ذهبت العدلية إلى أَنَّ هناك أَفعالا يدرك العقل من صميم ذاته من دون استعانة من الشرع أَنها حسنة، يجب القيام بها، أَو قبيحة يجب التنزه عنها.ولو أَمر الشارع بالأُولى ونهى عن الثَّانية، فهو كاشف عما يدركه العقل ومرشد إليه. وليس للشرع أَنْ يعكس القضية بأَنْ يُحَسِّنَ ما قَبَّحهُ العقل، أَو يُقبِّح ما حَسَّنه.
وقالت الأَشاعرة، لا حكم للعقل فى حُسْن الأَشياء وقبحها، ولا يتسم فعل بالحُسن أو القُبح بذاته قبل ورود الشرع، فلأجل ذلك لا حَسَنَ إلاَّ ما حسّنه الشارع، ولا قبيح الاَّ ما قبحه. فلو كان الظلم قبيحاً، فلأن الشارع نهى عنه، ولو كان العدل حَسَناً فلأنه أمَر به. ولو عكس وجعل العدل قبيحاً والظلم حَسَناً، لكان كما قال.
ثم إنَّ القائلين بالحُسن والقُبح العقليين يقسّمون الأفعال من حيث الإِتّصاف بهما إلى أقسام ثلاثة:
الأول: ما يكون الفعل بنفسه علَّة تامة للحُسْن والقبح، وهذا ما يسمّى بالحُسْن والقُبح الذاتيين، مثل العدل والظلم. فالعدل بما هو عدل، لا يكون إلاّ حَسَناً أبداً، ومتى ما وجد لا بُدّ أن يُمدَح فاعله ويعدّ محسِناً، وكذلك الظلم بما هو ظلم لا يكون الاّ قبيحاً ومتى ما وجد ففاعله مذموم ومسيء.و يستحيل أن يكون العدل قبيحاً والظلم حَسَناً.
الثاني: ما لا يكون الفعل علَّة تامة لأحدهما، بل يكون مقتضياً للإِتصاف بهما، بحيث لو خلّي الفعل ونفسه، فإمَّا أن يكون حَسَناً كتعظيم الصديق بما هو هو أو يكون قَبيحاً كتحقيره. ولكنه لا يمتنع أن يكون التعظيم مذموماً لعروض عنوان عليه كما إذا كان سبباً لظلمِ ثالث، أو يكون التحقير ممدوحاً لعروض عنوان عليه كما إذا صار سبباً لنجاته. ولا ينحصر المثال بهما بل الصدق والكذب أيضاً من هذا القبيل. فالصدق الذي فيه ضرر على المجتمع قبيح، كما أنَّ الكذب الذي فيه نجاة الإِنسان البريء حَسَن. وهذا بخلاف العدل والظلم فلا يجوز أن يتّسم العدل "بما هو عدل" بالقُبح، والظُلم "بما هو ظلم" بالحُسن.
الثالث: ما لا علّية له ولا اقتضاء فيه في نفسه للإِتصاف بأحدهما، وإنما يتبع الجهات الطارئة والعناوين المنطبقة عليه، وهذا كالضَّرب فإنَّه حَسَن للتأديب، وقَبيحٌ للإِيذاء.
هذا هو التقسيم الرائج بينهم.و الغرض المطلوب في هذا البحث هو تبيين أنَّ هناك أفعالا يدرك العقل إذا طالعها، بقطع النظر عن كل الجهات الطارئة عليها، أنَّها حسنة يجب أن يمدح فاعلها أو قبيحة يجب أن يُذمَّ. ولا نقول إنَّ كل فعل من الأفعال داخل في هذا الإطار.
وبعبارة أخرى: إنَّ النزاع بين الفريقين دائر بين الإيجاب الجزئي والسلب الكلّي، فالعدلية يقولون بالأول والأشاعرة بالثاني.
• في إطلاقات الحُسن والقُبح
لا شك أنَّ للحسن والقبح معنى واحداً، وإنما الكلام في مِلاك كون الشيء حَسَناً أو قبيحاً. وهو يختلف باختلاف الموارد، فقد ذكر للحُسن والقُبح مِلاكات نوردها فيما يلي:
1- ملاءَمةُ الطَبْع ومنافرته. فالمشهد الجميل "بما أنَّه يلائم الطبع" يُعدّ حَسَناً، كما أنَّ المشهد المخُوف، "بما أنَّه منافر للطبع" يُعَدّ قَبيحاً. ومثله الطعام اللذيذ والصوت الناعم، فإنهما حَسَنان كما أنّ الدواء المُرّ ونهيق الحمار قبيحان. والحُسن والقُبح بهذا المِلاك ليسا محل البحث والاختلاف. أضف إلى ذلك أنَّهما لا يمكنهما الثبات والدوام، لاختلاف الطبائع.
2- موافقة الغَرَض والمصلحة الشخصيَّة والنوعيّة ومخالفتهما. فقتل إنسان لعَدائه حَسَن، حيث إنَّه موافق لأغراض القاتل الشخصيّة. ولكنه قبيح لأصدقاء المقتول وأهله، لمخالفته لأغراضهم ومصالحهم الشخصية. هذا في المجال الشخصي. وأَمَّا في المجال النوعي، فإنَّ العدل بما أنَّه حافظ لنظام المجتمع ومصالح النوع فهو حَسَن وبما أنَّ الظلم هادم للنظام ومخالف لمصلحة النوع فهو قبيح.و هذا أيضاً خارج عن مجال البحث بين العدليّة والأشاعرة، فإنَّ المصالح الشخصيَّة لا تصحح توصيف الفعل بالحُسن والقُبح على وجه الدوام، لما عرفت من اختلاف الأغراض والمصالح الشخصية. فرُبَّ فعل كالقتل حَسَنَ عند فرد أو جَمع وقَبيحٌ عند آخرين، والبحث إنَّما هو عن الحُسن والقُبح الذاتيين اللذين لا يتغير الإِتصاف بهما عند قوم دون قوم، وجيل دون جيل، بل يكون حُكْماً ثابتاً للفعل أبداً.
وأمَّا المصالح النوعيَّة "كبقاء النظام وانهدامه" فهي وإن كانت تصبغ الفعل بالحُسن والقُبح على وجه الثبات والدوام، لكن لا يصحّ توصيف الحُسن والقُبح في هذا المورد بالذاتيين. لأنَّ المراد بالذاتي كون ملاحظة نفس الفعل "مع غضّ النظر عن غيره" موجباً لإِدراك العقل حُسنَه أو قُبحَه، وليس الأمر كذلك في توصيف الفعل بالحُسن أو القُبح لأجل المصالح والمفاسد النوعية، فإنَّ لتلك الأغراض الخارجة عن حقيقة الفعل دخالة في إدراك العقل وتوصيفه. فلأجل ذلك يجب أن يكون مثل ذلك خارجاً عن محل النزاع، ولو اعترف الأشاعرة بحسن العدل وقبح الظلم من هذه الزاوية، فلا يمكن عدهم موافقين للعدلية.
