عربي
Monday 25th of November 2024
0
نفر 0

مؤسسة التكافل الاجتماعي

هي تلك المؤسّسة التي تقوم من إرادة جماعية، سواء من حيث تأسيسها أو من حيث دعمها وتطويرها والإشراف عليها، ويكون هدفها كفالة المحتاجين من المسلمين حاجة مادية أو معنوية، ومن أمثلتها الجمعيات الخيرية، ومؤسسات البر والإحسان، ومنظمات الإغاثة، ودور الأيتام والمشردين، ويمكن أن يدخل فيها أيضاً مؤسسات الدفاع عن حقوق الإنسان، ومنظمات العفو باعتبارها تناصر المظلومين والمضطهدين وتدافع عن حقوقهم، وذلك ضرب من الكفالة المعنوية لأفراد من المجتمع.
ولهذه المؤسسة أهمية كبيرة من حيث الدور الذي تقوم به في المجتمع، وما ينشأ من ذلك الدور من قوة نفوذ فيه قد تنامى بتطوّر المؤسّسة وتوسّعها حتى تصبح قوة ذات شأن في التأثير على المجتمع تأثيراً مادياً ومعنوياً، بل قد يصبح لها شأن في التأثير على الأحداث الاجتماعية والسياسية وتوجيهها في الوجهة التي تتماشى مع أهدافها التي قامت من أجلها. ولهذا السلطان المؤثّر الذي تكتسبه فأنك ترى الأنظمة السياسية الاستبدادية تحاول جهدها أن تمنع قيامها، أو تسعى إذا قامت في أن تهيمن عليها بطرق مختلفة تحسّباً لما يمكن أن تستخدم فيه تلك السلطات من وجهات مخالفة لوجهاتها.
وبناء علة ذلك فإنّ من المهمّ أن يكون لمشروع التحضّر الإسلامي موقع في هذه المؤسسة، يسعى من خلال نفوذها أن يجد طريقه إلى الإنجاز في دملة من المجالات الاجتماعية، خاصّة وأن مؤسسة التكافل هي من أقرب المؤسسات إلى العمق الاجتماعي، وأكثرها تمثيلية للضمير الشعبي، فمن خلالها وباستعمال نفوذها يمكن أن يتمّ إصلاح قاعدي يتناول بصفة مباشرة مساحة واسعة من الناس قد لا يلقي إليهم كثير من دعاة الإصلاح بالاً، منصرفين عنهم إلى مواقع التأثير العليا في المجتمع، والحال أن الإصلاح لمّا يتحقّق في العمق الشعبي فإنه ينعكس إيجابياً على سائر المستويات الأخرى، ويسهّل انتشار الوعي فيها؛ ولذلك فقد جاء القرآن الكريم في آياته المكية يحثّ على ترقية أوضاع الضعفاء والمحتاجين في المجتمع من المساكين والأيتام والمحرومين، ولا يغيب عنّا أن هؤلاء الضعفاء والمحرومين في مكّة لمّا انصلحوا بالإيمان كان لهم دور كبير في مؤازرة الدعوة ونصرتها ونشرها في الآفاق، فما ذلك إلا دليل على أهمية الإصلاح في القاعدة الشعبية الدنيا، فكأنّ ذلك هو الذي يجعل المجتمع مرتكزاً على أصل ثابت متين يمتد عليه بعد ذلك بناء الإصلاح ليعلو طوابق في غير خلل ولا اضطراب. هذا وإنّ امتلاك النفوذ في مؤسسة التكافل يساعد على تحقيق الرؤية الإصلاحية الإسلامية من جهات متعددة.
فمن خلال هذه المؤسّسة يكون إبراز شريعة التكافل بين المسلمين لتصبح شريعة جارية في الواقع، من حيث تناساها الكثير من المسلمين أو أخّروها في إيمانهم إلى درجات سفلى، وكأنما هي نافلة من النوافل وليست واجباً ملزماً شديد الصلة بالعقيدة نفسها. ألا ترى في شوارع المدن الإسلامية حطاماً كثيراً من الناس بين سائل ومشرّد ويتيم ومعوق ومحروم وفقير مدفع لا يملك من ضرورات الحياة شيئاً؟ وألا ترى إلى جانب هؤلاء التطاول في البنيان والتأنّق فيها، والتنافس في تكثير المساجد والمبالغة في تزويقها؟ إن ذلك لدليل على غياب واجب التكافل بين المسلمين أو خفّته كثيراً في الواقع الإسلامي. والتحرك من خلال المؤسسات التكافلية بروح إسلامية من شأنه أن يعيد إلى الوعي هذا الواجب الأكيد، ويشيع الشعور به، والعمل على إقامته وإنجازه. وفي ذلك عامل مهم من عوامل النمو الاجتماعي.
