لم يطرح الإسلام قضيّة المهديّ عليه السلام مجرّد فكرة خياليّة، تبشّر بقائد مبهم، سيظهر في المستقبل المجهول لانقاذ البشريّة من الظلم والجور.
بل طرحها كقضيّة عقائديّة، ذات معالم واضحة ثابتة في التصوّر الإسلاميّ، وحاضرة في ضمير الأُ مّة ووجدانها، وحاضرة في حياتها السياسيّة والجهاديّة وهي تصارع واقعها الاجتماعي المنحرف، وتسعى لتغييره نحو الإسلام، وتواجه رموز الكفر والضلال في معاركها الجهاديّة مع أعدائها.
كلّ ذلك من أَجل تهيئة الأرضيّة الايمانيّة والرساليّة الملائمة لاستقبال قائدها المرتقب؛ لا نّها على موعد مفاجئ لاستقباله والمشاركة في ثورته العالميّة.
والموعد لاستقبال الثائر العالميّ ـ حينما يكون غير محدّد التاريخ ـ يعني الاستعداد الدائم، والتهيّؤ المستمرّ لاستقباله والمشاركة في حركته الثوريّة العالميّة؛ لا نّنا نتوقّع ظهوره في كلّ يوم.
إنّ فكرة الثائر العالميّ المنتقم من أعداء الله، هي بحدّ ذاتها تحدّ لعالم ملى بالظلم والجور، زاخر بالفساد والضلال، عالم تحكمه المنافع الماديّة، ويسيطر على مقدّارته الطاغوت وجبروت القوّة الظالمة، والمهديّ المنتظر ثورة شاملة، على كلّ جوانب الحياة المنحرفة التي تسود المعمورة، وتسيطر عليها بجبروتها وسلطانها، وتملأ الأرض ظلماً وجوراً.
ومن الطبيعيّ أن تبعث هذه الفكرة الغيبيّة الروح الثوريّة والمشاعر الجهاديّة في الوجدان الإسلاميّ؛ لأنها تجسّد في ضمير المنتظرين الثورة على الظلم والجور، وعلى الكفر والشرك، والرفض المطلق لجميع أشكال الانحراف، والتحدّي العقائديّ لأئمّة الكفر والطاغوت، مهما تفرعنت قواه، وتعملقت سطوته، وامتدّ سلطانه.
وفي الوقت الذي تمثّل فيه الفكرة المهدويّة صرخة مدوّية بوجه طواغيت الأرض، ورفضاً مطلقاً لكلّ أشكال الانحراف عن القيم الالهيّة، فهي أيضاً دعوة مفتوحة تحثّ المسلمين على الالتزام الصحيح بالإسلام عقيدة وشريعة؛ لأنّ ثورة المهديّ عليه السلام ونقمته لا تبدأ في أوساط المجتمعات الكافرة والمشركة، ولا تنطلق من المجتمعات الأوربيّة، بل تنطلق من داخل المجتمعات الإسلاميّة؛ لتبدأ بتصفيتها من المسلمين المنحرفين عن الإسلام، ممّن لم يوفّقوا للتوبة و اصلاح أنفسهم قبل ظهور المهديّ عليه السلام.
وهكذا نرى أنّ قضيّة المهديّ المنتظر عليه السلام قد تحوّلت ـ في التفكير الإسلاميّ الواعي ـ الى عمليّة انتظار حركيّة وجهاديّة واعية، تقود المنتظرين لخوض معركة تربويّة ذاتيّة، وهي معركة الجهاد الأكبر مع الشيطان والنفس الأمّارة بالسوء؛ بهدف الانتصار عليهما، وتطهير الباطن من عوامل الانحراف، التي تمنع المسلم من التشرّف برؤية المهديّ المنتظر عليه السلام وتصدّه عن السير على منهاجه.
وفي نفس الوقت يدعو الإسلام كلّ مسلم للدخول في ساحة المواجهة العقائديّة والسياسيّة والجهاديّة مع اعدائه؛ ليشارك في عملية التمهيد لظهور قائده المنتظر عليه السلام وليكون على أتمّ الاستعداد لاستقباله، وخوض معارك الفتوحات العالميّة بقيادته، والمشاركة في تأسيس دولة العدل الربّانية في ظلّ خلافته العالميّة.