3- كون الشيء كمالا للنفس أو نقصاً لها، كالعِلْم والجهل، فالأول زَيْن لها والثاني شَيْن.ولكنَّ التحسين والتقبيح بهذا المعنى لا غبار عليه وليس محلا للنقاش. إذ لا أظن أنَّ أحداً على أديم الأرض ينكر كونَ العلمِ والشجاعة والفصاحة كمالا وحسَناً، والجهلِ والجُبِن والفهاهةِ نقصاً وقبيحاً.
فهذه الملاكات الثلاثة على فرض كونها ملاكات للإِتصاف بالحُسْن والقُبح، خارجة عن حريم البحث، وإنَّما البحث بين العدلية وغير هم في المِلاك الرابع التالي:
4- ما استحق من الأَفعال مدح فاعله عُدّ عند العقلاء حَسَناً، وما استحق منها ذماً عُدّ عندهم قبيحاً. وذلك بملاحظة الفعل نفسه من حيث هو هو، من دون ضم شيء إليه، ومن دون أن يلاحظ كونه مشتملا على نفع شخصي أو نوعي، فيستقل العقل بحُسنه ووجوب فعله، أو قُبحه ووجوب تركه.
وإِنْ شئت قلت:إِذا وقع الفعل في إطار العقل البشري من دون فرق بين الأَفراد، ومع غض النظر عن أَي شيء آخر غير الفعل نفسه، وجده العقل موصوفاً بالحُسن وقابلا للمدح، أَو على العكس. وهذا كما إِذا لاحظ جزاء الإِحسان بالإِحسان فيحكم بحسنه، وجزاءه بالإِساءة فيحكم بقبحه. فالعقل في حكمه هذا، لا يلاحظ سوى نفس الموضوع، من دون أن يتصور كونه يتضمن صلاحاً أَو فساداً.فمبحث الحُسن والقُبح الذاتيين، لا يهدف إِلاّ إلى هذا القسم.
والأَقسام الثلاثة الأُولى خارجة عن مجال البحث، كما أَنَّ التحسين والتقبيح العاديين، كتحسين خروج الجندي بالبَزَّة العسكرية وتقبيح خروج العالم باللباس غير المناسب، خارجان أيضاً عن محل البحث.
وربما يتوهم أَنَّ للتحسين والتقبيح مِلاكاً خامساً، هو أَنَّ الحَسَنَ ما استَحق الثواب عند الله، والقَبيح ما استحق العقاب عنده.ولكنه خارج عن مجال البحث أَيضاً، كيف وقد بحث عن أَصل التحسين والتقبيح البراهمة الذين لا يدينون بشريعة فضلا عن الإِعتقاد بالثواب والعقاب في الآخرة، فكيف يكون هذا مِلاك البحث.نعم قد اتخذ هذا الوجه سناداً من أراد أنْ ينكر الحُسنَ والقُبحَ، بحجة أَنَّ العلم باستحقاق الثواب والعقاب على الفعل خارج عن نطاق العقل، وداخل في مجال الشرع.
ومما قدمنا يعلم ما فيه.
ولأجل زيادة البيان في تعيين محل النزاع بين الأشاعرة والعدلية نأتي بالتوضيح التالي:
إِنَّ كثيراً من الباحثين عن التحسين والتقبيح العقليين، يعلّلون حُسن العدل والإِحسان، وقُبَح الظلم والعدوان، باشتمال الأَول على مصلحة عامة وباشتمال الثاني على مفسدة كذلك. ولأجل تلك النتائج عم الإِعتراف بحُسن الأَول وقبح الثاني الجميع. ولكنك عرفت أنَّ مِلاك البحث أوسع من ذلك، وأَنَّ المسألة مركزة على لحاظ نفس الفعل مع غض النطر عن تواليه وتوابعه، هل يدرك العقل حسنه أَو قبحه، أَو لا؟ وهل العقل يمدح إحسان المحسن بالإِحسان، ويذم جزاء المحسن بالإِساءة أَو لا؟ وهل العقل يقبح تكليف الإِنسان بما لا يطيقه، أَو لا؟ وهل العقل يحسّن عمل العامل بالميثاق، أَو لا؟ فالنقاش على هذا الصعيد لا بالنظر إلى الأَغراض والمصالح، فرديَّة كانت أَمْ اجتماعيَّة.
فالقائلون بالتقبيح والتحسين العقليين يقولون:إِنَّ كل عاقل مميِّز، يجد من صميم ذاته حُسن بعض الأَفعال وقُبح بعضها الآخر، وإنَّ هذه الأحكام نابعة من صميم القوة العاقلة والهُويَّة الإِنسانيَّة المِثاليَّة.
وأَول من قام بتحرير محل النزاع على الوجه الذي قررناه هو المحقق اللاهيجي في تأليفه الكلامية. وأَوضح دليل على صواب تحريره هو أَن الغرض من طرح هذه المسألة التوصل إلى التعرف على أَفعاله سبحانه، وأَنَّ العقل هل يستطيع أَنْ يستكشف وصف أَفعاله، أَو لا؟ وأَنَّ ما هو حسن عند العقل أَو قبيح عنده هل هو كذلك عند الله تعالى؟ ولا يمكن ذلك الإستكشاف إلاّ بكون المدار في التحسين والتقبيح على ملاحظة نفس الفعل بما هو هو.
وعلى ذلك فلا معنى للبحث عن التحسين والتقبيح بالمِلاكات السَّابقة من الملاءمة والمنافرة للطبع، أو موافقة الغَرَض ومخالفته، أَو كونه حافظاً وهادماً للنظام والمجتمع، وإِلاّ لبطلت الغاية التي طرحت لأَجلها تلك المسألة وهي التعرف على أَفعال الباري سبحانه.
• هل التَّحسين والتَّقبيح العقليَّان من المشهورات؟
ربما يظهر من بعض الحكماء والمتكلمين أَنَّ التحسين والتقبيح العقليين من المشهورات التي اتفقت عليها آراء العقلاء وتسمى بـ "الآراء المحمودة".
وقال الشيخ الرئيس في (الإِشارات): فأَما المشهورات... ومنها الآراء المسماة بـ "المحمودة"، وربما خصصناها باسم "المشهورة"، إذْ لا عمدة لها إِلاّ الشهرة.و هي آراء لو خُلّي الإِنسان وعقله المجرد، ووهمّه وحسّه، ولم يْؤدَّب بقبول قضاياها والإِعتراف بها، ولم يَمِل الإِستقراء بظنه القوي إلى حُكم، لكثرة الجزئيات، ولم يستدَعِ إليها ما في طبيعة الإِنسان من الرحمة والخجل والأَنفَةَ والحَمِيّة وغير ذلك، لم يقض بها الإِنسان طاعةً لعقله أو وهمه أو حسّه. مثل حكمنا إِنَّ سلب مال الإِنسان قبيح وإِنَّ الكذب قبيح لا ينبغي أنْ يقدم عليه.و من هذا الجنس ما يسبق إلى وهم كثير من الناس، وإنْ صَرَف كثيراً عنه الشرع من قبح ذبح الحيوان، اتباعاً لما في الغريزة من الرقة لمن تكون غريزته كذلك، وهم أَكثر الناس.
