أهل تلك اللغة يعرفون المراد فأما القرآن قد نزل بلغات كثيرة وفيه أشياء لا يعرف المراد منها إلا بتوقيف مثل الصلاة والزكاة والحج وما في هذا الباب منه وفيه أشياء لا يعرف المراد منها إلا بتوقيف مما نعلم وتعلمون أن المراد منه إنما عرف بالتوقيف دون غيره فليس يجوز حمله على اللغة لأنك تحتاج أولا أن تعلم أن الكلام الذي تريد أن تتأوله ليس فيه توقيف أصلا لا في جمله ولا في تفصيله. فإن قال منهم قائل لم ينكر أن يكون ما كان سبيله أن يعرف بالتوقيف فقد وقف الله رسوله صلى الله عليه وآله وسلم عليه وما كان سبيله أن يستخرج فقد وكل إلى العلماء وجعل بعض القرآن دليلا على بعض فاستغنينا بذلك عما تدعون من التوقيف والموقف. قيل له لا يجوز أن يكون ذلك على ما وصفتم لأنا نجد للآية الواحدة تأويلين متضادين كل واحد منهما يجوز في اللغة ويحسن أن يتعبد الله به وليس يجوز أن يكون للمتكلم الحكيم كلام يحتمل مرادين متضادين. فإن قال ما ينكر أن يكون في القرآن دلالة على أحد المرادين وأن يكون العلماء بالقرآن متى تدبروه علموا المراد بعينه دون غيره. فيقال للمعترض بذلك أنكرنا هذا الذي وصفته لأمر نخبرك به ليس تخلو تلك الدلالة التي في القرآن على أحد المرادين من أن تكون محتملة للتأويل أو غير محتملة فإن كانت محتملة للتأويل فالقول فيها كالقول في هذه الآية وإن كانت لا تحتمل التأويل فهي إذا توقيف ونص على المراد بعينه ويجب أن لا يشكل على أحد علم اللغة معرفة المراد وهذا ما لا تنكره العقول وهو من فعل الحكيم جائز حسن ولكنا إذا تدبرنا آي القرآن لم نجد هكذا ووجدنا الاختلاف في تأويلها قائما بين أهل العلم بالدين واللغة ولو كان هناك آيات تفسر آيات تفسيرا لا يحتمل التأويل لكان فريق من المختلفين في تأويله من العلماء باللغة معاندين ولأمكن كشف أمرهم بأهون السعي ولكان من تأول الآية خارجا من اللغة ومن لسان أهلها لأن الكلام إذا لم يحتمل التأويل فحملته على ما لا يحتمله خرجت عن اللغة التي وقع الخطاب بها فدلونا يا معشر الزيدية على آية واحدة اختلف أهل العلم في تأويلها في القرآن ما يدل نصا وتوقيفا على تأويلها وهذا أمر متعذر وفي تعذره دليل على أنه لا بد للقرآن من مترجم يعلم مراد الله تعالى فيخبر به وهذا عندي واضح.

ثم قال صاحب الكتاب وهذه الخطابية تدعي الإمامة لجعفر بن محمد من أبيه عليه السلام بالوراثة والوصية ويقفون على رجعته ويخالفون كل من قال بالإمامة ويزعمون أنكم وافقتموهم في إمامة جعفر عليه السلام وخالفوكم فيمن سواه. فأقول وبالله الثقة ليس تصح الإمامة بموافقة موافق ولا مخالفة مخالف وإنما تصح بأدلة الحق وبراهينه وأحسب أن صاحب الكتاب غلط والخطابية قوم غلاة وليس بين الغلو والإمامة نسبة فإن قال فإني أردت الفرقة التي وقفت عليه قيل له فيقال لتلك الفرقة نعلم أن الإمام بعد جعفر موسى بمثل ما علمتم أنتم به أن الإمام بعد محمد بن علي جعفر ونعلم أن جعفرا مات كما نعلم أن أباه مات والفصل بيننا وبينكم هو الفصل بينكم وبين السبائية والواقفة على أمير المؤمنين صلى الله عليه وآله وسلم فقولوا كيف شئتم. ويقال لصاحب الكتاب وأنت فما الفصل بينك وبين من اختار الإمامة لولد العباس وجعفر وعقيل أعني لأهل العلم والفضل منهم واحتج باللغة في أنهم من عترة الرسول وقال إن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عم جميع العترة ولم يخص إلا ثلاثة هم أمير المؤمنين والحسن والحسين صلى الله عليه وآله وسلم عرفناه وبين لنا. ثم قال صاحب الكتاب وهذه الشمطية تدعي إمامة عبد الله بن جعفر بن محمد من أبيه بالوراثة والوصية وهذه الفطحية تدعي إمامة إسماعيل بن جعفر عن أبيه بالوارثة والوصية وقبل ذلك إنما قالوا بإمامة عبد الله بن جعفر ويسمون اليوم إسماعيلية لأنه لم يبق للقائلين بإمامة عبد الله بن جعفر خلف ولا بقية وفرقة من الفطحية يقال لهم القرامطة قالوا بإمامة محمد بن إسماعيل بن جعفر بالوراثة والوصية وهذه الواقفة على موسى بن جعفر تدعي الإمامة لموسى وترتقب لرجعته. وأقول الفرق بيننا وبين هؤلاء سهل واضح قريب أما الفطحية فالحجة عليها أوضح من أن تخفى لأن إسماعيل مات قبل أبي عبد الله عليه السلام والميت لا يكون خليفة الحي وإنما يكون الحي خليفة الميت ولكن القوم عملوا على تقليد الرؤساء وأعرضوا عن الحجة وما في بابها وهذا أمر لا يحتاج فيه على إكثار لأنه ظاهر الفساد بين الانتقاد. وأما القرامطة فقد نقضت الإسلام حرفا حرفا لأنها أبطلت أعمال الشريعة وجاءت بكل سوفسطائية وإن الإمام إنما يحتاج إليه للدين وإقامة حكم الشريعة فإذا جاءت القرامطة تدعي أن جعفر بن محمد أو وصيه استخلف رجلا دعا إلى نقض الإسلام والشريعة والخروج عما عليه طبائع الأمة لم نحتج في معرفة كذبهم إلى أكثر من دعواهم المتناقض الفاسد الركيك.