التآمر على القضيّة المهدويّة
هناك حركة تآمريّة على القضيّة المهدويّة، قديمة وجديدة، تـتّخذ تارة: طابعاً سياسيّاً، واُخرى: طابعاً فكريّاً، كما يفهم من حلقاتها التأريخيّة، وتستهدف هذه الحركة التآمريّة بصورة عامّة طمس معالم القضيّة المهدويّة في الإسلام، والقضاء عليها في وجدان الاُمّة.
بدأت هذه المؤامرة تأريخيّاً في عصر الخلافة الاُمويّة في محاولة من معاوية نفسه(3)، لتطبيق فكرة المهديّ عليه السلام على عيسى بن مريم عليه السلام لقتلها في التصوّر الإسلاميّ، والقضاء على جذوتها الايمانيّة وفاعليتها الرساليّة والجهاديّة في المجتمع الإسلامي. فقال لجماعة من بني هاشم: (زعمتم أنّ لكم ملكاً هاشميّاً، ومهديّاً قائماً، والمهديّ عيسى بن مريم، وهذا الأمر في أيدينا حتّى نسلّمه له)!!
وواضح من هذا الحوار أنّ معاوية يريد أن يقتل فكرة المهدويّة في الإسلام، ويجعلها من خصائص الديانة المسيحيّة، ومع ذلك يحاول تسخيرها لصالح الخلافة الاُموّية، ليخرج الخلافة من أهل البيت عليهم السلام طول التأريخ؛ لتبقى دائماً في بني اُميّة حتّى يسلّموها لعيسى بن مريم عليه السلام.
وكان ابن عبّاس من جملة الحاضرين من بني هاشم في هذا الحوار، فلم يسمح لمعاوية وهو يسعى لتحريف الأحاديث النبويّة، ويتلاعب بعقائد الإسلام وأفكاره ومفاهيمه لصالح السياسة الاُمويّة الظالمة، فماذا قال لمعاوية؟
قال له: (اسمع يا معاوية، أمّا قولك إنّا زعمنا أنّ لنا ملكاً مهديّاً، فالزعم في كتاب الله شكّ، قال الله سبحانه وتعالى (وَزَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ)(4) ، أمّا قولك: انّ لنا ملكاً هاشميّاً، ومهديّاً قائماً، فكلّ يشهد أنّ لنا ملكاً ومهديّاً قائماً، لو لم يبقَ من الدنيا إلاّ يوم واحد لملّكه الله فيه، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً. أمّا قولك: ان المهديّ عيسى بن مريم، فانّما ينزل عيسى لقتال الدجال، والمهديّ رجل منّا أهل البيت، يصلّي عيسى خلفه).(5)
ومن هذه المواجهة بين معاوية وابن عباس، نعلم أنّ الأحاديث التي طبّقت فكرة المهديّ عليه السلام على عيسى بن مريم عليه السلام هي جزء من حلقات المؤامرة السياسيّة الاُموية على القضيّة المهدويّة؛ بهدف اقصاء أئمّة أهل البيت عليهم السلام عن الخلافة.
وقد أجمع علماء الجرح والتعديل من أهل السنّة على ردّ هذه الأحاديث؛ لمعارضتها للمتواتر والصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من أنّ المهديّ من أهل البيت، ومن ولد فاطمة عليها السلام.
ومن هذه الأحاديث التي وضعوها في المهديّ عليه السلام لصالح السياسة الاُموية: حديث أنس المنسوب لرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أنّه قال: (لا يزداد الأمر إلاّ شدّة، ولا الدنيا إلاّ إدباراً، ولا الناس إلاّ شحّاً، ولا تقوم الساعة إلاّ على شرار الناس، ولا مهديّ إلاّ عيسى بن مريم).(6)
وأسقط العلماء هذا الخبر من الاعتبار بدليلين:
الأوّل: من جهة السند، فاتفقوا على أنّ آفته من محمّد بن خالد الجنديّ، وهو من الوضّاعين المعروفين؛ لثبوت تلاعبه بالأحاديث الصحيحة، كما فعل في حديث المساجد التي تشدّ اليها الرحال، وهو حديث صحيح، لكنّه رواه هكذا:
(تعمل الرحال الى أربعة مساجد: مسجد الحرام، ومسجدي، ومسجد الأقصى، ومسجد الجند).(7)
فجعل محمّد الجنديّ لمسجد بلدته، مكاناً مقدّساً بين المساجد المعظّمة.