وليس شيء من هذا يوجبه العقل الساذج، ولو توهم نفسه وأَنَّه خُلق دفعة تام العقل ولم يسمع أَدبا ولم يطع انفعالا نفسانياً أَو خلقياً، لم يقض في أَمثال هذه القضايا بشيء، بل أَمكنه أَنْ يجهله ويتوقف فيه. وليس كذلك حال قَضائه بأَنَّ الكُلَّ أعظمُ من الجزء إلى أَنْ قال: فالمشهورات إمَّا من الواجبات وإما من التأديبات الصلاحية، وما يتطابق عليه الشرائع الإلهية، وإمَّا خُلُقِيّات وانفعاليّات، وإمَّا استقرائيات وإما اصطلاحيّات، وهي إمَّا بحسب الإِطلاق، وإِما بحسب أصحاب صناعة وملة"1.
فها إِنَّك ترى أَنَّ الشيخ الرئيس يَعُدَّ كون سلب مال الإِنسان قبيحاً، من القضايا المشهورة وأنَّه ليس له مدرك سوى آراء العقلاء وأن الإِنسان لوخُلي وعقله، ولم يؤدب بقبول قضاياها، لم يقض بقبحه.
وقد وافقه على ذلك المحقق الطوسي في شرحه على الإِشارات.
يُلاحظ عليه: إنَّ القياس ينقسم إلى أقسام خمسة:
1- برهاني، 2- جَدَلي، 3- خِطابي، 4 - شِعري، 5 - سَفْسَطي.
والأول منها يتركب من اليقينيّات وأصولها ستة:
1- الأوليّات، 2- المُشاهَدات، 3- التَجريبيّات، 4- الحَدْسِيّات، 5- المُتَواتِرات، 6- الفِطْريات.
وأَما الثاني: أعني القياس الجَدَلي: فيتألف من المشهورات والمُسَلَّمات، سواء أكانت عند الكل أمْ عند طائفة خاصة.
وعلى ذلك فالمشهورات من مبادئ الجَدَل، وهو يقابل القياس البرهاني. فلو جعل التحسين والتقبيح العقليان من المشهورات وأدخل في القياس الجدلي وعرف بأنَّه لا مدرك له إلاّ الشهرة التي لو خلي الإِنسان وعقله المجرّد ووهمه وحسّه، ولم يؤدَّب بقبول قضاياها لم يقض بها، يلزم إِنكار التحسين والتقبيح العقليين وإِثبات العقلائي منهما. وهو غير ما يتبناه القائلون بالعقلي.
أَضف إليه أنَّ جعلهما من المشهورات وإخراجهما من القياس البرهاني وإدخالهما تحت القياس الجدلي يُبطل جميع الأَحكام والآثار التي تترتب على القول بالعقلي، كما أَوضحناه. إِذْ على هذا، لا يكون التحسين والتقبيح برهانياً، فلا يكون ما يترتب عليه مُبَرْهَناً به بل يُعَدّ من المشهورات التي تطابقت عليها آراء العقلاء. ومن الممكن جداً اتفاق العقلاء على ضدها، فعند ذلك يكون الحَسَن قبيحاً والقَبيح حسناً.
فإنْ قلت: إنَّ الشيخ الرئيس جعل المشهورات أعم مما هو من مبادئ الجَدَل، فأدخل فيها الأوليّات حيث قال في صدر كلامه: "أمّا المشهورات من هذه الجملة فمنها أَيضاً هذه الأَوليات ونحوها مما يجب قبوله ومنها الآراء المسماة بـ (المحمودة) وربما خصصناها باسم (المشهورة) إِذْ لا عمدة لها إلاّ الشهرة".
قلت: ما ذكرتم صحيح، فإِنَّ المشهورات عنده أَعمّ من اليقينيات وغيرها حتى أَنَّ الأَوليات لها اعتباران، فمن حيث انه يعترف بها عموم الناس تعدّ مشهورات، ومن حيث إنه يحكم بها محض العقل ويجب قبولها يقينيات. وفي مقابل هذا القسم، قسم آخر للمشهورات وهي غير يقينيات ويتوقف العقل الصِرْف في الحكم بها، ولكن لعموم النَّاس بها اعتراف وتسمى "آراء محمودة"، وربما يخصص هذا القسم باسم المشهورات. فالمشهورات تقال بالإِشتراك المعنوي على ما يعمّ اعتراف الناس بها، ولها قسمان: يقينيّات، وغير يقينيّات. ولكن الشيخ ومن تبعه عدُّوا التحسين والتقبيح من القسم الثاني، وهو يستلزم إنكار التحسين والتقبيح العقليين وما بني عليه من الأحكام، فلاحظ.
• ما هو المِلاك للحكم بحسن الأَفعال وقبحها؟
إِذا كان محل النزاع ما ذكرنا من إدراك العقل حُسن الفعل أو قُبحه بالنظر إلى ذاته مع غض النظر عما يترتب عليه من التوالي، فيقع الكلام في أنَّ العقل كيف يقضي بالحسن والقُبح، وما هو المِلاك في قضائه؟
إِنَّ المِلاك لقضاء العقل هو أنه يجد بعض الأَفعال موافقاً للجانب الأَعلى من الإِنسان والوجه المثالي في الوجود البشري، وعدم موافقة بعضها الآخر لذلك.
وإِنْ شئت قلت: إِنَّه يدرك أَنَّ بعض الأَفعال كمال للموجود الحي المختار، وبعضها الآخر نقص له، فيحكم بحُسن الأَول ولزوم الإِتصاف به، وقبح الثاني ولزوم تركه. ولو عمّم الطبع "فيما ذكرنا من المِلاكات" لهذا المعنى أي الطبع الإَعلى في الإِنسان، لكان هذا المعنى داخلا في الملاك الأَول.
توضيح ذلك: إِنَّ الحكماء قسموا العقل إلى عقل نظري وعقل عملي، فقد قال المعلم الثاني: "إِنَّ النظرية هي التي بها يَحُوز الإِنسان علم ما ليس من شأنه أن يعمله إنسان، والعملية هي التي يعرف بها ما من شأنه أن يعمله الإِنسان بإِرادته".
وقال الحكيم السبزواري في توضيحه:"إِنَّ العقل النظري والعقل العملي من شأنهما التعقّل، لكن النظري شأنه العلوم الصِرفة غير المتعلقة بالعمل مثل: الله موجود واحد، وأنَّ صفاته عين ذاته، ونحو ذلك.
والعملي شأنه العلوم المتعلقة بالعمل مثل: "التوكّل حسن" و"الرضا والتسليم والصبر محمودة". وهذا العقل هو المستعمل في علم الأَخلاق، فليس العقلان كقوتين متباينتين أو كضميمتين، بل هما كجهتين لشيء واحد وهو الناطقة"2.