وأما الفصل بيننا وبين سائر الفرق فهو أن لنا نقلة أخبار وحملة آثار قد طبقوا البلدان كثرة ونقلوا عن جعفر بن محمد عليه السلام من علم الحلال والحرام ما يعلم بالعادة الجارية والتجربة الصحيحة أن ذلك كله لا يجوز أن يكون كذبا مولدا وحكوا مع نقل ذلك عن أسلافهم أن ابا عبد الله عليه السلام أوصى بالإمامة إلى موسى عليه السلام ثم نقل إلينا من فضل موسى عليه السلام وعلمه ما هو معروف عند نقلة الأخبار ولم نسمع لهؤلاء بأكثر من الدعوى وليس سبيل التواتر وأهله سبيل الشذوذ وأهله فتأملوا الأخبار الصادقة تعرفوا بها فصل ما بين موسى عليه السلام ومحمد وعبد الله بني جعفر وتعالوا نمتحن هذا الأمر بخمس مسائل من الحلال والحرام مما قد أجاب فيه موسى عليه السلام فإن وجدنا لهذين فيه جوابا عند أحد من القائلين بإمامتهما فالقول كما يقولون وقد روت الإمامية أن عبد الله بن جعفر سئل كم في مائتي درهم قال خمسة دراهم قيل له وكم في مائة درهم فقال درهمان ونصف. ولو أن معترضا اعترض على الإسلام وأهله فادعى أن هاهنا من قد عارض القرآن وسألنا أن نفصل بين تلك المعارضة والقرآن لقلنا له أما القرآن فظاهر فأظهر تلك المعارضة حتى نفصل بينها وبين القرآن وهكذا نقول لهذه الفرق أما أخبارنا فهي مروية محفوظة عند أهل الأمصار من علماء الإمامية فأظهروا تلك الأخبار التي تدعونها حتى نفصل بينها وبين أخبارنا فأما أن تدعوا خبرا لم يسمعه سامع ولا عرفه أحد ثم تسألونا الفصل بين هذا الخبر فهذا ما لا يعجز عن دعوى مثله أحد ولو أبطل مثل هذه الدعوى أخبار أهل الحق من الإمامية لأبطل مثل هذه الدعوى من البراهمة أخبار المسلمين وهذا واضح ولله المنة. وقد ادعت الثنوية أن ماني أقام المعجزات وأن لهم خبرا يدل على صدقهم فقال لهم الموحدون هذه دعوى لا يعجز عنها أحد فأظهروا الخبر لندلكم على أنه لا يقطع عذرا ولا يوجب حجة وهذا شبيه بجوابنا لصاحب الكتاب. ويقال لصاحب الكتاب قد ادعت البكرية والإباضية أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نص على أبي بكر وأنكرت أنت ذلك كما أنكرنا نحن أن ابا عبد الله عليه السلام أوصى إلى هذين فبين لنا حجتك ودلنا على الفصل بينك وبين البكرية والإباضية لندلك بمثله على الفصل بيننا وبين من سميت. ويقال لصاحب الكتاب أنت رجل تدعي أن جعفر بن محمد كان على مذهب الزيدية وأنه لم يدع الإمامة من الجهة التي تذكرها الإمامية وقد ادعى القائلون بإمامة محمد بن إسماعيل بن جعفر بن محمد خلاف ما تدعيه أنت وأصحابك ويذكرون أن أسلافهم رووا ذلك عنه فعرفنا الفصل بينكم وبينهم لنأتيك بأحسن منه وأنصف من نفسك فإنه أولى بك. وفرق آخر وهو أن أصحاب محمد بن جعفر وعبد الله بن جعفر معترفون بأن الحسين نص على علي وأن عليا نص على محمد وأن محمدا نص على جعفر ودليلنا أن جعفرا نص على موسى عليه السلام هو بعينه دون غيره دليل هؤلاء على أن الحسين نص على علي وبعد فإن الإمام إذا كان ظاهرا واختلفت إليه شيعته ظهر علمه وتبين معرفته بالدين ووجدنا رواة الأخبار وحملة الآثار قد نقلوا عن موسى من علم الحلال والحرام ما هو مدون مشهور وظهر من فضله في نفسه ما هو بين عند الخاصة والعامة وهذه هي أمارات الإمامة فلما وجدنا لموسى دون غيره علمنا أنه الإمام بعد أبيه دون أخيه. وشي ء آخر وهو أن عبد الله بن جعفر مات ولم يعقب ذكرا ولا نص على أحد فرجع القائلون بإمامته عنها إلى القول بإمامة موسى عليه السلام والفصل بعد ذلك بين أخبارنا وأخبارهم هو أن الأخبار لا توجب العلم حتى يكون في طرقه وواسطته قوم يقطعون العذر إذا أخبروا ولسنا نشاح هؤلاء في أسلافهم بل نقتصر على أن يوجدونا في دهرنا من حملة الأخبار ورواة الآثار ممن يذهب مذهبهم عددا يتواتر بهم الخبر كما نوجدهم نحن ذلك فإن قدروا على هذا فليظهروه وإن عجزوا فقد وضح الفرق بيننا وبينهم في الطرف الذي يلينا ويليهم وما بعد ذلك موهوب لهم وهذا واضح والحمد لله. وأما الواقفة على موسى عليه السلام فسبيلهم سبيل الواقفة على أبي عبد الله عليه السلام ونحن فلم نشاهد موت أحد من السلف وإنما صح موتهم عندنا بالخبر فإن وقف واقف على بعضهم سألناه الفصل بينه وبين من وقف على سائرهم وهذا ما لا حيلة لهم فيه. ثم قال صاحب الكتاب ومنهم فرقة قطعت على موسى وائتموا بعده بابنه علي بن موسى عليه السلام دون سائر ولد موسى عليه السلام وزعموا أنه استحقها بالوراثة والوصية ثم في ولده حتى انتهوا إلى الحسن بن علي عليه السلام فادعوا له ولدا وسموه الخلف الصالح فمات قبل أبيه ثم إنهم رجعوا إلى أخيه الحسن وبطل في محمد ما كانوا توهموا وقالوا بدا لله من محمد إلى الحسن كما بدا له من إسماعيل بن جعفر إلى موسى وقد مات إسماعيل في حياة جعفر إلى أن مات الحسن بن علي في سنة ثلاث وستين ومائتين فرجع بعض أصحابه إلى إمامة جعفر بن علي كما رجع أصحاب محمد بن علي بعد وفاة محمد إلى الحسن وزعم بعضهم أن جعفر بن علي استحق الإمامة من أبيه علي بن محمد بالوراثة والوصية دون أخيه الحسن ثم نقلوها في ولد جعفر بالوراثة والوصية وكل هذه الفرق يتشاحون على الإمامة ويكفر بعضهم بعضا ويكذب بعضهم بعضا ويبرأ بعضهم من إمامة بعض وتدعي كل فرقة الإمامة لصاحبها بالوراثة والوصية وأشياء من علوم الغيب الخرافات أحسن منها ولا دليل لكل فرقة فيما تدعي وتخالف الباقين غير الوراثة والوصية دليلهم شهادتهم لأنفسهم دون غيرهم قولا بلا حقيقة ودعوى بلا دليل فإن كان هاهنا دليل فيما يدعي كل طائفة غير الوراثة والوصية وجب إقامته وإن لم يكن غير الدعوى للإمامة بالوراثة والوصية فقد بطلت الإمامة لكثرة من يدعيها بالوراثة والوصية ولا سبيل إلى قبول دعوى طائفة دون الأخرى إن كانت الدعوى واحدة ولا سيما وهم في إكذاب بعضهم بعضا مجتمعون وفيما يدعي كل فرقة منهم منفردون. فأقول والله الموفق للصواب لو كانت الإمامة تبطل لكثرة من يدعيها لكان سبيل النبوة سبيلها لأنا نعلم أن خلقا قد ادعاها وقد حكى صاحب الكتاب عن الإمامية حكايات مضطربة وأوهم أن تلك مقالة الكل وأنه ليس فيهم إلا من يقول بالبداء. ومن قال إن الله يبدو له من إحداث رأي وعلم مستفاد فهو كافر بالله وما كان غير هذا فهو قول المغيرية ومن ينحل للأئمة علم الغيب فهذا كفر بالله وخروج عن الإسلام عندنا. وأقل ما كان يجب عليه أن يذكر مقالة أهل الحق وأن لا يقتصر على أن القوم اختلفوا حتى يدل على أن القول بالإمامة فاسد. وبعد فإن الامام عليه السلام عندنا يعرف من وجوه سنذكرها ثم نعتبر ما يقول هؤلاء فإن لم نجد بيننا وبينهم فصلا حكمنا بفساد المذهب ثم عدنا نسأل صاحب الكتاب عن أن أي قول هو الحق من بين الأقاويل. أما قوله إن منهم فرقة قطعت على موسى وائتموا بعده بابنه علي بن موسى فهو قول رجل لا يعرف أخبار الإمامية لأن كل الإمامية إلا شرذمة وقفت وشذوذ قالوا بإمامة إسماعيل وعبد الله بن جعفر قالوا بإمامة علي بن موسى ورووا فيه ما هو مدون في الكتب وما يذكر من حملة الأخبار ونقلة الآثار خمسة مالوا إلى هذه المذاهب في أول حدوث الحادث وإنما كثر من كثر منهم بعد فكيف استحسن صاحب الكتاب أن يقول ومنهم فرقة قطعت على موسى وأعجب من هذا قوله حتى انتهوا