الثاني: من جهة المتن، فاتفقوا على أنّ هذا الخبر منكر؛ لمعارضته لما جاء متواتراً عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من أنّ المهديّ عليه السلام من ولده، ومن عترته، ومن أهل بيته، ومن أبناء فاطمة، وأنّ عيسى بن مريم عليه السلام ينزل في زمانه من السماء، ويصلّي خلفه، ويقتدي به؛ تأييداً لخلافته الالهيّة.
وقد جاء خبر اقتداء عيسى عليه السلام بصلاة المهديّ المنتظر عليه السلام في الصحاح الستّة، وفي طليعتها (صحيح البخاري) و(مسلم).(8)
وعلى أيّ حال: فانّ محاولة الاُمويّين تطبيق فكرة المهديّ عليه السلام على عيسى ابن مريم عليه السلام، قد باءت بالفشل، لذلك استخدموا اُسلوباً آخر لاستغلال القضيّة المهدويّة لصالح السياسة الاُمويّة، فوضعوا بعض الأحاديث المصرّحة: بأنّ المهديّ عليه السلام من بني اُميّة.
ومن ذكائهم ودهائهم أ نّهم نسبوا هذه الأحاديث لرواة من الصحابة والتابعين من بني هاشم؛ لتكون مقبولة عند عامّة المسلمين، فرووا عن ابن عبّاس أنّه سئل عن المهديّ عليه السلام فقال: (إنّه من عدنان من بني عبد شمس).(9)
وفي رواية عن محمّد بن الحنفيّة قال: (إنّه اذا كان فانّه من ولد عبد شمس).(10)
وعبد شمس هو الجدّ الأعلى للاُمويين.
وحاول بعضهم تطبيق أوصاف المهديّ عليه السلام على عمر بن عبد العزيز، أو على غيره من الاُمويّين، ولكن كلّ محاولاتهم هذه لم تجد نفعاً؛ لكثرة الأحاديث المصرّحة بأنّ المهديّ عليه السلام من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وبعد نهاية الخلافة الاُمويّة لاقت القضيّة المهدويّة مؤامرات فكرّية وسياسيّة خطيرة جدّاً؛ لا نّها كانت بتخطيط من رجال ينتمون الى البيت الهاشميّ، من الحسنيّين والعبّاسيين، ممّن انتحلوا صفة المهديّ عليه السلام وتسمّوا باسمه، وتلقّبوا بألقابه المعروفة، والثابتة له في الأحاديث المرويّة بشأنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
فالحسنيّون ادعوا أنّ المهديّ عليه السلام منهم، وطبّقوا الأخبار النبويّة التي وصفته على ولدهم الثائر على الخلافة العبّاسية، وكان اسمه محمّداً، واسم أبيه عبد الله بن الحسن، فلما فشلت ثورته على العبّاسيين وقتله أبو جعفر المنصور لقّبوه بـ (ذي النفس الزكية).
والعبّاسيون ادعوا أيضاً أنّ المهديّ عليه السلام منهم، وطبّقوا البشائر النبويّة الخاصّة به على ثالث خلفائهم، واسمه محمّد، واسم أبيه عبد الله.
وعبد الله هو أبو جعفر المنصور الملقّب بـ (الدوانيقيّ)، وهو واضع مخطّط ادعاء المهدويّة لولده.
ومن هنا يعتقد بعض العلماء المحقّقين من أهل السنّة: أنّ الجملة الأخيرة من الحديث النبويّ القائل: (يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي) من الكلمات المدسوسة في هذا الحديث(11)، وهي في واقعها تعكس صورة عن الصراع التأريخيّ على الخلافة بين الحسنيّين والعبّاسيين.