ثم، كما أنّ في الحِكمة النظرية قضايا نظرية تنتهي إلى قضايا بديهية، ولولا ذلك لعقمت القياسات وصارت غير منتجة، فهكذا في الحكمة العملية، قضايا غير معلومة لا تعرف إلاّ بالإنتهاء إلى قضايا ضرورية، وإِلاّ لما عَرِف الإِنسان شيئاً من قضايا الحكمة العملية. فكما أنَّ العقل يدرك القضايا في الحكمة النظرية من صميم ذاته فهكذا يدرك بديهيات القضايا في الحكمة العملية من صميم ذاته بلا حاجة إلى تصور شيء آخر.
مثلا: إِنَّ تصديق كلّ القضايا النظرية يجب أَنْ ينتهي إلى قضية امتناع اجتماع النقيضين وارتفاعهما، بحيث لو ارتفع التصديق بها لَمَا أَمكن التصديق بشيء من القضايا، ولذا تسمى بـ "أمّ القضايا" وذلك كاليقين بأَنَّ زوايا المثلث تساوي زاويتين قائمتين، فإِنَّه لا يحصل إلاَّ إذا حصل قبله امتناع صدق نقيض تلك القضية، أي عدم مساواتها لهما.و إلاَّ فلو احتمل صدق النقيض لما حصل اليقين بالنسبة. ولأجل ذلك اتفقت كلمة الحكماء على أن إقامة البرهان على المسائل النظرية إنما تتم إذا انتهى البرهان إلى أمّ القضايا التي قد عرفت.
وعلى ضوء هذا البيان نقول:كما أَنَّ للقضايا النظرية في العقل النظري قضايا بديهية أو قضايا أوليّة تنتهي إليها، فهكذا القضايا غير الواضحة في العقل العملي، يجب أَنْ تنتهي إلى قضايا أولية وواضحة عنده بحيث لو ارتفع التصديق بهذه القضايا في الحكمة العملية لما صح التصديق بقضية من القضايا فيها.
فمن تلك القضايا البديهية في العقل العملي، مسألة التحسين والتقبيح العقليين الثابتين لجملة من القضايا بوضوح، مثل قولنا "العدل حسن" و"الظلم قبيح" و"جزاء الإِحسان بالإِحسان حسن" و"جزاؤه بالإِساءة قبيح".
فهذه القضايا قضايا أوليّة في الحكمة العملية والعقل العملي يدركها من صميم ذاته ومن ملاحظة القضايا بنفسها. وفي ضوء التصديق بها يسهل عليه التصديق بما يبنى عليها في مجال العقل العملي من الأحكام غير البديهية، سواء أكانت مربوطة بالأخلاق أولا، أم تدبير المنزل ثانياً، أَم سياسة المدن ثالثاً، التي يبحث عنها في الحكمة العملية.
ولنمثل على ذلك:إِنَّ العالِمِ الأَخلاقي يحكم بلزوم تكريم الوالدين والمعلِمين وأولي النعمة، وذلك لأَنَّ التكريم من شؤون جزاء الإحسان بالاحسان، وهو حسن بالذات، والإهانة لهم من شؤون جزاء الإِحسان بالإِساءة وهو قبيح بالذات.
والباحث عن أَحكام تدبير المنزل يحكم بلزوم القيام بالوظائف الزوجية من الطرفين وقبح التخلف عنها، ذلك لأن القيام بها قيام بالعمل بالميثاق، والتخلف عنها تخلف عنه، والأول حسن بالذات والثاني قبيح بالذات.و العالِم الإِجتماعي الذى يبحث عن حقوق الحاكم والحكومة على المجتمع يحكم بأنَّه يجب أَنْ تكون الضرائب معادلة لدخل الأفراد، وذلك لأن الخروج عن تلك الضابطة ظلم على الرعيَّة وهو قبيح بالذات.
والعالِم الإِجتماعى الذي يبحث عن حقوق الحاكم والحكومة على المجتمع يحكم بأَنَّه يجب أَنْ تكون الضرائب معادلة لدخل الأفراد، وذلك لأَن الخروج عن تلك الضابطة ظلم على الرعيَّة وهو قبيح بالذات.
وقس على ذلك كلّ ما يرد عليك من الأَبحاث في الحكمة العملية، سواء أكانت راجعة إلى الفرد (الإخلاق)، أو إلى المجتمع الصغير (البيت)، أَو إلى المجتمع الكبير (السياسة). فكل ما يرد فيها ويبحث عنه الباحثون، بما أَنَّه من شؤون العقل العملي، يجب أَنْ ينتهي الحكم فيه إيجاباً وسلباً، صحة وبطلاناً إلى القضايا الواضحة البديهية في مجال ذلك العقل.
إلى هنا انتهينا إلى أَنَّه يجب انتهاء الأَحكام غير الواضحة ابتداءً في مجال العقلين (النظري والعملي) إلى أَحكام بديهية مدركة بلا مؤونة شيء منهما. وذلك دفعاً للدور والتسلسل الذي استند إليه علماء المنطق والحكمة في القسم الأول، أَي الحكمة النظرية.والدليل واحد سار في الجميع.
إذا عرفت ما ذكرنا، يقع الكلام في أمر آخر وهو تعيين المِلاك لدرك العقل صحة القضايا البديهية أو بطلانها في مجال العقلين، فنقول:
إِنَّ المِلاك في مجال العقل النظري عبارة عن انطباق القضية مع التكوين وعدم انطباقها، فالعقل، يدرك من صميم ذاته أَن اجتماع النقيضين شيء غير متحقق في الخارج، وأنَّه لا يمكن الحكم بكون شيء موجوداً وفي الوقت نفسه الحكم بكونه معدوماً، يدرك ذلك بلا حاجة إلى تجربة واستقراء.
وأما المِلاك في العقل العملي فهو عبارة عن درك مطابقة القضية وملاءَمتها للجانب المثالي من الإِنسان غير الجانب الحيواني، أو منافرتها له.
فالإِنسان بما هو ذو فطرة مثالية، يتميز بها عن الحيوانات، يجد بعض القضايا ملائمة لذلك الجانب العالي أو منافية له. فيصف الملائم بالحُسن ولزوم العمل، والمنافي بالقُبح ولزوم الإِجتناب. ولا يدرك القضايا بهذين الوصفين لشخصه فقط أو لصنف خاص من الإِنسان أو لكل من يطلق عليه الإِنسان، بل يدرك حسن صدورها أو قبحه لكل موجود عاقل مختار سواء وقع تحت مظلة الإِنسانية أو خارجها. وذلك لأن المقوم لقضائه بأَحد الوصفين نفس القضية بما هي هي من غير خصوصية للمدرك.فهو يدرك أَنَّ العدل حَسَن عند الجميع ومن الجميع، والظلم قبيح كذلك، ولا يختص حكمه بأحدهما بزمان دون زمان ولا جيل دون جيل.
إلى هنا تم تبيين الأَمرين اللذين لهما دور في الحكم بالتحسين والتقبيح العقليين ويجب أن لا يُخلط أَحدهما بالآخر لكون الأَول مقدمة للثاني، وهما:
أ- إنتهاء كل القضايا في مجال العقلين إلى قضايا بديهية دفعاً للمحذور.
ب- تبيين مِلاك دركِ العقلِ صحةَ تلك القضايا البديهية في مجال العقلين.