إلى الحسن فادعوا له ابنا وقد كانوا في حياة علي بن محمد وسموا للإمامة ابنه محمدا إلا طائفة من أصحاب فارس بن حاتم وليس يحسن بالعاقل أن يشنع على خصمه بالباطل الذي لا أصل له. والذي يدل على فساد قول القائلين بإمامة محمد هو بعينه ما وصفناه في باب إسماعيل بن جعفر لأن القصة واحدة وكل واحد منهما مات قبل أبيه ومن المحال أن يستخلف الحي الميت ويوصي إليه بالإمامة وهذا أبين فسادا من أن يحتاج في كسره إلى كثرة القول. والفصل بيننا وبين القائلين بإمامة جعفر أن حكاية القائلين بإمامته عنه اختلفت وتضادت لأن منهم ومنا من حكى عنه أنه قال إني إمام بعد أخي محمد ومنهم من حكى عنه أنه قال إني إمام بعد أخي الحسن ومنهم من قال إنه قال إني إمام بعد أبي علي بن محمد. وهذه أخبار كما ترى يكذب بعضها بعضا وخبرنا في أبي محمد الحسن بن علي خبر متواتر لا يتناقض وهذا فصل بين ثم ظهر لنا من جعفر ما دلنا على أنه جاهل بأحكام الله عز وجل وهو أنه جاء يطالب أم أبي محمد بالميراث وفي حكم آبائه أن الأخ لا يرث مع الأم فإذا كان جعفر لا يحسن هذا المقدار من الفقه حتى تبين فيه نقصه وجهله كيف يكون إماما وإنما تعبدنا الله بالظاهر من هذه الأمور ولو شئنا أن نقول لقلنا وفيما ذكرناه كفاية ودلالة على أن جعفرا ليس بإمام. وأما قوله إنهم ادعوا للحسن ولدا فالقوم لم يدعوا ذلك إلا بعد أن نقل إليهم أسلافهم حاله وغيبته وصورة أمره واختلاف الناس فيه عند حدوث ما يحدث وهذه كتبهم فمن شاء أن ينظر فيها فلينظر. وأما قوله إن كل هذه الفرق يتشاحون ويكفر بعضهم بعضا فقد صدق في حكايته وحال المسلمين في تكفير بعضهم بعضا هذه الحال فليقل كيف أحب وليطعن كيف شاء فإن البراهمة تتعلق به فتطعن بمثله في الإسلام من سأل خصمه عن مسألة يريد بها نقض مذهبه إذا ردت عليه كان فيها من نقض مذهبه مثل الذي قدر أن يلزمه خصمه فإنما هو رجل يسأل نفسه وينقض قوله وهذه قصة صاحب الكتاب والنبوة أصل والإمامة فرع فإذا أقر صاحب الكتاب بالأصل لم يحسن به أن يطعن في الفرع بما رجع على الأصل والله المستعان. ثم قال ولو جازت الإمامة بالوراثة والوصية لمن يدعى له بلا دليل متفق عليه لكانت المغيرية أحق بها لإجماع الكل معها على إمامة الحسن بن علي الذي هو أصلها المستحق للإمامة من أبيه بالوراثة والوصية وامتناعها بعد إجماع الكل معها على إمامة الحسن من إجازتها لغيره. هذا مع اختلاف المؤتمة في دينهم منهم من يقول بالجسم ومنهم من يقول بالتناسخ ومنهم من تجرد التوحيد ومنهم من يقول بالعدل ويثبت الوعيد ومنهم من يقول بالقدر ويبطل الوعيد ومنهم من يقول بالرؤية ومنهم من ينفيها مع القول بالبداء وأشياء يطول الكتاب بشرحها يكفر بها بعضهم بعضا ويتبرأ بعضهم من دين بعض ولكل فرقة من هذه الفرق بزعمها رجال ثقات عند أنفسهم أدوا إليهم عن أئمتهم ما هم متمسكون به. ثم قال صاحب الكتاب وإذا جاز كذا جاز كذا شي ء لا يجوز عندنا ولم نأت بأكثر من الحكاية فلا معنى لتطويل الكتاب بذكر ما ليس فيه حجة ولا فائدة. فأقول وبالله الثقة لو كان الحق لا يثبت إلا بدليل متفق عليه ما صح حق أبدا ولكان أول مذهب يبطل مذهب الزيدية لأن دليلها ليس بمتفق عليه وأما ما حكاه عن المغيرية فهو شي ء أخذته عن اليهود لأنها تحتج أبدا بإجماعنا وإياهم على نبوة موسى عليه السلام ومخالفتهم إيانا في نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم. وأما تعييره إيانا بالاختلاف في المذاهب وبأنه كل فرقة منا تروي ما تدين به عن إمامها فهو مأخوذ من البراهمة لأنها تطعن به بعينه دون غيره على الإسلام ولو لا الإشفاق من أن يتعلق بعض هؤلاء المجان بما أحكيه عنهم لقلت كما يقولون. والإمامة أسعدكم الله إنما تصح عندنا بالنص وظهور الفضل والعلم بالدين مع الإعراض عن القياس والاجتهاد في الفرائض السمعية وفي فروعها ومن هذا الوجه عرفنا إمامة الإمام وسنقول في اختلاف الشيعة قولا مقنعا. قال صاحب الكتاب ثم لم يخل اختلافهم من أن يكون مولدا من أنفسهم أو من عند الناقلين إليهم أو من عند أئمتهم فإن كان اختلافهم من قبل أئمتهم فالإمام من جمع الكلمة لا من كان سببا للاختلاف بين الأمة لا سيما وهم أولياؤه دون أعدائه ومن لا تقية بينهم وبينه وما الفرق بين المؤتمة والأمة إذ كانوا مع أئمتهم وحجج الله عليهم في أكثر ما عابوا على الأمة التي لا إمام لها من المخالفة في الدين وإكفار بعضهم بعضا وإن يكن اختلافهم من قبل الناقلين إليهم دينهم فما يؤمنهم من أن يكون هذا سبيلهم معهم فيما ألقوا إليه من الإمامة لا سيما إذا كان المدعى له الإمامة معدوم العين غير مرئي الشخص وهو حجة عليهم فيما يدعون لإمامهم من علم الغيب إذا كان خيرته والتراجمة بينه وبين شيعته كذابين يكذبون عليه ولا علم له بهم وإن يكن اختلاف المؤتمة في دينها من قبل أنفسها دون أئمتها فما حاجة المؤتمة إلى الأئمة إذ كانوا بأنفسهم مستغنين وهو بين أظهرهم ولا ينهاهم وهو الترجمان لهم من الله والحجة عليهم هذا أيضا من أدل الدليل على عدمه وما يدعى من علم الغيب له لأنه لو كان موجودا لم يسعه ترك البيان لشيعته كما قال الله عز وجل (وما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ) فكما بين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لأمته وجب على الإمام مثله لشيعته. فأقول وبالله الثقة إن اختلاف الإمامية إنما هو من قبل كذابين دلسوا أنفسهم فيهم في الوقت بعد الوقت والزمان بعد الزمان حتى عظم البلاء وكان أسلافهم قوم يرجعون إلى ورع واجتهاد وسلامة ناحية ولم يكونوا أصحاب نظر وتميز فكانوا إذا رأوا رجلا مستورا يروي خبرا أحسنوا به الظن وقبلوه فلما كثر هذا وظهر شكوا إلى أئمتهم فأمرهم الائمة عليهم السلام بأن يأخذوا بما يجمع عليه فلم يفعلوا وجروا على عادتهم فكانت الخيانة من قبلهم لا من قبل أئمتهم والإمام أيضا لم يقف على كل هذه التخاليط التي رويت لأنه لا يعلم الغيب وإنما هو عبد صالح يعلم الكتاب والسنة ويعلم من أخبار شيعته ما ينهى إليه وأما قوله فما يؤمنهم أن يكون هذا سبيلهم فيما ألقوا إليهم من أمر الإمامة فإن الفصل بين ذلك أن الإمامة تنقل إليهم بالتواتر والتواتر لا ينكشف عن كذب وهذه الأخبار فكل واحد منها إنما خبر واحد لا يوجب خبره العلم وخبر الواحد قد يصدق ويكذب وليس هذا سبيل التواتر هذا جوابنا وكل ما أتى به سوى هذا فهو ساقط. ثم يقال له أخبرنا عن اختلاف الأمة هل تخلوا من الأقسام التي قسمتها فإذا قال لا قيل له أ فليس الرسول إنما بعث لجمع الكلمة فلا بد من نعم فيقال له أ وليس قد قال الله عز وجل (وما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ) فلا بد من نعم فيقال له فهل بين فلا بد من نعم فيقال له فما سبب الاختلاف عرفناه واقنع منا بمثله. وأما قوله فما حاجة المؤتمة إلى الأئمة إذ كانوا بأنفسهم مستغنين وهو بين أظهرهم لا ينهاهم إلى آخر الفصل فيقال له أولى الأشياء بأهل الدين الإنصاف أي قول قلناه وأومأنا به إلى أنا بأنفسنا مستغنين حتى يقرعنا به صاحب الكتاب ويحتج علينا أو أي حجة توجهت له علينا توجب ما أوجبه ومن لم يبال بأي شي ء قابل خصومه كثرت مسائله وجواباته.