ومن هنا يمكن القول: بأنّ القضيّة المهدويّة لاقت في عصر الخلافة العبّاسية تحريفاً في النصوص؛ لأنّ عصر تدوين الحديث كان في مطلع خلافتهم، ولاقت تزويراً في التطبيق؛ لأ نّهم تستّروا بأهل البيت عليهم السلام وبالقضيّة المهدويّة بشكل خاصّ؛ من أجل الوصول الى الخلافة.
ولعلّه الى هذا المعنى تشير الأحاديث النبويّة التي ذمّت الخلافة العبّاسية، وعبّرت عن بني العباس بـ (أهل الغشّ والخدع والالتباس) لا نّهم لبّسوا الحقّ بالباطل على المسلمين.
وبعد العصر العبّاسي، أخذت المؤامرة على القضيّة المهدويّة أشكالاً متعدّدة وصوراً مختلفة عن السابق، لا نريد أن نؤرّخ لحلقاتها التأريخيّة، وفصولها الفكريّة والسياسيّة، وأبعادها السلبيّة على الاُمّة في هذا الكتاب المختصر.
وكانت من أبرز محاولات التآمر المكشوفة والمفضوحة على هذه القضيّة الغيبيّة، محاولة الطعن بأحاديثها؛ من خلال تضعيف أَسانيدها، والطعن برواتها، وكان ابن خلدون في طليعة الأقلام التي فتحت باب الطعن باحاديث المهديّ عليه السلام ثم تبعه كتّاب آخرون على شاكلته.
وبالرغم من أن هؤلاء الكتاب، الذين شاركوا ابن خلدون في طعنه باحاديث المهديّ عليه السلام لا خبرة لهم بعلم الرواية، وليس لهم معرفة، بل ولا ادنى اطلاع بأصول الجرح والتعديل، لان قضية المهديّ عليه السلام من القضايا الإسلامية المتواترة، والتواتر خارج عن بحث الاسانيد، كما هو مقرر في علمي الحديث والأصول. مع ذلك فان محاولاتهم الفاشلة في الطعن باحاديث المهديّ عليه السلام قد جوبهت بردود علمية رصينة ومتينة جداً، من قبل كبار علماء الأمة، وخاصة من استاذة ومشايخ أهل السنة، المعنيين بدراسة الحديث النبوي والمهتمين في الدفاع عن ساحة قدسه.(12)
ومن حلقات التآمر الخبيثة على القضية المهدوية، محاولة تحجيمها في اطار مذهبي خاص، واعتبارها من العقائد الشيعية الخرافية، وتوجيه الاتهام الى رواة الشيعة بوضعها واختلاقها.
ونحن نعتقد ان هذه المؤامرة على القضية المهدوية، ليست عفوية بل هي مؤامرة عقائدية وسياسية، تقف ورائها مخابرات دولية صهيونية واميركية معادية للإسلام، وتنفذها أقلام اسلامية مستأجرة ومشبوهة، لان المسلم الملتزم لا يجرأ على انكار ما ثبت بالنص القرآني والنبوي الصريح من الشرع المبين، لان انكار مثل ذلك يوجب خروجه عن الإسلام وارتداده عن الدين.
وقد ظهرت هذه المؤامرة على القضية المهدوية، في تاريخنا المعاصر، باسم البحث العلمي، وحرية الرأي، وتسترت تحت شعارات براقة، مثل تطور الفكر الإسلامي، ونقد الفكر الشيعي، أو محاولة السعي لتطويره وتجريده من الخرافات والموضوعات، وغير ذلك من الشعارات الفكرية الاُخرى التي لبست مسوح البحث العلمي المزيفة.
وعبرت هذه المؤامرة الفكرية الخبيثة عن نفسها باقلام كتّاب سطحيين لكنهم مختلفون ومتناقضون في نزعاتهم المذهبية وانتماآتهم السياسية مشبوهون في دوافعهم الفكرية، وفي طليعتهم أحمد أمين في كتابه (المهدوية في الإسلام) والشيخ عبد الله بن زيد المحمود في رسالته (لا مهدي ينتظر بعد الرسول خير البشر) والدكتور موسى الموسوي في كتاب (الشيعة والتصحيح).