وقد اتضح بذلك أنَّ المدعي للتحسين والتقبيح العقليين الذاتيين في غنى عن البرهنة لما يتبَّناه، كما أَنَّ المدعي لا متناع اجتماع النقيضين وارتفاعهما كذلك. والعجب أنَّ الحكماء والمتكلمين اتفقوا على أَنَّه يجب انتهاء القضايا النظرية في العقل النظري إلى قضايا بديهية، وإِلاّ عقُمت الأَقِيْسَة ولزم التسلسل في مقام الإِستنتاج، ولكنهم غفلوا عن إجراء ذلك الأَصل في جانب العقل العملي ولم يقسموا القضايا العملية إلى فكرية وبديهية، أَو نظرية وضرورية. كيف والإِستنتاج والجزم بالقضايا غير الواضحة الواردة في مجال العقل العملي لا يتم إِلاّ إِذا انتهى العقل إلى قضايا واضحة في ذلك المجال. وقد عرفت أَنَّ المسائل المطروحة في الأَخلاق، مما يجب الإِتصاف به أَو التنزّه عنه، أو المطروحة في القضايا البيتية والعائلية التي يعبر عنها بتدبير المنزل، أو القضايا المبحوث عنها في علم السياسة وتدبير المدن، ليست في وضوح على نمط واحد، بل لها درجات ومراتب. فلا ينال العقل الجزم بكل القضايا العملية إِلاّ إذا كانت هناك قضايا بديهية واضحة تبتني عليها القضايا المجهولة العملية حتى يحصل الجزم بها ويرتفع الإِبهام عن وجهها. ولأَجل ذلك نحن في غنى عن التوسع في طرح أَدلة القائلين بالتحسين والتقبيح ولا نذكر إِلاّ النَّزر اليسير منها.
فكما أَنهم غفلوا عن تقسيم القضايا في الحكمة العملية إلى القسمين، فهكذا غفلوا عن تبيين ما هو المِلاك لدرك العقل صحة بعض القضايا أوْ بطلانها في ذلك المجال. و يوجد في كلمات المتكلمين في بيان المِلاك والمعيار أمور غير تامة يقف عليها من راجع الكتب الكلامية.
• أَدلة القائلين بالتَّحسين والتَّقبيح العقليين
الدّليل الأول: هو ما أشار إليه المحقق الطّوسي بقوله: "ولإِنتفائهما مطلقاً لو ثبتا شرعاً"3. أي إنَّا لو قلنا بأنَّ الحُسن والقُبح يثبتان من طريق الشرع، يلزم من ذلك عدم ثبوتهما بالشرع أيضاً.
توضيحه: إِنَّ الحُسن والقُبح لو كانا بحكم العقل، بحيث كان العقل مستقلا في إِدراك حُسن الصدق وقبح الكذب، فلا إِشكال في أَنّ ما أَمر به الشارع يكون حَسَناً وما نهى عنه يكون قبيحاً، لحكم العقل بأَنَّ الكذب قبيح، والشارع لا يرتكب القبيح، ولا يتصور في حقه ارتكابه.
وأَما لو لم يستقل العقل بذلك، فلو أمر الشارع بشيء أو نهى عنه أو أخبر بحسن الصدق وقبح الكذب فلا يحسن لنا الجزم بكونه صادقاً في كلامه حتى نعتقد بمضمونه لاحتمال عدم صدق الشارع في أَمره أَو إِخباره فإِن الكذب حسب الفرض لم يثبت قبحه بعد، حتى لو قال الشارع بأَنَّه لا يكذب لم يحصل لنا اليقين بصدقه حتى في هذا الإخبار. فيلزم على قول الأَشعري أَنْ لا يتمكن الإِنسان من الحكم بحسن شيء لا عقلا ولا شرعاً.
وإِنْ شئت قلت: لو لم يستقل العقل بحسن بعض الأَفعال وقبح بعضها الآخر، كالصدق والكذب، وأَخبرنا الله سبحانه عن طريق أَنبيائه بأنَّ الفعل الفلاني حسن أَو قبيح، لم نجزم بصدق كلامه لتجويز الكذب عليه.
ثم إِنَّ الفاضل القوشجي الأشعري أجاب عن هذا الإِستدلال بقوله "إِنَّا لا نجعل الأَمر والنهي دليلي الحُسن والقبح ليرد ما ذكر بل نجعل الحُسن عبارة عن كون الفعل متعلق الأَمر والمدح، والقبح عن كونه متعلق النهي والذم"4.
يلاحظ عليه: إِنَّ البحث تارة يقع في التسمية والمصطلح فيصح أَنْ يقال إِنَّ ما وقع متعلق الأَمر والمدح حَسَن، وما وقع متعلق النهي والذم قبيح. والعلم بذلك لا يتوقف إلاّ على سماعهما من الشرع. وأخرى يقع في الوقوف على الحسن الواقعي أو القبح كذلك عند الشرع، فهذا مما لا يمكن استكشافه من مجرد سماع تعلق الأَمر والنهي بشيء إذْ من المحتمل أنْ يكون الشارع عابثاً في أَمره ونهيه. ولو قال إِنَّه ليس بعابث، لا يثبت به نفي احتمال العابثية عن فعله وكلامه، لاحتمال كونه هازلا أو كاذباً في كلامه.
فلأجل ذلك يجب أن يكون بين الإِدراكات العقلية شيء لا يتوقف درك حسنه وقبحه على شيء، وأن يكون العقل مستقلا في دركه، وهو حسن العدل وقبح الظلم وحسن الصدق وقبح الكذب حتى يستقل العقل بذلك على أنَّ كل ما حكم به الشرع فهو صادق في قوله. فيثبت عندئذ أنَّ ما تعلق به الأمر حسن شرعاً، وما تعلق به النهي قبيح شرعاً. وهذا ما يهدف إليه المحقق الطوسي من أنَّه لولا استقلال العقل في بعض الأفعال ما ثبت حسن ولا قبح بتاتاً.
الدليل الثاني: ما أشار إليه المحقق الطوسي أيضاً بقوله:"ولجاز التعاكس"5. أي في الحسن والقبح.
توضيحه: إِنَّ الشارع على القول بشرعية الحسن والقبح، يجوز له أن يُحَسّن أو يُقَبّح ما حَسّنه العقل أو قبّحه.و على هذا يلزم جواز تقبيح الإِحسان وتحسين الإِساءة وهو باطل بالضرورة. فإنَّ وجدان كل إنسان يقضي بأنَّه لا يصح أن يُذَمَّ المُحسن أو يُمدَحَ المسيء.قال أمير المؤمنين عليه السَّلام: "و لا يَكُونَنّ المُحسن والمُسيءُ عندَكَ بمنزلة سواء"6. والإِمام يهدف بكلمته هذه إيقاظ وجدان عامله، ولا يقولها بما أنَّها كلام جديد غفل عنه عامله.