وأما قوله وهذا من أدل دليل على عدمه لأنه لو كان موجودا لم يسعه ترك البيان لشيعته كما قال الله عز وجل (وما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ) فيقال لصاحب الكتاب أخبرنا عن العترة الهادية يسعهم أن لا يبينوا للإمة الحق كله فإن قال نعم حج نفسه وعاد كلامه وبالا عليه لأن الأمة قد اختلفت وتباينت وكفر بعضها بعضا فإن قال لا قيل هذا من أدل دليل على عدم العترة وفساد ما تدعيه الزيدية لأن العترة لو كانوا كما تصف الزيدية لبينوا للإمة ولم يسعهم السكوت والإمساك كما قال الله عز وجل (وما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ) فإن ادعى أن العترة قد بينوا الحق للإمة غير أن الأمة لم تقبل ومالت إلى الهوى قيل له هذا بعينه قول الإمامية في الإمام وشيعته ونسأل الله التوفيق. ثم قال صاحب الكتاب ويقال لهم لم استتر إمامكم عن مسترشده فإن قالوا تقية على نفسه قيل لهم فالمسترشد أيضا يجوز له أن يكون في تقية من طلبه لا سيما إذا كان المسترشد يخاف ويرجو ولا يعلم ما يكون قبل كونه فهو في تقية وإذا جازت التقية للإمام فهي للمأموم أجوز وما بال الإمام في تقية من إرشادهم وليس هو في تقية من تناول أموالهم والله يقول (اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً) وقال (إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ والرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ ويَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) فهذا مما يدل على أن أهل الباطل عرض الدنيا يطلبون والذين يتمسكون بالكتاب لا يسألون الناس أجرا وهم مهتدون ثم قال وإن قالوا كذا قيل كذا فشي ء لا يقوله إلا جاهل منقوص. والجواب عما سأل أن الإمام لم يستتر عن مسترشده إنما استتر خوفا على نفسه من الظالمين فأما قوله فإذا جازت التقية للإمام فهي للمأموم أجوز فيقال له إن كنت تريد أن المأموم يجوز له أن يتقي من الظالم ويهرب عنه متى خاف على نفسه كما جاز للإمام فهذا لعمري جائز وإن كنت تريد أن المأموم يجوز له أن لا يعتقد إمامة الإمام للتقية فذلك لا يجوز إذا قرعت الأخبار سمعه وقطعت عذره لأن الخبر الصحيح يقوم مقام العيان وليس على القلوب تقية ولا يعلم ما فيها إلا الله. وأما قوله وما بال الإمام في تقية من إرشادهم وليس في تقية من تناول أموالهم والله يقول (اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً) فالجواب عن ذلك إلى آخر الفصل يقال له إن الإمام ليس في تقية من إرشاد من يريد الإرشاد وكيف يكون في تقية وقد بين لهم الحق وحثهم عليه ودعاهم إليه وعلمهم الحلال والحرام حتى شهروا بذلك وعرفوا به وليس يتناول أموالهم وإنما يسألهم الخمس الذي فرضه الله عز وجل ليضعه حيث أمر أن يضعه والذي جاء بالخمس هو الرسول وقد نطق القرآن بذلك قال الله عز وجل (واعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) وقال (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً) فإن كان في أخذ المال عيب أو طعن فهو على من ابتدأ به والله المستعان. ويقال لصاحب الكتاب أخبرنا عن الإمام منكم إذا خرج وغلب هل يأخذ الخمس وهل يجبي الخراج وهل يأخذ الحق من الفي ء والمغنم والمعادن وما أشبه ذلك فإن قال لا فقد خالف حكم الإسلام وإن قال نعم قيل له فإن احتج عليه رجل مثلك بقول الله عز وجل (اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً) وبقوله (إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ والرُّهْبانِ) بأي شي ء تجيبه حتى تجيبك الإمامية بمثله وهذا وفقكم الله شي ء كان الملحدون يطعنون به على المسلمين وما أدري من دلسه لهؤلاء واعلم علمك الله الخير وجعلك من أهله أنما يعمل بالكتاب والسنة ولا يخالفهما فإن أمكن خصومنا أن يدلونا على أنه خالف في أخذ ما أخذ الكتاب والسنة فلعمري أن الحجة واضحة لهم وإن لم يمكنهم ذلك فليعلموا أنه ليس في العمل بما يوافق الكتاب والسنة عيب وهذا بين. ثم قال صاحب الكتاب ويقال لهم نحن لا نجيز الإمامة لمن لا يعرف فهل توجدونا سبيلا إلى معرفة صاحبكم الذي تدعون حتى نجيز له الإمامة كما نجوز للموجودين من سائر العترة وإلا فلا سبيل إلى تجويز الإمامة للمعدومين وكل من لم يكن موجودا فهو معدوم وقد بطل تجويز الإمامة لمن تدعون. فأقول وبالله أستعين يقال لصاحب الكتاب هل تشك في وجود علي بن الحسين وولده عليه السلام الذين نأتم بهم فإذا قال لا قيل له فهل يجوز أن يكونوا أئمة فإن قال نعم قيل له فأنت لا تدري لعلنا على صواب في اعتقاد إمامتهم وأنت على خطأ وكفى بهذا حجة عليك وإن قال لا قيل له فما ينفع من إقامة الدليل على وجود إمامنا وأنت لا تعترف بإمامة مثل علي بن الحسين عليه السلام مع محله من العلم والفضل عند المخالف والموافق ثم يقال له إنا إنما علمنا أن في العترة من يعلم التأويل ويعرف الأحكام بخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي قدمناه وبحاجتنا إلى من يعرفنا المراد من القرآن ومن يفصل بين أحكام الله وأحكام الشيطان ثم علمنا أن الحق في هذه الطائفة من ولد الحسين عليه السلام لما رأينا كل من خالفهم من العترة يعتمد في الحكم والتأويل على ما يعتمد عليه علماء العامة من الرأي والاجتهاد والقياس في الفرائض السمعية التي لا علة في التعبد بها إلا المصلحة فعلمنا بذلك أن المخالفين لهم مبطلون ثم ظهر لنا من علم هذه الطائفة بالحلال والحرام والأحكام ما لم يظهر من غيرهم ثم ما زالت الأخبار ترد بنص واحد على آخر حتى بلغ الحسن بن علي عليه السلام فلما مات ولم يظهر النص والخلف بعده رجعنا إلى الكتب التي كان أسلافنا رووها قبل الغيبة فوجدنا فيها ما يدل على أمر الخلف من بعد الحسن عليه السلام وأنه يغيب عن الناس ويخفى شخصه وأن الشيعة تختلف وأن الناس يقعون في حيرة من أمره فعلمنا أن أسلافنا لم يعلموا الغيب وأن الأئمة أعلموهم ذلك بخبر الرسول فصح عندنا من هذا الوجه بهذه الدلالة كونه ووجوده وغيبته فإن كان هاهنا حجة تدفع ما قلناه فلتظهرها الزيدية فما بيننا وبين الحق معاندة والشكر لله.