وقد أنكشفت حقيقة هؤلاء الكتّاب وسطحيتهم في تعاملهم مع الفكر الإسلامي، واتضحت جهالتهم بمبادئ البحث العلمي ومناهجه واصوله، على يد كتّاب إسلاميين من الشيعة والسنة، منهم سماحة العلاّمة الشيخ محمد امين زين الدين في كتابه (مع الدكتور أحمد أمين في كتابه المهديّ والمهدوية)، ومنهم الشيخ عبد المحسن العباد في بحثه القيّم حول (عقيدة أهل السنة والأثر في المهديّ المنتظر) الذي كتبه في الرّد على رسالة قاضي قطر الشيخ عبد الله بن زيد المحمود، ومنهم الدكتور علاء الدين القزويني في كتابه القيم (مع الدكتور موسى الموسوي في كتابه الشيعة والتصحيح).
ولكننا نعتقد ان البحث العلمي المقارن بين ما يتبناه أهل السنة والشيعة الإمامية، في العقيدة المهدوية، هو المنهج العلمي الوحيد القادر على كشف حقيقة العقيدة المهدوية واثبات أصالتها الإسلامية، ونفي اختصاصها بمذهب معين دون المذاهب الاُخرى، مما يؤكد زيف الأفكار المشبوهة التي طرحها هؤلاء الكتّاب للنيل منها من خلال تحجيمها في اطار مذهبي خاص.
ومن هذا المنطلق أولينا البحث المقارن في العقيدة المهدوية اهتماماً خاصاً في دراسة علمية موسعة، لم تنشر بعد، وهذه البحوث التي بين ايدينا مختصرة منها.
لماذا التآمر على القضية المهدوية؟
من الواضح ان الفكرة المهدوية، تحمل في طياتها روح الثورة على الظلم والظالمين، والجور والمتجبرين، فهي بحد ذاتها فكرة مقلقة للحكام الظالمين ومرعبة لجميع السلطويين والمتسلطين من المفسدين.
والظالمون المتسلطون على شعوبهم بالنار والحديد، في كل عصر يعلمون، انه لا بد لتسلطهم الظالم من نهاية، ولا بد ان تكون هذه النهاية المرتقبة على يد المهديّ المنتظر عليه السلام.
والطواغيت في طول التاريخ، يعلمون أيضاً ان هذا الثائر العالمي المرتقب، وحده القادر بقدرة القادر ان يوحد المجتمع البشري ـ على اختلاف كياناته ودياناته ـ في نظام سياسي الهي واحد، تختفي فيه جميع عوامل الانحرافات والصراعات والخلافات وتنتهي فيه جميع اشكال الظلم والجور والتسلط والعدوان، وتسود في ظله دولة العدل الالهية على جميع ربوع المعورة بعد ان تتهاوى عروش الجبابرة كلها في الأرض وتسحق تحت اقدام الثوار المهدويين.
فمن الطبيعي اذا ان ترتجف الأرض تحت أقدام الحكام الظالمين والطواغيت والمستكبرين بمجرد ان يطرق مسامعهم أسم الثائر المنتظر، أو يسمعوا بحركة اسلامية أصولية قد ظهرت في العالم ولم يكن لهم اصبع في صنعها.
ولاشك ان حكام الدولة العربية، أكثر جبابرة الأرض خوفاً ورعباً من هذا الثائر المنتظر لعلمهم جميعاً بأن نيران بركان ثورته، ستندلع من بين قصورهم للاطاحة بهم، والقضاء عليهم قبل غيرهم من حكام العالم وجبابرته المفسدين.
ودولة اسرائيل أكثر يقيناً بأن نهايتها المحتمة سوف تكون على يد الأبطال المجاهدين المؤمنين الزاحفين لتحرير القدس بقيادة المهديّ المنتظر عليه السلام.
وطواغيت الكفر وأئمة الشرك، ورموز الضلال في العالم الأوربي، على علم ويقين قاطع بان عصر استعباد الشعوب واستضعافها واذلالها، وعصر غطرسة الحكومات الأوربية المستكبرة وسيطرتها على ثروات العالم الإسلامي سوف ينتهي على يد هذا القائد المنتقم من أعداء الله.