الدليل الثالث: لو كان الحُسن والقُبح شرعيين لما حكم بهما البراهمة والملاحدة الذين ينكرون الشرائع، ويحكمون بذلك مستندين إلى العقل. وهؤلاء الماديون والملحدون المنتشرون في أقطار واسعة من شرق الأرض ومغربها يرفضون الشرائع والدين من أساسه، ويعترفون بحُسن أفعال وقبح بعضها الآخر.
ولأجل ذلك يغرّون شعوب العالم بطرح مفاهيم خدّاعة، بدعاياتهم الخبيثة، من قبيل دعم الصلح والسلام العالميين، وحفظ حقوق البشر والعناية بالأسرى والسجناء ونبذ التمييز العُنصري، إلى غير ذلك مما يستحسنه الذوق الإِنساني والعقل البشري في جميع الأوساط، يطرحون ذلك ليصلوا من خلاله إلى أهدافهم ومصالحهم الشخصية. ولولا كون هذه المفاهيم مقبولة عند عامة البشر لما استخدمها دعاة المادية والإِلحاد في العالم.
والحاصل أنَّ هناك أفعالا لا يشكّ أحد في حسنها سواء ورد حُسنها من الشرع أم لم يرد.كما أنَّ هناك أفعالا قبيحة عند الكل، سواء ورد قبحها من الشرع أم لا. ولأجل ذلك لو خُيِّر العاقل الذي لم يسمع بالشرائع، ولا علم شيئاً من الأحكام، بل نشأ في البوادي، خالي الذهن من العقائد كلّها، بين أن يَصْدُقَ ويُعَطى ديناراً، أو يَكْذِبَ ويُعْطَى ديناراً، ولا ضرر عليه فيهما فإِنه يرجحّ الصدق على الكذب. ولولا قضاء الفطرة بحسن الصدق وقبح الكذب لما فرق بينهما، ولما اختار الصدق دائماً.
وهذا يعرب عن أَنَّ العقل له قدرة الحكم والقضاء في أمور ترجع إلى الفرد والمجتمع، فيحكم بحسن إطاعة وليه المنعم وقبح مخالفته، وأنَّ المحسن والمسيء ليسا بمنزلة سواء، ونحو ذلك.
الدليل الرابع: لو كان الحسن والقبح باعتبار السمع، لما قبح من الله تعالى شيء. ولو كان كذلك لما قبح منه إظهار المعجزات على أيدي الكاذبين. وتجوز ذلك يسدّ باب معرفة الأنبياء، فإنَّ أيّ نبي أتى بالمعجزة عقيب الإدّعاء، لا يمكن تصديقه مع تجويز إظهار المعجزة على يد الكاذب في دعواه.
وهذه النتيجة الباطلة من أهم وأبرز ما يترتب على إنكار القاعدة. وبذلك سدّوا باب معرفة النبوّة.
والعجب أنَّ الفَضْل بن رُوزبَهان حاول الإِجابة عن هذا الدليل بقوله: "عدم إظهار المعجزة على يد الكذابين ليس لكونه أمراً قبيحاً عقلا، بل لعدم جريان عادة الله، الجاري مجرى المحال العادي، بذلك. فعند ذلك لا ينسد باب معرفة الأنبياء، لأنَّ العِلْم العادي حَكَم باستحالة هذا الإِظهار"7.
فإنَّه يُلاحظ عليه، إنَّه من أين وقف على تلك العادة، وأنَّ الله لا يجري الإِعجاز على يد الكاذب. ولو كان التصديق متوقفاً على إحرازها، لزم أن يكون المكذبون بنبوة نوح أو من قبله ومن بعده، معذورين في إنكارهم لنبوّة الأنبياء، إذ لم تثبت عندهم تلك العادة، لأَنَّ العلم بها إنما يحصل من تكرر رؤية المعجزة على يد الصادقين دون الكاذبين.
ويمكن أن يقال: إِنَّ تحصيل جريان عادة الله بأن لا يظهر المعجزة على يد الكاذب، يجب أن يستند إلى مصدر، فإن كان المصدر هو العقل فهو معزول عند الأشاعرة. وإن كان هو السمع فالمفروض أنَّه يحتمل أن يكون الشرع كاذباً في هذا الإِدعاء، بل لا سمع قبل ثبوت نبوّة النبي.
وحصيلة البحث: إِنَّ منكر الحُسن والقُبح منكر لما هو من البديهيات. ولا يصحّ الكلام معه، لأن النزاع ينقطع إذا بلغ إلى مقدمات ضرورية وهؤلاء ينازعون فيها.
ليت شعري، إذا لم يحكم العقل بامتناع التكليف بما لا يطاق، وجَوَّز أن ينهَى الله سبحانه العبد عن الفعل ويخلق فيه اضطراراً ويعاقبه عليه، فقل:ها، أيّ أمر يُدرِكُه العقل؟!!.
قيل: اجتمع النظَّام والنّجّار للمناظرة، فقال النجار: لم تدفع أن يكلف الله عباده ما لا يطيقون؟.
فسكت النظَّام، فقيل له: لم سَكَتّ؟.
قال: كنت أريد بمناظرته أن الزمه القول بتكليف ما لا يُطاق، فإذ التزمه ولم يستح، فبم الزمه؟.
وبذلك تعرف مدى وهن ما ذكره أبو الحسن الأشعري في لمعه، وإليك نصه:
"فإن قال قائل: هل لله تعالى أن يؤلم الأطفال في الآخرة؟ قيل له: لله تعالى ذلك، وهو عادل إن فعله"... إلى أن قال... "ولا يقبح منه أن يعذّب المؤمنين، ويُدخل الكافرين الجنان. وإنما نقول إنَّه لا يفعل ذلك، لأنه أخبرنا إنه يعاقب الكافرين وهو لا يجوز عليه الكذب في خبره"8.
• أدلة الأشاعرة على نفي التحسين والتقبيح العقليين
الدليل الأول: الله مالك كل شيء يفعل في ملكه ما يشاء
استدل الأشعري على مقالته بقوله: "والدّليل على أنَّ كل ما فعله فله فعله، أنَّه المالك، القاهر، الذي ليس بمملوك، ولا فوقه مبيح، ولا آمر، ولا زاجر، ولا حاظر، ولا مَن رَسَمَ له الرسوم، وحدّ له الحدود. فإذا كان هذا هكذا، لم يقبح منه شيء، إذ كان الشيء إنَّما يقبح منّا، لأنَّا تجاوزنا ما حدّ ورسم لنا، وأتينا ما لم نملك إتيانه. فلمَّا لم يكن الباري مملوكاً ولا تحت آمر، لم يقبح منه شيء. فإن قال: فإنما يقبح الكذب لأنه قبّحه، قيل له:أجل، ولو حسّنه لكان حسناً، ولو أمر به لم يكن عليه اعتراض.
فإن قالوا: فجوِّزوا عليه أن يكذب، كما جوزتم أن يأمر بالكذب.
قيل لهم: ليس كل ما جاز أن يأمر به، جاز أن يوصف به"9.