ثم رجع صاحب الكتاب إلى أن يعارضنا بما تدعيه الواقفة على موسى بن جعفر ونحن فلم نقف على أحد ونسأل الفصل بين الواقفين وقد بينا أنا علمنا أن موسى عليه السلام قد مات بمثل ما علمنا أن جعفرا مات وأن الشك في موت أحدهما يدعو إلى الشك في موت الآخر وأنه قد وقف على جعفر عليه السلام قوم أنكرت الواقفة على موسى عليهم وكذلك أنكرت قول الواقفة على أمير المؤمنين عليه السلام. فقلنا لهم يا هؤلاء حجتكم على أولئك هي حجتنا عليكم فقولوا كيف شئتم تحجوا أنفسكم. ثم حكى عنا أنا كنا نقول للواقفة إن الإمام لا يكون إلا ظاهرا موجودا وهذه حكاية من لا يعرف أقاويل خصمه وما زالت الإمامية تعتقد أن الإمام لا يكون إلا ظاهرا مكشوفا أو باطنا مغمورا وأخبارهم في ذلك أشهر وأظهر من أن تخفى ووضع الأصول الفاسدة للخصوم أمر لا يعجز عنه أحد ولكنه قبيح بذي الدين والفضل والعلم ولو لم يكن في هذا المعنى إلا خبر كميل بن زياد لكفى. ثم قال فإن قالوا كذا قيل لهم كذا لشي ء لا نقوله وحجتنا ما سمعتم وفيها كفاية والحمد لله ثم قال ليس الأمر كما تتوهمون في بني هاشم لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دل أمته على عترته بإجماعنا وإجماعكم التي هي خاصته التي لا يقرب أحد منه عليه السلام كقربهم فهي لهم دون الطلقاء وأبناء الطلقاء ويستحقها واحد منهم في كل زمان إذ كان الإمام لا يكون إلا واحدا بلزوم الكتاب والدعاء إلى إقامته بدلالة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عليهم أنهم لا يفارقون الكتاب حتى يردوا على الحوض وهذا إجماع والذي اعتللتم به من بني هاشم ليس هم من ذرية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وإن كانت لهم ولادة لأن كل بني ابنة ينتمون إلى عصبتهم ما خلا ولد فاطمة فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عصبتهم وأبوهم والذرية هم الولد لقوا الله عز وجل (إِنِّي أُعِيذُها بِكَ وذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ). فأقول وبالله أعتصم إن هذا الأمر لا يصح بإجماعنا وإياكم عليه وإنما يصح بالدليل والبرهان فما دليلك على ما ادعيت وعلى أن الإجماع بيننا إنما هو في ثلاثة أمير المؤمنين والحسن والحسين عليه السلام ولم يذكر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ذريته وإنما ذكر عترته فملتم أنتم إلى بعض العترة دون بعض بلا حجة وبيان أكثر من الدعوى واحتججنا نحن بما رواه أسلافنا عن جماعة حتى انتهى خبرهم إلى نص الحسين بن علي عليه السلام على علي ابنه ونص علي على محمد ونص محمد على جعفر ثم استدللنا على صحة إمامة هؤلاء دون غيرهم ممن كان في عصرهم من العترة بما ظهر من علمهم بالدين وفضلهم في أنفسهم وقد حمل العلم عنهم الأولياء والأعداء وذلك مبثوث في الأمصار معروف عند نقلة الأخبار وبالعلم تتبين الحجة من المحجوج والإمام من المأموم والتابع من المتبوع وأين دليلكم يا معشر الزيدية على ما تدعون. ثم قال صاحب الكتاب ولو جازت الإمامة لسائر بني هاشم مع الحسن والحسين عليه السلام لجازت لبني عبد مناف مع بني هاشم ولو جازت لبني عبد مناف مع بني هاشم لجازت لسائر ولد قصي ثم مد في هذا القول. فيقال له أيها المحتج عن الزيدية إن هذا لشي ء لا يستحق بالقرابة وإنما يستحق بالفضل والعلم ويصح بالنص والتوقيف فلو جازت الإمامة لأقرب رجل من العترة لقرابته لجازت لأبعدهم فافصل بينك وبين من ادعى ذلك وأظهر حجتك وافصل الآن بينك وبين من قال ولو جازت لولد الحسن لجازت لولد جعفر ولو جازت لهم لجازت لولد العباس وهذا فصل لا تأتي به الزيدية أبدا إلا أن تفزع إلى فصلنا وحجتنا وهو النص من واحد على واحد وظهور العلم بالحلال والحرام. ثم قال صاحب الكتاب وإن اعتلوا بعلي عليه السلام فقالوا ما تقولون فيه أ هو من العترة أم لا قيل لهم ليس هو من العترة ولكنه بان من العترة ومن سائر القرابة بالنصوص عليه يوم الغدير بإجماع. فأقول وبالله أستعين يقال لصاحب الكتاب أما النصوص يوم الغدير فصحيح وأما إنكارك أن يكون أمير المؤمنين من العترة فعظيم فدلنا على أي شي ء تعول فيما تدعي فإن أهل اللغة يشهدون أن العم وابن العم من العترة ثم أقول إن صاحب الكتاب نقض بكلامه هذا مذهبه لأنه معتقد أن أمير المؤمنين ممن خلفه الرسول في أمته ويقول في ذلك إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خلف في أمته الكتاب والعترة وإن أمير المؤمنين صلى الله عليه وآله وسلم ليس من العترة وإذا لم يكن من العترة فليس ممن خلفه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهذا متناقض كما ترى اللهم إلا أن يقول إنه صلى الله عليه وآله وسلم خلف العترة فينا بعد أن قتل أمير المؤمنين صلى الله عليه وآله وسلم فنسأله أن يفصل بينه وبين من قال وخلف الكتاب فينا منذ ذلك الوقت لأن الكتاب والعترة خلفا معا والخبر ناطق بذلك شاهد به ولله المنة. ثم أقبل صاحب الكتاب بما هو حجة عليه فقال ونسأل من ادعى الإمامة لبعض دون بعض إقامة الحجة ونسي نفسه وتفرده بادعائها لولد الحسن والحسين عليه السلام دون غيرهم ثم قال فإن أحالوا على الأباطيل من علم الغيب وأشباه ذلك من الخرافات وما لا دليل لهم عليه دون الدعوى عورضوا بمثل ذلك لبعض فجاز أن العترة من الظالمين لأنفسهم إن كان الدعوى هو الدليل. فيقال لصاحب الكتاب قد أكثرت في ذكر علم الغيب والغيب لا يعلمه إلا الله وما ادعاه لبشر إلا مشرك كافر وقد قلنا لك ولأصحابك دليلنا على ما ندعي الفهم والعلم فإن كان لكم مثله فأظهروه وإن لم يكن إلا التشنيع والتقول وتقريع الجميع بقول قوم غلاة فالأمر سهل وحسبنا الله ونعم الوكيل. ثم قال صاحب الكتاب ثم رجعنا إلى إيضاح حجة الزيدية بقول الله تبارك وتعالى (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا). فيقال له نحن نسلم لك أن هذه الآية نزلت في العترة فما برهانك على أن السابق بالخيرات هم ولد الحسن والحسين دون غيرهم من سائر العترة فإنك لست تريد إلا التشنيع على خصومك وتدعي لنفسك. ثم قال قال الله عز وجل وذكر الخاصة والعامة من أمة نبيه (واعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً) ثم قال انقضت مخاطبة العامة ثم استأنف مخاطبة الخاصة فقال (ولْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ) إلى قوله للخاصة (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) فقال هم ذرية إبراهيم عليه السلام دون سائر الناس ثم المسلمون دون من أشرك من ذرية إبراهيم عليه السلام قبل إسلامه وجعلهم شهداء على الناس فقال (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا واسْجُدُوا واعْبُدُوا) إلى قوله (وتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) وهذا سبيل الخاصة من ذرية إبراهيم عليه السلام ثم اعتل بآيات كثيرة تشبه هذه الآيات من القرآن. فيقال له أيها المحتج أنت تعلم أن المعتزلة وسائر فرق الأمة