واذا كان الأمر كذلك فلماذا لا يفكر هذا الثالوث الشيطاني المتمثل بجبابرة أوربا وحكام اسرائيل وعملائهم الاذلاء من حكام عالمنا الإسلامي في القضاء على العقيدة المهدوية التي تهدد كيانهم وتقلق جفونهم وترعب قلوبهم كلما طرق مسامعهم ذكر قائدها المنتظر عليه السلام.
واذ كان الأمر كذلك، فلماذا لا يسعى هذا الثالثون الشيطاني لشراء الأقلام الرخيصة، والنفوس المريضة والمتسولة على أبوابه، لضرب هذه العقيدة الالهية التي نؤرق ليله وتبدد أحلامه، وتعكر أماله وطموحاته في اخضاع شعوب العالم لجبروته وسلطانه بشكل أبدي.
وفي ضوء هذه الرؤية الواعية لخطورة القضية المهدوية على مصالح أعداء الإسلام، وكياناتهم ينبغي لنا ان نعي الأبعاد السياسية والتاريخية وراء الهجمة الفكرية التشكيكية الشرسة المتمثلة في حلقات المؤامرة الخبيثة على العقيدة المهدوية في صورها القديمة والجديدة.
الاختلافات المذهبية لا تشكل خطراً على الأمة:
ان الاختلافات الفكرية والعقائدية بين مذاهب المسلمين المتعددة ليس أمراً جديداً بل هي واقع تاريخي فرضته مأساة الصراع السياسي في الأمة على الخلافة والحكم وقد حدثت في مجتمع الصحابة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. لكنَّ الجديد والغريب في هذه الاختلافات مبادرة جماعة من المسلمين لشق عصا الوحدة الإسلامية معلنة ولائها الصريح لليهود والنصارى ودفاعها المستميت عن مصالح اميركا واسرائيل على حساب الأمة، مشعلة حربها على الفصائل المجاهدة والمقاومة لسياسة الكفر وثقافة التغريب في عالمنا الإسلامي.
هذا هو الخطر الحقيقي الذي يهدد حصون الإسلام من الداخل، اما الاختلاف في فهم عقائد الإسلام وتشريعاته فانه أمر واقع في تاريخ الأمة بعد ان مزقتها الصراعات التاريخة الى مذاهب ومدارس متعددة ومختلفة في فهم الإسلام وطريقة التعامل مع ثقافته وتشريعاته، وهو واضح في سلوك الأمة حتى في طريقه اداء الصلاة التي كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصليها خمس مرات يومياً بمحضر الجمع الغفير من الصحابة، فلا غرابة اذن أن تختلف الأمة في فهمها لقضية المهديّ المنتظر عليه السلام، ولكن هذه الاختلافات لا تمس اصل الايمان والتسليم بضرورتها، كما لا تمس الاتفاق على ضلالة من انكرها باعتبارها من ضرورات الدين الثابتة بالنصوص القرآنية والنبوية.
وسنحاول هنا ان نتناول عرضاً مختصراً لأهم موارد الاتفاق والاختلاف بين الشيعة والسنة في فهم قضية المهديّ المنتظر عليه السلام لنوصل القراء الأعزاء الى الحقيقة العلمية التي تكشف عن احتفاظ هذه العقيدة الغيبية باصالتها الإسلامية حتى في الاطار المذهبي.
المجالات الاتفاقية في القضية المهدوية:
موارد الاتفاق بين أهل السنة والإمامية في قضية المهديّ المنتظر عليه السلام كثيرة جداً، فهم جميعاً يتفقون على أصل الاعتقاد بصحتها ويحكمون بجهالة من انكرها، ويتفقون ان المهديّ عليه السلام من قريش ومن أهل البيت عليهم السلام خاصة ومن أولاد علي وفاطمة ـ عليهما السلام ـ بشكل أخص، بالاضافة الى اتفاقهم بانه آخر الخلفاء الاثني عشر، وان دولته حتمية الظهور، وانها عالمية النفوذ، وانها من الوعد الالهي الثابت بالنص القرآني، واخيراً يتفقون على حتمية وقوع بعض العلامات والمقدمات من الحوادث المختلفة المبشرة بقرب ظهوره، وسنذكر هنا الأدلة المعتمدة لاثبات موارد الاتفاق بين الشيعة والسنة في العقيدة بالمهدي عليه السلام.