يلاحظ عليه: أمَّا أوَّلا: فإننا نسأل الشيخ الأشعري إنَّه سبحانه إذا أوْلَم طفله في الآخرة وعذّبه بألوان التعذيب، مع كون الطفل بريئاً لم يصدر منه ذنب، ورأى الأشعري ذلك بأم عينه في الآخرة، هل يرى ذلك عين العدل، ونفس الحُسن؟! أو أنه يجد ذلك الفعل، من وجدانه، أمراً مُنْكَراً؟.
ومثله ما لو فُعل بالأشعري نفس ما فعل بطفله مع كونه مؤمناً، فهل يرضى بذلك في أعماق روحه، ويراه نفس العدل، غير متجاوَز عنه، بحجة أنَّ الله سبحانه مالِك المُلك يفعل في ملكه ما يشاء؟ أو أنه يقضي بخلاف ذلك؟.
وأَمَّا ثانياً: فلا شك أنَّه سبحانه مالِك المُلك والملكوت يقدر على كل أمر ممكن "كما عرفت" من غير فرق بين الحَسَن والقبيح، فعموم قدرته لكل ممكن ممّا لا شبهة فيه، ولكن حكم العقل بأنَّ الفعل الفلاني قبيح لا يصدر عن الحكيم، ليس تحديداً لملكه وقدرته.و هذا هو المهم في حلّ عقدة الأشاعرة الذين يزعمون أنَّ قضاء العقل وحكمه في أفعاله سبحانه نوع دخالة في شؤون ربّ العالمين، ولكن الحق غير ذلك.
توضيحه:إِنَّ العقل بفضل التجربة، أو بفضل البراهين العقلية، يكشف عن القوانين السَّائدة على الطبيعة، كما يكشف عن القوانين الرياضية، فلو قال العقل: إِنَّ كل زوج ينقسم إلى متساويين، فهل يحتمل أنَّ العقل بذلك فَرَض حُكْمَه على الطبيعة، أو يقال إنَّ الطبيعة كانت تحمل ذلك القانون والعقل كشفه وبيّنه؟ فإذا كان هذا هو الفرق بين فرض الحكم وكشفه في عالم الطبيعة، فليكن هو الفارق بين إدراكِهِ حُسْن الفعل وقُبحه وأنَّ أيّ فعل يصدر منه وأيَّهُ لا يصدر منه، وفَرْضِهِ الحُكْمَ على الله سبحانه فرضاً يحدد سعة قدرته وَإرادته وفعله. فليس العقل هنا حاكماً وفارضاً على الله سبحانه، بل هو "بالنظر إلى الله تعالى وصفاته التي منها الكمال والغنى" يكشف عن أنَّ الموصوف بمثل هذه الصفات وخاصة الحكمة، لا يصدر منه القبيح، ولا الإِخلال بما هو حسن.
وبعبارة أخرى: إِنَّ العقل يكشف عن أنَّ المُتَّصفَ بكل الكمال، والغنى عن كل شيء، يمتنع أن يصدر منه الفعل القبيح، لتحقّق الصَّارف عنه وعدم الداعي إليه، وهذا الإمتناع ليس امتناعاً ذاتياً حتى لا يقدر على الخلاف، ولا ينافي كونه تعالى قادراً عليه بالذات، ولا ينافي اختياره في فعل الحسن وترك القبيح، فإن الفعل بالإِختيار، والترك به أيضاً. وهذا معنى ما ذهبت إليه العدلية من أنَّه يمتنع عليه القبائح. ولا يهدف به إلى تحديد فعله من جانب العقل، بل الله بحكم أنَّه حكيم، التزم وكتب على نفسه أن لا يخل بالحسن ولا يفعل القبيح. وليس دور العقل هنا إلاّ دور الكشف والتبيين بالنظر إلى صفاته وحكمته.
وباختصار: إِنَّ فعله سبحانه "مع كون قدرته عامة" ليس فوضوياً ومتحرراً عن كل سلب وإيجاب، وليس التحديد مفروضاً عليه سبحانه من ناحية العقل، وإنما هو واقعية وحقيقة كشف عنه العقل، كما كشف عن القوانين السائدة على الطبيعة والكون. فتَصوُّر أنَّ فعله سبحانه متحرر عن كل قيد وحَدّ، بحجة حفظ شأن الله سبحانه، وسعة قدرته، أشبه بالمُغالَطة، فإنَّ حفظ شأنه سبحانه غير فرض انحلال فعلِه عن كل قيد وشرط.
وبالتأمل فيما ذكرنا يظهر ضعف سائر ما استَدلَّ به القائلون بنفي التحسين والتقبيح العقليين. ولا بأس بالإِشارة إلى بعض أدلتهم التي أقامها المتأخرون عن أبي الحسن الأشعري.
الدليل الثاني: لو كان التحسين والتقبيح ضرورياً لما وقع الإِختلاف
قالوا: لو كان العلم بحسن الإِحسان وقبح العُدوان ضرورياً لما وقع التَّفاوت بينه وبين العِلْم بأنَّ الواحد نصف الإِثنين، لكنَّ التالي باطل بالوجدان.
وأجاب عنه المحقق الطّوسي بقوله: "يجوز التفاوت في العلوم لتفاوت التصور"10.
توضيحه: إنَّه قد تتفاوت العلوم الضرورية بسبب التفاوت في تصور أطرافها. وقد قرر في صناعة المنطق أنَّ للبديهيات مراتب: فالأَوليّات أبدَه من المشاهَدات بمراتب. والثانية أبده من التجريبيات والثالثة أبده من الحَدْسيات، والرابعة أبده من المتواترات، والخامسة أبده من الفطريَّات. والضابط في ذلك أنَّ ما لا يتوقف التصديق به على واسطة سوى تصور الطرفين فهو أبده من غيره، وذلك مثل الأوليات11، وهكذا.
فلو صحّ ما ذكره الأشاعرة من الملازمة، لزم أنْ لا تكون الحدسيات من اليقينيات.
وباختصار، إنَّ العلوم اليقينية، مع كثرتها ليست على نمط واحد، بل لها مراتب ودرجات، وهذا شيء يلمسه الإِنسان إذا مارس علومه ويقينياته وعلى ذلك فلا مانع من أن يقع الاختلاف في بعض العلوم الضرورية لدوافع خاصة، وهي في المقام تصوّر أنَّ الحكم بالحُسن والقُبح تحديد لسلطته سبحانه، فلأجل ذلك رفضت الأشاعرة هذا العلم الضروري للحفاظ على عموم سلطته تعالى.
الدليل الثالث: لو كان الحُسن والقُبح عقليين لما تغيرا
إِنَّ الحُسنَ والقُبحَ لو كانا عقليين لما اختلفا، أي لما حَسُن القبيح ولما قَبُح الحسن، والتَّالي باطل، فإنَّ الكذب قد يحسن والصدق قد يقبح وذلك فيما إذ تضمن الكذب إنقاذ نبي من الهلاك، والصدق إهلاكه.
فلو كان الكذب قبيحاً لذاته لما كان واجباً ولا حسناً عندما استفيد به عصمة دم نبي عن ظالم يقصد قتله12.
وأجاب عنه المحقق الطّوسي بقوله: "وارتكاب أقل القبيحين مع إمكان التخلّص"13.