تنازعك في تأويل هذه الآيات أشد منازعة وأنت فليس تأتي بأكثر من الدعوى ونحن نسلم لك ما ادعيت ونسألك الحجة فيما تفردت به من أن هؤلاء هم ولد الحسن والحسين عليه السلام دون غيرهم فإلى متى تأتي بالدعوى وتعرض عن الحجة وتهول علينا بقراءة القرآن وتوهم أن لك في قراءته حجة ليست لخصومك والله المستعان. ثم قال صاحب الكتاب فليس من دعا إلى الخير من العترة كمن أمر بالمعروف ونهى عن المنكر وجاهد في الله حق جهاده سواء وسائر العترة ممن لم يدع إلى الخير ولم يجاهد في الله حق جهاده كما لم يجعل الله من هذا سبيله من أهل الكتاب سواء وسائر أهل الكتاب وإن كان تارك ذلك فاضلا عابدا لأن العبادة نافلة والجهاد فريضة لازمة كسائر الفرائض صاحبها يمشي بالسيف إلى السيف ويؤثر على الدعة الخوف ثم قرأ سورة الواقعة وذكر الآيات التي ذكر الله عز وجل فيها الجهاد وأتبع الآيات بالدعاوي ولم يحتج لشي ء من ذلك بحجة فنطالبه بصحتها أو نقابله بما نسأله فيه الفصل. فأقول وبالله أستعين إن كان كثرة الجهاد هو الدليل على الفضل والعلم والإمامة فالحسين عليه السلام أحق بالإمامة من الحسن عليه السلام لأن الحسن وادع معاوية والحسين عليه السلام جاهد حتى قتل وكيف يقول صاحب الكتاب وبأي شي ء يدفع هذا وبعد فلسنا ننكر فرض الجهاد ولا فضله ولكنا رأينا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يحارب أحدا حتى وجد أعوانا وأنصارا وإخوانا فحينئذ حارب ورأينا امير المؤمنين عليه السلام فعل مثل ذلك بعينه ورأينا الحسن عليه السلام قد هم بالجهاد فلما خذله أصحابه وادع ولزم منزله فعلمنا أن الجهاد فرض في حال وجود الأعوان والأنصار والعالم بإجماع العقول أفضل من المجاهد الذي ليس بعالم وليس كل من دعا إلى الجهاد يعلم كيف حكم الجهاد ومتى يجب القتال ومتى تحسن الموادعة وبما ذا يستقبل أمر هذه الرعية وكيف يصنع في الدماء والأموال والفروج وبعد فإنا نرضى من إخواننا بشي ء واحد وهو أن يدلونا على رجل من العترة ينفي التشبيه والجبر عن الله ولا يستعمل الاجتهاد والقياس في الأحكام السمعية ويكون مستقلا كافيا حتى نخرج معه فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة على قدر الطاقة وحسب الإمكان والعقول تشهد أن تكليف ما لا يطاق فاسد والتغرير بالنفس قبيح ومن التغرير أن تخرج جماعة قليلة لم تشاهد حربا ولا تدربت بدربة أهله إلى قوم متدربين بالحروب تمكنوا في البلاد وقتلوا العباد وتدربوا بالحروب ولهم العدد والسلاح والكراع ومن نصرهم من العامة ويعتقدوا أن الخارج عليهم مباح الدم مثل جيشهم أضعافا مضاعفة فكيف يسومنا صاحب الكتاب أن نلقى بالأغمار المتدربين بالحروب وكم عسى أن يحصل في يد داع إن دعا من هذا العدد هيهات هيهات هذا أمر لا يزيله إلا نصر الله العزيز العليم الحكيم. قال صاحب الكتاب بعد آيات من القرآن تلاها ينازع في تأويلها أشد منازعة ولم يؤيد تأويله بحجة عقل ولا سمع فافهم رحمك الله من أحق أن يكون لله شهيدا من دعا إلى الخير كما أمر ونهى عن المنكر وأمر بالمعروف وجاهد في الله حق جهاده حتى استشهد أم من لم ير وجهه ولا عرف شخصه أم كيف يتخذه الله شهيدا على من لم يرهم ولا نهاهم ولا أمرهم فإن أطاعوه أدوا ما عليهم وإن قتلوه مضى إلى الله عز وجل شهيدا ولو أن رجلا استشهد قوما على حق يطالب به لم يروه ولا شهدوه هل كان شهيدا وهل يستحق بهم حقا إلا أن يشهدوا على ما لم يروه فيكونوا كذابين وعند الله مبطلين وإذا لم يجز ذلك من العباد فهو غير جائز عند الحكم العدل الذي لا يجور ولو أنه استشهد قوما قد عاينوا وسمعوا فشهدوا له والمسألة على حالها أ ليس كان يكون محقا وهم صادقون وخصمه مبطل وتمضي الشهادة ويقع الحكم وكذلك قال الله تعالى (إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وهُمْ يَعْلَمُونَ) أ ولا ترى أن الشهادة لا تقع بالغيب دون العيان وكذلك قول عيسى (وكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ). فأقول وبالله أعتصم يقال لصاحب الكتاب ليس هذا الكلام لك بل هو للمعتزلة وغيرهم علينا وعليك لأنا نقول إن العترة غير ظاهرة وإن من شاهدنا منها لا يصلح أن يكون إماما وليس يجوز أن يأمرنا الله عز وجل بالتمسك بمن لا نعرف منهم ولا نشاهده ولا شاهده أسلافنا وليس في عصرنا ممن شاهدناه منهم ممن يصلح أن يكون إماما للمسلمين والذين غابوا لا حجة لهم علينا وفي هذا أدل دليل على أن معنى  قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي ليس ما يسبق إلى قلوب الإمامية والزيدية وللنظام وأصحابه أن يقولوا وجدنا الذي لا يفارق الكتاب هو الخبر القاطع للعذر فإنه ظاهر كظهور الكتاب ينتفع به ويمكن اتباعه والتمسك به. فأما العترة فلسنا نشاهد منهم عالما يمكن أن نقتدي به وإن بلغنا عن واحد منهم مذهب بلغنا عن آخر أنه يخالفه والاقتداء بالمختلفين فاسد فكيف يقول صاحب الكتاب ثم اعلم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما أمرنا بالتمسك بالعترة كان بالعقل والتعارف والسيرة ما يدل على أنه أراد علماءهم دون جهالهم والبررة الأتقياء دون غيرهم فالذي يجب علينا ويلزمنا أن ننظر إلى من يجتمع له العلم بالدين مع العقل والفضل والحلم والزهد في الدنيا والاستقلال بالأمر فنقتدي به ونتمسك بالكتاب وبه. وإن قال فإن اجتمع ذلك في رجلين وكان أحدهما ممن يذهب إلى مذهب الزيدية والآخر إلى مذهب الإمامية بمن يقتدى منهما ولمن يتبع قلنا له هذا لا يتفق فإن اتفق فرق بينهما دلالة واضحة إما نص من إمام تقدمه وإما شي ء يظهر في علمه كما ظهر في أمير المؤمنين يوم النهر حين قال :  والله ما عبروا النهر ولا يعبروا والله ما يقتل منكم عشرة ولا ينجوا منهم عشرة وإما أن يظهر من أحدهما مذهب يدل على أن الاقتداء به لا يجوز كما ظهر من علم الزيدية القول بالاجتهاد والقياس في الفرائض السمعية والأحكام فيعلم بهذا أنهم غير أئمة ولست أريد بهذا القول زيد بن علي وأشباهه لأن أولئك لم يظهروا ما ينكر ولا ادعوا أنهم أئمة وإنما دعوا إلى الكتاب والرضا من آل محمد وهذه دعوة حق. وأما قوله كيف يتخذه الله شهيدا على من لم يرهم ولا أمرهم ولا نهاهم فيقال له ليس معنى الشهيد عند خصومك ما تذهب إليه ولكن إن عبت الإمامية بأن من لم ير وجهه ولا عرف شخصه لا يكون بالمحل الذي يدعونه له فأخبرنا عنك من الإمام الشهيد من العترة في هذا الوقت فإن ذكر أنه لا يعرفه دخل فيما عاب ولزمه ما قدر أنه يلزم خصومه فإن قال هو فلان قلنا له فنحن لم نر وجهه ولا عرفنا شخصه فكيف يكون إماما لنا وشهيدا علينا فإن قال إنكم وإن لم تعرفوه فهو موجود الشخص معروف علمه من علمه وجهله من جهله قلنا سألناك بالله هل تظن أن المعتزلة والخوارج والمرجئة والإمامية تعرف هذا الرجل أو سمعت به أو خطر ذكره ببالها فإن قال هذا ما لا يضره ولا يضرنا لأن السبب في ذلك إنما هو غلبة الظالمين على الدار وقلة الأعوان والأنصار قلت له