أولاً: الاتفاق على أصل القضية
ومستند هذا الاتفاق ثبوت صحة عدد كبير من أحاديث المهديّ عليه السلام لدى المسلمين جميعاً، وكثرتها في مصادر الحديث عندهم بحيث تتجاوز حد التواتر المتفق عليه في علم الحديث عشرات المرات. وكل قضية من قضايا الدين يتحقق التواتر بشأنها تخرج من دائرة الظنون والتشكيكات عندهم، ولا تدخل في بحث الاسانيد كما هو مقرر في محله في علمي الحديث والأصول. ولا يناقش فيها إلاّ من جهل اُصول البحث العلمي في مناهج الإسلام ودراساته.
قال الإمام الشهيد الصدر رضي الله عنه:
(ان فكرة المهديّ بوصفه القائد المنتظر لتغيير العالم الى الأفضل قد جاءت في أحاديث الرسول الأعظم عموماً، وفي روايات أئمة أهل البيت خصوصاً، وأكدت في نصوص كثيرة بدرجة لا يمكن أن يرقى اليها الشك، وقد أحصي أربعمائة حديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من طرق أخواننا أهل السنة، كما أحصي مجموع الأخبار الواردة في الإمام المهديّ من طرق الشيعة والسنة فكان أكثر من ستة آلاف رواية. وهذا رقم احصائي كبير لا يتوفر نظيره في كثير من قضايا الإسلام البديهية التي لا يشك فيها مسلم عادة).(13)
الهوامش
--------------------------------------------------------------------------------
(1) الاسراء.: 10.
(2) النساء: 66.
(3) أنّ هذه المؤامرة بدأت بالتحديد بعد وفاة رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ مباشرة، في مخطّط منع السنّة النبويّة من التدوين والانتشار.
(4) التغابن: 8.
(5) الملاحم والفتن لابن طاووس: ص116 ـ 117 نقلاً عن تأريخ الطبري، وروى هذا الحوار ابن أبي شيبة في مصنّفه بسند صحيح، لكنّه لم يصرّح باسم معاوية، كما رواه نعيم بن حمّاد في الفتن: ص102 بسند صحيح أيضاً، وفيه بعض الاختلاف، ونقله المتقي الهندي عن ابن أبي شيبة وعن نعيم في كتابه البرهان في علامات مهديّ آخر الزمان 2: 592 ـ 593 وقال محقّق الكتاب في الهامش التخريج صحيح.
(6) سنن ابن ماجة ج2 ح4039.
(7) تهذيب التهذيب 9: 125 ـ 126.
(8) راجع مناقشة علماء أهل السنة لهذا الحديث في (الأحاديث الضعيفة والموضوعة) للألباني و(عقيدة أهل السنّة والأثر في المهديّ المنتظر) للشيخ عبد المحسن العبّاد، وهو بحث روائي نشر في مجلة الجامعة الإسلامية في الحجاز العدد 3 السنة الاُولى أي سنّة 1388 في ذي القعدة، الموافق 1969 شباط.
(9) الفتن لابن حماد: ص103.
(10) المصدر السابق: ص102.
(11) راجع الباب الأول من كتاب (البيان في أخبار صاحب الزمان) للحافظ أبي عبد الله محمّد بن يوسف القرشيّ الشافعيّ المعروف بـ (الكنجي) فإنّه ممّن شكّك بصحّة صدور الجملة الأخيرة عن النبيّ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ في هذا الحديث.
(12) راجع كتاب (ابراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون) وهو من التصانيف القيّمة للعلامة المجتهد في علم الحديث الشيخ أحمد بن محمد الصديق الأزهري الشافعي، وكتاب (الاذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة) للسيد محمد صديق القنوجي.
(13) بحث حول المهديّ: ص63 ـ 64، طبع دار التعارف بيروت.
source : http://m-mahdi.com/