وتوضيحه: إِنَّ الكذب في هذه الصّورة على قبحه إلاّ أنَّ ترك انقاذ النبي أقبح من الكذب، فيحكم العقل بارتكاب أقلّ القبيحين تخلّصاً من ارتكاب الأقبح. على أنَّه يمكن التخلص عن الكذب بالتعريض (أي التورية).
وباختصار: إِنَّ تخليص النبي أرجح من حسن الصدق فيكون تركه أقبح من الكذب فيرجح ارتكاب أدنى القبيحين وهو الكذب لا شتماله على المصلحة العظيمة، على الصدق.
أضف إلى ذلك، أنَّ الإِستدلال مبني على كون قُبح الكذب وحُسن الصدق، كقُبح الظّلم وحُسن العدل، ذاتيين لا يتغيران.و أَمَّا على ما مرّ من أنَّ الأفعال بالنسبة إلى الحسن والقُبح على أقسام منها ما يكون الفعل علة تامة لأحدهما، فلا يتغير حُسنه ولا قُبحه بعروض العوارض كحُسن الإِحسان وقُبح الإِساءة.و منها ما يكون مقتضياً لأحدهما، فهو موجب للحسن لو لم يعرض عليه عنوان آخر، وهكذا في جانب القبح. وقد تقدم أنَّ حُسْن الصّدق وقُبح الكذب من هذا القبيل. ومنها ما لا يكون علة ولا مقتضياً لأحدهما كالضرب، جزاء أو ايذاءً.
إلى هنا خرجنا بهذه النتيجة وهي أنَّ هناك أفعالا يستقل العقل بحسنها وقبحها، ويقضي بهما من دون أن يستعين بالشرع، ويرى حسنها وقبحها مطّرداً في جميع الفاعلين، من غير اختصاص بالخالق أو المخلوق.و قد ذكرنا مِلاك قضائه وهو ملاءمة الفعل أو منافرته للشخصية العلوية المثالية التي خلق الإِنسان عليها.
ثم إنَّ القول بالتحسين والتقبيح العقليين إنما يتم على القول بأنَّ الإِنسان فاعل مختار، وأمَّا على القول بأنَّه مجبور فى أفعاله، فالبحث عنهما منفي بانتفاء موضوعه، لأن شيئاً من أفعال المجبور لا يتصف بالحسن ولا بالقُبح عقلا.و بما أنَّ الأشاعرة يصوّرون الإِنسان فاعلا مجبوراً، فلازم مقالتهم نفي التحسين والتقبيح العقليين، وقد أثبتنا في محلّه كون الإِنسان فاعلا مختاراً غير مجبور14.
• التَّحسين والتقبيح في الكتاب العزيز
إِنَّ التدبّر في آيات الذكر الحكيم يعطي أنَّه يُسَلّم استقلال العقل بالتحسين والتقبيح خارج إطار الوحي، ثم يأمر بالحَسَن وينهي عن القبيح.
1- قال سبحانه: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالاِْحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾(النحل:90).
2- ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ﴾(الاعراف:33).
3- ﴿يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَـاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ﴾(الاعراف:157).
4- ﴿وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَآءَنَا وَ اللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ﴾(الاعراف:28).
فهذه الآيات تعرب بوضوح عن أنَّ هناك أموراً توصف بالإحسان والفحشاء والمنكر والبغي والمعروف قبل تعلّق الأمر أو النهي بها، وأنَّ الإِنسان يجد اتصاف الأفعال بأحدها ناشئاً من صميم ذاته، كما يعرف سائر الموضوعات كالماء والتراب. وليس عرفان الإِنسان بها موقوفاً على تعلّق الشرع وإنما دور الشرع هو تأكيد إدراك العقل بالأمر بالحسن والنهي عن القبيح.
أضف إلى ذلك أنَّه سبحانه يتخذ وجدان الإِنسان سنداً لفضائه فيما تستقل به عقليّته:
5- يقول تعالى: ﴿أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَ عَمِلُواْ الصَّـالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الاَْرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ﴾(ص:28).
6- ويقول سبحانه: ﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾(القلم:35-36).
7- ويقول سبحانه: ﴿هَلْ جَزَآءُ الاِْحْسَانِ إِلاَّ الاِْحْسَانُ﴾(الرحمن:60).
فالتدبّر في هذه الآيات لا يَدَعُ مجالا لتشكيك المشكّكين في كون التحسين والتقبيح من الأمور العقلية التي يُدركها الإِنسان بالحجة الباطنيّة من دون حاجة إلى حجة ظاهرية.
* الإلهيات،آية الله جعفر السبحاني.مؤسسة الامام الصادق عليه السلام.ج 1 . ص231-256.
1- الإِشارات والتنبيهات، ج 1، ص 219 - 220 - قوله: "و إمَّا اصطلاحيات": يريد منه أن تكون مشهورة عند الكل كقولنا: "العلم بالمتقابلات واحد"، فإِنَّ العلم بأبوة زيد لعمرو مساوق للعلم ببنوة عمرو لزيد.أو عند أصحاب صناعة كقولنا: "التسلسل محال"، وهو مشهور عند المناظرة. أو عند أصحاب ملة كقولنا: "الإله واحد" و"الرِّبا حرام".
2- تعليقات الحكيم السبزواري على شرح المنظومة، ص 310.
3- كشف المراد، ص 186.
4- شرح التجريد للفاضل القوشجي، ص 442.
5- كشف المراد، ص 186.
6- نهج البلاغة، الكتاب 53.
7- دلائل الصّدق، ج 1، ص 369.
8- اللّمع، ص 116.
9- اللّمع، ص 117.
10- كشف المراد، ص 186.
11- وجه الضبط أنَّ القضايا البديهية إمَّا أن يكون تصور طرفيها مع النسبة كافياً في الحكم والجزم، أو لا يكون. والأول هو الأوليات، والثاني إمَّا أن يتوقف على واسطة غير الحس الظاهر والباطن أو لا. والثاني المشاهدات، وتنقسم إلى مشاهدات بالحس الظاهر ومشاهَدات بالحسّ الباطن. والإَول إمَّا أن تكون تلك الواسطة بحيث لا تغيب عن الذهن عند تصور الأطراف أو لا تكون كذلك، فالأول هي الفطريات، وتسمى بالقضايا التي قياساتها معها. والثاني إمَّا أن يستعمل فيه الحدس، وهو انتقال الذهن الدفعي من المبادي إلى المطالب أو لا يستعمل فيه، فالأول هو الحَدْسيات، والثاني إن كان الحكم فيه حاصلا بإخبار جماعة يمتنع عند العقل تواطؤهم على الكذب فهو المتواترات، وإن لم يكن كذلك بل حاصلا من كثرة التجارب فهي التجربيات وقد علم بذلك حدّ كل واحد منها.
12- الإِحكام، للآمدي، ج 1، ص 121.
13- كشف المراد، ص 187.
14- لا حظ شرح تجريد الاعتقاد للفاضل القوشجي، ص 329، حول قولهم بكون الإِنسان مجبوراً في فعله.
source : http://almaaref.org