لقد دخلت فيما عبت وحججت نفسك من حيث قدرت أنك تحاج خصومك وما أقرب هذه الغيبة من غيبه الإمامية غير أنكم لا تنصفون. ثم يقال قد أكثرت في ذكر الجهاد ووصف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى أوهمت أن من لم يخرج فليس بمحق فما بال أئمتك والعلماء من أهل مذهبك لا يخرجون وما لهم قد لزموا منازلهم واقتصروا على اعتقاد المذهب فقط فإن نطق بحرف فتقابله الإمامية بمثله ثم قيل له برفق ولين هذا الذي عبته على الإمامية وهتفت بهم من أجله وشنعت به على أئمتهم بسببه وتوصلت بذكره إلى ما ضمنته كتابك قد دخلت فيه وملت إلى صحته وعولت عند الاحتجاج عليه والحمد لله الذي هدانا لدينه. ثم يقال له أخبرنا هل في العترة اليوم من يصلح للإمامة فلا بد من أن يقول نعم فيقال له أ فليس إمامته لا تصح إلا بالنص على ما تقوله الإمامية ولا معه دليل معجز يعلم به أنه إمام وليس سبيله عندكم سبيل من يجتمع أهل الحل والعقد من الأمة فيتشاورون في أمره ثم يختارونه ويبايعونه فإذا قال نعم قيل له فكيف السبيل إلى معرفته فإن قالوا يعرف بإجماع العترة عليه قلنا لهم كيف تجتمع عليه فإن كان إماميا لم ترض به الزيدية وإن كان زيديا لم ترض به الإمامية فإن قال لا يعتبر بالإمامية في مثل هذا قيل له فالزيديه على قسمين قسم معتزلة وقسم مثبتة فإن قال لا يعتبر بالمثبتة في مثل هذا قيل له فالمعتزلة قسمان قسم يجتهد في الأحكام بآرائها وقسم يعتقد أن الاجتهاد ضلال فإن قال لا يعتبر بمن نفى الاجتهاد قيل له فإن بقي ممن يرى الاجتهاد منهم أفضلهم وبقي ممن يبطل الاجتهاد منهم أفضلهم ويبرأ بعضهم من بعض بمن نتمسك وكيف نعلم المحق منهما هو من تومئ أنت وأصحابك إليه دون غيره فإن قال بالنظر في الأصول قلنا فإن طال الاختلاف واشتبه الأمر كيف نصنع وبما نتفصى من  قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي والحجة من عترته لا يمكن أحدا أن يعرفه إلا بعد النظر في الأصول والوقوف على أن مذاهبه كلها صواب وعلى أن من خالفه فقد أخطأ وإذا كان هكذا فسبيله وسبيل كل قائل من أهل العلم سبيل واحد فما تلك الخاصة التي هي للعترة دلنا عليها وبين لنا جميعها لنعلم أن بين العالم من العترة وبين العالم من غير العترة فرقا وفصلا. وأخرى يقال لهم أخبرونا عن إمامكم اليوم أ عنده الحلال والحرام فإذا قالوا نعم قلنا لهم وأخبرونا عما عنده مما ليس في الخبر المتواتر هل هو مثل ما عند الشافعي وأبي حنيفة ومن جنسه أو هو خلاف ذلك فإن قال بل عنده الذي عندهما ومن جنسه قيل لهم وما حاجة الناس إلى علم إمامكم الذي لم يسمع به وكتب الشافعي وأبي حنيفة ظاهرة مبثوثة موجودة وإن قال بل عنده خلاف ما عندهما قلنا فخلاف ما عندهما هو النص المستخرج الذي تدعيه جماعة من مشايخ المعتزلة وإن الأشياء كلها على إطلاق العقول إلا ما كان في الخبر القاطع للعذر على مذهب النظام وأتباعه أو مذهب الإمامية أن الأحكام منصوصة واعلموا أنا لا نقول منصوصة على الوجه الذي يسبق إلى القلوب ولكن المنصوص عليه بالجمل التي من فهمها فهم الأحكام من غير قياس ولا اجتهاد فإن قالوا عنده ما يخالف هذا كله خرجوا من التعارف وإن تعلقوا بمذهب من المذاهب قيل لهم فأين ذلك العلم هل نقله عن إمامكم أحد يوثق بدينه وأمانته فإن قالوا نعم قيل لهم قد عاشرناكم الدهر الأطول فما سمعنا بحرف واحد من هذا العلم وأنتم قوم لا ترون التقية ولا يراها إمامكم فأين علمه وكيف لم يظهر ولم ينتشر ولكن أخبرونا ما يؤمنا أن تكذبوا فقد كذبتم على إمامكم كما تدعون أن الإمامية كذبت على جعفر بن محمد عليه السلام وهذا ما لا فصل فيه. مسألة أخرى ويقال لهم أ ليس جعفر بن محمد عندكم كان لا يذهب إلى ما تدعيه الإمامية وكان على مذهبكم ودينكم فلا بد من أن يقولوا نعم اللهم إلا أن تبرءوا منه فيقال لهم وقد كذبت الإمامية فيما نقلته عنه وهذه الكتب المؤلفة التي في أيديهم إنما هي من تأليف الكذابين فإذا قالوا نعم قيل لهم فإذا جاز ذلك فلم لا يجوز أن يكون إمامكم يذهب مذهب الإمامية ويدين بدينها وأن يكون ما يحكي سلفكم ومشايخكم عنه مولدا موضوعا لا أصل له فإن قالوا ليس لنا في هذا الوقت إمام نعرفه بعينه نروي عنه علم الحلال والحرام ولكنا نعلم أن في العترة من هو موضع هذا الأمر وأهله قلنا لهم دخلتم فيما عبتموه على الإمامية بما معها من الأخبار من أئمتها بالنص على صاحبهم والإشارة إليه والبشارة به وبطل جميع ما قصصتم به من ذكر الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فصار إمامكم بحيث لا يرى ولا يعرف فقولوا كيف شئتم ونعوذ بالله من الخذلان. ثم قال صاحب الكتاب وكما أمر الله العترة بالدعاء إلى الخير وصف سبق السابقين منهم وجعلهم شهداء وأمرهم بالقسط فقال (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ) ثم أتبع ذلك بضرب من التأويل وقراءة آيات من القرآن ادعى أنها في العترة ولم يحتج لشي ء منها بحجة أكثر من أن يكون الدعوى ثم قال وقد أوجب الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ترك الأمر والنهي إلى أن هيأ له أنصارا فقال (وإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا) إلى قوله (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) فمن لم يكن من السابقين بالخيرات المجاهدين في الله ولا من المقتصدين الواعظين بالأمر والنهي عند إعواز الأعوان فهو من الظالمين لأنفسهم وهذا سبيل من كان قبلنا من ذراري الانبياء عليهم السلام ثم تلا آيات من القرآن. فيقال له ليس علينا لمن أراد بهذا الكلام ولكن أخبرنا عن الإمام من العترة عندك من أي قسم هو فإن قال من المجاهدين قيل له فمن هو ومن جاهد ويعلم من خرج وأين خيله ورجله فإن قال هو ممن يعظ بالأمر والنهي عند إعواز الأعوان قيل له فمن سمع أمره ونهيه فإن قال أولياؤه وخاصته قلنا فإن اتبع هذا وسقط فرض ما سوى ذلك عنه لإعواز الأعوان وجاز أن لا يسمع أمره ونهيه إلا أولياؤه فأي شي ء عبته على الإمامية ولم ألفت كتابك هذا وبمن عرضت وليت شعري وبمن قرعت بآي القرآن وألزمته فرض الجهاد ثم يقال له وللزيدية جميعا أخبرونا لو خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الدنيا ولم ينص على امير المؤمنين عليه السلام ولا دل عليه ولا أشار إليه أ كان يكون ذلك من فعله صوابا وتدبيرا حسنا جائزا فإن قالوا نعم فقلنا لهم ولو لم يدل على العترة أ كان يكون ذلك جائزا فإن قالوا نعم قلنا ولو لم يدل فأي شي ء أنكرتم على المعتزلة والمرجئة والخوارج وقد كان يجوز أن لا يقع النص فيكون الأمر شورى بين أهل الحل والعقد وهذا ما لا حيلة فيه فإن قالوا لا ولا بد من النص على أمير المؤمنين صلى الله عليه وآله وسلم ومن الأدلة على العترة قيل لهم لم حتى إذا ذكروا الحجة الصحيحة فننقلها إلى الإمام في كل زمان لأن النص إن وجب في زمن وجب في كل زمان لأن العلل الموجبة له موجودة أبدا ونعوذ بالله من الخذلان.