ويمكّن العمل من خلال هذه المؤسّسة من ترقية شريحة واسعة من شرائح المجتمع _ هي شريحة المحتاجين _ ترقية مادية ومعنوية: أما مادياً فبما يوفّر لهم من إيفاء بسدّ حاجاتهم، وإنقاذهم من الحرمان المادّي في صوره المختلفة، وأما معنوياً فبما يوفّر لهم من الأمن النفسي، ومن الثقة بالمجتمع، ومن الشعور بروح التآخي. وكل من هذا وذاك يعدّ عنصر تفعيل لهؤلاء، إذ هو ينتشلهم من اليأس والضياع، ومن النقمة والحقد مما يسقط أحياناً كثيرة في العمل التخريبي للمجتمع، ويرفعهم إلى موقع الاندماج الاجتماعي، والعمل الإيجابي المنتج، وفي ذلك خير للمجتمع وترقية له، وخطوة من خطوات التحضّر فيه. وقد ذكرنا أن في التاريخ شواهد متعدّدة على أن الطبقة المسحوقة في المجتمع حينما تتاح لها فرصة الإحياء والترقية فأنها قد تكون عامل حركه إصلاحية، تفضي إلى انطلاق حضاري شامل.
وامتلك المؤسّسة التكافلية يمكّن من منبر مهمّ للدعوة إلى الفكرة الإسلامية، وتعبئة النفوس لأجلها إيمانياً وعملياً، فلسلطان المادي والمعنوي الذي تتوفّر عليه إزاء من هم في دائرة تأثيرها يساعد كثيراً على الإقناع بالرؤية الإسلامية، وعلى الدفع من أجل إنجازها في الواقع، ولأن النفوس المحرومة حينما تمتدّ إليها يد المعونة المادية والمعنوية تنفتح لتلك اليد انفتاحاً، وتصبح قابلة لما يصاحب معونتها من توجيه واثقة فيه حقاً وخيراً، فيقع فيها موقع القبول والرضى، بل موقع الإيمان والاندفاع للتطبيق، ويتوفّر من ذلك عنصر جديد من عناصر التطبيق للفكرة الإسلامية متمثلاً في دائرة واسعة من الناس الذين كانوا مظنة إعاقة لهذا التطبيق لانشغالهم عنه باجترار مأساة الحرمان في نفوسهم.
ومن جهة أخرى فإن مؤسّسة التكافل حينما يتولاها المشروع الإسلامي فإنها تصبح ممثّلة لأنموذج عملي لمظهر التحضّر الإسلامي، إذ هي عيّنة لكفالة الإنسان ورعايته واحترام كرامته، والانتصار لحقوقه، وبذلك تصبح نقطة إشعاع دعوى عامّ من شأنه أن ينجذب الناس إليه، وأن يتأثّروا به في اتجاه الانخراط في المشروع الإسلامي، ومناصرته والعمل على تنفيذه. وقد تبيّن في الواقع كيف أن الحركة الإسلامية لمّا تمكنت من تأسيس بعض منظمات الإغاثة ومؤسسات الكفالة المختلفة في بعض البلاد الإسلامية، كيف أنها اجتمع حشود من الناس متقبّلين لدعوتها، ومستعدّين للانخراط في مشروعها، وما ذلك إلا دليل على فعالة مؤسسة التكافل في المساعدة على إنجاز النهوض، باعتبار ما تتوفّر عليه من سلطان اجتماعي.


source : البلاغ
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

العلاقات الزوجية الناجحة تُحسِّن مناخ الأرض
السيد محسن الأمين العاملي ( قدس سره ) ( 1284 هـ ـ 1371 ...
المرأة في القرآن
مدير قناة الجزيرة في باكستان عضو في القاعدة ...
ربط الطفل بالسلف الصالح
إصدار كتاب "المنهج الحق كتاب الله والعترة ...
الإمام الخميني رجل القرن العشرين، ورجل القرن ...
إصدار كتاب "النَّثر الفنِّي في ثورة ...
رجل ضعيف وامرأة قوية .. صراع بين قوتين
ثورة زيد بن علي بن الحسين

 
user comment