أقول : وروى القمي ، في تفسيره : ما يقرب منه . وفي تفسير القمي ، عن الصادق عليه السلام قال : إن إبراهيم كان نازلا ، في بادية الشام فلما ولد له من هاجر إسماعيل اغتمت سارة من ذلك غما شديدا ، لأنه
لم يكن لها ولد ، وكانت تؤذي إبراهيم في هاجر وتغمه ، فشكى إبراهيم ذلك إلى الله عز وجل ، فأوحى الله إليه : ( مثل المرأة مثل الضلع العوجاء ، إن تركتها استمتعت بها ، وإن أقمتها كسرتها ) ثم أمره : إن يخرج
إسماعيل وامه ، فقال : يا رب إلى أي مكان ؟ فقال إلى حرمي وأمنى ، وأول بقعة خلقتها من الأرض ، وهي مكة فأنزل الله عليه جبرئيل بالبراق فحمل هاجر وإسماعيل وإبراهيم وكان إبراهيم لا يمر بموضع حسن فيه
شجر وزرع ونخل إلا وقال إبراهيم : يا جبرئيل إلى هيهنا ، إلى هيهنا ، فيقول جبرئيل لا امض ، امض ، حتى وافى مكة فوضعه في موضع البيت ، وقد كان إبراهيم عاهد سارة أن لا ينزل حتى يرجع إليها ، فلما نزلوا
في ذلك المكان كان فيه شجر ، فألقت هاجر على ذلك الشجر كساء كان معها ، فاستظلوا تحته ، فلما سرحهم إبراهيم ووضعهم أراد الانصراف عنهم إلى سارة ، قالت له هاجر: يا إبراهيم أتدعنا في موضع ليس فيه
أنيس ولا ماء ولا زرع ؟ فقال إبراهيم : الله الذي أمرني، أن أضعكم في هذا المكان هو يكفيكم ثم انصرف عنهم، فلما بلغ، كداء، (وهو جبل بذي طوى) التفت إبراهيم، فقال: {رب اني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي
زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون} ثم مضى وبقيت هاجر ، فلما ارتفع النهار عطش إسماعيل ، فقامت هاجر في موضع السعي
فصعدت على الصفا ، ولمع لها السراب في الوادي ، فظنت أنه ماء ، فنزلت في بطن الوادي، وسعت فلما بلغت المروة غاب عنها إسماعيل، عادت حتى بلغت الصفاء، فنظرت حتى فعلت ذلك سبع مرات فلما كان في
الشوط السابع ، وهي على المروة نظرت إلى إسماعيل وقد ظهر الماء من تحت رجليه فعادت حتى جمعت حوله رملا، فإنه كان سائلا، فزمته بما جعلت حوله ، فلذلك سميت زمزم وكانت جرهم نازلة بذي المجاز
وعرفات ، فلما ظهر الماء بمكة عكفت الطير والوحش على الماء ، فنظرت جرهم إلى تعكف الطير والوحش على ذلك المكان فأتبعتها ، حتى نظروا إلى امرأة وصبي نازلين في ذلك الموضع ، قد استظلا بشجرة ، وقد
ظهر الماء لهما ، فقالوا لهاجر : من أنت وما شأنك وشأن هذا الصبي ؟ قالت : أنا أم ولد إبراهيم خليل الرحمن ، وهذا ابنه ، أمره الله أن ينزلنا هيهنا ، فقالوا له : أتأذنين لنا أن نكون بالقرب منكم ؟ فقالت لهم : حتى
يأتي إبراهيم ، فلما زارهم إبراهيم في اليوم الثالث قالت هاجر : يا خليل الله إن هيهنا قوما من جرهم يسئلونك : أن تأذن لهم ، حتى يكونوا بالقرب منا ، أفتأذن لهم في ذلك ؟ قال إبراهيم : نعم فأذنت هاجر لهم ،
فنزلوا بالقرب منهم ، وضربوا خيامهم ، فأنست هاجر وإسماعيل بهم ، فلما زارهم إبراهيم في المرة الثانية نظر إلى كثرة الناس حولهم فسر بذلك سرورا شديدا ، فلما تحرك إسماعيل وكانت جرهم قد وهبوا
لاسماعيل كل واحد منهم شاة ، وشاتين فكانت هاجر وإسماعيل ، يعيشان بها .
تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج 1 - ص 287 - 290
source : اهل بیت