مسألة أخرى يقال لهم إذا كان الخبر المتواتر حجة رواه العترة والأمة وكان الخبر الواحد من العترة كخبر الواحد من الأمة يجوز على الواحد منهم من تعمد الباطل ومن السهو والزلل ما يجوز على الواحد من الأمة وما ليس في الخبر المتواتر ولا خبر الواحد فسبيله عندكم الاستخراج وكان يجوز على المتأول منكم ما يجوز على المتأول من الأمة فمن أي وجه صارت العترة حجة فإن قال صاحب الكتاب إذا أجمعوا فإجماعهم حجة قيل له فإذا أجمعت الأمة فإجماعها حجة وهذا يوجب أنه لا فرق بين العترة والأمة وإن كان هكذا فليس في قوله خلفت فيكم كتاب الله وعترتي فائدة إلا أن يكون فيها من هو حجة في الدين وهذا قول الإمامية. واعلموا أسعدكم الله أن صاحب الكتاب أشغل نفسه بعد ذلك بقراءة القرآن وتأويله على من أحب ولم يقل في شي ء من ذلك الدليل على صحة تأويلي كيت كيت وهذا شي ء لا يعجز عنه الصبيان وإنما أراد أن يعيب الإمامية بأنها لا ترى الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقد غلط فإنها ترى ذلك على قدر الطاقة ولا ترى أن تلقي بأيديها إلى التهلكة ولا أن تخرج مع من لا يعرف الكتاب والسنة ولا يحسن أن يسير في الرعية بسيرة العدل والحق وأعجب من هذا أن أصحابنا من الزيدية في منازلهم لا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر ولا يجاهدون وهم يعيبوننا بذلك وهذا نهاية من نهايات التحامل ودليل من أدلة العصبية نعوذ بالله من اتباع الهوى وهو حسبنا ونعم الوكيل. مسألة أخرى ويقال لصاحب الكتاب هل تعرف في أئمة الحق أفضل من أمير المؤمنين صلى الله عليه وآله وسلم فمن قوله لا فيقال له فهل تعرف من المنكر بعد الشرك والكفر شيئا أقبح وأعظم مما كان من أصحاب السقيفة فمن قوله لا فيقال له فأنت أعلم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد أو امير المؤمنين عليه السلام فلا بد من أن يقول أمير المؤمنين فيقال له فما باله لم يجاهد القوم فإن اعتذر بشي ء قيل له فاقبل مثل هذا العذر من الإمامية فإن الناس جميعا يعلمون أن الباطل اليوم أقوى منه يومئذ وأعوان الشيطان أكثر ولا تهول علينا بالجهاد وذكره فإن الله تعالى إنما فرضه لشرائط لو عرفتها لقل كلامك وقصر كتابك ونسأل الله التوفيق. مسألة أخرى يقال لصاحب الكتاب أ تصوبون الحسن بن علي عليه السلام في موادعته معاوية أم تخطئونه فإذا قالوا نصوبه قيل لهم أ تصوبونه وقد ترك الجهاد وأعرض عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الوجه الذي تؤمون إليه فإن قالوا نصوبه لأن الناس خذلوه ولم يأمنهم على نفسه ولم يكن معه من أهل البصائر من يمكنه أن يقاوم بهم معاوية وأصحابه فإذا عرفوا صحة ذلك قيل لهم فإذا كان الحسن عليه السلام مبسوط العذر ومعه جيش أبيه وقد خطب له الناس على المنابر وسل سيفه وسار إلى عدو الله وعدوه للجهاد لما وصفتم وذكرتم فلم لا تعذرون جعفر بن محمد عليه السلام في تركه الجهاد وقد كان أعداؤه في عصره أضعاف من كان مع معاوية ولم يكن معه من شيعته مائة نفر قد تدربوا بالحروب وإنما كان قوم من أهل السر لم يشاهدوا حربا ولا عاينوا وقعة فإن بسطوا عذره فقد أنصفوا وإن امتنع منهم ممتنع فسئل الفصل ولا فصل. وبعد فإن كان قياس الزيدية صحيحا فزيد بن علي أفضل من الحسن بن علي لأن الحسن وادع وزيد حارب حتى قتل وكفى بمذهب يؤدي إلى تفضيل زيد بن علي على الحسن بن علي عليه السلام قبحا والله المستعان وحسبنا الله ونعم الوكيل. وإنما ذكرنا هذه الفصول في أول كتابنا هذا لأنها غاية ما يتعلق بها الزيدية وما رد عليهم وهي أشد الفرق علينا وقد ذكرنا الأنبياء والحجج الذين وقعت بهم الغيبة صلى الله عليه وآله وسلم وذكرنا في آخر الكتاب المعمرين ليخرج بذلك ما نقوله في الغيبة وطول العمر من حد الإحالة إلى حد الجواز ثم صححنا النصوص على القائم الثاني عشر من الائمة عليهم السلام من الله تعالى ذكره ومن رسوله والأئمة الأحد عشر صلى الله عليه وآله وسلم مع إخبارهم بوقوع الغيبة ثم ذكرنا مولده عليه السلام ومن شاهده وما صح من دلالاته وأعلامه وما ورد من توقيعاته لتأكيد الحجة على المنكرين لولي الله والمغيب في ستر الله والله الموفق للصواب وهو خير مستعان.


source : ابي جعفر محمدبن علي بن الحسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الاحاديث عن الصلاة و الصلاة في المسجد
أهل بيت النبوة وسنة الرسول
مصير الاسلام بعد الرسول
نصائح مهمة للمرأة في فن التعامل مع الزوج
تاريخ أربعينية الإمام الحسين عليه السلام
كيف ما قبلته كأخيه الحسن ؟
الخليفة قبل الخليقة:
ذکری استشهاد الشهيد المطهري
قدمت وعفوك عن مقدمي
ولادة الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)

 
user comment